أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - الدكتاتور بطلاً. . الشخصية التي تقمصت سيَر الأبطال وتماهت بها















المزيد.....

الدكتاتور بطلاً. . الشخصية التي تقمصت سيَر الأبطال وتماهت بها


عدنان حسين أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 5965 - 2018 / 8 / 16 - 21:58
المحور: الادب والفن
    


صدر عن دار "سطور" ببغداد كتاب "الدكتاتور بطلاً" للباحث رياض رمزي المُقيم في لندن منذ أربعين عامًا، وعلى الرغم من غربته الطويلة إلاّ أنه يحمل العراق بين جوانحه أينما حلّ أو ارتحل. فلاغرابة أن يتابع التحولات السياسية والاجتماعية والنفسية للمجتمع العراقي، ويكتب دراسة مُستفيضة عن "الاقتصاد السياسي للمواكب الحسينية"، أو ينجز كتابًا آخر يحمل عنوان "الدكتاتور فنانًا" ليرصد فيه الشخصية المُستبدِة للرئيس العراقي السابق صدّام حسين، ويحلل بعمق"أناه" المريضة المتضخمة التي أهلكت البلاد والعباد. أما في كتابه الجديد "الدكتاتور بطلاً" فيركز فيه على القراءات الأولى التي ساهمت في تشكيل وعيه المتطرِّف، وأوهامه الضبابية الخادعة التي ظل يصدِّقها حتى الرمق الأخير.
يعتمد الباحث رياض رمزي بشكل أساسي على آراء المفكر المالطي إدوارد دي بونو صاحب نظرية "التفكير الجانبي" Lateral Thinking الذي انهمك منذ أواخر الستينات من القرن الماضي بثيمات "التفكير الإبداعي" ولم يغادرها حتى الوقت الحاضر. إنّ أبسط تعريف للتفكير الجانبي هو إيجاد الحلول للمشاكل التي تصادفنا بواسطة مقاربات إبداعية غير مباشرة تقتضي الخروج على المناهج المنطقية المألوفة التي نتّبعها في "التفكير العمودي" Vertical Thinking الذي يعتمد كليًا في حلّ المشاكل على المنطق التقليدي المتزمت الذي لا يرضى بشطحات الخيال، والمُصادفات، والأفكار والرؤى الجديدة التي لم نألفها من قبل.
يرصد الباحث في هذا الكتاب فكرة البطولة، وكيف ترسّخت في ذهن صدام حسين الذي صعد صعودًا "عجائبيًا ومدوخًا" وأصبح دكتاتورًا من الطراز "الرفيع" بحيث يمكن مقارنته بكبار الطغاة في العالم أمثال الإسكندر الكبير، نيرون، هتلر وسواهم من العُتاة والمتجبِّرين.
يتساءل الباحث في مستهل كتابه إن كانت مصادر الدكتاتور تعود لملوك بابل أم أنه كان وريثًا فكريًا لأبطال آخرين حُفرت أسماءهم في ذاكرته الشخصية وظلت تمدّه بالأوهام والتخيّلات الفنتازية التي يصعب أن تجد طريقها إلى أرض الواقع؟ وبما أنّ الباحث يحبِّذ نظرية التفكير الجانبي بغية توليد أفكار جديدة يستمدها من لحظة تبصّر خاطفة، أو إعادة تقييم للأفكار القديمة فلاغرابة أن يأتي بالحلول الإبداعية الجديدة لأنه يرى ما لا يراه الآخرون، وينظر إلى الأشياء المألوفة بطريقة غير مألوفة أو من زاوية نظر مغايرة تمامًا للتفكير العمودي.
يحتشد الكتاب بأحد عشر مبحثًا فرعيًا تصبُّ كلها في فكرة "البطولة" التي اقتنع بها الدكتاتور لكنها في حقيقة الأمر بطولة زائفة ووهمية أفضت به إلى حبل المشنقة بينما كان يفضّل، وقت محاكمته، الإعدام رميًا بالرصاص بوصفه ميتة "رجولية" تقترن بالشجعان الصناديد لا المجرمين الأوباش.
يعتقد الباحث أن قراءات الدكتاتور المكثفة للسيَر، والمغازي، والمعلّقات هي التي شكّلت له سبيلاً للهروب من عالَم الفقر المدقع الذي عاشه في طفولته وصباه حيث انكبّ على قراءة السيَر العربية مثل سيرة عنترة بن شدّاد، وسيف بن ذي يزن، والزير سالم وما إلى ذلك وكان يتقمص شخصيات أبطالها إلى درجة التماهي بحيث شكّلت حاجزًا بينه وبين العالم الواقعي الذي يعيش فيه.
من أبرز النتائج التي توصّل إليها الباحث أن بطولة الدكتاتور كانت ذات مضمون وبُعد جاهليَّينْ لأن مرجعياته الثقافية والفكرية تعود إلى الملك كُليب بن ربيعة، والشاعر عمرو بن كلثوم، والفارس عنترة بن شدّاد، وربما تذهب أبعد من ذلك إلى حمورابي ونبوخذنصّر الثاني وسواهم من القادة البابليين الذين رَسَخوا في الذاكرة الجمعية للمواطنين العراقيين.
لم يكن الدكتاتور مهمومًا بقضايا شعبه لأنه كان معنيًا على الدوام بمجده الشخصي، وقوانين رفعته، وهو يشبه إلى حدٍ كبير هتلر الذي سعى إلى بناء مجده الفردي ومسخَ أمجاد الآخرين ضباطًا وجنودًا ومقاتلين لهذا اختفى نظامه بسرعة ولم يبقَ منه سوى خلايا نائمة قد تستفيق على شكل أفراد موتورين أو مجموعات صغيرة لا تؤخذ في الحسبان.
يعتقد الباحث أن صدام حسين وغيره من الطُغاة ليسوا عظماء وإنما استثنائيون، ذلك لأن "العظمة فيها الكثير من الأستاذية والحِرَفية. أما الاستثنائية ففيها شيء أو الكثير من الرعونة والطيش والتهوّر". فردريك الكبير كان مثالاً للبطولة والعظمة بينما كان نَـﭘوليان بوناﭘرت أقل بطولة منه لأنه رجّح دويّ المدافع على لغة العقل، وبُعد النظر.
على الرغم من كثرة مستشاريه لم يستشر الدكتاتور أحدًا لأنه لا يقيم وزنًا لبطانته أو الحلقة الضيّقة المحيطة به، وقد اعترف طارق عزيز وهو أحد الشخصيات المقرّبة منه بأنه لا يعرف كيف اتخذ صدام حسين قرار احتلال الكويت! ولعل قراءة ماركس دقيقة جدًا في هذا المجال حينما قال:"إن تقاليد الأجيال الغابرة تجثم كالكابوس على أدمغة الأحياء"، وما من شخص في حزب البعث كان مأسورًا بالماضي، ومتعلقًا به مثل صدام حسين الذي ذهب ضحية المبالغات التراثية ويكفي أن نشير هنا إلى البيت الأخير من معلقة عمرو بن كلثوم التي أنموذجًا للغلوّ في المبالغة الشعرية حينما قال: " إِذَا بَلَـغَ الفِطَـامَ لَنَا صَبِـيٌّ / تَخِـرُّ لَهُ الجَبَـابِرُ سَاجِديْنَـا".
لم يكن الدكتاتور واهمًا فقط، وإنما كان يؤمن أنّ فيه شيئًا من شخصية الساحر الذي يعتقد أنه قادر على تغيير الواقع. وقد ظل هذا الوهم ملازمًا له حتى في معاركه الخاسرة مع قوات التحالف فقبل أن يذهب الفريق أول الركن سلطان هاشم إلى "خيمة صفوان" أخبره الدكتاتور "أن عليه أن يتصرف كمنتصر فخور بنصره، وأن لا يمدّ يده لهم قبل أن يتأكد من مدّ أيديهم له، فالمنتصر لا يستعطف المهزوم لشدّ يده". تُرى، أي مدىً من الوهم كان الدكتاتور قد بلَغهُ بحيث بات يرى الهزيمة الشنعاء نصرًا مؤزرًا؟ وكم كان أسيرًا لاعتقاداته المغلقة التي تعود فعلاً إلى الحقبة الجاهلية، ولو لم يكن الأمر كذلك لما اختار كلمة "المنازلة" التي تعني "نزل لقتال عدّوه ومنازعته وجهًا لوجه" مُذكرًا إيانا بمنازلات الفرسان بالسيوف أيام الجاهلية فلاغرابة أن ينعت قوات التحالف بالجُبن لأنهم لم ينازلوه وجهًا لوجه وإنما كانوا يقاتلونه عن بُعد بطائراتهم الشبحية، وصواريخم الذكيّة.
يتذكر الجميع زيارات الدكتاتور للمحافظات "البيضاء" التي لم تنتفض ضدّه وبدلاً من أن يلوّح للمواطنين بيديه سحب مسدسه الشخصي وبدأ بإطلاق النار فوق رؤوس المحتشدين لاستقباله وتحيته، وهي عادة أقل ما يقال عنها أنها ريفية أو بدوية مستقاة من القيم الصحراوية أو الجاهلية.
توقف الباحث عند أغنية للأطفال تنطوي على قصة مُعبِّرة تقول:"بسبب سقوط المسمار فُقدت الحدوة، بسبب غياب الحدوة سقط الجواد، بسقوط الجواد سقط الفارس، اختطف الأعداء الفارسَ وذبحوه" لم يكن الدكتاتور سوى مسمار منخور في حذوة قديمة متآكلة أفضت إلى قتل الفارس، وذبح الوطن من الوريد إلى الوريد.
ثمة مصادر أجنبية رصينة أفاد منها الباحث أبرزها "26 يومًا مع صدام حسين" لكريس فورد، و "استجواب الرئيس" لجون نيكسون وفيهما معلومات مهمة عن شخصية الدكتاتور الذي بكى أول مرة على ابنتيه اللتين هربتا مع زوجيهما فقال:"أشتاق إليهما. أنا أحبّهما كثيرًا" بينما لم يذرف دمعة واحدة على آلاف الأسرى والمفقودين العراقيين الذين ذهبوا شبابًا إلى جبهات القتال، وعادوا أشبه بالشيوخ الهرمين الذين طعنوا في السن، وغرقوا في اليأس المطلق.



#عدنان_حسين_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سيرة هجومية حادّة على الثقافة الأنكَلوساكسونية
- رواية -الخريف- لآلي سميث ومثلث الصداقة والحُب والفَناء
- ناسك في باريس . . سيرة الذات المشطورة التي تبحث عن هُوية ضائ ...
- الكُتب التي التهمت والدي.. رحلة ذهنية للولوج في عالم الأدب و ...
- نصوص القسوة. . رواية جديدة بنكهة مسرحية
- التحولات الاجتماعية وأساليب السرد في الرواية الإماراتية الحد ...
- حدود مُتداخلة . . رواية بوليسة عراقية
- ضفاف أمستل: مُشاهدات من المسرح الهولندي
- بيت السودان . . رواية المكان بعدسة شيئية
- الصرح الترجمي للدكتور علي جواد الطاهر
- التشكيلية روان العدوان تستلهم أعمالها الفنية من لآلئ الصحراء
- استنطاق التاريخ وتطويعه في رواية حُب في ظلال طاووس مَلَك
- الحالة الحرجة . . رواية تمجِّد البطل المُغترِب، وتُقارع السر ...
- لماذا أحبّ القرّاء شخصية عمّو شوكت في رواية -ساعة بغداد-؟
- حرب الكلب الثانية. . مصير الإنسان في ظل التطورات العلمية
- زهور تأكلها النار. . . رواية ترصد الإرهاب القديم بعين معاصرة
- أمواج . . . سيرة ذاتية جريئة أثقلتها حروب القائد المتعالي
- باسم فرات. . . جوّاب المدن، وعابر المفازات البعيدة
- الحلقة السادسة من مسابقة شاعر المليون
- التورية والمجاز البصري في تجربة الفنان التشكيلي عبدالكريم سع ...


المزيد.....




- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - الدكتاتور بطلاً. . الشخصية التي تقمصت سيَر الأبطال وتماهت بها