أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - ماجد الحيدر - حلم غبي














المزيد.....

حلم غبي


ماجد الحيدر
شاعر وقاص ومترجم

(Majid Alhydar)


الحوار المتمدن-العدد: 6293 - 2019 / 7 / 17 - 22:30
المحور: كتابات ساخرة
    


طبق الأصل
ماجد الحيدر
حلم غبي

الأحلام أيضاً، مثل البشر، فيها الغبي وفيها الذكي، فيها القَنوع المتواضع جَمّ الأدب، وفيها الوقح الجامح الجانح الى ما لا يكون.
حلمي هذا الذي سأقصه على حضراتكم، كان حلماً غبياً.. بل مفعماً بالغباء.. تشم منه رائحة الغباء على بعد فراسخ وتلمسه فيه لمس اليد وتبصره وتسمعه ملء العين والسمع..
لكنه حلم.. حلم أيها السادة.. ولهذا أرجو ألاّ تغضبوا أو تسخروا أو تؤولوه على أنني، أنا الآخر، غبي مثله.. فأنا كما يشهد الناس إنسان عاقل، رشيد، موظف مواظب ورب أسرة محترم.. أعرف حدودي وألزمها. ولهذا فإن أول ما قمت به بعد استيقاظي هو أن لعنت الشيطان الرجيم وقرأت المعوذتين وغسلت وجهي من آثار ابتسامة السعادة البلهاء التي لطخته خلال النوم..
بيد أنني، ولعادة قديمة لا أستطيع الفكاك منها.. شرعت خلال الفطور في اختبار قدرتي على تذكر بعض التفاصيل، فاكتشفت، ويا لدهشتي، أن أغلبها ما زال طرياً في عقلي وبأنني أستطيع أن أسردها كلها وكأنها أمام عيني، فقررت أن أستغل الأمر (وأنا استغلالي بطبعي) لأكتب شيئا قد يسلي القراء ويدخل عليهم بعض السرور والضحك ولو كان ذلك كما قلت على حساب المغامرة بأن يظنوا الظنون بسلامة عقليّ:
بدأ الحلم بالمشهد التالي:
قاعة عظيمة الكبر والفخامة تنم عن تصميم معماري غاية في الذوق (قيل لي لاحقا أنه من أعمال زها حديد). الستائر والجدران والكراسي والأرضيات، بل وحتى العطر الغامض الذي يملأ الأجواء.. كلها تحف فنية رائعة. القاعة طبعا مكتظة بالحضور، وكنت أرى في الصفوف الأولى السادة الرؤساء الثلاث وأعضاء الحكومة والبرلمان وعددا لا يحد من كبار الضيوف الأجانب.
ورأيت كل أولئك الرؤساء يقومون (على حيلهم) عند دخول وزير الثقافة، ذلك الرجل الأشيب الوقور الذي طالما رفد الثقافة والفن بالمئات من أعماله. وسمعت احدهم يقول له: لقد أدهشني معرضك الأخير. ثم رأيت آخر وهو يطلب من وكيل الوزير بتواضع أن يوقع له نسخة من كتابه الأخير!
- آها.. قلت لنفسي.. أخيرا صار عندنا مسؤولين مثقفين!
ورأيت جواد سليم ومحمد غني حكمت وفؤاد سالم وسليم البصري وجعفر على ويوسف العاني وعلي جواد الطاهر وعناد غزوان وعشرات ممن كنت أحسبهم من الأموات، جالسين في الصف الأول متقدمين على الوزراء والنواب، ورأيت نوري الراوي يتقدم على عكازه بصعوبة فيهب رئيس البرلمان ليمسك بيده ويحلف عليه ليجلس في مقعده هو!
انتقالة فجائية: أسمع أحدهم يقول إن اليوم عطلة رسمية. إنه يوم الثقافة!
في الخارج ثمة مئات من الآلاف يصطفون في الشوارع التي تؤدي الى مطار بغداد الدولي (الذي غيروا اسمه الى مطار عبد الجبار عبد الله) بانتظار جثامين كوكبة من عظماء مثقفينا وعلمائنا وفنانينا الراحلين لإعادة دفنها في أرض الوطن.
بعد الظهر تبدأ مراسيم دفنهم في حديقة العظماء التي تفتتح اليوم (ولا داع لأن أصف لكم عظمتها وجلالها وما أنفق عليها) على أنني أذكر بأن من تقاليد دخولها خلع النعال والاحذية وحمل وردة واحدة على الأقل!
انتقالة أخرى: منظر للشوارع النظيفة التي تصدح فيها الموسيقى. نعم، في كل حديقة عامة فرقة موسيقية تابعة لذلك الحي السكني. وثمة زحام شديد وطابور طويل على افتتاح معرض فني. أما دور السينما فلا تعد ولا تحصى وكلها اليوم بالمجان وكذلك المسارح .
البوسترات الفنية في كل مكان، لكن العجب العجاب أن الأطفال كانوا يدخلون الجوامع ويخرجون حاملين حكايات أندرسن ومغامرات علاء الدين وألف ليلة وليلة ولكي يزداد المشهد بهجة تبدأ السماء الرحيمة بإرسال رذاذ خفيف منعش لا يكاد يصل الأرض أو يبلل الراقصين والراقصات.
في لحظة ما يسود صمت هائل جليل حين ينزل حرس الشرف تابوت الجواهري الى الأرض. كان الكل يبكي بصمت وخشوع. (وكنت كعادتي أبكي في الحقيقة وأنا نائم).
ورفعت رأسي الى السماء وأنا أشكر إلهي وعيناي غارقتان بالدموع لأنني أعيش في هذه البلاد. كانت دموعا ساخنة، أكثر سخونة في الحقيقة من أن أحتملها فجف حلقي وصحت بأعلى صوتي طالبا كأسا آخر من شراب رحيق الورد المداف بالعسل الذي كانوا يوزعونه في الشوارع. صرخت وصرخت لكن أحدا لم يهب لنجدتي.. إلا زوجتي، فقد ايقظتني من نومي وبسملت على رأسي وناولتني كوبا من الماء وهي تقول:
- كم مرة قلت لك لا تثقّل في العشاء!؟



#ماجد_الحيدر (هاشتاغ)       Majid_Alhydar#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عن خير الله طلفاح وكامل الدباغ والثقوب السوداء
- لماذا ضحك عليَّ الرفيق كاكه علي؟
- وداعا عصر الانترنت.. أهلا عصر الكرونونيت !
- من أجل يوم عالمي لإحراق الكراسي
- طالما حينبذن حنّه مصمصمين إعله الاستنخابات
- أغنية الخائفين من المطر - شعر
- بين عبّوسي، الغائب الوكيح، والمدرب الحالف -بستر خواته- ضاعت ...
- أتمنى أن يطول عمري حتى أرى...
- عن شبه الجهورية العراقية وأسمائها
- خمس مراث لشارع الرشيد
- أم في بيت الله - قصة قصيرة جدا
- سلالة النسائين العظام - شعر
- امتحان القواعد
- مع الباحث سالار فندي وحديث عن أول دراسة أكاديمية حول حركة ال ...
- أي رقيب - النشيد القومي الكردي في أول ترجمة موزونة الى العرب ...
- الرجل والجبل - شعر
- من الشعر الغنائي الفارسي - رفيقتي الأمينة
- زوجان واثنتا عشرة قصيدة
- مشهد - شعر
- لماذا أخاف الجنة - شعر


المزيد.....




- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - ماجد الحيدر - حلم غبي