أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - غياث المرزوق - ذٰلِكَ ٱلْغَبَاءُ ٱلْقَهْرِيُّ ٱلْتَّكْرَارِيُّ: طُغَاةُ ٱلْتَّقَدُّمِ أَمْ بُغَاةُ ٱلْتَّهَدُّمِ؟ (8)















المزيد.....

ذٰلِكَ ٱلْغَبَاءُ ٱلْقَهْرِيُّ ٱلْتَّكْرَارِيُّ: طُغَاةُ ٱلْتَّقَدُّمِ أَمْ بُغَاةُ ٱلْتَّهَدُّمِ؟ (8)


غياث المرزوق
(Ghiath El Marzouk)


الحوار المتمدن-العدد: 6216 - 2019 / 4 / 30 - 23:55
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


إِنَّ بَيْنَ يَدَيِ ٱلْسَّاعَةِ ٱلْهَرْجَ. قِيلَ: وَمَا ٱلْهَرْجُ؟ قَالَ: ٱلْكَذِبُ وَٱلْقَتْلُ [أَيْضًا].
قَالُوا: أَكْثَرَ مِمَّا نَقْتُلُ ٱلْآنَ؟ قَالَ: إِنَّهُ لَيْسَ بِقَتْلِكُمْ [أَعْدَاءً]، وَلٰكِنَّهُ قَتْلُ بَعْضِكُمْ بَعْضًا!
مُحَمَّدٌ بْنُ عَبْدِ اللهِ


قلتُ أكثرَ من مرَّةٍ، وخاصَّةً في الأقسامِ الأولى من هذا المقالِ وفيمَا سَبَقَهُ من مقالاتٍ لا تَلْتَقِي وإيَّاهُ في الموضوعِ السِّيَاسِيِّ المَعْنِيِّ حتَّى، قلتُ إنَّ ذٰلِكَ الغَبَاءَ القَهْرِيَّ التَّكْرَارِيَّ إنَّما هُوَ دَاءٌ نفسيٌّ عُضَالٌ يستحْوذُ استحْواذًا فِطْرِيًّا ومُكْتَسَبًا على ذِهْنِيَّاتِ كُلِّ أولئك الطُّغاةِ العُتَاةِ المُصْطَنَعِينَ، أينمَا ثُقِفُوا في أصْقاعِ هذا العالَمِ العربيِّ المَطْمُومِ هَمًّا وغَمًّا فائضَيْنِ (من جَرَّاءِ مَا كَانُوا، ومَا زَالُوا، يرتكبُونهُ من جَرائرِ سِلْمٍ ومن جرائمِ حَرْبٍ، ومَا بَيْنَهُمَا، في حَقِّهِ بأمْرٍ وبتَكْلِيفٍ ذَاتِيَّيْنِ أو آخَرِيَّيْنِ، منذُ أنْ أُثْقِلَ كَاهِلُهُ بحُكْمِهِمْ وبمُلْكِهِمْ عَضُوضَيْنِ قبلَ عَشَرَاتٍ من السِّنِينِ العِجَافِ)، وفي أصْقاعِ مَا يُمَاثِلُهُ من بقايَا ذاك العالَمِ اللَّاعربيِّ المُسَمَّى تَسْمِيَةً تَمَاثُلِيَّةً بـ«العَالَمِ الثَّالِثِ». صحيحٌ كُلَّ الصَّحَاحِ أنَّ هؤلاءِ الطُّغاةَ العُتَاةَ المُصْطَنَعِينَ يلتقونَ ويتلاقُونَ بكَافَّتِهِمْ بِنَحْوٍ أو بِآخَرَ، نظرًا، في مَدَى كلٍّ من الطغيانِ والعُتُوِّ والاصطناعِ بالقوةِ، مثلما يدلُّ نَعْتُهُمْ بهذهِ النُّعُوتِ دلالةً جَلِيَّةً بكلِّ مَا تحتويهِ في سَيْرُورةِ «المَنْضُودِ الكلاميِّ» Verbal Collocation من مَعَانٍ ظاهريَّةٍ تصريحيَّةٍ أو حتَّى باطنيَّةٍ تضمينيَّةٍ. إلاَّ أنهمْ يفترقُونَ أيَّما افتراقٍ، مُمَارَسَةً، في «جَدَا» كلٍّ من هذا الطغيانِ وهذا العُتُوِّ وهذا الاصطناعِ بالفعلِ – وذلك افتراقٌ كلُّهُ رَهْنٌ باختلافِ الكَيْفِ الذي يسعى بهِ كلٌّ من هؤلاءِ الطُّغاةِ العُتَاةِ المُصْطَنَعِينَ إلى اسْتِتْبَابِ تَسَلُّطِهِ العسكريِّ الفرديِّ المُطْلَقِ اسْتِتْبَابًا «توريثيًّا» قائمًا، جيلاً بعدَ جيلٍ، على صلاتِ الدَّمِ البيولوجيِّ (كما الحَالُ في سوريا، وما شَابَهَ) أو حتى على صلاتِ الدَّمِ الأيديولوجيِّ (كما الحَالُ في مصرَ، وما أشبَهَ أيضًا)، ويسعى من ثمَّ إلى إرْضَاءِ سيِّدِهِ الأجنبيِّ (أو أسيادِهِ الأجَانبِ)، من أوربا وَ/أوْ من أمريكا وَ/أوْ حتى من آسيا، بغيةَ الحفاظِ المُسْتَدِيمِ إلى أجلٍ غيرِ مُسَمًّى على هكذا كَيْفٍ بمثابةٍ أو بأُخرى – وذلك اختلافٌ بالكَيْفِ، كَيْفِ الاسْتِتْبَابِ «التوريثيِّ» القائمِ، كلُّهُ، بدورِهِ هو الآخَرُ، إنَّمَا هو رَهْنٌ كذلك باختلافِ النَّهْجِ الذي يَسُوسُ بهِ ذاك السيِّدُ الأجنبيُّ (أو أيٌّ من أولئك الأسيادِ الأجَانبِ) نوعَ سياستِهِ الخارجيةِ في أيٍّ من البلدانِ العربيَّةِ المعنيَّةِ من هذا الشرقِ الأوسطِ «الكبيرِ» المُكَابَرِ بينَ أواسِطِ «الأرضِ مَا بعدَ الخَرَابِ» The Post-Waste Land، لكي نذكرَ المَجَازَ الإلْيُوتِيَّ (نسبةً إلى الشاعرِ الأمريكيِّ-البريطانيِّ توماس سْتيرْنْز إليوت) مرَّةً ثانيةً. فَهَا هو طاغيةُ سوريا بشار الأسد، من جانبٍ، يتشدَّقُ بالإيعازِ الرُّوسيِّ جهرًا (والإيرانيِّ سِرًّا) بالنَّأْيِ بنفسِهِ عن فَرْضِ أيٍّ من القيودِ والشُّروطِ على مَا تبقَّى مِمَّا يُسَمَّى بـ«المعارضةِ السُّوريةِ» اِسْمًا (وثمَّةَ، في هذهِ القرينةِ، الكثيرُ مِمَّنْ يُصِرُّونَ على إزالةِ النقطةِ من على حرفِ الضَّادِ بالذاتِ!)، وعلى الأخصِّ فيما يَخُصُّ تشكيلَ «لجنةِ إصلاحاتٍ دستوريةٍ» من شَأنِها أنْ تُحدِّدَ، افتراضًا، تَسْيَارَ الحُكْمِ المستقبليِّ في سُوريا وتنظيمَ الانتخاباتِ الرئاسيةِ والتشريعيةِ، ومَا إلى ذلك، وذلك بعد مَسَاخِرِ «الانتصارِ الذَّخِيرِ» الذي أحرزَهُ الطَّاغيةُ العَتِيُّ المُصْطَنَعُ المَقصُودُ إحرازًا بعدَ قصْفٍ مُكَثَّفٍ من كلِّ أنواعِ الغاراتِ الجويَّةِ الرُّوسِيَّةِ (أو «الرُّوسُورِيَّةِ»، بالأحرى) في الشمالِ الغربيِّ من سُوريا في الأيَّام الخَوالِي، على الرَّغمِ من إدانةٍ صَريحَةٍ لوَيْلاتِ هذا القصفِ المُكَثَّفِ (ومَا كَانَ منهُ آنِفًا) حتى من لَدُنْ رجلٍ دينيٍّ عراقيٍّ «حَمِيمٍ» بحُكْمِ الانتماءِ الطَّائفيِّ، كمثلِ مقتدى الصَّدر، وعلى الرَّغمِ من دعوتِهِ إلى تنحِّي هذا الطَّاغيةِ العَتِيِّ المُصْطَنَعِ المَقصُودِ، وإلى الانسحابِ العَاجِلِ من أرضِ سُوريا بِسَائِرِ قواتِ «الحَشْدِ الشَّعبيِّ»، وإلى «تركِ زِمَامِ الأمورِ كُلِّهَا لشعبِهَا الأبِيِّ». وهَا هو طاغيةُ مصرَ عبد الفتاح السيسي، من جانبٍ آخَرَ، يتمنطقُ بالإيحَاءِ الأمريكيِّ جَلاءً (والإسرائيليِّ خَفَاءً) بالأخْذِ على نفسِهِ تجديدَ قانُونِ القِصَاصِ الطَّارئيِّ (قانُونِ حَالاتِ الطوارئِ وحَالاتِ الاتِّهَامِ الميدانيِّ المُبَادِئِ بشكلٍ أو أكثرَ من أشكالِ «الإرهابِ» من أجلِ كَتْمِ أصْواتِ أيَّةٍ من تلك «المُعَارَضَاتِ المصريَّةِ» الجَسُورَةِ، في هذا الآنِ، ومن أجلِ كَبْحِهَا كَبْحًا كُلِّيًّا كالمعتادِ، كذلك)، وذلك بعد مهازلِ «الانتصار الكبيرِ» الذي حقَّقهُ الطاغيةُ العَتِيُّ المُصْطَنَعُ المَعْنِيُّ تحقيقًا في أعقابِ عَصْفٍ مُؤَثَّفٍ من كلِّ أصْنَافِ الاستفتاءِ والتصويتِ العَسْفِيَّيْنِ المزيَّفَيْنِ على تعديلِ، لا بلْ على إعادةِ تفصيلِ، الدستورِ المصريِّ على المَقَاسِ المطلوبِ كَيْمَا يظلَّ هذا الطاغيةُ العَتِيُّ المُصْطَنَعُ المَعْنِيُّ في الحُكْمِ «المرغُوبِ»، كَيْمَا يظلَّ حاكمًا بأمْرِهِ هو بالذاتِ (لا بأمْرِ ذاتِ اللهِ) في المَدِّ، من أربعٍ إلى سِتٍّ من سَنَواتِ المُجُونِ، وفي العَدِّ حتى إشْعَارٍ آخَرَ سَنَةَ «ألفَيْنِ وثلاثينَ» سَنَةَ السِّنِينِ، وما بعدهَا كذلك من ذلك الحِينِ المُحَانِ إلى يومِ يُبْعَثُونَ، على الرَّغمِ من إدانةٍ أشدَّ صَرَاحَةً لآفَاتِ هذا العَصْفِ المُؤَثَّفِ (ومَا كَانَ منهُ فَائتًا أيضًا) من طرفِ لِجَانِ «حقوقِ الإنسانِ» على مستوى العَالَمِ العربيِّ، ومن طرفِ النَّظائرِ والشَّقَائقِ على مستوى الاتحادِ الأورُبِّيِّ.

ناهيكما، أيَّتُهَا القارئةُ النَّبيهةُ وأيُّهَا القارئُ النَّبيهُ، بطبيعةِ الحالِ، عمَّا يقومُ بهِ الآنَ طاغيةُ ليبيا (أو، بالقمينِ، «طاغيةُ شرقيِّ ليبيا» وحَسْبُ)، خليفة بلقاسم حفتر، ذلك المَوْسُومُ والمَوْصُومُ هَزْءًا ومَهْزَأةً بـ«أميرِ الحَرْبِ» Warlord، حتَّى تكتملَ مَهْزَأةُ المَهَازِئِ، هَا هُنا – ناهيكما عمَّا يقومُ بهِ الآنَ هذا الطاغيةُ العَتِيُّ الأكثرُ في الاصْطِنَاعِ الأجنبيِّ، ولا ريبَ، من اقترافِ كلِّ أشْتاتِ الشُّرورِ والآثامِ والفظائعِ والشَّنَائعِ بحقِّ البريئاتِ والأبرياءِ (وهُنَّ وهُمْ بعَشَرَاتِ الآلافِ) من غربيِّ هذهِ الـ«ليبيا» البلدِ التَّلِيدِ، وبالإلْهَامِ الفرنسيِّ والإيطاليِّ والأمريكيِّ على رَافَّةِ الملأِ «الأعلى»، بذلك (وبالإلْحَامِ السُّعُوديِّ والإمَارَاتيِّ والمصريِّ على حَافَّةِ الملأ «الأدنى»، كذلك)، وخُصُوصًا كُلَّ الخُصُوصِ بعدَ أن تَخَوْزَقَ هذا الطاغيةُ العَتِيُّ الأكثرُ في الاصْطِنَاعِ الأجنبيِّ أيَّمَا تَخَوْزُقٍ بشَتَّى أطوالِ وشَتَّى أعْرَاضِ الخَوَازِيقِ الإفريقيةِ واللاإفريقيةِ في جمهوريةِ تشادَ، على وجهِ التحديدِ. كُلُّ هذا الإلْهَامِ الدُّوَلِيِّ السَّيْدُودِيِّ وكُلُّ هذا الإلْحَامِ «المَحَلِّيِّ» العُبُودِيِّ، في واقعِ الأمرِ، إنَّمَا مبتغاهُمَا لَمُبْتَغًى ثُنَائيٌّ مُزْدَوَجٌ مُتَكَامِلٌ يتجلَّى في ذلك التَّكَالُبِ الأجنبيِّ العُصَابِيِّ الهُجَاسِيِّ، تكالُبِ «المُسْتَذْئِبِينَ» أوِ «المَذْؤُوبِينَ» Lycanthropes، على الاغترافِ المُغْدَقِ من جُلِّ الاحتياطِيِّ الليبيِّ من النفطِ والغازِ الطبيعيَّيْنِ الشهيرَيْنِ بجودتِهِمَا العَالميَّةِ فعليًّا، في الحَيِّزِ الأوَّلِ، ويتبدِّى كذلك في ذلك التَّناوُشِ «العَرَبِيِّ» و«العُرْبَانِيِّ» و«المُسْتَعْرِبِيِّ» الذُّهَانِيِّ الهُرَاعِيِّ، تَنَاوشِ «المُتَوَحِّشِينَ» أوِ «الوَحْشِيِّينَ» Ruffian Savages، على الاسْتِبْقَاءِ المُطْبِقِ والمَرْعِيِّ لتفعيلِ الثَّوَرَانِ المُضَادِّ بأيَّتِمَا وسيلةٍ، أو حتَّى بأيَّتِمَا رذيلةٍ، كانتْ، في الحَيِّزِ الثَّاني. وقدْ كانتْ ذُرْوَةُ هذا الاسْتِبْقَاءِ المُطْبِقِ والمَرْعِيِّ، ارْتِعَابًا وارْتِيَاعًا سَرِيرِيَّيْنِ يعتريانِ كيانَ كلِّ من أولئك الطُّغاةِ العُتَاةِ المُصْطَنَعِينَ المَعْنِيِّينَ، محمد بن سلمان ومحمد بن زايد وعبد الفتاح السيسي، وقدْ كانتْ تزامنتْ، بهيئةٍ أو بأُخرى، معَ اندلاعِ ثورةِ الشَّعْبِ السُّودَانيِّ (منذ اليومِ التاسعَ عَشَر من شهرِ كانون الأول من العام الفائتِ)، ومعَ نُشُوبِ ثورةِ الشَّعْبِ الجزائريِّ (منذ اليومِ الثاني والعشرينَ من شهرِ شباط من هذا العام). فتلك، من طرفٍ، جماهيرُ الشَّعْبِ السُّودَانيِّ الصَّعْتَرِيِّ الخِنْذِيذِ مَا بَرِحَتْ تهتِفُ بالهُتَافِ الوَلِيدِ لحظةَ الانفجارِ الأوَّلِيِّ، بعدما حطَّمتْ سَائرَ جدرانِ الخوفِ والرُّعْبِ المُزْمِنَيْنِ قُدَّامَ التغوُّلِ الطغيانيِّ العسكريِّ والأمنيِّ، مَا بَرِحَتْ تهتِفُ كما هَتفَتْ شُعُوبُ ذاتِ «الربيعِ العربيِّ»، تهتِفُ، هكذا: «الشعب يريد إسقاط النظام!». وتلك، من طرفٍ آخَرَ، جماهيرُ الشَّعْبِ الجزائريِّ الفِرْنَاسِيِّ الصِّنديدِ مَا انفكَّتْ تهتِفُ بالهُتَافِ الوَلِيدِ ذاتِهِ، وقدْ قَوَّضتْ سَائرَ جدرانِ الخوفِ والرُّعْبِ المُزْمِنَيْنِ ذاتِهَا وأكثرَ منها حتَّى، مَا انفكَّتْ تهتِفُ باختلافٍ معجميٍّ طفيفٍ عن النَّظِيرٍ السُّودانيِّ، لكنَّهُ اختلافٌ لَهُ مدلولُهُ الدَّالُّ، في هذا السياقِ، تهتِفُ، هكذا: «الشعب يريد رحيل النظام!». فمنْ غَبَنِ «التحليلِ السياسيِّ»، مرَّةً أُخرى، أنْ يُعْمَدَ إلى النظرِ التمييزيِّ، أو حتَّى التفضيليِّ، إلى «إنجازاتِ» الثورةِ الشعبيةِ السُّودَانيَّةِ، حتى هذا الحينِ منها، دونَ النظرِ إلى ما يقابلُ هذهِ الـ«إنجازاتِ» فيما يتعلَّقُ بالثورةِ الشعبيةِ الجزائريَّةِ تحديدًا (أو أيَّةِ ثورةٍ شعبيةٍ عربيةٍ، بقدر ما يتعلَّقُ الأمرُ بها كذلك)، كما فعلَ الباحثُ الجامعيُّ جلبير الأشقر بكلِّ جِدِّيَّةٍ في مقالهِ الأخيرِ «التضامنُ مع الثورةِ السودانيةِ ملحٌّ!» (القدس العربي، 23 نيسان 2019).

لا خلافَ على أنَّ ثَمَّ تشابُهًا نسبيًّا بين النظامَيْنِ السُّودَانيِّ والجزائريِّ من حيثُ الوُصُولُ الانقلابيُّ إلى عُرُوشِ السُّلْطَةِ (وُصُولُ النظامِ الأوَّلِ قبلَ ثلاثينَ عَامًا، ووُصُولُ النظامِ الثاني قبلَ خمسةٍ وخمسينَ عَامًا). ولا خلافَ كذاك على أنَّ ثَمَّ تشابُهًا مُطْلَقًا بين هٰذَيْنِ النظامَيْنِ من حيثُ الالتصَاقُ الشَّغَفِيُّ الهَوَسِيُّ، التصَاقُ الطاغيتَيْنِ العَتِيَّيْنِ المُصْطَنَعَيْنِ المَعْنِيَّيْنِ بهذهِ العُرُوشِ، كما يلتصقُ القُرَادُ المَاصُّ بأردافِ الخُيُولِ والحَميرِ والبِغَالِ – وهذا الالتصَاقُ القُرَادِيُّ (الأبديُّ أو شِبْهُ الأبديِّ)، ولا شكَّ، لَهُوَ الصفةُ الرئيسَةُ المَسِيسَةُ الخَسِيسَةُ التي يلتقي فيها طُغاةُ هذا الوطنِ العربيِّ الكئيبِ، من محيطهِ إلى خليجِهِ، قاطبةً وبلا استثناءٍ. غيرَ أنَّ القَوْلَ بأنَّ الثورةَ الشعبيةَ السُّودَانيَّةَ إنَّمَا تشكِّلُ «الحالةَ الأكثرَ تقدُّمًا وخطورةً» وإنَّمَا تشكِّلُ «الحالةَ الأكثرَ صَلابةً وجذريَّةً»، وذلك لمجرَّدِ أنَّ هذهِ الثورةَ تتميَّزُ بوجودِ قيادةٍ ثوريَّةٍ تحتَ رايةِ ذلك الائتلافِ المُسَمَّى بـ«تحالف قوى الحرية والتغيير»، لَقَوْلٌ فيهِ إجحَافٌ وتسفيهٌ غيرُ مباشرَيْنِ بحقِّ الثورةِ الشعبيةِ الجزائريَّةِ، خاصَّةً (وبحُقُوقِ الثوراتِ الشعبيةِ العربيةِ الأُخرى، عَامَّةً)، في حقيقةِ الأمرِ. فإذا كانتْ حُجَّةُ الباحثِ الجامعيِّ أنَّ الثورةَ الشعبيةَ الجزائريَّةَ لمْ تزلْ في طورِ التظاهُرِ الأسبوعيِّ «السَّلبِيِّ» لافتقارِهَا إلى أيِّ شكلٍ من أشكالِ القيادةِ الثوريةِ الاعتصاميةِ، على النقيضِ من الحالِ في الثورةِ الشعبيةِ السُّودَانيَّةِ (ولمْ يقُلِ الباحثُ هذا النَّعْتَ الأخيرَ مَا بينَ المُزْدَوَجَيْنِ قولاً تصريحيًّا، بلْ قالهُ قولاً تضمينيًّا في الجوهرِ)، فإن هذهِ الثورةَ الشعبيةَ الجزائريَّةَ قد أطاحتْ بعَرْشِ طاغيةٍ عَتِيٍّ مُصْطَنَعٍ (عبد العزيز بوتفليقة) بزمنٍ أقصرَ بكثيرٍ من الزمن الذي أطاحتْ بهِ الثورةُ الشعبيةُ السُّودَانيَّةُ بعَرْشِ الطاغيةِ النظيرِ (عمر حسن البشير) – الطاغيةُ الأولُ بوتفليقة، الذي أفرزَهُ نظامٌ طغيانيٌّ عمرُهُ خمسةٌ وخمسونَ عامًا، قد أُطِيحَ بِهِ في الثاني من نيسانَ في ثورةٍ شعبيةٍ بدأتْ في الثاني والعشرينَ من شباطَ من هذا العامِ (أي في غضونِ أقلَّ من ستةِ أسابيعَ)، بينما الطاغيةُ الثاني البشيرُ، الذي أنتجَهُ نظامٌ طغيانيٌّ مشابهٌ نسبيًّا عمرُهُ ثلاثونَ عامًا، قد أُطِيحَ بِهِ في الحاديَ عشرَ من نيسانَ في ثورةٍ شعبيةٍ بدأتْ في التاسعَ عشرَ من كانون الأول من العامِ الفائتِ (أي على مدى ما يقربُ من أربعةِ شهورٍ). وإذا كانتْ كذاك حُجَّةُ الباحثِ الجامعيِّ أنَّ القيادةَ العسكريةَ السودانيةَ قد صيرَ إلى ردعِهَا حتى الآنَ عن اللجوءِ إلى استخدامِ قوَّةِ الحديدِ والنارِ ضدَّ الثائراتِ والثائرينَ بسببٍ من مراهنةِ القيادةِ المدنيةِ السودانيةِ للحراكِ الثوريِّ على ذلك «التعاطُفِ الملحوظِ» الذي أبداهُ عناصرُ قادةٌ بالأخصِّ من هذهِ القيادةِ العسكريةِ، فيبدو أنَّ الباحثَ قد خفيَ عليهِ عاملانِ أساسيانِ قد أدَّيَا إلى شبهِ الحَسْمِ النهائيِّ في أمرِ هذا «الرَّدْعِ» بعد استمرارِ الحربِ الأهليةِ في السُّودانِ، ألا وهُما: عامل التدهورِ الاقتصادي «الملحوظِ جدًّا» في البلادِ وما يقتضيهِ هذا التدهورُ من انتشارِ الفسادِ، وعاملُ الصراعِ الداخليِّ في المؤسَّسةِ العسكريةِ ذاتِهَا وما يبتنيهِ هذا الصراعُ من صراعٍ «خارجيٍّ» بينَ عناصرَ قادةٍ وغيرِ قادةٍ منها يقفون إلى جانبِ الثورةِ وبين عناصرَ قادةٍ وغيرِ قادةٍ آخرينَ يقفونَ ضدَّ هذه الثورةِ – وعلى الأخصِّ أنَّ الباحثَ الجامعيَّ ذو اتجاهٍ ماركسيٍّ كانَ يفترضُ منهُ على الأقلِّ أن ينظرَ في جانبِ الاقتصادِ وفي قانونِ صراعِ الأضدادِ!

[انتهى القسم الثامن من هذا المقال ويليه القسم التاسع]

*** *** ***

لندن، 29 نيسان 2019



#غياث_المرزوق (هاشتاغ)       Ghiath_El_Marzouk#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ذٰلِكَ ٱلْغَبَاءُ ٱلْقَهْرِيُّ ٱلْتّ ...
- يَا نِسَاءَ ٱلعَالَمِ ٱتَّحِدْنَ (4)
- يَا نِسَاءَ ٱلعَالَمِ ٱتَّحِدْنَ (3)
- ذٰلِكَ ٱلْغَبَاءُ ٱلْقَهْرِيُّ ٱلْتّ ...
- ذٰلِكَ ٱلْغَبَاءُ ٱلْقَهْرِيُّ ٱلْتّ ...
- رَسِيلٌ يَفَاعٌ إِلى هَذَا الوَطَنِ العَرَبِيِّ الجُزَاعِ (2 ...
- رَسِيلٌ يَفَاعٌ إِلى هَذا الوَطَنِ العَرَبِيِّ الجُزَاعِ (1)
- ذٰلِكَ ٱلْغَبَاءُ ٱلْقَهْرِيُّ ٱلْتّ ...
- ذٰلِكَ ٱلْغَبَاءُ ٱلْقَهْرِيُّ ٱلْتّ ...
- مِنْ حَقَائِقِنَا هُنَاْ، وَمِنْ حَقَائِقِهِمْ هُنَاكَ (8)
- مِنْ حَقَائِقِنَا هُنَاْ، وَمِنْ حَقَائِقِهِمْ هُنَاكَ (7)
- ذٰلِكَ ٱلْغَبَاءُ ٱلْقَهْرِيُّ ٱلْتّ ...
- ذٰلِكَ ٱلْغَبَاءُ ٱلْقَهْرِيُّ ٱلْتّ ...
- ذٰلِكَ ٱلكَاتِبُ ٱلمُوسِيقِيُّ: شِقَاقُ &# ...
- ذٰلِكَ ٱلكَاتِبُ ٱلمُوْسِيقِيُّ: شِقَاقُ & ...
- ذٰلِكَ ٱلكَاتِبُ ٱلمَسْرَحِيُّ: تَهْمِيشُ ...
- مِنْ حَقَائِقِنَا هُنَا، وَمِنْ حَقَائِقِهِمْ هُنَاكَ (6)
- مِنْ حَقَائِقِنَا هُنَا، وَمِنْ حَقَائِقِهِمْ هُنَاكَ (5)
- ذٰلِكَ ٱلشَّرَكُ ٱلاِرْتِدَادِيُّ: جَلِيَّ ...
- ذٰلِكَ ٱلشَّرَكُ ٱلاِرْتِدَادِيُّ: يَقِينِ ...


المزيد.....




- شاهد: تسليم شعلة دورة الألعاب الأولمبية رسميا إلى فرنسا
- مقتل عمّال يمنيين في قصف لأكبر حقل للغاز في كردستان العراق
- زيلينسكي: القوات الأوكرانية بصدد تشكيل ألوية جديدة
- هل أعلن عمدة ليفربول إسلامه؟ وما حقيقة الفيديو المتداول على ...
- رئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركية يتهرب من سؤال حول -عجز ...
- وسائل إعلام: الإدارة الأمريكية قررت عدم فرض عقوبات على وحدات ...
- مقتل -أربعة عمّال يمنيين- بقصف على حقل للغاز في كردستان العر ...
- البيت الأبيض: ليس لدينا أنظمة -باتريوت- متاحة الآن لتسليمها ...
- بايدن يعترف بأنه فكر في الانتحار بعد وفاة زوجته وابنته
- هل تنجح مصر بوقف الاجتياح الإسرائيلي المحتمل لرفح؟


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - غياث المرزوق - ذٰلِكَ ٱلْغَبَاءُ ٱلْقَهْرِيُّ ٱلْتَّكْرَارِيُّ: طُغَاةُ ٱلْتَّقَدُّمِ أَمْ بُغَاةُ ٱلْتَّهَدُّمِ؟ (8)