أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سميح مسعود - البحث عن قصيدة منسية














المزيد.....

البحث عن قصيدة منسية


سميح مسعود

الحوار المتمدن-العدد: 6249 - 2019 / 6 / 3 - 18:37
المحور: الادب والفن
    


عرفها بصعوبة شديدة بسبب الإرهاق والإعياء الباديين على وجهها، وجدها ممتلئة بالحزن، وحيدةً كفراشة تبعثرت في كل الجهات... أخبرته عن فقدها زوجها بحادث مأساوي في البصرة، وأدرك من نبرة صوتها أنَّ أيامها بعده أصبحت خالية موحشة، تحاول أنْ تداريها بدموع تذرفها عبر أهدابها دون توقف.

مشيا معا جنبا إلى جنب، ردد بعض العبارات المعروفة في مثل هذه المناسبات الحزينة... رددها بعناية، وطالبها بالصبر...أطلقت تنهيدة طويلة، وأخفضت عينيها... بقيت صامتة، غير مكترثة لأي شيء حولها.

واصل اللقاء بها... كان لديه الوقت الكافي للتحدث معها في أمورٍ تبعدُها عن منابت الأحزان، وتساعدها على رسم مشارف حياة جديدة، كان يقول لها دوما : "أخاف عليك البقاء رهينة لأثواب الحداد السوداء".

وفي ذات صباح يومٍ قائظٍ من أيام تموز، التقى بها، كانت عقاربُ الساعةِ تقارب الساعة التاسعة، جلست بجانبه في سيارته، اندمج معها في الحديث، ولاحظ تحسن حالتها النفسية... على مفترقِ طريقٍ لا ينساه، ما زال يذكره، أسمعها قصيدة بصوت خفيض، ارتجلها في لحظتها، هامت كلماتها حولها، طالبتها بخلعِ أثوابها السوداء، والاهتمامِ برونقِها من جديد... باحمرارِ شفتيها، وكحلِ عينيها، وانسدالِ شعرها طليقا على كتفيها.

ارتج صدرهُ من نفحاتِ تلك الكلمات،لا يدري كيف انسابت منه ولماذا جاهر بها... أراد أنْ يتبرأ منها ويقول لها اعتبريها كلمات اعتباطية لا أكثر.

تراجع عن هذه الجملة الأخيرة في آخر لحظة، لأنها توحي بضعف واستسلام لا تتناغم مع دوافعه البريئة، وصدقية كلماته التي رسمها بروح طيبة صافية.

لاذ بالصمت...ألقى نظرة سريعة عليها لمعرفة تأثير ما قاله لها، وجدها مرتبكة محرجة، ترميه بنظرات جانبية من حين لآخر بعينين حزينتين ذابلتين عاتبتين... لفحتهُ نظراتها العاتبة... تفسخ من شدةِ العتاب.

أمضيا بعض الوقت معا، لم يتحدثا كثيرا... ودعها وعاد إلى منزله...حاول بعد ذلك تذكر كلمات قصيدته ... لم يتذكر شيئا منها، نسيها، فرَّت حروفها منه.

***

افترقا، سارا في دربين مختلفين متباعدين تتماوج بينهما المحيطات... ظلت قصيدته منسية، علامة مفقودة يشعر برغبة ملحة لتذكرها، حاول للمرة الألف استحضار قوافيها... لم تأته الكلمات، بقيت أوراقه بيضاء.

وفي مساء أحد الأيام ، بعد مرور عام على آخر لقاء بينهما، وكانت شمس الغروب تلقي بقايا أشعتها باستحياء فوق "منطقة الوست ماونت" في مونتريال... فجأة سمع صوتاً أتاه من بعيد، هبط على أذنيهِ مثقلاً بلحنٍ ساحَ في داخلِهِ، ذكره بأصحابه...شعرَ برغبةٍ في الحديثِ معهم، وكانت هي واحدة منهم.... أصر على سماعِ صوتِها عبر الهاتف.

اتصل بها، سمع صوتها ، حدثته عن أخبارها وما حل بها طيلة عام مضى وحدثها طويلاً عن أخباره وعن الخريف في مونتريال، وصف لها أوراق الشجر بلونها الأصفر، وهي تتدلى، وتتساقط، على أمل أن تعود مرة أخرى خضراء يانعة في الربيع.

ثم قال لها : "إنني أعيش على أملِ استحضار كلمات القصيدة التي قلتها لك في تموز الماضي... هل تذكرين تلك الكلمات ؟"
أجابت بضحكة مدوية: "لماذا لم تسجلها وقتذاك؟"

قال لها: "هي بنت لحظتِها لم أكتبها قبلَ لقائِنا، ارتجلتها، خرجت دون تمهيد سابق".

واصلت الضحك من أعماقها، وراحت تردِّدُ قصيدته في حنان بالغ، وعندما أنهتها وتوقفت عن الكلام... طلب منها إعادة ترديد القصيدة ثانية حتى يكتبها.

أجابته مداعبة في رقة: "هذه القصيدة من خبايا الماضي،أريدك أن تكتبَ لي شعراً جديداً غيرها."

سألها: "كيف تمكنتِ من حفظِها في تلك اللحظة، لقد شعرت وقتذاك بعدم رضاك عنها."

ردت عليه بصوت هادئ: "إنها أجمل كلماتٍ سمعتُها، حفظتُها وهي تتوالى بين شفتيكَ كلمةً كلمة، ولأن حياتي كانت يومذاك مثقلةً بالأحزان، لم أستطع التعبير عن نشوتي ورضائي". .
كرر عليها إعادة ترديد القصيدةِ عبر الهاتف حتى يسجلها... كررت الرفض ثانية، وطلبت منه شعراً جديداً.

أنهت المكالمة، وتركتهُ وحيداً.

طوال تلك الأمسية امتلكته رغبةٌ لكتابة الشعرِ، وضعَ أوراقَهُ أمامَهُ، حاول نسج كلمات جديدة... لم تأتهِ الحروف.... قرر أن يذهبَ إلى مطعمه المفضل على أمل أن تأتيه على إيقاع الموسيقى، وأصوات الغناء.

خرج من بيته باتجاه شارع "سان كاترين" وعبر نواصي تقاطعات شوارع كثيرة متصلةٍ بهِ، وصلَ بعدها إلى شارع "كريسنت"، اتجه للرصيف المقابل، ودخل مطعمه المعتاد "ثيرسدي"... جلس وحيدا في زاويته المفضلة... وأخذ يستمع بشغف إلى مطرب شاب، كان صوته ينساب بعذوبة وهو يردد أغنية قديمة للويس ارمسترنغ عن جمال العالم وعذوبة الحياة .
ذكرته الأغنية بأيامٍ خلت... حاول على إيقاعها رسم بعض القوافي، طلبَ من النادلةِ ورقةً، وحاولَ أن يكتب... في تلك اللحظة تذكر قصيدة أنشودة المطر للسيّابِ التي قال في مطلعها من وحيِ نخيل البصرة :

"عيناك غابتا نخيل ساعة السحر".

تذكر تلك المرأة ... تصورها في غلالة شفافة وهي تتهادى حالمة بين صفوف لا تنتهي من النخيل، تعطي للحياة طعما "برحيا" حلو المذاق... ومن وحي ما قاله السياب، تذكر شجر الزيتون في قريته... تساقطت عليه بعض الكلمات، كتبها على أوراقه بأحرف نافرة:

عَيناك قنديلا زيت
عُلِقا في صَحن مَعْبَد.
كُلما الليلُ دَجى
أجيئُهُ أتَعَبَدْ.

توقف عند هذه الكلمات، لم يستطع قطفَ حروفٍ جديدةٍ لها... طوى أوراقه، وسرعان ما أسند ذقنه بمتن يده، وراح يستمتع بإيقاع أغنية عاطفية رقيقة لم يسمعها من قبل...

انتهت الأغنية والليل في هزيعه الأخير، ألقى نظرة سريعة على المغني، حياه عن بعدٍ، واندفع نحو باب المطعم... نزل عدة درجات إلى الأسفل وخرج إلى الشارع واضعا يديه في جيبه... مشي تحت زخات مطر خفيفة، وراح يدندن بصوت خافت كلمات الأغنية التي سمعها قبل قليل..



#سميح_مسعود (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفكر العقلاني عند العرب: ابن رشد أنموذجاً
- رسالة الغفران لأبي العلاء المعري بعيون اسبانية
- فلسطينية تمتلك ثلاثة متاحف خاصة في قرطبة
- أيام في كوبا
- مرحلة التقاعد بداية حياة جديدة
- خوسيه ميغيل بويرتا وعلم الجمال عند العرب
- رواية العشق المر
- المناضل نجاتي صدقي بعيون إسبانية
- محمود صبح قنطرة وصل بين الإسبان والعر ب
- الصعود إلى أعلى
- ترجمة وديع البستاني لرباعيات الخيام
- أمين معلوف يتأفف من كلمة الجذور
- إميل البستاني عاشق حيفا
- كتاب نحن من صنعنا تشافيز- تاريخٌ شعبيٌ للثورة الفنزويلية
- وداعاً للتشيخوفي عدي مدانات
- حيفا الكلمة التي صارت مدينة
- مي صيقلي : مؤرخة من حيفا
- لابد من تطوان وإن طال السفر
- أيام في المغرب
- أيامٌ في الناصرة


المزيد.....




- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...
- أردوغان يشكك بالروايات الإسرائيلية والإيرانية والأمريكية لهج ...
- الموت يغيب الفنان المصري صلاح السعدني


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سميح مسعود - البحث عن قصيدة منسية