أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ندى أسامة ملكاني - الإطار النظري لأدبيات المجتمع المدني وسياقاته التاريخية















المزيد.....


الإطار النظري لأدبيات المجتمع المدني وسياقاته التاريخية


ندى أسامة ملكاني

الحوار المتمدن-العدد: 6292 - 2019 / 7 / 16 - 02:57
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


يعد مفهوم المجتمع المدني من أكثر المفاهيم غموضا في العلوم الاجتماعية، وذلك لتعدد تعريفاته من قبل المفكرين والباحثين تبعا لاختلاف مرجعياتهم الفكرية والبيئة الثقافية والاجتماعية والسياسية التي تأثروا بها. بمعنى أن الأفكار تنشأ ضمن سياق ما،والسياق هو مزيج من الظروف السياسية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية والتاريخية التي تعطي كلها معنى ما للأفكار التي تولد فيها والمجتمع المدني هو واحد من هذه الأفكار.
في الفكر الإغريقي تطابق تعريف المجتمع المدني مع الدولة، حيث لم يجر الفصل بينهما في تحليل المفكرين، بل ركز المفكرون الإغريق ومفكرو العقد الاجتماعي على كون المجتمع المدني نفيا لحالة الطبيعة التي يغيب فيها وجود سلطة مدنية تحمي حقوق وحريات الأفراد من الفوضى أو الحروب المستمرة أو حالة عدم ضمان تلك الحقوق والحريات. ثم ظهر المجتمع المدني كحالة نفي للدولة ذاتها في نهايات القرن العشرين مع الثورات في أوروبا الوسطى والشرقية وأمريكا اللاتينية. كما أن المجتمع المدني ظهر في إطار الدول القومية ثم بعد ذلك جرى الحديث عن المجتمع المدني العالمي مع انتشار العولمة وتأثيرها على الظواهر السياسية والاجتماعية المختلفة على الصعيد العالمي.
ظهر المجتمع المدني بداية في أوروبا وتطور في مناخ اتسم بانفصال السلطة الدينية الكنسية عن سلطة الدولة، وبهذا المعنى يعبر المجتمع المدني عن إرادة الأفراد في مواجهة القوى الماورائية فيما يخص تنظيم شؤون حياتهم (مفكرو العقد الاجتماعي). السمة الثانية للمناخ الذي ولد فيه المجتمع المدني هي حكم القانون الذي يتيج للمجتمع المدني حل الصراعات بين الأفراد بالطرق السلمية كما أشار آدم فيرغسون في كتابه “مقال في تاريخ المجتمع المدني. أما الخاصية الثالثة لمناخ المجتمع المدني في أوروبا والتي قدمها هيغل هي تطور شخصية الأفراد وانتقالهم إلى أطر اجتماعية سياسية أكثر تطورا وأوسع من انتماءهم للعائلة ما يجعل المجتمع المدني تعبيرا عن إرادة أفراد مستقلين. ومع كتاب ألكسس دي توكفيل تتجلى أهمية التنظيم الحر كشرط مهم لمحتمع مدني فعال لا تتدخل الدولة فيه بشؤون التنظيمات الخاصة التي يحتويها المحتمع المدني
أشار هيغل في تحليله للمجتمع المدني، أن الأفراد فيه ليسوا فقط يصبحون أفرادا مستقلين بل أيضا يندفعون بأنانية لتحقيق مصالحهم الخاصة، فيضيف روبرت بوتنام لاحقا إلى أن هذا الاندفاع يتميز بوجود نوع من الثقة الاجتماعية وعلاقات التشبيك بين الأفراد والتعاون في إطار نظريته عن رأس المال الاجتماعي.
وإذا كان كارل ماركس قد موضع المجتمع المدني في البنية التحتية للمجتمع، فإن أنطونيو غرامشي كماركسي محدث قد وضع المجتمع المدني في البنية القوقية للمجتمع وحلله ضمن مفهومي الثقافة والهيمنة من جهة وضمن مفهومي الهيمنة والتحرر من جهة ثانية.بمعنى آخر، نظر غرامشي إلى المجتمع المدني ليس فقط كأداة هيمنة من قبل الطبقة البرجوازية لانتزاع القبول من الشعب، بل أيضا كأداة استراتيجية للصراع الثوري ضد الدولة التسلطية في أوروبا الوسطى والشرقية وأمريكا اللاتينية خلال سبعينيات وثمانينيات القرن العشرين.
تضم الفئة الأولى للأدب الذي كتب عن المجتمع المدني المفكرين الإغريق وفلاسفة العقد الاجتماعي. تنظر هذه الفئة إلى المجتمع المدني كمرادف للمجتمع السياسي وكمجتمع يحكمه القانون لتحقيق الصالح العام(أرسطو) أو لحماية المليكة ولضمان الأمان وحفظ الحياة (العقد الاجتماعي).
من المتعارف عليهفي النظرية السياسية أن جذور فكرة المجتمع المدني تعود إلى "الدولة المدينة" التي يكون فيها المجتمع السياسي هو الصيغة الأعلى للاجتماع الإنساني في الفكر الأرسطي. في المجتمع السياسي يصبح المواطنون السياسيون بطبيعتهم متساوين وأحرارا، وتجمعهم قيم عامة مشتركة. بينما يرى أرسطو أن الانتقال من العائلة إلى المجتمع السياسي هو بفعل الفطرة أو المسار الطبيعي للاجتماع، يرى فلاسفة العقد الاجتماعي أن الانتقال إلى الحالة المدنية يكون بإرادة الأفراد بموجب تعاقد صريح أو ضمني يتنازل بموجبه الأفراد أو يفوضون أمورهم إلى سلطة عليا مقابل حماية الأرواح والممتلكات وضمان الأمان والسلم. فقد أكد توماس هوبز وجون لوك وجان جاك روسو على أنه لا توجد حكومة تستمد سلطتها الشرعية من قوى عليا فوق طبيعية بل من قبل الأفراد ذوي الإرادة الحرة التي يعبرون عنها بالعقد الاجتماعي.
النقطة المشتركة بين أرسطو وفلاسفة العقد الاجتماعي ضمن هذه الفئة فيما يخص فكرة المجتمع المدني هو التأكيدعلى حكم القانون كشرط ضروري للمجتمع المدني.
الفئة الثانية من منظري المجتمع المدني تضم المفكرين الإسكتلنديين كآدم سميث وآدم فيرغسون. والإسهام المهم لهم هو النظر إلى المجتمع المدني كمجتمع منظم ذاتيا، بمعنى أنه لم يعد يعرف المجتمع المدني على أنه المجتمع السياسي أو الدولة بل أخذ وجودا مستقلا، وهذا الاستقلال ضمن هذه الفئة تم تحليله بالمعنى الاقتصادي أي أن المجتمع المدني أصبح المجال الاقتصادي المستقل والذي يعبر عن تفاعلات الأفراد. والشيء الآخر المهم هو أن هؤلاء المفكرين نظروا إلى مجال المجتمع المدني كمجال للحوار والنقاش بين الأفراد الذين يؤمنون بقيم الصالح العام ما يبعدهم عن العنف في حال نشبت بينهم خلافات أثناء تحقيق مصالحهم.هذا المعنى الأخيرهو مايعرف بالبعد المعياري المثالي لتعريف المجتمع المدني.
نجد مع هيغل وفي كتابه "فلسفة الحق" تطورا مهما فيما يخص دراسة المجتمع المدني، فهو لم يعد فقط منفصلا عن الدولة، بل هو مجال للنزاع كما هو مجال للتعاون وتحقيق المصالح، والمنازعات لا تحل ضمن المجتمع المدني، بل تصبح الدولة هي من يضمن الصالح العام ويحمي المجتمع من أنانية السعي وراء المصالح في المجتمع البرجوازي. يشير بيتر وانغر إلى أن تحليل هيغل للمجتمع المدني يلقي الضوء على الطريقة التي حاولت بها الدولة البروسية في النصف الأول من القرن التاسع عشر أن توفق بين الدعوة إلى اللبرلة الاقتصادية ومطالب الحركات الاجتماعية والسياسية ليكون للدولة دور في تعزيز المساواة الاجتماعية.
أكد ألكسس دي توكفيل على أهمية الجمعيات المدنية في ضمان الديمقراطية وحماية الأفراد من تعسف الدولة. وقد نظر توكفيل إلى المجتمع المدني على أنه يمثل الحياة المشتركة أو الجمعية، إذ يضم الجمعيات السياسية والجمعيات المدنية معا. بينما تنمي الجمعيات السياسية مهارات الاجتماع، تشكل الجمعيات المدنية من كنائس ومدارس وتنظيمات تجارية وصحف ، المجال الذي يعبر عن تنوع الآراء والأفكار. وإذا كان مفكرو العقد الاجتماعي قد نظروا إلى المجتمع المدني كتجسيد للمرحلة الانتقالية من الفوضى إلى حالة التنظيم أو المدنية، وإذا كان المفكرون الإسكتدلنديون قد أكدوا على أن المجتمع المدني هونتاج التحول من البربرية إلى الحضارة، فإن كاتب "الديمقراطية في أمريكا" يؤكد على أن الحضارة الإنسانية تتعرض لخطر العودة إلى البربرية والهمجية بدون عادة الاجتماع التي يضمنها المجتمع المدني. وإذا كان هيغل قد رأى أن حل الخلل الناجم عن الصراع على المصالح الخاصة في إطار المجتمع المدني يكون بسلطة الدولة، فإن ألكسيس دي توكفيل رأى أن المجتمع المدني هو الضمان من احتمال تعسف السلطة.
الفئة الرابعة من أدبيات المجتع المدني تضم النظرية النقدية. هذه النظريةتنقد مفهوم المجتمعالمدني ذاته وتدعو لصياغة مفهوم جديد أو تدعو لنظام اجتماعي جديد يزيل الاستغلال والتمييز في المجتمع الرأسمالي. يمثل كارل ماركس والنظرية النسوية هذا الاتجاه.
اتفق ماركس مع هيغل على أن المجتمع المدني هو مصدر اللامساواة في المجتمع، إلا أنه اختلف مع هيغل في الكيفية التي يمكن أن تحل فيها المزالق الناجمة عن الصراع على المصالح في المجتمع المدني، فبينما رأي هيغل أن تلك المزالق تصحح في إطار عالمية الدولة، يرى ماركس أن الصراعات تزول بزوال الدولة الرأسمالية القائمة،حيث أنه موضع المجتمع المدني في البنية الاقتصادية التحتية. فبلغة ماركس يعيش البشر حياة مزدوجة في المجتمع الرأسمالي، فهم من جهة وكأفراد في المجتمع السياسي يتمتعون بالمساواة الشكلية أمام القانون، ومن جهة أخرى تكمن اللامساواة في المكانة والدخل والقوة في حياتهم كأفراد في المجتمع المدني.
لتلخيص آراء ماركس في المجتمع المدني، يمكن القول إن صاحب كتاب رأس المال لم ينظر إلى المجتمع المدني كمجتمع صالح جيد ولا كمجتمع يحتاج إلى الدولة، بل حلل المجتمع المدني كجزء من تحليليه للرأسمالية وللاستغلال وحالة اغتراب الأفراد. في هذه الحالة يستتبع زوال الدولة زوال المجتمع المدني.
وبالإطار النقدي ذاته، نجد أن النظرية النسوية رفضت الفهم المعتاد للمجتمع المدني، مؤكدة على أن أي تحليل للمجتمع المدني يتطلب الأخذ بعين الاعتبار هيمنة الرجل على المرأة. في كتاب "العقد الجنسي" تنتقد كارول بيتمان نظرية العقد الاجتماعي في أنها غضت الطرف عن الخضوع الجنسي من قبل المرأة للرجل أي العقد الجنسي. فقد شرع العقد الأصلي خضوع المرأة للرجل تماما كما أسس للحرية المدنية. لذا تقترح النظرية النسوية عدم الفصل بين المجال الخاص والمجال العام السياسي. بل إن سوزان وليامز رأت أن مثل هذا الفصل يخدم أولئك الذين يسعون للإبقاء على التوزيع الحالي للقوة في المجتمع، بما في ذلك عدم المساواة بين الجنسين.
باختصار، كل من كارل ماركس والنسويين يحملون نظرة متشككة للمجتمع المدني بمفهومه السائد ويدعون لنظام اجتماعي جديد يزول به الاستغلال والتمييز ضد الفئات المهمشة في المجتمع.
الفئة الخامسة من أدبيات المجتمع المدني يمثلها أنطونيوغرامشي، الماركسي – الجديد، خلافا لماركس نجده يضع المجتمع المدني في البنية الفوقية للدولة وليس البنية التحتية. وفقا لهذا التحليل، يتميز المجتمع المدني عن كل من الدولة والمجال الاقتصادي ليعبر عن البنية الثقافية للمجتمع. في مجال المجتمع المدني، تعمل الفئة الحاكمة على فرض هيمنتها على المجتمع لانتزاع القبول بحكمها. وبالوقت ذاته، يحمل المجتمع المدني،مجال الهيمنة الثقافية على المجتمع من قبل الفئة الحاكمة، احتمال الفعل الثوري التحرري من هذه الهيمنة ذاتها. وبكلمات التحليل المعاصر للمجتمع المدني بإطار مفهوم القوة، يكون المجتمع المدني في هذا المعنى المجال الذي يعاد فيه تشكيل أو توزيع القوة في المجتمع. فالمجتمع المدني هنا لا يكون في مواجهة الدولة في حالة الطبيعة بل في صراع مع الدولة ذاتها، فيكون مجتمعا ديناميكيا.
تركز الفئة السادسة من أدبيات المجتمع المدني على المفهوم الإجرائي للمجتمع المدني والذي ظهر مع انتشار العولمة وعولمة الأفكار والثقافة والاقتصاد. انتشرت في تسعينيات القرن العشرين مفاهيم إجرائية متعددة للمجتمع المدني كالمنظمات غير الحكوميةNGOs والمنظمات غير الربحية NPOs ، القطاع التطوعي، القطاع المستقل، القطاع الثالث Third Sector. حيث احتفى العديد من الباحثين بالمجتمع المدني كأداة لبناء وتعزيز الديمقراطية على المستويين الوطني والعالمي. ازداد عدد المنظمات الدولية غير الحكومية إلى 1083 في هذه الفترة بعد أن كان فقط 32 في عام 1874. ويسمي ليستر سلامون وهيلمنت أنهير هذا الازدياد الملحوظ في المنظمات غير الحكومية ب "ثورة المنظمات العالمية" في كتابهما: "المجتمع المدني العالمي: أبعاد المنظمات غير الربحية"يفسر الباحثان هذه الثورة بعدة عوامل: أزمة دولة الرفاه والتي تجسدت بالشكوك المثارةحول قدرة الدولة في التعامل مع المصالح الاجتماعية، ثورة الاتصالات، الأزمة المالية وارتفاع درجة الإحباط الاجتماعي مع النتائج السلبية للأجندة النيوليبرالية على حياة ورفاه المجتمع ما قاد فيما بعد إلى سياسة "الطريق الثالث". تطرح هذه السياسة المجتمع المدني كطريق ثالث بمعنى كحل يخفف من آثار تحرر الاقتصاد السلبية ما يحمي الحياة الاجتماعية. نتيجة لذلك، معظم الأدبيات المعاصرة تركز على أدوار المجتمع المدني في التنمية، الإصلاحات الاقتصادية، الدمقرطة، والمشاركة المدنية، فقلة من الدراسات اليوم تهتم بدراسة تاريخ المجتمع المدني. ولكن السؤال عن جدوى الحديث عن المجتمع المدني في الدول غير الغربية ما يزال مجالا مستمرا للجدل وللنقاش ما جعل الكثيرين يتحدثون عن المجتمع المدني كظاهرة غير متناسقة أي عدم النظر إلى المجتمع المدني كمفهوم واحد صالح لكل المجتمعات، وكانت الدول العربية واحدة من هذه المجتمعات التي حازت على اهتمام دارسي المجتمع المدني.
الفهم السياقي للمجتمع المدني في الأدبيات
ينقسم الفهم السياقي للمجتمع المدني في الأدبيات المعاصرة إلى قسمين. يضم القسم الأول النظرة الاستشراقية التي تنظر إلى المجتمع المدني كنتاج محض للتاريخ الغربي. تحصر وجهة النظر مفهومها للمجتمع المدني بالنموذج الأنكلو-أمريكي الذي قدمه ألكسس دي توكفيل. أما النظرة الثانية فهي النظرة المعتدلة التي يتسم بها الفهم السياقي للمجتمع المدني. ترى هذه النظرة الثانية أن المجتمع المدني ظاهرة إنسانية لها خصوصيتها السياسية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية، لذلك يهتم الفهم السياقي بدراسة المجتمع المدني في المجتمعات المختلفة. لا يهمل هذا الاتجاه أن المجتمع المدني نتاج الحداثة الأوروبية، ولكنه يعنى بالكيفية التي يفهم بها المجتمع المدني ولد في سياقات مختلفة لتطور الدولة والسياسة.
ترى النظرة الاستشراقية أن فكرة المجتمع المدني نشأت في التقليد النظري والخبرة التاريخية للغرب. تبعا لذلك، يمكن للمجتمع المدني أن يتواجد في المجتمعات غير الغربية فقط وفقط إذا تبنت هذه المجتمعات النظرة الغربية للمجتمع المدني، وعلى هذه المجتمعات أن تطبق الوصفات التي تقدمها المنظمات الدولية للإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي. بكلمات أخرى، على المجتمعات غير الغربية أن تطبق الأجندة النيوليبرالية. ترى النيوليبرالية أن المجتمع المدني هومكانزم للاقتصاد الحر والديمقراطية البرلمانية. كما تنظر النيوليبرالية إلى المنظمات غير الحكومية NGOs على أنها المكون الأساسي للمجتمع المدني.
في مقالة "المجتمع المدني كرمز لليبرالية الغربية"، يحلل هاكان سيكنليغن، المحاضر في مدلرسة لندن للعلوم الاقتصادية والسياسية، مفهوم المجتمع المدني الموظف من قبل المنظمات الدولية في تعاملها مع الدول النامية، واصفا المفهوم بأنه رمز أو صورة عن الليبرالية الغربية، متأثرا بثقافة محددة وسياق تاريخي معين. ويرى أن هذا الرمز لهو يعكس النموذج التوكفيلي للمجتمع المدني في معرض دراسته للديمقراطية في أمريكا. يفترض النموذج فصل المجال الاجتماعي عن المجال السياسي، حيث تبتعد الدولة عن التدخل في الحياة المدنية والاقتصادية للأفراد. وبتطبيق هذا النموذج في البلدان النامية، تجد هذه الأخيرة نفسها أمام مفهوم للمجتمع المدني غريب عن ثقافتها السياسية التي يكون فيها الدين والسياسة وروابط القربي هي المنظم الرئيس للعلاقات الاجتماعية.
يرى ميشيلز إدواردز، أن المجتمع المدني هوهندسة للعلاقات الإنسانية، بمعنى أنه يحلل المجتمع المدني سياقيا كمفهوم وممارسة تتأثر في المجتمع الذي تنشأ به. فبدلا من فرض نماذج عالمية، يرى إدواردز أن المجتمع المدني ممكن أن يحمل سمات وحاجات السياق الاجتماعي لمجتمع ما مع النظر إلى خصوصيته،وإن وجدت بعض متطلبات الحد الأدني الذي ممكن أن يكون مشتركا بين كل المجتمعات المدنية في العالم، مثلا الديمقراطية الانتخابية.
ينظر كل من هيدي موكسنس و ميا ميلين في كتابهما: " السلطة للشعب" من منظار سياقي، ويهدف الكتاب إلى صياغة لمفهوم المجتمع المدني على الصعيد الدولي. يتعامل الكتاب مع المجتمع المدني كأداة للتغيير السياسي والاجتماعي، ويسعى لاستكشاف الكيفية التي تتم بها صياغة مفهوم المجتمع المدني في دول العالم المختلفة. على الرغم من اختلاف المنظور الليبرالي عن ذلك اليساري، يرى الكاتبان أن كلا المقتربين يؤكدان على أهلية المجتمع المدني في مواجهة الدولة القمعية.
يؤكد الباحث لارس تراجارده في دراسته: "المفاهيم المتضاربة للمجتمع المدني" على أهمية الفهم السياقي للمجتمع المدني عند دراسته في الدول الأسكندنافية. حيث يميز تراجارده بين الرؤية الأنغلوأمريكية والرؤية النيوهيغلية للعلاقة بين الدولة والمجتمع المدني. تربط الرؤية الأولى المجتمع المدني بالقيم الكوميونيتارية "الجمعية" كالتطوع والعمل الخيري. كما تتعامل هذه النظرة مع المجتمع المدني كمجال يحمي الأفراد من الدولة. في سياق دول أوروبا الشرقية، ظهر المجتمع المدني كمجال للعلاقات الإنسانية التي تواجه سلطة الدولة التوليتارية. ويختلف الفهم الهيغلي عن ذلك الأنغلوسكسوني للمجتمع المدني في أن هيغل رأى أن المجتمع المدني يعبر عن المنفعة الشخصية ولا يمكن له أن يدرك الصالح العام دون الدور الرئيس للدولة. بالإضافة إلى ذلك، كان لدى هيغل نظرة متشككة حيال المجتمع المدني والني ترى أن المجتمع المدني يخلقحالة من اللامساواة والفقر. لذلك، فبالنسبة لهيغل، تدرك حرية الأفراد فقط من خلال العقلانية العليا للدولة. يرى الباحث، انطلاقا من ذلك، أن الفهم النيوهيغلي يناسب السياق الأسكندنافي حيث العلاقة بين المجتمعالمدني والدولة ليس من الضرورة أن تكون صراعية صفرية، بل تعاونية متبادلة
تعد فترة سبعينيات وثمانينيات القرن العشرين، أي فترة الثورات في أوروبا الوسطى والشرقية وأمريكا اللاتينية ثم انهيار الاتحاد السوفياتي فترة ظهور خطاب المجتمع المدني في الدول العربية. ما يميز هذا الخطاب في الدول العربية أنه حتى هذه اللحظة لا يوجد اتفاق بين الباحثين على وجود مجتمع مدني من عدمه في الدول العربية. يناقش بعض الباحثين العرب أنه في الوقت الذي كان فيه ظهور المجتمع المدني بشروط سياسية واجتماعية وثقافية ما في أوروبا، فإن هذه الشروط غائبة في السياق العربي، فحكم القانون، استقلالية شخصية الفرد، والحريات المدنية والسياسية غائبة نسبيا في الدول العربية. يؤكد المفكر الفلسطيني عزمي بشارة على أنه كان الشرط الضروري لوجود المجتمع المدني في أوروبا هو حضور استقلالية وحرية المواطن. بينما منظمات المجتمع المدني في الدول العربية غير مستقلة عن الحكومة، كما أن هذه المنظمات توجد في سياق تكون فيه ارتباطات الفرد بالانتماءات الأولية في إطار القبيلة والعشيرة والطائفة أكثر قوة من الروابط المدنية. هذا ما جعل المفكرين يتحدثون عن مجتمع أهلي بدلا من مجتمع مدني.و"الأهلي" يعبر عن حالة الروابط ما قبل المدنية.
وبكلمات قليلة من الأفضل النظر إلى المجتمع المدني كظاهرة غير متجانسة تتأثر بالسياق الاجتماعي والثقافي والسياسي والاقتصاديز فهذا يساعدنا على ملاحظة الخصائص الاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية للظاهرة موضوع الدراسة
نقطة البدء في السعي إلى صياغة نظرية للمجتمع المدني في سياق الدول العربية هي الارتكاز على الواقع العربي، مع عدم إغفال الانتشار المتزايد للعولمة لأنه لا يوجد مسار أحادي يتحكم بمبادىء التاريخ الإنساني.



#ندى_أسامة_ملكاني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قراءة في كتاب مشكلة الأفكار في العالم الإسلامي
- قراءة في كتاب سيكولوجيا الجماهير
- العلاقات الأمريكية التركية والاقتصاد الجيوسياسي
- الإطار السياسي والاجتماعي للآداب السلطانية في العصر العباسي
- ابن المقفع
- نظرية الخيار العقلاني في العلوم السياسية
- مدخل للمدرسة البنائية (الجزء الأول)
- الليبرالية
- النظرية النقدية في العلوم الاجتماعية
- البرادايم -النموذج- في العلوم الاجتماعية
- الحرية والحتمية في فكر كارل ماركس
- المرأة في لغة السياسة
- ما بين الإقصاء والتطرف...استلاب المواطن العربي


المزيد.....




- بسبب متلازمة -نادرة-.. تبرئة رجل من تهمة -القيادة تحت تأثير ...
- تعويض لاعبات جمباز أمريكيات ضحايا اعتداء جنسي بقيمة 139 مليو ...
- 11 مرة خلال سنة واحدة.. فرنسا تعتذر عن كثرة استخدامها لـ-الف ...
- لازاريني يتوجه إلى روسيا للاجتماع مع ممثلي مجموعة -بريكس-
- -كجنون البقر-.. مخاوف من انتشار -زومبي الغزلان- إلى البشر
- هل تسبب اللقاحات أمراض المناعة الذاتية؟
- عقار رخيص وشائع الاستخدام قد يحمل سر مكافحة الشيخوخة
- أردوغان: نتنياهو هو هتلر العصر الحديث
- أنطونوف: واشنطن لم تعد تخفي هدفها الحقيقي من وراء فرض القيود ...
- عبد اللهيان: العقوبات ضدنا خطوة متسرعة


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ندى أسامة ملكاني - الإطار النظري لأدبيات المجتمع المدني وسياقاته التاريخية