أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - أرام عبد الجليل - الآليات الدولية والمحلية لمحاربة الافلات من العقاب ( 41 /2 ) ..ا















المزيد.....



الآليات الدولية والمحلية لمحاربة الافلات من العقاب ( 41 /2 ) ..ا


أرام عبد الجليل

الحوار المتمدن-العدد: 1540 - 2006 / 5 / 4 - 10:53
المحور: حقوق الانسان
    


ثانيا: العدالة الجنائية الدولية والتقدم نحو إلغاء اللاعقاب:


عرف القضاء الدولي الجنائي تطورا تاريخيا ارتبط بحجم الصراعات والفظاعات التي ارتكبت في حق الإنسانية، فبالإضافة إلى الجوانب السياسية الدافعة إلى إنشاء جهاز قضائي جنائي، تعد الجوانب القانونية من أعمق الإشكاليات التي ارتبطت بالعدالة الجنائية الدولية، باعتبار أن الفرد عندما يكون مرتكب الضرر على المجتمع الدولي بأسره ، يصبح محل اهتمام القانون الدولي من خلال نظرية المسؤولية الدولية الجنائية للفرد، "فإزاء وقوع جرائم بشعة ضد البشر من قبل أفراد، فإنه لا يمكن أن يترك هؤلاء الجناة دون مساءلة . ومن ثم بحث الفقه الدولي في مسألة هل يجوز تقرير المسؤولية الدولية الجنائية للفرد تمهيدا لمحاكمته؟ ومن سيحاكم الفرد المتهم بارتكاب جريمة دولية؟ (…) وما هو القانون الذي ستطبقه المحكمة؟ وهل ستلتزم الدول، وبصفة خاصة الدولة التي يحمل الأفراد المتهمون جنسيتها، بتسليم الأفراد المتهمين لمحاكمتهم؟"(1)
ولقد عرفت هذه الإشكاليات إطارا تجريبيا من خلال المحاكمات التي جرت في أعقاب الحربين العالميتين الأولى والثانية، وعبر المحاكم الخاصة إلى حدود التصديق على نظام روما.
1- محاكمات الحرب العالمية الأولى(2):
وتعد أول الخطوات التي بدأت الإنشاء الفعلي لقضاء دولي جنائي يوقع الجزاء على المتورطين في انتهاك قوانين الحرب، والمبادئ الإنسانية.

أ‌- محاكمة إمبراطور ألمانيا (غليوم الثاني)
لقد طرحت مسألة محاكمة إمبراطور ألمانيا أثناء مؤتمر السلام التمهيدي في باريس 1919، بعد نهاية الحرب العالمية الأولى، ورغم اختلاف المنتصرين وحلفائهم حول نوعية المحكمة والأشخاص الذين يجب تقديمهم للمحاكمة(3). فقد نصت المادة (228) من معاهدة السلام (فرساي) على محاكمة غليوم الثاني لارتكابه "انتهاكات صارخة ضد مبادئ الأخلاق الدولية وقدسية المعاهدات"(4)، لكن هذه المحاكمة لم تتم لكون هولندا رفضت تسليم الإمبراطور الألماني الذي فر إليها، حيث اعتبرت (هولندا) أن الإمبراطور لم يرتكب ثمة فعل معاقب عليه بالنسبة لقانون العقوبات الهولندي أو طبقا لقواعد قانون الإبعاد الهولندي الصادر سنة 1875، أو طبقا لغيرها من الاتفاقيات المبرمة بين هولندا وكل من فرنسا وبلجيكا وإنجلترا والولايات المتحدة، إضافة إلى كون الإمبراطور سيحاكم من طرف أعدائه، وهذا لا يضمن له محاكمة جنائية عادلة(5).

ب‌- محاكمة كبار مجرمي الحرب:
وكان إطارها كل من معاهدتي فرساي وسيفر:
- محاكمات "ليبزج":
أكدت معاهدة فرساي من خلال المادة (228) على محاكمة كبار مجرمي الحرب الألمان(6)، كما نصت المواد (229) و (230) على إجراءات المحاكمة ، وأشكال التعاون معها من طرف الحكومة الألمانية، غير أن الجمعية الدستورية الألمانية عشية إقرارها للدستور الجمهوري، عارضت إمكانية تقديم المتورطين الألمان أمام المحاكم الأجنبية، تحت مبرر إثارة القلاقل والاضطرابات التي ستعرضها ألمانيا من جراء ذلك. إضافة إلى تعارض تسليم الألمانيين مع التشريع الوطني، وقد أصدرت الحكومة الألمانية تدعيما لموقفها تشريعا في ديسمبر 1919، أنشأ بموجبه "المحكمة الألمانية العليا" في "مدينة ليبنرج" لمحاكمة المتورطين في انتهاك قوانين وأعراف الحرب. ولقد تقدم الحلفاء بعد تقبلهم لهذا الإجراء بلائحة تضم (45) فقط من كبار القادة العسكريين والسياسيين، من بين (895) متهما تضمنتهم القائمة الأساسية للجنة تحديد المسؤوليات لعام 1919، غير أنه لم يمتثل أمام المحكمة العليا الألمانية سوى (12) ضابطا ألمانيا، هرب جلهم من ألمانيا ، كما لم يجازف الشهود المنتمين لدول الحلفاء للحضور إلى المحاكمات الألمانية التي ابتدأت في 23 مايو 1921، ولقد شكك في جدية هذه المحاكمات التي أصدرت أحكام عدة بالبراءة وإلى عدم ردعية بعضها، خاصة حينما حكمت على كرسيوس “Crusuis” بالبراءة وستنجر “Stenger” بالسجن لمدة عامين، وهما قائدين عسكريين متهمين من طرف فرنسا بقتل أسرى حرب(7).
- معاهدة سيفر “Sèvers” :
لقد تم توقيع هذه المعاهدة بين الحلفاء والدولة العثمانية في 10 أغسطس 1920، حيث تضمنت في المادة (230) على ضرورة تسليم الإمبراطورية العثمانية الأشخاص المتهمين بارتكاب جرائم الإبادة المتمثلة في المذابح التي ارتكبت ضد الأرمن واليونانيين خلال الحرب العالمية الأولى، إلى المحكمة التي سيشكلها الحلفاء، أو إلى عصبة الأمم، إلا أن هذه المحكمة لم تجرى لعدم التصديق على معاهدة سيفر، التي عوضت بمعاهدة "لوزان" سنة 24 يوليوز 1923، والتي لم تشر بنودها إلى إجراء المحاكمات، بل تضمنت ملحقا غير معلن يتضمن عفوا عاما عن الجرائم التي ارتكبها الأتراك أثناء الحرب العالمية الأولى(8).
ورغم الانتقادات والصعوبات التي عرفتها محاكمات الحرب العالمية الأولى إلا أنها اعتبرت قد حققت بعض النجاحات بأنها:
• أدخلت للمرة الأولى في تاريخ القانون الدولي الجنائي(9) فكرة جرائم الحرب.
• طرحت وللمرة الأولى فكرة مساءلة الأفراد على المستوى الدولي و على أفعالهم المشروعة.
• طرحت فكرة مساءلة رؤساء الدول وللمرة الأولى في القانون الدولي، ومثل هذه الفكرة لم يكن بالإمكان تقبلها فيما مضى في المجتمع الدولي.
• أخذت بمبدأ التكامل بين القضاءين الوطني والدولي، حيث أجازت محاكمة مرتكبي الأفعال المخالفة لقوانين الحرب وأعراضها أمام المحاكم الوطنية للدول الحليفة أو أمام المحاكم الألمانية(10).
2- محاكمات الحرب العالمية الثانية:
لقد أدت الفظاعات المرتكبة خلال هذه الحرب إلى ارتفاع النداءات وصدور التصريحات لمعاقبة المسؤولين عن الجرائم المرتكبة(11). وفي 1973 شكلت لجنة الأمم المتحدة لجرائم الحرب(UNWCC) الذي جمعت ما يقرب 8178 ملف خاص بمن ارتكبوا جرائم حرب. وفي 1945 عقد مؤتمر يالطا الذي أيد إنشاء محكمة دولية لمحاكمة مجرمي الحرب، حيث انتقلت مضامين ذلك المؤتمر إلى مرحلة التطبيق بموجب اتفاق 8 أغسطس 1945 الذي أنشأ محكمة نورمبرج، وبعد سنة من ذلك أصدر القائد الأعلى لقوات الحلفاء في الشرق الأقصى قراره في 19 يناير 1946 بإنشاء المحكمة العسكرية للشرق الأقصى (محكمة طوكيو).
أ‌- محكمة نورمبرج(12):
لقد تمتعت هذه المحكمة بالصفة العسكرية حسب اتفاق دول الحلفاء، ضمنا لسرعة الفصل في القضايا المطروحة أمامها، إضافة إلى أن هذا النوع من المحاكم غير مقيد من حيث الاختصاص المكاني بالأقاليم التي وقعت فيها الجريمة، بأنها مختصة بخصوص الاختصاصات الأخرى، فقد كانت كالتالي:
- الاختصاص الشخصي: حددت المادة (6) من النظام الأساسي للمحكمة، بأنها مختصة بمعاقبة مجرمي الحرب من بلاد المحور الأوروبية، سواء بصفتهم الشخصية أو بوصفهم أعضاء في منظمة العمل لحساب دول المحور، والذين ارتكبوا إحدى الجرائم الداخلة في الاختصاص الموضوعي للمحكمة.
- الاختصاص الموضوعي: تنظر المحكمة في جرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية (القتل والإبادة والاسترقاق، الإبعاد والاضطهادات التي ترتكب ضد السكان المدنيين لأسباب سياسية أو عنصرية، أو دينية)، كما وصفها ميثاق المحكمة، ثم الجرائم ضد السلام التي واجه تعريفها إشكالا قانونيا عميقا، لكونه يستدعي تعريف العدوان أولا حتى يمكن العقاب على الجرائم ضد السلام.
ولقد انتهت محاكمات نورمبرج في أكتوبر 1946 حيث حكمت بالإعدام شنقا على (12) متهما، وبالسجن المؤبد على أربعة، وبالسجن المؤقت على اثنين من المتهمين [(Neurath) بالسجن لمدة 15 سنة و (Donity) ب 10 سنوات سجنا] بينما برأت المحكمة ثلاثة أشخاص (Schacht- Fritzche-Paper) .

ب - المحكمة العسكرية الدولية في طوكيو:
لم تنشأ هذه المحكمة نتيجة عن معاهدة، بل عبر قرار الجنرال الأمريكي "دوجلاس ماك آثر" القائد الأعلى لقوات الحلفاء في الشرق الأقصى، وذلك لاعتبارات سياسية من أهمها التضييق على محاولة امتداد نفوذ الاتحاد السوفياتي في الشرق الأقصى.
وبموجب المادة الخامسة من لائحة طوكيو، تدخل الجرائم ضد السلام، والجرائم المرتكبة ضد معاهدات الحرب، والجرائم ضد الإنسانية ضمن اختصاصات المحكمة، التي وجهت الاتهام في 3 مايو 1946 إلى ثمانية وعشرون ممن ارتكبوا هذه الجرائم حيث أدانت ستة وعشرون منهم، والذين أطلق سراحهم خلال الفترة الممتدة بين (1951-1958) دون أن يقضوا فترة العقوبة كاملة، ولقد أصدر القرار (مارك آثر)، الذي اعتبر قرارا سياسيا تم الاتفاق عليه مسبقا مع إمبراطور اليابان (هيروهيتو)، حيث أعلن هذا الاتفاق في صورة عفو عام أعلنه إمبراطور اليابان بمناسبة إعلان الدستور الياباني الجديد في أعقاب الحرب العالمية الثانية.
فرغم الانتقادات الكثيرة التي وجهت إلى محاكمات الحرب العالمية الثانية، إلا أنها شكلت أول خطوة هامة على طريق ترسيخ وتقنين فكرة المسؤولية الجنائية الدولية وبلورة بعض قواعد القانون الدولي الإنساني(13).
3- المحاكم الخاصة المنشأة بقرار من مجلس الأمن:
أدى تفكك الاتحاد اليوغسلافي سنة 1992، إلى نشوب المنازعات المسلحة بين الصرب والكروات والمسلمين، والذي تحول من نزاع داخلي إلى حرب دولية.
كما أدى تحطم الطائرة التي كانت تقل الرئيس الرواندي، والبورندي في 6 أبريل 1994 إلى نشوب أعمال عنف في رواندا بين القوات الحكومية ،وقوات الجبهة الوطنية الرواندية، ولقد راح في كلا النزاعين آلاف المدنيين من الضحايا والمشردين، مما أدى بمجلس الأمن استنادا إلى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة إلى إصدار قرارين لإنشاء محاكم جنائية خاصة لمحاكمة المتورطين في ارتكاب الجرائم، وضمانا لعدم إفلاتهم من العقاب.


أ -المحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا السابقة (ICTY)
بناء على التقرير الأولي الذي قدمته لجنة خبراء تقصي الحقائق عن جرائم الحرب ، والانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي الإنساني في يوغسلافيا السابقة(14)، وبمبادرة فرنسية أصدر مجلس الأمن الدولي القرار رقم (808) في 22 فبراير 1993 لإنشاء هذه المحكمة الجنائية الخاصة(15)، حيث كانت اختصاصاتها كالتالي:
- من حيث الاختصاص الشخصي: نصت المادة الأولى من النظام الأساسي للمحكمة على محاكمة الأشخاص الطبيعيين فقط دون الأشخاص المعنوية أو الاعتبارية كالدول والهيئات والمؤسسات والشركات العامة منها أو الخاصة.
- من حيث الاختصاص الموضوعي: حدد المادة الأولى من النظام الأساسي للمحكمة هذا الاختصاص في الانتهاكات الجسيمة لاتفاقيات جنيف لعام 1949، وانتهاك قوانين وأعراف الحرب، وانتهاك اتفاقية منع والعقاب على جريمة الإبادة الجماعية لعام 1948، ثم الجرائم ضد الإنسانية.
- من حيث الاختصاص الزماني والمكاني: فالمحكمة تنظر في الجرائم التي ارتكبت على إقليم "جمهورية يوغسلافيا الاشتراكية الاتحادية" (يوغسلافيا السابقة) برا، وبحرا ثم جوا، ابتداء من الأول من يناير 1991 إلى التاريخ الذي سيحدده مجلس الأمن بعد استتباب السلم والأمن في الإقليم اليوغسلافي.
ولقد تمكن المدعي العام من توجيه الاتهام إلى خمسين شخصا،ورغم الصعوبات التي وضعتها جمهورية يوغسلافيا الاتحادية(16)، فقد تم القبض على العديد من المسؤولين الكبار المتورطين في الانتهاكات وعلى رأسهم الرئيس "سلو بودان ميلوسوفيتش" بعد هزيمته في الانتخابات الرئاسية(17).
ب - المحكمة الجنائية الدولية لرواندا (ICTR) :
أصدر مجلس الأمن قراره رقم (955) سنة 1994، لإنشاء هذه المحكمة، وذلك، بعد أن قدمت لجنة الخبراء للتحقيق في الانتهاكات الخطيرة للقانون الدولي الإنساني، بما في ذلك جرائم الإبادة الجماعية، تقريرها النهائي في 9 ديسمبر 1994 (18).
وحسب "محمد شريف بسيوني" فإن جانب من الفقه يذهب إلى أن النظام الأساسي لمحكمة " رواندا " مقتبس من النظام الأساسي لمحكمة يوغسلافيا السابقة وبما يتلاءم وظروف أحداث رواندا(19). وبناء على ذلك فإن الاختصاص الموضوعي لمحكمة رواندا لا يختلف على المحكمة اليوغسلافيا السابقة، إلا بعدم تضمنه جرائم الحرب، لكون النزاع الرواندي هو عبارة عن حرب أهلية داخلية، كما أن الاختصاص المكاني يمتد إلى الأقاليم المجاورة التي حددها مجلس الأمن –لعدم تحديد المادة السابعة من النظام الأساسي لذلك- في معسكرات اللاجئين في زايير والدول الأخرى المبادرة.
وإضافة إلى ذلك، فإن المادة السادسة من نفس النظام الأساسي لا تعتد بالصفة الرسمية للمتهم سواء بوصفه رئيس دولة أو حكومة أو موظفا كبيرا. وتختص المحكمة زمنيا بالنظر في الجرائم التي وقعت خلال الفترة الممتدة من 1 يناير إلى 31 ديسمبر 1994.
فرغم الصعوبات العملية والقانونية التي واجهت المحكمة الجنائية لرواندا، فإن المحكمة الجنائية ليوغسلافيا السابقة، اعتبرت أحد السوابق الهامة في إطار ترسيخ المسؤولية الجناية الفردية، وفي عدم إفلات المتورطين في ارتكاب الجرائم من العقاب، غير أن مباشرة العادلة الجنائية على أساس محاكم خاصة غير مرضية بالقدر الكافي، وبالرغم من السوابق الدولية التي تطرقنا إليها، فإن هذا الإجراء لم يتم اتخاذه بعد الفظائع التي ارتكبت في أثناء النزاع في سيراليون أو كمبوديا، فإن القضاء الجنائي الدولي يقتضي لتفادي ثغرات العادلة الخاصة عبر إنشاء قاعدة تطبق دائما من خلال محكمة جنائية دولية(20).

4- المحكمة الجنائية الدولية الدائمة:
" ينصرف تعبير المحكمة الجنائية الدولية كما برز أثناء إعداد وثيقة نظامها الأساسي للدلالة على بنية الجهاز القضائي الدولي والأجزاء المكونة له، (…) حيث يمكن تعريفها بأنها هيئة قضائية جنائية دولية دائمة مستقلة ومكملة للولايات القضائية الجنائية الوطنية أنشأت باتفاقية دولية لتمارس سلطتها القضائية الجنائية الوطنية أنشأت باتفاقية دولية لتمارس سلطتها القضائية على الأشخاص الطبيعيين المسؤولين عن ارتكاب الجرائم الدولية الأشد خطورة في نظامها الأساسي "(21).
ويمثل صدور "نظام روما " وتطبيق الدول للولاية القضائية العامة، من بين العلامات البارزة على طريق النضال ضد الإفلات من العقاب(22)، حيث يمكن تلخيص الدوافع الرئيسية في تطور المركز القانوني الدولي للفرد، وتطور الاهتمام الدولي بقضايا حقوق الإنسان، ثم تزايد انتهاكات حقوق الإنسان(23)، إذ بدا واضحا قصور نظام الحماية الدولية لحقوق الإنسان في صورته الحالية(24).
فإنشاء المحكمة الجنائية الدولية الدائمة يطرح تساؤلات –حيث سنعمل من خلال هذه الدراسة على تحليلها- في غاية الأهمية تتصل أساسا بمسألة السيادة الوطنية. "فهل فعلا وكما قال خبير أمريكي، هل أصبحت السيادة تتألم في ظل المجتمع الدولي الحديث؟"(25)، ثمما يتعلق بمسألة الاختصاص، وبعلاقة المحكمة الجديدة بمجلس الأمن، ثم بحدود الدور الذي يضطلع به نظام المدعي العام سواء في إعداد ملفات الدعاوي ، أو في توجيه الاتهامات وكذا سلطاته في التحقيق، وبمدى إلزامية القرارات والأحكام التي تصدرها المحكمة(26)، والأهم معرفة حدود الخطورة التي يتهدد عمل المحكمة من الناحية العملية والقانونية من طرف الولايات المتحدة الأمريكية والدول القمعية.
ورغم هذه الصعوبات، فإن مولد المحكمة الجنائية الدولية في يوليوز 2002 سيجعل من المحاكم الجنائية الدولية الخاصة السابقة (نورمبرج، طوكيو، يوغسلافيا السابقة ثم رواندا)، أو في المستقبل عن لازمة ولا مناسبة، حيث ستنعقد الولاية القضائية لهذه المحكمة بصورة آلية(27).

هوامش
. انظر وائل أحمد علام، مركز الفرد في النظام القانوني للمسؤولية الدولية، دار النهضة العربية، 2001، ص 84.
وللتعرف على نظرية المسؤولية الدولية الجنائية للفرد، ومختلف الاتجاهات الفقهية حولها، انظر نفس المؤلف من ص 84 إلى 99.
2 . لقد عرف العالم قبل الحرب العالمية الأولى إجراء محاكمات جنائية غير أنه لم يكن بالإمكان الحديث عن العقوبات الدولية الجنائية قبل القرن 13.
ففي عام 1968، جرت محاكمة (conradinvon Hehenstanfer) وإعدامه لثبوت مسؤوليته عن قيام حرب غير عادلة، ولم يكن الحديث منذ تلك الواقعة الحديث عن قيام قضاء جنائي بالمعنى الدقيق.
Voir Szurex S: Historique: la formation du droit international penal (sous la direction de Aseensie A, Decaux E. et pillet A) pedone Paris. 2000. Pp 20-21.
3 . لقد عارضت كل من الولايات المتحدة الأمريكية واليابان محاكمة كبار مجرمي الحرب وعلى رأسهم (غليوم الثاني). بينما كانت فرنسا وإنجلترا تؤيدان ذلك.


4 . انظر المادة 228 من معاهدة فرساي، والتي جاء فيها أن "سلطات الدول المتحالفة والمنظمة توجه الاتهام العلني إلى الامبراطور السابق غليوم الثاني لارتكابه انتهاكات صارخة ضد مبادئ الأخلاق الدولية وقدسية المعاهدات، وسوف تشكل محكمة خاصة لمحاكمة المتهم، على أن تكفل له كافة الضمانات الجوهرية لممارسة حق الدفاع عن نفسه، وتتألف هذه المحكمة من قضاة يعينون كل من الدول الخمس الآتية: الولايات المتحدة الأمريكية، وبريطانيا العظمى، وفرنسا وإيطاليا واليابان، وسوف تعتمد المحكمة في قضائها على المبادئ السامية التي تتحكم السياسة الدولية بتأمين وتأكيد احترام الالتزامات المعلنة رسميا، والتعهدات الأخلاقية الدولية. ويكون للمحكمة تحديد العقوبة التي ترى تطبيقها عليه، وسوف توجه الدول المتحالفة والمنظمة إلى حكومة هولندا طلبات تلتمس فيه تسليم الإمبراطور لمثوله أمام المحكمة".
انظر في هذا الشأن: د.فتوح الشادلي، القانون الدولي الجنائي، أولويات القانون الدولي الجنائي، النظرية العامة للجريمة الدولية، دار المطبوعات الجامعية، الإسكندرية، 2001. ص 339.
وكذلك، د. محمود شريف بسيوني: "المحكمة الجنائية الدولية، نشأتها، ونظامها الأساسي، مع دراسة تاريخ لجان التحقيق الدولية والمحاكم الجنائية الدولية السابقة، الطبعة الثالثة، 2002، ص 14.
وكذلك، عبد الواحد محمد الفار "الجرائم الدولية وسلطة العقاب عليها"، دار النهضة العربية، القاهرة، 1996، ص 76.
5. J. Graven, “vers une cour criminelle internationale”. Coure de doctorat, le caire, 1972, p: 30.
وأيضا: د.محمود شريف بسيوني، م.س، ص 16.
6 . لقد نصت المادة 228 على أن "تعترف الحكومة الألمانية بحق الدول المتحالفة والمتعاونة في تقديم الأشخاص المتهمين بارتكابهم أفعالا بالمخالفة لقوانين وأعراف الحرب للمثول أمام محاكم عسكرية، وأنه سوف يتم توقيع ما ينص عليه القانون من عقوبات على الأشخاص في حالة إدانتهم، وسوف تسري هذه المادة بغض النظر عن أي إجراءات أو محاكمات أمام أي من المحاكم في ألمانيا أو في أراضي أي دولة من حلفائها. وعلى الحكومة الألمانية أن تقوم بتسليم جميع الأشخاص المتهمين بانتهاك قوانين وأعراف الحرب، ممن تم تحديدهم بالاسم أو الدرجة الوظيفية أو الإدارة أو العمل الذي خول إليهم بمعرفة السلطات الألمانية، إلى الدول المتحالفة والمتعاونة أو إلى أي دولة من هذه الدول ممن يطلب ذلك".
انظر د. محمود شريف بسيوني، م.س، هامش 8، ص 11.
7 . انظر: د. فتوح الشادلي، م.س، ص 340.
وأيضا حسنين عبيد، القضاء الدولي الجنائي (تاريخه، تطبيقاته، مشروعاته) الطبعة الأولى، القاهرة، ص ص 82-77.
وكذا، د. محمود شريف بسيوني، م.س، ص 15.
8 . انظر، محمود شريف بسيوني، م.س، ص 15.
9 . يختلف القانون الدولي الجنائي الذي هو " ذلك القانون الذي يحدد القواعد المقررة للعقاب على انتهاك أحكام القانون الدولي العام" عن القانون الجنائي الدولي الذي هو "مجموعة القواعد التي تحكم تنازع القوانين الجنائية من حيث الأشخاص والمكان"، حيث يتميز الأول بطابعه الدولي في المقام، ويتسم الأخير بالطابع الوطني، إذ يمكن ملاحظة الفارق بين القانونين من خلال عدة مظاهر منها:
- اختلاف مضمون الجريمة في كلا القانونين، فهي في القانون الدولي الجنائي تتميز بطبيعة ذاتية تنبع من مضمونها وتتجسد في اعتبارها مخالفة للإنسانية، أما الجريمة في القانون الجنائي الدولي فهي جريمة من جرائم قانون العقوبات العادية، تتداخل فيها عدة عناصر كجنسية المجرم والمجني عليه والمكان الذي ارتكبت فيه الجريمة.
- اتسام العقوبة في القانون الدولي الجنائي بالطابع السياسي الدولي بالمقام الأول بينما تتسم في القانون الجنائي الدولي بكونها عقوبة بمعنى دقيق.
- المجرم في القانون الدولي الجنائي قد يكون فردا أو دولة، بينما هو في القانون الجنائي الدولي شخص طبيعي أو معنوي.
انظر، المحكمة الجنائية الدولية، أحمد قاسم محمد أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام، جامعة محمد الخامس 2000، ص 15-16.
10 . انظر د.علي يوسف الشكري، القانون الجنائي الدولي في عالم متغير، دراسة في محكمة يبزج –نورمبج- طوكيو- يوغسلافيا السابقة- رواندا- والمحكمة الجنائية الدولية الدائمة وفقا لأحكام نظام روما الأساسي، إيتراك للطباعة والنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، القاهرة، 2005، ص 16-17.
وأيضا وائل أحمد علام، مركز الفرد...، م.س، ص 101
11 . لقد صدر تصريح "سان جيمي" في 13 يناير 1942، باسم الدول المتحالفة والحكومات اللاجئة في لندن، كما صدر تصريح موسكو في أكتوبر 1943 الذي دعا إلى مواجهة الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب التي ارتكبها الألمان على أقاليم البلاد المحتلة.
12 . للاطلاع بنوع من التفصيل حول محكمة نورمبرج، يرجى مراجعة:
- Donnedieu de vabres “Le procés du Nuremberg devant les principes moderne du droit penal international” R.C.A.D.I. 1947, Vol. 70 P 477-582.
- Donnedieu de vabres, “Le jugement de Noremberg et le principe de legalite des piens, Revue de droit penal et criminologie, P: 825.
- Louis Joinet, lutter contre l’impunité…, op.cit, P: 10-16.
وأيضا، د. عبد الواحد الفار، م.س، ص 81 وما بعدها

13 . انظر، علي يوسف شكري، م.س، ص 36-38.
4 . أنشأت هذه اللجنة في 6 أكتوبر 1992 بموجب قرار مجلس الأمن رقم 780، حيث تكونت من خمسة أعضاء، وكان السيد محمود شريف بسيوني رئيسا لها، ولقد كلفت هذه اللجنة بالتحقيق وجمع الأدلة في المخالفات الجسيمة لمعاهدات جنيف، والانتهاكات الاخرى للقانون الدولي الإنساني. وقد أسفرت جهود اللجنة عن 65000 صفحة من المستندات وما يزيد عن 300 ساعة من شرائط الفيديو فضلا عما تضمنته ملاحق التقرير النهائي للجنة من 3300 صفحة من التحليلات، وثم تسليم هذه المعلومات والأدلة إلى المدعي العام للمحكمة في الفترة ما بين أبريل وأغسطس 1994.
لمعرفة تفاصيل ظروف إنشاء المحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا السابقة، انظر:
- Jean Pierre Getli et Karim Lescure: “Historique du fonctionement du tribunal pénal international pour l’ex-Yougoslavie” R.I.D.P. Vol 67. 1996, Pp 235 et Ss.
- وأيضا: د. محمود شريف بسيوني، م.س، ص 50-51.
5 . لقد جاء في نص قرار مجلس الأمن 808. (UN.DOC.S/Res/808.1993) التأكيد على ضرورة:
“La création d’un tribunal international pour juger les personnes présumée responsables de violations graves du droit humanitaire international commises sur le territoire de l’ex-Yougoslavie depuis 1991”
لمعرفة التحليل القانوني لقرارات مجلس الأمن حول مجلس الأمن، انظر:
- Pellet: “Le tribunal criminel international pour l’ex-Yougoslavie”.
- Poudre aux yeux ou avencée décisive? R.G.D.I.P. Vol 98, N: I. 1994, Pp 30-33.
. J.P.Getti et K. Lescure, op.cit. Pp 232-234.16
17. Luis Joinet, dix questions…, op.cit. p: 34.
8 . لقد تم إنشاء هذه اللجنة بموجب قرار مجلس الأمن رقم 935 في يوليوز 1993، وقدمت تقريرها الأولي إلى السكرتير العام للأمم المتحدة في 4 أكتوبر 1994.
9 . انظر د. محمود شريف بسيوني، م.س، ص 62.
20 . انظر في هذا المعنى، د. محمود شريف بسيوني، المحكمة الجنائية الدولية، مدخل لدراسة أحكام وآليات..، م.س، ص 11-12.
21 . أحمد محمد، المحكمة الجنائية الدولية، م.س، ص 8-9.
22 . ساهموا في القضاء على التعذيب، م.س، ص 85.
23 . انظر د. أحمد الرشيدي، ندوة المحكمة الجنائية الدولية، المنظمة من طرف المنظمة العربية لحقوق الإنسان، منشورة في كتاب قضايا حقوق الإنسان، الإصدار الخامس، سبتمبر/أيلول 1999، ص 71.
24 . انظر كلمة محمد فائق الأمين العام للمنظمة العربية لحقوق الإنسان، في نفس الندوة، م.س، ص 64.
25 . انظر تعقيب الأستاذ محمد تاج الدين الحسيني في موضوع المحكمة الجنائية الدولية في الندوة التي نظمها اتحاد المحامين العرب على هامش أعمال مكتبه الدائم بالرباط من 15-17 أبريل 1999، حول المحكمة الجنائية الدولية.
26. انظر محمد منيب، ندوة المحكمة الجنائية الدولية، المنظمة العربية لحقوق الإنسان، م.س، ص 67.
27 . انظر نيل ج.كريتز، م.س، ص 19.



#أرام_عبد_الجليل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دراسة حول الآليات الدولية والمحلية لمحاربة الإفلات من العقاب
- حول الاصلاح الدستوري في المغرب الكبير * قراءة في تجربة مجهضة


المزيد.....




- نتنياهو قلق من صدور مذكرة اعتقال بحقه
- إيطاليا .. العشرات يؤدون التحية الفاشية في ذكرى إعدام موسولي ...
- بريطانيا - هل بدأ تفعيل مبادرة ترحيل طالبي اللجوء إلى رواندا ...
- أونروا تستهجن حصول الفرد من النازحين الفلسطينيين بغزة على لت ...
- اجتياح رفح أم صفقة الأسرى.. خيارات إسرائيل للميدان والتفاوض ...
- احتجاجات الجامعات الأميركية تتواصل واعتقال مئات الطلاب
- الأونروا: وفاة طفلين بسبب الحر في غزة
- لوموند تتحدث عن الأثر العكسي لاعتداء إسرائيل على الأونروا
- لازاريني: لن يتم حل الأونروا إلا عندما تصبح فلسطين دولة كامل ...
- مميزات كتييير..استعلام كارت الخدمات بالرقم القومي لذوي الاحت ...


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - أرام عبد الجليل - الآليات الدولية والمحلية لمحاربة الافلات من العقاب ( 41 /2 ) ..ا