أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - غياث المرزوق - ذلِكَ الغَبَاءُ القَهْرِيُّ التَّكْرَارِيُّ: طُغَاةُ التَّقَدُّمِ أَمْ بُغَاةُ التَّهَدُّمِ؟ (7-12)















المزيد.....



ذلِكَ الغَبَاءُ القَهْرِيُّ التَّكْرَارِيُّ: طُغَاةُ التَّقَدُّمِ أَمْ بُغَاةُ التَّهَدُّمِ؟ (7-12)


غياث المرزوق
(Ghiath El Marzouk)


الحوار المتمدن-العدد: 6328 - 2019 / 8 / 22 - 23:50
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


إِنَّ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ الهَرْجَ. قِيلَ: وَمَا الهَرْجُ؟ قَالَ: الكَذِبُ وَالقَتْلُ [أَيْضًا].
قَالُوا: أَكْثَرَ مِمَّا نَقْتُلُ الآنَ؟ قَالَ: إِنَّهُ لَيْسَ بِقَتْلِكُمْ [أَعْدَاءً]، وَلكِنَّهُ قَتْلُ بَعْضِكُمْ بَعْضًا!
محمد بن عبد الله

(7)

كما سَبَقَ لي أَنْ ذَكَرْتُ في القسمِ السَّادسِ (والإضافيِّ، كذلك) من هذا المقالِ، لَمْ يَفْتَأْ فَلُّ الطُّغاةِ العُتَاةِ المُصْطَنَعِينَ من العَرَبِ والعُرْبَانِ والمُسْتَعْرِبِينَ أولئك، على اختلافِ أشكالِهِمْ وأَخْتَالِهِمْ وعلى ائْتِلافِ مَضَامِينِهِمْ و«مَيَامِينِهِمْ» في البلدانِ المعنيَّةِ من هذا الشرقِ الأوسطِ «الكبيرِ» بينَ أواسِطِ «الأرضِ مَا بعدَ الخَرَابِ» The Post-Waste Land، لَمْ يَفْتَأُوا يَتَفَنَّنُونَ بِلا رحمةٍ وبِلا هَوَادَةٍ بِمَا يتيسَّرُ لِأَرِبَّائِهِمْ ولأذنابِهِمْ من فنونِ التنكيلِ والتعذيبِ والتزهيقِ من مَحَلِّيِّهَا ومُسْتَوْرَدِهَا، عَلى حَافَّةِ «الصِّرَاطِ المُسْتَقِيمِ»، ولَمْ يَفْتَأُوا يُسَوِّمُونِ بناتِ وأبناءَ سَائرِ الشُّعُوبِ العربيَّةِ الأبيَّةِ، أيْنَمَا حَلَّتْ سَائرَةً بِثَوْرَتِهَا على الطُّغْيَانِ، سُوءَ هذهِ الفُنُونِ كَافَّتِهَا أيَّمَا تَسْوِيمٍ. فَهَا هو الطاغيةُ العَتِيُّ المُصْطَنَعُ، عبد الفتاح السيسي، يتولَّهُ في الفُسْطَاطِ بتجميلِ أحكامِ الإعدامِ التعسُّفيَّةِ القبيحةِ وَفْقًا لِكَوْنِهَا في الاعتقادِ المزيَّفِ «حَقًّا إلٰهِيًّا حَقِيقًا» مُنْزَلاً ومُنَزَّلاً من السَّمَاءِ على «العِقَاقِ» منهنَّ شَابَّاتٍ وعلى «العُقَّقِ» منهُمْ شُبَّانًا (وقد تَمَّ التَّنفيذُ المُريعُ لهكذا أحكامِ إعدامٍ تعسُّفيَّةٍ قبيحةٍ، في النهايةِ بالفعلِ، في آخِرِ تِسْعَةٍ من أولئك الشُّبَّانِ «العُقَّقِ» منذُ أسابيعَ معدوداتٍ، وتلك بدايةُ الجَرَائِرِ النَّكْرَاءِ إيذانًا بأنْكَرَ منها حَسْبَ ذاك الاعتقادِ المزيَّفِ في حدِّ ذاتِهِ). وهَا هو الطاغيةُ العَتِيُّ الأكثرُ اصطناعًا، بشار الأسد، يتولَّعُ في الفَيْحَاءِ بتحطيمِ الأرقامِ القياسيَّةِ المَدْمِيَّةِ الدَّمَوِيَّةِ كلِّهَا في ارتكابِ أفظعِ، بَلْ وأشْنَعِ، ما توصَّلَ إليهِ «العقلُ» الإجراميُّ البهيميُّ، بَلْ مَا دُونَ-البهيميُّ، من جَرائمَ فظيعةٍ شَنْعَاءَ ضدَّ الإنسانيةِ في المطلقِ (وقد قتلَتْ وشرَّدَتْ عِصَاباتُهُ الذَّلُولُ المَأْمُورةُ والدَّخُولُ المَأْجُورَةُ منهنَّ إناثًا ومنهُمْ ذكورًا من كافَّةِ الأعمارِ من الشَّعبِ السُّوريِّ اليتيمِ في غُضُونِ أقلَّ من ثمانيةٍ من السَّنواتِ العِجَافِ أضعافًا مضاعفةً مِمَّا قد قتلتْهُ وشرَّدَتْهُ عِصَاباتُ الكيانِ الصُّهيونيِّ منهنَّ ومنهُمْ كذاك من الشَّعبِ الفلسطينيِّ اللَّطِيمِ على مَدى أكثرَ من سبعينَ سَنَةً أشدَّ عُجُوفًا حتَّى). ومَا بَيْنَ هٰذَيْنِ الطاغيتَيْنِ العَتِيَّيْنِ عُتُوًّا مُبَاحًا ومُحَلَّلاً بوصَايةٍ أجنبيَّةٍ، علاوةً على ذٰلك، ثَمَّةَ طاغيتَانِ عَتِيَّانِ آخَرَانِ يتخبَّطانِ تخبُّطًا متوتِّرًا متواترًا، أوْ يكادُ بازدواجيَّةٍ رَعْنَاءَ لافتةٍ للعِيَانِ، قدَّامَ مشهدَيْنِ شعبيَّيْنِ ملتهبَيْنِ كلَّ الاِلتهَابِ بعدَمَا طفحَ الكَيْلُ بهما من كلِّ حَدْبٍ وصَوْبٍ، مشهدَيْنِ شعبيَّيْنِ تارةً يبشِّرانِ تورُّدًا بأنباءٍ ثوريَّةٍ «سَارَّةٍ» وطَوْرًا ينذرانِ تَشَوُّكًا بأخبارٍ لاثوريَّةٍ ضَارَّةٍ، في ذاتِ الآنِ والأوانِ، وفي ذاتِ ذاك الجَانبِ الإفريقيِّ من هذا العَالَمِ العربيِّ التَّائِهِ والرَّائِهِ رَيْهًا جَمُوحًا كعادتِهِ في الخَوَالِي من تلك الثَّمَانِي سَنَوَاتٍ، لا بَلْ رَيْهًا حتَّى أشَدَّ جُمُوحًا مِمَّا كانَ عليهِ في ذاتِ هذا الجَانبِ الإفريقيِّ منذُ إرْهَاصَاتِهِ الأولى، وقدْ بانتْ بالفعلِ أولى هذهِ الإرْهَاصَاتِ قبلَ نهايةِ السَّنَةِ التي خَلَتْ بأسابيعَ معدوداتٍ.

ثَمَّةَ، من طرفٍ أوَّلَ، طاغيةٌ عَتِيٌّ مُصْطَنَعٌ يمتازُ بالتَّبَجُّحِ استقواءً في «عُقْرِ دَارِهِ»، ليسَ إلاَّ، ويُحَاوِلُ إثْبَاتَ فُحُولَتِهِ العسكريَّةِ قبلَ نظيرتِهَا السياسيَّةِ بنَحْوٍ أو بآخَرَ، كمثلِ طاغيةِ السُّودَانِ عمر حسن البشير، هذا الطاغيةِ الذي لَمْ يفتأْ يلمِّحُ كَامِخًا بهذهِ الفحولةِ العسكريَّةِ على أكثرَ من صَعِيدٍ، والذي لَمْ ينفكَّ يلوِّحُ شامخًا بِمَدَى سِحْرِيَّةِ تلك «العَصَا الجَوْقَلِيةِ» Airborne Baton، الإنكليزيةِ المنشأِ والوَصِيدِ – كُلُّ ذلك كانَ، ومَا زَالَ، قائمًا وسَائرًا على قَدَمٍ وسَاقٍ، على الرَّغمِ من كونِهِ (أي كَوْنِ البشيرِ) الطاغيةَ «العربيَّ» الأوْحَدَ من حيثُ انصياعُهُ العتيدُ لأمرٍ روسيٍّ مباشرٍ و/أوْ إيرانيٍّ غيرِ مباشرٍ بتنفيذِهِ زيارةً مدروسةً بعنايةٍ فائقةٍ لطاغيةِ سوريا العَتِيِّ، بشار الأسد، وتذكيرِهِ (أي تذكيرِ البشيرِ) من ثمَّ بماضٍ دبلوماسيٍّ «تَقَارُبِيٍّ» و«تَحَابُبِيٍّ» بينَ السُّودَانِ وإيرانَ (أيَّامَ هاشمي رفسنجاني، في التسعينياتِ من القرنِ الفارطِ)، وعلى الأخَصِّ حينما كانتْ أمريكا دُونَ غيرِهَا تمارسُ، وَهْيَ مَشْغُوفَةٌ شَغَفًا سَلِيقِيًّا بغَلْوَاءِ ذلك «القِصَاصِ الازدواجيِّ» الشَّهِيرِ في حَدِّ ذَاتِهِ، حينما كانتْ تمارسُ أشْتَاتَ الضَّغْطِ السياسيِّ والاقتصاديِّ «التَّبَاعُدِيِّ» و«التَّحَاقُدِيِّ» على الدولتَيْنِ المقصُودَتَينِ، في آنٍ واحدٍ، وبحُجَّةِ أنَّهُمَا رَاعِيَتَانِ جِدُّ سَاعِيَتَيْنِ لكُلِّ أشكالِ الإرهابِ وأنَّهُمَا مُنْتَهِكَتَانِ جِدُّ حَيَّاكَتَيْنِ لجُلِّ حُقُوقَ الإنسانِ – وكُلُّ ذلك كانَ، ومَا زَالَ، قائمًا وسَائرًا على قَدَمٍ وسَاقٍ كذاك، على الرَّغمِ من قيامِ الشَّعْبِ السُّودَانيِّ الوَاغِرِ صَدْرًا والحَانِقِ نَحْرًا بتحطيمِ سَائرِ جدرانِ الخوفِ المُزْمِنِ قُدَّامَ التغوُّلِ الطغيانيِّ السَّادِيِّ الذُّهَانِيِّ، على اغتراقِ دَرَجَاتِهِ وعلى افتراقِ دَرَكَاتِهِ، وبالرَّغْمِ من هَبِيبِ أطيافٍ ملحوظةٍ من هذا الشَّعْبِ الصَّعْتَرِيِّ الخِنْذِيذِ من ثمَّ، في طُولِ البلادِ وعَرْضِهَا، وهي تَهْتِفُ بالهُتَافِ الوَلِيدِ لحظةَ الانفجارِ الأوَّلِيِّ، كما هَتفَتْ شُعُوبُ «الربيعِ العربيِّ» بادئةً بالمَطْلَبِ اللاهِبِ باتِّقَادِهِ الوَقِيدِ، من قبلُ، هكذا: «الشعب يريد إسقاط النظام!». وثَمَّةَ، من طرفٍ ثانٍ، طاغيةٌ عَتِيٌّ مُصْطَنَعٌ آخَرُ يمتازُ بالتَّرَنُّحِ استعلاءً من وَرَاءِ «حَدِّ دَارِهِ»، ليسَ سِوَى، ويُحاولُ إِنْكَارَ عُنَّتِهِ السياسيَّةِ حتَّى قبلَ مثيلتِهَا العسكريَّةِ بهيئةٍ أو بأخرى، كمثلِ طاغيةِ الجزائرِ العِنِّينِ القَعيدِ عبد العزيز بوتفليقة، هذا الطاغيةِ الذي لَمْ يَبْرَحْ يتشدَّقُ بِلِسْنِ مَنْ يَشْدِقُونَ نِيَابَةً عنهُ بـ«النَّزَاهَةِ المُثْلى» تغاضِيًا متعمَّدًا عنْ آثامِ مَاضي سِجِلِّهِ الاختلاسيِّ المُؤَوَّجِ حتَّى بعشراتِ الملياراتِ من «السنتيماتِ» عندما كانتْ فُرَادَى تيك «السنتيماتِ» تتكلَّمُ آنَذَاك فعليًّا منذُ أكثرَ من أربعينَ عَامًا (ومَا بينَ سنتَيْ 1965-1978، على وجهِ الضَبْطِ)، وهذا الطاغيةِ الذي لَمْ يَزَلْ يتمنطقُ أيضًا بِلَغْوِ مَنْ يَنْطِقُونَ وَكَالَةً عنهُ بـ«العَدَالَةِ الحُسْنَى» تعامِيًا متعمَّدًا أيضًا عن شُرُورِ مَاضي مِلَفِّهِ التَّعَسُّفيِّ المُتَوَّجِ، بدورهِ هو الآخَرُ، حتَّى بمَكِيدَةِ اغتيالٍ مدبَّرَةٍ كَادَتْ أنْ تُودِيَ بحياتِهِ كلِّهَا قبلَ أحَدَ عَشَرَ عَامًا، أو يزيدُ (وفي اليومِ السَّادسِ من شهرِ أيلولَ سَنَةَ 2007، على وجهِ التحديدِ)، حتَّى قبلَ أنْ يشتدَّ بِهِ ذلك الدَّاءُ العُضَالُ مقترنًا بنوعٍ من أنواعِ التَّجَلُّطِ الدِّمَاغِيِّ الذي صَيَّرَهُ طاغيةَ الجزائرِ العِنِّينَ القَعيدَ بكُرْسِيِّهِ المتحرِّكِ الفرنسيِّ بـ«إسْبَاغِهِ الجديدِ». وها هو، الآنَ، يتحرَّكُ بكُرْسِيِّهِ المتحرِّكِ هذا وَسْطَ هتافاتِ الشعبِ الجزائريِّ الثائِرِ عن بَكْرَةِ أبيهِ كذلك، ذلك الشَّعْبِ الفِرْنَاسِيِّ الصِّنديدِ الذي يَهْتِفُ واقدًا متَّقدًا ومُسَالِمًا بمطالبَ حتَّى أوْقَدَ لهيبًا في منطوقِ لهجةٍ، أو أكثرَ، من لهجاتِ العاميَّةِ الجزائريةِ بِمَا تعنيهِ في جُلِّهَا (وباختلافٍ معجميٍّ طفيفٍ عن النَّظِيرٍ السُّودانيِّ الآنِفِ الذِّكْرِ، لكنَّهُ اختلافٌ لَهُ مدلولُهُ الدَّالُّ، في هذا السياقِ)، يَهْتِفُ واقدًا هكذا: «الشعب يريد رحيل النظام!».

وهكذا، وهذا الرحيلُ الذي يريدُهُ الشعبُ الجزائريُّ هَابًّا بأسبوعِهِ السَّادسِ من هَبيبِهِ التاريخيِّ العَارمِ إنَّمَا مبتغاهُ رحيلُ نظامِ حُكْمٍ مَافْيَويٍّ قديمٍ عجوزٍ مُتَهَرِّئٍ مُهَرِّبٍ للأموالِ (من تَهَرُّئِهِ) آسِنٍ حتَّى القِحْفِ من الرَّأسِ في مستنقعاتِ الفسَادِ والرَّذيلةِ والمُحَابَاةِ والمحسوبِيَّاتِ بكلِّ أشكالِهَا، في المقامِ الأوَّلِ، وإنَّمَا مبتغاهُ كذاك من الدستورِ الجزائريِّ، على أقلِّ تقديرٍ جذريٍّ لا لَبْسَ ولا التباسَ فيهِ، تفعيلُ كلٍّ من المادةِ 7 التي تنصُّ على أنَّ «الشعبَ مصدرُ كلِّ سُلْطَةٍ» والمادةِ 8 التي تنصُّ على أنَّ «السُّلْطَةَ التأسيسيَّةَ ملكٌ للشَّعْبِ»، في المقامِ الثاني – فمنْ غَبَنِ «التحليلِ السياسيِّ» أنْ يُعْمَدَ إلى إجْرَاءِ مقارنةٍ وَقَائِعِيَّةٍ إلى حَدِّ التشابُهِ الآليِّ بينَ المشهدَيْنِ الجزائريِّ والمصريِّ، كما فعلَ الباحثُ الجامعيُّ جلبير الأشقر جادًّا في مقالهِ «الجزائر إلى أين؟» (القدس العربي، 12 آذار 2016)، نظرًا للفارقِ البنيويِّ والعقائديِّ الكبيرِ بينَ تركيبَتَيِ المؤسَّسَتَيْنِ العسكريَّتَيْنِ المَعْنِيَّتَيْنِ في الدَّاخِلِ، وخَاصَّةً فيما لهُ رِبَاطٌ بتَسْيَارِ العَمَالةِ والتبعيَّةِ الأمنيَّتَينِ والاقتصادِيَّتَيْنِ، على حسَابِ الإرادَةِ الشَّعْبِيَّةِ، بالمَسَارِ الذي يُرْضِي رَغَبَاتِ الآمِرِ الأجنبيِّ في الخارج (فرنسا بوَصْفِهَا «سَيِّدةً» استعماريةً لِذَاتِهَا في مقابلِ إسرائيلَ بوَصْفِهَا «رَبِيبَةً» استيطانيَّةً لآخَرِهَا، على الترتيبِ، في هذهِ القرينةِ، مثلاً): فالمشهدَانِ المُتَحَدَّثُ عنهُمَا، ها هنا، لا يمكنُ بَتَّةً أنْ يُوَازَيَا ببعضِهِمَا البعضِ بتلك البساطةِ «البنيويةِ» التي تَمَّ اعتمادُهَا في هذا المقالِ، سَواءً استمرَّ الطاغيةُ العِنِّينُ القَعيدُ «مُفْلِحًا» في التجديدِ بإشعارٍ للولايةِ الخامسةِ أمِ استمرَّ «مُخْفِقًا» في التمديدِ دونَمَا أيِّ إشعارٍ للولايةِ الرابعةِ أمِ استمرَّ «أذْرَعَ إخْفَاقًا» في الاحتفاظِ بمقعدٍ دفاعيٍّ في حكومةٍ مَافْيَوِيَّةٍ «جديدةٍ» أمْ حتَّى لَمْ يستمرَّ مُعْلِنًا عن تَنَحِّيهِ (وقد أعلنَ، بالفعلِ، عن تَنَحِّيهِ منذُ سُوَيْعَاتٍ خَلَتْ) وإخْلائِهِ السَّبيلَ من ثمَّ لرئيسِ مجلسِ الأمَّةِ وَفْقًا لنصِّ المادةِ 102 من الدستورِ الجزائريِّ، في آخِرِ المَطافِ – ومنْ غَبَنِ «التحليلِ السياسيِّ» كذاك أنْ يُعْمَدَ إلى إجْرَاءِ مقايَسَةٍ شِعَارَاتِيَّةٍ إلى حَدِّ التطابُقِ الإلكترونيِّ بينَ المشهدَيْنِ الجزائريِّ والسُّوريِّ، وذلك استئناسًا بالشِّعَارِ الأسديِّ «التَّشْبِيحِيِّ» الغنيِّ عن التعريفِ «الأسد أو نحرق البلد!»، كما فعلَ الباحثُ الجامعيُّ جلبير الأشقر ذاتُهُ كذاك بذاتِ الجِدِّ في مقالهِ الآخَرِ «بوتفليقة أو نحرق البلد!» (القدس العربي، 5 آذار 2016)، نظرًا، والحَالُ هذهِ المَرَّةَ، للفارقِ النفسيِّ والاجتماعيِّ الملحُوظِ للعَيْنِ البَصَرِيَّةِ (حتَّى قبلَ العَيْنِ العَقْلِيَّةِ) بينَ ما تتمخَّضُ عنهُ كلٌّ من صِيَاغتَيِ الشِّعَارَيْنِ «الإحْرَاقِيَّيْنِ» المَعْنِيَّيْنِ على الصَّعيدِ الجَمَاهِيريِّ دونَ أيِّمَا صَعيدٍ آخَرَ، وخُصُوصًا فيما له مِسَاسٌ بمدى وتَمَادِي الانْحِسَارِ والأُفُولِ الفرديَّيْنِ وَ/أوِ الجَمْعِيَّيْنِ لتأثيرِ ذلك الشِّعَارِ البدائيِّ الأوَّلِيِّ بصِيَاغَتِهِ الأسديةِ «التَّشْبِيحِيَّةِ» الوَعِيدِيَّةِ والتَّخْوِيفيَّةِ في أذْهَانِ الشَّعْبِ الجزائريِّ الواعيةِ وما قبلَ الواعيةِ، على حدٍّ سَوَاءٍ، تمامًا كما كانتِ الهَيْئَةُ الاستجابيَّةُ التلقائيَّةُ، وما زالتْ، في أذْهَانِ الشَّعْبِ السُّودانيِّ، من طرفِهِ هو الآخَرُ. وهكذا، على سبيلِ التمثيلِ، يتجلَّى نوعُ المهزلةِ النَّحْوِيَّةِ (ومَا يَسْتَتْبِعُ منها دَلالَةً بالحَرْفِ – ناهيكُمَا عنِ اسْتِتْبَاعِ المَجَازِ)، من هذا الخُصُوصِ عَيْنِهِ، تلك المهزلةِ النَّحْوِيَّةِ التي خَفِيَتْ على الكثيرِ الكثيرِ من المحلِّلينَ والمعلِّقينَ السياسيِّينَ العربِ وغيرِ العربِ، في حقيقةِ الأمرِ، يتجلَّى في مدلولِ ما يُسَمَّى، في علمِ المنطقِ، بـ«الوظيفةِ التَّخْيِيريَّةِ» Disjunctive -function-، وبالأخصِّ حينما يدلُّ عليها مَحَلُّ الأداةِ العَاطِفَةِ المُتَوَخَّاةِ «أو» عَيْنِ عَيْنِهَا، هذهِ الوظيفةِ التي تقتضي اقتضاءً فَحْوَاءَ تَخْيِيرِهَا التَّنَافَوِيِّ (التبادُلِيِّ) بينَ طَرَفَيِ المعادَلَةِ التَّخْيِيريَّةِ، «الأسد» و«نحرق البلد»، لكيْمَا تقولَ قَوْلَتَهَا بواحدٍ، وواحدٍ فقط، من هٰذَيْنِ الطَّرَفَيْنِ، لا لكَيْ تقولَهَا بكِلَيْهِمَا مَعًا: فإمَّا «بَقَاءُ الأسدِ» (وليسَ غيرَ) وإمَّا «إحْرَاقُ البلدِ» (وليسَ غيرَ، كذلك).

بَيْدَ أنَّ المهزلةَ النَّحْوِيَّةَ المُتَكّلَّمَ عنها، هنا، قدْ بلغَتْ ذُرْوَتَها الدَّلاليَّةَ لدى القَوْلِ اللاتَخْيِيريِّ النقيضِ (أو، بالحَرِيِّ، لدى ما يُدْعَى كذاك بـ«القَوْلِ التَّعْطِيفِيِّ» Conjunctive Assertion)، أي القولِ التَّوْكِيدِيِّ بالطرفَيْنِ كلَيْهِمَا مَعًا، في واقعِ الأمرِ: لقدْ تَمَّ «إحْرَاقُ البلدِ» بالقوَّةِ وبالفعلِ في آناءِ الليلِ وفي أطرَافِ النَّهَارِ، من كلِّ الجهاتِ، ولكنَّ شَخْصَ «الأسدِ» ما زالَ «بَاقِيًا»، بشكلٍ من أشكالِ «البَقَاءِ»، ليسَ لَهُ سوى أنْ يحكمَ ما «تَبَقَّى» من رَمَادٍ لكي يذرَّ مَا يستطيعُ أنْ يغرفَ مِنْ هذا الرَّمَادِ في عُيُونِ مَنْ يسْعَونَ جَاهدينَ بكلِّ مَا أُوتُوا بِهِ مِنْ جَهْدٍ مَادِّيِّ ومَعْنَوِيٍّ إلى إثباتِ، ومِنْ ثَمَّ إلى ترسِيخِ، تلك المَسْألَةِ، مَسْألَةِ «تعدُّديةِ الشَّخْصِيَّةِ الواحدةِ» التي أُشِيرَ إليها في أكثرَ من موضعٍ في أقسامِ هذا المقالِ – الشَّخْصِيَّةِ الواحدةِ التي تتعدَّد أكثرَ فأكثرَ، دونما قَيْدٍ أو شَرْطٍ، عندما يدافعُ كلُّ أولئك السُّفَهَاءِ والمُرَائِينَ والمتملِّقِينَ والمتزلِّفِينَ كُلِّهِمْ، على اختلافِ مَشَارِبِهِمْ وعلى ائتلافِ مَآرِبِهِمْ، عندما يدافعونَ عن شَخْصِ الطاغيةِ العَتيِّ المُصْطَنَعِ المَعْنِيِّ، كمثلِ هذا «الأسدِ» بالذاتِ وكمثلِ شَخْصِهِ «الباقي» كذاك، تشويهًا وتشنيعًا لِوَجْهِ الحَقِيقَةِ!

(8)

قلتُ أكثرَ من مرَّةٍ من قبلُ، وخاصَّةً في الأقسامِ الأولى من هذا المقالِ وفيمَا سَبَقَهُ من مقالاتٍ لا تَلْتَقِي وإيَّاهُ في الموضوعِ السِّيَاسِيِّ المَعْنِيِّ حتَّى، قلتُ إنَّ ذٰلِكَ الغَبَاءَ القَهْرِيَّ التَّكْرَارِيَّ إنَّما هُوَ دَاءٌ نفسيٌّ عُضَالٌ يستحْوذُ استحْواذًا فِطْرِيًّا ومُكْتَسَبًا على ذِهْنِيَّاتِ كُلِّ أولئك الطُّغاةِ العُتَاةِ المُصْطَنَعِينَ، أينمَا ثُقِفُوا في أصْقاعِ هذا العالَمِ العربيِّ المَطْمُومِ هَمًّا وغَمًّا فائضَيْنِ (من جَرَّاءِ مَا كَانُوا، ومَا زَالُوا، يرتكبُونهُ من جَرائرِ سِلْمٍ ومن جرائمِ حَرْبٍ، ومَا بَيْنَهُمَا، في حَقِّ هذا العالَمِ العربيِّ بأمْرٍ وبتَكْلِيفٍ ذَاتِيَّيْنِ أو آخَرِيَّيْنِ، منذُ أنْ أُثْقِلَ كَاهِلُهُ بحُكْمِهِمْ وبمُلْكِهِمْ عَضُوضَيْنِ قبلَ عَشَرَاتٍ من السِّنِينِ العِجَافِ): ولا يُسْتَثْنَى، بالطَّبْعِ، أيُّ من أولئك الطُّغاةِ النُّظَرَاءِ في أصْقاعِ مَا يُمَاثِلُهُ من بقايَا ذاك العالَمِ اللَّاعربيِّ المُسَمَّى تَسْمِيَةً تَمَاثُلِيَّةً بـ«العَالَمِ الثَّالِثِ». صحيحٌ كُلَّ الصَّحَاحِ أنَّ هؤلاءِ الطُّغاةَ العُتَاةَ المُصْطَنَعِينَ يلتقونَ ويتلاقُونَ بكَافَّتِهِمْ بِنَحْوٍ أو بِآخَرَ، نظرًا، في مَدَى كلٍّ من الطغيانِ والعُتُوِّ والاصطناعِ بالقوةِ، مثلما يدلُّ نَعْتُهُمْ بهذهِ النُّعُوتِ دلالةً جَلِيَّةً بكلِّ مَا تحتويهِ في سَيْرُورةِ «المَنْضُودِ الكلاميِّ» Verbal Collocation من مَعَانٍ ظاهريَّةٍ تصريحيَّةٍ أو حتَّى باطنيَّةٍ تضمينيَّةٍ. إلاَّ أنهمْ يفترقُونَ أيَّما افتراقٍ، مُمَارَسَةً، في «جَدَا» كلٍّ من هذا الطغيانِ وهذا العُتُوِّ وهذا الاصطناعِ بالفعلِ – وذلك افتراقٌ كلُّهُ رَهْنٌ باختلافِ الكَيْفِ الذي يسعى بهِ كلٌّ من هؤلاءِ الطُّغاةِ العُتَاةِ المُصْطَنَعِينَ إلى اسْتِتْبَابِ تَسَلُّطِهِ العسكريِّ الفرديِّ المُطْلَقِ اسْتِتْبَابًا «توريثيًّا» قائمًا، جيلاً بعدَ جيلٍ، على صلاتِ الدَّمِ البيولوجيِّ (كما هي الحَالُ في سوريا، وما شَابَهَ) أو حتى على صلاتِ الدَّمِ الأيديولوجيِّ (كما هي الحَالُ في مصرَ، وما أشبَهَ أيضًا)، ويسعى من ثمَّ إلى إرْضَاءِ سيِّدِهِ الأجنبيِّ (أو فَلِّ أسيادِهِ الأجَانبِ)، من أوربا وَ/أوْ من أمريكا وَ/أوْ حتى من آسيا، بغيةَ الحفاظِ المُسْتَدِيمِ إلى أجلٍ غيرِ مُسَمًّى على هكذا كَيْفٍ بمثابةٍ أو بأُخرى – وذلك اختلافٌ بالكَيْفِ، كَيْفِ الاسْتِتْبَابِ «التوريثيِّ» القائمِ، كلُّهُ، بدورِهِ هو الآخَرُ، إنَّمَا هو رَهْنٌ كذلك باختلافِ النَّهْجِ الذي يَسُوسُ بهِ ذاك السيِّدُ الأجنبيُّ (أو أيٌّ من أولئك الأسيادِ الأجَانبِ) نوعَ سياستِهِ الخارجيةِ في أيٍّ من البلدانِ العربيَّةِ المعنيَّةِ من هذا الشرقِ الأوسطِ «الكبيرِ» المُكَابَرِ بينَ أواسِطِ «الأرضِ مَا بعدَ الخَرَابِ» The Post-Waste Land، لكي نذكرَ المَجَازَ الإلْيُوتِيَّ (نسبةً إلى الشاعرِ الأمريكيِّ-البريطانيِّ توماس سْتيرْنْز إليوت) مرَّةً ثانيةً. فَهَا هو طاغيةُ سوريا بشار الأسد، من جانبٍ، يتشدَّقُ بالإيعازِ الرُّوسيِّ جهرًا (والإيرانيِّ سِرًّا) بالنَّأْيِ بنفسِهِ عن فَرْضِ أيٍّ من القيودِ والشُّروطِ على مَا تبقَّى مِمَّا يُسَمَّى بـ«المعارضةِ السُّوريةِ» اِسْمًا (وثمَّةَ، في هذهِ القرينةِ، الكثيرُ مِمَّنْ يُصِرُّونَ على إزالةِ النقطةِ من على حرفِ الضَّادِ بالذاتِ!)، وعلى الأخصِّ فيما يَخُصُّ تشكيلَ «لجنةِ إصلاحاتٍ دستوريةٍ» من شَأنِها أنْ تُحدِّدَ، افتراضًا، تَسْيَارَ الحُكْمِ المستقبليِّ في سُوريا وتنظيمَ الانتخاباتِ الرئاسيةِ والتشريعيةِ، ومَا إلى ذلك، وذلك بعد مَسَاخِرِ «الانتصارِ الذَّخِيرِ» الذي أحرزَهُ الطَّاغيةُ العَتِيُّ المُصْطَنَعُ المَقصُودُ إحرازًا بعدَ قصْفٍ مُكَثَّفٍ من كلِّ أنواعِ الغاراتِ الجويَّةِ الرُّوسِيَّةِ (أو «الرُّوسُورِيَّةِ»، بالأحرى) في الشمالِ الغربيِّ من سُوريا في الأيَّام الخَوالِي، على الرَّغمِ من إدانةٍ صَريحَةٍ لوَيْلاتِ هذا القصفِ المُكَثَّفِ (ومَا كَانَ منهُ آنِفًا) حتى من لَدُنْ رجلٍ دينيٍّ عراقيٍّ «حَمِيمٍ» بحُكْمِ الانتماءِ الطَّائفيِّ، كمثلِ مقتدى الصَّدر، وعلى الرَّغمِ من دعوتِهِ إلى تنحِّي هذا الطَّاغيةِ العَتِيِّ المُصْطَنَعِ المَقصُودِ، وإلى الانسحابِ العَاجِلِ من أرضِ سُوريا بِسَائِرِ قواتِ «الحَشْدِ الشَّعبيِّ»، وإلى «تركِ زِمَامِ الأمورِ كُلِّهَا لشعبِهَا الأبِيِّ». وهَا هو طاغيةُ مصرَ عبد الفتاح السيسي، من جانبٍ آخَرَ، يتمنطقُ بالإيحَاءِ الأمريكيِّ جَلاءً (والإسرائيليِّ خَفَاءً) بالأخْذِ على نفسِهِ تجديدَ قانُونِ القِصَاصِ الطَّارئيِّ (قانُونِ حَالاتِ الطوارئِ وحَالاتِ الاتِّهَامِ الميدانيِّ المُبَادِئِ بشكلٍ أو أكثرَ من أشكالِ «الإرهابِ» من أجلِ كَتْمِ أصْوَاتِ أيَّةٍ من تلك «المُعَارَضَاتِ المصريَّةِ» الجَسُورَةِ، في هذا الآنِ، ومن أجلِ كَبْحِ هذهِ الأصْوَاتِ كَبْحًا كُلِّيًّا كالمعتادِ، كذلك)، وذلك بعد مهازلِ «الانتصار الكبيرِ» الذي حقَّقهُ الطاغيةُ العَتِيُّ المُصْطَنَعُ المَعْنِيُّ تحقيقًا في أعقابِ عَصْفٍ مُؤَثَّفٍ من كلِّ أصْنَافِ الاستفتاءِ والتصويتِ العَسْفِيَّيْنِ المزيَّفَيْنِ على تعديلِ، لا بلْ على إعادةِ تفصيلِ، الدستورِ المصريِّ على المَقَاسِ المطلوبِ كَيْمَا يظلَّ هذا الطاغيةُ العَتِيُّ المُصْطَنَعُ المَعْنِيُّ في الحُكْمِ «المرغُوبِ»، كَيْمَا يظلَّ حاكمًا بأمْرِهِ هو بالذاتِ (لا بأمْرِ ذاتِ اللهِ) في المَدِّ، من أربعٍ إلى سِتٍّ من سَنَواتِ المُجُونِ، وفي العَدِّ حتى إشْعَارٍ آخَرَ سَنَةَ «ألفَيْنِ وثلاثينَ» سَنَةَ السِّنِينِ، وما بعدهَا كذلك من ذلك الحِينِ المُحَانِ إلى يومِ يُبْعَثُونَ، على الرَّغمِ من إدانةٍ أشدَّ صَرَاحَةً لآفَاتِ هذا العَصْفِ المُؤَثَّفِ (ومَا كَانَ منهُ فَائتًا أيضًا) من طرفِ لِجَانِ «حقوقِ الإنسانِ» على مستوى العَالَمِ العربيِّ، ومن طرفِ النَّظائرِ والشَّقَائقِ على مستوى الاتحادِ الأورُبِّيِّ.

ناهيكما، أيَّتُهَا القارئةُ النَّبيهةُ وأيُّهَا القارئُ النَّبيهُ، بطبيعةِ الحالِ، عمَّا يقومُ بهِ الآنَ طاغيةُ ليبيا (أو، بالقمينِ، «طاغيةُ شرقيِّ ليبيا» وحَسْبُ)، خليفة بلقاسم حفتر، ذلك المَوْسُومُ والمَوْصُومُ هَزْءًا ومَهْزَأةً بـ«أميرِ الحَرْبِ» Warlord، حتَّى تكتملَ مَهْزَأةُ المَهَازِئِ، هَا هُنا – ناهيكما عمَّا يقومُ بهِ الآنَ هذا الطاغيةُ العَتِيُّ الأكثرُ في الاصْطِنَاعِ الأجنبيِّ، ولا ريبَ، من اقترافِ كلِّ أشْتاتِ الشُّرورِ والآثامِ والفظائعِ والشَّنَائعِ بحقِّ البريئاتِ والأبرياءِ (وهُنَّ وهُمْ بعَشَرَاتِ الآلافِ) من غربيِّ هذهِ الـ«ليبيا» البلدِ التَّلِيدِ، وبالإلْهَامِ الفرنسيِّ والإيطاليِّ والأمريكيِّ على رَافَّةِ الملأِ «الأعلى»، بذلك (وبالإلْحَامِ السُّعُوديِّ والإمَارَاتيِّ والمصريِّ على حَافَّةِ الملأ «الأدنى»، كذلك)، وخُصُوصًا كُلَّ الخُصُوصِ أنَّ هذا الطاغيةَ العَتِيَّ الأكثرَ في الاصْطِنَاعِ الأجنبيِّ لمْ يتخلَّصْ بعدُ مِمَّا اسْتَعْصَى من تلك الاضطراباتِ النفسيَّةِ والاختلالاتِ العقليةِ بعدَ أن تَخَوْزَقَ أيَّمَا تَخَوْزُقٍ بشَتَّى أطوالِ وشَتَّى أعْرَاضِ الخَوَازِيقِ الإفريقيةِ واللاإفريقيةِ في جمهوريةِ تشادَ، على وجهِ التحديدِ. كُلُّ هذا الإلْهَامِ الدُّوَلِيِّ السَّيْدُودِيِّ وكُلُّ هذا الإلْحَامِ «المَحَلِّيِّ» العُبُودِيِّ، في واقعِ الأمرِ، إنَّمَا مبتغاهُمَا الأسَاسِيُّ لَمُبْتَغًى ثُنَائيٌّ مُزْدَوَجٌ مُتَكَامِلٌ تكامُلاً يتجلَّى في ذلك التَّكَالُبِ الأجنبيِّ العُصَابِيِّ الهُجَاسِيِّ، تكالُبِ «المُسْتَذْئِبِينَ» أوِ «المَذْؤُوبِينَ» Lycanthropes، على الاغترافِ المُغْدَقِ من جُلِّ الاحتياطِيِّ الليبيِّ من النفطِ والغازِ الطبيعيَّيْنِ الشهيرَيْنِ بجودتِهِمَا العَالميَّةِ فعليًّا، في الحَيِّزِ الأوَّلِ، ويتبدِّى كذلك في ذلك التَّناوُشِ «العَرَبِيِّ» و«العُرْبَانِيِّ» و«المُسْتَعْرِبِيِّ» الذُّهَانِيِّ الهُرَاعِيِّ، تَنَاوشِ «المُتَوَحِّشِينَ» أوِ «الوَحْشِيِّينَ» Ruffian Savages، على الاسْتِبْقَاءِ المُطْبِقِ والمَرْعِيِّ لتفعيلِ الثَّوَرَانِ المُضَادِّ بأيَّتِمَا وسيلةٍ، أو حتَّى بأيَّتِمَا رذيلةٍ، كانتْ، في الحَيِّزِ الثَّاني. وقدْ كانتْ ذُرْوَةُ هذا الاسْتِبْقَاءِ المُطْبِقِ والمَرْعِيِّ، ارْتِعَابًا وارْتِيَاعًا سَرِيرِيَّيْنِ يعتريانِ كيانَ كلِّ من أولئك الطُّغاةِ العُتَاةِ المُصْطَنَعِينَ المَعْنِيِّينَ، محمد بن سلمان ومحمد بن زايد وعبد الفتاح السيسي، وقدْ كانتْ تزامنتْ، بهيئةٍ أو بأُخرى، معَ اندلاعِ ثورةِ الشَّعْبِ السُّودَانيِّ (منذ اليومِ التاسعَ عَشَر من شهرِ كانون الأول من العام الفائتِ)، ومعَ نُشُوبِ ثورةِ الشَّعْبِ الجزائريِّ (منذ اليومِ الثاني والعشرينَ من شهرِ شباط من هذا العام). فتلك، من طرفٍ، جماهيرُ الشَّعْبِ السُّودَانيِّ الصَّعْتَرِيِّ الخِنْذِيذِ مَا بَرِحَتْ تهتِفُ بالهُتَافِ الوَلِيدِ لحظةَ الانفجارِ الأوَّلِيِّ، بعدما حطَّمتْ سَائرَ جدرانِ الخوفِ والرُّعْبِ المُزْمِنَيْنِ قُدَّامَ التغوُّلِ الطغيانيِّ العسكريِّ والأمنيِّ، مَا بَرِحَتْ تهتِفُ كما هَتفَتْ شُعُوبُ ذاتِ «الربيعِ العربيِّ»، تهتِفُ، هكذا: «الشعب يريد إسقاط النظام!». وتلك، من طرفٍ آخَرَ، جماهيرُ الشَّعْبِ الجزائريِّ الفِرْنَاسِيِّ الصِّنديدِ مَا انفكَّتْ تهتِفُ بالهُتَافِ الوَلِيدِ ذاتِهِ، وقدْ قَوَّضتْ سَائرَ جدرانِ الخوفِ والرُّعْبِ المُزْمِنَيْنِ ذاتِهَا (وأكثرَ منها حتَّى)، مَا انفكَّتْ تهتِفُ باختلافٍ معجميٍّ طفيفٍ عن النَّظِيرٍ السُّودانيِّ، لكنَّهُ اختلافٌ لَهُ مدلولُهُ الدَّالُّ، في هذا السياقِ، تهتِفُ، هكذا: «الشعب يريد رحيل النظام!». فمنْ غَبَنِ «التحليلِ السياسيِّ»، مرَّةً أُخرى، أنْ يُعْمَدَ إلى النظرِ التمييزيِّ، أو حتَّى التفضيليِّ، إلى «إنجازاتِ» الثورةِ الشعبيةِ السُّودَانيَّةِ، حتى هذا الحينِ منها، دونَ النظرِ إلى ما يقابلُ هذهِ الـ«إنجازاتِ» فيما يتعلَّقُ بالثورةِ الشعبيةِ الجزائريَّةِ تحديدًا (أو أيَّةِ ثورةٍ شعبيةٍ عربيةٍ أُخرى، بقدر ما يتعلَّقُ الأمرُ بها كذلك)، كما فعلَ الباحثُ الجامعيُّ جلبير الأشقر أيضًا بكلِّ جِدِّيَّةٍ في مقالهِ الأخيرِ «التضامنُ مع الثورةِ السودانيةِ ملحٌّ!» (القدس العربي، 23 نيسان 2019).

لا خلافَ على أنَّ ثَمَّ تشابُهًا نسبيًّا بين النظامَيْنِ السُّودَانيِّ والجزائريِّ من حيثُ الوُصُولُ الانقلابيُّ إلى عُرُوشِ السُّلْطَةِ رَغْمًا عن إرادة الشَّعْبِ (كانَ وُصُولُ النظامِ الأوَّلِ قدْ حَدَثَ قبلَ ثلاثينَ عَامًا، وكانَ وُصُولُ النظامِ الثاني قدْ حَصَلَ قبلَ خمسةٍ وخمسينَ عَامًا). ولا خلافَ كذاك على أنَّ ثَمَّ تشابُهًا مُطْلَقًا بين هٰذَيْنِ النظامَيْنِ من حيثُ ذاك الالتصَاقُ الشَّغَفِيُّ الهَوَسِيُّ، التصَاقُ الطاغيتَيْنِ العَتِيَّيْنِ المُصْطَنَعَيْنِ المَعْنِيَّيْنِ بهذهِ العُرُوشِ التصَاقًا، كما يلتصقُ القُرَادُ المَاصُّ بأردافِ الخُيُولِ والحَميرِ والبِغَالِ – وهذا الالتصَاقُ القُرَادِيُّ (الأبديُّ أو شِبْهُ الأبديِّ)، ولا شكَّ فيهِ، لَهُوَ الصفةُ الرئيسَةُ المَسِيسَةُ الخَسِيسَةُ التي يلتقي فيها طُغاةُ هذا الوطنِ العربيِّ الكئيبِ، من محيطهِ إلى خليجِهِ، قاطبةً وبلا استثناءٍ. غيرَ أنَّ القَوْلَ بأنَّ الثورةَ الشعبيةَ السُّودَانِيَّةَ إنَّمَا تشكِّلُ «الحالةَ الأكثرَ تقدُّمًا وخطورةً» وإنَّمَا تشكِّلُ «الحالةَ الأكثرَ صَلابةً وجذريَّةً»، وذلك لمجرَّدِ أنَّ هذهِ الثورةَ تتميَّزُ بوجودِ قيادةٍ ثوريَّةٍ تحتَ رايةِ ذلك الائتلافِ المُسَمَّى بـ«تحالف قوى الحرية والتغيير»، لَقَوْلٌ فيهِ إجحَافٌ وتسفيهٌ غيرُ مباشِرَيْنِ، في حقيقةِ الأمرِ، بحقِّ الثورةِ الشعبيةِ الجزائريَّةِ، خاصَّةً (وبحُقُوقِ الثوراتِ الشعبيةِ العربيةِ الأُخرى، عَامَّةً). فإذا كانتْ حُجَّةُ الباحثِ الجامعيِّ أنَّ الثورةَ الشعبيةَ الجزائريَّةَ لمْ تزلْ في طورِ التظاهُرِ الأسبوعيِّ «السَّلبِيِّ» لافتقارِهَا إلى أيِّ شكلٍ من أشكالِ القيادةِ الثوريةِ الاعتصاميةِ، على النقيضِ من الحالِ في الثورةِ الشعبيةِ السُّودَانِيَّةِ (ولمْ يقُلِ الباحثُ الجامعيُّ هذا النَّعْتَ الأخيرَ مَا بينَ المُزْدَوَجَيْنِ قولاً تصريحيًّا، بلْ قالهُ قولاً تضمينيًّا في الجوهرِ)، فإن هذهِ الثورةَ الشعبيةَ الجزائريَّةَ قد أطاحتْ بعَرْشِ طاغيةٍ عَتِيٍّ مُصْطَنَعٍ (عبد العزيز بوتفليقة) بزمنٍ أقصرَ بكثيرٍ من الزمن الذي أطاحتْ بهِ الثورةُ الشعبيةُ السُّودَانِيَّةُ بعَرْشِ الطاغيةِ النظيرِ (عمر حسن البشير) – الطاغيةُ الأولُ بوتفليقة، الذي أفرزَهُ نظامٌ طغيانيٌّ عمرُهُ خمسةٌ وخمسونَ عامًا، قد أُطِيحَ بِهِ في الثاني من نيسانَ في ثورةٍ شعبيةٍ بدأتْ في الثاني والعشرينَ من شباطَ من هذا العامِ (أي في غضونِ أقلَّ من ستةِ أسَابيعَ)، بينما الطاغيةُ الثاني البشيرُ، الذي أنتجَهُ نظامٌ طغيانيٌّ مشابهٌ نسبيًّا عمرُهُ ثلاثونَ عامًا، قد أُطِيحَ بِهِ في الحاديَ عشرَ من نيسانَ في ثورةٍ شعبيةٍ بدأتْ في التاسعَ عشرَ من كانون الأول من العامِ الفائتِ (أي على مدى ما يقربُ من أربعةٍ من الشُّهورِ). وإذا كانتْ كذاك حُجَّةُ الباحثِ الجامعيِّ أنَّ القيادةَ العسكريةَ السودانيةَ قد صيرَ إلى ردعِهَا، حتى الآنَ، عن اللجوءِ إلى استخدامِ قوَّةِ الحديدِ والنارِ ضدَّ الثائراتِ والثائرينَ بسببٍ من مراهنةِ القيادةِ المدنيةِ السودانيةِ للحراكِ الثوريِّ على جَيَشَانِ ذلك «التعاطُفِ الملحوظِ» الذي أبداهُ عناصرُ قادةٌ بالأخصِّ من هذهِ القيادةِ العسكريةِ، فيبدو أنَّ الباحثَ الجامعيَّ قد خفيَ عليهِ عاملانِ أساسيانِ قد أدَّيَا إلى الحَسْمِ النهائيِّ (أو، على الأقلِّ، شبهِ النهائيِّ) في أمرِ هذا «الرَّدْعِ الإنسانيِّ» بعد استمرارِ الحربِ الأهليةِ في السُّودانِ زمانًا طويلاً، ألا وهُمَا: عاملُ التَّدَهْوُرِ الاقتصاديِّ «الملحوظِ جدًّا» في البلادِ وما يقتضيهِ هذا التَّدَهْوُرُ من انتشارِ الفَسَادِ بينَ مَا يُعْرَفُونَ بِـ«رجَالِ الإنقاذِ»، أوَّلاً، وعاملُ الصِّرَاعِ الداخليِّ في المؤسَّسةِ العسكريةِ ذاتِهَا وما يبتنيهِ هذا الصِّرَاعُ من صِرَاعٍ «خارجيٍّ» مُتَعَاوِرٍ بينَ عناصرَ قادةٍ وغيرِ قادةٍ يقفون إلى جانبِ الثورةِ الشَّعْبِيَّةِ وبين عناصرَ قادةٍ وغيرِ قادةٍ آخرينَ يقفونَ ضدَّ هذه الثورةِ، ثانيًا – ومنْ هذا الخُصُوصِ المَخْصُوصِ بالذات، كانَ على الباحثِ الجامعيِّ المَعْنِيِّ، وعلى الأخصِّ أنَّهُ ذو اتِّجَاهٍ اشتراكيِّ (ماركسيٍّ)، كانَ عليهِ، في أدنى تقديرٍ، أنْ ينظرَ في تأثِيرِ جَانبِ الاقتصادِ وأنْ ينظرَ في قانونِ صراعِ الأضدادِ!

(9)

قلتُ كذلك أكثرَ من مرَّةٍ من قبلُ، ورَغْمَ أنَّ سَيْرورةَ هذا الثَّوَرَانِ الشعبيِّ العربيِّ، في أطوارِهِ الأولى، لمْ تدأبْ ذلك الدُّؤُوبَ المَأمُولَ نحوَ حُرِّيَّةٍ وعَدَالةٍ اِجتماعيَّةٍ كانتْ شُعُوبُ هذهِ البلدانِ المقهُورةُ في اليَقَاظِ وفي المَنَامِ، وما بَرِحَتْ، تَتُوقُ إليهِمَا أيَّمَا تَوْقٍ، كبدايةٍ لحَاضِرٍ جَديدٍ وبدايةٍ لمستقبلٍ مَجيدٍ، قلتُ وكُلِّي تفاؤُلٌ وافْتِآلٌ إنَّ ما نشهدُهُ الآنَ من طَوْرٍ هَجِينِيٍّ، أو مِمَّا يبدُو على السَّطْحِ أنَّهُ «طَوْرٌ لاهَجِينِيٌّ»، لِثَوَرَانٍ مُضَادٍّ تحملُ شتَّى «مشاعِلِهِ» سِفْلَةٌ، أو حُثَالةٌ، من أرْجَاسِ الظَّلامِ والشَّرِّ والعُهْرِ، على اختلافِ مَشَارِبِهَا وعلى ائتلافِ مَآرِبِهَا في المستوى المَحَلِّيِّ (أفرادًا وجماعاتٍ، على حَدٍّ سَوَاءٍ) وفي المستوى الدُّوَلِيِّ (دُوَلاً تابعةً ودُوَلاً متبوعةً، على حَدٍّ سَوَاءٍ كذلك)، لا يعدُو أنْ يكونَ، في إبَّانِ تَسْيَارِ المَسَارِ التاريخيِّ «الطبيعيِّ»، طورًا مذمُومًا من أطوارِ الثَّوَرَانِ الشعبيِّ (الكونيِّ) ذاتِهِ، طورًا محْتُومًا زمَانيًّا ومحْسُومًا مَكَانيًّا مهما امتدَّ زَمَانُهُ ومهما اتَّسَعَ مَكَانُهُ، طورًا محْمُومًا ومسْمُومًا لا بُدَّ لهُ من أنْ يسْعَى إلى حَتْفِهِ بِأظْلافِهِ، حينما تندلعُ ألْسِنَةُ اللَّهَبَانِ الكَنِينِ من جديدٍ عَاليًا عَاليًا، وحينما تُعْلِنُ هذهِ الألْسِنَةُ بسَعِيرِهَا العَارمِ إرْهاصَاتِ الطورِ القَرَاريِّ الأخيرِ، طورِ الحَسْمِ الثوريِّ الذَّخِيرِ، شاءَتْ أرْجَاسُ تلك السِّفْلَةِ، أو تلك الحُثَالةِ، ومَنْ تُكِنُّ الوَلاءَ لهُمْ من لفيفِ أسْيَادِهَا الطُّغَاةِ العُتَاةِ المُصْطَنَعِينَ المَعْنِيِّينَ، أمْ أبتْ. وكما هي الحَالُ في أيَّةِ ثورةٍ شعبيةٍ عربيَّةٍ، أو حتى في أيَّةِ نظيرةٍ «عَالَمْ-ثالِثِيَّةٍ» لاعربيَّةٍ، تثُورُ على الطُّغْيَانِ وعلى حَيْفِ الزَّمَانِ، ينجلي في ذلك الطَّوْرِ الهَجِينِيِّ لِلثَّوَرَانِ المُضَادِّ الآنِفِ الذِّكْرِ انجلاءً، بأضْعَفِ الاِحْتِمَالِ، ينجلي عاملانِ قَمْعِيَّانِ «كَمِّيَّانِ» مكمِّلانِ لبعضِهِمَا البعضِ، فيما يتبدَّى، أوَّلُهُمَا داخليٌّ مباشرٌ (يُسَيِّرُهُ أزلامُ الحُكْمِ المُتَشَبِّثُونَ بالبقاءِ)، وثانيهمَا خارجيٌّ لامباشرٌ (يُصَيِّرُهُ أسيادُ أزلامِ هذا الحُكْمِ المُتَرَبِّثُونَ بالشَّقَاءِ)، عاملانِ قَمْعِيَّانِ «كَمِّيَّانِ» يعملانِ بجِدٍّ وكَدٍّ على إدَامَةِ هذا الطورِ الهَجِينِيِّ، وعلى دَيْمُومَةِ مُجْتَباهُ إلى حَدِّ اجتباءِ ذاتِ «الطَّوْرِ اللَّاهَجِينِيِّ»، بأيَّتِمَا ذريعةٍ سياسيةٍ براغماتيةٍ كانتْ، حتى لو كانتْ هذهِ الذريعةُ لاأخلاقيةً في الصَّميمِ، وحتى لو كانتْ هذهِ الذريعةُ لاإنسانيةً، لا بَلْ مَا دُونَ-حَيَوانِيَّةً، في صَميمِ الصَّميمِ – والمشهدانِ الثوريَّانِ الشَّعْبِيَّانِ في السُّودَانِ وفي الجَزَائِرِ، حتى هذا الحينِ من الهَيَجَانِ والغَلَيَانِ الجَمَاهِيرِيَّيْنِ منهمَا ومَا يليهِ من أحيَانٍ قمينةٍ، لا يُشَكِّلانِ البَتَّةَ استثناءً مُسْتَثْنًى بأيِّ شكلٍ من الأشكالِ، في هذهِ القرينةِ. ولٰكِنْ، ولٰكِنْ، ومعَ كلِّ أشكالِ هذا التَّدْوِيمِ الدَّخِيلِ واللادَخيلِ وكلِّ أشكالِ هذا اللااستثناءِ «الضَّلِيلِ»، وبالرَّغمِ من كلِّ ما ينجُمُ عنهُمَا عِلاوَةً عليهِ من حالاتِ الاسْتِعْصَاءِ المُسْتَطِيلِ، فإنَّ كلاًّ من هٰذَيْنِ المشهدَيْنِ الثوريَّيْنِ الشَّعْبِيَّيْنِ لَمْ يَزَلْ سَائرًا، حتى هذا الآنِ من ثَوَرَانِهِ السِّلْمِيِّ الجَلِيلِ، لَمْ يَزَلْ سَائرًا على قَدَمٍ وسَاقٍ مَتِينَينِ ثابِتَيْنِ بكلِّ ما يقتضيهِ السَّيْرُ من عَزْمٍ ومن حَزْمٍ لا يعرفانِ أيَّ معنًى لقيدٍ من القُيُودِ معنًى سَليلٍ، ولا حتَّى يعرفانِ أيَّ مغزًى للخُمُولِ أوِ الخُمُودِ أوِ الحُيُودِ مغزًى غَلِيلٍ.

ففيما لهُ رباطٌ بالمشهدِ الثوريِّ الشَّعْبِيِّ السُّودَانيِّ، من ناحيةٍ أولى، وبعدَ الإطاحةِ بعَرْشِ طاغيةِ البلادِ، عمر حسن البشير (ذلك الطاغيةِ العَتِيِّ الذي أفرزَهُ نظامٌ أوتوقراطيٌّ عسكريٌّ قدِ استبدَّ بالحُكْمِ استبدادًا مديدًا، مَدى ثلاثينَ عَامًا)، تواصلُ الثَّائراتُ والثَّائرُونَ السُّودَانيُّونَ سَعْيَهُمْ بسَائِرِ أطيافِهِمْ تارةً في الاحتجَاجِ بسِلْمِيَّةٍ هَا هُنا، وتارةً أُخرى في الاعتصَامِ بأكثرَ منهُ سِلْمِيَّةً هَا هُنَاكَ أمَامَ مَقَرِّ القيادةِ العامَّةِ للجَيْشِ «الوطنيِّ» (في العاصمةِ الخرطومِ، في المَقامِ الأوَّلِ)، يواصلونَ سَعْيَهُمْ مطالبينَ بكلِّ إصْرَارٍ، على أقلِّ تقديرٍ، بتسليمِ «مقاليدِ» الحُكْمِ العسكريِّ إلى نظيرٍ مدنيٍّ قلبًا وقالِبًا، وبتمثيلٍ رَمْزِيٍّ من الجَيْشِ جِدِّ مَحْدُودٍ لأسبابٍ بَدَهِيَّةٍ بَيِّنَةٍ بذاتِهَا، مَهْمَا حاولتْ عناصرُ مِمَّا يُسَمَّى بـ«المجلس العسكري الانتقالي» أفَّاكَةً في تَسْويفِ التفاوُضِ الجَادِّ معَ قادةِ ذلك الائتلافِ المدنيِّ المُنْضَوي تحتَ لواءِ «قوى (إعلان) الحرية والتغيير»، وذلك تشبُّثًا بـ«مقاليدِ» ذاتِ الحُكْمِ العسكريِّ برئاسةِ عبد الفتاح البرهان (ذي التَّواصُلِ «الحَمِيمِيِّ» معَ طاغيةِ مصرَ، عبد الفتاح الآخَرِ!)، ومَهْمَا حاولتْ كذاك عناصرُ مِمَّا يُدْعَى بـ«قوات الدعم السريع» فَتَّاكَةً بالقوَّةِ، أو حتَّى بالفِعْلِ، في استخدامِ العُنْفِ بارتدادِهِ العَكْسِيِّ في الضَّرَّاءِ لا في السَّرَّاءِ، وذلك تشبُّثًا أكثرَ حتَّى بـ«مقاليدِ» ذاتِ الحُكْمِ العسكريِّ أيضًا بنيابةِ رئاسةِ محمد حمدان دقلو، ذي اللَّقَبِ العَامِّيِّ الشَّهيرِ «حْمِيدْتِي» (وذي التَّواصُلِ «الأكثرِ حميميَّةً»، بدورِهِ هو الآخَرُ، معَ طاغيتَيِ السُّعوديَّةِ والإماراتِ، المحمدّينِ الآخَرَيْنِ!)، حتَّى تكتملَ، هَا هُنَا، مهزلةُ المهازلِ في التَّطَابُقِ الغريبِ والعَجيبِ مَا بَيْنَ الأسْمَاءِ الأوائلِ – وهذهِ القواتُ الأخيرةُ، للتذكيرِ العَابرِ، إنَّمَا هي قواتٌ «بَلْطَجِيَّةٌ» بامتيازٍ لا تختلفُ، من حيثُ الفَحْوَاءُ، عن قطعانِ «شَبِّيحَةِ» النظامِ الفاشيِّ المَافْيَويِّ الطائفيِّ المتوحِّشِ المُخْتصِّ بشتَّى صُنُوفِ الإجرامِ مَا دُونَ-البَهِيمِيِّ في سوريا. وفيما لهُ مِسَاسٌ بالمشهدِ الثوريِّ الشَّعْبِيِّ الجَزَائِرِيِّ، من ناحيةٍ أُخْرَى، وبعدَ الإطاحةِ أيضًا بعَرْشِ طاغيةِ البلادِ، عبد العزيز بوتفليقة، من طَرَفِهِ هو الآخَرُ (ذلك الطاغيةِ العَتِيِّ الذي أنْتَجَهُ نظامٌ بيروقراطيٌّ عسكريٌّ قدِ استبدَّ بالحُكْمِ استبدادًا أمَدَّ بكثيرٍ من استبدادِ «قَرِينِهِ» السُّودَانيِّ، مَدَى خمسةٍ وخمسينَ عامًا)، تتابعُ الثَّائراتُ والثَّائرُونَ الجَزَائِرِيُّونَ جَهْدَهُمْ في الاحتجَاجِ وفي الاعتصَامِ السِّلْميَّيْنِ بكافَّةِ أطيافِهِمْ أيضًا، وقد تأوَّجتْ هذهِ الأطيافُ مُؤَخَّرًا بازديادِهَا الجَمَاهيريِّ المَلْحُوظِ في جُمُوعِ طالباتِ وطُلاَّبِ الجَامِعَاتِ أمَامَ مَقَرِّ قيادةِ أركانِ الجيشِ «الوطنيِّ»، أو «اللاوطنيِّ» بالأحْرَى (في العاصمةِ الجزائرِ أيضًا، في الأغلبِ والأعمِّ)، يتابعونَ جَهْدَهُمْ مطالبينَ بكلِّ إلحَاحٍ، في الحَدِّ الأدنى من الدستورِ الجزائريِّ بالذَّاتِ، بتفعيلِ كلٍّ من المادةِ السابعةِ التي تنصُّ على أنَّ «الشَّعْبَ مَصْدرُ كلِّ سُلْطَةٍ» والمادةِ الثامنةِ التي تنصُّ على أنَّ «السُّلْطَةَ التأسيسيَّةَ مِلْكٌ للشَّعْبِ»، وبترحيلِ كُلٍّ مِمَّا تبقَّى من «أشلاءِ» النظامِ الفاشيِّ المَافْيَويِّ الهَرِمِ المُتَهَرِّئِ الهِرْدَبَّةِ الهِرْشَفَّةِ الآسِنِ حتَّى القِحْفِ من الرَّأسِ في مستنقعاتِ الفسَادِ والرَّذيلةِ والمُحَابَاةِ والمحسوبِيَّاتِ بكلِّ أشكالِهَا، وعلى رأسِهِمْ رئيسُهُ المؤقَّتُ (عبد القادر بن صالح) ورئيسُ وزرائِهِ الأكثرِ توقيتًا (نور الدين بدوي) وقائد أركانِ جيشهِ الأقلِّ توقيتًا (أحمد قايد صالح)، حتى لو تَوَغَّنَ هؤلاءِ بقايَا «الأشلاءِ» عَلى إجراءِ مَا يختلقُونَهُ ومَا يُسَمُّونَهُ بـ«الانتخابِ الرئاسيِّ» المُزْمَعِ مَوْعِدُهُ في اليومِ الرَّابعِ من شهرِ تمُّوزَ المُقْبِلِ من هذا العَامِ – وهو، على فكرةٍ، ذاتُ «الانتخابِ الرئاسيِّ» المَرْفُوضِ من أُسِّ أسَاسِهِ الاختلاقيِّ بالاِسْمِ رَفْضًا قَاطِعًا من لَدُنْ أولئك الثَّائراتِ المستمرَّاتِ والثَّائرِينَ المستمرِّينَ في ذلك الثَّوَرَانِ السِّلْمِيِّ الأُسْطُوريِّ بِجُلِّهِنَّ وجُلِّهِم، لا مَحَالَ.

وبالنظرِ الوَكِيدِ إلى كُلٍّ من هٰذَيْنِ المشهدَيْنِ الثوريَّيْنِ الشَّعْبِيَّيْنِ بعينَيْنِ عقلانيَّتَيْنِ لابَخْسِيَّتَيْنِ، وعلى الأخصِّ أنَّهمَا مشهدانِ ثوريَّانِ يتبدَّيَانِ بوَصْفِهِمَا استمرارًا «ربيعيًّا» في الجَانبِ الإفريقيِّ من هذا العَالَمِ العربيِّ التَّائِهِ والرَّائِهِ رَيْهًا جَمُوحًا كعادتِهِ في الخَوَالِي من تلك السَّنَوَاتِ الثَّمَانِي، فإنَّ أيَّ جِنْسٍ من أجناسِ ذلك «التحليلِ السياسيِّ» المُتَمَرِّسِ بحُكْمِ المِهْنَةِ، أو حتَّى المُتَمَرِّسِ بحُكْمِ غيرِ المِهْنَةِ، يلجأُ مَحْثُوثًا بذلك «الحَمَاسِ الثوريِّ» المُفْرِطِ إفراطًا إلى حَدِّ الافتعالِ (أو، بالحَرِيِّ، ذلك «الحَمَاسِ فوقَ-الثوريِّ» Hyper-Revolutionary Fervour، إنْ جازتِ الاستعارةُ، هَا هُنَا، من مصطلحَاتِ علمِ النَّفْسِ الحَدِيثِ «المُسَالِمِ»)، يلجأُ مَحْثُوثًا إلى استخدامِ فَيْضٍ من بلاغيَّاتِ اللِّسَانِ التَّخْيِيريِّ، ومَا تَنْطَوِي عليهِ بدورِهَا من دلالاتٍ تمييزيةٍ، أو من دلالاتٍ تفضيليَّةٍ – لا بل جِدِّ تفضيليَّةٍ، في مَعْرِضِ الكلامِ عن «إنجازاتِ» الثورةِ الشعبيةِ السُّودَانيَّةِ، حتَّى هذا الحينِ أو حتَّى ذاك الحينِ منها، ودونَ الأخْذِ بالحُسْبَانِ بَتَّةً مَا يقابلُ هذهِ الـ«إنجازاتِ» فيمَا يتعلَّقُ بالثورةِ الشعبيةِ الجزائريَّةِ تحديدًا (أو أيَّةِ ثورةٍ شعبيةٍ عربيةٍ أُخرى، بقَدْرِ ما يتعلَّقُ الأمرُ بِهَا كذلك)، إنَّمَا هو جِنْسٌ من أجناسِ «التحليلِ السياسيِّ» الانتقائيِّ الاصطفائيِّ الحَائِدِ عن جَادَّةِ الصَّوَابِ والسَّدَادِ إلى حدٍّ كبيرٍ، ولا رَيْبَ، وخُصُوصًا كُلَّ الخُصُوصِ حينمَا يصدُرُ هذا الجِنْسُ عن المصدرِ المَرْبُوصِ على «اليسارِ العربيِّ» تنظيرًا وَ/أوْ تطبيقًا، وسَواءً كانَ هذا اليسارُ العربيُّ ماركسيًّا أمْ لاماركسيًّا أمْ في مَرْهَصَةٍ بينَ المَرْهَصَتَيْنِ. وقدْ أشرتُ، في القسمِ الثامنِ من هذا المقالِ، إلى شيءٍ من بلاغيَّاتِ اللِّسَانِ التَّخْيِيريِّ تلك، إشارةً إلى مَا قَامَ بِهِ الباحثُ الجَامعيُّ جلبير الأشقر بكلِّ جِدٍّ وجِدِّيَّةٍ في مقالهِ المُشارِ إليهِ، «التضامنُ مع الثورةِ السودانيةِ ملحٌّ!» (القدس العربي، 23 نيسان 2019)، إشارةً إلى قَوْلِهِ «الحَمَاسِيِّ فوقَ-الثوريِّ» بأنَّ الثورةَ الشعبيةَ السُّودَانِيَّةَ إنَّمَا تشكِّلُ «الحالةَ الأكثرَ تقدُّمًا وخطورةً» وإنَّمَا تشكِّلُ «الحالةَ الأكثرَ صَلابةً وجذريَّةً»، وذلك لمجرَّدِ أنَّ هذهِ الثورةَ تَمْتَازُ بوجودِ قيادةٍ ثوريَّةٍ يقودُهَا قادةُ الائتلافِ المدنيِّ بالذَّاتِ، «قوى (إعلان) الحرية والتغيير»، المذكورِ قبلَ قليلٍ. وقلتُ هناكَ إنَّ في هذا القولِ «الحَمَاسِيِّ فوقَ-الثوريِّ» إجحَافًا وتسفيهًا غيرَ مباشِرَيْنِ – وقدْ صَارَا مباشرَيْنِ الآنَ، في حقيقةِ الأمرِ، بحقِّ الثورةِ الشعبيةِ الجزائريَّةِ، خاصَّةً (وبحُقُوقِ الثوراتِ الشعبيةِ العربيةِ الأُخرى، عَامَّةً)، لماذا؟ – لأنَّ الثورةَ الشعبيةَ السُّودَانِيَّةَ من طَرَفِهَا، ومعَ اتِّصَافِهَا بصِفَةِ الحُضُورِ القِيَادِيِّ الثوريِّ المُتَكَلَّمِ عَلَيْهِ، لمْ يميِّزْهَا حتَّى هذهِ اللحظةِ من نشوبِهَا أيَّ تمييزٍ موضوعيٍّ، ولا حتَّى ذاتيٍّ، من ذلك «الحَمَاسِ فوقَ-الثوريِّ» عن شَقِيقَتِهَا الثورةِ الشعبيةِ الجزائريَّةِ، ومعَ اتِّسَامِهَا بسِمَةِ الغِيَابِ القِيَادِيِّ الثوريِّ على النَّقِيضِ. حتَّى أنَّ هذهِ الشَّقِيقَةَ الجزائريَّةَ الأخيرةَ، من طَرَفِهَا هي الأُخْرَى، قدْ أثبتتْ للعَالَمِ كُلِّهِ، من جَرَّاءِ سِمَةِ الغِيَابِ القِيَادِيِّ الثوريِّ التي تَتَّسِمُ بِهَا، أنَّهُ مَا مِنْ قُوَّةٍ فيزيائيَّةٍ، ومَا مِنْ قُوَّةٍ مِيتَا-فيزيائيَّةٍ حتَّى، يُمْكِنُ لَهَا أنْ تَعْلُوَ بَتَّةً على قُوَّةِ مَا يُعْرَفُ بـ«المَنَابِ الإنسَانيِّ الجَمْعِيِّ» Collective Human Agency، وعلى الأخصِّ حينمَا يكونُ هذا المَنَابُ مُدَجَّجًا بقُوَّةِ الإرادَةِ الإنسَانيَّةِ الجَامِعَةِ: حتىَّ أفراخُ الطَّيرِ تستطيعُ أنْ تُحَلِّقَ في السَّمَاءِ أعْلى مِمَّا تستطيعُ (على الأرضِ) بقُوَّةِ الإرادَةِ في حَدِّ ذاتِهَا، لا بقُوَّةِ الجَنَاحَيْنِ، كَمَا كَانَ الحُكَمَاءُ القُدَامَى يقولونَ وقدْ كانوا عَلى يَقِينٍ مُطْلَقٍ من هذا القَوْلِ، وأوَّلُهُمْ كُونْفُوشْيُوس. وهكذا، وهذا يعني بجَلاءٍ، بالغِرَارِ ذاتِهِ، أنَّ صِفَةَ الحُضُورِ القِيَادِيِّ الثوريِّ التي تَتَّصِفُ بِهَا الشَّقِيقَةُ السُّودَانِيَّةُ الأولى، ورَغْمَ «إيجابيَّاتِ» هذا الحُضُورِ السَّاطِعِ للعِيَانِ عَلى أكثرَ من صَعِيدٍ، ليسَ لهَا مَحَلٌّ من الإعْرَابِ في التَّألُّقِ الأشدِّ سُطُوعًا لِقُوَّةِ المَنَابِ الإنسَانيِّ الجَمْعِيِّ، وبالأخصِّ حينمَا يكونُ هذا المَنَابُ مُدَجَّجًا بقُوَّةِ الإرادَةِ الإنسَانيَّةِ الجَامِعَةِ (لكي نُعِيدَ التعبيرَ ذاتَهُ، مرَّةً ثانِيَةً، للتَّوْكِيدِ – من بُدِّهِ). هذا هو الوَعْيُ الطَّبَقِيُّ الجَمَاهيريُّ اليقينيُّ بالصِّرَاعِ بينَ طبقةِ الطُّاغِيَةِ العَتِيِّ وبينَ طبقاتِ الشَّعْبِ المَعْتِيِّ (عَلَيْهِ) أيًّا كانَ في تاريخِ مَدِّهِ، هذا هو الوَعْيُ الطَّبَقِيُّ الجَمَاهيريُّ اليقينيُّ الذي تمخَّضَ عن مَدَى القَمْعِ والقَسْرِ والقَهْرِ ومَا تمخَّضَ عنْهَا بدَوْرِهَا من بُؤْسٍ نفسيٍّ-اِجتماعيٍّ مدِيدٍ زائدٍ عنْ حدِّهِ، هذا هو الوَعْيُ الطَّبَقِيُّ الجَمَاهيريُّ اليقينيُّ الذي حَطَّ كلاًّ من أنظمةِ الطُّغْيَانِ المَعْنِيَّةِ في مَحَطٍّ مُنْحَطٍّ لَمْ يَعُدْ في مَقْدُورِهِ التَّحَكُّمُ فيهِ بالسِّيادَةِ والسِّيَادِ لَدَى اشتدادِ ذاك الزَّنْدِ، زَنْدِ الشَّعْبِ السُّودَانِيِّ أوِ الجَزَائرِيِّ أوِ اللِّيبِيِّ أوِ المِصْريِّ أوِ اليَمَانِيِّ أوِ العِرَاقيِّ أوِ الأُرْدُنِّيِّ أوِ الفِلَسْطِينِيِّ أوِ السُّورِيِّ أوِ القَادِمِ والقَادِمِ، لا مَحَالَ، لَدَى اشتدادِ ذاك الزَّنْدِ، زَنْدِ الشَّعْبِ الزَّنُودِ في شَدِّهِ، هذا هو الوَعْيُ الطَّبَقِيُّ الجَمَاهيريُّ اليقينيُّ الذي سوفَ يُسَجِّلُهُ التاريخُ الإنسانيُّ وَعْيًا متزايدًا باطِّرَادٍ في سِجِلاَّتِ «النَّشَاطِ التاريخيِّ المستقلِّ» بالذَّاتِ – وقدْ تَطَرَّقَ إلى أشكالِ هذا النَّشَاطِ التاريخيِّ بالذاتِ لينينُ عَيْنُهُ مِرَارًا وتكرارًا في أكثرَ من سِيَاقٍ ثوريٍّ مَاثِلٍ، وخُصُوصًا بالاستنادِ إلى مَا عَنَاهُ ماركسُ عَيْنُ عَيْنِهِ من مرحلةِ التناقضِ الحَتْمِيِّ بين قِوَى الانتاجِ وبينَ علاقاتِ الانتاجِ، قبلَ أن يستحيلَ هذا التناقضُ الحَتْمِيُّ إلى قوَّةٍ تدميريَّةٍ شَاملةٍ لكَيْمَا يستهلَّ استهلالاً مرحلةَ الثَّوَرَانِ الاِجتماعيِّ الشَّاملِ.

وفَوْقَ ذلك كُلِّهِ، أيَّتُهَا القارئةُ الفَطِينَةُ وأيُّهَا القارئُ الفَطِينِ، لَمْ نَفْتَأْ في هذا الآنِ والآوانِ نَرَى مثقَّفينَ لامِعِينَ مِمَّنْ هُمْ (وهُنَّ) في عِدادِ المنتمينَ إلى «اليسارِ العربيِّ» الماركسيِّ أوِ اللاماركسيِّ أوِ الـ«مَا بَيْنَ بَيْنَ»، لَمْ نَفْتَأْ نَرَاهُمْ يلجأُونَ مَحْثُوثِينَ بذاتِ «الحَمَاسِ فوقَ-الثوريِّ» إلى استخدامِ فَيْضٍ (أو فُيُوضٍ) من بلاغيَّاتِ اللِّسَانِ التَّخْيِيريِّ المُنَوَّهِ عنهُ آنِفًا، مَثَلُهُمْ في هذا اللُّجُوءِ كَمَثَلِ ذاك الصَّبيِّ «العبقريِّ» حينَ يشاهدُ، وَهْوَ مُخْرِجٌ بجهازِ التَّحَكُّمِ مِنْ بُعْدٍ، مَشَاهِدَ لُعْبَةٍ إلكترونيَّةٍ من تلك الألعَابِ المُسَمَّاةِ جَمْعًا بـ«حُرُوبِ النُّجُومِ» Star Wars، فيختارُ مَا يَشَاءُ من هذهِ الحُرُوبِ «مثالاً مَلْحَمِيًّا» يَحْتَذِي بِهِ احتذاءً في تَجْوالهِ الاِفْتِرَاضيِّ المَائِرِ، ويُكْسِيهِ من ثَمَّ «فُسْتَانًا أُسْطُورِيًّا» بكُلِّ مَا يَبْتَنِيهِ من خَيَالاتِ الاِسْتِيهَامِ الحَمَاسِيِّ الفَائِرِ، وبغضِّ الطَّرْفِ كُلِّ الطَّرْفِ، في مَعْمَعَانِ هذهِ «الحَرْبِ الضَّرُوسِ»، عن أيِّمَا «مثالٍ مَلْحَمِيٍّ» آخَرَ. فهَا هو، على سَبِيلِ التَّمْثِيلِ، مثالُ الكاتبِ الرِّوَائيِّ اللبنانيِّ إلياس خوري، في مقالِهِ المَعْنِيِّ «السودانُ والربيعُ العربيُّ» (القدس العربي، 6 أيار 2019)، هَا هو يتحدَّثُ عن الثورةِ الشعبيةِ السُّودَانِيَّةِ بوَصْفِهَا «مِرْآةً ناصِعَةَ» تسمحُ، والحَالُ هذهِ، بإعادةِ النَّظَرِ في كَافَّةِ الثوراتِ الشعبيةِ العربيةِ التي سَبَقَتْهَا (بما فيها كذلك الثورةُ الشعبيةُ الجزائريَّةُ التي تُزَامِنُهَا الآنَ)، دونَ أنْ يتجشَّمَ أيًّا من عَنَاءِ القولِ بالنَّحْوِ العكسيِّ تمامًا بأنَّ هذهِ المِرْآةَ الناصِعَةَ ذاتَهَا، ولا شكَّ فيهَا بتَّةً، إنَّما استمدَّتْ نُصُوعَهَا، بنَحْوٍ أو بآخَرَ، من هذهِ الثوراتِ ذاتِهَا في الحَيِّزِ الأوَّلِ، رغمَ كلِّ مَا اعتراهَا ومَا يعتريهَا من إخفاقٍ ومن إحباطٍ، على مدى تلك الثَّمَانِي من عِجَافِ السِّنِينِ. وقدْ أشارَ الكاتبُ الرِّوَائيُّ مُنَاقِضًا نفسَهُ بنفسِهِ إلى بعضٍ من أسْبَابِ هذا الإخفاقِ وهذا الإحباطِ، إشارةً إلى أتْرَاحِ المشهدِ السُّورِيِّ الرَّثِيمِ، وبعدَ الإسْهابِ الرِّوَائيِّ في بلاغيَّاتِ اللِّسَانِ التَّخْيِيريِّ الرَّنِيمِ، تلك الأسْبَابِ التي تأزَّمَتْ في آخِرِ المَطافِ في وُقُوعِ السُّوريَّاتِ والسُّوريِّينَ، أيَّامَ غُلِبُوا عَلى أمْرِهِمْ وأيَّامَ غُرِّرَ أيَّمَا تَغْرِيرٍ بِهِمْ، في وُقُوعِهِمْ بينَ فَكَّيْ نظامَينِ طُغْيَانِيَّيْنِ تَكَتُّلِيَّيْنِ يتقاتَلانِ تقاتُلاً هَمَجيًّا، لا بَلْ مَا دونَ-بهيميًّا، على السِّيَادةِ والنُّفُوذِ في أرضِ الشَّآمِ، من جهةٍ، ويتباريَانِ تباريًا لا يقلُّ هَمَجيَّةً ولا يقلُّ مَا دونَ-بهيميَّةً على إخْمَادِ الثورةِ الشعبيةِ السُّوريَّةِ باسْتنفَارِ شتَّى أولادِ الحَرَامِ، من جهةٍ أُخرى. وهٰذانِ النِّظامَانِ الطُّغْيَانِيَّانِ التَّكَتُّلِيَّانِ هُمَا: نظامُ السُّحْتِ الأسديُّ الإجْرَامِيُّ العَمِيلُ بقَرْنَيهِ الرُّوسيِّ والإيرانيِّ الجَلِيَّيْنِ (إضافةً إلى قُرونِهِ الخَفِيَّةِ من دولِ الغربِ الإمبرياليِّ الحَدِيثِ، بما فيها إسرائيلُ)، أوَّلاً، ونظامُ الزِّفْتِ السُّعُوديُّ النَّهْيَانيُّ الاجْتِرَامِيُّ الأجَلُّ عَمَالَةً بمخالبِهِ الجَلِيَّةِ من أشتاتِ المتوحشينَ التكفيريِّينَ والظلاميِّينَ (فضلاً كذلك عنْ مخالبِهِ الخَفِيَّةِ من دولِ الغربِ الإمبرياليِّ الحَدِيثِ، بما فيها إسرائيلُ)، ثانيًا – فـ«شجاعةُ» السُّودانيَّاتِ والسُّودانيِّينَ في تحطيمِ جُدْرَانِ الخَوْفِ، ولا ريبَ فيها بَتَّةً أيضًا، ليستْ مُنْعَدِمَةً على الإطلاقِ في أذْهَانِ الجزائريَّاتِ والجزائريينَ (ولا حتَّى مُنْعَدِمَةً في أذْهَانِ السُّوريَّاتِ والسُّوريِّينَ، ولا حتَّى مُنْعَدِمَةً في أذْهَانِ أيٍّ من الشُّعُوبِ التي ثارتْ والتي لم تَثُرْ بعدُ)، حتَّى يفتتحَ الكاتبُ الرِّوَائيُّ بلاغيَّاتِهِ التَّخْيِيريَّةَ بهَا (أي بـ«الشجاعةِ» المُتَحَدَّثِ عنهَا) متفرِّدًا بالسُّودانيَّاتِ والسُّودانيِّينَ، دُونَ غَيْرِهِنَّ ودُونَ غَيْرهِمْ، ودُونَ أنْ يختتمَ البلاغيَّاتِ ذَاتَهَا إنْ كانَ يعلمُ أنَّ هذهِ «الشجاعةَ» المُتَحَدَّثَ عنهَا بالذاتِ إنَّمَا اسْتَقَتْ بَريقَهَا، بِنَحْوِهَا هي الأُخْرَى، مِنْ «شَجَاعَاتِ» مَنْ قَوَّضْنَ ومَنْ قَوَّضُوا جُدْرَانَ الخَوْفِ ذَوَاتِهَا قبلَ تلك «الثَّمَانِي من عِجَافِ السِّنِينِ»، ومِنْ قُدَّامِ أنظمةٍ طُغْيَانِيَّةٍ أكثرَ وَحْشِيَّةً وأكثرَ بربريَّةً وحُوشِيَّةً في الظَّنِّ واليقينِ.

وهَا هو، على سَبِيلِ التَّمْثِيلِ كذاك (والأنكى من ذاك كلِّهِ)، مثالُ الكاتبِ الرِّوَائيِّ الجزائريِّ واسيني الأعرج في مقالِهِ المَعْنِيِّ «أيقوناتُ الثوراتِ العربيةِ، والحراكُ السلميُّ؟» (القدس العربي، 21 أيار 2019)، هَا هو يتكلَّمُ، من زاويتِهِ هو الآخَرُ، بتفرُّدٍ أشدَّ عَلى المستوى الجَمْعِيِّ، وبتفرُّدٍ أشدَّ شِدَّةً حتَّى على المستوى الفرديِّ تحديدًا، هَا هو يتكلَّمُ عن شخصيَّةٍ أنثويَّةٍ برزتْ فجأةً في المشهدِ السُّودَانِيِّ، كمثلِ الشابَّةِ السُّودانيةِ آلاء صالح (ولا شكَّ، لا شكَّ، في كُلِّ الثَّنَاءِ وفي كُلِّ التقديرِ اللذَيْنِ تستحقُّهُمَا استحقاقًا، في هذهِ القرينةِ)، يتكلَّمُ عنهَا عَلى اعتبارِهَا «أيقونةً جَمِيلةً» أنْشَأتْهَا الثورةُ الشعبيةُ السُّودَانِيَّةُ تعبيرًا عن الحَرَاكِ السِّلْمِيِّ في هذا الزَّمَانِ، وعَلى اعتبارِهَا كذلك صُورةً أنيقةً و«تمثالاً للحريَّةِ في كلِّ مكانٍ»، وعَلى اعتبارِهَا عِلاوةً عَلى ذلك كلِّهِ جَسَدًا أُنثويًّا تجسَّدتْ فيهِ رُوحُ «الملكةِ النُّوبيَّةِ الأسطوريَّةِ كَنْدَاكَةَ» بالرُّوحِ فأصَابَهَا شيءٌ من خُلودِهَا المُصَانِ، إلى آخرِهِ، إلى آخرِهِ، من أمثالِ بلاغيَّاتِ اللِّسَانِ التَّخْيِيريِّ الدِّعَائيِّ والدِّعَاوِيِّ التي تختصُّ بها وسَائلُ الإعلامِ الغَنِيَّةِ عن التعريفِ في الشَّرْقِ قبلَ الغَرْبِ (إنْ أرادتْ أنْ تُشْهِرَ شخصيَّةً أنثويَّةً، أو ذَكَرِيَّةً، إشْهَارًا لمَأْرَبٍ من المَآرِبِ، تمامًا مثلمَا تريدُ أنْ تُغْمِرَهَا إغْمَارًا، أو حتَّى أنْ تُفْنِيهَا إفْنَاءً، بمَقْلَبٍ من المَقَالِبِ). وهكذا ببساطةٍ، وهكذا لمُجَرَّدِ أنَّ هذهِ الشابَّةَ السُّودانيةَ وقفتْ على ظَهْرِ سيَّارةٍ «تُهَوِّسُ» وَسْطَ الحُشُودِ ببضْعٍ من عباراتِ الزَّجَلِ الشَّعبيِّ (الثوريِّ)، تحوَّلتْ بينَ عَشِيَّةٍ وضُحَاهَا إلى «أسطورةٍ ثوريَّةٍ» بهذا الزَّخْمِ الرِّوَائيِّ العتيدِ الذي استقطبَ كُلَّ الاِستقطابِ يَرَاعَاتِ الكاتبينَ وحَنْجَرَاتِ المُغَنِّينَ من «اليَسَارِ العربيِّ»، أو المَحْسُوبِ عليهِ (كمارسيل خليفة وسميح شقير، مثلاً لا حَصْرًا)، وعلى الرَّغْمِ الرَّغِيمِ من أنَّ هكذا «أسطورةً ثوريَّةً»، في حَدِّ ذاتِهَا، لَمْ تتحوَّلْ حتَّى خالدة زاهر (1926-2015) إلى أيِّ شيءٍ منها، لا من قريبٍ ولا من بعيدٍ، تلك الناشطةُ اليساريَّةُ الماركسيَّةُ الحقيقيَّةُ التي كانتْ من أُولَيَاتِ النِّسَاءِ اللواتي كُنَّ غَيْرَ آبِهَاتٍ بالاعتقالِ والتنكيلِ إلى حَدِّ الجَلْدِ بأنواعِهِ، حينمَا كُنَّ يَقُدْنَ المُظاهراتِ تنديدًا بالاستعمارِ الإنكليزيِّ في الأربعينيَّاتِ ومطلعِ الخمسينيَّاتِ من القرنِ الفارطِ (قبلَ خُرُوجِ هذا الاستعمارِ إبَّانَئِذٍ)، وحينمَا كُنَّ يَقُدْنَها كذلك احتجاجًا على كلِّ أشكالِ الطُّغْيَانِ والاستبدادِ (بعدَ خُرُوجِ ذاك الاستعمارِ عَامَ 1956) – وثَمَّةَ الكثيرُ الكثيرُ، عَلى اختلافِ الِانتمَاءَاتِ بكُلِّهَا، ثَمَّةَ الكثيرُ من أولئك الناشطاتِ اللواتي ارْتَقَيْنَ والناشطينَ الذينَ ارْتَقَوْا إلى مَصَافِّ «الأسطورةِ الثوريَّةِ» وإلى أرقَى مِنْهَا مَصَفًّا حتَّى، ثَمَّةَ الكثيرُ مِمَّنْ لَمْ يلتفتْ إليهِنَّ ولا إليهِمْ ضَميرُ «اليَسَارِ العربيِّ» أيَّ التفاتٍ بذلك الزَّخْمِ الرِّوَائيِّ الحَمَاسِيِّ العتيدِ. كَمَا قالَ أحدُ المُعلِّقينَ الفُطَنَاءِ مَا مَعْنَاهُ، هُنا، إنَّ أيَّ عَاملةٍ تعملُ في مَعْمَلٍ للمَلابسِ عَمَلاً شريفًا لكيمَا تُقَدِّمَ للنَّاسِ المَلابسَ جَيِّدةً، وحَسْبُ، إنْ هي إلاَّ أيقونةٌ وطنيَّةٌ لَأَهمُّ بكثيرٍ مِنِ امْرَأةٍ تَصْدَحُ بالصَّوتِ، لا لشيءٍ سِوَى لكيْ تكونَ «كَنْدَاكَةً»، ليسَ إلاَّ! وكَمَا يقولُ لِسَانُ الحَالِ كذاك لدَى أيَّةِ ذاتِ وأيِّ ذِي ضَميرٍ إنسَانِيٍّ في هذا الزَّمَانِ الفَقِيرِ إلى الضَّميرِ الإنسَانِيِّ مَا فَحْوَاهُ، هَا هُنا، إنَّ ظُفْرًا واحِدًا مِنْ أظْفَارِ الصَّبِيِّ الأبِيِّ حمزة الخطيب، تلك الأظْفَارِ التي اقتلعَتْهَا بكُلِّ وَحْشِيَّةٍ وبكُلِّ هَمَجِيَّةٍ وبكُلِّ حُوشِيَّةٍ كَمَّاشَاتُ نظامِ السُّحْتِ الأسديِّ الإجْرَامِيِّ العَمِيلِ، إنَّمَا يُعادلُ وَزْنًا لَأَجَلَّ بكثيرٍ مِنْ وَزْنِ «كَنْدَاكَةٍ» فَوْقَهَا سِتُّونَ ألفَ «كَنْدَاكَةٍ» مِمَّا يَعُدُّونَ!

وإنْ كانَ ثَمَّةَ مَنْ لا بُدَّ لَهُ مِنْ أنْ يَتَحَلَّى مَحْثُوثًا بفَيْضٍ مِنْ ذلك «الحَمَاسِ فوقَ-الثوريِّ» في هذا الزَّمَانِ الفَقِيرِ إلى الضَّميرِ الإنسانيِّ، وإنْ كانَ ثَمَّةَ مَنْ لا بُدَّ لَهُ مِنْ أنَ يَتَمَلَّى مَحْثُوثًا إحْثَاثًا أشدَّ مِنْهُ فَيْضًا أوْ فُيُوضًا مِنْ بَلاغيَّاتِ اللِّسَانِ التَّخْيِيريِّ، ومَا تَنْطَوِي عليهِ بدورِهَا مِنْ دَلالٍ تمييزيٍّ، أوْ مِنْ دَلالٍ تفضيليٍّ أوْ جِدِّ تفضيليٍّ، وسَواءً كانَ هذا الـ«مَنْ» بَاحِثًا جَامِعِيًّا أمْ كاتبًا رِوَائِيًّا أمْ مُؤَلِّفًا مُوسِيقيًّا أمْ نَاشِطًا سِيَاسِيًّا (يَسَارِيًّا ماركسيًّا أوْ لاماركسيًّا أوْ بَيْنَ بَيْنَ)، أمْ حتَّى أيَّ شَيْءٍ غَيْرَ ذلك في الفَضَاءِ الرَّقَمِيِّ واللارَقَمِيِّ، فليسَ لَهُ إلاَّ أنْ يُوَظِّفَ هذا الحَمَاسَ كُلَّهُ، وليسَ لَهُ إلاَّ أنْ يُوَظِّفَ هذهِ البَلاغيَّاتِ كُلَّهَا، لِصَالِحِ رُمِّ الشُّعُوبِ العَرَبيَّةِ (أوِ اللاعَرَبيَّةِ) المُسْتَمِرَّةِ في ثَوَرَانِهَا السِّلْمِيِّ، وليسَ غيرَ هذهِ الشُّعُوبِ. ذلك لأنَّ هذهِ الشُّعُوبَ، بمَا تُبدِيهِ للدُّنْيَا بأٍسْرِهَا من وَعْيٍ فَرْدِيٍّ وجَمْعِيٍّ حقيقيٍّ بوجودِهَا المَسْلُوبِ، لا تحتاجُ بَتَّةً إلى أيٍّ من «أيْقُونَاتِ» الحُضُورِ القِيَادِيِّ الثوريِّ، لا في الشُّرُوقِ ولا في الغُرُوبِ!

(10)

قلتُ مُؤَكِّدًا تأكيدًا من قبلُ، في القسمِ الآنِفِ من هذا المقالِ، إنَّ كلاًّ من هٰذَيْنِ المشهدَيْنِ الثوريَّيْنِ الشَّعْبِيَّيْنِ، في السُّودانِ وفي الجَزائرِ، لَمْ يَزَلْ سَائِرًا، حتى هذا الآنِ من ثَوَرَانِهِ السِّلْمِيِّ الجَلِيلِ، لَمْ يَزَلْ سَائِرًا على قَدَمٍ وسَاقٍ مَتِينَينِ ثابِتَيْنِ بكلِّ مَا يقتضيهِ السَّيْرُ منْ عَزْمٍ ومنْ حَزْمٍ لا يعرفانِ أيَّ معنًى لقيدٍ من القُيُودِ معنًى سَليلٍ، ولا حتَّى يعرفانِ أيَّ مغزًى للخُمُولِ أوِ الخُمُودِ أوِ الحُيُودِ مغزًى غَلِيلٍ، وبالرَّغمِ منْ كلِّ أشكالِ ذلك التَّدْوِيمِ الدَّخِيلِ واللادَخيلِ، تدويمِ طورِ الثَّوَرَانِ المُضَادِّ كطورٍ ذَمِيمٍ دَميمٍ بِسِيمَائِهِ اللااستثنائيِّ «الضَّلِيلِ»، وعلى الرَّغمِ من كلِّ ما ينجُمُ عنهُمَا عِلاوَةً على ذلك كُلِّهِ منْ حَالاتِ الاِسْتِعْصَاءِ الاِستثنائيِّ المُسْتَطِيلِ. فالثَّائراتُ والثَّائرُونَ السُّودَانيُّونَ، من طَرَفِهِمْ، يواصلونَ سَعْيَهُمْ بسَائِرِ أطيافِهِمْ مطالبينَ بكلِّ إصْرَارٍ، على أقلِّ تقديرٍ، بتسليمِ «مقاليدِ» الحُكْمِ العسكريِّ إلى نظيرٍ مدنيٍّ قلبًا وقالِبًا، وبتمثيلٍ رَمْزِيٍّ من الجَيْشِ جِدِّ مَحْدُودٍ لأسبابٍ بَدَهِيَّةٍ تخُصُّ المَجْلِسَ السِّيَاديَّ بهَيْكَلِهِ الأخيرِ، مَهْمَا حاولتْ عناصرُ من ذاك «المجلس العسكري الانتقالي» أفَّاكَةً في تَسْويفِ التفاوُضِ الجَادِّ تشبُّثًا بهذهِ «المقاليدِ»، من جهةٍ، ومَهْمَا حاولتْ كذاك عناصرُ من «قوات الدعم السريع»، تيك الشَّبِيهَةِ بقُطْعَانِ «الشَّبِّيحَةِ»، فَتَّاكَةً بالقوَّةِ، أو حتَّى بالفِعْلِ، في استخدامِ العُنْفِ بارتدادِهِ العَكْسِيِّ تشبُّثًا أكثرَ حتَّى بذاتِ «المقاليدِ»، من جهةٍ أخرى. والثَّائراتُ والثَّائرُونَ الجَزَائِرِيُّونَ، من طَرَفِهِمْ هُمُ الآخَرُونَ، يُتَابِعُونَ جَهْدَهُمْ بكافَّةِ أطيافِهِمْ أيضًا، مطالبينَ بكلِّ إلحَاحٍ، في الحَدِّ الأدنى من الدستورِ الجزائريِّ بالذَّاتِ، بتفعيلِ كلٍّ من المادةِ السابعةِ التي تنصُّ على أنَّ «الشَّعْبَ مَصْدرُ كلِّ سُلْطَةٍ» والمادةِ الثامنةِ التي تنصُّ على أنَّ «السُّلْطَةَ التأسيسيَّةَ مِلْكٌ للشَّعْبِ»، من ناحيةٍ، وبترحيلِ كُلٍّ مِمَّا تبقَّى من «أشلاءِ» النظامِ الفاشيِّ المَافْيَويِّ الهَرِمِ المُتَهَرِّئِ الهِرْدَبَّةِ الهِرْشَفَّةِ الآسِنِ حتَّى القِحْفِ من الرَّأسِ في مستنقعاتِ الفسَادِ والرَّذيلةِ والمُحَابَاةِ والمحسوبِيَّاتِ بكلِّ أشكالِهَا، من ناحيةٍ أخرى. وقلتُ مُؤَكِّدًا تأكيدًا كذلك، إنَّهُ لَمِنَ الخَطَأِ الفادِحِ أن يلجأَ «التحليلُ السياسيُّ»، أيًّا كانَ، مَحْثُوثًا بذلك «الحَمَاسِ الثوريِّ» المُفْرِطِ إفراطًا إلى حَدِّ الافتعالِ (وقد سَمَّيْتُهُ هناك تَسْمِيَةً نفسَانِيَّةً بِـ«الحَمَاسِ فوقَ-الثوريِّ» Hyper-Revolutionary Fervour)، فيلجأَ منْ ثَمَّ مَحْثُوثًا إحْثَاثًا أشدَّ إلى استخدامِ فَيْضٍ منْ بلاغيَّاتِ اللِّسَانِ التَّخْيِيريِّ، ومَا تَنْطَوِي عليهِ بدورِهَا منْ دلالاتٍ تمييزيةٍ، أو منْ دلالاتٍ تفضيليَّةٍ – لا بل جِدِّ تفضيليَّةٍ، في مَعْرِضِ الحَدِيثِ عن «إنجازاتِ» ثورةٍ شعبيةٍ عربيةٍ مَا (كالشقيقةِ السُّودَانيَّةِ، مثلاً) دونَ الأخْذِ بعَيْنِ الاعتبارِ بَتَّةً مَا يُنَاظرُ هذهِ الـ«إنجازاتِ»، في الأصْلِ، منْ أسَاسٍ مَادِّيٍّ (تاريخيٍّ) وَ/أوْ لامَادِّيٍّ (لاتاريخيٍّ) تأسَّسَتْ عليهِ بنحوٍ أوْ بآخَرَ أيَّةُ ثورةٍ شعبيةٍ عربيةٍ أُخرى، سواءً كانتْ هذهِ الثورةُ قد عاصرتْها في الهَيَجَانِ والغَلَيَانِ (كالشقيقةِ الجزائريَّةِ، بسَيْرِهَا) أمْ كانتْ قدْ سَبَقَتْهَا بمرحلةٍ أو أكثرَ في الزَّمَانِ والمَكَانِ (كالشقيقةِ السُّوريَّةِ، وغَيْرِهَا)، كما رأيتُما في مَظِنَّتِهِ – نَاهِيكُمَا، بالطَّبْعِ، عن أنَّ هذا الخَطَأَ المُتَكَلَّمَ عنهُ منْ هكذا خُصُوصٍ إنَّمَا يزدادُ فَدَاحَةً أكثرَ فأكثرَ حينمَا يصدُرُ هكذا «تحليلٌ سياسيٌّ» اِنتقائيٌّ اِصطفائيٌّ (حَائِدٌ) عن مصدرٍ مَرْبُوصٍ على «اليسارِ العربيِّ» الماركسيِّ أوِ اللاماركسيِّ أوْ حتَّى الـ«مَا بَيْنَ بَيْنَ». وقدْ أشرتُ، في القسمَيْنِ الثامنِ والتاسعِ منْ هذا المقالِ، إلى شيءٍ منْ بلاغيَّاتِ اللِّسَانِ التَّخْيِيريِّ التي تَنْجُمُ عن ذلك «الحَمَاسِ فوقَ-الثوريِّ» على المُسْتَوَيَيْنِ الجَمْعِيِّ والفَرْدِيِّ، على سبيلِ التمثيلِ لا التحْصِيرِ، في كُلٍّ من مقالِ الباحثِ الجامعيِّ جلبير الأشقر، «التضامنُ مع الثورةِ السودانيةِ ملحٌّ!» (القدس العربي، 23 نيسان 2019)، ومقال الكاتبِ الرِّوَائيِّ إلياس خوري «السودانُ والربيعُ العربيُّ» (القدس العربي، 6 أيار 2019)، ومقالِ الكاتبِ الرِّوَائيِّ واسيني الأعرج، «أيقوناتُ الثوراتِ العربيةِ، والحراكُ السلميُّ؟» (القدس العربي، 21 أيار 2019). أقولُ هذا الكلامَ الاِحْتِرَاسِيَّ وذاك بكُلِّ تأكيدٍ هَا هُنَا، لماذا؟ – لأنَّنَا، نحنُ الجَاثِمَاتِ والجَاثمينَ في هذا المَكَانِ الكئيبِ وفي هذا الزَّمَانِ العَصِيبِ، قُدَّامَ مَرْحَلَةٍ تاريخيَّةٍ فريدةٍ بكلِّ المَعَايِيرِ من ثوراتٍ شعبيَّةٍ عربيَّةٍ ليسَ لنَا إلاَّ أنْ ننظرَ إليهَا كَافَّةً بمثابةِ «ثورةٍ شعبيَّةٍ عربيَّةٍ واحدةٍ» (فَلْيَذْهَبْ إلى الجَحِيمِ، دَرَكِ الجَحِيمِ، ذلك الشِّعَارُ الذي يَرِنُّ، لا بَلْ يَئِنُّ، بالصَّوتِ والإيقَاعِ رَنًّا مَرْنُونًا في الأسْمَاعِ من أولئك «البَعْثِيِّينَ» الاِزدواجيِّينَ والاِنهزاميِّينَ والاِنتهازيِّينَ في الدَّاخِلِ من سوريا والعراقِ وفي الخَارِجِ منهمَا، كذلك)، ليسَ لنَا إلاَّ أنْ ننظرَ إليهَا كَافَّةً، في كُلٍّ من أوقاتِ النَّدَاوَةِ والجَفَافِ، ننظرَ إليهَا جَسَدًا وروحًا لا ينفصِلانِ ملتهبَيْنِ التِهَابًا مَوْزُونًا بميزَانٍ مُتَوازِنٍ مُتَعَدِّدِ الكِفَافِ: فَثَمَّةَ كِفَّةٌ سُودَانِيَّةٌ وثَمَّةَ كِفَّةٌ جَزَائِرِيَّةٌ وثَمَّةَ كِفَّةٌ سُورِيَّةٌ وثَمَّةَ كِفَّةٌ يَمَانِيَّةٌ، وهَلُمَّ جَرًّا. فإذا رَجَحَتْ كِفَّةٌ أو أكثرَ من هذهِ الكِفَافِ في حَالٍ (صُورِيَّةٍ) استثنائيَّةٍ لا مَنَاصَ منهَا، كما هي الحَالُ الآنَ في كُلٍّ من الكِفَّتَيْنِ السُّودَانِيَّةِ والجَزَائِرِيَّةِ في مُقَابِلِ أخْتَيْهِمَا الكِفَّتَيْنِ السُّورِيَّةِ واليَمَانِيَّةِ (أو حتَّى في مُقَابِلِ أخْتِهِنَّ الكِفَّةِ الليبيَّةِ)، فإنَّ هذا الرُّجْحَانَ لا يعني البَتَّةَ اختلالاً بنيويًّا باطنيًّا في الميزَانِ المُتَوازِنِ ذاك بقَدْرِ مَا يعني اختلالاً بنيويًّا ظاهريًّا يتبدَّى تَبَدِّيًا مُؤقَّتًا كجُزْءٍ من سَيرُورةِ ذلك التَّدْوِيمِ الدَّخِيلِ واللادَخيلِ، تدويمِ طورِ الثَّوَرَانِ المُضَادِّ الذَّمِيمِ والدَّمِيمِ المُشَارِ إليهِ قبلَ قليلٍ.

ومِنْ أسبابِ هذا الاِختلالِ البنيويِّ الظاهريِّ في الميزَانِ المُتَوازِنِ المَعْنِيِّ هُنَا إنَّمَا يكمُنُ في الموقعِ الإستيراتيجيِّ (أو الجيو-سِيَاسيِّ، بالقمينِ) للبَلَدِ العربيِّ الذي اندلعتْ فيهِ ثورةُ الشَّعْبِ على طُغيانِ النظامِ الحَاكِمِ، أوْ طَبَقَتِهِ، كمثلِ سُوريا ومَا تمتازُ بِهِ منْ جِوَارٍ جغرافيٍّ شديدٍ لإسرائيلَ، بوَصْفِ هذهِ الـ«إسرائيلِ» المَخْلُوقَةِ في هذا الجِوَارِ بالذاتِ «نَشِيئةَ» بريطانيا في المقامِ الأوَّلِ وبوَصْفِها «ربيبةَ» أمريكا في المقامِ الثاني – نَاهِيكُمَا، بطبيعةِ الحَالِ كذاك، عن كَوْنِهَا قبلَ ذاك كُلِّهِ «مَهِيدَةَ» عُصْبَةٍ أو عِصَابةٍ منْ كلابٍ «عربيةٍ» متوحِّشةٍ مَسِيخةٍ مَهينةٍ ليسَ لهَا سِوَى أنْ تُمَهِّدَ السَّبيلَ عندَ الطَّلَبِ شيئًا فشيئًا تحتَ أقدامِ أسْيَادِهَا منْ هذا الغربِ الإمبرياليِّ دونَ غيرِهِ منْ أشْتَاتِ الغربِ «الديمقراطيِّ» و«الليبراليِّ» و«الخَيِّرِيِّ»، ليسَ لهَا سِوَى أنْ تُمَهِّدَ السَّبيلَ كُلَّهُ تمهيدًا حَثيثًا لاحتلالِ أجزاءٍ ومناطقَ إسْتيراتيجيةٍ (أو جيو-سِيَاسيَّةٍ) هامَّةٍ بدأتْ مدارسَتُها باهتمامٍ كبيرٍ منذُ بداياتِ مَا كانَ يُسمَّى بـ«الثورة العربية الكبرى» عامَ 1916. فكما أنَّ عِصَابةَ أولئك الطُّغاةِ العُتَاةِ المُصْطَنَعِينَ، وَقْتَئِذٍ، قدْ مَهَّدُوا السَّبِيلَ بجُيوشِهِم «العربيةِ» أيَّمَا تمهيدٍ لاحتلالِ بقاعِ فلسطينَ عامَ 1948، فإنَّ أشْبَاهَهُمْ منْ عِصَابةِ هذهِ الكلابِ المتوحِّشةِ المَسِيخةِ المَهينةِ تبتغي الآنَ أن تكرِّرَ الشيءَ ذاتَهُ منْ خلالِ التدخُّلِ العسكريِّ «العربيِّ» بدلاً من التواجُدِ العسكريِّ الأمريكيِّ في فُراتِ سُوريا، مثلاً لا حَصْرًا، وذلك في مُقَابِلِ «لُهَاثِهِمِ الأبَدَيِّ المُذِلِّ» وَرَاءَ السُّلْطةِ المُطْلقةِ. وهكذا، في حَالِ نظامِ السُّحْتِ الفاشيِّ المَافْيَوِيِّ الطائفيِّ الإجْرَامِيِّ العَمِيلِ في سُوريا، مَا إنْ شَرَعَتْ أطيافٌ أبِيَّةٌ من الشَّعْبِ السُّوريِّ في حَرَاكِهَا السِّلْمِيِّ الأسطوريِّ الجَلِيلِ هُنا وهُناك، ذلك الحَرَاكِ السِّلْمِيِّ الذي كانَ، ولَمْ يَزَلْ، يشهدُ لهُ كلُّ مَنْ كانَ شاهدَ العَيْنِ على مَاجَرَيَاتِهِ منذُ البدايةِ، حتى شَرَعَتْ أنْجَاسُ هذا النظامِ، نظامِ السُّحْتِ الفاشيِّ المَافْيَوِيِّ الطائفيِّ الإجْرَامِيِّ العَمِيلِ، بإيعازٍ جَلِيٍّ منْ إيرانَ قبلئذٍ ومنْ رُوسيا بعدئذٍ وبإشرافٍ خَفِيٍّ كذاك منْ ذاك الغربِ الإمبرياليِّ (بما فيهِ إسرائيلُ)، حتى شَرَعَتْ في اللجُوءِ إلى قوَّةِ الحَدِيدِ والنَّارِ بشتَّى سِلاحِهَا الثَّقيلِ والأثْقَلِ و«المُحَلَّلِ» والمُحَرَّمِ بَرًّا وبَحْرًا وجَوًّا (وشَرًّا وعُهْرًا)، وذلك منْ أجْلِ الحَيْلُولةِ والحُؤُولِ القَطْعِيَّيْنِ قَطْعًا بَاتًّا دونَ استمرَارِ ذاك الحَرَاكِ السِّلْمِيِّ الأسطوريِّ الجَلِيلِ، ومنْ أجْلِ القَضَاءِ عَلَيْهِ قَضَاءً وَحْشِيًّا هَمَجِيًّا حُوشِيًّا لَمْ يَسْبِقْ لَهُ مَثِيلٌ – وللضَّميرِ الإنسانيِّ، في هذا الزَّمَانِ الفقيرِ إلى الضَّميرِ الإنسانيِّ، أنْ يتصَوَّرَ هَا هُنا، إنْ كانَ في الوَاقِعِ أو حتَّى في الخَيَالِ مُسْتَطِيعًا مُطِيعًا للتَّصَوُّرِ، كلَّ مَا ارتكبتْهُ قُطْعَانُ «الشَّبِّيحَةِ» و«النَّبِيحَةِ» وأَقْطَاعُ العَسْكَرِ والأمْنِ والمُخَابراتِ «القَبِّيحَةِ» منْ مَجَازِرَ أو مَذَابِحَ أو شَنَائعَ أو فَظَائعَ منْ كلِّ الصُّنُوفِ بحَقِّ البريئاتِ والأبرياءِ، عَلى اختلافِ أعْمَارِهِنَّ وأعْمَارِهِمْ. ولَمْ يَقِفْ إجْرَامُ النظامِ، نظامِ السُّحْتِ الفاشيِّ المَافْيَوِيِّ الطائفيِّ الإجْرَامِيِّ العَمِيلِ، عندَ هذا الحدِّ: كانَ قدْ حَدَا بِهِ الإجْرَامُ البَهِيمِيُّ، لا بلْ مَا دُونَ-البَهِيمِيُّ، كذاك أيَّامَئِذٍ، وبالإيعازِ الجَلِيِّ ذاتِهِ وبالإشرافِ الخَفِيِّ ذاتِ ذاتِهِ أيضًا، كانَ قدْ حَدَا بِهِ إلى إطلاقِ سَرَاحِ كافَّةِ السُّجَناءِ (أوْ جُلِّهِمْ) منْ أولئك الإسلاميِّينَ و«المُتَأسْلِمِينَ» الأصوليِّينَ المُتَطرِّفِينَ، عَلى اختلافِ تَحَزُّبَاتِهِم وتَكَتُّلاتِهِمْ هُمُ الآخَرُونَ، وعَلى الأخَصِّ أولئك الإسلاميِّينَ و«المُتَأسْلِمِينَ» الذينَ سَرْعَانَ مَا اسْتَهْدَفَتْهُمْ بالدَّعْمِ التمويليِّ والتسليحِيِّ أرْجَاسُ الظَّلامِ والشَّرِّ والعُهْرِ منْ «عُرْبَانِ» المملكاتِ والإماراتِ، وبذاتِ الإشرافِ الخَفِيِّ ذاتِ ذاتِهِ منْ ذاك الغربِ الإمبرياليِّ (بما فيهِ إسرائيلُ) كذلك. كلُّ هذا الإجراءِ البَرَاحِ «المَحْرُوسِ» في هذا الإطلاقِ، إطلاقِ السَّرَاحِ «المَدْرُوسِ»، إنَّمَا كانتْ، وما زالتْ، غايتُهُ الأولى والأخيرةُ، ولا شَكَّ، تتمَثَّلُ في سَعْيِ النظامِ، نظامِ السُّحْتِ الفاشيِّ المَافْيَوِيِّ الطائفيِّ الإجْرَامِيِّ العَمِيلِ، إلى إيهَامِ العَالَمِ العربيِّ، خَاصَّةً، وإلى إيهَام العَالَمِ الإسلاميِّ، عَامَّةً، بأنَّهُ يخُوضُ الآنَ بعدَ الآنِ، في سَاحَاتِ الوَغَى منْ كلِّ الجِهَاتِ، يخُوضُ غِمَارَ حَرْبٍ شعْوَاءَ مُزْدَوَجَةٍ خَوْضَ «الأشَاوسِ» و«البَوَاسِلِ» معَ كلِّ أشكالِ الإرهابِ الجِهَاديِّ (والتكفيريِّ)، منْ طَرَفٍ، ومعَ كلِّ أشْتَاتِ الغربِ الإمبرياليِّ (والتطهيريِّ)، منْ طَرَفٍ آخَرَ.

وعلى الرَّغمِ من ذلك كُلِّهِ، أيَّتُهَا القارئةُ اللبِيبَةُ وأيُّهَا القارئُ اللبِيبُ، لمْ نبرحْ في هذا الآنِ وفي هذا الأوانِ نرى مثقَّفَاتٍ جِدَّ لامعاتٍ ومثقَّفينَ جِدَّ لامعينَ – ومَا أكثرَهُنَّ ومَا أكثرَهُمْ، مثقَّفَاتٍ مَرْبُوصَاتٍ ومثقَّفينَ مَرْبُوصِينَ على «اليسارِ العربيِّ» الماركسيِّ أوِ اللاماركسيِّ أوْ حتَّى الـ«مَا بَيْنَ بَيْنَ»، وبغضِّ الطَّرْفِ عن ذلك «اليسارِ العربيِّ» المُتَذَبْذِبِ في مُنَاوَرَاتِهِ وفي مُحَاوَرَاتِهِ وفي مُؤَازَرَاتِهِ بَيْنَ أنْجَاسِ النظامِ الطُّغْيَانيِّ وبَيْنَ أرْجَاسِ الظَّلامِ «الإسلاميِّ»، لمْ نبرحْ نراهُنَّ يتشدَّقْنَ ونراهُمْ يتشدَّقونَ بعباراتِ «النقدِ الثوريِّ البَنَّاءِ» وعباراتِ «النقدِ الثوريِّ النَّاصِحِ والجَادِّ» تشدُّقًا دُونَمَا أيِّ تَحَفُّظٍ بوَضْعِ اللائمةِ، هكذا كَيْفَمَا اتَّفَقَ، عَلى ذَوَاتِ السُّوريَّاتِ والسُّوريِّينَ، وَضْعِهَا وَضْعًا مُسْتَتِرًا ومُبَطَّنًا ومَلْغُومًا بأنَّهُنَّ وأنهُمْ ثائراتٌ وثائرونَ «فاشِلُونَ» يفتقرونَ إلى أيَّةٍ منْ تلك «الأيقوناتِ الثوريةِ» السَّاطعةِ، وبأنَّهُنَّ وأنهُمْ ثائراتٌ وثائرونَ «فاشِلُونَ» يفتقرونَ كذاك إلى أيٍّ من ذاك «الحُضُورِ القيَاديِّ الثوريِّ» الأشدِّ سُطُوعًا!

(11)

قلتُ مُؤَكِّدًا تأكيدًا كذاك قَبْلَئِذٍ، في القسمَيْنِ الآنِفَيْنِ منْ هذا المقالِ (في القسمَيْنِ التاسعِ والعاشرِ منهُ)، وعَلى الأخصِّ في قرينةِ الكلامِ بشيءٍ من التَّفْصِيلِ والتَّمْثِيلِ عَمَّا سَمَّيْتُهُ حِينَذَاك تَسْمِيَةً نَفْسَانِيَّةً بـ«الحَمَاسِ فوقَ-الثوريِّ» Hyper-Revolutionary Fervour، قلتُ إنَّهُ لَمِنَ الخَطَأِ الفادِحِ بالفِعْلِ أنْ يلجأَ جِنْسُ «التَّحْلِيلِ السِّيَاسِيِّ»، أيًّا كانَ، مُحَفَّزًا بِزَخْمِ هذا «الحَمَاسِ فوقَ-الثوريِّ» أيَّمَا تحفيزٍ إلى استعمالِ فَيْضٍ (أو حتَّى فُيُوضٍ) منْ بلاغيَّاتِ ذلك اللِّسَانِ التَّخْيِيريِّ، ومَا تَنْطَوِي عليهِ هذهِ البلاغيَّاتُ بدورِهَا منْ دلالاتٍ تمييزيةٍ، أوْ منْ دلالاتٍ تفضيليَّةٍ – لا بَلْ جِدِّ تفضيليَّةٍ، في مَعْرِضِ «التَّحْلِيلِ» مَاسًّا مِسَاسَ التَّحْلِيلِ الجَادِّ بـ«إنجازاتِ» ثورةٍ شعبيةٍ عربيةٍ دُونَ سِوَاهَا (كالشقيقةِ السُّودَانيَّةِ، مثلاً)، ودُونَمَا الأخْذِ بعَيْنِ الاعتبارِ بَتَّةً مَا يُنَاظِرُ هذهِ الـ«إنجازاتِ»، في الأصْلِ، منْ أسَاسٍ مَادِّيٍّ (تاريخيٍّ) وَ/أوْ لامَادِّيٍّ (لاتاريخيٍّ) تأسَّسَتْ عليهِ بنحوٍ أوْ بآخَرَ أيَّةُ ثورةٍ شعبيةٍ عربيةٍ أُخرى، سَوَاءً كانتْ هذهِ الثورةُ قدْ وَاكَبَتْهَا في الهَيَجَانِ والغَلَيَانِ (كالشقيقةِ الجزائريَّةِ، بسَيْرِهَا) أمْ كانتْ قدْ سَبَقَتْهَا بمرحلةٍ أوْ أكثرَ في الزَّمَانِ والمَكَانِ (كالشقيقةِ السُّوريَّةِ، وغَيْرِهَا)، كما رأيتُما في مَظِنَّتِهِ إذْ ذاكَ – نَاهِيكُمَا، بالطَّبْعِ، عنْ أنَّ هذا الخَطَأَ المُتَكَلَّمَ عنهُ منْ هكذا خُصُوصٍ إنَّمَا يزدادُ فَدَاحَةً أكثرَ فأكثرَ حينمَا يَصْدُرُ هكذا «تحليلٌ سياسيٌّ» اِنتقائيٌّ اِصطفائيٌّ (حَائِدٌ) عنْ مَصْدَرٍ مَرْبُوصٍ عَلى «اليسارِ العربيِّ» الماركسيِّ أوِ اللاماركسيِّ أوْ حتَّى الـ«مَا بَيْنَ بَيْنَ». ومعَ ذلك، وعلاوةً عَلى مَا أشرتُ إليهِ منْ تمثيلٍ مَلْمُوسٍ ومَحْسُوسٍ يُبَيِّنُ قُدَّامَ كِلْتَا العَيْنَيْنِ البَصَرِيَّةِ والعَقْلِيَّةِ مَا يكْفِي منْ بلاغيَّاتِ اللِّسَانِ التَّخْيِيريِّ التي تَنْجُمُ عن ذلك الحَمَاسِ فوقَ-الثوريِّ عَلى كِلا المُسْتَوَيَيْنِ الجَمْعِيِّ والفَرْدِيِّ، لَمْ نَزَلْ نَرَى مِنْ بينِ أولئك المُحَلِّلِينَ السياسيِّينَ والكَتَبَةِ الصِّحَافِيِّينَ رَأْيًا ورُؤْيَةً بهٰتَيْنِ العَيْنَيْنِ البَصَرِيَّةِ والعَقْلِيَّةِ ذَاتَيْهِمَا، لَمْ نَزَلْ نَرَى مِنْ بينِهِمْ مَنْ يتحدَّثُونَ جَادِّينَ عنْ «أسْرَارِ التَّفَوُّقِ والتَّمَيُّزِ» في المشهدِ الثوريِّ الشَّعْبِيِّ السُّودَانيِّ، أو حتَّى عنْ «أسْبَابِ الإخْفَاقِ والإحْبَاطِ» في سَائِرِ مَا خَلاهُ منْ مشاهِدَ ثوريَّةٍ عربيَّةٍ قدْ تأجَّجتْ منْ قبلُ في المقابلِ، يتحدَّثُونَ جَادِّينَ بذاتِ الزَّخْمِ الرِّوَائِيِّ، أو «الشِّعْرِيِّ»، الدِّعَائيِّ والدِّعَاوِيِّ الذي تختصُّ بهِ وسَائلُ الإعلامِ الغَنِيَّةُ عن التعريفِ في الشَّرْقِ قبلَ الغَرْبِ – منْ حيثُ قُدْرَتُهَا الوَلائِيَّةُ كُلاًّ عَلى الإشْهَارِ، إشْهَارِ فَرْدٍ أو جَمَاعَةٍ في حِينٍ، ومنْ حيثُ قُدْرَتُهَا العَدَائِيَّةُ كُلاًّ كذاك عَلى الإغْمَارِ، إغْمَارِ هذا الفردِ أو هذهِ الجَمَاعَةِ، أو حتَّى عَلى الإفْنَاءِ، إفْنَاءِ كُلٍّ مِنْهُمَا إفْنَاءً كُلِّيًّا، في حِينٍ آخَرَ. فإذا كانتِ الحُجَّةُ المُثْلَى عندَ هؤلاءِ المتحدِّثِينَ الجَادِّينَ، في أغلبِ الظَّنِّ تارةً، أنَّ الحَرَاكَ الشَّعْبِيَّ السِّلْمِيَّ في السُّودانِ يمتازُ امتيازًا بوُجُودِ قيادةٍ ثوريَّةٍ تَنْظِيمِيَّةٍ يقودُهَا قادةُ ذلك الائتلافِ المدنيِّ المُسَمَّى بـ«قوى (إعلان) الحرية والتغيير»، مدعومينَ تحتَ لوائِهِمْ، إنِ اقتضى الحَالُ (التَّنْظِيمِيُّ)، منْ لَدُنْ قادَاتِ تَحَالُفَاتٍ مدنيَّةٍ أُخرى، كذلك التَّحَالُفِ المدنيِّ المَدْعُوِّ بـ«تجمُّع المِهَنِيِّينَ السُّودانِيِّينَ» أو غيرِهِ، فإنَّ قرارَ مَا يَحْدُثُ الآنَ منْ عِصْيَانٍ مدنيٍّ على نطاقٍ واسعٍ يكادُ أنْ يكونَ شاملاً في طُولِ البلادِ وعَرْضِهَا إنَّمَا هو، أوَّلاً وآخِرًا، قرارٌ مُتَّخَذٌ منْ طَرَفِ الشعبِ السُّودانيِّ الصَّعْتَرِيِّ الخِنْذِيذِ بوَعْيٍ جَمْعيٍّ بوُجُودِهِ السَّليبِ، سَواءً تمسَّكَ بهذا القرارِ لأجَلٍ مُسَمًّى (أو حتَّى بأيِّمَا قرارٍ سِوَاهُ، لذاتِ الأجَلِ المُسمَّى) قادةُ هذا الائتلافِ المدنيِّ أو أيٌّ منْ قادَاتِ تلك التَّحَالُفَاتِ المدنيَّةِ أمْ لمْ يتمسَّكُوا بِهِ لأيِّمَا أجَلٍ مُسَمًّى آخَرَ بَتَّةً، وسَواءً كانَ القادةُ المَعْنِيُّونَ أو أيٌّ من القادَاتِ المَعْنِيِّينَ مجتمعينَ عَلى التفاوضِ (الجَادِّ والحَادِّ) منْ أمَامِ قادةِ «المجلسِ العسكريِّ الانتقاليِّ» أمْ كانوا حتَّى متفرِّقينَ فيما بَيْنَهُمْ، وقدْ كانوا كذلك، في واقعِ الأمرِ. ذلك لأنَّ جَذْوَةَ، أو جِذَاءَ، العِصْيَانِ المدنيِّ المُتَكَلَّمِ عنهُ، هَا هُنَا، كانتْ تشتدُّ اتِّقَادًا وتوهُّجًا في ألْبَابِ السُّودانِيَّاتِ والسُّودانِيِّينَ، ومَا زَالتْ تشتدُّ في قلوبِهِنَّ وفي قلوبِهِمْ، حتَّى قبلَ أنْ لجأتْ في مطلعِ هذا الشهرِ عناصرُ لاإنْسِيَّةٌ مَا دُونَ-بَهيمِيَّةٌ منْ «قواتِ الدعمِ السريعِ» (أو منْ «ميليشياتِ الجَنْجَويدِ» الشَّبِيهَةِ بـ«الشَّبِّيحَةِ»، سَابقًا)، بإيعازٍ مَرْئِيٍّ منْ فَلِّ الطُّغَاةِ الفُسَلاءِ طُغَاةِ الثوَرَانِ المُضَادِّ من المملكاتِ والإماراتِ (بما فيها مصرُ، والحَبْلُ البحرينِيُّ والعثمَانيُّ عَلى الجَرَّارِ)، وبإشرافٍ لامَرْئِيٍّ كذاك منْ أسيادِ هؤلاءِ الطُّغَاةِ الفُسَلاءِ الفِسَالِ منْ ذاك الغربِ الإمبرياليِّ الرُّوسِيِّ والأمريكيِّ والفرنسيِّ والإنكليزيِّ الأشَدِّ فُسُولَةً والأشَدِّ فَسَالَةً (بما فيهِ إسرائيلُ، والحَبْلُ الصِّينِيُّ والإيرانيُّ عَلى الجَرَّارِ، كذلك)، حتى قبلَ أنْ لجأتْ عناصرُ لاإنْسِيَّةٌ مَا دُونَ-بَهيمِيَّةٌ كهذهِ إلى ارتكابِ تلك الجَرَائِرِ النَّكْرَاءِ والمَجَازِرِ الشَّنْعَاءِ بحَقِّ مَنْ كانوا يعْتَصِمُونَ، ومَنْ كُنَّ يعْتَصِمْنَ، اعْتِصَامًا سِلْمِيًّا في الخَارجِ من مَقَرِّ الدِّفَاعِ بالذاتِ، مِمَّا أسْفَرَ عنْ عَشَراتٍ من القَتْلى قابلةٍ للزِّيَادَةِ حَتْمًا وعنْ مِئَاتٍ من الجَرْحَى كذاك قابلةٍ للنُّقْصَانِ لكيمَا تزدادَ العَشَرَاتُ الأولى أكثرَ فأكثرَ – وهذهِ الجَرَائِرُ النَّكْرَاءُ والمَجَازِرُ الشَّنْعَاءُ بغَايَاتِها الجَلِيَّةِ في فَضِّ الاِعتصَامِ السِّلْمِيِّ ذاك باستخدامِ قوَّةِ الحَديدِ والنارِ، في حَدِّ ذاتِهَا وذَوَاتِهَا، ليسَ لهَا إلاَّ أنْ تُذَكِّرَ تذكيرًا بَدْئِيًّا دُونَ لَبْسٍ ودُونَ التِبَاسٍ بنظيراتِهَا الدَّمَوِيَّاتِ أيَّامَ ميدانِ اللؤلؤةِ في البحرين في أوَائِلِ شهرِ آذارَ عامَ 2011 (وبارْتِكَابِهَا بالعَمْدِ، فضلاً عنهُ، عَلى أيدي عناصرَ لاإنْسِيَّةٍ مَا دُونَ-بَهيمِيَّةٍ نظيرةٍ منْ أرْجَاسِ السُّعوديِّينَ والنَّهْيَانِيِّينَ)، منْ جهةٍ أولى، وأنْ تُذَكِّرَ تذكيرًا بَدْئِيًّا أيضًا بمثيلاتِهَا الأكثرِ دَمَويَّةً أيَّامَ ساحةِ رابعةَ العدويةِ في مصرَ في أوَاسِطِ شهرِ تمُّوزَ عامَ 2013 (وباقْتِرَافِهَا بالقَصْدِ، عِلاوَةً عليهِ، على أيدي عناصرَ لاإنْسِيَّةٍ مَا دُونَ-بَهيمِيَّةٍ مثيلةٍ من أنْجَاسِ السِّيسِيِّينَ)، من جهةٍ أخرى.

وإذا كانتِ الحُجَّةُ المُثْلَى عندَ أولئك المتحدِّثِينَ الجَادِّينَ كذاك، في أغلبِ الظَّنِّ طَوْرًا، أنَّ الحَرَاكَ الشَّعْبِيَّ السِّلْمِيَّ في السُّودانِ ينفردُ انفرادًا بحُضُورِ دَوْرٍ طليعيٍّ ملحوظٍ تلعبُهُ قيادةُ، أو قياداتُ، ذلك الحزبِ السِّيَاسِيِّ اليَسَارِيِّ (الفِعْلِيِّ) المَوْسُومِ منذُ نشأتِهِ عامَ 1946 بـ«الحزبِ الشيوعيِّ السُّودانيِّ»، عَلى اعتبارِهِ إذْ ذاكَ بمَعِيَّةِ «الحزبِ الشيوعيِّ العراقيِّ» حتَّى ذلك العامِ المشؤومِ، عامِ الانْحِسَارِ الأيديولوجيِّ المَزْؤُومِ، عامَ 1971، عَلى اعتبارِهِ إذْ ذاكَ أكبرَ حزبٍ ماركسيٍّ في العَالَمِ العربيِّ بأسْرِهِ – رَغْمَ كافَّةِ المَحْدُودِيَّاتِ المَادِّيَّةِ والمَعْنَوِيَّةِ لَدَى نُشُوءِ «طبقةٍ عاملةٍ» سُودانيَّةٍ كانتْ قدِ اقترنتْ بِهذا الحزبِ الماركسيِّ في أعقابِ تَمَرْكُزِ الاستعمارِ الإنكليزيِّ واتِّكَائِهِ بالبَسَاطِيرِ على الرِّقَابِ منْ أنْذالِ الجيشِ المصريِّ بالذاتِ، فإنَّ ذلك الاِنقلابَ المدرُوسَ الشَّهِيرَ الذي قامَ بِهِ (في ذلك العامِ) بعضٌ من الأعضاءِ القادةِ والأعضاءِ غَيْرِ القادةِ منْ تلك القيادةِ، أو منْ تلك القياداتِ، عَلى العسكريِّ «اليَسَارِيِّ» اللاماركسيِّ جعفر النميري بعدَ استعانتِهِمْ بعسكريَّتِهِ «المَتِينَةِ»، حَسْبَ ظَنِّهِمْ إبَّانَئِذٍ (وهو، عَلى فكرةٍ، اِنقلابٌ مدرُوسٌ لمْ يتكلَّلْ بأكاليلِ النَّجَاحِ خَلا أيَّامٍ معدُوداتٍ (ثلاثةٍ أوْ يزيدُ) قبلَ قيامِ هذا العسكريِّ «اليَسَارِيِّ» اللاماركسيِّ، منْ طَرَفِهِ هو الآخَرُ، بانقلابِهِ المدرُوسِ «المُضَادِّ» الأكثرِ شُهْرَةً)، فإنَّهُ لا يختلفُ منْ حيثُ المبدأُ، ولا حتَّى منْ حيثُ المَنْهَى، عن أيٍّ منْ تلك الانقلابَاتِ السِّيَاسِيَّةِ، أو منْ حتَّى تلك الانقلابَاتِ العسكريَّةِ، التي قِيمَ بِهَا في أجْزَاءٍ مُتَفَرِّقَةٍ ومُخْتَلِفَةٍ منْ هذا العَالَمِ العربيِّ الحَزِينِ منذُ ذلك الحينِ: فَثَمَّةَ فارقٌ جَوْهَرِيٌّ جِدُّ كبيرٍ، والحَالُ هذهِ، بينَ عَيْنِ «الثورةِ السِّيَاسِيَّةِ»، دَعْكُمَا منْ ذِكْرِ «الثورةِ العسكريَّةِ» إنْ جَازَ استعمَالُ المُفْرَدَةِ الأولى في هذهِ القرينةِ، وبينَ عَيْنِ «الثورةِ الاِجْتمَاعِيَّةِ» التي نحنُ بصَدَدِ الكلامِ المُحَاوَلِ عَنْهَا الآنَ، في هذا المشهدِ الثوريِّ الشَّعْبِيِّ السُّودَانيِّ بالذاتِ، ذلك الفارقِ الجَوْهَرِيِّ الذي يتبدَّى لِنَاظِرِ البَدَاهةِ حَسْبَمَا كانَ يُسْتَنْبَطُ استنباطًا منْ خلالِ مبادئِ التنظيرِ الماركسيِّ عَيْنِهِ، وحَسْبَمَا كانَ يُسْتَقْرَأُ استقراءً كذاك منْ جَرَّاءِ مَنَاهِي التنظيرِ التروتسكِيِّ عَيْنِ عَيْنِهِ. ولٰكِنْ، ولٰكِنْ، وبالرَّغْمِ منْ كلِّ مَا بَانَ، هُنَا وهُنَاكَ، منْ إرْهَاصَاتِ المُتَوَارَثِ مِنْ ذلك العامِ المشؤومِ، عامِ الانْحِسَارِ الأيديولوجيِّ المَزْؤُومِ، وعلى الرَّغمِ منْ كلِّ تلك الأحَابيلِ والأبَاطيلِ التي باتَ عناصِرُ قادةٌ أو حتَّى غيرُ قادةٍ من «المجلسِ العسكريِّ الانتقاليِّ» (أوْ، وِفَاقًا لتَسْمِيَتِهِ بالعُرْفِ والاصْطِلاحِ المُعَارِضَيْنِ، بـ«المجلسِ العسكريِّ الانقلابيِّ»)، بَاتُوا ومَا بَرِحُوا، يَخْتَلِقُونَها اخْتِلاقَ أسْلافِهِمْ من الطُّغَاةِ العُتَاةِ المُصْطَنَعِينَ الذينَ «سَادُوا» وَ/أوْ بَادُوا، ويَجْتَرِحُونَهَا منْ ثَمَّ اجْتِرَاحَ مُعاصِرِيهِمْ منهُمْ، منْ أجْلِ إخْمَادِ لَهَبَانِ هذا الثَّوَرَانِ الشَّعْبِيِّ ومنْ أجْلِ القَضَاءِ عَليهِ كُلاًّ وكُلِّيَّةً بأسْرَعِ مَا يُمْكُنُ لّهُمْ زَمَانًا (وبالإيعازِ «المَحَلِّيِّ» المَرْئِيِّ وبالإشرافِ الدُّوَلِيِّ اللامَرْئِيِّ، كمَا أُشِيرَ إليهِمَا قبلَ قليلٍ)، إلاَّ أنَّهُ لا بُدَّ من القَوْلِ بالإشَادَةِ والاسْتِحْسَانِ، دُونَمَا الإغْرَاقِ في أيٍّ منهُمَا، ودُونَمَا الوُقُوعِ بالتَّالي في شَرَكِ «الحَمَاسِ فوقَ-الثوريِّ» المُتَحَدَّثِ عنهُ، هَا هُنَا، فيمَا لهُ مِسَاسٌ بالدَّوْرِ الذي كانَ، ولَمْ يَزَلْ، يقومُ بِهِ أعضاءٌ قياديُّونَ، أو غيرُ قياديِّينَ، من «الحزبِ الشيوعيِّ السُّودانيِّ» بالذاتِ في سَيْرُورَةِ الحَرَاكِ الشَّعْبِيِّ السِّلْمِيِّ في البلادِ، وفي اسْتِمْرَارِيَّةِ هذا الحَرَاكِ عَلى أكثرَ منْ صَعِيدٍ، ذلك الدَّوْرِ اللَّافتِ للانتبَاهِ الذي يَكادُ أنْ يتفرَّدَ بِهِ هكذا حزبٌ يَسَارِيٌّ ماركسيٌّ منْ بينِ كافَّةِ الأحزابِ اليَسَارِيَّةِ الماركسيَّةِ في العَالَمِ العربيِّ كافَّتِهَا، والذي يكادُ أنْ يَتَرَجَّحَ بالكِفَافِ تَرَجُّحًا حتَّى عَلى النَّظِيرِ اليَسَارِيِّ الماركسيِّ في تونسَ المَعْرُوفِ بـ«الاتحادِ العامِّ التونسيِّ للشغلِ»، -union- Générale Tunisienne du Travail (UGTT)، والضَّامِّ كذاك بمعيَّةِ النَّظِيرِ اليَسَارِيِّ الماركسيِّ الآخَرِ المَدْعُوِّ بـ«حزب العُمَّالِ (الشيوعيِّ التونسيِّ)» وُجُودًا طُلاَّبِيًّا من الأهميَّةِ بمكَانٍ منْ صُلْبِ الاتحادِ المَعْنيِّ بـ«الاتحادِ العامِّ لطلبةِ تونسَ»، في حَدِّ ذاتِهِ. وبالأخْذِ بِلُبِّ الحُسْبَانِ هكذا دَوْرًا لافتًا للانتبَاهِ لهكذا حزبٍ يَسَارِيٍّ ماركسيٍّ منْ كلِّ جَانبٍ مُمْكِنٍ، وبالأخْذِ بِعَيْنِ الاِعْتِبَارِ، إضافةً إليهِ، مَا قدْ ترتَّبَ عَلى تلك الجَرَائِرِ النَّكْرَاءِ والمَجَازِرِ الشَّنْعَاءِ التي ارتكبتهَا المؤسَّسةُ العسكريَّةُ السُّودانيَّةُ (بالإيعازِ «المَحَلِّيِّ» المَرْئِيِّ وبالإشرافِ الدُّوَلِيِّ اللامَرْئِيِّ ذاتَيْهِمَا)، وبغَايَاتِها الجَلِيَّةِ قبلَ كلِّ شيءٍ في فَضِّ الحَرَاكِ الشَّعْبِيِّ السِّلْمِيِّ في غِرَارِهِ الاِعتصَامِيِّ ذاك باستخدامِ قوَّةِ الحَديدِ والنارِ، صَارَ واضِحًا للعِيَانِ أكثرَ منْ أيِّ وَقْتٍ مَضَى أنَّ كلَّ الأحزابِ اليَسَارِيَّةِ الماركسيَّةِ واللاماركسيَّةِ والـ«مَا بَيْنَ بَيْنَ»، وعَلى الأخصِّ تلك الأحزابَ التي كانتْ، ومَا فَتِئَتْ، تبتغي برغبتِهَا المَاسَّةِ ابتغاءً نوعَيِ التباحُثِ والتفاوُضِ الجَادَّيْنِ بُغْيَةَ التَّوَصُّلِ إلى أنواعِ التَّسْوِيَاتِ مَعَ هذهِ المؤسَّسةِ العسكريَّةِ عَيْنِهَا، إنَّمَا هي الآنَ في موقفٍ قراريٍّ ليسَ لَهَا فيهِ سِوَى أنْ تَنْخَرِطَ بالحَشْدِ انخراطًا في حُشُودِ المُعْتَصِمَاتِ السُّودانيَّاتِ والمُعْتَصِمِينَ السُّودانيِّينَ طُرًّا، وليسَ لَهَا فيهِ كذاك، في آخِرِ المَطافِ، سِوَى أنْ تَتَمَاهَى، عنْ سَبِيلِ «المَنَابِ الإنسَانيِّ الفَرْدِيِّ» الكَنِينِ في سَرِيرَةِ كُلٍّ منْ أعضائِهَا، تَتَمَاهَى بمَا سُمِّيَ في موضعٍ آخَرَ بـ«المَنَابِ الإنسَانيِّ الجَمْعِيِّ» Collective Human Agency، وخُصُوصًا حينمَا يكونُ هذا المَنَابُ مُدَجَّجًا بقُوَّةِ الإرادَةِ الإنسَانيَّةِ الجَامِعَةِ – وللتذكيرِ، هَا هُنا، بمَا قِيلَ وَقْتَئِذٍ في هذا الصَّدَدِ: حتىَّ أفراخُ الطَّيرِ تستطيعُ أنْ تُحَلِّقَ في السَّمَاءِ أعْلى مِمَّا تستطيعُ (أنْ «تُحَلِّقَ» عَلى الأرضِ، ولا رَيْبَ) بقُوَّةِ الإرادَةِ في حَدِّ ذاتِهَا، لا بقُوَّةِ الجَنَاحَيْنِ، كَمَا كَانَ الحُكَمَاءُ القُدَامَى يقولونَ وقدْ كانوا عَلى يَقِينٍ مُطْلَقٍ منْ هذا القَوْلِ، وأوَّلُهُمْ كُونْفُوشْيُوسْ.

غَيْرَ أنَّ الفارقَ «الموضُوعيَّ» الوحيدَ الذي يَبْدُو أنَّهُ قدْ غَابَ غِيَابًا كُلِّيًّا عنْ أذْهَانِ الكثيرِ من المُحَلِّلِينَ السِّيَاسِيِّينَ والكَتَبَةِ الصِّحَافِيِّينَ (بمنْ فيهِمْ كذاك أولئك «الماركسيُّونَ» المَعْنِيُّونَ، عَلى الأقلِّ حتَّى لحظةِ نَقْرِ مِفْتاحِ هذهِ «النُّونِ» الأخيرةِ)، إنَّمَا يَتَكَمَّنُ في الفارقِ الجَوْهَرِيِّ بينَ التَّسْيِيبِ «النَّاسِخِ» للسِّلاحِ الآلِيِّ والعَتَادِيِّ وبينَ التَّسْيِيبِ «المَنْسُوخِ» للإسْلامِ المَالِيِّ والجِهَادِيِّ. إنَّ غَبَاءَ الطَّاغِيَتَيْنِ العسكريَّيْنِ المُصْطَنَعَيْنَ المَعْنِيَّيْنِ في زَمَنٍ مِثْلَ هذا الزَّمَانِ، عبد الفتاحِ البرهانِ وسَاعِدهِ اليَمِينِيِّ محمد الـ«حمدانِ» الـ«دقليِّ» ذي اللقبِ العَامِّيِّ الغَنِيِّ عنِ الذِّكْرِ «حميدتي» (أيْ دَاجِرِ أرْدَأِ التُّمُورِ وتاجِرِ البُعْرَانِ المَأْجُورِ، تحديدًا)، إنَّهُ لَغَبَاءٌ لا يَطْفِرُ هكذا، دُونَمَا سَابِقِ إيمَاءَةٍ، طَفْرًا فُجَائِيًّا، أو بالحَرِيِّ «طُفْرَانًا اِفْتِجَائِيًّا» Abrupt Mutation، عنْ ذلك الغَبَاءِ القَهْرِيِّ التَّكْرَارِيِّ الذي يتحلَّى بِهِ الآخَرُونَ من الطُّغَاةِ العُتَاةِ المُصْطَنَعِينَ، بُغَاةِ التَّهَدُّمِ لا التَّقَدُّمِ، حتَّى يَلْجَآ طَافِرَيْنِ إلى تلك الأحَابيلِ والأبَاطِيلِ الدَّنِيَّةِ والدَّنِيئَةِ كَيْمَا يُوقِعَا إيقاعًا مُتَعَمَّدًا أشتاتَ الأُبَاةِ العُصَاةِ المَدَنِيِّينَ في شَرَكِ الاجترارِ إلى أوْكارِ العِصْيَانِ المُسَلَّحِ، في المُقَابِلِ: فالتَّسْيِيبُ «النَّاسِخُ» للسِّلاحِ الآلِيِّ والعَتَادِيِّ في البُيُوتِ والمَيَادِينِ، كَمَا يكونُ المَآلُ هذا اليومَ في المَشْهَدِ الثوريِّ الشَّعْبِيِّ السُّودانِيِّ، شَيْءٌ، والتَّسْيِيبُ «المَنْسُوخُ» للإسْلامِ المَالِيِّ والجِهَادِيِّ من السُّجُونِ والزَّنَازِينِ، كَمَا كانَ الآلُ بالأمسِ في المَشْهَدِ الثوريِّ الشَّعْبِيِّ السُّورِيِّ، شَيْءٌ آخَرُ!

(12)

قبلَ كُلِّ شَيءٍ، أيَّتُهَا القارئةُ الحَصِيفَةُ وأيُّهَا القارئُ الحَصِيفُ، لا بُدَّ لِي منْ أنْ أسْتَهِلَّ فَحْوَاءَ هذا القسمِ الثَّانِيَ عَشَرَ والأخيرِ (وليسَ الآخِرَ، بَتًّا وحَتْمًا مُتَحَتِّمًا) منْ هذا المقالِ، لا بُدَّ أنْ أسْتَهِلَّهُ بالتعبيرِ منْ أعْمَاقِ القَلْبِ عن مَدَى الشُّكْرِ والشُّكْرَانِ والتقديرِ لِكُلٍّ من الأخَوَاتِ الحَبِيبَاتِ المَعْنِيَّاتِ والإخْوةِ الأحِبَّاءِ المَعْنِيِّينَ، وقدْ سَاهَمْنَ وقدْ سَاهَمُوا أيَّمَا مُسَاهَمَةٍ بالعَزْمِ والحَزْمِ، ودُونَمَا تَوَانٍ أوْ تَهَاوُنٍ، بِكَمٍّ لافِتٍ من التعليقِ والتعقيبِ والتقريرِ والتنقيبِ والتذكيرِ والتصويبِ، وغَيْرِهِ وغَيْرِهِ، كَمٍّ لافِتٍ للعِيَانِ ليسَ لَهُ إلاَّ عَيْنُ الإثْرَاءِ في مَادَّةِ الفَحْوَاءِ كَيْفًا وكَيْفِيَّةً إثْرَاءً مباشرًا أوْ لامباشرًا، بالرَّغْمِ منْ أنَّهَا مَادَّةٌ لَمْ تُكْتَبْ، كَمَا تَرَيَانِ، هكذا كَمَا يُمْلِيهِ تَقْلِيدُ الكِتَابَةِ السَّائِدُ إمْلاءً بحُدُودِ، أوْ حتَّى بقُيُودِ، كُلٍّ من الشَّكْلِ المَنْضُودِ والمَتْنِ المَعْضُودِ عَلى ذلك النَّحْوِ «الرَّسْمِيِّ» والسَّطْحِيِّ السَّمِيِّ والسُّمِّيِّ الذي تَنْحُوهُ عَنْوَةً، منْ دَاخِلٍ جَلِيٍّ أو منْ خَارِجٍ خَفيٍّ، جُلُّ الصَّحَائفِ والمَجَلاتِ والدَّوْرِيَّاتِ والدُّورِ العربيَّةِ (الخَاصَّةِ والعَامَّةِ مِنْهَا، عَلى حَدٍّ سَوَاءٍ)، إنْ لَمْ نَقُلْ كُلَّهَا مُجْتَمِعَةً ودُونَ سِوَاهَا كذلك دُونَمَا الاِسْتِثْنَاءِ، تَنْحُوهُ عَنْوَةً نَامُوسًا «مُقَدَّسًا ومُكَلَّلاً» للعَديدِ من الكُسَّابِ «مُنَزَّلاً» من السَّمَاءِ، وفَانُوسًا «مُهَجًّسًا ومُدَلَّلاً» للعَبِيدِ من الكُتَّابِ «مُحَلَّلاً» لِلإمَاءِ، في آلِيَّاتِ أوْ إوَالِيَّاتِ النَّشْرِ العربيِّ بالذاتِ – ومَا أدْرَاكُمَا، مَا أدْرَاكُمَا، مَا آلِيَّاتُ أوْ إوَالِيَّاتُ النَّشْرِ العربيِّ بالذاتِ، مَا أدْرَاكُمَا في هذهِ الدُّنْيَا قبلَ أنْ يَسْتَبِيئَهَا اسْتِبَاءَةً عِزْرَائِيلُ المَمَاتِ؟

كَما قلتُ في القسمِ الآنِفِ منْ هذا المقالِ (أيْ في القسمِ الحَادِيَ عَشَرَ منهُ بالذاتِ)، وخاصَّةً في مَعْرِضِ الكَلامِ عن ارتكابِ الخَطَأِ الفَادِحِ نَوْعًا جَرَّاءَ إجْرَاءِ ذلك «التَّحليلِ السِّياسيِّ» الاِنتقائيِء والاِصطفائيِّ مُنَمَّقًا بفَيْضٍ، أوْ بفُيُوَضٍ، منْ بلاغيَّاتِ اللِّسَانِ التَّخْيِيريِّ التي تَنْجُمُ عنْ ذلك الحَمَاسِ المُفْتَعَلِ بالزَّيْفِ والإيهَامِ (أيِ الحَمَاسِ فوقَ-الثوريِّ Hyper-Revolutionary Fervour) عَلى كُلٍّ من المُسْتَوَيَيْنِ الجَمْعِيِّ والفَرْدِيِّ، وفي مَعْرِضِ الكَلامِ كذاك حتَّى عن ازْدِيَادِ فَدَاحَةِ هذا الخَطَأِ النَّوْعِيِّ أكثرَ فأكثرَ حَائِدًا حينمَا يَصْدُرُ هكذا «تحليلٌ سياسيٌّ» عنْ مَصْدَرٍ مَرْبُوصٍ ومَحْسُوبٍ عَلى «اليسارِ العربيِّ» الماركسيِّ أوِ اللاماركسيِّ أوْ حتَّى الـ«مَا بَيْنَ بَيْنَ»، إنَّ مُجَرَّدَ التركيزِ وخَالِصَ التشديدِ المُتَعَمَّدَيْنِ عَلى «أسْرَارِ التَّفَوُّقِ والتَّمَيُّزِ» في المشهدِ الثوريِّ الشَّعْبِيِّ السُّودَانيِّ أوْ حتَّى عَلى «أسْبَابِ الإخْفَاقِ والإحْبَاطِ» في سَائِرِ مَا خَلاهُ منْ مشاهِدَ ثوريَّةٍ شَعْبِيَّةٍ عربيَّةٍ قدْ تأجَّجتْ منْ قبلُ في المُقَابِلِ، ليسَ لَهُمَا، والحَالُ، إلاَّ أنْ يدخُلا في إطاراتِ ذلك الزَّخْمِ الرِّوَائِيِّ، أو «الشِّعْرِيِّ»، الدِّعَائيِّ والدِّعَاوِيِّ الذي تختصُّ بهِ وسَائلُ الإعلامِ الغَنِيَّةُ عن التعريفِ في الشَّرْقِ حتَّى قبلَ الغَرْبِ – منْ حيثُ قُدْرَتُهَا الوَلائِيَّةُ كُلاًّ عَلى الإشْهَارِ، إشْهَارِ فَرْدٍ أوْ جَمَاعَةٍ في حِينٍ، ومنْ حيثُ قُدْرَتُهَا العَدَائِيَّةُ كُلاًّ كذاك عَلى الإغْمَارِ، إغْمَارِ هذا الفردِ أوْ هذهِ الجَمَاعَةِ، أوْ حتَّى عَلى الإفْنَاءِ، إفْنَاءِ كُلٍّ مِنْهُمَا إفْنَاءً كُلِّيًّا، في حِينٍ آخَرَ. فهَا هو، مثلاً لا حَصْرًا، مثالُ الباحثِ الجَامعيِّ (الماركسيِّ) جلبير الأشقر، في مقالِهِ المُطَرَّزِ في الخِتَامِ تطريزًا شِعْرِيًّا زَيَّادِيًّا «ارفعوا أيديكمْ عنْ شعبِنا في السُّودانِ!» (القدس العربي، 11 حزيران 2019)، هَا هو يناقضُ نفسَهُ بنفسِهِ حتَّى في سِيَاقِ الجُمْلَةِ ذاتِهَا، إنْ لَمْ نَقُلْ في سِيَاقِ الفِقْرَةِ أوْ حتَّى المَقَالَةِ كُلِّهَا، هُنا وهُناك منْ صَفَحَاتِ ذاك المِنْبَرِ المَعْنِيِّ أوْ حتَّى منْ صَفَحَاتِ هذا المِنْبَرِ بالذاتِ. فبعدَ تقريظٍ إغراقيٍّ لافتٍ كانَ قدْ أسْبَغَهُ أيَّمَا إسْبَاغٍ عَلى الدَّورِ التَّنْظِيمِيِّ والرَّأْيِيِّ الذي تقومُ بِهِ الآنَ «قيادةُ» ذلك الائتلافِ المورفولويِّ المُسَمَّى بـ«قوى (إعلانِ) الحريةِ والتغييرِ»، بوَصْفِهَا منْ حيثُ التنظيمُ السِّياسِيُّ والرَّأْيُ البرنامجيُّ الجَلِيُّ، قيادةً «أثبتت أنَّها حقًّا متفوِّقةٌ عَلى كافَّةِ القياداتِ التي عرفتها السَّيْرُورَةُ الثوريَّةُ الإقليميَّةُ حتَّى يومِنَا [هذا]»، نَرَاهُ يُعْلِنُ إعْلانَ المُشَارِكِ الفِعْلِيِّ في حُشُودِ الحَرَاكِ الشَّعْبِيِّ السُّودَانِيِّ بالعَيْنِ عنْ كَثَبٍ أنَّ هذهِ القيادةَ ذاتَهَا قدْ «تمكَّنتْ، في وجهِ الأسلحةِ الناريَّةِ التي استخدمتْهَا قواتُ القمعِ في ارتكابِهَا مجزرةَ فضِّ الاعتصامِ السِّلْمِيِّ، تمكَّنتْ منْ أنْ تُشْهِرَ سِلاحَ الإضرابِ العامِّ والعصيانِ المدنيِّ [الأعَمِّ]». تُرَى كيفَ يتراءَى للنَّاظِرِ أنَّ قيادةً ثوريَّةً منْ هكذا نوعٍ (ولا رَيْبَ، لا رَيْبَ، في كُلِّ خُطْوَةٍ إيجَابيَّةٍ كانتْ، ومَا زالتْ، تخطُوهَا في مَسَارِ هذا الحَرَاكِ الشَّعْبِيِّ، كَمَا سُوجِلَ وكَمَا شُدِّدَ عَلَيْهِ أكثرَ منْ مرَّةٍ قبلاً، حتَّى لا يُسَاءَ الظَّنُّ، هَا هُنَا)، تُرَى كيفَ يتراءَى لهذا النًّاظِرِ أنَّهَا تولَّتْ إشهارَ هذا السِّلاحِ، أعْنِي «سلاحَ الإضرابِ العامِّ والعصيانِ المدنيِّ [الأعَمِّ]»، وقدْ تولَّتْ إشهَارَهُ بالفِعْلِ (أوْ، عَلى الأقلِّ بادئَ ذِي بَدْءٍ، بالقَولِ المُعَوَّلِ عَلَيْهِ بالتوثيقِ دُونَ الفِعْلِ ذاتِهِ) حُشُودُ الثائراتِ السُّودانيَّاتِ أنفسِهِنَّ والثائرينَ السُّودانيِّينَ أنفسِهِمْ طُرًّا، حتَّى قبلَ أنْ لجأتْ في مطلعِ هذا الشهرِ، شهرِ حزيرانَ، عَنَاصِرُ لاإنْسِيَّةٌ مَا دُونَ-بَهيمِيَّةٌ منْ «قواتِ الدعمِ السريعِ» (أو منْ «ميليشياتِ الجَنْجَويدِ» تلك الشَّبِيهَةِ بـ«الشَّبِّيحَةِ»، سَابقًا)، بالإيعازِ «العربيِّ» المَرْئِيِّ وبالإشرافِ الغربيِّ اللَّامَرْئِيِّ، مثلَمَا أُشِيرَ إليهِمَا في مَوْضِعٍ آخَرَ، حتَّى قبلَ أنْ لجأتْ عَنَاصِرُ لاإنْسِيَّةٌ مَا دُونَ-بَهيمِيَّةٌ كهذهِ إلى ارتكابِ تلك الجَرَائِرِ النَّكْرَاءِ والمَجَازِرِ الشَّنْعَاءِ بحَقِّ مَنْ كُنَّ يعْتَصِمْنَ، ومَنْ كانوا يعْتَصِمُونَ، اعْتِصَامًا سِلْمِيًّا في الخَارجِ منْ مَقَرِّ الدِّفَاعِ بالذاتِ، مِمَّا أسْفَرَ عنْ عَشَراتٍ من القَتْلى قابلةٍ للزِّيَادَةِ حَتْمًا وعنْ مِئَاتٍ من الجَرْحَى كذاك قابلةٍ للنُّقْصَانِ لكيمَا تزدادَ العَشَرَاتُ الأولى أكثرَ فأكثرَ (بِمَا فِيهَا حَالاتٌ مُوَثَّقةٌ من الإغْيَابِ والاغتصابِ القَسْرِيَّيْنِ، كذلك) – هذا عَدَا أنَّ هؤلاءِ الثائراتِ الصِّنْدِيدَاتِ لمْ يكنَّ راغباتٍ وأنَّ هؤلاءِ الثائرينَ الصَّنَاديدَ لمْ يكونوا راغبينَ، بَتَّةً، في إيقافِ ذينك «الإضرابِ العامِّ والعصيانِ المدنيِّ [الأعَمِّ]» حتَّى حينَمَا أعلنَ عنْ هذا الإيقافِ قادةٌ منْ «قوى (إعلانِ) الحريةِ والتغييرِ» بعدَ أيَّامٍ ثلاثةٍ، أوْ يزيدُ أوْ ينقصُ، مِمَّا حَدَا بِهِنَّ وبِهِمْ (أيْ بالثائراتِ وبالثائرينَ هؤلاءِ) كُلاًّ إلى الانجِرَارِ تلقائيًّا في التظاهُرِ النَّهَاريِّ وإلى حتَّى الاستمرَارِ تَشْيَائِيًّا في التظاهُرِ اللَّيْلِيِّ، عِلاوةً عَلَيْهِ، وعَلى الرَّغْمِ الرَّغِيمِ منْ لجُوءِ رَعَادِيدِ ذلك «المجلسِ العسكريِّ الانتقاليِّ»، أو «الانقلابيِّ» بالعُرْفِ المُعَارِضِ بالأصَحِّ، إلى قَطْعِ إرسَالاتِ الشَّبَكَةِ الدُّوَلِيَّةِ في طُولِ البلادِ وعَرْضِهَا بحُجَّةِ، لا بَلْ بأُحْبُولَةِ، أنَّهَا إرسَالاتٌ دِسَاسٌ تمثِّلُ «تهديدًا للأمنِ القوميِّ»، وأنَّهَا إرسَالاتٌ أدَسُّ تُسَهِّلُ «تبديدًا للصَّالِحِ الوطنيِّ»، كذلك. يَعْنِي ذلك عَنْيًا جَلِيًّا أنَّ دَافِعَ، أوْ دَوَافعَ، مَا أُشِيرَ إلَيْهِ أكثرَ منْ مَرَّةٍ كذاك قَبْلَئِذٍ بـ«المَنَابِ الإنسَانيِّ الجَمْعِيِّ» Collective Human Agency، وعَلى الأخَصِّ حينمَا يكونُ هذا المَنَابُ مُدَجَّجًا بقُوَّةِ الإرادَةِ الإنسَانيَّةِ الجَامِعَةِ، لا يأبَهُ، أوْ لا تأبَهُ، والحَالُ النفسيُّ-الاجتماعيُّ، بأيٍّ منْ تلك الإعلاناتِ «التَّرْشِيدِيَّةِ»، أوْ تلك الإشْعَارَاتِ «التَّوْجِيهِيَّةِ»، عنْ إيقافِ تأجُّجِ الثَّورانِ الشَّعْبِيِّ، مَهْمَا كانتْ أمثالُ هذهِ الإعلاناتِ وهذهِ الإشْعَارَاتِ بَادِرَةً منْ «قادةٍ» مدنيِّينَ نَاصِحِينَ ومَانِحِينَ، ولا يأبَهُ، أوْ لا تأبَهُ، فَضْلاً عنهُ، حتَّى بأيٍّ منْ تلك الفَرَمَانَاتِ «التَّهْدِيدِيَّةِ»، أوْ تلك القَرَارَاتِ «الوَعِيدِيَّةِ»، في قَطْعِ الإرسَالِ الإلكترونيِّ، مَهْمَا كانتْ أشكالُ هذهِ الفَرَمَانَاتِ وهذهِ القَرَارَاتِ صَادرةً عنْ «قادةٍ» عسكريِّينَ كَابِحِينَ وكَاسِحِينَ.

وللمشهدِ الثوريِّ الشَّعْبِيِّ الجَزَائِرِيِّ، مُتَجَلِّيًا، بدَوْرِهِ هو الآخَرُ، في كُلٍّ منْ تجلِّيَاتِ هذا «اللاأَبْهِ» وهذا «اللااِلْتِفَاتِ» وهذا «اللااِكْتِرَاثِ»، ومُتَبَدِّيًا منْ ثَمَّ في كلٍّ مِمَّا يُقَابِلُهَا، عَلى النَّقِيضِ، منْ تَبَدِّيَاتِ الأَبْهِ والاِلْتِفَاتِ والاِكْتِرَاثِ منْ أجلِ تأريثِ الجِذاءِ من الثَّوَرَانِ الشَّعْبِيِّ مُسْتَدَامًا (بأيٍّ منْ تفعيلاتِهِ السِّلْمِيَّةِ في التَّظاهُرِ أوْ الاِحتجَاجِ أوْ حتَّى مُجَرَّدِ الاِعتصَامِ – ولَمْ يَزَلْ يَجْتَرِحُ المُعْجِزاتِ في التَّخَلُّصِ منْ رُمُوزِ النِّظَامِ البيروقراطِيِّ العَسْكَرِيِّ القَمِيءِ وَاحِدًا تِلْوَ الآخَرِ)، ولهذا المشهدِ الثوريِّ الشَّعْبِيِّ أنْ يبرُزَ إلى حَيِّزِ الوُجُودِ مثالاً واقعيًّا مَحْسُوسًا بِجَانِحَيْهِ المُتَوَازِيَيْنِ والمُتَوَازِنَيْنِ كـ«كُلٍّ واحِدٍ مُتَوحِّدٍ» على كلٍّ منْ ذلك الانجِرَارِ التَّلْقَائِيِّ إلى تَحْشِيدِ الحَرَاكِ السِّلميِّ كَمًّا وكَيْفًا على مستوياتِ «العَامَّةِ» منْ جَمَاهِيرِ الشَّعْبِ الجَزَائِرِيِّ الفِرْنَاسيِّ بِجُلِّ أطْيَافِهَا الثَّرَّةِ مِمَّن ثَارتِ ومَا زَالتْ تَثُورُ، منْ ناحِيةٍ أولى، وذلك الاستمرَارِ التَّشْيَائِيِّ في مُضَاعَفَةِ هذا التَّحْشِيدِ بالكَمِّ والكَيْفِ كذاك، إضَافَةً إلى ذلك كُلِّهِ، على مستوى «الخَاصَّةِ» من جَمَاهِيرِ هذا الشَّعْبِ الفِرْنَاسيِّ الخِنْذِيذِ بكُلِّ طَيْفِهَا الثَّرِّ، عَلى الأثَرِّ، من الطالباتِ الثَّائِرَاتِ والطُلابِ الثَّائِرِينَ، من ناحِيةٍ ثانيةٍ. وهكذا، وقدْ قاربَ تَسْيَارُ هذا الحَرَاكِ السِّلميِّ منْ نِهايةِ أسْبُوعِهِ التاسِعَ عَشَرَ دُونَمَا حَدٍّ زَامِنٍ أوْ مُزَمِّنٍ، ودُونَمَا أيِّ شَيْءٍ يُذْكَرُ مِنْ قَبِيلِ وُجُودِ مَنْ «يَقُودُهُ» مِنْ قَادَةٍ مَعْنِيِّينَ مُعَيَّنِينَ، عَلى الأقَلِّ عَلى غِرَارِ أولئك القَادَةِ المَعْنِيِّينَ المُعَيَّنِينَ منْ «قوى (إعلانِ) الحريةِ والتغييرِ» في المشهدِ الثوريِّ الشَّعْبِيِّ السُّودَانِيِّ النَّظِيرِ – كمَا ذُكِرَ، فإنَّ مَا نَرَاهُ الآنَ رَأيَ العَيْنِ البَصَرِيَّةِ والعَيْنِ العَقْلِيَّةِ منْ هذا المشهدِ الثوريِّ الشَّعْبِيِّ الجَزَائِرِيِّ المُنَاظِرِ قدْ بَرْهَنَ، ولمْ يَفْتَأْ يُبَرْهِنُ، للعَالَمِ كٌلِّهِ تلك المَقُولَةَ الثَّوْرِيَّةَ التي قِيلتْ عَلى ألْسِنِةِ الكثيرِ من المُحَلِّلِينَ السِّيَاسِيِّينَ اليَسَارِيِّينَ (الماركسيِّينَ أوِ اللاماركسيِّينَ أوْ حتَّى «مَا بَيْنَ-البَيْنِيِّينَ») بأنَّ الثَّوَرَانَ الشَّعْبِيَّ، بأيٍّ منْ تفعيلاتِهِ السِّلْمِيَّةِ المُشَارِ إليهَا قَبْلَ قَلِيلٍ، إنَّمَا هو ثَوَرَانٌ «دَفْعِيٌّ عَفْوِيٌّ» Spontaneously Impulsive، بِطَبْعِهِ وتَطَبُّعِهِ، كَمَا يَسْتَعِيرُ هؤلاءِ المُحَلِّلُونَ السِّيَاسِيُّونَ في تَوْصِيفِهِم هذا منِ اصْطلاحَاتِ مَا يُسَمَّى بـ«عِلْمِ النَّفْسِ الحُشُودِيِّ (أوِ الجَمَاهِيريِّ)» Crowd Psychology، وقدْ كانَ من رُوَّادِهِ اللامِعِينَ الأوائلِ عَالِمُ النَّفْسِ الاجتمَاعِيُّ الفرنسيُّ شارل-ماري غوسْتاف لو بون (1841-1931). بصَرِيحِ الكلامِ، هَا هُنا، الثَّوَرَانُ الشَّعْبِيُّ ثَوَرَانٌ «دَفْعِيٌّ عَفْوِيٌّ»، بِطَبْعِهِ وتَطَبُّعِهِ، بمَعنَى أنَّهُ لا يَحْتَاجُ إلى بَوَادِرِ أيَّةِ إرْهَاصَةٍ «لادَفْعِيَّةٍ لاعَفْوِيَّةٍ» بَادِرَةٍ، عَلى العَكْسِ، بُدُورًا منْ أيَّةِ «قِيَادَةٍ تَنْظِيمِيَّةٍ» تُحَاوِلُ أنْ تَرْكَبَ أمْوَاجَ هذا الثَّوَرَانِ الشَّعْبِيِّ مَرْكبًا قِيَادِيًّا (ثوريًّا) تَنْظِيمِيًّا، فتسْعَى منْ ثَمَّ وَرَاءَ توجِيهِ دَفَّتَيْهِ إلى المَصِيرِ وبِالمَسَارِ اللذينِ تُريدُ منْهُمَا هكذا «قِيَادَةٌ تَنْظِيمِيَّةٌ»، لا إلى المَصِيرِ وبِالمَسَارِ اللذينِ تُريدُ منْهُمَا جَمَاهِيرُ الشَّعْبِ ذَاتُهَا وذَوَاتُهَا، مَهْمَا حَاوَلَتْ هكذا «قِيَادَةٌ تَنْظِيمِيَّةٌ» أنْ تَتَشَدَّقَ للآنَامِ برُمَّتِهَا، ومَهْمَا حَاوَلَتْ أنْ تَتَنَطَّعَ في تَشَدُّقِهَا هذا بأنَّهَا لا تَحْمِلُ بينَ طّيَّاتِ طَوَايَاهَا أيًّا منْ رَغَائبِ هذهِ الإرادةِ القِيَادِيَّةِ (الثوريَّةِ) التَّنْظِيمِيَّةِ. عَلى الخِلافِ المنطقيِّ منْ كُلِّ ذلك، فإنَّ المُحَلِّلَ السِّيَاسِيَّ اليَسَارِيَّ الماركسيَّ التَّقْلِيدِيَّ، أوِ «المُحَنَّطَ» بالذَّاتِ، مثلَمَا يَحْلُو للبَعْضِ منْ أمْثَالِهِ اسْتِحْضَارُ هكذا نَعْتٍ نَاجِمٍ عنْ مَنْطُوقِ مَا يُعْرَفُ بـ«النَّقْدٍ الذَاتِيٍّ» Autocriticism، إنْ كانَ يدَّعِيهِ بالفِعْلِ مَنْطُوقًا تَقَدُّمِيًّا بنَحْوٍ أوْ بآخَرَ، فإنَّ هذا المُحَلِّلَ السِّيَاسِيَّ ذَاتَهُ لَهُوَ الذي يُؤْمِنُ إيمَانًا رَاسِخًا رُسُوخًا إلى حَدِّ «التَّحَنُّطِ»، في حَدِّ ذَاتِهِ، بضَرُورَةِ الحُضُورِ القِيَادِيِّ (الثوريِّ) التَّنْظِيمِيِّ في قرينةِ هذا الثَّوَرَانِ الشَّعْبِيِّ المُتَحَدَّثِ عنهُ، هَا هُنا، لماذا؟ – لأنَّهُ يُؤْمِنُ إيمَانًا رَاسِخًا رُسُوخًا إلى حَدٍّ أشدَّ «تَحَنُّطًا» حتَّى بضَرُورَةِ الوُجُودِ القِيَادِيِّ (الثوريِّ) التَّنْظِيمِيِّ في سِيَاقِ ذاك الثَّوَرَانِ القَائِمِ بالقِيَامِ الجَسَدِيِّ والرُّوحِيِّ كُلاًّ وكُلِّيًّا عَلى طَيْفٍ مُحَدَّدٍ منْ أطْيَافِ جَمَاهِيرِ الشَّعْبِ، والحَالُ هذهِ، طَيْفٍ مُحَدَّدٍ جِدِّ خَاصٍّ يُطَبِّقُهُ تطبيقًا ويُبَوِّبُهُ تبويبًا، ويُعَرِّفُهُ تعريفًا منْ ثَمَّ بـ«الطبقةِ العاملةِ»، أوْ بـ«الطبقةِ الكادحة»، أوْ بـ«البروليتاريا» بالحَافِ، إذا أرَادَ أنْ يَتفَذْلَكَ بَعْضَ الشيءِ. وهذا الإيمَانُ الرَّاسِخُ بالرُّسُوخِ إلى الحَدِّ الأشدِّ «تَحَنُّطًا» حتَّى يعُودُ بتاريخِهِ التَّلِيدِ والعَتِيدِ، عَلى أقلِّ تقديرٍ، إلى أوائلِ التِّسْعِينِيَّاتِ من القرنِ التاسِعَ عَشَرَ، هذا إنْ لَمْ نُرِدْ أنْ نَذَهَبَ في التنقيبِ الزَّمَانِيِّ أبعدَ منْ باكورةِ أعْمَالِ فلاديمير لينين (1870-1924) حينمَا كانَ في ربيعهِ الثالثِ والعشرينَ، عَلى وَجْهِ التَّحْديدِ، ألا وهي كُرَّاسُهُ الشَّهيرُ الذي يحملُ العنوانَ الاِسْتِفْهَامِيَّ، عنْ قَصْدٍ، هكذا: «مَنْ هُمْ «أصْدِقَاءُ» الشَّعْبِ؟» What the ‘Friends of the People’ Are، ذلك الكُرَّاسُ الذي يشيرُ، بالمُخْتصَرِ الشَّدِيدِ المُفيدِ، إلى مَدَى أهميَّةِ التكوينِ الأُسِّيِّ لأسَاسِ «حِزْبٍ قِيَادِيٍّ (ثوريٍّ) تَنْظِيمِيٍّ» يهدفُ، قبلَ كلِّ شيءٍ، إلى تَوْعِيَةِ هذا الطَّيْفِ المُحَدَّدِ والجِدِّ خَاصٍّ من العمَّالِ الكادِحينَ تَوْعِيَةً بالواقعِ المَرِيرِ الذي يرزحُونَ تحتَ نيرِهِ بسببٍ منِ استغلالِ ثَمَرَاتِ أتْعَابِهِم استغلالاً سَافرًا منْ لَدُنْ فَلٍّ مُعَيَّنٍ منْ أنْجَاسِ الرأسماليَّةِ التقليديَّةِ المَنَاكيدِ الذين كانوا يتظاهرُونَ بالنقيضِ منْ كلِّ هذا، حِينَذَاك: وهؤلاءِ الأنْجَاسُ «الشَّعْبَوِيُّونَ» المَنَاكيدُ ليسُوا في شَيْءٍ منْ أصْدِقَاءِ الشَّعْبِ الحَقيقيِّينَ، بتاتًا – وكانَ ذاك، معَ الاحترَامِ الكُلِّيِّ لكلِّ مَا تستحقُّهُ الطبقةُ المَعْنِيَّةُ منْ حَقٍّ فرديٍّ وجَمْعِيٍّ ومنْ عَدَالةٍ اجتمَاعيَّةٍ، كانَ ذاك في زمنٍ كانَ مُسْتَوى مَا يُدْعى بـ«الوَعْيِ الجَمْعِيِّ» Collective Consciousness، في أدْنَى مُسْتَوَيَاتِهِ (سَأعُودُ، بِشَيْءٍ من التَّفْصِيلِ، إلى هذهِ النقطةِ الهَامَّةِ، عَمَّا قليلٍ). منْ هُنا، ونحنُ هُنا الآنَ نتحدَّثُ عنْ شَعْبٍ جَزَائِرِيٍّ أوْ شَعْبٍ سُودَانِيٍّ أوْ شَعْبٍ لِيبِيٍّ أوْ شَعْبٍ يَمَانِيِّ أوْ شَعْبٍ سُورِيٍّ، إلى آخِرِهِ، إلى آخِرِهِ، بأكْمَلِهِ وبكافَّةِ أطْيَافِهِ الجَمَاهِيرِيَّةِ «العَامَّةِ» و«الخَاصَّةِ» بالفحْوَائَيْنِ المقْصُودَيْنِ (بمَا فيهَا ذلك الطَّيْفُ المُحَدَّدُ والجِدُّ خَاصٍّ من العمَّالِ الكادِحينَ)، ونحنُ هُنا الآنَ نتحدَّثُ عنْ كُلٍّ منْ هذِهِ الشُّعُوبِ وقدِ ارتقتْ إلى مُسْتَوًى لافتٍ للانتبَاهِ منْ هذا «الوَعْيِ الجَمْعِيِّ» بوُجُودِهَا المَسْلوبِ، مُسْتَوًى لافتٍ لَمْ تَكُنْ قدِ ارتقتْ إليهِ منْ قبلُ سِوَاهَا من الشُّعُوبِ الأُخْرَى، فإنَّ ذاك المُحَلِّلَ السِّيَاسِيَّ اليَسَارِيَّ الماركسيَّ التَّقْلِيدِيَّ، أوِ «المُحَنَّطَ» بالذَّاتِ، إنَّمَا يُخَاطِبُ الذَّاتَ أوِ الآخَرَ بلسَانٍ أيديولوجيٍّ ليسَ لَهُ إلاَّ يُوَلِّدَ حَيِّزًا هَائلاً بينَ الرُّوحِ الفَرْدِيِّ الكامِنِ في هذا اللسَّانِ الأيديولوجيِّ وبينَ الرُّوحِ الجَمْعِيِّ الكَنينِ الذي تنطوي عَلَيْهِ مشيئةُ الجَمَاهيرِ بِدَفْقِهَا اللُّجِّيِّ: ذلك لأنَّ الجَمَاهيرَ، في يقينِهِ، تتأسَّسُ في «جَمَاهيرِ» العمَّالِ الكادِحينَ، وتتقدَّسُ بالتالي في قُدْسِيَّةِ اللَّوْحِ المَحْفُوظِ مُسَمًّى لهذهِ «الجَمَاهيرِ»، ولا جَمَاهيرَ غَيْرُ هذهِ «الجَمَاهيرِ». وهكذا، فإنَّ ثَمَّةَ فارقًا جِدَّ مُهِمٍّ بينَ نَوْعِ التَّفَكُّرِ «الشَّعْبِيِّ» Popular الذي يأخذُ بعَيْنِ الاعتبارِ عُمُومَ أطيَافِ الشَّعْبِ بكُلِّيَّتِهَا (بمَا فيهَا طَيْفُ العمَّالِ الكادِحينَ بجُزْئِيَّتِهِ) وبينَ نَوْعِ التَّفَكُّرِ «الشَّعْبَوِيِّ» Populist الذي يأخذُ بلُبِّ الحُسْبَانِ خُصُوصَ طَيْفِ العمَّالِ الكادِحينَ بجُزْئِيَّتِهِ، ويدَّعي في الآنِ ذَاتِهِ الاِهتمَامَ بعُمُومِ أطيَافِ الشَّعْبِ بكُلِّيَّتِهَا، مَثَلُهُ تمامًا كمَثَلِ ذلك الفارقِ المُهِمِّ جِدًّا بينَ شَكْلِ التَّصَوُّرِ «التَّجْرِيبِيِّ» Empirical الذي يعتني بتجربةِ الواقعِ صُورةً كمَا هي كائنةٌ بتَعْمِيميَّتِهَا وبينَ شَكْلِ التَّصَوُّرِ «التَّجْرِيبَوِيِّ» Empiricist الذي يهتمُّ بتجربةِ الواقعِ صورةً كما هي مُكَوَّنةٌ بتَبْعِيضِيَّتِهَا – وليتَ ذاك المُحَلِّلَ السِّيَاسِيَّ اليَسَارِيَّ الماركسيَّ التَّقْلِيدِيَّ، أوِ «المُحَنَّطَ» بالذَّاتِ، لَيْتَهُ يَعِي لماذا كانَ جوزيف ستالين (1878-1953) ذَاتُهُ يُخَاطَبُ، حِينًا بعدَ حِينٍ، باسْتِهْجَانِيَّةِ هذا المُصْطَلَحِ الأخيرِ مَنْعُوتًا بعبَارَاتٍ من مثلِ «التَّجْرِيبَوِيُّ الحَرُونُ»، إيحَاءً بِحِرَانِ الجَحِيشِ والبِغَالِ!

يَسْتَتْبِعُ مِمَّا تقدَّمَ، إذنْ، أنَّ قرَارَ أيَّةِ قيادةٍ ثوريَّةٍ يَسَارِيَّةٍ تَسِيرُ تَسْيَارًا جَسَدِيًّا وَ/أوْ رُوحِيًّا مُوَازِيًا لتَسْيَارِ الثَّورانِ الشَّعْبِيِّ في السُّودَانِ (أوْ في أيِّمَا بلدٍ عربيٍّ، أوْ لاعربيٍّ، آخَرَ ثائرٍ في هذا الأوَانِ، كمثلِ الجزائرِ أوْ حتَّى كمثلِ جزيرةِ هونغ كونغ، بقَدْرِ مَا يَخُصُّهَا الأمْرُ، كذلك) إنَّمَا هو قرَارٌ مُتَرَتِّبٌ عَلى مَا يُقِرُّهُ الشَّعْبُ الثَّائِرُ إقرَارًا، أوَّلاً وآخِرًا، بمَا يقتضِيهِ في قَرَارَتِهِ منْ ذلك الكُمُونِ العَامِليِّ التأليفيِّ والتَّوْحِيدِيِّ الذي تَصَدَّى لَهُ بالبَحْثِ وبالتَّنْقِيبِ الجَادَّيْنِ عَالِمُ الاجتماعِ الفرنسيُّ، إميل دوركايم، في كتابِهِ الشهيرِ «تقسيمُ الشُّغْلِ الاجتماعيِّ» De la Division du Travail Social، ذلك الكُمُونِ العَامِليِّ الذي سَمَّاهُ تَسْمِيَةً اصطلاحِيَّةً بـ«الوَعْيِ الجَمْعِيِّ» (أوْ، بالحَرِيِّ، بِـ«الضَّمِيرِ الجَمْعِيِّ» Conscience Collective، حَسْبَمَا يعْنِيهِ الأصْلُ الفرنسيُّ أيضًا)، والذي عَرَّفَهُ منْ ثَمَّ بكُلٍّ منْ غَرَزِيَّتِهِ وعُضْوِيَّتِهِ في إطارِ فِعْلِهِ النفسَانيِّ الوَاعِي (أو المُضْمِرِ)، من طَرَفٍ أوَّلَ، وفي إطارِ تَجَلِّيهِ بهَيْئَاتِ شُغْلٍ اجتماعيٍّ قابلةٍ للتَّهَيُّؤِ تأليفيًّا وتوحيديًّا، من طَرَفٍ آخَرَ. وهكذا، بصَريحِ الكَلامِ عنْ تَسْيَارِ الثَّورانِ الشَّعْبِيِّ في السُّودَانِ بالذاتِ، فإنَّ هذا القرَارَ القياديَّ الثوريَّ المُتَكَلَّمَ عنهُ، هَا هُنَا، إنْ هو، قبلَ أيِّ شيءٍ آخَرَ، إلاَّ قرَارٌ مَرْهُونٌ بِإقرَارِ، أوْ بإقرَارَاتِ، هذا «الوَعْيِ الجَمْعِيِّ»، أو هذا «الضَّمِيرِ الجَمْعِيِّ»، سَوَاءً كانَ فِعْلُهُ النفسَانيُّ الوَاعِي (أو المُضْمِرُ) غَرَزِيًّا أمْ عُضْوِيًّا، وليسَ بالغِرَارِ العَكْسِيِّ – وليسَ ثَمَّةَ أوضَحُ، منْ هذا الخُصُوصِ، مِمَّا قدْ صَرَّحَ بِهِ عَيْنُ الأمينِ العَامِّ لـ«الحزبِ الشيوعيِّ السُّودَانيِّ»، محمد مختار الخطيب عَيْنِهِ، قبلَ سُوَيعَاتٍ (منْ كتابَةِ هذهِ «العَيْنِ» الأخِيرَةِ) قائلاً بحَرْفِيَّتِهِ، عَلى المَلَأِ الأدْنَى، هكذا: «فالشعبُ [السُّودَانِيُّ] هو الذي انتفضَ وصنعَ التغييرَ، والكلمةُ الأعلى لهُ، بعدَ أنْ أسقطَ نظامَ الرأسماليةِ الطفيليةِ الذي جثمَ على صدرهِ ثلاثينَ عامًا. [...] والكلُّ يعلمُ أنَّ الشعبَ [السُّودَانِيَّ] صنعَ الانتفاضةَ تحريرًا لإرادتهِ المغتصبةِ [...] وهدفَ لفترةٍ انتقاليةٍ تؤسِّسُ دولةً مدنيةً ديمقراطيةً [...] وقدْ أدركتِ الجماهيرُ بحسِّهَا الثوريِّ كلَّ المراوغاتِ في تسليمِ السُّلطةِ، مِمَّا دعَاهَا إلى الاستجابةِ للاضرابِ حفاظًا عَلى [سَيْرُورَةِ] الانتفاضةِ». وإنْ دَلَّ هذا التصريحُ عَلى شيءٍ، بعدَ مُضِيِّ كَمٍّ من الزَّمَانِ لافِتٍ للانتباهِ «المَحَلِّيِّ» والدُّوَلِيِّ، فإنَّهُ يدُلُّ عَلى ضَرُورةِ اتِّخَاذِ المَوْقِفِ الصَّحِيحِ والصِّحِّيِّ إزَاءَ أيٍّ من هذهِ الثوراتِ الشَّعْبِيَّةِ العربيَّةِ، أو اللاعربيَّةِ، وقدْ طَفِقَتْ تَشُبُّ بالفِعْلِ شُبُوبًا سِلْمِيَّ الفُؤادِ والمُحَيَّا في أنْحَاءٍ مُتَبَايِنَةٍ عِدَّةٍ منْ هذهِ الدُّنْيَا، ألا وهو: الوُقُوفُ الآنَفِيُّ، بكلِّ الجَوارِحِ والجَوَانِحِ كُلِّهَا، إلى جَانِبِ تلك الإرْهَاصَاتِ الحَقيقيَّةِ التي ليسَ لَهَا سِوَى أنْ تنبثقَ انبثاقًا غَرَزِيًّا وَ/أوْ عُضْوِيًّا عنْ شتَّى مَنَابِعِ «الوَعْيِ الجَمْعِيِّ»، أو «الضَّمِيرِ الجَمْعِيِّ»، مَهْمَا كانتْ طبيعةُ الوُقُوفِ اللاحِقيِّ إلى جَانِبِ تلك الإسْنَادَاتِ الواقعيَّةِ التي تقترنُ اقترَانًا بشكلٍ أوْ أكثرَ منْ أشكالِ التمثيلِ السياسيِّ، أوْ حتَّى منْ أشكالِ التَّبَنِّي اللاسياسيِّ، منْ لَدُنْ أيَّتِمَا جهةٍ كانتْ. فَفِيمَا لَهُ مِسَاسٌ بالصِّرَاعِ شِبْهِ الحَتْمِيِّ حَولَ أشكالِ التمثيلِ السياسيِّ في المشهدِ الثوريِّ الشَّعْبِيِّ السُّودَانيِّ دُونَ غيرِهَا، عَلى أقلِّ تَخْمِينٍ، ثَمَّةَ فارقٌ مبدَئيٌّ لَهُ دَلالَةٌ اِسْتِقْبَالِيَّةٌ (كَيْلا نقولَ «تنبُّئِيَّةٌ» أوْ حتَّى «تكهُّنِيَّةٌ»، هَا هُنا) من الأهميَّةِ والخُطُورَةِ بمَكَانٍ، ثَمَّةَ فارقٌ مبدَئيٌّ بينَ الوُقُوفِ إلى جَانِبِ شَعْبٍ ثائرٍ مُعَيَّنٍ، كمثلِ الشَّعْبِ السُّودَانيِّ، يَسْعَى إلى تمثيلهِ السِّيَاسِيِّ ائتلافٌ مورفولوجيٌّ مُعَيَّنٌ، كمثلِ «قوى (إعلانِ) الحريةِ والتغييرِ»، وبينَ الوُقُوفِ (العَكْسِيِّ) إلى جَانِبِ ائتلافٍ مورفولوجيٍّ مُحَدَّدٍ، كمثلِ «قوى (إعلانِ) الحريةِ والتغييرِ»، يسْعَى إلى تمثيلِ شَعْبٍ ثائرٍ مُحَدَّدٍ، كمثلِ الشَّعْبِ السُّودَانيِّ، تمثيلاً سِيَاسِيًّا. وعَلى الرَّغْمِ منْ أنَّ هكذا فارقًا مبدَئيًّا قدْ يتبدَّى للناظرِ بالعَيْنِ البَصَرِيَّةِ، لا بالعَيْنِ العَقْلِيَّةِ، فارقًا «ظاهريًّا» وفارقًا «سَطْحِيًّا» للوهلةِ الأولى، إلاَّ أنَّهُ سُرْعَانَ مَا يشتدُّ عُمْقًا وسُرْعَانَ مَا يَحْتَدُّ غَوْرًا حينمَا يتأتَّى الحَدِيثُ (حتَّى الحَدِيثُ العَابِرُ) عنْ وُجُودِ تلك الأعْدَادِ غيرِ القليلةِ، بَتَّةً، منْ سَائِرِ أنواعِ الاِئتلافاتِ المورفولوجيَّةِ الأصليَّةِ وشِبْهِ الأصليَّةِ والفرعيَّةِ وشِبْهِ الفرعيَّةِ (وحتَّى شِبْهِ شِبْهِ الفرعيَّةِ) الأُخرى والأُخْرَيَاتِ هناك في المشهدِ الثوريِّ الشَّعْبِيِّ السُّودَانيِّ، في حَدِّ ذاتِهِ. وأخُصُّ بالذِّكْرِ، في هذا السِّيَاقِ الشَّائكِ جدًّا جدًّا، عَلى الأدْنَى تلك الاِئتلافاتِ المورفولوجيَّةَ التي تتولَّى (أوْ، بالقَمِينِ، تدَّعِي بأنَّهَا تتولَّى) زِمَامَ الرِّعَايَةِ انْضِواءً تَحْتَ رَايَةِ ذلك الاِئتلافِ المورفولوجيِّ المَعْنِيِّ تَسْمِيَةً بائتلافِ «قوى (إعلانِ) الحريةِ والتغييرِ» منذُ أنْ أعْلَنَتْهُ تَسْمِيَةً فِعْلِيَّةً في اليومِ الأوَّلِ منْ شهرِ كانونَ الثاني منْ هذا العَامِ (2019)، وأخُصُّها بالذِّكْرِ اقتضَابًا عَلى النَّحْوِ التالي: أوَّلاً، «تجمُّع المهنيين السُّودانيين» الذي تُكَوِّنُهُ تَجَمُّعَاتٌ جُلُّهَا منْ مَعَاشِرِ الصِّحَافيِّينَ والمُحَامِينَ والطِّبَابِيِّينَ، وجُلُّ قادتِهَا كذاك أشخَاصٌ مَغْمُورُونَ عَلى الصَّعِيدِ الشَّعْبِيِّ، تحديدًا؛ ثانيًا، «تحالف قوى الإجماع الوطني» الذي تُشَكِّلُهُ تَحَالُفَاتٌ مِمَّا لا يَنْزُرُ عنْ سَبْعَةَ عَشَرَ حِزْبًا «لايَسَاريًّا» تتخلَّلُهَا أرْبَعَةُ أحْزَابٍ من «اليَسَارِ الماركسيِّ» أو «اليَسَارِ اللاماركسيِّ» أو الـ«مَا بَيْنَ بَيْنَ»؛ ثالثًا، «تكتُّل نداء السُّودان» الذي تُجَسِّدُهُ تَكَتُّلاتٌ منْ مُخْتَلِفِ الأطْيَافِ الوطنيةِ ضَامَّةً بذاك تنظيمَاتٍ مَدَنِيَّةً مُسَالِمَةً وحَرَكَاتٍ شَعْبِيَّةً مُسَلَّحَةً، عَلى حَدٍّ سَواءٍ؛ رابعًا (وأخيرًا، وليسَ آخِرًا)، «التجمُّع الاتحادي المعارض» الذي تُجَسِّمُهُ تَجَمُّعَاتٌ مِمَّا يَرْبُو عنْ ثمَاني فَصَائلَ اتِّحَادِيَّةٍ لا تَرُومُ التَّدَخُّلَ في شؤونِ أيٍّ من الأحْزَابِ الأُخرى، إلى آخِرِهِ، إلى آخِرِهِ – نَاهِيكُمَا، بالطَّبْعِ، عنْ أنَّ بقاءَ هكذا إعلانٍ مفتُوحًا لكُلِّ مَنْ يُرِيدُ أنْ يُصيبَ مِنَ النظامِ الأتوقراطيِّ العسكريِّ المَقِيتِ المَقَاتِلَ كُلَّهَا ليسَ لَهُ إلاَّ أنْ يُخَلِّقَ، والحَالُ هذهِ، نوعَيْنِ مِمَّا يُمْكِنُ أنْ نُسَمِّيَهُ بـ«الخِلافِ السَّبَبِيِّ التَّعَاوُرِيِّ» Alternately Causative Discordance، نوعَيْنِ، أقُولُ، منْ هذا «الخِلافِ» عَلى أقلِّ تقديرٍ: ثَمَّ خِلافٌ سَبَبِيٌّ تَعَاوُرِيٌّ بينَ كلٍّ منْ هَاتِهِ الاِئتلافاتِ المورفولوجيَّةِ وبينَ ذاتِ «المجلسِ العسكريِّ الانقلابيِّ» في مَسْألَةِ الاِخْتِلاءِ الثنائيِّ حَوْلَ التَّبَاحُثِ والتَّفَاوُضِ، منْ جَانبٍ أوَّلَ، وثَمَّ خِلافٌ سَبَبِيٌّ تَعَاوُرِيٌّ كذاك بينَ هذا الاِئتلافِ المورفولوجيِّ السِّينِيِّ وبينَ ذاك الاِئتلافِ المورفولوجيِّ العَيْنِيِّ في قَضِيَّةِ الاِخْتِلاءِ الأُحَادِيِّ حَوْلَ التخطيطِ والتدبيرِ، وبالأخصِّ فِيمَا يخُصُّ هكذا خِلافًا سَبَبِيًّا تَعَاوُرِيًّا فِيمَا بينَ أحْزَابِ «اليَسَارِ الماركسيِّ» و«اليَسَارِ اللاماركسيِّ» والـ«مَا بَيْنَ بَيْنَ» ذَوَاتِهَا، منْ جَانبٍ آخَرَ.

يُعْجِبُنِي كثيرًا كُلُّ شَيْءٍ، وآنَ الآنَ للحَقِّ عَلى شَفِيرِ هذا «الشِّقِّ» أنْ يُقَالَ، يُعْجِبُنِي كثيرًا كُلُّ شَيْءٍ من اليَسَارِ الماركسيِّ الحَقِيقِيِّ الحَقِيقِ في الآلِ والمَآلِ، خَلا، حَقًّا، أيِّ شَيْءٍ يَتَشَيَّأُ بالقُوَّةِ، دَعْكُمَا مِنْ تَشَيُّئِهِ بالفِعْلِ، عنْ أولئك الزَّاعِمِينَ والمَزْعُومِينَ عَليهِ منْ سَائِرِ الاِزدواجِيِّينَ والاِنتهازيِّينَ والاِنهزاميِّينَ والاِنكسارِيِّينَ والاِنكشارِيِّينَ، ومنْ سَائِرِ أمْثَالِهِمْ كذاك، بطبيعةِ الحَالِ. بَيْدَ أنَّ من الأغلاطِ الجِسَامِ، الجِسَامِ اللواتي يرتكبُهَا هذا اليَسَارُ الماركسيُّ الحَقِيقِيُّ الحَقِيقُ، وترتكبُهَا كذلك سَائِرُ «مُشْتقَّاتِهِ» ارْتِكابًا لاوَاعِيًا في بلادِ الغربِ بالذاتِ (بِمَا فيها حتَّى تلك «المُشْتقَّاتُ» الأصليَّةُ والفرعيَّةُ والفرعيَّةُ-الفرعيَّةُ، وهْيَ تظهرُ حِينًا بعدَ حِينٍ بانضوائِهَا البَيِّنِ تحتَ لِوَاءِ اليَسَارِ التروتسكيِّ، أوِ اليَسَارِ الأَنَارْكِيِّ، أوْ أيٍّ منْ أمثالِهِمَا، كذلك)، من الأغلاطِ الجِسَامِ مَا يَتَكَمَّنُ في الاِختلاقِ الوَاعِي، عَلى النَّقِيضِ، لذلك البَوْنِ الأيديولوجيِّ شَاسِعًا شُسُوعًا إلى حَدٍّ لا يقبلُ المِرَاءَ ولا يقبلُ الجِدَالَ، فِيمَا يبدُو، بينَ «الثِّقَالِ» منْ تلك الآثامِ والشُّرُورِ التي تتخصَّصُ بِهَا أنظمةُ الرأسماليَّةِ التقليديَّةِ نَهْجًا مُنْتَهَجًا (بأيٍّ منْ شَكْلَيْهَا «البَرَّانِيَّيْنِ» المُكَمِّلَيْنِ لِبَعْضِهِمَا البَعْضِ، شَكْلِهَا الليبراليِّ الاِتِّبَاعِيِّ، أو القَدِيمِ، وشَكْلِهَا الليبراليِّ المُحْدَثِ، أو الجَدِيدِ)، مُنْتَهَجًا في ذلك العَالَمِ «الديمقراطيِّ» المصنَّفِ «عَالَمًا أوَّلَ»، خاصَّةً، منْ جِهةٍ أولى، وبينَ «الخِفَافِ» منْ تلك الآثامِ والشُّرُورِ ذَوَاتِهَا التي تتعمَّمُ بِهَا أنظمةُ الرأسماليَّةِ التقليديَّةِ-التقليديَّةِ (المُنْضَوِيَةِ) نَحْوًا مُنْتَحًا بشَكْلٍ «دَوْلِيٍّ-مَرْكَزِيٍّ» سَارِدٍ، أوْ بالعَكْسِ «مَرْكَزِيٍّ-دَوْلِيٍّ» سَادِرٍ، شَكْلٍ آخَرَ ثالثٍ يُسَمَّى تَسْمِيَةً قَرْنِيَّةً خَاصَّةً بـ«رأسماليَّةِ الدولةِ» State Capitalism، مُنْتَحًا في هذا العَالَمِ الأتوقراطِيِّ المصنَّفِ «عَالَمًا ثَالِثًا»، عَامَّةً، منْ جِهةٍ أُخْرَى. وهكذا، عَلى سبيلِ التمثيلِ لا التحصيرِ، في أثناءِ تأجِيجِ تلك التَّدَاعِيَاتِ الإقليميَّةِ والعَالَمِيَّةِ التي تَأَتَّتْ عنْ حَرْبِ الخَلِيجِ الأولى عامَ 1991، تَأَتَّتْ في الضَّرَّاءِ لا في السَّرَّاءِ، وفي إبَّانِ تَهْجِيجِ تلك المُظَاهَرَاتِ الغربيَّةِ التي قِيمَ بِهَا احْتِجَاجًا وسَخَطًا عَلى شَنِّ هذهِ الحَربِ البربريَّةِ الشَّعْواءِ (وعَلى الأخصِّ تَهْجِيجَ تلك المُظَاهَرَاتِ التي قِيمَ بِهَا في فرنسا وإنكلترا دُونَ غيرِهِمَا، إبَّانَئِذٍ، في كافَّةِ الأطرَافِ والآنَاءِ)، لَمْ يَلْبَثِ المُتَظَاهِرُونَ، ولَمْ تَلْبَثِ المُتَظَاهِرَاتُ، منْ ذاك اليَسَارِ الماركسيِّ الحَقِيقِيِّ الحَقِيقِ أنْ رَفَعُوا يَافِطَاتِهِمْ وعَقَائِرَهُمْ، وأنْ رَفَعْنَ يَافِطَاتِهِنَّ وعَقَائِرَهُنَّ، بأعْلَى مِمَّا تُطيقُ الأيَادِي والحَنَاجِرُ تنديدًا شَدِيدًا بأمريكا جورج هربرت بوش (الأبِ)، وكذاك بكُلٍّ منْ تلك الحَلِيفَاتِ منْ بلادِ «الغُرْبَانِ» ومنْ بلادِ «المُسْتَغْرِبِينَ» قَاطِبَةً، مِنْ زَاوِيَةٍ أولى، وتأييدَا وتسْنيدًا أشدَّ منهُ بشدِيدٍ، منْ ثَمَّ، لعِرَاقِ صدام حسين (الآبِ والاِبْنِ والرُّوحِ المُقَدَّسِ، ذاك الذي «تحَدَّى، بالمُفْرَدِ، أيَّمَا تَحَدٍّ» أرَاهِيطَ الأبَالِيسِ، «جَمْعًا مَجْمُوعًا»، من الغَرْبِ الإمبرياليِّ المُدَنَّسِ)، دُونَمَا تَطَرُّقٍ إلى أيَّةٍ من تيك الخَصِيمَاتِ والغَرِيمَاتِ الشُّؤْمَيَاتِ الأُخْرَيَاتِ منْ بلادِ «العُرْبَانِ» ومنْ بلادِ «المُسْتَعْرِبِينَ» بَتَاتًا، منْ زَاوِيةٍ أُخْرَى، كذلك – وذلك فيمَا يُمْكنُ أنْ نَدْعُوَهُ الآنَ، منْ هذهِ الزَّاويةِ الأَخِيرَةِ بالذاتِ، بـ«المُقَابِلِ المَوْضُوعِيِّ» Objective Contradictive، حَسْبَمَا يَدُلُّ عَليهِ المفهُومُ النَّظِيرُ دَلَالاً خَفِيًّا في خَفَايَا الاِستدلالِ المنطقيِّ، وحَسْبَمَا يُسْتَأْنَسُ بِهِ استئناسًا جَلِيًّا كذاك بمَا يُدْعَى دُعَاءً نَحْتِيًّا أجَلَّ بِـ«المُعَادِلِ المَوْضُوعِيِّ» Objective Correlative، يُدْعَى في كُلٍّ من مَجَالِ النقدِ الفنيِّ الآلْسْتُونِيِّ (نَسْبًا إلى الرَّسَّامِ والشَّاعِرِ الأمريكيِّ المَغْمُورِ واشِنْتُون آلْسْتُون (1779-1843) ومَجَالِ النقدِ الأدبيِّ الإلْيُوتِيِّ (عَزْوًا إلى الشَّاعِرِ والنَّاقِدِ الأمريكيِّ-البريطانيِّ المَشْهُورِ توماس سْتيرْنْز إلْيُوت (1888-1965)). صَحِيحٌ أنَّهُ، في مَرَاحِلِ طُغْيَانِ أنظمةِ الرأسماليَّةِ التقليديَّةِ طُغْيَانًا بتَوَحُّشِهَا وتَحَوُّشِهَا الجَارِفَيْنِ، أنَّ عَلى البشريَّةِ جَمْعَاءَ أنْ تختارَ بينَ «الاِنتقالِ الدَّلِيلِ إلى النِّظَامِ الاِشتراكيِّ» وبينَ «الاِنْخِزَالِ الذَّلِيلِ إلى المَشَاعِ البَرْبَرِيِّ»، كمَا كانَ المُعَلِّمَانِ الصَّدِيقَانِ كارل ماركس (1818-1883) وفريدْريك إنْغِلْز (1820-1895) يُحَذِّرَانِ الآنَامَ، عَلى الدَّوَامِ، تَحْذِيرًا منْ مَغَبَّاتِ هذا الطُّغْيَانِ الرأسماليِّ التقليديِّ الذَّمِيمِ والدَّمِيمِ، وكمَا كانتْ كذلك عَيْنُ التلميذةِ الصَّدُوقَةِ روزا لَكْسِمْبُورْغ (1871-1919) تُؤَكِّدُ تَأْكِيدًا، بالمِرَارِ والتَّكْرَارِ، عَلى هكذا تحذيرٍ دُونَمَا كَلالٍ، أوْ مَلالٍ، منْ خِلالِ مَنْشُورَاتِ كُرَّاسِهَا الشَّهِيرِ بالعنوانِ الجَهْرِيِّ «أزْمَةُ الديمقراطيةِ الاِجتماعيَّةِ في ألمانيا» Die Krise der Deutschen Sozialdemokratie، والأكثرِ شُهْرةً كذاك بالعنوانِ السِّرِّيِّ «كُرَّاسُ يونْيوس» Junius-Broschüre (والاِسمُ «يونْيوس»، أوْ «جونْيوس»، عَلى فكرَةٍ، هو الاِسمُ القَلَمِيُّ المُسْتَعَارُ الذي كانتْ روزا لَكْسِمْبُورْغ تستخدمُهُ لِذَاتِهَا تلميحًا تفاؤليًّا إلى مؤسِّس الجمهوريَّةِ الرُّومَانيَّةِ الأولى، لوشْيوس جونْيوس بروتوس (545-509 ق.م.)). ولٰكِنَّهُ صَحِيحٌ كذاك، لا بَلْ أصَحُّ بكَثِيرٍ، أنَّهُ، في أطْوَارِ عُدْوَانِ أنظمةِ الإمبرياليَّةِ الحَدِيثَةِ عُدْوَانًا بتَوَغُّلِهَا وتَغَوُّلِهَا العَارِمَيْنِ، وفي أطْوَارِ بُغْيَانِ أنظمةِ الفاشيَّةِ «الحَثِيثَةِ» بُغْيَانًا بتَوَغُّلِهَا وتَغَوُّلِهَا الأشَدِّ عُرَامًا، أنَّ عَلى هذهِ البشريَّةِ جَمْعَاءَ كذلك ألاَّ تختارَ إلاَّ المَوْقفَ الرَّافِضَ رَفْضًا قَطْعِيًّا لِكُلٍّ من «الاِنْبِيَاعِ اللَّكِيعِ لِلنِّظَامِ الإمبرياليِّ البَرْبَرِيِّ» و«الاِنْصِيَاعِ الوَضِيعِ لِلنِّظَامِ الفاشيِّ الهَمَجِيِّ»، كمَا كانَ الرَّاحِلُ الفَذُّ إدوارد سعيد يُنَبِّهُ «اليَسَارَ» الغَرْبِيَّ (حتَّى قَبْلَ «اليَسَارِ» الشَّرْقِيِّ) بالذاتِ، عَلى اختلافِ تَحَزُّبَاتِهِ وعَلى ائتِلافِ تَكَتُّلاتِهِ، تَنْبِيهًا مُسْتَدِيمًا منْ مَطَبَّاتِ هذا الوُقُوفِ «المَبْدَئِيِّ» التَّقَلْقُلِيِّ السَّقِيمِ والخَمِيمِ، هذا الوُقُوفِ «المَبْدَئِيِّ» التَّقَلْقُلِيِّ بينَ شَرَّيْنِ شِرِّيرَيْنِ لا يَنِيَانِ يَجْنِفَانِ بكُلِّ الشُّرُورِ، وكلٌّ بأُسْلُوبِهِ السُّلُوكِيِّ اللاإنْسَانِيِّ واللاأخْلاقِيِّ المَسْعُورِ، جَنَفًا جَنُوفًا عن الحَقِّ الفَرْدِيِّ والجَمْعِيِّ وعن العَدَالَةِ الاِجْتِمَاعِيَّةِ أنَّى تَوَاجَدَا (إنْ تَوَاجَدَا، فِعْلِيًّا) في هذهِ الدُّنْيَا، وعَلى حِسَابِ أيٍّ منْ تلك الجَمَاهِيرِ التي ثارتْ، ومَا زالتْ تَثُورُ، منْ أجلِ هذا الحَقِّ ومنْ أجْلِ هذهِ العَدَالَةِ، ولَوْ بالإتْيَانِ والمَأْتَاةِ بَدْءًا بالحُدُودِ الدُّنْيَا، كبدايةٍ لحَاضِرٍ جَديدٍ وبدايةٍ لمستقبلٍ مَجيدٍ – وقدْ أعَادَ إدوارد سعيد ذاتُهُ هذا التَّنْبِيهَ بنَحْوٍ حتَّى أكثرَ اسْتِدَامَةً في مُسْتَهلِّ إحْدَى رَائِعَاتِ مُحَاضَرَاتِهِ الرِّيثِيَّةِ (نِسْبَةً إلى جون تشارلْز وُولْشَامْ ريث (1889-1971)، بوَصْفِهِ أوَّلَ مُديرٍ عَامٍّ مُؤَهَّلٍ بجَدَارَةٍ لهَيْئةِ الإذَاعةِ البريطانيَّةِ BBC، الغَنِيَّةِ عن التَّعْرِيفِ)، تلك المُحَاضَرَةِ التي ظَهَرتْ بتَرْتِيبِهَا السَّادِسِ والأخِيرِ تحتَ العنوانِ الدَّالِّ «الآلِهَةُ التي تفشلُ دَائمًا» Gods That Always Fail، في كُتَيِّبِهِ الشَّهِيرِ جَامِعًا هذهِ المُحَاضَرَاتِ كُلَّهَا، وحَامِلاً كذاك عنوانَ المُحَاضَرَةِ الأولى الأكثرَ دَلالّةً، «تَمَثُّلاتُ المُثَقَّفِ» Representations of the Intellectual – وفيمَا يلي، هَا هُنَا أدْنَاهُ، بِضْعَةٌ منْ أمثلةٍ مَلْمُوسَةٍ عَلى هذا الوُقُوفِ «المَبْدَئِيِّ» التَّقَلْقُلِيِّ بينَ الشَّرَّيْنِ الشِّرِّيرَيْنِ المَعْنِيَّيْنِ بالذَّاتِ، أمثلةٍ مَلْمُوسَةٍ مُسْتَقَاةٍ منْ صَفَحَاتِ ذلك المِنْبَرِ المَعْنِيِّ بالذَّوَاتِ:

هكذا وُقُوفٌ «مَبدَئِيٌّ» تَقَلْقُلِيٌّ لا يَخْتَلِفُ بَتَّةً، منْ حيثُ الجَوْهَرُ، عنْ مَوْقِفِ البَاحِثِ الجَامِعِيِّ «اليَسَارِيِّ الماركسيِّ» جلبير الأشقر لَدَى تَرْوِيجِهِ الدِّعَائِيِّ والدِّعَاوِيِّ الجِدِّ وَاضِحٍ، عَلى لِسَانِهِ بالذَّاتِ، لقوَّةِ إيرانَ «الجمهوريةِ الإسلاميَّةِ» بالفَرْضِ الكِفَائِيِّ والكِفَاوِيِّ أوْ، بأدْنَاهُ، بفَرضِ العَيْنِ، ولقدرَتِهَا «عَلى إشْعَالِ منطقةِ الخَلِيجِ بأسْرِهَا» قُدَّامَ المَشْرِقَيْنِ وقُدَّامَ المَغْرِبَيْنِ، رَغْمَ الصَّوَابِ في كلامِهِ الانتقادِيِّ عنْ أمريكا بذَاتِ الذَّاتِ وعنْ سِيَاسَةِ «البَلْطَجَةِ»، أوْ بالقَمينِ سِيَاسَةِ «الخُوَّةِ»، التي تَسُوسُهَا «مُتَعَنْطِزَةً» وتُسَيِّسُهَا «مُتَمَضْرِطَةً»، عَلى أكثرَ منْ صَعِيدٍ، في تلك الفَلاةِ (انْظُرَا، مثلاً، مَقَالَهُ: «ترامب، كثورٍ في متجرِ خزفٍ»، القدس العربي، 14 أيار 2019). وهكذا وُقُوفٌ «مَبدَئِيٌّ» تَقَلْقُلِيٌّ لا يَفْتَرِقُ البَتَّةَ أيضًا، منْ حيثُ الأسَاسُ، عنْ مَوْقِفِ الكاتبِ الإعْلامِيِّ «اليَسَارِيِّ اللاماركسيِّ» فيصل القاسم إزَاءَ تَدْوِيرِهِ الدِّعَائِيِّ والدِّعَاوِيِّ الأوْضَحِ منْ آنِفِهِ، منْ لَدُنْهُ هو الآخَرُ، لوَضْعِ اللائِمَةِ، كُلِّ اللائِمَةِ كُلِّهَا، عَلى أولئك الآمِرِينَ مِمَّنِ اصْطَنَعُوا الطُّغَاةَ العُتَاةَ، لا عَلى هؤلاءِ المَأْمُورِينَ من الطُّغَاةِ العُتَاةِ المُصْطَنَعِينَ أنفسِهِم بالإثْبَاتِ والدَّلِيلِ، ولاتِّهَامِ كُلِّ مُحَلِّلٍ، أوْ مُعَلِّقٍ، سِيَاسِيٍّ يلُومُ هؤلاءِ المَأْمُورِينَ الأوَاخِرَ لَوْمًا دُونَ أولئك الآمِرِينَ الأوَائلِ بالخِدَاعِ والتَّضْلِيلِ، رَغْمَ السَّدَادِ في حَدِيثِهِ المَلامِيِّ عنْ أولئك الآمِرِينَ الأوَائلِ، في حَدِّ ذَوَاتِهِمْ، بوَصْفِهِمْ سَبَبَ البَلاءِ والبَلْوَى كُلِّهِمَا، في مَقَامٍ أسْبَقَ منْ مَقَامِ طُغَاتِهِمْ (انْظُرَا، مثلاً، مَقَالَهُ: «لا تلوموا كلابَ الصيدِ بلْ لوموا أصحابَها»، القدس العربي، 10 أيار 2019). وهكذا وُقُوفٌ «مَبدَئِيٌّ» تَقَلْقُلِيٌّ لا يَتَبَايَنُ بَتًّا كذلك، في لُبَابِهِ، عنْ مَوْقِفِ النَّاقِدِ الأَدَبِيِّ «اليَسَارِيِّ الماركسيِّ-اللاماركسيِّ» صبحي حديدي جَرَّاءَ تَدْوِيلِهِ الدِّعَائِيِّ والدِّعَاوِيِّ الأشَدِّ وُضُوحًا منْ آنِفَيْهِ، منْ طَرَفِهِ هو الآخَرُ، لِلسَّمَاحِ لنفسِهِ (وهو مُحِقٌّ كُلَّ الحَقِّ في ذلك) بإدَانَةِ «العُرْبَانِ» في المَمْلكاتِ والإمَارَاتِ منْ منطقةِ الخَلِيجِ، كمثلِ آل خليفة وأمثالِ «الآلاتِ» الآخَرِينَ، بِمَا فَعَلُوهُ في تلك «الورشةِ الاقتصاديةِ المَنَامِيَّةِ» منْ أفْعَالٍ في التَّحْرِيفِ والتَّسْريعِ الكَارِثِيَّيْنِ منْ مَسَارِ الشَّعْبِ الفلسطينيِّ نَحْوَ مَصِيرٍ مَجْهُولِ الهُوِيَّةِ لا مُؤدًّى لَهُ إلاَّ إلى الهَاوِيَةِ، ولِعَدَمِ السَّمَاحِ لنفسِهِ منْ ثَمَّ، في المُقَابلِ المُدَاهِنِ أيَّمَا مُدَاهَنَةٍ، بإدَانَةِ «العَرَبِ» و«المُسْتَعْرِبينَ» منْ أزلامِ «القياداتِ الفلسطينيَّةِ» أنْفسِهِمْ من البَائدينَ كياسر عرفات ومن السَّائدِينَ كمحمود عباس، عَلى حَدٍّ سِوًى، عَلى الأقلِّ بَدْءًا مِمَّا سَبَّبُوهُ منْ كوارثَ أفظَعَ جَرَّاءَ الرُّضُوخِ لتوقيعِ اتِّفَاقِيَّاتٍ هَوَانِيَّةٍ، كاتِّفَاقِ مُعَسكر داوود واتِّفَاقِيَّةِ أوسْلو، ومَا شَابَهَ ذلك، ظَانِّينَ أنَّهُمْ سَيَحْصُلُونَ عَلى مَا خَالُوهُ منِ امتيازاتٍ منْ خلالِ «بُنُودِ السَّلامِ» لِعَجْزِهِمْ عنْ حُصُولِهِمْ إيَّاهَا مِنْ خلالِ الحُرُوبِ الضِّرَامِ – وهناك من المُحَلِّلِينَ والمُعَلِّقينَ السِّيَاسيِّينَ مِمَّنْ هُمْ عَلى يَقِينٍ تَامٍّ منْ أنَّهُ لَوْ كانَ ياسر عرفات عَلى قَيْدِ الحَيَاةِ، في هذا الزَّمَانِ، الزَّمَانِ المَوَاتِ، لكانَ قدْ أوْصَلَ الشَّعْبَ الفلسطينيَّ إلى جَحِيمٍ أسْوَأَ بكثيرٍ مِمَّا يفعلُهُ الآنَ بِهِ «عُرْبَانُ» الخَلِيجِ أولئك «الآلاتُ»، بحُضُورِ «شَخْصِيَّةِ» المِهْرَجَانِ العَجِيِّ الدَّاشِرِ جارد كوشنر، صِهْرِ دونالد ترامب الهَكَّةِ الأدْشَرِ– وهناك كذاك من المُحَلِّلِينَ والمُعَلِّقينَ السِّيَاسيِّينَ مِمَّنْ هُمْ عَلى يَقِينٍ أتَمَّ منْ أنَّهُ لَوْ كانَ شارل ديغول عَلى قَيْدِ الحَيَاةِ، هو الآخَرُ الذي يُدَوِّلُ لَهُ صبحي حديدي «اليَسَارِيُّ الماركسيُّ-اللاماركسيُّ» عَلى الغِرَارِ الدِّعَائِيِّ والدِّعَاوِيِّ ذاك عَلى اعتبارِهِ بالحَرْفِ الحَدِيدِيِّ « مُحرِّرَ فرنسا من الاحتلالِ النازيِّ»، لَوْ كانَ شارل ديغول عَلى قَيْدِ الحَيَاةِ بضَمِيرٍ إنْسَانِيٍّ حَقِيقِيٍّ كضَمِيرِ نْعُوم تشومسكي، مثلاً لا حَصْرًا، لَهَزِئَ كُلَّ الهَزْءِ وكُلَّ الهُزُوءِ وكُلَّ المَهْزَأَةِ كُلِّهَا منْ هكذا تدويلٍ دِعَائِيٍّ ودِعَاوِيٍّ لشَيْءٍ لَمْ يَقُمْ بِهِ بَتَاتًا، في وَاقِعِ الأمْرِ، بَلْ قَامَ بِهِ أولئك الجُنُودُ الذينَ جُلِبُوا عَنْوَةً منْ أرْحَامِ المُسْتَعْمَرَاتِ، أيَّامَذاك، وأغلبُهُمْ كانوا منْ آنَامِ الجَزَائرِ والمَغْرِبِ، عَلى وَجْهِ التَّحْدِيدِ، أولئك الجُنُودُ الذينَ أُرْغِمُوا عَلى الخَوْضِ في غِمَارِ حَرْبٍ لَمْ يكونوا، في الأصْلِ، يُرِيدُونَ الخَوْضَ في غِمَارِهَا، منْ قريبٍ أوْ بعيدٍ، أولئك الجُنُودُ الذينَ قاتلوا النَّازِيِّينَ بِبَأْسٍ شدِيدٍ كَانَ الفَصْلَ الحَاسِمَ والفَيْصَلَ المَحْسُومَ في مَسْألَةِ «الانْتِصَارِ»، وكانَ الرَّأيُ الفرنسيُّ العَامُّ قَدْ أَجْحَفَ، عنْ قَصْدٍ وعنْ عَمْدٍ، بحَقِّهِ أيَّمَا إجْحَافٍ منْ أمَامِ كُلِّ المَدَائنِ والأمْصَارِ، أولئك الجُنُودُ الذينَ قاتلوا النَّازِيِّينَ بأشدِّ مَا أُوتُوا منْ ذلك البَأْسِ الشدِيدِ لأنَّهُمْ كانُوا قَدْ خُدِعُوا وقَدْ وُعِدُوا باسْتِقْلالِ بلادِهِمْ، في المُقَابلِ الأَعَزِّ والأغْلَى، فكانوا يقاتلونَ النَّازِيِّينَ بأشدِّ مَا أُوتُوا منْ ذلك البَأْسِ الشدِيدِ وكأنَّهُمْ كانوا يقاتلونَهُمْ منْ أجْلِ تَحْرِيرِ بلادِهِمْ، ليسَ إلاَّ (انْظُرَا، مثلاً، مَقَالَيْهِ: «المنامة: طنينُ آلِ خليفة في ورشةِ آلِ ترامب»، القدس العربي، 27 حزيران 2019؛ «اليمينُ الفرنسيُّ بينَ مطرقةِ ماكرون وسندانِ ديغول»، القدس العربي، 13 حزيران 2019). حتَّى طَاقِمُ التَّحْريرِ المَعْنِيُّونَ، طاقِمُ تَحْرِيرِ هذهِ «القدس العربي» الذينَ يدَّعُونَ باسْتِحْسَانِ «الاِستقلالِ السِّيَاسيِّ» عنْ سَائرِ الطُّيُوفِ من «اليَسَارِ» وعنْ كافَّةِ الصُّنُوفِ من «اليَمينِ» وعنْ مُجْمَلِ المَعْطُوفِ واللامَعْطُوفِ منْ رُفُوفِ أوْ منْ دُفُوفِ الـ«مَا بَيْنَ بَيْنَ»، حتَّى طَاقِمُ التَّحْريرِ المَعْنِيُّونَ هؤلاءِ، والأنْكى منْ ذلك كُلِّهِ، لا يتردَّدُونَ ولا حتَّى يتلكَّؤونَ في اسْتِنْفَارِ مَلَكَاتِ «المَوْهُوبِينَ» منْهُمْ، إنْ كانَ ثَمَّةَ بينَهُمْ «مَوْهُوبُونَ» حَقًّا، في السَّبْكِ الكلاميِّ الإعْلاميِّ المَبْتُورِ لأحْقَرِ مَا يُمْكِنُ أنْ يكونَ نَعْتًا نَمُوذَجًا للمَوْقِفِ «المَبدَئِيِّ» التَّقَلْقُلِيِّ المَسْتُورِ مَا بينَ هذا وذاك المُبْتَدأِ المُبْتَدَى ومَا بينَ هٰذاك المُنْتَهَى من السُّطورِ، ترويجًا دِعَائِيًّا ودِعَاوِيًّا جَلِيًّا لِمَا يُمْلَى عَليهِمْ من الطُّغَاةِ العُتَاةِ من «العُرْبَانِ» المُمَوِّلِينَ، وتَسْحِيجًا كِنَائِيًّا وكِنَاوِيًّا خَفِيًّا لِمَا يُتْلَى عَليهِمْ من الطُّغَاةِ العُتَاةِ من «العُرْبَانِ» اللامُمَوِّلِينَ، تَرَيَانِهِمْ (أيْ تَرَيَانِ طَاقِمَ التَّحْريرِ المَعْنِيِّينَ هؤلاءِ) يجْرُؤُونَ بالجَرَاءَةِ المُشْتَرَاةِ، إبَّانَ «الحُرُوبِ الدَّاحِسِيَّةِ والغَبْرَائِيَّةِ حَوْلَ انْبِثَاقِ الهِلالِ»، يجْرُؤُونَ عَلى شَنِّ الهُجُومِ المَنْظُومِ عَلى «العُرْبَانِ» في المَمْلكاتِ والإمَارَاتِ بالـ«آلِ» والـ«آلِ»، يجْرُؤونَ (وهُمْ، لاكْتِمَالِ المَهَازِلِ، مُصِيبُونَ) عَلى شَنِّهِ بالحِجَاجِ والتَّحَجُّجِ أنَّ هذهِ «الآلاتِ» لَمْ تَفْتَأْ تُعَجِّلُ بالخُطَى نَحْوَ ذلك «التَّطْبِيعِ» الذَّلِيلِ، ولا يتجَرَّؤُونَ، كَمَا الفِئْرَانِ، بأيِّ تَجَرُّؤٍ عَلى شَنِّهِ، في المُقَابِلِ الأنْكَى، عَلى «الآلاتِ» من «العُرْبَانِ» في الدُّويْلاتِ بالذَّوَاتِ وهُنَّ «المُطَبِّعَاتُ» الأُولَيَاتُ، بلا مُنَازِعٍ، معَ تلك الدُّوَيْلَةِ التي يَدْعُونَهَا «إسرائيل». كَمَا نَوَّهَتْ إحدى المُعَلِّقَاتِ الفَطِينَاتِ عَمَّا مَعْنَاهُ هُنَا، لا أظنُّ أنَّ هناك «مُحَلِّلاً سِيَاسِيًّا»، أوْ «كاتبًا صِحَافِيًّا»، عربيًّا شريفًا في أيِّ طَاقِمِ تَحْرِيرٍ عربيٍّ لأيَّةِ صَحِيفةٍ رَسْمِيَّةٍ عربيَّةٍ، حتَّى لَوْ شَهِدَتْ كلُّ مَعَاشِرِ الإِنْسِ والجِنِّ عَلى «شَرَفِهِ»، من المَسْجِدِ الحَرَامِ إلى المَسْجِدِ الأقْصَى – والافتتاحِيَّاتُ منْ طَاقِمَ التَّحْريرِ المَعْنِيِّ اللواتي تَدُلُ عَلى هذا التَّنْوِيهِ بالبُرهَانِ القَطْعِيِّ أيَّمَا تَدْلِيلٍ لا تُعَدُّ ولا تُحْصَى!

وفي الأخيرِ، تستمرُّ أمريكا ترامب في الالتذاذِ باللَّعِبِ اللامرئيِّ معَ إيرانَ الخامنئي (لا الخميني، كما يغرِّدُ المَسْطُولُ الأوَّلُ)، تستمرُّ أمريكا في تلعيبِ إيرانَ عَلى أحبالٍ لامرئيَّةٍ كذاك ثَمَنًا لتَسْلِيمِ الأولى الأخيرةَ العراقَ «عَلى طَبَقٍ منْ ذَهَبٍ، أوْ منْ فِضَّةٍ»، كمَا يَحْلَوْلِي للكثيرِ من المُحَلِّلِينَ السِّيَاسِيِّينَ والكَتَبَةِ الصِّحَافِيِّينَ استعْمَالُ هذا التعبيرِ العُبُودِيِّ قلبًا وقالبًا. وهذا الالتذاذُ باللَّعِبِ اللامرئيِّ، ها هُنا، إنْ هو إلاَّ شكلٌ من أشكالِ النُّزوعِ إلى التلاعبِ بالتباسيَّةِ الدالِّ اللاواعي، كأمرٍ مقضيٍّ، نزوعٌ من العسيرِ جدًّا فَصْلُهُ فَصْلاً كُلِّيًّا عنْ جِنسانيَّةِ كلٍّ من الملتذِّ اللاعبِ والملتذِّ الملعوبِ بهِ (ترامب والخامنئي، والحالُ هذهِ، على الترتيبِ)، نزوعٌ سمَّاهُ المُحَلِّلُ النفسانيُّ الفرنسيُّ جاك لاكانُ تسميةً بالنَّحْتِ المُركَّبِ Jouissance، باللغةِ الفرنسيَّة، وسمَّيتُه، بدوري، تسميةً بالنَّحْتِ المُركَّبِ «الرَّعِبُ»، باللغةِ العربيَّةِ، لكيْ يُوِحيَ إيْحَاءً بكُلٍّ منْ دلالةِ «الرَّعْشَةِ» ودلالةِ «اللَّعِبِ» في آنٍ واحدٍ – وكأنَّ ترامب والخامنئي، بالتعبيرِ النفسانيِّ الصَّريحِ، يُمَارِسَانِ الجنسَ الذُّهَانِيَّ ممارسةً «رَعِبِيَّةً» عَلى الطريقةِ الإنجيليَّةِ-الصَّفويَّةِ (الشِّيعِيَّةِ)، لأنَّ منْ مقتضيَاتِ هذا الالتذاذِ باللَّعِبِ اللامرئيِّ أنْ يشتدَّ الانجذابُ الجنسيُّ الذُّهَانِيُّ كلَّمَا احتدَّ العداءُ (المرئيُّ) بينَ الملتذِّ اللاعبِ والملتذِّ الملعوبِ بهِ، تمامًا كمَا ينعتُ عَلَنًا كلٌّ من المَعْنِيَّيْنِ الآخرَ نَعْتًا تكفيريًّا استهجانيًّا بـ«الشَّيطانِ الأكبرِ»، أوْ بـ«الشَّيطانِ الأعظمِ»، وكلٌّ في الآنِ ذاتِهِ يلتذُّ التذاذًا «رَعِبِيًّا» بما يكتسبُهُ اكتسابًا ماديَّا و/أو معنويًّا منْ جرَّاءِ ذلك كلِّهِ، في آخرِ المَطافِ (كاجتياح إيرانَ لأربعٍ من العواصمِ العربيَّةِ حتَّى الآنِ، ومكتسباتُ أمريكا منْ «صَفقَتِهَا» لمْ تعدْ خافيةً على أحدٍ، في هذا الأوَانِ). وفي الأخيرِ، من جهةٍ أخرى، تستمرُّ أمريكا ترامب في الالتذاذِ باللَّعِبِ المرئيِّ معَ تركيا أردوغانَ، تستمرُّ أمريكا في تلعيبِ تركيا عَلى أحبالٍ مرئيَّةٍ كذاك ثَمَنًا لتَنْدِيبِ الأولى الأخيرةَ على شمالِ سوريا إشباعًا لمآربِهَا التوسُّعيَّةِ، ولتَسْخيرِهَا منْ ثمَّ الأغلبَ و«الأقوى» منْ فصائلِ المعارضةِ السوريَّةِ، ولتَحْويلِهَا فضلاً عنْ ذلك كلِّهِ إلى فصائلَ مرتزقةٍ مأجورةٍ لا تختلفُ، منْ حيثُ المبدأُ الهمجيُّ والبربريُّ، عن «الكتائبِ الحَميدِيَّةِ» حينذاك، فصائلَ مرتزقةٍ مأجورةٍ لا تستخدمُها تركيا أردوغانَ القوميِّ الفاشيِّ منْ أجلِ تحريرِ الشَّعبِ السُّوريِّ منْ إجرامِ النظامِ الأسديِّ الطائفيِّ الفاشيِّ، هو الآخَرُ، بلْ منْ أجلِ القضاءِ على الشعبِ الكرديِّ بدلاً منهُ، بدءًا منْ وَحَدَاتِ الحزبَيْنِ الكرديَّيْنِ الشهيرَيْن، الأصلِ «حزبُ العمالِ الكردستانيِّ» PKK، والفرعِ «حزبُ الاتحادِ الديمقراطيِّ» PYD، ذينك الحزبَيْنِ اللذين لا ينيَانِ يقُضَّانِ مضجعَ «السلطانِ العثمانيِّ الجديدِ» في اليَقَاظِ وفي المنام – الجِمَاعُ الجنسيُّ بينَ ترامب وأردوغانَ، هَا هُنا، لا يحيدُ عنْ سَابقهِ كثيرًا (خصُوصًا وأنَّ الأوَّلَ مشهُورٌ بصِفَتِهِ «هَبِّيشَ» إباحيَّاتٍ من الدرجةِ الأولى)، الجِمَاعُ الجنسيُّ بينَهُمَا لا يحيدُ كثيرًا خَلا أنهُ جِمَاعٌ عُصَابيٌّ يمارسُهُ الاِثنانِ ممارسةً «رَعِبِيَّةً» عَلى الطريقةِ الإنجيليَّةِ-العثمانِيَّةِ (السُّنِّيَّةِ)، نظرًا لأنَّ هذا الالتذاذَ باللَّعِبِ المرئيِّ لا يقتضي احتدادَ العداءِ (المرئيِّ) بينَ الملتذِّ اللاعبِ والملتذِّ الملعوبِ بهِ، في هذهِ الحَالِ. والطُّغاةُ العُتاةُ المُصْطَنَعُونَ من «العُرْبَانِ» و«العَرَبِ» و«المُسْتَعْرِبينَ»، طُغاةُ التهدُّمِ لا التقدُّمِ، منْ طرفِهِمْ، ليسَ لهُمْ إلاَّ أنْ يمارسُوا الجِمَاعَ الجنسيَّ الذُّهَانِيَّ و/أو العُصَابيَّ فيمَا بينَهُمْ ممارسةً «رَعِبِيَّةً» مرئيَّةً و/أو لامرئيَّةً عَلى الطريقةِ الوَهَّابِيَّةِ السَّلَفِيَّةِ أو الخَلَفِيَّةِ (المُحْدَثَةِ)، حَسْبَمَا يَنْتَوِيهِ حَالُ التظاهُرِ بـ«العَداوةِ»، تارةً أولى، وحَسْبَمَا يَبْتَنِيهِ حَالُ التَّمَظْهُرِ بـ«الصَّداقةِ»، تارةً أخرى. بَيْدَ أنَّهُمْ، رغمَ ذٰلِكَ ٱلْغَبَاءِ ٱلْقَهْرِيِّ ٱلْتَّكْرَارِيِّ الذي يتَّصِفُونَ بهِ جَميعًا، ولا رَيْبَ فيهِ، بَيْدَ أنَّهُمْ مُخْلِصُونَ بـ«الذَّكَاءِ» المُقَابلِ كُلَّ الإخلاصِ العَضُودِ لِمَا يَرْمِي إليهِ بيتُ المتَنَبِّي المُغَمَّسُ بإكْسِيرِ الخُلُودِ: «وَمِنَ العَداوَةِ مَا يَنَالُكَ نَفْعُهُ / وَمِنَ الصَّدَاقَةِ مَا يَضُرُّ وَيُؤْلِمُ». وليسَ لهُمْ، في ذاك، منْ كُلِّ هذا التَّجامُعِ الجنسيِّ الذُّهَانِيِّ و/أو العُصَابيِّ، وليسَ لهُمْ منْ كلِّ هذا التظاهُرِ بـ«العَداوةِ»، أوْ منْ كلِّ هذا التَّمَظْهُرِ بـ«الصَّداقةِ»، سوى التَّسَانُدِ واالتَّعَاضُدِ الجِمَاعِيَّيْنِ الحَمِيمَيْنِ فيمَا بينَهُمْ سَعْيًا وَرَاءَ الاِبتكارِ اللاإنسانيِّ واللاأخلاقيِّ، لا بلْ سَعْيًا وَرَاءَ الاِبتكارِ مَا دُونَ-الحَيَوانيِّ ومَا دُونَ-البهيميِّ، لأحدثِ الأسَاليبِ وأنجعِهَا وأكثرِهَا دَمَويَّةً ووَحْشِيَّةً وحُوشِيَّةً وبربريَّةً منْ أجلِ القَمْعِ والسَّحْقِ «النِّهَائِيَّيْنِ» لكلِّ ثَوَرَانٍ شَعْبِيٍّ يهدِّدُ وُجُودَهُمْ ويَهُزُّ كِيَانَهُمْ ويُقَوِّضُ عُروشَهُمْ، في أيِّ صُقْعٍ منْ أصْقَاعِ هذا العَالَمِ العَرَبيِّ الرَّثِيمِ – فالطاغيةُ المصطنَعُ عبد الفتاح السيسي، من جَانِبِهِ، يُضَاعِفُ منْ حَالاتِ الاعتقالِ والإخْفاءِ القَسْرِيِّ والقتلِ الفُجَائيِّ بالعَشَرَاتِ وبالمئاتِ، بلا توقُّفٍ، وبالأخَصِّ بعدَ أنْ لَقِيَ الرئيسُ الأسبقُ محمد مرسي حَتْفَهُ وهو في قفصِ الاتَّهَامِ، ذلك الحَتْفَ الذي سَيَبْقَى وَصْمَةَ عَارٍ وخِزْيٍ في جَبِينِ هذا النظامِ السيسيِّ الفاشيِّ إلى أنْ يأتيَ آنُ زَوَالِهِ بسَواعِدِ المصريَّاتِ والمصريِّين، لا مَحَالَ – والطاغيةُ الأكثرُ اصْطناعًا بشار الأسد، منْ طرفِهِ، يُوَاصِلُ، بالسِّلاحِ والعَتادِ الرُّوسِيًّيْنِ جَوًّا والإيرانيَّيْنِ برًّا، يُوَاصِلُ التفنُّنَ، دُونَمَا انقطاعٍ، في ارتكابِ المَجَازرِ تلوَ المجَازرِ في الشَّمَالِ والشَّمَالِ الغربيِّ منْ سُوريا، ووَسْطَ صَمتٍ قُبُوريٍّ في كلٍّ من العَالَمِ الغربيِّ «الديمقراطيِّ» والعَالَمِ الشرقيِّ الأوتوقراطيِّ، ووَسْطَ بُزوغِ إرهَاصَاتٍ من الثَّوَرَانِ الشَّعْبِيِّ هُنَا وهُناكَ رَغْمَ كُلِّ ذلك – وثَمَّةَ قتلٌ في ليبيا اللَّهِيفَةِ بالجُملةِ منْ لَدُنِ الحَفْتَرِيِّينَ، وثَمَّةَ قتلٌ وقتلٌ في اليَمَنِ «اللاسعيدِ» بالجُملةِ والمُفَرَّقِ منْ قِبَلِ الحُوثِيِّينَ، وثمة قتلٌ وقتلٌ وقتلٌ في غزَّةَ الحَزينةِ حتَّى بالوصَايةِ المُثْلَى، وبالوصَايةِ اللامُثْلَى، وعلى أيْدِي الإسْرَائيليِّينَ وألْسِنَةِ العَبَّاسِيِّينَ المُنَسِّقِينَ الأمْنِيِّينَ الفَتْحَاوِيِّينَ القادمينَ من أوْسَاطِ «اليَسَارِيِّينَ الماركسيِّينَ» و«اليَسَارِيِّينَ اللاماركسيِّينَ» و«اليَسَارِيِّينَ الماركسيِّينَ-اللاماركسيِّينَ»، إلى آخرِهِ، إلى آخِرِهِ.

مَرَّةً أُخْرَى، يُعْجِبُنِي كثيرًا كُلُّ شَيْءٍ، وآنَ الآنَ للحَقِّ عَلى شَفِيرِ هذا «الشِّقِّ» أنْ يُقَالَ، يُعْجِبُنِي كثيرًا كُلُّ شَيْءٍ من اليَسَارِ الماركسيِّ الحَقِيقِيِّ الحَقِيقِ في الآلِ والمَآلِ، خَلا، حَقًّا، أيِّ شَيْءٍ يَتَشَيَّأُ بالقُوَّةِ، دَعْكُمَا مِنْ تَشَيُّئِهِ بالفِعْلِ، عنْ أولئك الزَّاعِمِينَ والمَزْعُومِينَ عَليهِ منْ سَائِرِ الاِزدواجِيِّينَ والاِنتهازيِّينَ والاِنهزاميِّينَ والاِنكسارِيِّينَ والاِنكشارِيِّينَ، ومنْ سَائِرِ أمْثَالِهِمْ كذاك، بطبيعةِ الحَالِ. ولا أسْفَلَ، لا أسْفَلَ، منْ هؤلاءِ، ولا أفْسَلَ، لا أفْسَلَ، منْهُمْ (ومنهُنَّ، تَبْعًا بالإيحَاءِ والإيمَاءِ) سِوَى أولئك «المُتَمَرْكِسِينَ» و«المُتَمَرْكِسَاتِ»، أولئك «المُتَأَدْلِجِينَ» و«المُتَأَدْلِجَاتِ»، أولئك المُتَذَبْذِبِينَ والمُتَذَبْذِبَاتِ تَذَبْذُبًا ليسَ ثَمَّ بَعْدَهُ، وليسَ ثَمَّ قَبْلَهُ، منْ تَذَبْذُبٍ في المُنَاوَرَاتِ وفي المُحَاوَرَاتِ وفي المُؤَازَرَاتِ بَيْنَ أنْجَاسِ النظامِ الطُّغْيَانيِّ العُرْبَانِيِّ والعِبْرَانِيِّ والغُربَانيِّ وأذْنَابِهِمْ وبَيْنَ أرْجَاسِ الظَّلامِ «الإسلاميِّ» والإيرانيِّ والعُثْمَانِيِّ وأرْبَابِهِمْ – هذا إنْ لَمْ نَقُلْ أيَّ شيءٍ آخَرَ عنْ سَفَالَتِهِمْ وسَفَالَتِهِنَّ وعنْ فَسَالَتِهِمْ وفَسَالَتِهِنَّ، وهُمْ يتشدَّقُونَ وهُنَّ يتشدَّقْنَ بعباراتِ «النقدِ الثوريِّ البَنَّاءِ والعَمَّادِ» وعباراتِ «النقدِ الثوريِّ النَّصَّاحِ والجَدَّادِ»، و«الحَرْبُ مَسْألَةُ القَطِيعِ لِمَنْ يَدُكُّونَ الجِيَادَ»، و«الحَرْبُ خَاتِمَةُ الجُنُونِ، وَبِالجُنُونِ يُحِيلُهَا السِّمْسَارُ مَائِدَةَ الجَرَادِ»، و«طَبِيعَةٌ ثَكْلَى، وَإرْمٌ لا تَقِرُّ بِمُسْتَقَرٍّ أوْ عِمَادٍ»، ومَا إلى هذا مِنْ صَخْرَةٍ في وَادٍ، ومَا إلى ذاك مِنْ حُفْرَةٍ في مِهَادٍ!

*** *** ***



#غياث_المرزوق (هاشتاغ)       Ghiath_El_Marzouk#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ذلِكَ الغَبَاءُ القَهْرِيُّ التَّكْرَارِيُّ: طُغَاةُ التَّقَ ...
- التَّمَاهِي: إِيجَابِيَّاتُهُ وَسَلْبِيَّاتُهُ (2)
- التَّمَاهِي: إِيجَابِيَّاتُهُ وسَلْبِيَّاتُهُ (1)
- ذٰلِكَ ٱلْغَبَاءُ ٱلْقَهْرِيُّ ٱلْتّ ...
- ذٰلِكَ ٱلْغَبَاءُ ٱلْقَهْرِيُّ ٱلْتّ ...
- ذٰلِكَ ٱلْغَبَاءُ ٱلْقَهْرِيُّ ٱلْتّ ...
- ذٰلِكَ ٱلْغَبَاءُ ٱلْقَهْرِيُّ ٱلْتّ ...
- ذٰلِكَ ٱلْغَبَاءُ ٱلْقَهْرِيُّ ٱلْتّ ...
- ذٰلِكَ ٱلْغَبَاءُ ٱلْقَهْرِيُّ ٱلْتّ ...
- يَا نِسَاءَ ٱلعَالَمِ ٱتَّحِدْنَ (4)
- يَا نِسَاءَ ٱلعَالَمِ ٱتَّحِدْنَ (3)
- ذٰلِكَ ٱلْغَبَاءُ ٱلْقَهْرِيُّ ٱلْتّ ...
- ذٰلِكَ ٱلْغَبَاءُ ٱلْقَهْرِيُّ ٱلْتّ ...
- رَسِيلٌ يَفَاعٌ إِلى هَذَا الوَطَنِ العَرَبِيِّ الجُزَاعِ (2 ...
- رَسِيلٌ يَفَاعٌ إِلى هَذا الوَطَنِ العَرَبِيِّ الجُزَاعِ (1)
- ذٰلِكَ ٱلْغَبَاءُ ٱلْقَهْرِيُّ ٱلْتّ ...
- ذٰلِكَ ٱلْغَبَاءُ ٱلْقَهْرِيُّ ٱلْتّ ...
- مِنْ حَقَائِقِنَا هُنَاْ، وَمِنْ حَقَائِقِهِمْ هُنَاكَ (8)
- مِنْ حَقَائِقِنَا هُنَاْ، وَمِنْ حَقَائِقِهِمْ هُنَاكَ (7)
- ذٰلِكَ ٱلْغَبَاءُ ٱلْقَهْرِيُّ ٱلْتّ ...


المزيد.....




- إسبانيا: رئيس الوزراء بيدرو سانشيز يفكر في الاستقالة بعد تحق ...
- السودان: متى تنتهي الحرب المنسية؟
- كأس الاتحاد الأفريقي: كاف يقرر هزم اتحاد الجزائر 3-صفر بعد - ...
- كتائب القسام تعلن إيقاع قوتين إسرائيليتين في كمينيْن بالمغرا ...
- خبير عسكري: عودة العمليات في النصيرات تهدف لتأمين ممر نتساري ...
- شاهد.. قناص قسامي يصيب ضابطا إسرائيليا ويفر رفاقه هاربين
- أبرز تطورات اليوم الـ201 من الحرب الإسرائيلية على غزة
- أساتذة قانون تونسيون يطالبون بإطلاق سراح موقوفين
- الإفراج عن 18 موقوفا إثر وقفة تضامنية بالقاهرة مع غزة والسود ...
- الى الأمام العدد 206


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - غياث المرزوق - ذلِكَ الغَبَاءُ القَهْرِيُّ التَّكْرَارِيُّ: طُغَاةُ التَّقَدُّمِ أَمْ بُغَاةُ التَّهَدُّمِ؟ (7-12)