أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - جوزيف بشارة - التديين التجاري وهداية هيفاء الواوا!















المزيد.....

التديين التجاري وهداية هيفاء الواوا!


جوزيف بشارة

الحوار المتمدن-العدد: 1552 - 2006 / 5 / 16 - 17:47
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


أعلنت المغنية هيفاء وهبي عدم استبعاد ارتداء الحجاب في أية لحظة ونقل عنها موقع العربية الإلكتروني قولها لصحيفة القدس اللندنية أن ما قدمته من استعراضات غنائية مثيرة لن يحول بينها وبين ارتداء الحجاب فـ "الهداية من عند الله سبحانه وتعالى" مضيفة أن لـكل "مرحلة في حياة الانسان لها خصوصياتها وعناصرها التي تتلائم معها ولا تصلح عناصر وخصائص مرحلة لأخري ولهذا كل شيء وارد في حياتي". ولأن التصريح كان مثيراً فقد لاقى ردود فعل كبيرة بين جمهورها وعشاقها، وبلغت تعليقات القراء على الخبر التي نشرتها العربية نحو 300 تعليقاً خلال فترة وجيزة لا تتجاوز الأربع والعشرين ساعة. لم أفاجأ بمدى الترحيب الذي لاقته تصريحات وهبي بين القراء، ولم أندهش بالرغبة العارمة التي عبرت عنها التعليقات في رؤية نجمة الإثارة والإغراء بالزي الإسلامي، لكن التصريح ورد فعله عكسا إزدواجية لا يمكن إغفالها في سلوك المغنية وجمهورها.

تصريح وهبي ربما يعكس خضوعها للانتقادات التي توجه لها من جانب المتزمتين، وربما يشير إلى اقتناعها بما يثار حولها بأن الأسلوب الذين تتبعه في كليباتها مخالف لتعاليم لعقيدتها ودينها. التصريح يحمل أيضاً إزدواجية وعدم اتساق في رؤيتها وممارستها للدين والعمل. مصطلح الهداية الذي استخدمته وهبي قد يعني عدم رضائها عن نفسها وعن عملها "العاصي" الذي تؤديه وعن الفن والغناء والاستعراض بكافة أشكالهم، فهي لم تقل أنها ستتوقف عن الإغراء والإثارة ولكنها قالت أنها ستتحجب وهو ما يعني توقفها عن كل أشكال الغناء باستثناء الديني كغيرها ممن سبقوها من المغنيات. ولكن قراءة لبقية تصريحات وهبي تشير بوضوح إلى أنها ترغب في توظيف إمكاناتها الجمالية والجسدية لفترة محددة فقط أطلقت هي عليها لفظ "مرحلة". من الواضح أن وهبي تعاني انقساماً واضحاً بين انتمائها لدينها الذي قد يدفعها إلى الاعتزال والاحتجاب وبين حبها لذاتها وإمكاناتها الجسدية التي تجعل منها واحدة من أشهر مشاهير العرب. من المؤكد أن تصريحات وهبي تعكس أن لا رسالة فنية واضحة وراء ما تقدمه اللهم إلا الشهرة والنجاح والمال الوفير لها ولفريقها وللشركات المستفيدة منها. تؤمن وهبي فيما يبدو، ربما بإيعاز من مجموعات أو أفراد، أنه يمكنها الاستمرار في طريقها المرحلي حتى تنضب قدراتها الاستعراضية أو حتى يحدث ما ينقلها إلى مرحلة أخرى جديدة من حياتها.

أما عن جمهور وهبي فحدث ولا حرج. نفس الإزدواجية التي تتحكم في عقلية المغنية تجدها تسيطر على عقليات محبيها. ففي الوقت الذي يقوم فيه محبوها بالتصفيق لها والغناء معها وشراء البوماتها والتمايل على انغام موسيقاها وإمعان النظر إلى جسدها ومتابعة أخبارها والتهافت على صورها، نجد أن بعضهم أو معظمهم يؤمنون بمعصية الفن والفنانين ومن ثم فهم يرحبون بإعلان وهبي احتمال تحجبها وبالتالي توقفها عن الغناء والاستعراض. لماذا لا يتوقف عن مشاهدتها من لا يريدون الإغراء والإثارة إرضاءً لتعاليمهم الدينية؟ لماذا يريدونها أن تتوقف في الوقت الذي لا يتوقفون هم عن التحديق فيما تكشفه من جسدها؟ أمر محير أن تجد العديد من الشباب يفعلون طواعية ما لا يرغبون. لا أعتقد أن هناك إكراهاً على مشاهدة ومتابعة "دلع" هيفاء وهبي في أي من الدول العربية، ولا أظن أن النظم السياسية الحاكمة تستخدم المغنية في إلهاء الشباب الفقير والمقهور أو الترويح عنهم كما استخدمت حفلات وأغنيات السيدة أم كلثوم في العهد الناصري في مصر أو كما استخدمت وتستخدم كرة القدم في وقتنا الراهن. أرجو ألا يخرج علينا أحد أسرى نظرية المؤامرة ليشير إلى أن وهبي وغيرها من المغنيات اللائي يستخدمن نفس الأسلوب المثير في الغناء هن أدوات مؤامرة غربية أمريكية صهيونية تحاك للإيقاع بالشباب العربي والمسلم. فمن المؤكد ان وهبي وزميلاتها يدركن تماماً ما يفعلن حتى وإن لم يؤمن بعضهن بما يفعلن.

المناخ الاجتماعي السياسي الراهن بالإضافة إلى غياب الوعي الديني السليم هما اللذين أسهما بشكل أساسي في نشوء ظاهرة الإزدواجية هذه وفي تنامي ظاهرة تكفير للفن. لعب الخطاب الديني المتشدد بمساعدة فاعلة من سياسات خاطئة للحكومات الغير ديمقراطية في ظل مساهمة ملموسة من الأثار السلبية للعولمة والرأسمالية في اغتراب المواطن العربي عن نفسه وعن مجتمعه وعن مبادئ التسامح والوسطية والاعتدال بعدما أصبح يتعرض لتيارات وموجات متطرفة تكفر العديد من مظاهر الحياة ومن أهمها الفن. لقد أسهمت بعض القوى بالمجتمعات العربية في تعميق الهوة بين الفرد ومجتمعه ومبادئه؛ حيث زايدت النظم الحاكمة على الأمورالدينيةً لاكتساب الشرعية المفقودة، وبالمثل تمسحت أحزاب سياسية بالدين في رهانها على أصوات الناخبين، وأيضاً تاجر صحفيون وكتاب بالدين لتحقيق أرباح مالية، كما روج مشاهير لأنفسهم عبرإعلانات هداية وشعارات دينية للحفاظ على شعبيتهم أو لإستعادة البريق المفقود. رغم الاستخدام الواسع للأديان سياسياً طوال الحقب التاريخية المعروفة إلا أن المرحلة الراهنة من تاريخ الشعوب العربية تشهد تصاعدأ غير مسبوق في استخدام الدين تجارياً لخداع الشعوب المقهورة و الفقيرة، فأصبح تديين السياسة والاقتصاد والمجتمع والعلوم والفن والأدب والرياضة سمة أساسية من سمات المرحلة، وفرضاً واجباً على جميع المهتمين بكل هذه المجالات والأنشطة.

أضحى التديين التجاري يتخذ مسارين متوازيين يحملان أهدافاً واحدة ويتبعان وسائل مختلفة لتحقيق غاياتهما. يتبنى المسار الاول التديين الفوري بالقوة والترهيب وهو مسار تتبناه الجماعات المتطرفة والإرهابية، يحمل التديين بالنسبة لاتباع هذا المسار صيغاً عدة من أهمها التزمت والحرفية والانعزالية والتمسك بالماضي ونفي الأخر وتحليل القتل والسرقة والاغتصاب من أجل تحقيق الغايات السياسية والإجتماعية والمكاسب المادية والمعنوية. أما المسار الثاني فيتبنى التديين المرحلي بالإغراء والترغيب وهو مسار تتبناه مجموعات كبيرة تمارس أنشطتها في الأوساط العامة وبخاصة في أوساط المشاهير. إصطبغ التديين بالنسبة لأتباع المسار الثاني بصيغ أقل تطرفاً وتشدداً في مظهرها إذا ما قورنت بصيغ المسار الأول، ولكنها أكثر خبثاً ودهاءً في جوهرها، إذ أباح التديين للأفراد هنا الانخراط في المجتمعات دون الاندماج؛ أي كمرسلين لا كمستقبلين، كمعلمين لا متعلمين، كمرشدين لا كتابعين، كما يسمح التديين هنا باستخدام الميكيافيللية لخدمة الأهداف العامة والخاصة حيث يتم تسخير الشعوذة والتكنولوجيا والمال والزواج في اجتذاب الأفراد وتوسيع القاعدة المتدينة. وإذا كان الإرهاب يأتي تجسيداً للمسار الأول، فإن اجتذاب المشاهير ومنهم الفنانين والفنانات غالباً ما يكون في إطار المسار الثاني الذي يبقى رغم اتجاهه للترغيب لا الترهيب ليشكل مع المسار الأول اتجاهاً تكفيرياً مناهضاً للحضارة والمدنية والتقدم والفنون والأداب والرياضة.

عودة إلى هيفاء وهبي، وأنا لست بالطبع من روادها فعيناي لا تهويان "دلع البنات" وأذناي الفيروزيتان تكادان لا تستطيعان التمييز بينها وبين بنات جيلها ، فأعتقد أن وصفها عملها الذي تقوم بأنه يبعدها عن الهداية ينبع من كونها تدرك سلبية الغناء الذي تؤديه الذي لا يقوم على عمق الكلمة وجمال اللحن و حلاوة الصوت تلك المقومات التي يترسخ عليها الغناء القيم الذي نستمع إليه من أساطين الطرب فيروز وأم كلثوم وعبد الوهاب وووديع الصافي وفريد الأطرش وكاظم الساهر وغيرهم. أعتقد أن سعي هيفاء وهبي للاعتزال يأتي اعترافاً منها بأن عملها الغنائي الاستعراضي الإغرائي قد لا يدوم طويلاً لأنه يقوم على مقوماتها الجسدية الجميلة التي ستتغير حتماً بمرور الزمن، والذي قد ينسخه ظهور من هو أكثر منها جمالاً وشباباً في مرحلة من المراحل. هيفاء وهبي التي أصدرت آغنية "بوس الواوا... الواوا بح" المثيرة للجدل أصابت وجعاً – أو واوا بلغة وهبي – في قلب كل من فنان صادق حين وصفت الغناء والاستعراض – إن تغاضينا واعتبرنا مجازاً ما تقوم به فناً – بالمعصية، ففن الغناء الصادق ذي الرسالة هو لغة التخاطب المرهف الراقي، والاستعراض هو فن الجمال الشفاف البريء البعيد عن الإبتزال والإثارة والإغراء. لا اعتقد بأن إنساناً ناضجاً سيحزن لتوقف وهبي أو غيرها من غير صاحبات الرسائل الفنية، فاحتجاب هؤلاء قد يكون متعة للأذن وراحة للعين وسلام للنفس.



#جوزيف_بشارة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قراءة في حديث استباحة فوضى القتل
- الأخ العقيد يصدر التطرف إلى إفريقيا!
- في إستقطاب الفتيات وتغييب العدل والشفافية والحريات!
- معضلة الإرهاب الديني
- التحالف مع الإرهاب تحالف مع الشيطان!
- إعتداءات دهب وكشف عورة الإرهاب
- الهروب من المسئولية في أحداث الإسكندرية
- إيران من اللعبة النووية إلى المواجهة النووية
- إلى شهداء الحرية: شكراً؛ ليس حب أعظم من هذا
- أثر الوسواس الديني في الفكر التحريمي – فتوى التماثيل كنموذج
- مبارك، العراق وفضيحة الصحافة في مصر
- مملكة الحق
- العنف وحرب المناصب في مصر
- مثلث التطرف والأمن وحقوق الإنسان بعد 9/11
- ضريبة حرية العقيدة: اللوث العقلي والنفي
- عمرو موسى ودبلوماسية الديمقراطية والتنمية
- دعوة للجهاد ضد المسيحيين العرب؟!
- شرك الديمقراطية في أفغانستان
- عبد الرحمن الأفغاني شهيداً للحرية؟!
- حقوق الإنسان في العالم العربي: قيود... تمييز... وتعذيب...


المزيد.....




- لعنة الجغرافيا تلاحقهم.. مسيحيو شريط لبنان الحدودي يدفعون ثم ...
- سفارة الإمارات بإسرائيل تعبر عن حزنها في ذكرى -المحرقة- اليه ...
- رابط نتائج مسابقة شيخ الأزهر بالرقم القومي azhar.eg والجوائز ...
- المقاومة الإسلامية في العراق تقصف منشآت عسكرية إسرائيلية بال ...
- فتوى جديدة حول أخذ بصمة الميت لفتح هاتفه
- -بوليتيكو-: منظمات وشخصيات يهودية نافذة تدعم الاحتجاجات المؤ ...
- الأردن.. فتوى جديدة حول أخذ بصمة الميت لفتح هاتفه
- الاحتفال بشم النسيم 2024 وما حكم الاحتفال به دار الإفتاء توض ...
- قائد الثورة الاسلامية يستقبل جمعا من مسؤولي شؤون الحج
- فتوى في الأردن بإعادة صيام يوم الخميس لأن الأذان رفع قبل 4 د ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - جوزيف بشارة - التديين التجاري وهداية هيفاء الواوا!