أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - داود السلمان - بالفلسفة نغير العالم: النزعة العقلية: اكتشاف الهندسة التحليلية















المزيد.....

بالفلسفة نغير العالم: النزعة العقلية: اكتشاف الهندسة التحليلية


داود السلمان

الحوار المتمدن-العدد: 6293 - 2019 / 7 / 17 - 11:29
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


تطوير العلم، واكتشاف النظريات العلمية، والانسانية والطبية، هي بلا شك، مساهمات حقيقية من علماء ومكتشفين حقيقيين، يرومون تطوير الحياة الانسانية قاطبة، ويحاولون النهوض بالحياة عامة في سبيل اسعاد الامم والوصول بهم الى التقدم والرقي، وبناء حضارة انسانية تضاهي متطلبات العصر، وما يحتاجه البشر من قيم سلوكية تطور من قيمة الانسان المعرفية والعلمية والنفسية، وتشعر الانسان بأن له قيمته العليا كانسان يفكر ويعمل وينتج، ويبني مستقبله بيديه، على اعتبار أن الانسان مفكّر ومدبّر. ولا يستطيع الانسان أن ينجح في مسعاه الا بالتقدم العلمي والتكنولوجي، والمعماري والهندسي لأعمار الارض وانشاء برامج خاصة به لغرض ترفيهه، وبالتالي شعوره الكبير بالقيمة الانسانية المبتغاة.
وهذا هو ما ساهم به رينيه ديكارت، مساهمة فاعلة، فقد كان عالما من الطراز الاول، منقطعا للعلم، ولم تكن له طموحات شخصية سوى العلم، والغور في بحار العلوم لإخراج اللؤلؤ المكنون من بين طيات امواجه المتدفقة، ومن ثم صبها في خدمة البشرية. وليس هذا فحسب، بل كان ديكارت رياضيا وفيلسوفا ورجل علم حقيقي، يسعى الى نشر كل ما هو يصلح في خدمة الانسان. كذلك ساهم في بناء علم الفسيولوجيا، وعلم نشأة الكون. وهو مع ذلك لم يسع لنيل الشهرة، حتى أنه لم يهتم بنشر اعماله، وهذا هو ديدن العلماء والفلاسفة. والعلم عند ديكارت هو استنباطي يضع المبادئ البسيطة الواضحة ويتدرج منها الى نتائج، فكان يجمع المعلومات ويجري التجارب للحصول على النتيجة المبتغاة.
والمنهج عند ديكارت يرتكز على ثلاثة قواعد.
القاعدة الاولى: "أن لا أسلم شيئا الا أن اعلم أنه الحق".
القاعدة الثانية:" أن اقسم كل مشكلة تصادفني ما وسعني التقسيم وما لزم لحلها على خير وجه".
القاعدة الثالثة:" أن اسير بأفكاري بنظام، فابدأ بأبسط الموضوعات واسهلها معرفة، وارتقي بالتدريج الى معرفة اكثر الموضوعات تركيبا، فارضاً النظام حتى بين الموضوعات التي لا تتالي بالطبع".
القاعدة الرابعة:" أن اقوم في كل مسألة بإحصاءات شاملة، سواء في الفحص على الحدود الوسطى أو في استعراض عناصر المسألة، بحيث اتحقق أني لم اغفل شيئا".
وقبل كل شيء، فقد مر ديكارت بمرحلة حرجة من حياته، وهي مرحلة الشك، وأنه شك بالوجود، وكيف يتيقن أنه حقا موجود، فتوصل بالتالي الى نظرية اعتبرها يقينية، "أنا افكر اذن أنا موجود" وتعرف هذه النظرية الفلسفية بالشك الديكارتي، وهذه التجربة ايضا مر بها الفيلسوف الاسلامي ابو حامد الغزالي، وقبلهما ايضا خاض هذه التجربة الشكية ابي العلاء المعري. وبنى عليها بعدهم الدكتور طه حسين عميد الادب العربي، وسلك هذا المنهج في كتابه "في الشعر الجاهلي" والذي سبب له مشكلة، فحوكم على اثرها، وكاد أن يدفع حياته ثمنا لذك، لولا أن تنازل عن افكاره، فعفت عنه المحكمة وبرئته، والكتاب طبع طبعة اولى ثم لم يطبع تارة اخرى.
ولم يكن الشك هذا، لدى ديكارت مجرد شكا، بل كان بمثابة طريق مضمونة للتوصل الى اليقين، وأنه كان يشك في صلاحية الاحساسات والمخيلة، وأن هناك جزء كبير مما تكون منه المعرفة يمكن البرهنة بسهولة على أنه قابل للشك، أي أن الشك لديه ليس بمطلق.
ديكارت، حاول، بكل ما أوتي من فكر فذ، أن يقوم بإصلاح العلم في اللحظة التي كان العلم فيها بأمس الحاجة الى الاصلاح، وكان يعتقد أن النهضة الاصلاحية لم تخرج باي نتائج ايجابية، فلم يكن جاليلو وبيكون قد كتبا مؤلفاتهما بعد، وبالمقابل لم يكن ديكارت سعيدا بالحلول التي قدمها بيكون، بينما اختصرت اصلاحات جاليلو على العمل التجريبي وشملت الجانب الفلسفي. وكان يرى أن اسباب الكامنة وراء ضعف حالة العلم هو انعدام المنهج المناسب، فالبحث العلمي لا يتم بصورة سليمة الا بوجود منهج في البداية.
وُلد رينيه ديكارت في 31 أذار/ مارس عام 1596 في لاهاي في مقاطعة اللورين في فرنسا، وكان على قدرٍ كبيرٍ من الثقافة والتعليم وسعة الاطلاع. ومنذ الثامنة بدأ تحصيله العلمي في الجامعة اليسوعية، وحين أصبح في 22 نال شهادةً في القانون، إلاّ أنّ أحد الأساتذة ذوي النفوذ سهّل له الالتحاق بمقررٍ تعليمي لتطبيق الرياضيات والمنطق بهدف فهم عالم الطبيعة. كان والده يواكيم عضو مجلس البرلمان المحلّي، وقد أرسل أولاده للعيش مع جدّتهم من جهة الأم حيث تمكنوا من البقاء هناك بعد زواجه. ديكارت كغيره من الفلاسفة الذين اعرضوا عن الزواج لم يتزوّج، ولكنّه حظي بابنة (فرانسين) وُلدت في هولندا عام 1653 إذ كان قد انتقل هناك عام 1638 بسبب اهتياج الحياة في فرنسا ما منعه من التركيز في عمله. وقد اهتم ديكارت بدراسة الفيزياء والرياضيات، بتشجيع ومشاركة من العالم والطبيب الهولندي إسحاق بيكمان، وفق نهج علمي جديد يطبق الرياضيات على الميتافيزيقا، ومن هنا انبثق فجر فلسلفة ديكارت وطريقته الفكرية.
كان ديكارت ساخطا اشد السخط على الفلسفة المدرسية التي تلقى دروسه منها، وكان متبرما من المنازعات التي لا نهاية لها بين الفلسفة، لكنه كان ينظر نظرة اعجاب الى الرياضيات، التي تبدأ من بديهيات لا يمكن التشكيك فيها، ثم تنتقل بواسطة البراهين الدقيقة التي لا يمكن تفنيدها الى نتائج مؤكدة ومقبولة للجميع. ويصنف بعض الكتاب الذين كتبوا في مسيرة ديكارت العلمية والفلسفية، ويوجزها بثلاثة نقاط مهمة:
1- قام بأكثر الثورات عمقا وجذرية، وتأثيرا في تاريخ الفكر منذ ارسطو حتى كانت، واجل البحث الحر محل الخضوع للسلطة والبرهنة العقلية محل الايمان. وهو بذلك مؤسس فلسفة التنوير.
2- منح العلم الفيزيائي ميثاقه، وذلك بعزله عن كافة العلل الغائية والقوى الحيوية، باقناع عصره أن اسباب كافة الاحداث الفيزيائية هي اسباب مادية فقط. ومن هنا، ترتب أن الطبيعة نظام منظم من القوانين قابل للرقابة من أجل أهداف انسانية.
3- في رأي ديكارت أن مجموع القوانين العلمية تشمل الجسم الانساني، بحيث يصبح الطب علما تكون فيه السيادة للعلة المادية والنتيجة المادية بدلا من الطاقات السحرية، فالمرض له علة فيزيولوجية دون العلل السحرية والمتعالية على الطبيعة.
إن النظريات العلمية والفيزيائية التي ابتكرها ديكارت كثيرة، ومنها أنه وضع سيكولوجية المواقف النفسية على اساس منهجه التحليلي الميكانيكي، وقد ارجع التنوع المعقد للمواقف النفسية، الى مواقف محدودة وبسيطة واولية. وقد ميز ستة مواقف: الدهشة، الحب، والكراهية، الرغبة، السعادة والحزن. واعتبر المواقف النفسية حقائق ايجابية باعتبارها نشاطا غائيا يدفعها نحو ما هو مفيد ويمنعها ما هو مضر. وعلاوة على ذلك كان ديكارت يعتمد على المعرفة الأخلاقية بشكلٍ أكبر من الميتافيزيقيا، ولكن الاهتمام بكلا الجانبين يؤدي إلى بناء الحياة السعيدة، وعلى اعتباره فيلسوفا عقليا كان دائما ما يشيد بالعقل وهو القائل:" لا يكفي امتلاكك عقلا سليما فمن الأفضل استخدامك له على النحو المناسب". وقال كذلك عن الحواس:" حواسنا خدعتنا في ملابسات عدة، وليس من الحكمة أن نثق في من خدعنا، ولو لمرة واحدة". وكان لا يقبل الامور على علاتها، الا أن يمحصها ويدقق فيها ومن ثم يتأكد من حقيقتها ومن صوابها اذ يقول: "المبدأ الأول عندي أنني لا أقبل بأي شيء على نحو صحيح حتى أعلم أنه على هذا النحو من دون أي شك". وحول الفلسفة كان يرى: أن الفلسفة جذورها الميتافيزيقا وجذعها العلوم الطبيعية وتتنوع أغصانها بين بقية العلوم الأخرى كالطب والميكانيكا والأخلاق العليا. واعتبر ديكارت فيلسوفا كلاسيكيا بامتياز، ورمزا روحيا لشعب بأكمله. ولقد فرض على الثقافة أسلوبه في الفكر بواسطة الأفكار الواضحة والمتميزة، التي ميزته عن اقرانه من الفلاسفة والعلماء والفيزيائيين، حتى اطلق عليه تسمية أبا الفلسفة الحديثة.
عاش ديكارت في هولندا لأكثر من عشرين عامًا، وكانت وفاته في مدينة ستوكهولم بالسويد في الحادي عشر من شباط/ فبراير عام 1650. وبذلك انطوت صفحة خالدة من حياة هذا الرجل العبقري، الذي افاد العالم بعلومه وفلسفته ومنجزاته الانسانية، فهي منار خالد للإنسانية جمعاء.




#داود_السلمان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بالفلسفة نغيّر العالم: ما هو العقل، وهل ممكن نقده؟
- مقالات في التصوف والعرفان(4)
- مقالات في التصوّف والعرفان(3)
- مقالات في التصوّف والعرفان(2)
- مقالات في التصوّف والعرفان(1)
- خدام الفلسفة:(2) إمام عبد الفتاح إمام
- لا منقذ للإنسان الا الموت
- اساطير وخرافات الطبري المؤرخ(3)
- ابن المقفع وانكار وجود الله
- اساطير وخرافات الطبري المؤرخ(2)
- اساطير وخرافات الطبري المؤرخ(1)
- هل الدين ضرورة للمجتمعات؟
- قرار نهائي
- عَلموني كيف أحب وطني
- الحمير وحدها التي تعيش حرة
- مقهى
- صورة
- صفقة بيع وطن
- انحطاط
- مشروع المفكر العراقي رحيم أبو رغيف(3)


المزيد.....




- مكالمة هاتفية حدثت خلال لقاء محمد بن سلمان والسيناتور غراهام ...
- السعودية توقف المالكي لتحرشه بمواطن في مكة وتشهّر باسمه كامل ...
- دراسة: كل ذكرى جديدة نكوّنها تسبب ضررا لخلايا أدمغتنا
- كلب آلي أمريكي مزود بقاذف لهب (فيديو)
- -شياطين الغبار- تثير الفزع في المدينة المنورة (فيديو)
- مصادر فرنسية تكشف عن صفقة أسلحة لتجهيز عدد من الكتائب في الج ...
- ضابط استخبارات سابق يكشف عن آثار تورط فرنسي في معارك ماريوبو ...
- بولندا تنوي إعادة الأوكرانيين المتهربين من الخدمة العسكرية إ ...
- سوية الاستقبال في الولايات المتحدة لا تناسب أردوغان
- الغرب يثير هستيريا عسكرية ونووية


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - داود السلمان - بالفلسفة نغير العالم: النزعة العقلية: اكتشاف الهندسة التحليلية