|
دراسة حول الآليات الدولية والمحلية لمحاربة الافلات من العقاب ( 41 / 10 ) .. ه
أرام عبد الجليل
الحوار المتمدن-العدد: 1551 - 2006 / 5 / 15 - 10:52
المحور:
حقوق الانسان
رابعـا: جريمة العدوان
عرف تعريف العدوان تطورا على مستوى العلاقات الدولية، والقانون الدولي التقليدي(1). فقد أصبح لزاما تعريف جريمة العدوان، حتى يتم وضع ضوابط هذه الجريمة وتوضيحها بالشكل الذي يؤدي إلى تحديد المعتدي والمعتدى عليه، مما يسهل من أداء العدالة الدولية الجنائية.
1 - تعريفها: سنتطرق إلى تعريف جريمة العدوان على المستوى الفقهي واتجاهاته الثلاثة، ثم تعريف الأمم المتحدة له.
أ - التعريف الفقهي: لم ينجح الفقهاء في وضع تعريف موحد لمفهوم العدوان، حيث ظهرت ثلاثة اتجاهات حول هذه المسألة.
• الاتجاه الأول: التعريف العام للعدوان: يطمح أصحاب هذا الاتجاه إلى وضع تعريف عام ليمكن المنظمات الدولية والمحاكم الجنائية من الاستناد عليه في تحديد حالة العدوان. ومن أنصار هذا الاتجاه، نجد الفقيه جورج سل(G.Scelle) ، الذي عرف العدوان بأنه "كل جريمة ضد السلام وأمن الإنسانية، وتنشأ من خلال اللجوء إلى القوة بالمخالفة بميثاق الأمم المتحدة ،بهدف تعديل القانون الوضعي الساري، أو يؤدي إلى الإخلال بالنظام العام". ويهدف هذا التعريف إلى تغيير حالة القانون الدولي الوضعي الساري المفعول، أو إلى إحداث خلل في النظام العام(2).
ويعرفه الفقيه (Pella) بأنه "كل لجوء للقوة من قبل جماعة دولية فيما عدا أحوال الدفاع الشرعي أو المساهمة في عمل مشترك تعتبره الأمم المتحدة مشروعا"(3). أما الفقيه (ألفارو) (Alfaro) فيعرفه "استخدام للقوة أو التهديد بها من قبل دولة ،أو مجموعة من الدول أو حكومة، أو عدة حكومات ضد إقليم وشعوب الدول الأخرى أو الحكومات بأية صورة كانت ،أو لأي سبب ،أو لأي غرض منها كان فيما عدا الأفعال التي يكون القصد من استخدامها الدفاع الشرعي الفردي أو الجماعي ضد اعتداء مرتكب من قوات مسلحة ،أو استخدامها في عمل قمع متخذ من قبل الأمم المتحدة"(4).
ولقد اختارت لجنة القانون الدولي المكلفة بوضع تعريف العدوان سنة 1951 ،هذا الاتجاه من خلال تعريفها للعدوان بأنه "التهديد باستخدام القوة أو استخدامها بواسطة دولة أو حكومة ضد دولة أخرى بأي شكل كان ،ومهما كانت الأسلحة المستعملة سواء أكان صريحا ،أو بأي طريقة أخرى لأي سبب ولأي غرض باستثناء الدفاع الشرعي عن النفس الفردي ،أو الجماعي ،أو لتنفيذ قرار أو توصية صادرة من أحد أجهزة الأمم المتحدة".
غير أن التعريفات التي قدمها أصحاب الاتجاه العام، عرفت العديد من الانتقادات منها: - عرف أصحاب الاتجاه العام العدوان تعريفا عاما دون ذكر الأعمال التي تشكل العدوان، ويترك للهيئة الدولية المختصة تقرير ما إذا كان سلوك معين يعد عملا عدوانيا أم لا. - ان هذه التعاريف لن تحل المشكلة بل ستنتهي إلى صعوبات عملية في التفسير والتطبيق. - إن العبارات الفضفاضة للتعريف سيدعو الدولة صاحبة المصلحة ،إلى إثارة جدل طويل وخطير حول طبيعة الفعل الذي أثاره المعتدي. فالمعتدي يمكن أن ينازع في تكييف فعله، ويستفيد من بطء الإجراءات الناشئة عن تفسير تعريف ينقصه الوضوح(5). الاتجاه الثاني: التعريف الحصري أو المقيد للعدوان: عرف الفقيه بولتيس (Politis) العدوان في مؤتمر نزع السلاح 1933 ،بأنه "إتيان فعل من الأفعال التالية يشكل حربا عدوانية: 1- إعلان دولة الحرب على دولة أخرى. 2- غزو دولة الإقليم ،دولة أخرى بقوات مسلحة ،ولو لم يكن هناك إعلان حرب. 3- مهاجمة دولة بقواتها المسلحة برية كانت أو بحرية، أو جوية إقليم دولة أخرى ،أو قواتها البرية أو البحرية أو الجوية. 4- حصار الدولة لموانئ أو شواطئ دولة أخرى. 5- مد الدولة يد المساعدة إلى عصابات مسلحة مشكلة على إقليمها ،بغرض غزو دولة أخرى أو رفضها الإجابة على طلب دولة أخرى باتخاذ الإجراءات اللازمة لحرمان هذه القوات من المساعدات أو الحماية. وأي اعتبارات مهما كان نوعها سياسية ،أو عسكرية أو اقتصادية أو غيرها لا يمكن أن تشكل عذرا أو مبررا للعدوان"(6).
ولقد قدم الاتحاد السوفياتي سابقا في مؤتمر نزع السلاح، وكذا خلال الدورة الخامسة لاجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة تعريفا للعدوان ،مشابها للتعريف الذي قدمه السيد N.Politis مقرر لجنة الأمن لسنة 1933(7). وبدوره تعرض هذا الاتجاه للنقد رغم ما يميز التعريف الحصري من الوضوح والسهولة في التطبيق، حيث اعتبره بعض الفقهاء يعاني من ثغرات أهمها: - إن أصحاب التعريف الحصري يعددون الأفعال العدوانية على سبيل الحصر في قائمة،وكل فعل لا يرد في القائمة لا يعد من أعمال العدوان. فصفة الجمود هذه لا تتفق والتطور الذي تعرفه العلاقات الدولية ،والتطور التكنولوجي المستمر الطارئ على الأسلحة المستخدمة في العدوان. - كما أن هذا التعريف غير مساير للاستراتيجية الحربية ،وأساليب الحرب الباردة والحرب النفسية ،وأفعال المتخصصين بخلق حوادث الحدود والاستفزازات المصطنعة(8) - يعتمد أصحاب هذا الاتجاه في تعريفهم الحصري للعدوان على العناصر المكونة للجريمة، ويحددون نوع الفعل العدواني ويتركون عبء الإثبات على كاهل المعتدي بدلا من تحميل المعتدي عليها هذا العبء(9) • الاتجاه الثالث: التعريف المزدوج أو المختلط للعدوان: أدى النقد الذي تعرض له الاتجاهين السابقين ،إلى ظهور اتجاه ثالث حاول إعطاء تعريف عام مع تكملته ببعض صور الأفعال العدوانية على سبيل المثال لا الحصر، لكي يمكن احتواء ومواجهة أي صورة للعدوان تستجد في المستقبل. ولم تتضمنها صور الأعمال العدوانية الواردة في تعريف العدوان.
ولقد حظي هذا التعريف المزدوج بتأييد جانب كبير من الفقه من بينهم الفقيه كرفن (Graven)(10) ، إضافة إلى تأييد العديد من الدول في اللجنة القانونية المكلفة بتعريف العدوان التابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث وجدت فيه تعريفا وسطا يتفادى الانتقادات التي وجهت إلى التعريف العام، والتعريف الحصري، كما أن الجمعية العامة للأمم المتحدة تبنت هذا الاتجاه سنة 1974.
2 - الجمعية العامة وتعريف العدوان: "لم يتضمن الميثاق تعريفا للعدوان أو معايير موضوعية لتحديد المعتدي وهو ما كان سببا في إثارة الخلاف حول تفسير أعمال العدوان التي أشار إليها نص المادة (39)، ولا يوجد في وثائق مؤتمر سان فرنسيسكو ما يساعد في الوصول إلى تعريف محدد واضح"(10).
ولقد تقدم الاتحاد السوفياتي في 1950 بمشروع للجمعية العامة يتضمن تعريفا للعدوان(12) وأمام عدم تيسر عدم الوصول إلى هذا التعريف، شكلت الجمعية العامة في 18 ديسمبر 1967 بموجب القرار 233 (د22)، اللجنة الخاصة لمعنية بتعريف العدوان التي توصلت بعد دراسات مستفيضة إلى وضع هذا التعريف في دورتها التي عقدت في الفترة من 11 مارس إلى 12 أبريل 1974، والذي تقرر المادة الأولى منه أن "العدوان هو استعمال القوة المسلحة من قبل دولة ما ضد سيادة دولة أخرى أو سلامتها الإقليمية أو استقلالها السياسي أو بأية صورة أخرى تتنافى مع ميثاق الأمم المتحدة". وتقرر المادة الثانية أن "المبادأة باستعمال القوة من قبل دولة ما خرق للميثاق تشكل بينة كافية مبدئيا على ارتكاب عمل عدواني، وإن كان لمجلس الأمن طبقا للميثاق أن يخلص إلى أنه ليس هناك ما يبرر الحكم بأن عملا عدوانيا قد ارتكب وذلك في ضوء ملابسات أخرى وثيقة الصلة بالحالة، بما في ذلك أن تكون التصرفات محل البحث أو نتائجها ليست ذات خطورة كافية.. ويضيف قرار تعريف العدوان أنه دون إخلال بما ورد بالمادة الثانية تنطبق صفة عمل العدوان على أي من الأعمال التالية، سواء تم إعلان الحرب أم لم يتم: أ- قيام القوات المسلحة لدولة ما بغزو إقليم دولة أخرى أو الهجوم عليه أو أي احتلال عسكري، ولو كان مؤقتا ينجم عن مثل هذا الغزو أو الهجوم أو أي ضم لإقليم دولة أخرى أو الجزء منه باستعمال القوة. ب- قيام القوات المسلحة لدولة ما يقذف إقليم دولة أخرى بالقنابل أو استخدام دولة ما أية أسلحة ضد إقليم دولة أخرى. ت- قيام القوات المسلحة لدولة ما بضرب حصار على موانئ أو سواحل دولة أخرى. ث- قيام القوات المسلحة لدولة ما بمهاجمة القوات المسلحة لدولة أخرى أو بمهاجمة أسطولها التجاري البحري والجوي. ج- قيام دولة ما باستعمال قواتها المسلحة الموجودة داخل إقليم دولة أخرى بموافقة الدول المضيفة على وجه يتعارض مع الشروط التي ينص عليها الاتفاق أو أي تمديد لوجودها في هذا الإقليم بعد انتهاء الاتفاق. ح- سماح دولة ما لدولة أخرى باستخدام إقليمها لارتكاب عمل عدواني ضد دولة ثالثة. خ- إرسال عصابات أو جماعات مسلحة أو قوات غير نظامية أو مرتزقة من قبل دولة ما إلى دولة أخرى للقيام بأعمال قوة مسلحة تكون من الخطورة بحيث تعادل أعمال العدوان أو اشتراكها بدون ملموس في تيسير وصول هذه العصابات أو الجماعات المسلحة إلى إقليم الدولة الأخرى للقيام بالأعمال المشار إليها. "وقد أوصى قرار التعريف مجلس الأمن بأن يعمد – حسب مقتضى الحال- إلى مراعاة هذا التعريف كدليل يهتدي به حين يقرر وفق الميثاق في أمر وجود عمل من أعمال العداون، وهو ما يفيد أن تعريف العدوان المضمن في قرار الجمعية ليس ملزما لمجلس الأمن الذي يحتفظ بسلطته كاملة في تقرير توافر العدوان، وما إذا كان، وما وقع يعد عملا من أعمال العدوان من عدمه. هذا، بالإضافة إلى أن ما ورد من بيان للأعمال التي تعتبر من أعمال العدوان في فرار التعريف ليس جامعا مانعا، وبالتالي، للمجلس أن يحكم بأن أعمالا أخرى تشكل عدوانا بمقتضى الميثاق"(11). 3- جريمة العدوان في أروقة المحكمة الجنائية الدولية: لقد ساهمت الصعوبات التي صادفت وضع تعريف مدقق لجريمة العدوان، والذي لم يعد ملائما للتغيرات الدولية –حيث لم يتم تغييره منذ وضعه- في جعل الاختصاص الموضوعي للمحكمة الجنائية الدولية للنظرفي جريمة العدوان، حيث نصت الفقرة الثانية من المادة الخامسة من النظام الأساسي على أنه "تمارس المحكمة الاختصاص على جريمة العدوان متى اعتمد حكم بهذا الشأن ،وفقا للمادتين (121) و (123) يعرف جريمة العدوان ويضع الشروط التي بموجبها تمارس المحكمة اختصاصاتها فيما يتعلق بهذه الجريمة، ويجب أن يكون هذا الحكم متسقا مع الأحكام ذات الصلة من ميثاق الأمم المتحدة".
ويمكن أن نقسم مواضيع واتجاه الخلاف بين وفود الدول حول الصيغة الملائمة لتعريف جريمة العدوان، ثم العلاقة بين اختصاص المحكمة الجنائية والمجلس ،حول هذه الجريمة.
أ- حول جريمة العدوان: لم يتم التوصل إلى تعريف متفق عليه لجريمة العدوان بسبب ما تثيره هذه الجريمة من مشاكل بسبب طبيعتها التي يختلط فيها المضمون القانوني بالمضمون السياسي. وتقوم اللجنة التحضيرية للمحكمة الجنائية الدولية لمحاولة التوصل إلى اتفاق على تلك المسائل في إطار أعمالها.
ولقد انقسمت الوفود إلى ثلاث اتجاهات كنتيجة عن الاختلاف الشديد حول وضع تعريف محدد للعدوان: • الاتجاه الأول: وهو يضم عدد كبير من الدول العربية والإفريقية ودول عدم الانحياز التي فضلت أن يؤسس التعريف على قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 3314 في 14 ديسمبر 1974. غير أن معارضو هذا الاتجاه من الدول الغربية يروا أن هذا التعريف يوجد الكثير من الشك حول ما إذا كانت العناصر التي تضمنها قرار الجمعية العامة لتعريف جريمة العدوان، قد أضحت تشكل قواعد عرفية دولية من عدمه. • الاتجاه الثاني: وتبنته العديد من الدول في مقدمتها ألمانيا التي رأت أن يكون تعريف جريمة العدوان على قدر كبير من التحديد والدقة، وذلك بغرض تحديد المسؤولية الجنائية الفردية الناشئة عن جريمة العدوان في حالات مميزة تماما عن الاستخدام غير القانوني ،واللامحدود للقوات المسلحة لغزو دولة أخرى، حيث ذهب أصحاب هذا الاتجاه على أن العدوان "عبارة عن سلوك مثل التخطيط، الإعداد،الأمر بالعدوان، التنفيذ، يرتكبه أشخاص يمارسون القيادة السياسية ،أو العسكرية في الدولة المعنية"(12). • الاتجاه الثالث: ولقد جمع بين الاتجاهين السابقين حيث عرف جريمة العدوان "ترتكب حينما يوجه الهجوم المسلح الذي تقوم به دولة ضد السلامة الإقليمية أو الاستقلال السياسي لدولة أخرى، وذلك بهدف الاحتلال العسكري ،أو الضم الشامل أو الجزئي لإقليم تلك الدولة".
إن جريمة العدوان لن يتم تضمينها في النظام الأساسي ،إلا بعد تعريفها وتحديد أركانها وقبول ذلك من جمعية الدول الأعضاء كما هو منصوص عليه في الفقرة الثانية من المادة الخامسة من النظام الأساسي. ب- حول تنازع الاختصاص بين المحكمة الجنائية ومجلس الأمن:
لقد عرف إجراء الاختصاص بدوره نقاشا حادا بين العديد من الوفود حول علاقة مجلس الأمن ،أو المحكمة بالتمسك بهذا الاختصاص، اذ ظهرت ثلاثة اتجاهات: • الاتجاه الأول: ولقد أعرب هذا الاتجاه ومن بينه العديد من الدول العربية عن تخوفها اتجاه تخويل مجلس الأمن السلطة التقديرية الانفرادية إلى سلب هذا الاختصاص من المحكمة ،ووقوفها عاجزة عن الفصل في قضية ما، حال فشل مجلس الأمن في الوصل إلى اتفاق حول تحديد جريمة عدوان قائمة على اتخاذ حق الاعتراض تجاه هذه النوعية من الجرائم تغليبا لمصلحته السياسية على قواعد الشرعية. • الاتجاه الثاني: وتتزعمه الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن التي دافعت عن اختصاص مجلس الأمن وبعدم جواز مباشرة المحكمة لاختصاصها بالنظر في جريمة العدوان ،إلا بعد أن يقرر المجلس ارتكاب دولة المتهم بهذه الجريمة وبإلزامية قرار المجلس للمحكمة. • الاتجاه الثالث: وهو اتجاه وسط، حيث أبدى عدد كبير من الدول استعدادها للقبول بتبعية الاختصاص للمحكمة، بحيث يكون من المتعين أن يقرر مجلس الأمن مسبقا ارتكاب جريمة العدوان، من جانب الدولة قبل النظر في هذه الجريمة ،إذا ما تعذر صدور قرار من المجلس في هذا الشأن خلال مدة معقولة(13).
إن النقاش لازال قائما حول القيمة القانونية لقرار المجلس ، وما إذا كان ملزما للمحكمة أم لا، والذي يتخذ شكلا حادا، بعد محاولات بعض أعضاء مجلس الأمن (أمريكا) تجاوز المحكمة، إضافة إلى طغيان المعالجة السياسية للحد من المشاكل التي تعرفها العلاقات الدولية اليوم.
هوامش 1 . يعتبر تعبير العدوان حديثا نسبيا، فقد عرف العدوان الدولي في النظام الكنسي خلال العصور الوسطى بالحرب غير العادلة. ونظرا للغموض الذي عرف مفهوم العدوان ،الذي لم يجد له تعريفا واضحا في القانون الدولي التقليدي، سعت العديد من الدول إلى اعتبار الحرب حقا مشروعا لها خاصة الدول التوسعية، ولكون الحرب حقا مشروعا، وحقا يتفرع من مبدأ السيادة المطلقة من كل القيود. ورغم ذلك فقد حاولت الدول وضع بعض القيود على استخدام القوة في الحرب للحد من آثارها المدمرة. ومن ذلك معاهدة باريس 1856 واتفاقية جنيف لسنة 1864 ،واتفاقيتي لاهاي لعامي 1899و 1907، والتي لم تتطرق لمسألة مدى مشروعية الحرب من القانون الدولي. ومع بدايات القرن العشرين، و بداية تكون التنظيم الدولي قانونيا وكحماية لأسرة المجتمع الدولي، أصبح حق الدولة في الحرب يسير نحو التقييد والتقنين. وبعد القرار الذي أصدره مؤتمر السوفييت الثاني في 8 نوفمبر 1917 باعتبار الحرب العدوانية حربا ضد الإنسانية، بمثابة نقطة تحول كبرى نحو تجريم لحرب وفي أول وثيقة تتضمن التحريم بشكل صريح. أما عصبة الأمم فقد بينت مادتها 12 على أنها لم تحرم اللجوء إلى الحرب بشكل مطلق إلا في حالة واحدة هي حالة الفصل في النزاع بقرار تحكيم أو حكم قضائي ،أو تقرير ملزم من المجلس وقبول أحد الطرفين المتنازعين، حيث يحرم على الدولة الأخرى الدخول في حرب مع الدولة التي ارتضت بالقرار أو الحكم أو تقرير المجلس الملزم بخصوص هذا النزاع. وأمام هذه الوضعية طرحت في أروقة العصبة في 9 سبتمبر 1923 مشروع معاهدة المعونة المتبادلة ،والذي لم يحصل على موافقة الدول عليه، ليطرح بعد ذلك مشروع بروتوكول جنيف بشأن تسوية المنازعات الدولية، لكن هذا المشروع هو الآخر لم يجد طريقه للتطبيق لعدم اتفاق الدول عليه، وهذا ما فتح الباب أمام التكتلات الإقليمية التي أبرمت عدة اتفاقيات ، كاتفاقية لوكارنو 1926 (ألمانيا، فرنسا، إنجلترا، إيطاليا، بلجيكا)، وفي 27 أغسطس 1928 نجحت الجهود الدولية في إبرام ميثاق (بريان كيلوج)، الذي يستنكر اللجوء إلى الحرب لتسوية الخلافات الدولية، لكن لم تستطع كل الاتفاقيات السابقة أن تضع تعريفا جامعا للحرب العدوانية كما لم تضع الجزاء المناسب لارتكابها. وتعتبر أول محاولة لوضع تعريف للعدوان نجده في تعريف لتفينوف (Litrinov) الروسي لسنة 1933، ومع انتهاء الحرب العالمية الثانية وتأسيس الأمم المتحدة، التي حرم ميثاقها استخدام القوة وشن الحرب إلا في إطار الميثاق، بل وتقديم الأشخاص المسؤولين عنها إلى المحاكم الجنائية صاحبة الاختصاص. انظر: عبد العزيز، وآخرون، قانون الحرب، م.س، ص 35 وما بعدها. - صلاح الدين عامر، مقدمة لدراسة القانون الدولي، دار النهضة العربية الطبعة الثانية ، 1995 ، ص، ص ، 133-136-967-970. - د. أبو الخير أحمد عطية، المحكمة الجنائية الدولية الدائمة، دراسة للنظام الأساسي للمحكمة والجرائم التي تختص بالنظر فيها، دار النهضة، القاهرة، 1999، ص 102-118. - فاتح الهاشمي، العدوان في القانون الدولي، مجلة القضاء، نقابة المحامين العراقية، العدد 24، 1968، ص 115. - P. Daillier.A. Pellet .op.cit. P: 879. 2 . انظر محمد محي الدين عوض، م.س، ص 1049. وأيضا، د. عبد الواحد الفار، م.س، ص 161. 3 . Pella “La codification du droit pénal international” R.G.P.I.Pm 1952. P: 44. 4 . يدخل في إطار هذا الاتجاه أيضا الفقيه (أمادو) (Amado) الذي يعرف العدوان "كل حرب لا تباشر استعمالا لحق الدفاع الشرعي أو تطبيقا لنص المادة 42 من ميثاق الأمم المتحدة تعتبر حربا عدوانية". انظر المشروعات المقدمة إلى لجنة القانون الدولي، A/CN.4/L ، ص 6-12. 5 . Graven , cour de droit pénal international (cours de doctorat) le Caire 1959-1956. P : 519. 6 . انظر حسنين عبيد، م.س، ص 161. وأيضا، محمد عبد المنعم عبد الخالق، م.س، ص 173. 7 . عرف الاتحاد السوفياتي سابقا العدوان بما يلي: "أولا تعتبر معتدية في نزاع دولي الدولة البادية بارتكاب أحد الأفعال التالية: I- إعلان الحرب على دولة أخرى. II- غزو إقليم دولة أخرى بالقنابل بواسطة قواتها البرية أو البحرية أو الجوية أو القيام بهجوم مدبر على سفن أخرى أو على أسطولها الجوي . III- إنزال أو قيادة قواتها البرية أو البحرية أو الجوية، داخل حدود دولة أخرى دون تصريح من حكوماتها ،أو الإخلال بشروط هذا التصريح، وبخاصة فيما تعلق بسريان مدة إقامتها أو مساحة الأرض التي يجوز أن تقيم فيها. IV- الحصار البحري لشواطئ أو موانئ دولة أخرى. إضافة إلى المادة الثانية والثالثة من المشروع التي اتخذت لتعريف Politis أساسا لها. انظر نص المشروع كاملا في د. عبد الوهاب حومد، م.س، ص 249-250. 8 . Graven. Op.cit. P : 420. 9 . Aroneanu, La définition de la gression, Paris, 1958. P : 190. 10 . حيث قال الفقيه Graven في هذا الصدد "إن القانون الجنائي الدولي يسلك في تعريف العدوان الطريقالذي يسلكه الطريق الداخلي بأن يورد تعريفا عاما يلحق به تعدادا على سبيل المثال للحالات النموذجية، أو على العكس يورد تعدادا على سبيل المثال للحالات النموذجية، ثم يورد عبارة عامة تسمح بإدخال الحالات الأخرى التي هي في نفس الطبيعة". - Graven. Op.cit. P: 421. 11 . د. إبراهيم العناني، م.س، ص 62. 12 . لقد أحالت الجمعية العامة بقرارها في 17 نوفمبر الاقتراح السوفياتي إلى لجنة القانون الدولي، وانتهت اللجنة إلى القول بأن من غير المرغوب فيه تعريف العدوان، لأن مثل هذا التعريف لا يمكن أن يغطي كل حالات العدوان فضلا عن أنه من الخطأ تقييد سلطة الأجهزة المختصة بالأمم المتحدة حينما تتعرض لبحث حالات العدوان. Wright. Q- The concept of aggression international law. A.J.I.L. Vol 29. P: 373. - ورد في علي يوسف الشكري، م.س، ص 192. 13. د. إبراهيم العناني، م.س، ص 64. 14 . فلقد رجع هذا الاتجاه في تعريف جريمة العدوان إلى بعض السوابق المتمثلة أساسا في المادة السادسة (أ) من ميثاق المحكمة العسكرية بنورمبرج التي أوردت أن "التخطيط والتحضير وبدء أو شن حرب عدوانية أو حرب بالمخالفة للمعاهدات والاتفاقيات والتعهدات الدولية أو المشاركة في مخطط عام أو مؤامرة لتحقيق أي من النتائج السابقة يشكل جريمة ضد السلام. انظر لمزيد من الاطلاع على الاتجاه الذي تتزعمه ألمانيا. A/AC/249/1997/WG.I/DP.20 – A/AC.249.1998/DP.12 A/AC.249/1998.CRP. - ورد في عادل ماجد، هامش 60، م.س، ص 76. 15 . انظر بصفة عامة حول علاقة مجلس الأمن بالمحكمة، تقرير اللجنة المخصصة لإنشاء محكمة جنائية دولية، ص 32. وأيضا: عبد الواحد الفار، م.س، ص 165-172.
#أرام_عبد_الجليل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
(9 / 41) دراسة حول الآليات الدولية والمحلية لمحاربة الافلات
...
-
دراسة حول الآليات الدولية والمحلية لمحاربة الافلات من العقاب
...
-
دراسة حول الآليات الدولية والمحلية لمحاربة الافلات من العقاب
...
-
راسة حول الآليات الدولية والمحلية لمحاربة الافلات من العقاب
...
-
دراسة حول الآليات الدولية والمحلية لمحاربة الافلات من العقاب
...
-
دراسة حول الاليات الدولية والمحلية لمحاربة الافلات من العقاب
...
-
دراسة حول الآليات الدولية والمحلية لمحاربة الافلات من العقاب
...
-
الآليات الدولية والمحلية لمحاربة الافلات من العقاب ( 41 /2 )
...
-
دراسة حول الآليات الدولية والمحلية لمحاربة الإفلات من العقاب
-
حول الاصلاح الدستوري في المغرب الكبير * قراءة في تجربة مجهضة
المزيد.....
-
السعودية.. وزارة الداخلية تصدر بيانا بشأن إعدام سوريين اثنين
...
-
ناشطو ذي قار يحذّرون من استهدافهم بدعاوى كيدية وسط حملة اعتق
...
-
الحلاق: اعتقال أبي وإهانته حولني إلى مقاتل ضد نظام الأسد
-
18 شهيد في مجزرة اسرائيلية جديدة ضد النازحين في لبنان
-
الأمم المتحدة تعتبر الهجمات على اليونيفيل جريمة حرب
-
لبنان يتقدم بشكوى إلى مجلس الأمن والأمم المتحدة حول الاعتداء
...
-
مفوض الأونروا: المدنيون شمال غزة بين خياري التهجير أو الموت
...
-
بعد استقباله كقيصر في منغوليا.. أوكرانيا تطالب البرازيل باعت
...
-
ماذا يعني بناء حي استيطاني مكان أونروا بالقدس؟
-
الأمم المتحدة تدعو إلى وقف إطلاق النار في لبنان وغزة
المزيد.....
-
مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي
/ عبد الحسين شعبان
-
حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة
/ زهير الخويلدي
-
المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا
...
/ يسار محمد سلمان حسن
-
الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نطاق الشامل لحقوق الانسان
/ أشرف المجدول
-
تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية
/ نزيهة التركى
-
الكمائن الرمادية
/ مركز اريج لحقوق الانسان
-
على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
المزيد.....
|