أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسيب شحادة - برلين والشوكة والسكين















المزيد.....

برلين والشوكة والسكين


حسيب شحادة

الحوار المتمدن-العدد: 1551 - 2006 / 5 / 15 - 06:23
المحور: الادب والفن
    


برلين بلاد وبلد في آن واحد، عاصمة الجمهورية الفدرالية الألمانية ويقطنها قرابة ثلاثة ملايين ونصف مليون إنسان، منهم حوالي نصف مليون مواطن أجنبي وهم ينتمون إلى مائة واثنين وثمانين شعبا. أما مِساحتها فتعادل مساحات المدن، ميونخ وشتوتجارت وفرانكفورت مجتمعة، وهي محاطة بالبحيرات من كل الجهات. تأسّست برلين في القرن الثاني عشر بمثابة مدينة تجارية وغدت بعد بضعة قرون، وعلى وجه التحديد في عام 1871، عاصمة الرايخ الألماني، وفي أعقاب الحرب العالمية الثانية قُسّمت المدينة إلى أربع مناطقَ، وفي عام 1961 شُيّد سور برلين الذي أزيل في الثامن من أيلول عام 1989، وفي العام 1990 تمّ توحيد الألمانيتين. تعتبرالمدينة مركزا ثقافيا بارزا في أوروبا، فيها أربع جامعات معروفة عالمياً مثل الجامعة الحرّة وجامعة هومبولدت، ويقدّر عدد الطلاب بمائة ألف، أضف إلى ذلك، وجود عشر جامعات علمية تطبيقية و17 متحفا وطنيا وأكثر من مائتي صالة عرض فنية خاصّة و150مسرحا و1700 جسر
كنت مؤخرا في برلين لمدة أسبوع بغية الاشتراك في مؤتمر عالمي حول الدراسات المندائية والسامرية، وذلك إحياء لذكرى مرور عشر سنوات على رحيل الإنسان والباحث الفذّ، رودلف ماتسوخ 1919-1993 التشيكوسلوفاكي الأصل، والذي شغل منصب أستاذية اللغة العربية والساميات في جامعة برلين الحرة منذ عام 1969 وحتى وفاته. كنت قد تعرفت على المرحوم ماتسوخ منذ أوائل الثمانينيات من القرن المنصرم. إذ أنه نشر عرضا مسهبا حول أطروحتي للدكتوراة وكان مضيفي في فترة حصولي على المنحة البحثية من مؤسسة ألكسندر فون هومبولدت طيّبة الصيت التي تمنح سنويا منحا سخية لباحثين مميّزين حتى سن الأربعين من مختلف أنحاء العالم وفي شتّى ميادين العلم والمعرفة. قضيت في حينه في برلين سنة ونصف السنة حيث عملت في إعداد المجلد الأول للترجمة العربية السامرية للتوراة، أسفار موسى الخمسة
وفي هذه الزيارة الجديدة، سبعة عشر عاما بعد الزيارة الأولى والإقامة في برلين، لم يعد هناك أي أثرلسور برلين وطاب لي أن أشتري كتيّبا، بمحض الصدفة بعنوان
Berlin ohne Mauer
أي برلين بدون جدار. كما وكانت في هذه الزيارة الأخيرة فعاليات ثقافية وفنية عديدة منها، على سبيل المثال، معرض في الهواء الطلق استمر من تموز إلى تشرين الثاني2003 لـ123 دولة ممثلة بتماثيل الدببة
Circle of United Buddy Bears
وهي مرتبة أبجديا في ميدان باريس، وفي بدايتها اليسرى دبّ صغير الحجم وعليه صورة ألبرت آينشتاين وقد كتب عليها ما معناه : السلام لا يتحقق بالقوة بل يُنجز بالتفاهم
وقد اشترك في المؤتمر العالمي المذكور الذي عقد بتاريخ 1-2 تشرين الأول2003 والذي حمل اسم ”وللحياة النصر” في المندائية والألمانية والإنجليزية قرابة عشرين باحثا إما في الدراسات المندائية أو الدراسات السامرية، وفي المضمارين كليهما كان للراحل العديد من الأبحاث الهامة عالميا، في حين لم يشبهه أحد من بين الحاضرين في هذا التخصّص المزدوج لا بل ومن الغائبين أيضا. جاء أولائك الباحثون والأساتذة الجامعيون من دول مختلفة مثل تركيا وإيطاليا وإنجلترا وروسيا البيضاء وإسرائيل وهنغاريا والنرويج وفنلندا وروسيا، بالإضافة بطبيعة الحال، لألمانيا. كُرّس اليوم الأول للأدب المندائي وشمل حياة الفقيد ماتسوخ وأعماله، المندائيين وبيئتهم، أدب المندائيين الميثولوجي والسحري وأصناف النصوص وأدب المندائيين، أما اليوم الثاني فقد خُصّص للأدب السامري وعربيته وآراميته. ألقيت بعض هذه المحاضرات بالألمانية والبعض الآخر بالإنجليزية ومدّة كل منها، كالمعتاد في مثل هذه اللقاءات العلمية عشرون دقيقة تليها عشر دقائق لطرح الأسئلة والتعليقات. لا ريب أن تبادل الآراء والتعرف على أوجه جديدة وتعميق الصلة الشخصية بين المعارف هي، في الأساس، من أهم أهداف هذه اللقاءات الأكاديمية والعالمية
حرص منظّمو هذا المؤتمر الألمان، المعروفون في تنظيمهم ونجاعتهم، أن ينزل المشاركون في فندق واحد على مقربة من ناد تابع للجامعة الحرة في برلين حيث مكان انعقاد المؤتمر. اسم ذلك الفندق هو
Morgenland
أي بلاد الشرق، إحياء لذكرى مبشِّرات ألمانيات عملن في الشرق منذ نهاية القرن الثامن عشر، وتحمل بعضُ غرفه أسماء مثل ”بيت لحم، طاليتا قومي، بيت جالا”؛ الخ. ويقع هذا الفندق في منطقة هادئة وجميلة في ضاحية ليشترفلده وتسيلندروف في الجهة الجنوبية الغربية من برلين. وفي اللغة الألمانية تُستخدم اللفظتان
Morgenland, Abendland
أي بلاد /أرض الصباح/المساء، حرفيا لتعنيا الشرق والغرب. وفي هذا السياق ربما كان من المناسب والمفيد ذكر كتاب جدير بالقراءة. إنه للمستشرقة الألمانية المعروفة، زيغريد هونكه وعنوانه ، شمس العرب تسطع على الغرب، أثر الحضارة العربية في أوروبة، صدر ضمن منشورات دار الآفاق الجديدة في بيروت عام1964 ط. 2, 3, 4, 5, في الأعوام،1969, 1979, 1980, 1981. والمترجمان هما فاروق بيضون وكمال دسوقي وقد راجع النقل وأضاف الحواشي مارون عيسى الخوري. والدكتورة هونكه نالت شهادة الدكتوراة من جامعة برلين عام1955 على أطروحتها التي تناولت موضوع ”أثر الأدب العربي في الآداب الأوروبية”
وفي المشاوير المسائية التي قمنا بها، زوجتي وأنا، بمنطقة الفندق تعرفنا على مطاعم ثلاثة، يوناني وإيطالي ومصري ولاحظنا في المرة الأولى أن الأخير كان خاليا من الزبائن. وفي إحدى الأمسيات قرر باحثو الدراسات السامرية المشاركون في المؤتمر بحث الوضع الصعب الذي تمرّ فيه ”جمعية الدراسات السامرية”
SES, Société d‘Etudes Samaritaines
لا سيما في أعقاب وفاة رئيسها الأستاذ النمساوي المرحوم فيردناند ديكسنجر. عقد ذلك الاجتماع التشاوري في المطعم المصري، ”الفرعون” تلبية لاقتراح أغلبية المشاركين لتفضيلهم الطعام الشرقي على الغربي الذي يأكلونه كل يوم. زد إلى ذلك هناك إمكانية للتحدث بالعربية لمن يعرفها من الباحثين وقضاء سهرة في جوّ شرقي فالسامريون شرقيون قلبا وقالبا. والسامريون، لمن لا يعرف، أصغر وربما أقدم طائفة في العالم. تعدادها اليوم أقل من سبعمائة نسمة، يعيش نصفهم تقريبا في مدينة نابلس حيث جبلهم المقدس، جريزيم، والنصف الآخر يسكن المدينة حولون، الواقعة إلى الجنوب من تل أبيب. كان التحاور في تلك السهرة الممتعة حيث الموسيقى الشرقية، مقتضبا ولم يؤد إلى نتائجَ عملية تذكر. وقد لوحظ أن مجموعتنا، حوالي الاثني عشر شخصا، كانت الوحيدة التي أمّت المطعم في تلك الأمسية. والمطعم يتسع لقرابة ثلاثين زبونا وهو مرتّب ونظيف وقد سألني زميلي النرويجي الباحث والقسّيس فيما إذا كان صاحب المطعم مسيحيا إذ لاحظ بعض الإيقونات ليسوع المسيح ولمريم العذراء معلّقة على الجدار. قلت له مجيبا ليس بالضرورة ومن الصعب تقصّي الأمر إثر لقاء واحد، وذكّرني ذلك بالعديد من الحوانيت السياحية في القدس التي تزيّن جدرانها بالعديد من الإيقونات والمزخرفات الخشبية المسيحية رغم أن أصحابها غير مسيحيين
وفي مشوارنا المسائي في اليوم التالي عرّجت مع زوجتي على ”الفرعون” وإذ به خالٍ خاوٍ من الزبائن للمرة الثالثة تباعا. أمر عجيب غريب. دخلنا المطعم لتناول وجبة خفيفة وقبلنا تناول ما نصحنا به صاحب المطعم المصري، قصير القامة ويميل إلى البدانة. بعد مضي وقت قصير تقدم هذا الرجل نحو المائدة التي جلسنا بجوارها، سحب كرسيا واتخذه مقعدا. بادرني بسؤال مفاجىء:
هل أنت قِسّيس؟
لا، لماذا، ألأني أرتدي هذا القميص الأسود؟
ردّ، لأن معظم نزلاء الفندق، بلاد الشرق، من رجال الدين
أتؤمن بالسحر؟ سؤال نزل عليّ نزول الصاعقة
أجبته بالنفي. ثم شرع صاحب المطعم بسرد النحس الذي حلّ به وبمطعمه منذ عام من الزمان. حدث ذلك في العام الفائت. في ليلة صيفية دخل المطعم رجل طويل القامة وموشح برداء أسود وقبعة سترت ملامح وجهه وكان المطعم عندها يغصّ بالزبائن. طلب ذلك ”الشبح” مني أن أعيره شوكة وسكينا ليتمكن من تناول طعامه في سيارته في الخارج. وأضاف صاحبنا، صاحب المطعم، قائلا منذ تلك اللحظة التعيسة والمطعم لا تطأه أقدام الزبائن كما تريان، إلا فيما ندر. لم تعد لا الشوكة ولا السكين إلى المطعم
حاولت استيضاح مسببات محتملة لهذا الوضع الغريب دون جدوى، إني أومن بقوة الإيمان والصلاة الحقيقية الصادقة النابعة من شغاف القلب، قلت له، فقد ورد في الإنجيل مثلا قول المسيح لتلاميذه ”...الحق أقول لكم: لو كان لكم إيمان بمقدار حبة من خردل، لقلتم لهذا الجبل: انتقل من هنا إلى هناك فينتقل، ولَما عجزتم عن شيء. وهذا الجنس من الشياطين لا يُطرد إلا بالصلاة والصوم )إنجيل متّى19:17-21(. ما أن انتهيت من إيراد فحوى هذه الأعداد وإذ بباب المطعم يُفتح ويدخله أربعة أو خمسة زبائن. عندها همست مازحا بأذن صاحب المطعم الذي نسيت اسمه، ها هما الشوكة والسكين قد عادتا، أعيدتا، مشيرا للتين استعملتهما لتناول الوجبة، وقبل مغادرتنا المطعم ودّعت صاحبه ”تعيس الحظ والبخت”، تناولت ”حزمة” من بطاقات التعريف والترويج للمطعم ثم وضعتها فيما بعد على طاولة معدّة لمثل هذه المعلومات بجانب لوح الاستعلامات في ”بلاد الشرق”.



#حسيب_شحادة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- القراءة من ضرورات الحياة المعاصرة
- وأطلقت على مولودها الاسم حاجزا
- يوم الأرض ومُخطّط الجهض
- سقراط وعين كارم
- التمديد والتفتيش
- تساؤل قضاة محكمة العدل العليا الإسرائيلية
- الحضارة لا تتجزأ
- أمسيحيٌّ وصهيوني؟


المزيد.....




- الحبس 18 شهرا للمشرفة على الأسلحة في فيلم أليك بالدوين -راست ...
- من هي إيتيل عدنان التي يحتفل بها محرك البحث غوغل؟
- شاهد: فنانون أميركيون يرسمون لوحة في بوتشا الأوكرانية تخليدً ...
- حضور فلسطيني وسوداني في مهرجان أسوان لسينما المرأة
- مهرجان كان: اختيار الفيلم المصري -رفعت عيني للسماء- ضمن مساب ...
- -الوعد الصادق:-بين -المسرحية- والفيلم الأميركي الرديء
- لماذا يحب كثير من الألمان ثقافة الجسد الحر؟
- بينهم فنانة وابنة مليونير شهير.. تعرف على ضحايا هجوم سيدني ا ...
- تركيز أقل على أوروبا وانفتاح على أفريقيا.. رهان متحف -متروبو ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسيب شحادة - برلين والشوكة والسكين