يوسف يوسف
الحوار المتمدن-العدد: 6354 - 2019 / 9 / 18 - 23:19
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
الموروث الأسلامي وفقه العنف
المقدمة :
قبل تناول الموضوع ، أرى من الضروري أن نقدم تمهيدا أوليا له ، وذلك عن طريق عرض أو أستهلال أولي للمفردتين المحورتين في العقيدة الأسلامية ، ألا وهما : أولا - الموروث الأسلامي ، أن أصل كلمة تراث / موروث ، في اللغة من مادة ( ورث ) التي تدور حول " ما يتركه الإنسان لمن بعده " ، والموروث الأسلامي هو مصطلح شامل يتسع لكل ما له علاقة بالإسلام من نصوص القرآن والسنة النبوية واجتهادات العلماء السابقين في فهم هذه النصوص وتطبيقها على الواقع ، وقد حصل خلاف حول ما إذا كان هذا التراث دينا مقدسا يجب الالتزام به ، أو نصوصا واجتهادات مرتبطة بأزمانها وأماكنها الغابرة ، تعامل على أنها تاريخ ينقل لنا تجربة بشرية قابلة للنقد والنقض والتعديل والتطوير بما يتناسب مع الزمان والمكان والظروف الخاصة بكل عصر . / نقل من الويكيبيديا.
ثانيا - الفقه ، أن معنى الفقه لغة - قال فى الصحاح : الفقه الفهم . قال أعرابى لعيسى بن عمر : شهدت عليك بالفقه . تقول منه فقه الرجل بالكسر ، وفلان لا يفقه ولا ينقه ( أى يفهم ) وفى القاموس المحيط : الفقه بالكسر العلم بالشىء والفهم له . وفى المصباح المنير الفقه فهم الشىء . قال ابن فارس : وكل علم لشىء فهو فقه . فالفقه هو الفهم لما ظهر أو خفى ، قولا كان أو غير قول ، ومن ذلك قول الكتاب الكريم : { ما نفقه كثيرا مما تقول } (1)، { ولكن لا تفقهون تسبيحهم }(2) .
النص :
ليس من موروث دينيا ماضويا ، يتقاطر الدم من على جنباته ومعبأءة نصوصه في ألغاء الأخر ومنغلق على نفسه .. كالموروث الأسلامي ، هذا الموروث وبكل ما أضيف أليه من قبل السلف والأولين حتى فقهاء ومشايخ المحدثين الى رجال ودعاة الأسلام اليوم .. ، لا زال ينهل متخبطا من جلباب عهد الدعوة المحمدية ، فهو موروث لم يأتي بجديد في مجال التعايش والتأقلم وقبول المجتمعات المغايرة لثقافته ! ، لأنه أصلا لم يكن بحد ذاته أضافة للحضارة الأنسانية ، وذلك لأنه أستمر يفسر / حسب فهم وميل ونهج الفقهاء والشيوخ ، بعيدا عن العقلانية ، وبما يتماشى مع عقيدة الأسلام ، في حلقة النصوص القرأنية والسنة النبوية وأحاديث الرسول ، التي يغلب على بعض نصوصها طابع التوحش والقتل ، حتى جعلني أرى أنه موروثا أوجد مفهوما للقتل ، تحت مسمى " فقه العنف " .
القراءة :
أولا - نحن في هذا المقام لسنا بصدد عرض ونقد الموروث الأسلامي كاملا ، الذي يحتاج الى عشرات الكتب ، الذي تثقف بعضا من نصوصه بالعنف المفرط المتوحش الغير مسبب !! ، ولكن سأعرض أضاءأت مقتضبة وحسب مقتضيات المقال .
ثانيا - أن العنف أراه أخذ صيغة من الفقه / الفهم ، وهو ربط هذا العنف المتوحش بالموروث الأسلامي / بما يضم من نصوص وروايات ! ، وهذا هو الذي نراه في شناعة المنظمات الأسلامية الأرهابية اليوم بدءا من القاعدة وصولا الى النصرة وداعش ، أن كل ما يمارس من توحش / صلب وحرق وسحل .. ، له أوليات وسوابق في الموروث الأسلامي ، بدءا من زمن الحقبة النبوية وما بعدها ! .
ثالثا - تساؤل كيف يستقيم الحال / مثلا ، مع الوضع المجتمعي اليوم وفق حديث الرسول التالي ( أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله ، ويقيموا الصلاة ، ويؤتوا الزكاة ، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم بحق الإسلام وحسابهم على الله / روي الحديث عن أبن عمر و أبي هريرة ) ، وكيف يمكن أن يستقبل المتلقي لهكذا حديث / بعيدا عن تجميل تفاسير المفسرين ! ، لأن الحديث محدد في أيطار لا خيار فيه أما الأسلام وأما القتل ! .
رابعا - وفي نص قرأني أخر ، يصف الله الرسول بالتالي ( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ107 / سورة الأنبياء ) ، هنا من الضروري أن نتساءل كيف لهذا الرسول أن ينقل عن حديثه ( أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله .. ) ، وبذات الوقت ، يقول الله عنه أنه " رحمة للعالمين " ! ، أرى وجود تناقضا بنيويا في الوضع المعلوماتي لشخصية للرسول ، من جهة ، وبالسياق العام للموروث الاسلامي ، هذا من جهة أخرى ! ، وذلك لأن الرحمة لا يمكن أن تتفق مع سياق الحديث أنف الذكر ، وهنا أيضا المتلقي / المطلع خاصة ، سيقف مشدوها وحائرا في أستيعاب هكذا نصوص متضاددة ! .
خامسا - يمكن القول أن بواكير العنف والتوحش في الأنتقام والمروي عنه في الموروث الأسلامي كان في مقتل أم قرفة / بأمر مباشر من رسول الأسلام ( وهي فاطمة بنت ربيعة بن بدر بن عمرو الفزارية من قبيلة بني فزارة . وكانت شاعرة من أعز العرب ممن يُضرب بهم المثل في العزة والمنعة فيقال : " أعز من أم قرفة ". وإذا تشاجرت قبيلتها مع غطفان بعثت خمارها على رمح فيصطلحون ، كانت أم قرفة تؤلب الناس على النبي محمد .. قال حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة قال حدثني ابن إسحاق عن عبدالله بن أبي بكر قال : أرسل في السنة السادسة للهجرة زيداً بن حارثة في سرية فقتلها ، إذ ربط رجيلها بحبل ثم ربطهما بين بعيرين حتى شقها شقاً ، وكانت عجوزاً كبيرةً . ثم حُمل رأسها إلى المدينة ليُعلم أنها قتلت / نقل بتصرف من موقعي ملتقى أهل الحديث والويكيبيديا ) ، هل ما يقوم به الأن الأرهاب بعيدا عن شناعة قتل " أم قرفة " !! ، ام أنه متوافق مع ما حصل قبل أكثر من 14 قرنا ، أذن هناك موروث ديني لما يحدث اليوم ، يستند عليه الأرهاب كمرجعية لما يقوم به من أفعال وحشية .
سادسا - وفي جانب أخر ، نفس الموروث الأسلامي ينقل عن علي بن ابي طالب / أبن عم الرسول وصهره ، " أنه قال : ( اللهم اجعلني مظلوما ولا تجعلني ظالما ) لأن المظلوم سوف يأخذ الله حقه من الظالم وان اخذه ( اخذ عزيز مقتدر ) .. / نقل من موقع منتديات يا حسين " ، والتساؤل كيف لعلي / وهو من آل بيت الرسول ، والذي كان متلازما ومصاحبا مع الرسول ، ومرافقا له ليل نهار ، أن لا يؤمن بالأنتقام ويترك أمره لله ، وصاحب الدعوة / الرسول ، بنفسه ينتقم وبأفظع أنتقام - بقتل ام قرفة ! ، علما أن علاقة الرجلين / الرسول وعلي ، " أقرب من حبل الوريد " .
سابعا - كما أن النص القرأني يقدم لنا صورة وحشية عن الله ، لا يمكن للأنسان أن يتصورها ، لأنه يقدم للمتلقي أن الله معذب للبشر ، وهو صفة الرحمة والغفران والمحبة ، وأرى أن هذا الأمر أوقع النص القرأني في أشكالية بنيوية بحد ذاته من التوحش والعنف !! ، والأية التالية مثال على ذلك " إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُم بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا (56) / سورة النساء " .. وفي تفسير الطبري للأية / أنقله بأختصار : ( قال أبو جعفر : هذا وعيد من الله للذين أقاموا على تكذيبهم بما أنـزل الله على محمد من يهود بني إسرائيل وغيرهم من سائر الكفار ، وبرسوله . يقول الله لهم : إن الذين جحدوا ما أنـزلتُ على رسولي محمد ، من آياتي ، يعني : من آيات تنـزيله ، ووَحي كتابه ، وهي دلالاته وحججه على صدق محمد فلم يصدقوا به من يهود بني إسرائيل وغيرهم من سائر أهل الكفر به ، سوف نصليهم نارًا "، يقول : سوف ننضجهم في نارٍ يُصلون فيها ، أي يشوون فيها " كلما نضجت جلودهم "، يقول : كلما انشوت بها جلودهم فاحترقت " بدلناهم جلودًا غيرها "، يعني : غير الجلود التي قد نضجت فانشوت .. ) .
خاتمة :
الموروث الأسلامي ، بكل ما به من مواضيع أشكالية وخلافية ، كالجهاد مثلا ، وفق كم هائل من النصوص ، كالأية التالية ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ 35 / سورة المائدة ) ، أضافة الى موروث يتعلق ب : قتل الأسرى والجزية وأسلمة العالم وألغاء الأخر والتكفير وغيرها الكثير .. التساؤل كيف لهكذا موروث أن يتفق ويتسق مع العلاقات المجتمعية لعالم القرن الواحد والعشرين ! ، وكيف لهكذا موروث أن يقبل أنسانيا ، أو أن يكون ضمن التراث الحضاري ! أو أن يكون أضافة له ، وهو يصوغ ويشرعن كل عمليات الأرهاب ، حتى وسم هذا التوحش من قبل العصابات الأرهابية بأنه متفقها وفق الموروث الديني الأسلامي .
#يوسف_يوسف (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟