ملاحظات حول العاصفة التي اثيرت بسبب زيارة مبشر مسيحي للناصرة

سيد ماجد مجدلاوي

الحوار المتمدن-العدد: 6269 - 2019 / 6 / 23 - 00:06
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

ملاحظات حول العاصفة التي اثيرت بسبب زيارة مبشر مسيحي للناصرة
بقلم: سيد ماجد مجدلاوي


اتابع منذ اسبوعين الضجة التي اثيرت في الناصرة بسبب زيارة مبشر مسيحي الى مدينة الناصرة. يذكرني الأمر ايضا ان بلدية الناصرة اقرت في نهاية القرن الماضي مشروعا اقتصاديا هاما لتطوير السياحة في الناصرة عرف باسم مشروع الناصرة 2000، ذلك المشروع وضع مدينة الناصرة على الخارطة السياحية الدولية، وخاصة السياحة المسيحية، وقاد الى بناء فنادق حديثة، ساهمت بايجاد فرص عمل واسعة للمئات، عدا تنشيط الحياة التجارية في الناصرة. واليوم تقف الناصرة في مقدمة الأماكن التي يقصدها السياح المسيحيين. فهل نعتبر هذا الأمر سلبيا لأن المسيحيون يؤمنون بابن الناصرة عيسى ابن مريم، ابنا لله، (الآب والابن والروح القدس الاه واحد آمين) ، رغم ان ابناء الناصرة من المسلمين يعتبرونه رسولا وليس ابنا لله؟ لكن لكل انسان الحق بأن يؤمن بما يراه اقرب الى نفسه ودينه، وهنا لا احد يفرض ايمانه على الآخرين ، والموضوع ليس جديدا في شرقنا، والتعايش قائم منذ اكثر من الفي عام والقرآن يحترم اهل الكتاب، أي المسيحيين واليهود. ورغم الاحداث المؤلمة في شرقنا للفرق الدينية المتطرفة، الا ان شعوبنا العربية ترفض هذه الفتنه الاجرامية الخطيرة.

" فتنة صغيرة تنمو في المجتمع النصراوي "
والمؤسف اني اشم رائحة فتنة صغيرة تنمو في المجتمع النصراوي حول زيارة مرتقبة لمبشر مسيحي اسمه جوشوا. وقد يكون المحرك الرئيسي وراء ما يجري، هو التنافس على رئاسة البلدية، فمنذ استطاع رئيس البلدية الحالي علي سلام بتحقيق فوزا واضحا على مرشحي الجبهة السابق والحالي والفاشلين يتخبطون ويتهجمون بدون وجه حق.
زيارة مبشر، ليست بالأمر الجديد والذي يستحق هذا الهيجان غير المفسر وغير المبرر. والادعاء انه يسمي نفسه نبيا ليست صحيحة اطلاقا، بل بدعة اوجدها المعادون لتطوير الناصرة ولادارة بلدية الناصرة.

" تهجّمات شخصية على رئيس البلدية "
انا متواجد ببعثتة تعليمية في جامعة تورنتو في كندا. وتوجه لي عشرات الطلاب العرب بالاستفسار عن موضوع جوشوا. لم اعط للموضوع أهمية كبيرة، لكني تفاجأت ان التهجمات على رئيس البلدية علي سلام باتت شخصية وكانه مسؤول عن العقيدة التي يؤمن بها الضيف القادم جوشوا، ورؤيتي بوضوح ليست دفاعا شخصيا عن علي سلام، فله جهازه البلدي، ونواب الرئيس، لكني تفاجأت بأمرين مقلقين، اولا، جهاز الاعلام البلدي غائب عن الصورة ولم يطرح أي موقف دفاعي يفسر اهمية الزيارة كما طرحها بيان علي سلام، وثانيا، احد نواب الرئيس واسمه سمير السعدي نشر بيانا مناقضا لموقف رئيس البلدية. ويمكن وصف بيانه بانه مخجل جدا لشخص يمثل البلدية وادارتها، اذ يبدو انه مجند لقوى توهمه بمكانة ارقي في انتخابات قادمة. هذا هو تفسيري الوحيد لتصرفات السيد سمير السعدي.
في انظمة تحترم نفسها، كان عليه ان يستقيل من منصبه اولا، قبل ان ينشر موقفا مناقضا لموقف رئيس البلدية، حتى لو كان موقف رئيس البلدية موقفا خاطئا. المنطق البسيط ان ادافع عن موقف رئيس البلدية ما دمت نائبا له وضمن كتلته، او حتى لو كنت ممثلا لكتلة غير كتلة الرئيس ومتحالفة مع كتلة الرئيس. موقف مناقض لموقف رئيس كتلتك ورئيس بلديتك وانت نائبا له، المنطق ان تقدم استقالتك وعندها انت حر بأن تقول ما تشاء. اما البقاء نائبا للرئيس واثارة الشكوك بموقفه، فهذا أمر بالغ السوء غير مقبول باي منطق اطلاقا.

اللعب على الوتر الديني
الأمر السيء في بيان السيد سمير السعدي هو لعبه على الوتر الديني بطريقة معيبة، ودخل بموعظة دينية لا تليق بالموقف، لا احد يتطاول على الدين، المسيحي او الاسلامي، وترويج مثل هذه الأقاويل لا تخدم المجتمع النصراوي. انا ايضا ارفض فكرة قدرة انسان على التنبؤ، لكن معظم الفلاسفة غير الدينيين، طرحوا افكار فلسفية حول التنبؤ بتطور المجتمع والتاريخ، فهل نعتبرهم كفارا ممنوع قراءة اعمالهم؟ ماركس مثلا ايها الشيوعيون، (تفاجأت بقوة صوتهم بموضوع لا شيء فيه الا التحريض، باكتشاف شخصياتهم الرسمية ومنهم عايدة توما، لوجود مدينة اسمها الناصرة ورئيس منتخب للبلدية) طرح موضوعا هاما يعرف باسم المادية التاريخية، تبحث المادية التاريخية عن أسباب التطورات والتغيرات في المجتمع البشري بالوسائل التي ينتج بها البشر عامةً ضروريات الحياة، وتفترض أن الطبقات الاجتماعية والعلاقة بينها إلى جانب الهياكل السياسية وأساليب التفكير في المجتمع، تستند إلى النشاط الاقتصادي المعاصر وتعكسه. وتقود مستقبلا الى الصراع بين العمال والبرجوازيين وينتصر العمال ويبنون نظامهم الشيوعي. فهل نعتبر ماركس وسائر الفلاسفة منحرفون يجب عقابهم ومنع اعمالهم؟
لا اكشف سرا عندما اقول ان مدينة الناصرة تعاني من تمييز مبرمج في الميزانيات مما يحد قدرات البلدية على تنفيذ العديد من المشاريع ، ويضعها بمآزق اقتصادي، ليس من السهل ايجاد حلول بسيطة لهذا الوضع. فهل نرفض فرصة لدعم البلدية اقتصاديا؟ لا اصحابي، لن نغير ما نؤمن به، كما ان ميزانيات حكومات اسرائيل لم تجعلنا عملاء للشاباك. كذلك أي دعم اقتصادي هو دعم مبارك ولن يغير ما في نفوسنا.

بيان البلديّة
السؤال الثاني الذي لا بد من طرحه، اين اعلام بلدية الناصرة لتوضيح الموضوع من زيارة شخصية مسيحية؟ بحثت بالصحف ولم اجد الا تصريح سمير السعدي السيء جدا. لا ندعوا لقبول مواقف الزائر الضيف، لكنه مثل أي زائر مسيحي او سائح ، نستقبله ولا نقبل آرائه. بحثت عن بيان بلدية الناصرة، وتفجأت بانه بيانا واضحا عقلانيا وهذا مقطع منه:
"بلدية الناصرة: زيارة جوشوا تدعم المدينة اقتصاديا وتم تسييسها من قبل المهزومين في المعركة الانتخابية الأخيرة
بعد بلبلة كبيرة وتراشق اتهامات وبيانات، أصدرت بلدية الناصرة بيانًا توضيحيًا بشأن المدعو تي بي جوشوا وزيارته الى جبل القفزة في المدينة، وأكّد بيان البلدية أنّ "هذا القِس المسيحي يزور المدينة وجبل القفزة، بعد زيارته لمدينة بيت لحم ومدينة القدس ولقاء رجال دين مسيحيين وإسلام ويهود ولقائه رجال سياسة ورؤساء بلديات".
وأضاف بيان البلدية:"هذه الزيارة التي تدعم المدينة اقتصاديا تم تسييسها من قبل المهزومين في المعركة الانتخابية الأخيرة والذين يحاولون عبثاً العودة الى الساحة السياسية والعمل على إعاقة عمل رئيس البلدية علي سلام. ولكي يدعموا مواقفهم الهزيلة العارية عن الصحة زعموا أن علي سلام يستقبل ويهلل لمن يدّعي النبوة والعياذ بالله."
اجل بيان البلدية واضح وضوح الشمس، لكني ارى حقا ان المهزومين او الذين يحرك تفكيرهم التزمت الديني شكليا، بينما ميولهم لاسقاط ادارة بلدية الناصرة ورئيسها، او لهم مخططات مبيتة اخرى حتى لو كانوا شكليا ضمن جهاز رئيس البلدية، عليهم ان يتخذوا الخطوة الصحيحة لكل من يرفض نهج بلديته وخاصة من يمثلون بلدية الناصرة اعلاميا وادراة.
لا احد مخول من أي مصدر ان يقف مراقبا على قناعات الناس. ان وصول شخصية لها مكانتها الدينية، ضمن اطار كنسي او ديني آخر، هو مكسب لمدينة الناصرة وليس سببا للصراخ "عليهم" ضد رئيس بلدية ينشط من اجل تطوير مدينته، وحسب ما يصلني من اقارب نصراويين، بعضهم نادمون كما يقولون على عدم التصويت لعلي سلام، رئيس البلدية ينشط بتنفيذ مشاريع هامة لمدينة الناصرة، ويبدو ان الصراخ على قدر الوجع من الذين يريدون ان يروا بلدية الناصرة مشلولة بلا مشاريع وبلا تطوير. لعل هذا يعيدهم لادارة بلدية الناصرة. لكنهم سيبقوا بادارة فشلهم فقط!!
هذا المقال بقلم سيد مجدلاوي/ من اللد، ابن عائلة لاجئين من مجدل غزة، مقيم مؤقتا في تورنتو – كندا ! وكل كلمة في المقال تلزم الكاتب فقط وتعبّر عن رأيه الشخصي وليس عن رأي الموقع .

#سيد_ماجد_مجدلاوي (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات