أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - رحيل فوزي كريم، الأيقونة الباسمة، وصيّاد الأفكار المراوغة















المزيد.....

رحيل فوزي كريم، الأيقونة الباسمة، وصيّاد الأفكار المراوغة


عدنان حسين أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 6233 - 2019 / 5 / 18 - 12:05
المحور: الادب والفن
    


ودّع المشهد الثقافي العراقي والعربي الشاعر فوزي كريم الذي صارع المرض طويلاً لكنه واجه مصيره المحتوم ليلة الخميس المصادف 16 مايو 2019 إثر أزمة قلبية حادة لتخسر الثقافة العربية علامة فارقة ومضيئة بدأت حضورها الشعري في أواسط الستينات من القرن الماضي، ثم توزعت اهتماماته الأدبية لتشمل القصة القصيرة، والنقد الأدبي، والتشكيلي، والموسيقي. كما كان رسامًا مثابراً، وصحفيًا متميزًا أغنى الصحف والمجلات التي عمل فيها أو رفدها بالعديد من مقالته الرشيقة المتفردة.
برز فوزي كريم كواحد من شعراء الستينات في العراق، وكان يتميز منذ البداية بتعدد اهتماماته الثقافية والفنية التي كانت تغذّي قصائده بنبرة مختلفة، ونكهة متميزة أخرجته عن النمط الشائع من القصائد الستينية، ولعل المتابعين لتجربته الشعرية يعرفون من كثب أهمية الصورة التشكيلية، والإيقاع الموسيقي القادم من خارج النص الشعري، والأهمّ من ذلك أنّ فوزي كريم كان صانع أفكارٍ لافتة للانتباه سواء في القصيدة التي يكتبها أو المقالة التي يدبّجها حتى ليشعر القارئ بأنه أمام منجم أفكار وليس خطرات فنية ترد هنا وهناك. أنجز كريم العديد من المجموعات الشعرية التي ظلت مستقرة في أذهان القرّاء والنقّاد والمتابعين لتجربته الشعرية التي أخذت حيّزها المهم في المشهد الشعري العراقي والعربي رغم عدم ميله للأماسي الاحتفائية والمهرجانات، ولكنه كان يلبّي بعض الندوات الشعرية والثقافية التي تُنظم له من قبل بعض المؤسسات الثقافية العراقية والعربية في لندن ويتحفنا بقراءة نماذج من أشعاره، أو محاضرة من محاضرته عن الموضوعات التي تشغله مثل "كلكامش" أو الموسيقى الكلاسيكية التي يحبها، ويكتب عنها مقالات نقدية شديدة التركيز في المعلومة، والمقاربة النقدية، وطريقة التناول. مَنْ من المتابعين للمشهد الشعري العراقي لا يتذكر "عثرات الطائر"أو "مكائد آدم" أو "لا نرث الأرض"؟ هذه المجموعات وأخرى غيرها تذكّرنا بحلاوة الصورة الشعرية عند فوزي كريم، وطلاوة المفردة المنتقاة التي تتساوق ضمن الجملة التي يكتبها الشاعر بعد تأمل طويل، فثمة مساحة للأفكار، والمشاعر، والخلجات الإنسانية في شعره الذي يصمد أمام تقادم السنوات. ربما تكون "قارات الأوبئة" فنارًا تهدي القرّاء إلى ساحل القصيدة التي تحفر في أعماق القارئ، وتترك فيه أثرًا لا يُنسى بسهولة، وهذا الأمر ينسحب على "قصائد من جزيرة مهجورة" و"السنوات اللقيطة"و"آخر الغجر"، وتمتد من دون شك إلى "ليلُ أبي العلاء" الذي يشترك معه في شعر الفكرة أو النص الثقافي العميق الذي يتواشج مع القصيدة الذهنية أو الفلسفية التي يطوّعها في قصيدته التي تغوص في أعماق الإنسان، وتستهدف بصره وبصيرته وحزمة مشاعره الإنسانية المتأججة. تحتاج دواوين الشاعر فوزي كريم إلى دراسات تفصيلية معمقة تستغور ثيماتها الرئيسة والفرعية وما هذا الكلام سوى إشارات خاطفة تدلّ القارئ على كنز شعري لمبدع فذّ أخلص للقصيدة، وتفانى من أجل مشروعة الشعري المتفرد.
يندر أن تجد مثقفًا عراقيًا لم يقرأ "مدينة النحاس" التي خلقت بصمته القصصية مثلما خلقت دواوينه صوته الشعري الذي يومئ إليه أينما حلّ وارتحل. فبعد تخرجه من قسم اللغة العربية بكلية الآداب، جامعة بغداد، غادر العراق عام 1969 وأصدر مجموعته الشعرية المعنونة "أرفع يدي احتجاجًا " ثم عاد إلى بغداد عام 1972 ليغادرها من جديد عام 1978 إلى لندن، المدينة التي يحلم بها العديد من الأدباء والفنانين العراقيين، ولعل مدينة الضباب هي التي حرّضته على الموسيقى الكلاسيكية بشكل أكبر مما كان يسمعه في بغداد، وأثرتْ ذائقته الفنية طوال حياته التي بلغت 74 سنة وزّعها بالتساوي على الفنون القولية وغير القولية. ومثلما كان يرتاد صالات الفن التشكيلي ويتأمل جديد الفنانين التشكيليين البريطانيين والعرب والأجانب، كان يستمتع بمشاهدة الأفلام السينمائية، وخاصة الجادة والتجريبية منها، فالسينما هي أم الفنون، وليست فنًا سابعًا فقط.
كان فوزي كريم ينقد الشعر ويُنظِّر له، يشترك في البيانات الشعرية أو يكتبها بنفسه بعد أن يقع عليه الاختيار. وبما أن موجة الستينات قد أثارت جدلاً لم ينقطع حتى اللحظة فلابد أن يكون القِدحْ المعلّى، فهو "ابن بَجدتها" كما يقال. لذا كتب عن هذه الموجه بعد عدة عقود متأملاً إيّاها بنظرة العارف بالأمور الثقافية، والخبير بها فأصدر كتابه الإشكالي الجميل، والمثير للجدل وهو " ثياب الامبراطور: الشعر ومرايا الحداثة الخادعة" الذي صدر عن دار المدى عام 2000 ثم تبعه بـ "تهافت الستينيين: أهواء المثقف ومخاطر الفعل السياسي"، وما بينهما أصدر "العودة إلى گاردينيا"و"يوميات نهاية الكابوس" وكلها صدرت عن الدار نفسها لأنها كانت وفيّة للمثقفين العراقيين وخاصة اليساريين منهم الذين منحوا الحياة العراقية نَفَسًا إنسانيًا جديدًا لم نألفه من قبل.
أشرنا إلى أنّ الشاعر فوزي كريم كان رسّامًا وقد أقام عدة معارض متباعدة زمنية لكنه لم يجد بُدًا من تفريغ بعض هواجسه القلقة، ومشاعره الداخلية المُحتَبَسة على الورق والكانفاس مُبتعدًا قدر ما يستطيع عن الرسم الكلاسيكي مُحاورًا متلقيه بلغة تشكيلية جديدة يتابعها بنفسه في أروقة المتاحف وصالات الفن التشكيلي، ويكتب عنها مقالات مكثفة في أعمدته الصحفية الكثيرة كان آخرها "المتحف الخيالي" و"البرج العاجي" قبل أن يترجل منه ليلة أمس المُفجعة لكل مثقف إنساني نبيل لأنه كان أقرب إلى الأيقونة الجميلة التي تبتسم لكل المثقفين في العالم.
قد لا يكون الراحل متخصصًا في الموسيقى الكلاسيكية أو الحديثة، ولكنه مستمع من طراز رفيع لا يضاهيه إلاّ الكاتب الراحل نجيب المانع، المُدمن هو الآخر على سماع الموسيقى، والكتابة النوعية عنها وقد أثرى المكتبة العربية ببعض الإصدارات المهمة في هذا المضمار.
على الرغم من قلّة محاضراته وندواته في السنوات العشر الأخيرة التي لازمه فيها المرض إلاّ أنه لم يكن يبخل علينا بالموافقة على مشاركته في تقديم بعض المحاضرات التي كشفت عنه كباحث متمرس يعتمد المصادر والمراجع العربية والإنجليزية الكثيرة مثل محاضرته الموسومة عن "ملحمة كلكامش" التي قدّم فيها قراءة مختلفة عمّا هو سائد ومعروف، ومردّ ذلك، بحسب ظني المتواضع، إلى قدرته على اصطياد الأفكار، وتقديمها على طبق من ذهب إلى القارئ أو المستمع الذي يترك مشاغله جانبًا ويأتي إلى الندوة الفكرية أو الفنية أو الثقافية التي يقدّمها هذا المثقف العراقي الذي قدّم لنا زادًا ثقافيًا متنوعًا لن يغادر ذاكرة المتلقين بسهولة.



#عدنان_حسين_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- انعتاق الرغبة رواية جريئة ترصد العبور إلى الجنس الآخر
- سواد . . . محاولة لتدوين الأحلام والكوابيس
- أديب كمال الدين: أخلصتُ للحرف حتى أصبح بصْمَتي الشعرية
- بغداد في أخاديد الذاكرة
- ديسْفيرال. . حياة ناقصة تستعير ذاكرة الآخرين
- معالجة جديدة لثنائية الشرق والغرب في فيلم تبّولة وباي
- الفنان علاء جمعة يوثِّق الذاكرة العراقية بعين تشكيلية
- أصوات سورية تضيء المشاعل، وتحنّي عَتبات البيوت
- صيف مع العدوّ رواية ترصد التحولات الكبرى في سوريا
- (شمس بيضاء باردة) رواية جريئة تُقاصص السلطة الأبوية والسياسي ...
- برنامج -أمير الشعراء- يتألق في موسمه الثامن
- بأيّ ذنبٍ رَحلَتْ؟ رواية تستبطن الشخصية المغربية المثقفة
- إدوارد بيرن- جونز. . الفنان الذي وظّف الأساطير، وعمّق لوحته ...
- سيرة الفراشة: نص روائي مطعّم بشذرات ميتا سردية
- عودة نوعيّة لمهرجان الفيلم الفلسطيني في لندن
- قصص قصيرة جدًا لمحمد حياوي بنهايات تنويرية
- جسور الحُب . . رواية لا تحمّل الأبناء وزرَ ما ارتكبه الآباء
- ليلة المعاطف الرئاسية. . رواية كابوسية مطعّمة بالسخرية السود ...
- أُنشودة حُب. . رواية رومانسية بحُلّة تاريخية
- استجواب الرئيس. . سنوات الطفولة هي المفتاح لفهم شخصية الطاغي ...


المزيد.....




- منارة العلم العالمية.. افتتاح جامع قصبة بجاية -الأعظم- بالجز ...
- فنانون روس يسجلون ألبوما من أغاني مسلم موغامايف تخليدا لضحاي ...
- سمية الخشاب تقاضي رامز جلال (فيديو)
- وزير الثقافة الإيراني: نشر أعمال لمفكرين مسيحيين عن أهل البي ...
- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- ألف ليلة وليلة: الجذور التاريخية للكتاب الأكثر سحرا في الشرق ...
- رواية -سيرة الرماد- لخديجة مروازي ضمن القائمة القصيرة لجائزة ...
- الغاوون .قصيدة (إرسم صورتك)الشاعرة روض صدقى.مصر
- صورة الممثل الأميركي ويل سميث في المغرب.. ما حقيقتها؟
- بوتين: من يتحدث عن إلغاء الثقافة الروسية هم فقط عديمو الذكاء ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - رحيل فوزي كريم، الأيقونة الباسمة، وصيّاد الأفكار المراوغة