أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - جلبير الأشقر - صفاقة التفكير الصهيوني والاستعماري














المزيد.....

صفاقة التفكير الصهيوني والاستعماري


جلبير الأشقر
(Gilbert Achcar)


الحوار المتمدن-العدد: 6341 - 2019 / 9 / 4 - 13:15
المحور: القضية الفلسطينية
    


قبل أيام، قامت السلطات المغربية بهدم إنشاءات كانت منظمة ألمانية غير حكومية قد شرعت في بنائها في القرب من مراكش بغية تحقيق حلم مديرها في تشييد أكبر نصب تذكاري للمحرقة النازية في العالم. و«المحرقة» («الهولوكوست» بالتعبير الأمريكي الدارج) هي التسمية التي تُطلق على عملية الإبادة الممنهجة التي نفّذتها ألمانيا النازية أثناء الحرب العالمية الثانية إزاء يهود أوروبا وغيرهم من الأقليات العرقية كالغجر أو الجنسية كالمثليين. وكان مدير المنظمة المُشار إليها قد تباهى أمام الصحافة الإسرائيلية قبل الهدم بأن مشروعه سيفوق حجم نصب المحرقة النازية التذكاري القائم في برلين، وأن الفكرة جاءته بعد زيارة قام بها لمتحف «ياد فاشيم» المخصّص للمحرقة النازية في القدس الغربية، واكتشافه هناك أن بعض ضحايا الإبادة حملوا اسم عائلته (وهو اسم بولندي الأصل). وقد قصد بالطبع أنه اكتشف احتمال أن يكون أصل عائلته من اليهود البولنديين، وهم أكبر جماعة بشرية جرت إبادتها في معسكرات الاعتقال النازية.
تُحيلنا تلك الحادثة إلى الصفاقة التي يشترك فيها الفكر الصهيوني والفكر الاستعماري الغربي والتي تؤدّي إلى إنشاء أنصاب تذكارية لإبادة اليهود ليس في البلدان التي ساهمت في تلك الإبادة وحسب، بل أيضاً في بلدان لا علاقة لها البتة بها كاليابان والبرازيل والمكسيك وجنوب أفريقيا.
وقد تعمّدنا هنا ذكر بلدان شهدت حملات إبادة استعمارية فظيعة على يد الأوروبيين، أو اقترفتها بنفسها كما هي حال اليابان، بدون أن تحظى تلك المآسي التاريخية بأنصاب تذكارية تضاهي ما جرى تشييده تذكيراً بإبادة يهود أوروبا. وأسطع مثال على ما نقول، أن تحظى واشنطن، عاصمة الولايات المتحدة الأمريكية، بأحد أكبر وأشهر متاحف المحرقة النازية في العالم بينما لا يوجد فيها متحف مماثل على الأقل (والأحرى به أن يكون أعظم بكثير) مخصّص لإبادة سكان أمريكا الأصليين ولضحايا تجارة الرق والعبودية من الأفريقيين السود، وهي جرائم ضد الإنسانية ارتكبها مؤسسو الولايات المتحدة أنفسهم.

والقول إنها جرائم ارتكبها أولئك الاستعماريون يعني أنها جرائم أوروبية بامتياز، تنتمي إلى قائمة طويلة جدّاً وهائلة من الجرائم ضد الإنسانية التي اقترفها الاستعمار الأوروبي إزاء شعوب الجنوب العالمي. فإذا كان طبيعياً بل ضرورياً أن يخلّد الأوروبيون، ولاسيما الألمان، ذكرى المحرقة النازية التي جاءت ذروةً للجرائم الاستعمارية التي راكموها خلال خمسة قرون من غزو الجنوب العالمي، فهذا لا يستوي إقراراً بالذنب التاريخي وتأكيداً على ثقافة مضادة حقّاً للعنصرية، إلّا إذا اقترن بتخليد لذكرى سائر المحارق والجرائم ضد الإنسانية التي اقترفها الأوروبيون.
أما عدا ذلك، فيكون الأمر مجرّد تأكيد لقول كاتب المارتينيك العظيم إيمي سيزير، في نصّه الشهير والرائع «خطاب عن الاستعمار»، عندما اتهم الفكر الأوروبي السائد بأن «ما لا يغفره لهتلر ليس الإجرام بذاته، الجُرم على الانسان، وليس إهانة الانسان بذاتها، بل هو الإجرام على الانسان الأبيض، إهانة الانسان الأبيض، وكون هتلر قد طبّق على أوروبا طرائق استعمارية ما كانت تطال قبله سوى عرب الجزائر وشغّيلة الهند وزنوج أفريقيا».
أما مشروع تخليد المحرقة النازية على أرض المغرب، فلا يفلت من تلك الصفاقة الأنانية الغربية، إذ كان أحرى بالألماني صاحب المشروع أن يفكّر في تشييد نصب تذكاري لأبناء المغرب الكبير الذين ساهموا في تحرير أوروبا من النازية، وعددهم يفوق ثلاثمائة ألف رجل سقط منهم عشرات الآلاف. ولا زالت أوروبا لا تعترف بأي فضل، أو تكاد حتى يومنا هذا، لهؤلاء المغاربة الذين جرى تجنيدهم قسراً في تحريرها من قبضة النازية، هذا عندما لا تشتم العنصرية الأوروبية ذكراهم وتصوّرهم كأنّهم دنّسوا الأراضي التي وطأتها أقدامهم على غرار ما فعل الكاتب الإيطالي الفاشستي كورزيو مالابارته في روايته «البَشَرة».
وأسوأ ما في الأمر عندما يتعلّق بتخليد المحرقة النازية في بلد عربي، بما في ذلك الأراضي الفلسطينية، أن يأتي التخليد دون الإشارة إلى رفض الحركة الصهيونية للمطالبة بفتح أبواب بريطانيا وأمريكا أمام اليهود الأوروبيين الهاربين من النازية، وذلك بغية إجبارهم على الذهاب إلى فلسطين تدعيماً لمشروعها في إنشاء دولتها على حساب الشعب الفلسطيني. ويعلم الجميع كيف تستغل الصهيونية ذكرى المحرقة النازية وتوظّفها في كسب دعم الغربيين لها، من منطلق مماثل لما وصفه سيزير. وحيث لا يتورّع متحف «ياد فاشيم» الصهيوني عن تخصيص قسم منه لتصوير الفلسطينيين وكأنّهم لعبوا دوراً أساسياً في المحرقة النازية، وهي كذبة عظمى طالما روجّتها الدعاية الصهيونية، لا يجوز لأي تخليد عربي لذكرى هذه الأخيرة أن يتمّ بدون أن يترافق بإدانة لدور الحركة الصهيونية الحقيقي واستغلالها لذكرى إبادة يهود أوروبا من أجل تبرير اضطهادها الشنيع والمتعاظم لشعب فلسطين.



#جلبير_الأشقر (هاشتاغ)       Gilbert_Achcar#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- السلاح بيد الجهلة يجرح
- المملكة السعودية والعداء للإسلام
- هنيئاً لمناضلات المملكة السعودية والسودان!
- الثورة السودانية ومعضلتها الراهنة
- نظام الأبارتهايد اللبناني
- لا تنصر أخاك مظلوماً إن كان ظالمه شريكك
- ماركس والشرق الأوسط ٢/٢
- الثورة السودانية تدخل جولتها الثالثة
- ترامب وسلمان ونجله يحثّون إيران على التسلّح النووي
- العِبرة الكبرى من إعادة الانتخابات في اسطنبول
- خواطر غاضبة على هامش مؤتمر البحرين
- ارفعوا أيديكم عن شعبنا في السودان!
- الثورة السودانية تواجه مناورات الرجعية
- بين نقد «اليسار العربي» والتجنّي عليه
- ترامب… كثور في متجر خزف
- تركيا والانحدار السلطوي
- إيران بين «الممانعة» والتواطؤ والتوسّع
- لتضامن مع الثورة السودانية ملحّ!
- تفوّق قيادة الثورة السودانية برجالها ونسائها
- الانتقال والمعضلة في السيرورة الثورية العربية


المزيد.....




- شاهد رد مايك جونسون رئيس مجلس النواب الأمريكي عن مقتل أطفال ...
- مصادر تكشف لـCNN كيف وجد بايدن حليفا -جمهوريا- غير متوقع خلا ...
- إيطاليا تحذر من تفشي فيروس قاتل في أوروبا وتطالب بخطة لمكافح ...
- في اليوم العالمي للملاريا، خبراء يحذرون من زيادة انتشارالمرض ...
- لماذا تحتفظ قطر بمكتب حماس على أراضيها؟
- 3 قتلى على الأقل في غارة إسرائيلية استهدفت منزلًا في رفح
- الولايات المتحدة تبحث مسألة انسحاب قواتها من النيجر
- مدينة إيطالية شهيرة تعتزم حظر المثلجات والبيتزا بعد منتصف ال ...
- كيف نحمي أنفسنا من الإصابة بسرطانات الجلد؟
- واشنطن ترسل وفدا إلى النيجر لإجراء مباحثات مباشرة بشأن انسحا ...


المزيد.....

- المؤتمر العام الثامن للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين يصادق ... / الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
- حماس: تاريخها، تطورها، وجهة نظر نقدية / جوزيف ظاهر
- الفلسطينيون إزاء ظاهرة -معاداة السامية- / ماهر الشريف
- اسرائيل لن تفلت من العقاب طويلا / طلال الربيعي
- المذابح الصهيونية ضد الفلسطينيين / عادل العمري
- ‏«طوفان الأقصى»، وما بعده..‏ / فهد سليمان
- رغم الخيانة والخدلان والنكران بدأت شجرة الصمود الفلسطيني تث ... / مرزوق الحلالي
- غزَّة في فانتازيا نظرية ما بعد الحقيقة / أحمد جردات
- حديث عن التنمية والإستراتيجية الاقتصادية في الضفة الغربية وق ... / غازي الصوراني
- التطهير الإثني وتشكيل الجغرافيا الاستعمارية الاستيطانية / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - جلبير الأشقر - صفاقة التفكير الصهيوني والاستعماري