أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد إنفي - حين يصبح العمل الخيري قناعا للفساد















المزيد.....

حين يصبح العمل الخيري قناعا للفساد


محمد إنفي

الحوار المتمدن-العدد: 6277 - 2019 / 7 / 1 - 05:50
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


حين يصبح العمل الخيري قناعا للفساد
محمد إنفي
للعمل الخيري أو الإحساني أهداف إنسانية نبيلة تتمثل في مد يد العون لكل من هو محتاج؛ وذلك، من خلال تقديم مساعدات معينة، كالغذاء والدواء واللباس والمال وغير ذلك.
وفي ديننا الحنيف، يتم التقرب إلى الله بمثل هذا العمل ابتغاء مرضاته. فالمحسن أو المتعاطي للعمل الخيري لا ينتظر، مبدئيا، من عمله إلا الثواب، ولا شيء غير ذلك؛ أو هكذا يجب أن يكون.
لكن (ولا بد من لكن) هذا العمل النبيل قد لا يبقى من نبله إلا القشور بفعل تدخل اعتبارات لا علاقة لها بالعمل التطوعي المراد به وجه الله. فقد يتخذه البعض غطاءا لأهداف لا علاقة لها بالإحسان، كأن تكون الغاية منه مكسبا ماديا، مثلا.
فالتاجر الذي يساعد الفقراء من أجل كسب سمعة حسنة تجلب له الزبناء، والسياسي الذي يقدم العون للمحتاجين رغبة في كسب صفة محسن، يستميل بها الناخبين عند الحاجة، والشخص الذي يحب الرياء والسمعة، يجعل من مساعدة الآخرين وسيلة للظهور...، كل هؤلاء يقدمون نماذج من الفساد الأخلاقي والسياسي والاقتصادي والاجتماعي، من خلال قيامهم بعمل ظاهره "خيري" وباطنه مصلحة شخصية، يتم تحقيقها باستغلال الفقر والعوز.
وبما أن العمل الخيري، كنشاط وجهد، لا يتم القيام به بشكل فردي فقط؛ بل وجماعي أيضا- أي عن طريق جمعية أو ناد أو غيره- فإن مسألة استغلال الفقر والحاجة لتحقيق مكاسب مادية، ترفع، في هذه الحالة، من حجم الفساد وخطورته، لكون آثاره تنعكس على المؤسسات؛ وبالأخص التمثيلية منها.
لقد سبق أن تناولنا، في مقالات سابقة، مسألة "الرشوة الانتخابية" كشكل من أشكال الفساد الذي يتسبب في ضعف مؤسسات بلادنا التمثيلية، محليا ووطنيا، ويسيء بشكل كبير إلى بنائنا الديمقراطي. فسواء تعلق الأمر بما يمكن أن نسميه "رشوة مباشرة" (شراء الأصوات خلال الانتخابات) أو "رشوة غير مباشرة" (كسب الزبناء عن طريق الإحسان: توزيع مساعدات عينية أو مالية خلال الأعياد والمناسبات...لضمان أصوات المستفيدين والطامعين في الاستفادة من هذه "الخدمات")، فإن أصحاب الرشوة الانتخابية "يستثمرون" في الفقر والهشاشة للوصول إلى المؤسسات التمثلية (جماعة ترابية، برلمان...). ولذلك، تجدهم يجتهدون ليس في تقليص حجم الخصاصة، بل في توسيعها للاستفادة من"عائداتها".
وإلى جانب هذا النوع من الفساد المتستر وراء "مساعدة المحتاجين" لتحقيق مكاسب سياسية بفضل أصوات الناخبين، هناك نوع آخر من الفساد، يتخذ من مؤسسات العمل الخيري – الموجودة أساسا لفائدة الفئات الأكثر هشاشة والأكثر حاجة إلى الدعم والمساعدة- موطنا وملاذا له؛ مما يُحوِّل العمل التطوعي في هذه المؤسسات إلى مصدر للكسب المادي.
وحتى نُقرِّب الصورة أكثر، نشير إلى أن هناك أناسا يلجئون إلى تسيير الجمعيات الخيرية، ليس حبا في العمل الخيري، وإنما بحثا عن الوجاهة والحظوة لدى السلطات، من جهة، وتحقيقا للمصالح الشخصية، المادية منها والمعنوية، من جهة أخرى.
فأن يترأس مقاول أو تاجر جمعية خيرية، ثم يستغل وضعه في هذه الجمعية، إما لتنمية مقاولته أو توسيع تجارته، وإما لحل مشاكلها على حساب المؤسسة الخيرية، فهذا هو الفساد بعينه. فما معنى، مثلا، أن يحرص المعني بالأمر على فتح ورشات باسم المؤسسة الخيرية التي يرأس جمعيتها، ويُشغِّل فيها عمال مقاولته؟ فهل هي محاربة البطالة في مقاولته على حساب المؤسسة الخيرية أم هناك أهداف أخرى؟ وما معنى أن يحرص مسئول أساسي بالجمعية على أن تستفيد مقاولته (أو متجره) من صفقات بالملايين؟ أليس في هذا استغلال للنفوذ؟ ألسنا أمام حالة تنافي واضحة، يطالها القانون؟ ألسنا أمام نوع خاص من الفساد، لكونه يتخذ العمل الخيري غطاءا له وقناعا لصاحبه؟
وقد يصل الأمر إلى نوع من التحايل لاستنزاف مال المؤسسة للأهداف نفسها (المصلحة الخاصة). ومن بين أساليب التحايل المستعملة، البحث عن أموال المتبرعين لتُتَّخذ هذه الأموال ذريعة للشروع في تنفيذ مشروع ما؛ لكن دون التصريح بالمبالغ المتبرع بها، بحيث يرفض المسؤول الوسيط إدخال المبالغ المالية في حساب الجمعية بدعوى أن صاحبها قد اعتبرها زكاة ولا يحب أن يُعرف من هو !! أو أن المبلغ المتبرع به مشروط، يبغي المتبرع من ورائه إنشاء منشاة ما !!
وما أن تبدأ الأشغال حتى يصرح الوسيط بأن المبلغ المالي قد نفذ !! مما يضطر الجمعية إلى إتمام المنشاة من مال الجمعية الذي يعتبر مالا عاما لكون الجمعية تستفيد من الدعم العمومي. فالتحايل، هنا، واضح. والمستهدف هو مال الجمعية الذي هو من المال العام.
لكن الأدهى والأمر، هو أن يجد هذا التحايل وهذا الفساد المقنع من يحميه أو يزكيه. والمصيبة هي أن تكون هذه الحماية أو التزكية من طرف من كان مفروضا فيهم أن يحاربوه، خاصة وأنهم أوصياء على قطاع التعاون والبر والإحسان الذي يستغله هؤلاء الفاسدون.
وإذا أضفنا إلى كل هذا سلوك بعض المتطفلين عن العمل الجمعوي المهتم بالعمل الخيري، الباحثين عن الشهرة وعن المال، فسوف ندرك مستوى الفساد الذي قد يصيب بعض المؤسسات التي تعنى بالعمل الخيري. فقد يصل الأمر بالبعض إلى استعمال النصب والاحتيال على المحسنين (المتبرعين)؛ إذ ما معنى أن تحصل على مبلغ مادي من الغير وتقدمه إلى المؤسسة الخيرية على أنه من مالك الخاص؟ وما معنى أن تقدم مبلغا كتبرع من شخص ما دون الحرص على أن يُثْبت ذلك في وصل استلام لتقديمه للمتبرع كدليل على وصول الهبة إلى أهلها؟ فالسؤال البسيط الذي يتبادر إلى الذهن، هنا، هو: هل قدم هذا الوسيط المبلغ الحقيقي الذي ساهم به المتبرع؟ ويزداد هذا التساؤل إلحاحا حين تعلم أشياء غير مشرفة على شخصية الوسيط.
وحتى لا نتهم بالعدمية أو التعميم المجحف، وإنصافا للمخلصين من المناضلين في هذه الواجهة (واجهة العمل التطوعي)، فلا بد من الإشارة إلى أنه قد نجد داخل هذه الجمعيات مناضلين شرفاء ونزهاء يبذلون قصارى جهودهم لمحاربة هذا النوع من الفساد المتدثر برداء الإحسان. لكن الفشل غالبا ما يكون حليفا لهم على اعتبار أن الفساد مستشر عموديا وأفقيا.. أو بعبارة شاملة جامعة: للفساد رب يحميه !!!
وخلاصة القول، فإن الفساد لم يسئ إلى المؤسسات التمثيلية فقط؛ بل وصلت إساءته حتى إلى المؤسسات الخيرية. فاللهم ألطف بهذا البلد وبمؤسساته !!!



#محمد_إنفي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من دروس الانتخابات الإسبانية: فعالية المشاركة في مواجهة الشع ...
- في المسألة التعليمية، ازدواجية المواقف تشكك في هوية ووطنية أ ...
- في الفرق بين الدفاع عن المنهجية الديمقراطية والاستقواء بالأص ...
- المسألة اللغوية في المغرب بين خطاب الخداع وخطاب الإقناع
- الحسابات الضيقة لأصحب القرار كلفتها ثقيلة على المستقبل
- صدى نداء الوحدة الاتحادية في افتتاحية -الأخبار- المغربية: غل ...
- رسالة مفتوحة إلى كل من يخاصم صناديق الاقتراع: هذا رأيي في ال ...
- معضلة التسول في المغرب: تسول الأطفال والتسول بالأطفال
- -رشيد نيني- وإسقاط الطائرة في حديقة التاريخ
- الحكامة من منظور الوزير ومن منظور مجلس المنافسة
- في الفرق بين النضج والإنضاج في السياسة
- ارحموا عزيز قوم جُن
- بنكيران أكذب من مسيلمة ومن عرقوب
- بنكيران، من-ما دون البغل وما فوق الحمار- إلى ما فوق الحصان ا ...
- التعامل النفعي ل-هبيل- حي الليمون بالربط مع مفهوم الحرية الف ...
- عن العقد الجديدة في مجال علم النفس التحليلي
- الهجرة والتسول في المغرب
- على هامش قرار متابعة السيد عبد العالي حامي الدين: مخاطر تحوي ...
- مهرجان الاتحاد الاشتراكي بوجدة: صناع الأحداث الكبرى وصغار ال ...
- على هامش المهرجان الوطني للاتحاد الاشتراكي بوجدة: قراءة زمكا ...


المزيد.....




- هدية أردنية -رفيعة- لأمير الكويت
- واشنطن تفرض عقوبات جديدة على أفراد وكيانات مرتبطة بالحرس الث ...
- شقيقة الزعيم الكوري الشمالي تنتقد التدريبات المشتركة بين كور ...
- الصين تدعو الولايات المتحدة إلى وقف تسليح تايوان
- هل يؤثر الفيتو الأميركي على مساعي إسبانيا للاعتراف بفلسطين؟ ...
- بسبب متلازمة صحية.. تبرئة بلجيكي من تهمة القيادة ثملا
- 400 جثة وألفا مفقود ومقابر جماعية.. شهادات من داخل خانيونس
- رسالة من شقيقة زعيم كوريا الشمالية إلى العالم الغربي
- الشيوخ الأميركي يقر -مساعدات مليارية- لإسرائيل وأوكرانيا
- رسالة شكر من إسرائيل.. ماذا قال كاتس لـ-الشيوخ الأميركي-؟


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد إنفي - حين يصبح العمل الخيري قناعا للفساد