|
الثيران الهائجة والعجول المذبوحة وبينهما ابن نتنياهو
شوقية عروق منصور
الحوار المتمدن-العدد: 6319 - 2019 / 8 / 13 - 21:24
المحور:
الادب والفن
دائماً كان منظر الثيران الراكضة الهائجة يصيبني بالخوف والفزع ، حتى عندما زرت اسبانيا ودعوت لحضور حفلة مصارعة الثيران رفضت ، رغم أن الأصدقاء الذين أصروا على الدعوة ، أكدوا أن مصارعة الثيران التي تُعد من الفلكلور الاسباني ورقصة المتادور أمام الثور الذي يبقى يلف ويدور حتى يدوخ الثور ويدخل مرحلة الاعياء ، فيقوم المتادور بطعنه عدة مرات حتى الموت . رؤية " مصارعة الثيران " من الصور واللحظات الهامة للسائح القادم لاسبانيا ، لكن كان اصراري على الرفض لأن منظر الثور المتهالك الذي ينزف الماً وذلاً يشعرني بمصير الانسان الذي يجد نفسه ضعيفاً امام قوة غاشمة ، قاهرة ، الجميع يصفق لها ولا أحد يشفق عليه ، حتى وهو في حالة انحناء وارتماء يبقى الصخب والصراخ مطالبين المتادور وبعض رفاقه بالاجهاز عليه ، حتى يقع على الأرض ثم يجرونه الى مصيره المحاط بالسكاكين . وتعجبت من الكاتب الأمريكي " أرنست همنغواي " الذي كان يتمتع برؤية مصارعة الثيران ، وقد كان يتأمل حياة مصارعي الثيران بدقة ، وصف أشكالهم ولباسهم وخوفهم وطموحاتهم وانتظارهم للموت بين قرني الثور ، كتب العديد من القصص عنهم متحدياً صديقه الرسام الاسباني " بيكاسو " الذي جعل من الثيران لغته الفنية ، حيث زرع ريشته فوق اللوحات التي تؤكد أن دماء الثيران تشعل الحياة في الشارع الاسباني وان طعنة الثور ثم قتله ليس خيانة للثور المسكين ، بل هي حياة للشعب الذي ينتظر الفرح والصراخ عالياً ، كنت أتعجب من " ارنست همنغواي " كيف لم يقف شامخاً متحدياً ثور الظروف وقبل أن ينتحر برصاصة بدلاً من رفسة ثور أو أحد القرون تبقر بطنه ، بدلاً من الموت وحيداً بشهقة معدنية دون تصفيق . بعيداً عن ثيران الترف الاسباني وصور همنغواي وبيكاسو ، قريباً من العجول التي كانت هائجة تفتك بالذي يقف أمامها ، حيث نقلت الينا وسائل الاعلام صوراً ولقطات أيام العيد تبين الخوف الكامن في أعماق تلك الحيوانات التي تشعر بسكين الموت وهو يقترب منها ، فيكون ردها الوحيد تفجير المكان بالرأس والاقدام والخبط والضرب والهرب بعيداً عن وحشية الانسان . بصراحة كنت أضم صوتي لصوت الثور الهائج والعجل الهارب ، وأتستر على حزني وشفقتي عليه، وعند هروبه أتمنى أن يختبىء ولا أحد يراه .. ويبقى مفقوداً . نعرف أن تربية الثيران والعجول لا تمنحها تأشيرة الدخول الى عالم البقاء ، لأن الانسان الانتهازي يمارس تلك التربية من أجل مصلحته الاقتصادية ، واذا كانت هناك بعض الجمعيات تدافع عنهم وتسدد فواتير الإنسانية – تتغاضى عن مقتل الأطفال والشيوخ والنساء والشباب – الا أن الترافع عنهم من قبل المسؤولين عن تلك الجمعيات لا يضمنون أن يسمعهم أحد ، لأن شريعة الانسان والحياة ذبح الحيوانات وأكلها . لكن من أغرب اللقطات التي تستفز وتجعل العجول في حالة كاركتورية " يائير نتنياهو " - أبن نتنياهو ما غيره - يطالب بوقف ذبح العجول في قطاع غزة في أيام عيد الأضحى، صحيح " اللي اختشو ماتوا " وقد أطلق عليها يائير ابن نتنياهو وسارة " مجزرة العجول " ووصفها " أعظم مجزرة ترتكب خلال العام " . لم يطالب الحنون يائير أبن نتنياهو والده بعدم التنكيل بالشعب الفلسطيني ومصادرة ارضه وهدم بيوته وشن حروبه ووو.. الخ و تمزيق جميع خيوطه المجدولة في سوط الاحتلال !! لم يطالب بفك الحصار عن غزة ، عن الشعب الجائع ، الفقير ، المريض الذي يقف كأبجدية عارية أمام ثرثرة العالم المزيف، قائمة الاوجاع الفلسطينية طويلة وعريضة وكبيرة . تحيا العجول التي حركت مشاعر يائير ابن نتنياهو وسارة .. تحيا السكاكين التي هرولت نحو رقاب العجول حتى توقظ أحاسيس الأبن الذي تربى في حظيرة الدم .
#شوقية_عروق_منصور (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حين يسرق الموت صندوق الاسرار
-
الحفيد يشنق ساعة الجد
-
العامل الأسود في الوطن الأبيض
-
حدث في يوم العيد
-
فنجان التطبيع ودف الرفض
-
صالحة تفوز بالجائزة ونحن نركب الحنتوش
-
اضربوا الرجال .. وبيضة على رأس كل مسؤول
-
المرأة الفلسطينية وتوهج الثامن من آذار
-
اطلعوا برة .. وجاء أبو عواد وقال : آه يا ديسكي
-
يهودية وسعودية وبينهما طفلة يمنية
-
الرقص في وارسو بعيدا عن طريق سموني
-
مقتل الخاشقجي ودموع فرح
-
هل ستقوم مصر بتصدير الكلاب
-
أنا في دار الصياد
-
عندما يموت البحر من الجوع
-
حرب الدم في داخل حبة بندورة
-
الزائر الفلسطيني دفنه الحنين والزائر الاسرائيلي شبع من الترح
...
-
قانون القومية يرقص رقصة الكيكي في ذكرى المجزرة
-
ما زلت انتظر عودة ساعة جدي
-
ريفلين وليبرمان لن يجدوا أنفاق الاصرار
المزيد.....
-
هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية
...
-
بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن
...
-
العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
-
-من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
-
فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
-
باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح
...
-
مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل
...
-
لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش
...
-
مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
-
مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف
...
المزيد.....
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
-
أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية
/ علي ماجد شبو
المزيد.....
|