أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - غياث المرزوق - ذٰلِكَ ٱلْغَبَاءُ ٱلْقَهْرِيُّ ٱلْتَّكْرَارِيُّ: طُغَاةُ ٱلْتَّقَدُّمِ أَمْ بُغَاةُ ٱلْتَّهَدُّمِ؟ (11)















المزيد.....

ذٰلِكَ ٱلْغَبَاءُ ٱلْقَهْرِيُّ ٱلْتَّكْرَارِيُّ: طُغَاةُ ٱلْتَّقَدُّمِ أَمْ بُغَاةُ ٱلْتَّهَدُّمِ؟ (11)


غياث المرزوق
(Ghiath El Marzouk)


الحوار المتمدن-العدد: 6259 - 2019 / 6 / 13 - 23:50
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



إِنَّ بَيْنَ يَدَيِ ٱلْسَّاعَةِ ٱلْهَرْجَ. قِيلَ: وَمَا ٱلْهَرْجُ؟ قَالَ: ٱلْكَذِبُ وَٱلْقَتْلُ [أَيْضًا].
قَالُوا: أَكْثَرَ مِمَّا نَقْتُلُ ٱلْآنَ؟ قَالَ: إِنَّهُ لَيْسَ بِقَتْلِكُمْ [أَعْدَاءً]، وَلٰكِنَّهُ قَتْلُ بَعْضِكُمْ بَعْضًا!
مُحَمَّدٌ بْنُ عَبْدِ اللهِ


قلتُ مُؤَكِّدًا تأكيدًا كذاك قَبْلَئِذٍ، في القسمَيْنِ الآنِفَيْنِ منْ هذا المقالِ (في القسمَيْنِ التاسعِ والعاشرِ منهُ)، وعَلى الأخصِّ في قرينةِ الكلامِ بشيءٍ من التَّفْصِيلِ والتَّمْثِيلِ عَمَّا سَمَّيْتُهُ حِينَذَاك تَسْمِيَةً نَفْسَانِيَّةً بـ«الحَمَاسِ فوقَ-الثوريِّ» Hyper-Revolutionary Fervour، قلتُ إنَّهُ لَمِنَ الخَطَأِ الفادِحِ بالفِعْلِ أنْ يلجأَ جٍنْسُ «التَّحْلِيلِ السِّيَاسِيِّ»، أيًّا كانَ، مُحَفَّزًا بِزَخْمِ هذا «الحَمَاسِ فوقَ-الثوريِّ» أيَّمَا تحفيزٍ إلى استعمالِ فَيْضٍ (أو حتَّى فُيُوضٍ) منْ بلاغيَّاتِ ذلك اللِّسَانِ التَّخْيِيريِّ، ومَا تَنْطَوِي عليهِ هذهِ البلاغيَّاتُ بدورِهَا منْ دلالاتٍ تمييزيةٍ، أوْ منْ دلالاتٍ تفضيليَّةٍ – لا بَلْ جِدِّ تفضيليَّةٍ، في مَعْرِضِ «التَّحْلِيلِ» مَاسًّا مِسَاسَ التَّحْلِيلِ الجَادِّ بـ«إنجازاتِ» ثورةٍ شعبيةٍ عربيةٍ دُونَ سِوَاهَا (كالشقيقةِ السُّودَانيَّةِ، مثلاً)، ودُونَمَا الأخْذِ بعَيْنِ الاعتبارِ بَتَّةً مَا يُنَاظرُ هذهِ الـ«إنجازاتِ»، في الأصْلِ، منْ أسَاسٍ مَادِّيٍّ (تاريخيٍّ) وَ/أوْ لامَادِّيٍّ (لاتاريخيٍّ) تأسَّسَتْ عليهِ بنحوٍ أوْ بآخَرَ أيَّةُ ثورةٍ شعبيةٍ عربيةٍ أُخرى، سَوَاءً كانتْ هذهِ الثورةُ قدْ وَاكَبَتْهَا في الهَيَجَانِ والغَلَيَانِ (كالشقيقةِ الجزائريَّةِ، بسَيْرِهَا) أمْ كانتْ قدْ سَبَقَتْهَا بمرحلةٍ أوْ أكثرَ في الزَّمَانِ والمَكَانِ (كالشقيقةِ السُّوريَّةِ، وغَيْرِهَا)، كما رأيتُما في مَظِنَّتِهِ إذْ ذاكَ – نَاهِيكُمَا، بالطَّبْعِ، عنْ أنَّ هذا الخَطَأَ المُتَكَلَّمَ عنهُ منْ هكذا خُصُوصٍ إنَّمَا يزدادُ فَدَاحَةً أكثرَ فأكثرَ حينمَا يَصْدُرُ هكذا «تحليلٌ سياسيٌّ» اِنتقائيٌّ اِصطفائيٌّ (حَائِدٌ) عنْ مَصْدَرٍ مَرْبُوصٍ عَلى «اليسارِ العربيِّ» الماركسيِّ أوِ اللاماركسيِّ أوْ حتَّى الـ«مَا بَيْنَ بَيْنَ». ومعَ ذلك، وعلاوةً عَلى مَا أشرتُ إليهِ منْ تمثيلٍ مَلْمُوسٍ ومَحْسُوسٍ يُبَيِّنُ قُدَّامَ كِلْتَا العَيْنَيْنِ البَصَرِيَّةِ والعَقْلِيَّةِ مَا يكْفِي منْ بلاغيَّاتِ اللِّسَانِ التَّخْيِيريِّ التي تَنْجُمُ عن ذلك الحَمَاسِ فوقَ-الثوريِّ عَلى كِلا المُسْتَوَيَيْنِ الجَمْعِيِّ والفَرْدِيِّ، لَمْ نَزَلْ نَرَى مِنْ بينِ أولئك المُحَلِّلِينَ السياسيِّينَ والكَتَبَةِ الصِّحَافِيِّينَ رَأْيًا ورُؤْيَةً بهٰتَيْنِ العَيْنَيْنِ البَصَرِيَّةِ والعَقْلِيَّةِ ذَاتَيْهِمَا، لَمْ نَزَلْ نَرَى مِنْ بينِهِمْ مَنْ يتحدَّثُونَ جَادِّينَ عنْ «أسْرَارِ التَّفَوُّقِ والتَّمَيُّزِ» في المشهدِ الثوريِّ الشَّعْبِيِّ السُّودَانيِّ، أو حتَّى عنْ «أسْبَابِ الإخْفَاقِ والإحْبَاطِ» في سَائر مَا خَلاهُ منْ مشاهِدَ ثوريَّةٍ عربيَّةٍ قدْ تأجَّجتْ منْ قبلُ في المقابلِ، يتحدَّثُونَ جَادِّينَ بذاتِ الزَّخْمِ الرِّوَائِيِّ، أو «الشِّعْرِيِّ»، الدِّعَائيِّ والدِّعَاوِيِّ الذي تختصُّ بهِ وسَائلُ الإعلامِ الغَنِيَّةُ عن التعريفِ في الشَّرْقِ قبلَ الغَرْبِ – منْ حيثُ قُدْرَتُهَا الوَلائِيَّةُ كُلاًّ عَلى الإشْهَارِ، إشْهَارِ فَرْدٍ أو جَمَاعَةٍ في حِينٍ، ومنْ حيثُ قُدْرَتُهَا العَدَائِيَّةُ كُلاًّ كذاك عَلى الإغْمَارِ، إغْمَارِ هذا الفردِ أو هذهِ الجَمَاعَةِ، أو حتَّى عَلى الإفْنَاءِ، إفْنَاءِ كُلٍّ مِنْهُمَا إفْنَاءً كُلِّيًّا، في حِينٍ آخَرَ. فإذا كانتِ الحُجَّةُ المُثْلَى عندَ هؤلاءِ المتحدِّثِينَ الجَادِّينَ، في أغلبِ الظَّنِّ تارةً، أنَّ الحَرَاكَ الشَّعْبِيَّ السِّلْمِيَّ في السُّودانِ يمتازُ امتيازًا بوُجُودِ قيادةٍ ثوريَّةٍ تَنْظِيمِيَّةٍ يقودُهَا قادةُ ذلك الائتلافِ المدنيِّ المُسَمَّى بـ«قوى (إعلان) الحرية والتغيير»، مدعومينَ تحتَ لوائِهِمْ، إنِ اقتضى الحَالُ (التَّنْظِيمِيُّ)، منْ لَدُنْ قادَاتِ تَحَالُفَاتٍ مدنيَّةٍ أُخرى، كذلك التَّحَالُفِ المدنيِّ المَدْعُوِّ بـ«تجمُّع المِهَنِيِّينَ السُّودانِيِّينَ» أو غيرِهِ، فإنَّ قرارَ مَا يَحْدُثُ الآنَ منْ عِصْيَانٍ مدنيٍّ على نطاقٍ واسعٍ يكادُ أنْ يكونَ شاملاً في طُولِ البلادِ وعَرْضِهَا إنَّمَا هو، أوَّلاً وآخِرًا، قرارٌ مُتَّخَذٌ منْ طَرَفِ الشعبِ السُّودانيِّ الصَّعْتَرِيِّ الخِنْذِيذِ بوَعْيٍ جَمْعيٍّ بوُجُودِهِ السَّليبِ، سَواءً تمسَّكَ بهذا القرارِ لأجَلٍ مُسَمًّى (أو حتَّى بأيِّمَا قرارٍ سِوَاهُ، لذاتِ الأجَلِ المُسمَّى) قادةُ هذا الائتلافِ المدنيِّ أو أيٌّ منْ قادَاتِ تلك التَّحَالُفَاتِ المدنيَّةِ أمْ لمْ يتمسَّكُوا بِهِ لأيِّمَا أجَلٍ مُسَمًّى آخَرَ بَتَّةً، وسَواءً كانَ القادةُ المَعْنِيُّونَ أو أيٌّ من القادَاتِ المَعْنِيِّينَ مجتمعينَ عَلى التفاوضِ (الجَادِّ والحَادِّ) منْ أمَامِ قادةِ «المجلسِ العسكريِّ الانتقاليٍّ» أمْ كانوا حتَّى متفرِّقينَ فيما بَيْنَهُمْ، وقدْ كانوا كذلك، في واقعِ الأمرِ. ذلك لأنَّ جَذْوَةَ، أو جِذَاءَ، العِصْيَانِ المدنيِّ المُتَكَلَّمِ عنهُ، هَا هُنَا، كانتْ تشتدُّ اتِّقَادًا وتوهُّجًا في ألْبَابِ السُّودانِيَّاتِ والسُّودانِيِّينَ، ومَا زَالتْ تشتدُّ في قلوبِهِنَّ وفي قلوبِهِمْ، حتَّى قبلَ أنْ لجأتْ في مطلعِ هذا الشهرِ عناصرُ لاإنْسِيَّةٌ مَا دُونَ-بَهيمِيَّةٌ منْ «قواتِ الدعمِ السريعِ» (أو منْ «ميليشياتِ الجَنْجَويدِ» الشَّبِيهَةِ بـ«الشَّبِّيحَةِ»، سَابقًا)، بإيعازٍ مَرْئِيٍّ منْ فَلِّ الطُّغَاةِ الفُسَلاءِ طُغَاةِ الثوَرَانِ المُضَادِّ من المملكاتِ والإماراتِ (بما فيها مصرُ، والحَبْلُ البحرينِيُّ والعثمَانيُّ عَلى الجَرَّارِ)، وبإشرافٍ لامَرْئِيٍّ كذاك منْ أسيادِ هؤلاءِ الطُّغَاةِ الفُسَلاءِ الفِسَالِ منْ ذاك الغربِ الإمبرياليِّ الرُّوسِيِّ والأمريكيِّ والفرنسيِّ والإنكليزيِّ الأشَدِّ فُسُولَةً والأشَدِّ فَسَالَةً (بما فيهِ إسرائيلُ، والحَبْلُ الصِّينِيُّ والإيرانيُّ عَلى الجَرَّارِ، كذلك)، حتى قبلَ أنْ لجأتْ عناصرُ كهذهِ إلى ارتكابِ تلك الجَرَائِرِ النَّكْرَاءِ والمَجَازِرِ الشَّنْعَاءِ بحَقِّ مَنْ كانوا يعْتَصِمُونَ، ومَنْ كُنَّ يعْتَصِمْنَ، اعْتِصَامًا سِلْمِيًّا في الخَارجِ من مَقَرِّ الدِّفَاعِ بالذاتِ، مِمَّا أسفرَ عنْ عَشَراتٍ من القَتْلى قابلةٍ للزِّيَادَةِ وعنْ مِئَاتٍ من الجَرْحَى كذاك قابلةٍ للنُّقْصَانِ لكيمَا تزدادَ العَشَرَاتُ الأولى أكثرَ فأكثرَ – وهذهِ الجَرَائِرُ النَّكْرَاءُ والمَجَازِرُ الشَّنْعَاءُ بغَايَاتِها الجَلِيَّةِ في فَضِّ الاِعتصَامِ السِّلْمِيِّ ذاك باستخدامِ قوَّةِ الحَديدِ والنارِ، في حَدِّ ذاتِهَا وذَوَاتِهَا، ليسَ لهَا إلاَّ أنْ تُذَكِّرَ تذكيرًا بَدْئِيًّا دُونَ لَبْسٍ ودُونَ التِبَاسٍ بنظيراتِهَا الدَّمَوِيَّاتِ أيَّامَ ميدانِ اللؤلؤةِ في البحرين في أوَائِلِ شهرِ آذارَ عامَ 2011 (وبارْتِكَابِهَا بالعَمْدِ، فضلاً عنهُ، عَلى أيدي عناصرَ لاإنْسِيَّةٍ مَا دُونَ-بَهيمِيَّةٍ نظيرةٍ منْ أرْجَاسِ السُّعوديِّينَ والنَّهْيَانِيِّينَ)، منْ جهةٍ أولى، وأنْ تُذَكِّرَ تذكيرًا بَدْئِيًّا أيضًا بمثيلاتِهَا الأكثرِ دَمَويَّةً أيَّامَ ساحةِ رابعةَ العدويةِ في مصرَ في أوَاسِطِ شهرِ تمُّوزَ عامَ 2013 (وباقْتِرَافِهَا بالقَصْدِ، عِلاوَةً عليهِ، على أيدي عناصرَ لاإنْسِيَّةٍ مَا دُونَ-بَهيمِيَّةٍ مثيلةٍ من أنْجَاسِ السِّيسِيِّينَ)، من جهةٍ أخرى.

وإذا كانتِ الحُجَّةُ المُثْلَى عندَ أولئك المتحدِّثِينَ الجَادِّينَ كذاك، في أغلبِ الظَّنِّ طَوْرًا، أنَّ الحَرَاكَ الشَّعْبِيَّ السِّلْمِيَّ في السُّودانِ ينفردُ انفرادًا بحُضُورِ دَوْرٍ طليعيٍّ ملحوظٍ تلعبُهُ قيادةُ، أو قياداتُ، ذلك الحزبِ السِّيَاسِيِّ اليَسَارِيِّ (الفِعْلِيِّ) المَوْسُومِ منذُ نشأتِهِ عامَ 1946 بـ«الحزبِ الشيوعيِّ السُّودانيِّ»، عَلى اعتبارِهِ إذْ ذاكَ بمَعِيَّةِ «الحزبِ الشيوعيِّ العراقيِّ» حتَّى ذلك العامِ المشؤومِ، عامِ الانْحِسَارِ الأيديولوجيِّ المَزْؤُومِ، عامَ 1971، عَلى اعتبارِهِ إذْ ذاكَ أكبرَ حزبٍ ماركسيٍّ في العَالَمِ العربيِّ بأسْرِهِ – رَغْمَ كافَّةِ المَحْدُودِيَّاتِ المَادِّيَّةِ والمَعْنَوِيَّةِ لَدَى نُشُوءِ «طبقةٍ عاملةٍ» سُودانيَّةٍ كانتْ قدِ اقترنتْ بِهذا الحزبِ الماركسيِّ في أعقابِ تَمَرْكُزِ الاستعمارِ الإنكليزيِّ واتِّكَائِهِ بالبَسَاطِيرِ على الرِّقَابِ منْ أنْذالِ الجيشِ المصريِّ بالذاتِ، فإنَّ ذلك الاِنقلابَ المدرُوسَ الشَّهِيرَ الذي قامَ بِهِ (في ذلك العامِ) بعضٌ من الأعضاءِ القادةِ والأعضاءِ غَيْرِ القادةِ منْ تلك القيادةِ، أو منْ تلك القياداتِ، عَلى العسكريِّ «اليَسَارِيِّ» اللاماركسيِّ جعفر النميري بعدَ استعانتِهِمْ بعسكريَّتِهِ «المَتِينَةِ»، حَسْبَ ظَنِّهِمْ إبَّانَئِذٍ (وهو، عَلى فكرةٍ، اِنقلابٌ مدرُوسٌ لمْ يتكلَّلْ بأكاليلِ النَّجَاحِ خَلا أيَّامٍ معدُوداتٍ (ثلاثةٍ أوْ يزيدُ) قبلَ قيامِ هذا العسكريِّ «اليَسَارِيِّ» اللاماركسيِّ، منْ طَرَفِهِ هو الآخَرُ، بانقلابِهِ المدرُوسِ «المُضَادِّ» الأكثرِ شُهْرَةً)، فإنَّهُ لا يختلفُ منْ حيثُ المبدأُ، ولا حتَّى منْ حيثُ المَنْهَى، عن أيٍّ منْ تلك الانقلابَاتِ السِّيَاسِيَّةِ، أو منْ حتَّى تلك الانقلابَاتِ العسكريَّةِ، التي قِيمَ بِهَا في أجْزَاءٍ مُتَفَرِّقَةٍ ومُخْتَلِفَةٍ منْ هذا العَالَمِ العربيِّ الحَزِينِ منذُ ذلك الحينِ: فَثَمَّةَ فارقٌ جَوْهَرِيٌّ جِدُّ كبيرٍ، والحَالُ هذهِ، بينَ عَيْنِ «الثورةِ السِّيَاسِيَّةِ»، دَعْكُمَا منْ ذِكْرِ «الثورةِ العسكريَّةِ» إنْ جَازَ استعمَالُ المُفْرَدَةِ الأولى في هذهِ القرينةِ، وبينَ عَيْنِ «الثورةِ الاِجْتمَاعِيَّةِ» التي نحنُ بصَدَدِ الكلامِ المُحَاوَلِ عَنْهَا الآنَ، في هذا المشهدِ الثوريِّ الشَّعْبِيِّ السُّودَانيِّ بالذاتِ، ذلك الفارقِ الجَوْهَرِيِّ الذي يتبدَّى لِنَاظِرِ البَدَاهةِ حَسْبَمَا كانَ يُسْتَنْبَطُ استنباطًا منْ خلالِ مبادئِ التنظيرِ الماركسيِّ عَيْنِهِ، وحَسْبَمَا كانَ يُسْتَقْرَأُ استقراءً كذاك منْ جَرَّاءِ مَنَاهِي التنظيرِ التروتسكِيِّ عَيْنِ عَيْنِهِ. ولٰكِنْ، ولٰكِنْ، وبالرَّغْمِ منْ كلِّ مَا بَانَ، هُنَا وهُنَاكَ، منْ إرْهَاصَاتِ المُتَوَارَثِ مِنْ ذلك العامِ المشؤومِ، عامِ الانْحِسَارِ الأيديولوجيِّ المَزْؤُومِ، وعلى الرَّغمِ منْ كلِّ تلك الأحَابيلِ والأبَاطيلِ التي باتَ عناصِرُ قادةٌ أو حتَّى غيرُ قادةٍ من «المجلسِ العسكريِّ الانتقاليٍّ» (أوْ، وِفَاقًا لتَسْمِيَتِهِ بالعُرْفِ والاصْطِلاحِ المُعَارِضَيْنِ، بـ«المجلسِ العسكريِّ الانقلابيٍّ»)، بَاتُوا ومَا بَرِحُوا، يَخْتَلِقُونَها اخْتِلاقَ أسْلافِهِمْ من الطُّغَاةِ العُتَاةِ المُصْطَنَعِينَ الذينَ «سَادُوا» وَ/أوْ بَادُوا، ويَجْتَرِحُونَهَا منْ ثَمَّ اجْتِرَاحَ مُعاصِرِيهِمْ منهُمْ، منْ أجْلِ إخْمَادِ لَهَبَانِ هذا الثَّوَرَانِ الشَّعْبِيِّ ومنْ أجْلِ القَضَاءِ عَليهِ كُلاًّ وكُلِّيَّةً بأسْرَعِ مَا يُمْكُنُ لّهُمْ زَمَانًا (وبالإيعاز «المَحَلِّيِّ» المَرْئِيٍّ وبالإشرافٍ الدُّوَلِيِّ اللامَرْئِيٍّ، كمَا أُشِيرَ إليهِمَا قبلَ قليلٍ)، إلاَّ أنَّهُ لا بُدَّ من القَوْلِ بالإشَادَةِ والاسْتِحْسَانِ، دُونَمَا الإغْرَاقِ في أيٍّ منهُمَا، ودُونَمَا الوُقُوعِ بالتَّالي في شَرَكِ «الحَمَاسِ فوقَ-الثوريِّ» المُتَحَدَّثِ عنهُ، هَا هُنَا، فيمَا لهُ مِسَاسٌ بالدَّوْرِ الذي كانَ، ولَمْ يَزَلْ، يقومُ بِهِ أعضاءٌ قياديُّونَ، أو غيرُ قياديِّينَ، من «الحزبِ الشيوعيِّ السُّودانيِّ» بالذاتِ في سَيْرُورَةِ الحَرَاكِ الشَّعْبِيِّ السِّلْمِيِّ في البلادِ، وفي اسْتِمْرَارِيَّةِ هذا الحَرَاكِ عَلى أكثرَ منْ صَعِيدٍ، ذلك الدَّوْرِ اللَّافتِ للانتبَاهِ الذي يَكادُ أنْ يتفرَّدَ بِهِ هكذا حزبٌ يَسَارِيٌّ ماركسيٌّ منْ بينِ كافَّةِ الأحزابِ اليَسَارِيَّةِ الماركسيَّةِ في العَالَمِ العربيِّ كافَّتِهَا، والذي يكادُ أنْ يَتَرَجَّحَ بالكِفَافِ تَرَجُّحًا حتَّى على النَّظِيرِ اليَسَارِيٌّ الماركسيِّ في تونسَ المَعْرُوفِ بـ«الاتحادِ العامِّ التونسيِّ للشغلِ»، -union- Générale Tunisienne du Travail (UGTT)، والضَّامِّ كذاك بمعيَّةِ النَّظِيرِ اليَسَارِيٌّ الماركسيِّ الآخَرِ المَدْعُوِّ بـ«حزب العُمَّالِ (الشيوعيِّ التونسيِّ)» وُجُودًا طُلاَّبِيًّا من الأهميَّةِ بمكَانٍ من صُلْبِ الاتحادِ المَعْنيِّ بـ«الاتحادِ العامِّ لطلبةِ تونسَ»، في حَدِّ ذاتِهِ. وبالأخْذِ بِلُبِّ الحُسْبَانِ هكذا دَوْرًا لافتًا للانتبَاهِ لهكذا حزبٍ يَسَارِيٍّ ماركسيٍّ منُ كلِّ جَانبٍ مُمْكِنٍ، وبالأخْذِ بِعَيْنِ الاِعْتِبَارِ، إضافةً إليهِ، مَا قدْ ترتَّبَ عَلى تلك الجَرَائِرِ النَّكْرَاءِ والمَجَازِرِ الشَّنْعَاءِ التي ارتكبتهَا المؤسَّسةُ العسكريَّةُ السُّودانيَّةُ (بالإيعازِ «المَحَلِّيِّ» المَرْئِيِّ وبالإشرافِ الدُّوَلِيِّ اللامَرْئِيِّ ذاتَيْهِمَا)، وبغَايَاتِها الجَلِيَّةِ قبلَ كلِّ شيءٍ في فَضِّ الحَرَاكِ الشَّعْبِيِّ السِّلْمِيِّ في غِرَارِهِ الاِعتصَامِيِّ ذاك باستخدامِ قوَّةِ الحَديدِ والنارِ، صَارَ واضِحًا للعِيَانِ أكثرَ منْ أيِّ وَقْتٍ مَضَى أنَّ كلَّ الأحزابِ اليَسَارِيَّةِ الماركسيَّةِ واللاماركسيَّةِ والـ«مَا بَيْنَ بَيْنَ»، وعَلى الأخصِّ تلك الأحزابَ التي كانتْ، ومَا فَتِئَتْ، تبتغي برغبتِهَا المَاسَّةِ ابتغاءً نوعَ التباحُثِ والتفاوُضِ الجَادَّيْنِ بُغْيَةَ التَّوَصُّلِ إلى أنواعِ التَّسْوِيَاتِ مَعَ هذهِ المؤسَّسةِ العسكريَّةِ عَيْنِهَا، إنَّمَا هي الآنَ في موقفٍ قراريٍّ ليسَ لَهَا فيهِ سِوَى أنْ تَنْخَرِطَ بالحَشْدِ انخراطًا في حُشُودِ المُعْتَصِمَاتِ السُّودانيَّاتِ والمُعْتَصِمِينَ السُّودانيِّينَ طُرًّا، وليسَ لَهَا فيهِ كذاك، في آخِرِ المَطافِ، سِوَى أنْ تَتَمَاهَى، عنْ سَبِيلِ «المَنَابِ الإنسَانيِّ الفَرْدِيِّ» لكُلٍّ منْ أعضائِهَا، بمَا سُمِّيَ في موضعٍ آخَرَ بـ«المَنَابِ الإنسَانيِّ الجَمْعِيِّ» Collective Human Agency، وخاصَّةً حينمَا يكونُ هذا المَنَابُ مُدَجَّجًا بقُوَّةِ الإرادَةِ الإنسَانيَّةِ الجَامِعَةِ – وللتذكيرِ، هَا هُنا، بمَا قِيلَ وَقْتَئِذٍ: حتىَّ أفراخُ الطَّيرِ تستطيعُ أنْ تُحَلِّقَ في السَّمَاءِ أعْلى مِمَّا تستطيعُ (أنْ «تُحَلِّقَ» عَلى الأرضِ) بقُوَّةِ الإرادَةِ في حَدِّ ذاتِهَا، لا بقُوَّةِ الجَنَاحَيْنِ، كَمَا كَانَ الحُكَمَاءُ القُدَامَى يقولونَ وقدْ كانوا عَلى يَقِينٍ مُطْلَقٍ من هذا القَوْلِ، وأوَّلُهُمْ كُونْفُوشْيُوسْ.

غَيْرَ أنَّ الفارقَ «الموضُوعيَّ» الوحيدَ الذي يبدو أنَّهُ قدْ غَابَ غِيَابًا كُلِّيًّا عنْ أذْهَانِ الكثيرِ من المُحَلِّلِينَ السِّيَاسِيِّينَ والكَتَبَةِ الصِّحَافِيِّينَ (بمنْ فيهِمْ كذاك أولئك «الماركسيِّونَ» المَعْنِيُّونَ، عَلى الأقلِّ حتَّى لحظةِ نَقْرِ مِفْتاحِ هذهِ «النُّونِ» الأخيرةِ)، إنَّمَا يَتَكَمَّنُ في الفارقِ الجَوْهَرِيِّ بينَ التَّسْيِيبِ «النَّاسِخِ» للسِّلاحِ الآلِيِّ والعَتَادِيِّ وبينَ التَّسْيِيبِ «المَنْسُوخِ» للإسْلامِ المَالِيِّ والجِهَادِيِّ. إنَّ غَبَاءَ الطَّاغِيَتَيْنِ العسكريَّيْنِ المُصْطَنَعَيْنَ المَعْنِيَّيْنِ في زَمَنٍ مِثْلَ هذا الزَّمَانِ، عبد الفتاحِ البرهانِ وسَاعِدهِ اليَمِينِيِّ محمد الـ«حمدانِ» الـ«دقليِّ» ذي اللقبِ العَامِّيِّ الغَنِيِّ عنِ الذِّكْرِ «حميدتي» (أيْ دَاجِرِ أرْدَأِ التُّمُورِ وتاجِرِ البُعْرَانِ، تحديدًا)، إنَّهُ لَغَبَاءٌ لا يَطْفِرُ هكذا، دُونَمَا سَابِقِ إيمَاءَةٍ، طَفْرًا فُجَائِيًّا، أو بالحَرِيِّ «طُفْرَانًا اِفْتِجَائِيًّا» Abrupt Mutation، عنْ ذلك الغَبَاءِ القَهْرِيِّ التَّكْرَارِيِّ الذي يتحلَّى بِهِ الآخَرُونَ من الطُّغَاةِ العُتَاةِ المُصْطَنَعِينَ، بُغَاةِ التَّهَدُّمِ لا التَّقَدُّمِ، حتَّى يَلْجَآ طَافِرَيْنِ إلى تلك الأحَابيلِ والأبَاطِيلِ الدَّنِيَّةِ والدَّنِيئَةِ كَيْمَا يُوقِعَا إيقاعًا مُتَعَمَّدًا أشتاتَ الأُبَاةِ العُصَاةِ المَدَنِيِّينَ في شَرَكِ الاجترارِ إلى أوْكارِ العِصْيَانِ المُسَلَّحِ، في المُقَابِلِ: فالتَّسْيِيبُ «النَّاسِخُ» للسِّلاحِ الآلِيِّ والعَتَادِيِّ في البُيُوتِ والمَيَادِينِ، كَمَا يكونُ المَآلُ هذا اليومَ في المَشْهَدِ الثوريِّ الشَّعْبِيِّ السُّودانِيِّ، شَيْءٌ، والتَّسْيِيبُ «المَنْسُوخُ» للإسْلامِ المَالِيِّ والجِهَادِيِّ من السُّجُونِ والزَّنَازِينِ، كَمَا كانَ الآلُ بالأمسِ في المَشْهَدِ الثوريِّ الشَّعْبِيِّ السُّورِيِّ، شَيْءٌ آخَرُ.

[انتهى القسم الحادي عشر من هذا المقال ويليه القسم الثاني عشر]

*** *** ***

لندن، 11 حزيران 2019



#غياث_المرزوق (هاشتاغ)       Ghiath_El_Marzouk#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ذٰلِكَ ٱلْغَبَاءُ ٱلْقَهْرِيُّ ٱلْتّ ...
- ذٰلِكَ ٱلْغَبَاءُ ٱلْقَهْرِيُّ ٱلْتّ ...
- ذٰلِكَ ٱلْغَبَاءُ ٱلْقَهْرِيُّ ٱلْتّ ...
- ذٰلِكَ ٱلْغَبَاءُ ٱلْقَهْرِيُّ ٱلْتّ ...
- يَا نِسَاءَ ٱلعَالَمِ ٱتَّحِدْنَ (4)
- يَا نِسَاءَ ٱلعَالَمِ ٱتَّحِدْنَ (3)
- ذٰلِكَ ٱلْغَبَاءُ ٱلْقَهْرِيُّ ٱلْتّ ...
- ذٰلِكَ ٱلْغَبَاءُ ٱلْقَهْرِيُّ ٱلْتّ ...
- رَسِيلٌ يَفَاعٌ إِلى هَذَا الوَطَنِ العَرَبِيِّ الجُزَاعِ (2 ...
- رَسِيلٌ يَفَاعٌ إِلى هَذا الوَطَنِ العَرَبِيِّ الجُزَاعِ (1)
- ذٰلِكَ ٱلْغَبَاءُ ٱلْقَهْرِيُّ ٱلْتّ ...
- ذٰلِكَ ٱلْغَبَاءُ ٱلْقَهْرِيُّ ٱلْتّ ...
- مِنْ حَقَائِقِنَا هُنَاْ، وَمِنْ حَقَائِقِهِمْ هُنَاكَ (8)
- مِنْ حَقَائِقِنَا هُنَاْ، وَمِنْ حَقَائِقِهِمْ هُنَاكَ (7)
- ذٰلِكَ ٱلْغَبَاءُ ٱلْقَهْرِيُّ ٱلْتّ ...
- ذٰلِكَ ٱلْغَبَاءُ ٱلْقَهْرِيُّ ٱلْتّ ...
- ذٰلِكَ ٱلكَاتِبُ ٱلمُوسِيقِيُّ: شِقَاقُ &# ...
- ذٰلِكَ ٱلكَاتِبُ ٱلمُوْسِيقِيُّ: شِقَاقُ & ...
- ذٰلِكَ ٱلكَاتِبُ ٱلمَسْرَحِيُّ: تَهْمِيشُ ...
- مِنْ حَقَائِقِنَا هُنَا، وَمِنْ حَقَائِقِهِمْ هُنَاكَ (6)


المزيد.....




- ترامب: جامعة كولومبيا ارتكبت -خطأ فادحا- بإلغاء حضور الفصول ...
- عقوبات أميركية جديدة على إيران تستهدف منفذي هجمات سيبرانية
- واشنطن تدعو بغداد لحماية القوات الأميركية بعد هجومين جديدين ...
- رئيس الوزراء الفلسطيني يعلن حزمة إصلاحات جديدة
- الاحتلال يقتحم مناطق بالضفة ويشتبك مع فلسطينيين بالخليل
- تصاعد الاحتجاجات بجامعات أميركية للمطالبة بوقف العدوان على غ ...
- كوريا الشمالية: المساعدات الأمريكية لأوكرانيا لن توقف تقدم ا ...
- بيونغ يانغ: ساحة المعركة في أوكرانيا أضحت مقبرة لأسلحة الولا ...
- جنود الجيش الأوكراني يفككون مدافع -إم -777- الأمريكية
- العلماء الروس يحولون النفايات إلى أسمنت رخيص التكلفة


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - غياث المرزوق - ذٰلِكَ ٱلْغَبَاءُ ٱلْقَهْرِيُّ ٱلْتَّكْرَارِيُّ: طُغَاةُ ٱلْتَّقَدُّمِ أَمْ بُغَاةُ ٱلْتَّهَدُّمِ؟ (11)