أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسيب شحادة - التمديد والتفتيش















المزيد.....


التمديد والتفتيش


حسيب شحادة

الحوار المتمدن-العدد: 1451 - 2006 / 2 / 4 - 07:05
المحور: الادب والفن
    


في الواحد والعشرين من تمّوز عام 2001 انتهت مدّة صلاحية جواز سفر ابنة حسام الشادي، هالة ابنة الثلاثة عشر عاما. بعد ذلك بأيام معدودات، وعلى وجه الدقّة والتحديد وبالرغم من عدم استملاح استعمال وزن ”التفعيل” في هذه الحقبة الحرجة والعصيبة في الأرض الحبيبة، في يوم الجمعة الموافق للسابع والعشرين من الشهر المذكور توجّه حسام إلى سفارة بلاده في ابنة البلطيق بغية تقديم طلب لتمديد صلاحية جواز السفر المذكور. أآتٍ أنت إلى السفارة؟ جاء هذا الاستفسار الاحترازي بالإنجليزية كردّ فعل على ضغط حسام الكهل على زر كُتب بجانبه ”السفارة الإسرائيلية” بالإنجليزية. نعم، إلى السِفارة، ردّ السيّد حسام بالعبرية. وهل تحمل جواز سفر إسرائيليا وكيف يدعونك )ما اسمك( ردّ سائلا بالعبرية ذلك الموظف المجهول الرائي وغير المرئي القابع في حُجيرة في شقّة فسيحة في الطابق السادس من عِمارة ليست بحديثة العهد. أجاب حسام على الأسئلة موضّحا أن هدف المجيء هو تمديد جواز سفر ابنته كما كان قد أبلغ موظفا في القنصلية هاتفيا في اليوم السابق لقدومه
في الواقع، قال حسام ”لاطي في خلقة خشّه” بلهجته الفلسطينية الحلوة والسيّالة سيولة وديان بلاده في فصل الشتاء. صفن حسام مليّاً وأعمل فكره قدر المستطاع في مثل هذه الحالات غير العادية راجيا أن يستبدل تلك الكلمات العامية الثلاث بأخريات فصيحات ولكن دون جدوى. لا ضير في ذلك، همس حسام المحنّك في عبّه وهو يتمتم بصوت خافت ”الألفاظ خدم للمعاني” وعلى الإنسان العصري المثقف انتقائها بدقة ومسؤولية فائقتين. هذه العبارة وما يشابهها ، كان حسام قد قرأها منذ فترة طويلة في مطالعاته اللغوية الحثيثة والمنتظمة. إن أساس الثورة الفكرية الحقيقية تبدأ باللغة وعاء الفكر والوجدان
إستقلّ حسام المصعد أو المحمل الكهربائي ذا الحبال قاصداً الطابق السادس وهو الطابق الأخير. قليلة مثل تلك المصاعد في عصرنا المتطور هذا في أوروبا على الأقل. أخذ حسام يفكّر متى وأين كان في مثل هذا المصعد في المرّة الأخيرة. مقعد خشبي صغير قد يتّسع لاستين منكمشين على أكثر تقدير داخل المصعد. شيء لافت للانتباه وربما كان حسنا أن تكون في مصعد مكشوف ويتسنّى لك رؤية الخارج ومن بالخارج يراك، راء ومرئى في آن واحد. كما وفي المصعد مرآة يستطيع المتواجد في هذا القفص المتحرك بروتينية وعلى الدوام إلى الأعلى وإلى الأسفل أن يضع اللمساتِ الأخيرة على شكله وعلى هندامه ولا سيّما على هيئة شعر الرأس فالإنسان قادم إلى ملاقاة ممثلي بلاده ووطنه في الغربة، في الشتات، المهجر. تعلّم حسام ضمن ما تعلّم خلال العقد من السنين ونيّف الذي قضاه في بلاد الشمال، أن يستلّ المشط من جيبه الخلفي، ويمرره على ما تبقّى من شعر في كلا جانبي الرأس ولا سيما في مؤخرة الرأس
وقد تذكر حسام أن المشط آلة ضرورية في هذه البلاد ويجب أن يكون دائما متوفرا في الجيب كما كان بالنسبة للهوية الشخصية في الوطن. أبى المصعد أن يتوقَّف في الطابق السادس، كما كان من المفروض، بل يبدو أنه تكاسل وتقاعس وأخذ يلهث في طلعة ”الليّات” وتوقف حوالي شبرين أو فترين تحت أرضية الطابق السادس. معنى ذلك أن لا مجال لفتح بابي المصعد والخروج منهما. عطب تقني طارىء قد يكون السبب المباشر لمثل هذا الوضع الشاذ. دون تفكير طويل أو تلكّع مدّ حسام سبابته اليمنى وضغط على زرّ الطابق الخامس ومن هناك صعد برجليه الثابتتين إلى العُنوان المنشود. وقف شاب إسرائيلي يهودي بباب مكتب السفارة مستقبلا الزبون الجديد حسام. استهل الشاب استقباله لحسام بوابل من الأسئلة والاستفسارات القصيرة والسريعة فهذه طبيعة مهمّة مثل هؤلاء الشباب: عليّ أن أفتشك وأفتش ما في حوزتك قبل السماح لك بالدخول إلى غرفة الانتظار أو الصالون، قال الشابّ فردّ حسام: لا بأس
ما اسمك الكامل؟
حسام الشادي
أين تسكن في فنلندا؟
في هلسنكي
أفي حوزتك سكّين أو مقصّ أو أية آلة حادّة؟
كلا!
أف يحوزت؛ سلاح شخصي للدفاع عن النفس؟
لا، لستُ بحاجة
ألديك غاز مسيل للدموع؟
كلا
بهذه الأسئلة القصيرة والهامّة انتهت جولة الاستفسار وحلّ دور الفحص الجسدي ميكانيكيا. لاحظ حسام، حين وطئت قدماه مصطبة الطابق السادس، أن بابا إضافيا قد بُني بجانب المدخل الرئيسي وأنّ آلة لفحص المعادن قد نُصبت وهي بشكل مستطيل أمام المدخل. مثل هذه الآلة يعرفها المسافرون عند دخولهم وخروجهم للمطارات الدولية. لا بدّ أن هذا التغيير قد طرأ في الآونة الأخيرة، إذ أن حسام لا يذكر مثل هذا في زيارته الأخيرة التي كانت قبل ثلاث سنين تقريبا. مرّ حسام بخطى رزينة في حيّز الآلة آنفة الذكر فأخذت في التململ والصفير. معنى ذلك عادة أن هناك معدنا ما في مكان ما على جسد الآدمي المنخرط في عملية التفتيش
أهناك أشياءُ أخرى في جيوبك، سأل الشاب القائم على عملية الفحص و”الخمخمة” محاولا مساعدة الكهل المحترم حسام. لا، لا شيءَ سوى لفافة بلاستيكية فيها أقراص تحتوي على نسبة عالية من الچلوكوز وزنها أربعون غراما، أجاب حسام بكل هدوء وموضوعية وأخرجها من جيب سرواله الصيفي ووضعها على الطاولة الصغيرة حيث بقية ممتلكاته. هل هناك أي شيء معدني في الحذاء؟ سأل الشاب. وعندما ردّ حسام بالنفي طُلب منه ثانية أن يجري الفحص الآلي وحدث ما حدث في الكرّة الأولى. أصدرتِ الآلة صفيرا رتيبا في الذهاب والإياب. وضع الشاب الجدي والعملي كفّه على صدغه وأمعن في التفكير لعله يفكّ لغز المعضلة. وبعد هنيهة، صمت عميق، أشار ذلك الشاب الذي لم يعرّف بنفسه عند الاستقبال ولا خلال الاستقبال ولا عند انتهاء المعاملة، بأن الحزام قد يكون السبب في صفير الآلة. وما كان من السيّد الزائر المطيع طواعية أو قسرا إلا أن ينزع الحزام الذي على وسطه ويلقيه على الطاولة المعدّة لحمل متاع الزائرين الذين يتحتم فحصهم. الحقّ يقال، إن هناك طاولتين الواحدة أكبر من الأخرى والصغيرة وهي كالإسكملة، كما يسميها العرب في فلسطين. ربما بدا على وجه الشاب أنه قد اكتشف السبب وقد يكون قد صاح في أعماق داخله ”يوريكا يوريكا” كما فعل العالِم الإغريقي الشهير أرخميدس قبل أكثرَ من اثنين وعشرين قرنا. كلّ هذا قد يكون ممكنا وبنفس الدرجة من الاحتمال قد يكون غير ممكن بل مجرد تكهنات دارت في دماغ حسام. في طرف الحزام، كما هو معروف ومألوف، إطار وإبزبم معدني قد يكون من حيث المنطق سببا في صفير الآلة التي من المفروض أن تقوم بواجبها كما برمجها عقل البشر
ولا بدّ من التنويه في هذه المرحلة أن السيد حسام لا يُولي اهتماما كبيرا لمثل هذه الأمور الصغيرة التي كان قد اعتاد عليها ويدع الحقيقة الخالصة وغير المزيفة أن تقول كلمة الحسم، الفصل وقت ”الحزّ واللزّ”. بعبارة مقتضبة، إنه
يفضل العمل على القول. قام السيد حسام بتنفيذ ما طلب منه للمرة الثالثة. خطوات معدودات لا تتجاوز الستّ ذهابا ومثلها إيابا. إلى الأمام سِر وإلى الخلف دُر، لقد تذكّر حسام هذه العبارة وومضت في أعماق قلبه وعقله. تلك العبارة التي طالما رددها أساتذته للرياضة البدنية قبل أربعين عاما ونيّف في الجليل الأشمّ. أصرّت الآلة العنيدة على الصفير رغم كل المحاولات الجادّة والتعاون المشترك بين الطرفين، فمن يريد أن يعرّض نفسه للخطر. وفي آخر المطاف يئس القائم على التحقيق والتفتيش وعندها سمع صوتا من داخل الباب الرئيسي يقول: دعه فهو ليس داخلا إلى المكتب هنا بل إلى الحجيرة الجانبية الخاصة بالمعاملات القنصلية
أخذ حسام يلملم أغراضه من على الطاولة وربط الحزام الذي كان متدليا من على الطاولة آخذا شكل أفعى هامد. وعندها سمع حزام صفيرا من نوع آخر، إنه صفير يعلن عن إمكانية الدخول فالباب في حالة انفتاح إذا دُفع به إلى الداخل. مثل هذا النمط من الصفير غير خافٍ على حسام الذي تعرّف على الكثير الكثير من تقنيات العصر الراهن في بلاد الشمال النائية عن وطنه في الشرق. ففي كل وحدة سكنية ولفة من طوابق مثل هذا النظام من أزرار الصفير المعلنة عن قدوم زائر والسماح له بدخول العمارة إثر الضغط على الزر. يبدو أن القلبع في قرنته في الداخل، الذي يرى ولا يُرى، سبحان الله القدير من مثل هذه العبارات، فهذه رؤية وتلك رؤيا وهذا راءٍ عبر شاشة التلفزيون التي تعكس ما تزودها به الكاميرات المبثوثة في كل ركن من أركان العمارة. وذلك راءٍ في الداخل في أعماق شاشة الفؤاد والأحشاء ومحبّ كل الحب والرحمة لكل بني البشر دون زي فرق أو تمييز مواطنا كان من الدرجة الأولى أو الثانية أو الثالثة. الخالق قد خلق الإنسان بصورته. ففي العدد السادس والعشرين من سفر التكوين جاء ”وقال الله: لِنصنع الإنسان على صورتنا كمثالنا، وليتسلّط على سمك البحر وطير السماء والبهائم وجميع وحوش الأرض وكل ما يدبّ على الأرض”. حسام لم يتمكن من الدخول رغم دفعه الباب إلى الداخل أكثر من مرة. وعندها هبط صوت من الداخل وصل الخارة مخترقا سُمك الباب الكبير يرشد حسام ويقول: إنك لستَ أمام الباب الصحيح. عاد حسام بضع خطوات إلى الوراء ودفع الياب الجانبي إلى الداخل، إلى الصالون، وما أدراك ما الصالون
كان الجوّ في ذلك اليوم حارّاً بصورة غير عادية فقد وصلت درجة الحرارة إلى أكثرَ من درجة سبع وعشرين سالزيوس وقلّما يكون الطقس هكذا في هذه البلاد. هذا الصالون عبارة عن حُجيرة مستطيلة الشكل طولها أكثر من مترين بقليل وعرضها أكثر من متر بقليل. فيها طاولة مربّعة صغيرة فاتحة اللون وثلاثة مقاعد خشبية وعلى جدرانها بعض الصور لمناظر وآثار معروفة في الديار المقدسة. هذه الصور مشفوعة ببعض العبارات التفسيرية بالعبرية والعربية والإنجليزية والروسية. قد يبدو أن اللغة الروسية قد أصبحت في الواقع اللغة الرسمية الثانية في البلاد وليس اللغة العربية فهي كذلك شكليا أو رسميا، وهذه اللفظة الأخيرة كان محيي اللغة العبرية الحديثة إليعزر بن يهودا قد اقترضها من لغة الضاد قبل زهاء القرن مثلها مثل أديب ورصين. اللغات في هذا الاقتراض ليست كأصحابها الناطقين بها والمحافظين عليها إذ أنها تقترض ولا حاجة للأرجاع والتسديد. ما أكثر الرسميات والشكليات في القنصليات والسفارات والوزارات بلا وزارة في الوطن الأم. لا نافذة في الصالون، اللهم سوى طاقة زجاجية قدّ ... العقربة وسط احائط المطلّ إلى الداخل مهمتها تسليم أوراق ووثائق لموظف في الداخل ومن ثم تسلّمها. تتم هذه المعاملة أو العملية الرسمية عبر فتحة نصف دائرية للكوّة. وبجانب تلك الكوّة إبريق زجاجي فيه بعض الماء وبمحاذاته كؤوس. كما ولاحظ حسام خلال مكوثه القصير الطويل في الصالون المذكور أن هناك رفّاً بلاستيكيا وضعت عليه نشرات مختلفة بالفنلندية والإنجليزية، فالإنجليزية لغة عالمية ولغة البلاد وقت الانتداب وربما كانت اللغة الثانية في الواقع لا من حيثُ الرسمياتُ والشكليات. منها، على سبيل المثال لا الحصر، دورات تعليمية للغات في الجامعة في العاصمة الفنلندية. كما ولاحظ حسام بعض الإعلانات بالإنجليزية بشأن إيجار شقق في مدينة السلام والديانات السماوية الثلاث. وهل هذه المدينة لأصحاب هذه الديانات كما يعتقد البعض؟ وإذا كان الأمر كذلك فكيف يمكن التقسيم بناءً على العدد، 14 مليونا من اليهود في العالَم وأكثر من ملياردين من المسيحيين في العالم وقرابة مليار من المسلمين في العالم؟ أم أن الأمر غير ذلك، بل أن المدينة محتلة وفق الشرعية الدولية وقرارات مجلس الأمن وهيئة الأمم المتحدة ولا بدّ من إرجاع الأرض المحتلة إلى أصحابها وفق اتفاقيات سلام دائم وعادل مستند إلى الشرعية الدولية ولا شرعية سواها في عصرنا الحديث؟ وعلى أصحاب السيادة في مدينة السلام منح الحرية كاملة دون أي نقصان لرعايا الأديان الأخرى. وهناك من يقول إن القدس لم تكن عاصمة لأية دولة. ويُحكى أن بن غوريون لم يوافق على القدس لتكون عاصمة للدولة العبرية بسبب المشاكل والمخاطر المكتنفة مثل هذا القرار. وهو نادى بتل أبيب عاصمة له. كما أن طهران عاصمة إيران وهي ليست مدينة مقدسة هناك والرياض وليست مكة عاصمة المملكة العربية السعودية. كل شيء قابل للتفسير والتحليل والتعليل كما يراه صاحب القرار والقوة لا صاحب الحق والعدل.
ومن العجيب الغريب أن نشرة حملت العُنوان - مساداـ رمز الحرية اليهودية، بالإنجليزية قد لفتت انتباه حسام بشكل ملحوظ فهو مولع بالحرية عاشق لها كالطائر. إنها نشرة من نشرات مركز الإعلام في القدس. وحسام يتذكر الكثير مما تعلمه في المدرسة والجامعة قبل عقود عن مسادا. إنها ذلك الجبل الصخري بالقرب من شواطىء البحر الميت الغربية. والبحر الميت أو كما يدعوه الآخرون ”بحر الملح” هو أكثر الأماكن انخفاضا في المعمورة. وفي ذلك الجبل حاربت في القرن الأول للميلاد ثلة من الجنود اليهود روما العاتية القاهرة لانتزاع الكرامة والاستقلال والحرية. آثر أولائك المحاربون البواسل أن يقتلوا أنفسهم وألا يرزحوا تحت نير التعذيب والقمع الأجنبيين. في ذلك الزمان يا إخواننا الكرام أضاف حسام كانت البلاد، بلادنا، تئنّ تحت الحكم الروماني. قرابة أربعة أعوام استمرّ ما يسمّى في التاريخ باسم ـ التمرد ضد روماـ من سنة 66 إلى سنة 70 م. لقد احتلّ تيطس القدس عام سبعين للميلاد وهدم، كما تعلم عزيزي القارىء، الهيكل وقضى على الكثيرين من سكان المدينة ونفى ما تبقّى من اليهود عن البلاد. وقد تمكن بعض المحاربين اليهود ارفلات من قبضة القيصر المحكمة وتوجهوا إلى مسّادا التي كانت تحت سيطرة إخوانهم منذ بداية التمرّد. وكانت قمّة مسادا محصنة إذ أنها كانت معقل الملك هيرودوس قبل التمرد المذكور بقرن من الزمان. فهيرودوس كان يخشى من قيام رعاياه اليهود بخلعه وكذلك أخذ الحيطة والحذر حيال عدوته اللدودة كليوبترا، التي كانت تسوّل لها نفسها بتوسيع مملكتها وبسط سيطرتها على منطقة يهودا برمتها. وبعد سقوط القدس كما ذكرنا كان عدد المقاتلين اليهود وأفراد أسرهم المتحصنين على جبل مسادا حوالي الألف نسمة وصمدوا هناك عامين. وفي عام 72 للميلاد حاصر اللواء فلا?يوس سِلْ?ا مسادا بقوة عسكرية قوامها عشرة آلاف مقاتل روماني من الكتيبة العاشرة. لم ينجُ من هذا الحصار المحكم سوى امرأتين اختبأتا في صهريج كما يروي المؤرخ اليهودي يوسيفوس فلا?يوس. وإليعازار بن يائير كان قائد اليهود وهو الذي أمر أتباعه عند الهزيمة المحققة بقتل أنفسهم بدلا من الوقوع أسرى وعبيدا في أيدي الأعداء. وأضاف قائلا لهم ـ هيا نغادر هذا العالَم مع زوجاتنا وفلذات أكبادنا بحرية. ويذكر التاريخ أن تسعمائة وستين شخصا، من الرجال والنساء والأطفال، قد وضعوا حداً لحياتهم. قد يقول المرء إن هذه القصة خيالية إذ أن الدين اليهودي يحرّم قتل النفس فالذي خلقها هو الذي يأخذها وقد يقول الآخرون هذه قصة ترمز إلى الكرامة والحرية للتحرر من القمع والاحتلال البغيض والتشريد والتعذيب والتجويع والتركيع والتجريف والتخويف والتمييز والتركيز والتقتيل والتحطيم والتشليح والتجهيل والتزوير و... مسادة رمز الكرامة والشرف وعزم الشعب وإصراره ليكون حرا طليقا من القمع والطغيان في أرضه وعلى حبات ترابه ورمله. وهل هناك شيء أغلى وأعذب من الحرية والعزّة والكرامة. إن الحرية نار متأججة في روح الأمة تغذّيها بنسماتها لتلسع وتحرق أعداءها. رسالة مسادا جلية. عندما يؤدي الجندي يمين القسم اليوم على قمّة مسادا يقول ـ لن تسقط مسادا مرّة ثانية. كما وترمز مسادا إلى أن اليهود لن يقتلوا أنفسهم كي يتجنبوا نير الاضطهاد الأجنبي
ظلّ حسام طيلةَ هذا الوقت القصير الطويل منتظرا قدوم الموظف المسؤول لتنفيذ المعاملة الرسمية. لا أحدَ وراء تلك الطاقة الزجاجية. لا حسّ ولا نسّ، يعني لا حياة لمن تنادي أم ”أطرق يفتح لكم” يبدو أن العبارة الثانية هي الطريق السوي المجدي في وجدان حسام وفلسفته الحياتية. ما يبدو طبيعيا وسهلا، لا غبار ولا ذرة جدال فيه في مكان ما، قد يكون معقّدا وطويلا في مكان آخر. ولكن والجميع يعلم أن الحقوق في معظم أنحاء الكرة الأرضية تنتزع انتزاعا ولا تقدّم على صينية من الذهب أو الفضة أو حتى النحاس الأصفر.
قام حسام وضغط على الزرّ الخاصّ باستدعاء الموظف فقدمت موظفة وقالت لا بدّ من قدوم الزوجة من أجل تقديم طلب تمديد جواز سفر هالة. ما زالت هالة تحت السنّ القانونية أي الثامنة عشرة، وعلى كلا الوالدين الحضور للتوقيع على استمارة التمديد. وأضافت الموظفة البدينة والتي تحمل الاسم ”جميلة” سائلة وهل الاسم - شادي- فارسي الأصل؟ لا، بل عربي، أجاب حسام وكانت في نبرته مسحة من الاعتزاز والفخر بأصله وفصله حتى في هذا الزمن المأزوم والتعيس بالسنبة لبني يعرب. ومن أي مكان أنت في البلاد؟ تابعت ”جميلة” في استفساراتها التي طغى عليها، كما تراءى لحسام ابن البلد، طابع المجاملة وطقّ الحنك. إني من قرية البروة. وهل تعرف أناسا من كفر سميع؟ استطردت الموظفة. مثل من؟ أجاب حسام السؤال بسؤال وكأنه تأثر بالثقافة اليهودية حيث في العديد من الحالات يُجاب على سؤال بسؤال. وطرح الأسئلة أمر هام وضروري في ميدان العلم والمعرفة وكما جاء في التوراة الشفوية اليهودية - المشناه- سؤال الحكيم نصف جواب. ويقال أيضا: العالَم خزائن ذات مغاليق ومفاتيحها السؤال. وعندها تذكر حسام أنه سمع طرفة من تلميذ يهودي له قبل عقدين من الزمن. كان ذلك التلميذ وهو مهندس معماري يدرس العربية الفلسطينية على يدي الأستاذ حسام في حيفا إثر ما يسميه البعض حرب تشرين والبعض حرب يوم الغفران، غفر الربّ الرحيم الغفّار ذنوب الخطاة أجمعين، والبعض الآخر يطلق عليها حرب العام 1973 وتقول الطرفة أن شخصا سأل يهوديا: قل لي لماذا يجيب اليهودي عادة على السؤال بسؤال؟ أجابه اليهودي: ولمَ لا؟
قالت جميلة مجيبة على استفسار حسام ”مثل مَن”؟ السفير هنا كان من تلك القرية قالت جميلة والحبور اعتلى محياها وأنها تودّ القول لا فرق عندنا في البلاد بين هذا وذاك فالمساواة ديدننا وفلسفتنا وقوتنا وعلى رؤوس أولوياتنا. عقّب حسام مصححا، لا إنه ليس من كفر سميع بل من كفر البطيخ الأصفر أو المسمسر أو القرع أو الفقوس على ما أذكر، ويبدو أن ذاكرتي قد تخونني، والعلم اليقين عند ربّ العالمين. آه، أتعرفه شخصياً، أضافت مستفسرة كما وأرادت أن تعرف ماذا يفعل حسام في هذه البلاد الشمالية النائية
انصرف حسام من الصالون المذكور واستقل المصعد من الطابق السادس إلى الأوّل إلى الطابق الأرضي وكان الهبوط آمنا سلسا دون أي عطب أو تقاعس. وقد طرأ في فكر حسام وهو ينتقل من السادس إلى الخامس إلى ... أن هناك وزيرا عربيا جليليا في مستهل هذا القرن الحادي والعشرين في حكومة شارون. ولكن والحق يجب أن يقال، وإن لم يقل فسوف يبان بل وسيسطع إن عاجلا أو آجلا، إن الوزير المومىء إليه هو وزير بلا وزارة. كما وأن السيد شمعون پيرتس أو بيريز في الدول العربية، مهندس اتفاقية أوسلو، رحمها الربّ، يعمل وزيرا خارجيا في حكومة شارون الذي نادى بشعار مائة يوم لإعادة أو تثبيت الأمن والأمان في البلاد على جميع العباد أو لقمع الانتفاضة، انتفاضة الأقصى أو الانتفاضة الثانية.
قلنا إن اللغة جدّ هامّة وبالغة الأثر في الثورة، في الثورة الثقافية لكل شعب على وجه هذه البسيطة. واللغة والمصطلحات ذات أهمية كبرى في البلاد فالقدس هي أورشليم، والتحرير والتحرر من الاحتلال هو عنف وإرهاب، إعطاء الحقوق لأصحابها الشرعيين هو تنازل ومنّة وإكرامية من الطرف الآخر القوي، الغلام راشق الحجر على المحتل يوازي الجندي البالغ ببندقيته أو بدبابته أو برشاشه أو بصاروخه من الحوّامة أباتشي أو النفاثة إف 15 أو 16 ، عيش كثير بتشوف كتير
أي تشابه بين الأسماء التي وردت في القصة والواقع هو صدفة محض




#حسيب_شحادة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تساؤل قضاة محكمة العدل العليا الإسرائيلية
- الحضارة لا تتجزأ
- أمسيحيٌّ وصهيوني؟


المزيد.....




- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسيب شحادة - التمديد والتفتيش