أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عمر سعلي - قراءة في واقع الحياة السياسية بالمغرب.















المزيد.....

قراءة في واقع الحياة السياسية بالمغرب.


عمر سعلي
كاتب

(Omar Siali)


الحوار المتمدن-العدد: 6353 - 2019 / 9 / 16 - 23:19
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


بلا شك يعيش المغرب حالة غير مطمئنة ، نبرة الخطاب السياسي لأعلى سلطة في الدولة تبين ذلك وتطالب بالصراحة والجرأة في وضع الأصبع على الجرح اليوم قبل الغد ، وقد بدت المؤسسة الملكية الطرف الوحيد الذي يبادر ويكسر صمت القبور ويطرح توجهاته في البركة السياسية الصامتة ،وهذه إشارة أن القصر انتقل من موقع النقد والتوجيه الإعتيادي إلى الفعل المباشر في الساحة متجاوزا الأجهزة المنتخبة ،تجلى هذا في قرار تشكيل لجنة كفاءات لمراجعة النموذج التنموي واستعدادات لتعديل حكومي واسع وخبر عن اقتراب حملة على الفساد والمتورطين فيه..وكل هذا جاء تتويجا لنقد قاسي من المؤسسة الملكية للأحزاب السياسية في زمن برزت فيه مرة أخرى احتجاجات اجتماعية لكنها تختلف عن تلك التي راجت في السبعينيات والثمانينيات إذ لا تثيرها نقابات ولا هيئات ولاخلفية سياسية رائجة لها ، بمعنى جوابها محض اجتماعي .وهو ما يعني أن السلطة إن لم تقم ب" ثورة " في المجال التنموي فإنها مع تصحر المشهد السياسي ستقف مرّة أخرى بأدواتها الغير السياسية وجها لوجه مع أي انفجار اجتماعي وهذا ما سيربك التزامها بالإنتقال الديموقراطي الذي تعتبره خيار استراتيجي وسيقوض ما رسمته عن نفسها من مصداقية وما وعدت به في مجال الإصلاح السياسي وما التزمت به داخليا ودوليا في مجال الحقوق والحريات..

فهل يعني هذا أن السلطة باتت ترفع شعار التنمية قبل السياسة واستكمال الإصلاح السياسي بات مجمد ؟ وكيف أصبح المشهد السياسي برمته لا قيمة له ولا وزن ؟ وهل ستخسر الدولة أكثر مما ستربح إن أقرت إلزامية التصويت؟

حجم الأحزاب ونفوذ الوسط البيروقراطي ..المعادلة الصعبة.

لقد مرت الحياة الحزبية بالمغرب من تجربتها الخاصّة ، وكانت من التجارب الغنية في محيط المغرب عربيا وإفريقيا ،لكنها اليوم أضحت أقل توهجا وحيوية مما كانت عليه في السابق ،وبدت تندثر ويزداد المشهد السياسي معها تصحرا وجذبا لسهام النقد من الجميع ، من الشعب وحتى من المؤسسة الملكية التي لطالما انتقدت أداء الأحزاب وأظهرت عدم رضاها عليها ،فوصفتها أحيانا بالجبن والسعي وراء المكاسب الضيقة ، وفي قول شهير قال عنها الملك في خطاب رسمي أنها تظل "تختبئ وراء القصر الملكي" إبان المشاكل والأزمات وكونها لا تقوم بكامل أدوارها في التأطير والتمثيل .

فلا يتصور أن توجد ديموقراطية بلا أحزاب سياسية قوية ومستقلة في قرارها وذات تمثيلية على الأرض تجسد طموحاتها في برنامجها الإنتخابي ،حيث تعبر عائلة الأحزاب السياسية عن تعددية طبيعية موجودة في المجتمع ،بحيث يتم إشراك ما أمكن من التوجهات داخل الفعل السياسي الديموقراطي وتمكين الجميع من الإحساس بدوره في إدارة الشأن العام ،وهذا ما يكون دعامة للسلم الأهلي والمنافسة الشريفة وربط المسؤولية بالمحاسبة والتداول السلمي على السلطة .

هذا من الناحية النظرية ، وعمليا ترتطم آمال الديموقراطية في الشرق الأوسط وشمال افريقيا بواقع آخر ، إذ تكثر السلطات الديكتاتورية وتتوغل الأجهزة الصلبة الغير المنتخبة على حساب الأجهزة المرنة ويقود الأمن السياسة فيغيب بذلك التداول السلمي على السلطة، ورغم سماح الأنظمة العربية بتعدد شكلي للأحزاب السياسية فقد عملت على أن تستخلص لنفسها حزبا يعبر عن مصالحها على كل الصعد موضعة بيده كل الإمكانيات بصفته حزبا أغلبيا ،كما في تونس سابقا مع حزب بنعلي وفي الجزائر مع جبهة التحرير والسودان مع حزب المؤتمر الوطني وحزب مبارك ، وأحزاب أخرى من طينة التي لا شريك لها ولو شكليا وتوصف بأنها قائدة الدولة والمجتمع كما حزب البعث في سوريا والعراق سابقا..

لكن الأمر بالمغرب اختلف، فقد سمحت السلطة بتعدد الأحزاب وهذا له أسباب تاريخية لها علاقة بقوة حزب الإستقلال إبان التنافس الشديد على السلطة بعد إعلان استقلال المغرب عن فرنسا واسبانيا فلم تضع الدولة كل بيضها في سلة حزب واحد أو ترتكز على حزب الإستقلال "رائد التحرر الوطني" كما يسمى نفسه ويريد، وإن حاول البعض قبل أكثر من عشر سنوات مع حزب الأصالة والمعاصرة إذ فشل المشروع ،فعادت الأمور إلى النهج القديم بالعمل مع أحزاب أنشأها مقربون من السلطة ولصالح برامجها .

وقد تمكنت السلطة على الدوام من الحفاظ على المشهد السياسي والحزبي قريب إلى صدرها وأحدثت نوع من التوازن الدائم وامتلكت القدرة السريعة على عزل الأحزاب التي تحاول اللعب خارج الخطوط المسموح بها أو التي تسعى لمزيد من المكاسب نظير قوتها أو التي لها مرجعية تتناقض مع تصور الدولة المغربية الحديثة أو التي قد تنافس السلطة أو تخترقها، كل هذا حتّم على الدولة وجود مشهد حزبي تطمئن له تعيد عبر حلفاءها الأوراق إلى صدرها كلما ابتعدت.

ومما ينتقد عليه هذا الأسلوب أنه لا يدفع الإنتقال الديموقراطي إلى الأمام ويؤشر على نظرة "إستهلاكية" و"تزيينية" إلى الأحزاب السياسية وكل ما تستدعيه عملية الإستخدام من أساليب قد تبتعد عن الشفافية إذ بالإمكان أن توجد أطراف من جهات مختلفة من مصلحتها ضعف حزب وقوة آخر أو توريط زعيم واحتواء آخر ، إلى جانب أسباب ذاتية وموضوعية ثقافية وتاريخية عتيقة أطرت لقرون علاقات النخبة المغربية بقصور الحكم ،فتراكمت هذه المعطيات مع ثقافة الإنتهازية والغنينة وقيام العديد من الأحزاب السياسية على محركات تقليدية تتمحور على العائلة والقبيلة والإقطاع وتقدم الولاء على الكفاءة ،وغياب الديموقراطية الداخلية ،فأدى كل هذا في نهاية المطاف إلى شل هذه الهيئات التمثيلية وتذويبها حتى صارت شيئا بلا لون منهك ومستهلك وأخطر من ذلك متهم شعبيا بالفساد والفشل والخداع فتدنت قدرته لأدنى مستوى في استثارة الجماهير في النزال السياسي فخرجت تقريبا من أن تكون ركيزة ذات مصداقية تساعد النظام السياسي في تجديد نفسه وتنفيس الإحتقان.

أمراض الحياة السياسية عامة في المنطقة العربية

لا يقف نجاح الأحزاب السياسية ولا قوتها على ذاتها فقط أو بطبيعة علاقاتها بقاعدتها ،وإنما نجاح أي تجربة حزبية هو نتاج لبيئة توفر لها القيم الملائمة للنجاح وتاريخ عريق أيضا يقلل من الصدمات والمفاجئات والتقاطب السياسي الحاد كنتيجة لعدم حسم الإتجاهات الكبرى للدولة والمجتمع فيظهر الإنقسام والتطاحن فانهيار كامل للتجربة كما حدث في مصر على سبيل المثال ، حيث أدت البرامج السياسية المتضادة لأحزاب موغلة في الإيديولوجية إلى انقسام خطير أدى في نهاية المطاف إلى عودة الجهاز البيروقراطي لمسك الأمور والذي ترى الأصوات المعبرة عنه أن الشعوب في المنطقة العربية لم تنضج بعد للممارسة الديموقراطية وكون المجتمع لا تزال تحركه الدوافع التقليدية بالأخص الدينية .

تشاطرها في ذلك أوساط من قوى تقدمية وعلمانية لا تطمئن لدوافع الإختيارات الشعبية الحرة وتعتبرها ليست إلاّ محركات تقليدية لها علاقة بالقبيلة والدين وشراء الذمم لضعف سيادة القانون وتدني التعليم والمستوى المعيشي والثقافي، عكس المناخ الديموقراطي في عدد من التجارب التي اقتربت أو حسمت في اختياراتها الكبرى لما يجب أن تكون عليها الدولة والمجتمع (فهمه للدين،ثقافته،نظرته للأخر ،علمانيته، استيعاب الإختلاف السياسي والفكري،نظرته للأقليات الدينية والإجتماعية وحسم الأمر لصالح مفاهيم حقوق الإنسان..) بمعنى أنها صنعت بيئة الحياة الديموقراطية خلاف "العالم الإسلامي" الذي لا يزال يخوض هذا التحدي ويحتاج إلى نضال مرير وسلطة غير محافظة تساند هذا الخيار وأصعب تحدي أن النص الديني في العالم الإسلامي لا يزال أقوى وأكثر تناولا للسياسة والدولة من الأناجيل،بالإضافة إلى استخدام الجميع للتراث داخل المعترك السياسي عوض معالجته والجرأة في نقده .

وعلى هذا الأساس ترى بعض النخب الفكرية والأمنية والسياسية أن المجتمعات في العالم الإسلامي غير مأهلة بعد لحياة حزبية حرّة ، وعليه أن يتأجل التحول السياسي نحو الديموقراطية الذي تعتبره تتويجا لمسار طويل من التحديث الإداري والثقافي والإقتصادي ،إذ التنمية الإقتصادية تعزز التعليم الجيد فيشكلان معا عاملا مساهما في ترسيخ قيم الديموقراطية وتغيير القيم المجتمعية نحو مناخ أكثر علمانية وعقلانية ، كما يمكِّن الأمن الإقتصادي من الإطمئنان لهامش الإنفتاح السياسي بما يمكن أن لا يصبح ساحة للصراع الطبقي الميداني تدفع ثمنه الدولة كل مرة بتدخلها .

وواقع الحياة السياسية بالمغرب جزء من هذا المناخ الإقليمي بظروفه ،مع خصوصية محلية وداخلية ذُكرت سابقا ، محورها أن القصر حاليا ليس من مصلحته التخلي عن الجميع أو إعلان حالة استثناء لظروف دولية وداخلية وللإلتزامه دستوريا بالإنتقال الديموقراطي ،كما ليس هناك ظروف تدعوه لتنازلات في الإختصاصات ،لتبقى المهمة الصعبة في كيفية تدبير جمود العمل السياسي الحزبي فمن الصعب التعايش مع ضعفه المطرد مقابل تمدد حركة الشارع وسير الأمور لمزيد من عزلة المشهد السياسي الرسمي وما لهذا من تبعات خطيرة على كل المستويات.

وقد تبين من تجربة الحكومة السابقة التي شهدت طفرة تواصلية هائلة وتنافس انتخابي نشط أن نشاط الأحزاب وقوتها ليس خطرا على المراكز العميقة للقرار إذا كانت لها نية الشراكة والإنفتاح الديموقراطي، بل الأخطر هو تفاعل الدولة لحشد الدعم للأحزاب السياسية كما يروج هذه الأيام عن احتمال إلزامية التصويت ،لأنه لا يعقل بما استثمر في الأحزاب السياسية أن تصبح في زمن سياسي صعب عبئا على الدولة تستهلك من رصيدها عوض هي أن تنجح في في حشد الجماهير للمشاركة وتأكيد مشروعية النظام والذهاب معه لمزيد من الإصلاحات الدستورية العميقة والمتدرجة .

خاتمة

لقد باتت تعيش الدول العربية والمغاربية لحظة فارقة ، بين شبابها المتعطش للسلة كاملة بما فيها من مشاركة سياسية وديموقراطية وحرية وعيش كريم وبين سلطة مرتبكة تتخوف نخبها الأمنية والفكرية من تغييرات غير محسوبة تدخل على الدولة من بوابة الإنفتاح الديموقراطي ،وبين المراكز الغربية المتخوفة من تغيرات ردكالية تحذف مصالحها القديمة وتفرض واقع جديد على استراتجياتها المثبتة في شمال افريقيا والشرق الأوسط ،والعيون معقودة هذه الأيام على التجربة التونسية التي يراها البعض نتاج لما أُرسيّ مسبقا من تنمية مقبولة وصوت علماني قوي تشكل المرأة التونسية عموده الفقري.



#عمر_سعلي (هاشتاغ)       Omar_Siali#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- محور مقاومة أم تحالف لأقليات دينية
- قضية معتقلي حراك الريف..أي فرص لحل مستدام ؟
- ماذا يعني ترحم شيوخ جبهة النصرة على محمد مرسي..؟
- التفاعل الثاني مع كتاب -ذاكرة الإسلام- للأستاذ مرزوق الحقوني
- قراءة ونقد في كتاب -ذاكرة الإسلام- للأستاذ مرزوق الحقوني-الح ...
- الشيعة دهاة في السياسة وحذاري من أخذ اليسار مطيّة
- قراءة في كتاب _الألهة التي تفشل دائما_ لإدوارد سعيد .
- قراءة في كتاب _من الذي دفع للزمار-الحرب الباردة الثقافيّة_ ل ...
- ملخص وكلام في كتاب _الرواية والإيديولوجيّة _ للكاتب الجزائري ...
- كلام في فكر ومنهج الأستاذ منير شفيق على ضوء كتابه -في نظريّا ...
- زبدة وأهميّة كتاب -الحداثة والهولوكوست - لزيجموند باومان.


المزيد.....




- لحظة تحبس الأنفاس.. متنزهون يواجهون مشتبهًا به في إشعال حريق ...
- فيديو متداول لـ-جفاف أراضي محصول الأرز- في مصر.. ما حقيقته؟ ...
- الكفاءات المهاجرة في شرق ألمانيا- بين المغادرة والبقاء
- القضاء الفرنسي يطلب تحديد مكان وجود بشار الأسد
- إيران تحتجز ناقلة نفط أجنبية بشبهة تهريب الوقود
- مسيرات مفخخة تستهدف حقول نفط في كردستان العراق لليوم الثالث ...
- إثيوبيا تعتقل 82 شخصا تشتبه في انتمائهم لـ -داعش-
- خطة بريطانية لنقل آلاف الأفغان بعيدا من -طالبان-
- مطار الموصل يخلع دمار -داعش- ويعاود العمل
- -وقف نار- جديد في السويداء وزعيم الدروز يرفضه


المزيد.....

- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي
- ليلة في عش النسر / عبدالاله السباهي
- كشف الاسرار عن سحر الاحجار / عبدالاله السباهي
- زمن العزلة / عبدالاله السباهي
- ذكريات تلاحقني / عبدالاله السباهي
- مغامرات منهاوزن / ترجمه عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عمر سعلي - قراءة في واقع الحياة السياسية بالمغرب.