|
وأطلقت على مولودها الاسم حاجزا
حسيب شحادة
الحوار المتمدن-العدد: 1542 - 2006 / 5 / 6 - 09:14
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
وأطلقت على مولودها الاسم حاجزا” هناك تأثير مُتبادل ما بين اللغتين الشقيقتين الساميّتين، العربية والعبرية، في الديار المقدّسة فهما لغتا دولة إسرائيل الرسميّتين، على الورق على الأقلّ، بالنسبة للغة الضاد. وهناك، كما هو معروف ومألوف، أسباب وأهداف عديدة تدْفع الإنسان لتعلّم لغة ما من اللغات الإنسانية التي يصِل عددُها إلى أكثرَ من أربعة آلاف لغة. من هذه الأسباب ما هو اقتصادي واجتماعي وعلمي وسياسي وشخصي. وليس نادراً أن تسمع عمَّن يدرس لغةً معينة قراءة وترجمة للغة أمّه دون الطموح لإحراز أية مقدرة تُذكَر في المجالين الهامّين، الحديث والكتابة، وذلك ليُصبحَ فقط أستاذاً جامعياً يتحدّث في وسائل الإعلام المختلفة في بلاده، عن ثقافة ذلك الشعب وتاريخه ودينه وعاداته وتقاليده دون أن يكون قادراً على التحدّث مع عالِم من هذه الأمّة أو رجُل بسيط فيها بلغتهما المكتوبة والمنطوقة، أو حتّى التمكّن من شراء كُتب ومصادرَ في موضوع اختصاصه، من خلال استخدام لغة تخصصه. وشرّ البلية ما يُضحك، أن الناس عادةً، الخواصّ والعوامّ على حدّ سواء، لا يعلمون أن مثل هؤلاء الأساتذة المتغطرسين حتى الثمالة والمنفوخين حتى نقطة الانفجار، لا يجرؤون على التفوّه بأية جملة ذات بال في لغة تخصصهم أو إلقاء محاضرة ذات بضع دقائق لا غير بتلك اللغة، فهناك تعتيم شامل كامل ومُطبق حولهم، ولا بدّ إزاء هذه الظاهرة السلبية والمضللة من العمل الدؤوب بغية إزالة مثل هذه الضبابية والسرية لكشف الحقيقة عارية دون أية رتوش. وهناك من يتعلّم اللغة العبرية مثلاً كي يعيش، كي يحصل على قوت يومه، لا أكثر ولا أقل وذلك كما ورد على لسان أحد الشبّان في بيت لحم عند مقابلته للصحفية الإسرائيلية، عميرة هس، في الصحيفة الإسرائيلية العبرية اليومية، هآرتس، في خريف العام 2001 ويُذكر أن إحدى الكلمات العبرية الأكثر شيوعاً في حالات اللقاء اليومية بين أبناء إسحق وإسماعيل، أي الجنود الإسرائيليين من جهة والمدنيين الفلسطينيين من جهة أخرى في أيامنا هذه هي لفظة ”الَمحْسوم” )????????( أي ”الحاجز”. والجدير بالذكر أن هذه الكلمة وحيدةٌ hapaxlegomenon أو، كما يقال في الأبحاث العلمية، لفظة فردة، في العهد القديم إذ أنها وردت مرة واحدة فقط في سفر المزامير الإصحاح 39 العدد 2 الذي يعود تاريخ تدوينه النهائي إلى القرن الثالث ق.م. ”قلتُ أنتبهُ في سلوكي لئلا يخطأ لساني، وأضع لفمي لِجاماً ما دام الشّرّير أمامي”. بعبارة أخرى، معنى هذه الكلمة ”مَحْسوم” في العبرية الكلاسيكية هو ”اللجام أو الكِمام أو الكعام أو الشِّبام وهو ما يُكمّ فم الحيوان كالكلب والثور والعِِجل والفرس لئلا يأكل أو يرضع أو يعضّ. أما البعير الذي يحتلّ مكانة محترمة في التراث العربي فله كلمة خاصّة به لتدلّ على اللجام والمكْبَح وهي الكِعام والكِعامة وللجدي الشِبام. أما في العبرية الحديثة فكلمة ”محسوم” تعني بالإضافة إلى ”لِجام، كِعام، شِبام” كلا من ”الحاجز، العقبة، العائق، الكتلة الحجرية، المتْراس، السدّ”، إلا أن أشهر المعاني وأكثرَها تداولاً في صفوف الفلسطينيين في الضفة الغربية لنهر الأردن وقطاع غزة هو ”الحاجِز”. وما أدراك ما الحاجز؟ الحاجز المقصود هنا عبارة عن نقطة تفتيش يتواجد فيها بضعةُ جنود إسرائيليين مسلّحين وسيارة جيب عسكرية وأجهزة اتّصال. يُوقِف هؤلاء الجنود، المطلوب منهم القيام بمهمة أمنية، سياراتِ الفلسطينيين والمارّة للتفتيش والتدقيق والتحقيق ولا يخلو الأمر من التحقير والإذلال كما سيتبين من العيّنة اللغوية التي التقطتها مسامع السيدّة عميرة هس. ومن الألفاظ والعبارات التي يستخدمها مثل هؤلاء الجنود الشبان في الحواجز المنتشرة في الديار المقدسة كانتشار المستوطنات والبؤر الاستيطانية اليهودية ما يلي: أقعُد على قفاك؛ بعوضة؛ أنت صغير كهذا )ربما مشيراً إلى الخنصر أو البنصر أو السبابة أو الإبهام(؛ إنصرف، طِر من هنا؛ لا تتدخّل؛ حشرات؛ قذر؛ إرفع يديك؛ قف هناك؛ إطفىء المحرّك؛ إلى الوراء؛ إنصرِف؛ كذّاب؛ لا أصدقكم؛ قُلِ الحقيقة؛ أحمق؛ أني أكسر لك رِجليك؛ إني أمزّق لك إطارات العجلات؛ قرِّر ماذا تريد، طلقة تساوي ألفي دولار من العراق، إشارة إلى الهبة المقدمة إلى أسرة الضحايا الفلسطينيين، أم خبراً عاجلاً، إشارة إلى ما يردُ في التلفزيون الفلسطيني في كلّ مرّة يُطلق فيها جيش الدفاع الإسرائيلي النارَ والناس يُصابون. لا ريبَ أن عبرية الحواجز هذه وما شاكلها بشعة وعدائية ودونية إذ أنها حُبلى بالشتائم والمسبّات. من المناسبات السارّة في الحياة الزوجية عملية البحث والتفتيش والتنقيب عن اسم ملائم وجميل للمولود الجديد أو المولودة الجديدة. يتشاور الوالدان وبعض الأقارب بغية الاتفاق على اسم سيُقال عنه في المستقبل ”إنه اسم على مسمىً”. وفي بعض الحالات، كما لا يخفى على أحد ، لا حاجةَ لمثل هذا البحث والمجهود فالابن البِكر يحمل اسم جدّه في جلّ الحالات والمولود ليلة عيد الميلاد المجيد لدى العرب المسيحيين يحمل اسم ”ميلاد” وفي عيد الغِطاس أي الظهور الإلهي، نجد الاسميْن، غطّاس، غطّاسة” للذكر والأنثى. وقد حدث مؤخراً أن امرأة فلسطينية من مدينة خان يونس في قطاع غزّةَ قد جاءت ساعتُها لتلد فهرع بها بالسيارة إلى مستشفى ”ناصر” في المدينة لتضع مولودها هناك. وفي الطريق كالمعتاد كان ” الحاجز” لها بالمرصاد وأُوقِفتِ السيارة للتفتيش والتنقيب والتحقيق و... و... و.. اشتدّ طلق الوالدة وتواتر فأنجبت هناك في السيارة على ”المحْسوم” على ”الحاجز. لم تتردد الأم في انتقاء اسم لمولودها الغضّ، إنها أطلقت عليه الاسم ”حاجزا” كي يتذكّر عندما يكبُر ويشتدّ عودُه ما قاساه أهلُه وذووه من العذاب والتنكيل والإذلال على ”الحواجز، المحاسيم”. وهذا الاسم مشتقّ من أصل عربي أصيل يدلّ على المنع والفصل وحدّ السيف والظلم أيضا. ويقال إن بلاد الحجاز قد سمّيت بهذا الاسم لأنها تفصل تهامة عن نجد. وربما يحق للمرء المتأمل الراصد ما يجري في عالمنا هذا أن يظنّ أن الاسم ”حاجزا” دُعي كذلك للفصل بين الخير والشرّ، بين السلام والحرب، بين هذا وذاك، بين نحن وأنتم، والله أعلم إذ لا يمكن محوَ ما في الذاكرة مهما كثرت المحاسيم، وعلا وسُمِّك الجدار العازل. ”
#حسيب_شحادة (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
يوم الأرض ومُخطّط الجهض
-
سقراط وعين كارم
-
التمديد والتفتيش
-
تساؤل قضاة محكمة العدل العليا الإسرائيلية
-
الحضارة لا تتجزأ
-
أمسيحيٌّ وصهيوني؟
المزيد.....
-
عملية -مطرقة منتصف الليل-.. كيف اتخذ ترامب -القرار التاريخي-
...
-
تحليل لـCNN: هجوم ترامب على إيران يعد انتصارا لنتنياهو لكن ا
...
-
واشنطن تصدر -تحذيرا عالميا- على خلفية الصراع بالشرق الأوسط و
...
-
أولمرت: الضربة الأميركية لإيران منحت نتنياهو فرصة لن يفلح با
...
-
مصادر: إسرائيل تقبل إنهاء الحرب إذا أوقف خامنئي إطلاق النار
...
-
علماء يكتشفون فئة دم فريدة من نوعها في العالم
-
كم عدد الطائرات التي شاركت في قصف منشآت إيران النووية؟
-
غروسي يعلّق على وضع مواقع إيران النووية بعد القصف الأميركي
-
إسرائيل تنفذ ضربات على أهداف في إيران
-
-أكسيوس-: ترامب لا يريد مواصلة ضرب إيران إلا في هذه الحالة
المزيد.....
-
كذبة الناسخ والمنسوخ _حبر الامة وبداية التحريف
/ اكرم طربوش
-
كذبة الناسخ والمنسوخ
/ اكرم طربوش
-
الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر
...
/ عبدو اللهبي
-
في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك
/ عبد الرحمان النوضة
-
الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول
/ رسلان جادالله عامر
-
أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب
...
/ بشير الحامدي
-
الحرب الأهليةحرب على الدولة
/ محمد علي مقلد
-
خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية
/ احمد صالح سلوم
-
دونالد ترامب - النص الكامل
/ جيلاني الهمامي
-
حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4
/ عبد الرحمان النوضة
المزيد.....
|