أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاطمة ناعوت - سهير، آنجيل … ماتَ معهما … كلُّ شيء!














المزيد.....

سهير، آنجيل … ماتَ معهما … كلُّ شيء!


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 6253 - 2019 / 6 / 7 - 13:26
المحور: الادب والفن
    


فاطمة ناعوت
Facebook: @NaootOfficial
Twitter: @FatimaNaoot

امتحان الصف الخامس في مادة التعبير الإبداعي، وسؤالٌ يقول: “للأمِّ فضلٌ عظيم على أبنائها، أكتبْ في هذا الموضوع موضحًا فضل الأم عليك وواجبك نحوها.” وعدة سطور شاغرة يملأها الطالبُ بإبداعه. فكتب أحدُ التلاميذ ما يلي: “أمى ماتت ومات معها كل شىء".
انتهت إجابةُ الصبيّ بتلك الكلمات، وهل من مزيدٍ عليها؟! اختصرت 6 كلمات الأمرَ كلَّه؟ مات كلُّ شيء بموت أم ذلك الطفل البائس، فما عاد لمفردة "الأم" من معنى. ذكّرتني عبارتُه بشطر من قصيدة "أبي فراس الحمداني": "إذا مِتُّ ظمآنا فلا نزل القَطرُ.” فما جدوى المطر بعد موتي ظامئًا، وما معنى كلمة "أمّ" وقد ماتت أمي؟! صدقتَ أيها اليتيمُ الصغير! لا تعودُ الحياةُ حياةً، بعدما تطيرُ أمهاتُنا للسماء، وتتركنا وأيادينا لم تزل معلّقاتٍ في أطراف أثوابهنّ.
في مثل يوم أمس 5 يونيو من العام الماضي، ماتت أمي الروحية الجميلة "آنجيل"، بعد عشر سنوات من موت أمي الحقيقية "سهير". فجرَّبتُ اليُتْمَ مرتين. وهذا شنيعٌ وقاسٍ وفوق قدرة البشر على التحمُّل.
حين جرّبتُ اليُتمَ لأول مرة عام 2008، واسيتُ نفسي، أو خادعتُها، في مقال عنوانه: “صوتُ أمي لا يطيرُ مرتين"، استهللته بقولي: “أرحمُ ما في موت الأمهات؛ أنهن لن يَمُتن مرةً أخرى. جميلٌ جدًّا أن ينتهي رعبُ المرءِ من فكرة فقدان أمّه. أتذكرُ، وأنا طفلة، أنني ظللتُ أعيشُ هذا الرعب، منذ أدرك عقلي معنى الموت والحرمان ممن نحبُّ إلى الأبد. إذا ما سعلتْ أمي؛ أخافُ أن تموتَ، ويفرُغ العالمُ من حولي. إذا تأخرتْ أمي في العمل، أقفُ بالشرفة، مثل عصفورٍ يرتعد. تتلفّتُ رأسي لأمسحَ الشارعَ من طرفيه، والخوف يفترسُ طفولتي: ألن أراها أبدًا تدخلُ من مدخل العمارة؟! وحينما كانت تمنعني من اللعب وقراءة "ميكي"، كان "الشريرُ" داخلي يرسم لي عالمًا رغدًا بلا أمّهات يُجبرن أطفالهن على شرب اللبن والمذاكرة والحرمان من الأصحاب واللعب والحلوى، لكنْ سرعان ما ينتفضُ "الطفلُ" داخلي، فأتوقُ للدفء. ولما مرضتْ أمي، مرضَها الأخير، كنتُ بمجرد أن أتركها بالمستشفى، أناصبُ التليفونَ العداء. كلّما رنَّ، خفقَ قلبي هلعًا من سماع ما أكره. حتى عدتُ إلى بيتي مساء يوم 5 سبتمبر 2008، لأجد الأنسر ماشين يحمل صوت خالي يقول: "حبيبتي فافي، البقاء الله، ماما سهير تعيشي انتي!" انهدم العالمُ من حولي، وتلاشت معالمُ كلّّ شيء في عيني ولم أدرِ ماذا أفعل؟ أمسكتُ الهاتف لأكلّم أمي وأسألها ماذا أفعل، كما تعوّدتُ أن أفعل في كل الأمور الصعبة التي أمرُّ بها. لكنها لم تردّ عليّ أبدًا. فأدركتُ أن أمي ماتت. ولكن هناك شيئًا جميلا في الأمر. أن رعبي من فكرة موتها قد مات أيضًا للأبد. فهي لن تموت إلا مرةً واحدة ولن أفقدها غدًا أو بعد غدٍ! فقد فقدتُها بالفعل اليوم، وانتهى الأمر!
محاولةٌ بائسة لإيجاد الراحة في موت أمي مرّةً واحدة، بدل انتظار موتها كلَّ يومٍ منذ طفولتي! لكنني، بعد ساعة واحدة، أدركتُ كم كنت أخدع نفسي! فالحقيقة أن أمي تموت كلَّ يومٍ منذ طيرانها إلى الله مع كل نهار يُصافحُني دونها، ومع كل محنة أمرُّ بها وحيدةً دون سند، ومع كل مشكلة عابرة تواجهني خلال نهاري ولا أجد مَن يساعدني على حلِّها، ومع كل صفعة من الحياة تصفعني ولا أجد من يربتُ على ظهري ويمسّد شعري قائلا: (ولا يهمك، أنا معك!)، ومع كل عيد أم دونها، ومع كل لحظة يقع فيها بصري على رقمها على شاشة هاتفي وأعرف أنها ليست على الطرف الآخر، ومع كل دقّة تليفون في بيتي أركض وأنا أرجو أن تكون المهاتفة من أمي، لأسمع صوتها ذاك الذي تبخّر في الفضاء ولم يعد موجودًا، ومع كل نظرة إلى مذياعها وساعة الحائط في بيتي تلك التي كانت يومًا في بيتها، ومع كل مرة تقع عيني على صورتها على الحائط في ثوب زفافها إلى أبي بعدسة الأرمني "ڤان ليو"، ومع كل نظرة في عيني ابني "مازن" لأتذكر صوتها يقول: “مازن طفل مُشرِّف"، وفي عيني ابني "عمر" لأتذكر كم داخت به عند الأطباء لتنقذه من "التوحد".
واليومَ يحدث لي كلُّ هذا حين أبحثُ عن صوت ماما “آنجيل” في كل ركن من أركان بيتي ولا أجدها. أبحثُ عن حضنها لكي أبكي فيه فتقولُ لي: (متخافيش يا فافي ربنا معودك يجيلك في الهزيع الرابع. اجمدي. مامتك أنا!) وحين كانت تصحو فجرًا وتمرُّ على غرفة مكتبي وأنا أكتبُ فتقول لي: (جيتارة. اكتبي مقالات جميلة زي الموسيقى. فأنت جيتارة.) ماتت أمي، مرتين. و معهما…. ماتَ كلُّ شيء.
“الدينُ لله، والوطنُ لمن يحبُّ الوطن.”

***



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- 1 يونيو … عيدًا مصريًّا
- محمد عبده يُشرقُ في سماء الأوبرا القاهرية
- كتابٌ … يبحثُ عن مؤلف!
- أنا أفريقية وأفتخر!
- أطفالُ السجينات ... فوق كفِّ السيدة الجميلة
- محمد ممدوح … صمتُه كلامٌ!
- الصحوةُ من الصحوة … وارتزاقُ الأصفار!
- محمد عبده وطلال … يراقصان صِبانا
- شافت الصليب قالت: والمصحف مانا واخدة تمنه!
- الطريدة
- كونوا طيبين … حتى تطيرَ بالوناتكم!
- دموعي … بين يدي الأبنودي
- القيامة … البابا … رمضان … النقشبندي
- مصرُ التي … على صفحة العائم
- حوار مع متطرّف: نعم … أنا متطرّفة!
- مَن يقرعُ الأجراسَ في باريس؟
- الملك لير … سرُّ عظمة مصرَ
- روچر … البودي جارد الذي خاصمني!
- مصطفى الفقي … سَلطنة التشريح الفكر
- في قانون التحضُّر: البقاءُ للأضعف!


المزيد.....




- المخرج الأميركي جارموش مستاء من تمويل صندوق على صلة بإسرائيل ...
- قطر تعزز حماية الملكية الفكرية لجذب الاستثمارات النوعية
- فيلم -ساحر الكرملين-.. الممثل البريطاني جود تدرّب على رياضة ...
- إبراهيم زولي يقدّم -ما وراء الأغلفة-: ثلاثون عملاً خالداً يع ...
- النسخة الروسية من رواية -الشوك والقرنفل- تصف السنوار بـ-جنرا ...
- حين استمعت إلى همهمات الصخور
- تكريم انتشال التميمي بمنحه جائزة - لاهاي- للسينما
- سعد الدين شاهين شاعرا للأطفال
- -جوايا اكتشاف-.. إطلاق أغنية فيلم -ضي- بصوت -الكينج- محمد من ...
- رشيد بنزين والوجه الإنساني للضحايا: القراءة فعل مقاومة والمُ ...


المزيد.....

- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاطمة ناعوت - سهير، آنجيل … ماتَ معهما … كلُّ شيء!