أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - سيرة الفراشة: نص روائي مطعّم بشذرات ميتا سردية















المزيد.....

سيرة الفراشة: نص روائي مطعّم بشذرات ميتا سردية


عدنان حسين أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 6102 - 2019 / 1 / 2 - 12:47
المحور: الادب والفن
    


لندن: عدنان حسين أحمد
صدرت عن "دار شهريار" في البصرة رواية "سيرة الفراشة" للقاص والروائي محمد حيّاوي، وهي الرواية الخامسة بعد "ثغور الماء" و "طواف متصل" و "خان الشابندر" و "بيت السودان" لكنها تتميّز عن سابقاتها بتعدد الأمكنة، وتنوّع الشخصيات، واختلاف المرجعيات المُؤسِسة للنص السردي، فبدلاً من التركيز على "خان" مُحدّد أو "بيت" بعينه ينفتح بصر محمد حيّاوي وباصرته على أمكنة كثيرة تبدأ من حيّ "صلاح الدين" في حلب، وتمتد إلى مرسين وإستانبول، مرورًا بقبرص واليونان وألمانيا، وانتهاءً بأمستردام، والعودة مُجددًا إلى الحيّ الذي انطلقت منه شخصيتا الرواية الأساسيتين بسّام وندى، حيث يفقد الأول ذاكرته، وتعيش الثانية بنصف ذاكرة تسعى إلى ترميمها بواسطة العودة إلى النبع الأول.
تُذكِّرنا "سيرة الفراشة" بأفلام الطريق Road Movies لكن طُرق هذه الرواية لا تقتصر على اختراق اليابسة فقط وإنما تمتدّ إلى مسارب الماء والسماء وكأنّ الروائي يريد أن يستثمر عناصر الطبيعة برمتها.
ينفتح المتن السردي على أكثر من قصة؛ واحدة تدهمنا من الشرق لتحيطنا علمًا بأُسرة "نارسس" التي فرّت من ظلم الملالي وقمعهم في إيران؛ وأخرى من أقصى الغرب تسرد لنا حكاية عبدالله وأسرته التي تشرذمت بين المغرب وحلب وإستانبول؛ وثمة قصص أخرى تؤازر الثيمة الرئيسة، وتُديم زخمها قبل أن تنفصل عنها لتدور في أفلاكها الخاصة بعد أن تُجسِّد الأدوار المُناطة بها.
تبدأ الأحداث من شُقّة في الطابق الثالث في حيّ "صلاح الدين" بحلب، وهو حيّ تقطنه غالبية مسيحية فرّت من حروب الدولة العثمانية قبل قرن من الزمان، وها هم الآن يكررون تجربة الهجرة إلى المنافي البعيدة. ففي الوقت الذي يخرج فيه بسّام للبحث عن سيارة تقلّهما خارج المدينة يوصي زوجته الحامل بعدم مغادرة المنزل مهما كلّف الأمر لكنه يختفي في ظرف غامض ويُصبح أثرًا بعد عين. لا يرتكن محمد حيّاوي في هذه الرواية على النسق التصاعدي للأحداث وإنما يعوّل كثيرًا على البنية الدائرية التي انطلقت بطلتها من حلب وعادت إليها بعد أن استنفذت شروط تواجدها في أمستردام وإستانبول لتصل إلى محطتها الأخيرة التي تستعيد فيها صور الأشباح في الشقق المقابلة لها، والمرأة المتكئة على حافة النافذة، والكلب الأسود الذي ينتظر أن تُلقي له العصافير الميتة التي تتساقط على شرفتها، والفراشة التي تلاحقها في رحلتها المضنية إلى إستانبول قبل أن تتماهى معها وتصبح جزءًا من نسيجها المعنوي الذي يمنح الشخصية بُعدًا أسطوريًا أو حُلميًا في أقل تقدير.
تنطوي الرواية على انعطافات درامية متعددة تأخذ بتلابيب القارئ ولا تمنحه فرصة لالتقاط الأنفاس، فـ "بسّام" المؤلف الموسيقي يقع في أسر مجموعة إرهابية ستقيم عليه الحدّ لأنه مسيحي، وعازف بيانو فيطلِب من عبدالله المغربي أن يساعد زوجته ندى، الحامل في أسابيعها الأولى، وقبل أن ينحروه يحدث انفجار هائل فيرتطم جسده بكتلة إسمنتية صلدة فيغشى بصره ثم يغيب عن الوعي. رغم أن ثيمة فقدان الذاكرة مطروقة كثيرًا إلاّ أنّ مقاربتها في هذه الرواية مختلفة جدًا، فقد اعتدنا أن يسترجع المُصاب ذاكرته إثر صدمة أخرى، لكنه هنا لا يتذكر شيئًا سوى لغته العربية، وقدرته على العزف والتأليف على البيانو، وعندما وجدوه قرب الساحل مغميًا عليه اقترح أحد الأطباء أن يسمّيه "ليف" ويعني "عائش" بالهولندية لكن سارة اليهودية أضافت له ياء التصغير وصارت تناديه بـ "ليفي". وفي الوقت الذي تتطور فيه علاقته بأستاذة الموسيقى سارة التي انتشلته من مركز اللاجئين، يقع في حُب نارسس، الفنانة التشكيلية الإيرانية المُغرقة في تصوفها حيث ترصّع النص السردي بمقولاتها الفلسفية التي تشتبك بالعالَم العرفاني وتمتحّ كثيرًا من الأساطير الشرقية مثل "ليلة يلدا" و "ميترا" لتتلاقح مع الأساطير العربية لشجرة الأراصيا الذهبية، وأيائل الجبل التي تختفي ساعة يدنو أجلها ولا تدع أحدًا يرى موتها. بعد رحلتها الأوديسية من حلب إلى أمستردام مرورًا بتركيا وقبرص واليونان وألمانيا وما صادفته من مشكلات وأهوال ينتهي بها المطاف في مركز اللاجئين بأمستردام الذي تطوعت نارسيس للعمل فيه واكتشفت الفنانة ندى، صانعة الأفلام المتحركة التي فقدت زوجها في الحرب، كما خسرت نصف ذاكرتها، فتدعوها لزيارة شقتها للاحتفال بليلة يلدا حيث يسهرون طوال الليل وينتظرون بزوغ الشمس. تُفاجأ نعيمة التي هي "ندى" نفسها، بجمال نارسس، وأنوثتها الطاغية، فتسرد ندى قصة هروبها من الشقة الحلبية حتى وصولها إلى أمستردام، ويبدو أنها قد روت لنارسس حكاية تشبه إلى حد كبير حكاية لوحة "الفتاة المتكئة" لكن تبيّن لاحقًا أن ليفي قد أوحى لها بالكثير من التفاصيل التي كان يراها في أحلامه حتى أنها قالت في نهاية الأمر:"كل ما ينقص اللوحة هو أنا حيث أجلس في شرفتي الباردة لأدخن وأرمي العصافير الميتة إلى ذلك الكلب الأسود الظاهر في الزاوية، حتى الفراشة الصفراء الصغيرة ظاهرة هناك قرب نبتة اللبلاب". لم يتعرّف بسّام على ندى رغم انشغالها بتفاصيل اللوحة التي حيّرتها وأَسَرتْها، بل أنه لم ينتبه لرجائها الذي تقول فيه:"انتبه لنفسكَ. لا تفجعني بكَ مرّتين!" وحين تتأكد أنه معطوب الذاكرة تمامًا تطمئن عليه وتطلب منه أن يعيش حياته مع نارسس التي تعشقه وتغمره بالمحبة والحنان، ثم تعود إلى إستانبول لتنفِّذ الوعد الذي قطعته على نفسها بإنقاذ نعيمة، شقيقة عبدالله المغربي، بمساعدة المحامي التركي جلال نامق آغا الذي نجح في إخلاء سبيلها شرط أن تغادر الأراضي التركية خلال أيام معدودة. تتكرر المتاعب ذاتها في رحلة العودة من مرسين إلى حلب حيث تجد كل شيء على حاله، ركوة القهوة، والعصافير الميتة، والفتاة المتكئة على حافة النافذة، والكلب الأسود الذي يتطلّع إلى شرفتها، أما الشيء الوحيد الذي افتقدته حقًا فهو الفراشة الصغيرة الصفراء.
على الرغم من حضور الرجال في هذه الرواية إلاّ أنّ هيمنة الشخصيات النسائية على الأنساق السردية تظل ماثلة للعيان ففي حلب تتسيّد ندى صانعة أفلام التحريك، وفي "الرقة" تتجلى محنة الإيزيديات، وفي مرسين نصادف نعيمة ونسيمة اللتين أصبحتا ضحيتي التهريب والدعارة، وأم حسّونة التي لم تجد مهنة أفضل من الخدمة في منازل الأثرياء والموسَرين، وفي أمستردام نُفاجأ بنارسس المنبثقة من قلب الأساطير الشرقية، وبسارة، عازفة الكمان التي تنتشل بسّام من عزلته الأبدية وتفسح له المجال لأن يتلمس طريقه إلى قلب نارسس التي أحبّته وانقطعت إليه.
تُعتبر "سيرة الفراشة" من الروايات النادرة التي تعالج هذا الكم الكبير من الموضوعات الشائكة والمعقدة مثل الحُب، والحرب، والإرهاب، والنزوح، والهجرة، والتهريب، والدعارة، والخذلان، والموت، والانكسار بأشكاله المتعددة. وقد نجح الروائي محمد حيّاوي في إنجاز نص روائي مطعّم بشذرات ميتا سردية استقاها من الأساطير والخرافات الشعبية الراسخة في أذهان الناس لكنه منحها درجة من الواقعية السحرية التي يمكن أن يصدّقها القرّاء بحيث أصبح الواقع العجائبي مقبولاً بدرجة كبيرة لا تذهب إلى الخيال الغرائبي المجنح ولهذا يظل القارئ متعلقًا باللحظة التي تبزغ فيها الشمس بعد ليلة يلدا الطويلة، مثلما يظل متحفزًا للحظة التي تبرق فيها أنوار شجرة الأراصيا بعد كل حدثٍ جسيم لا يغادر ذاكرة الناس بسهولة.



#عدنان_حسين_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عودة نوعيّة لمهرجان الفيلم الفلسطيني في لندن
- قصص قصيرة جدًا لمحمد حياوي بنهايات تنويرية
- جسور الحُب . . رواية لا تحمّل الأبناء وزرَ ما ارتكبه الآباء
- ليلة المعاطف الرئاسية. . رواية كابوسية مطعّمة بالسخرية السود ...
- أُنشودة حُب. . رواية رومانسية بحُلّة تاريخية
- استجواب الرئيس. . سنوات الطفولة هي المفتاح لفهم شخصية الطاغي ...
- الدكتاتور بطلاً. . الشخصية التي تقمصت سيَر الأبطال وتماهت به ...
- سيرة هجومية حادّة على الثقافة الأنكَلوساكسونية
- رواية -الخريف- لآلي سميث ومثلث الصداقة والحُب والفَناء
- ناسك في باريس . . سيرة الذات المشطورة التي تبحث عن هُوية ضائ ...
- الكُتب التي التهمت والدي.. رحلة ذهنية للولوج في عالم الأدب و ...
- نصوص القسوة. . رواية جديدة بنكهة مسرحية
- التحولات الاجتماعية وأساليب السرد في الرواية الإماراتية الحد ...
- حدود مُتداخلة . . رواية بوليسة عراقية
- ضفاف أمستل: مُشاهدات من المسرح الهولندي
- بيت السودان . . رواية المكان بعدسة شيئية
- الصرح الترجمي للدكتور علي جواد الطاهر
- التشكيلية روان العدوان تستلهم أعمالها الفنية من لآلئ الصحراء
- استنطاق التاريخ وتطويعه في رواية حُب في ظلال طاووس مَلَك
- الحالة الحرجة . . رواية تمجِّد البطل المُغترِب، وتُقارع السر ...


المزيد.....




- باتيلي يستقيل من منصب الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحد ...
- تونس.. افتتاح المنتدى العالمي لمدرسي اللغة الروسية ويجمع مخت ...
- مقدمات استعمارية.. الحفريات الأثرية في القدس خلال العهد العث ...
- تونس خامس دولة في العالم معرضة لمخاطر التغير المناخي
- تحويل مسلسل -الحشاشين- إلى فيلم سينمائي عالمي
- تردد القنوات الناقلة لمسلسل قيامة عثمان الحلقة 156 Kurulus O ...
- ناجٍ من الهجوم على حفل نوفا في 7 أكتوبر يكشف أمام الكنيست: 5 ...
- افتتاح أسبوع السينما الروسية في بكين
- -لحظة التجلي-.. مخرج -تاج- يتحدث عن أسرار المشهد الأخير المؤ ...
- تونس تحتضن فعاليات منتدى Terra Rusistica لمعلمي اللغة والآدا ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - سيرة الفراشة: نص روائي مطعّم بشذرات ميتا سردية