أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - بغداد في أخاديد الذاكرة















المزيد.....

بغداد في أخاديد الذاكرة


عدنان حسين أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 6218 - 2019 / 5 / 2 - 16:23
المحور: الادب والفن
    


صدرت عن دار "ألكا" في بروكسل الطبعة الثانية من كتاب "بغداد في حداثة الستينات" للكاتب والمترجم العراقي جمال حيدر. وهي طبعة مزيدة ومُنقّحة استدرك فيها المعلومات التي غابت عن الذاكرة بفعل تقادم السنوات لكنه استرجع بعضها في أثناء زيارته الأولى لبغداد عام 2004 بعد أن تمثّلها برؤية مغايرة تتقصّى الأمكنة، وتفحص الأحداث بعين واقعية مُحايدة تتفادى قدر الإمكان المبالغات السمجة أو التقزيم المُتعمِّد.
يتألف الكتاب من سبعة فصول إضافة إلى مقدّمة مُركّزة يؤكد فيها المؤلف بأنّ هذا الكتاب ليس سيرة ذاتية، وإنما هو محاولة لرسم ملامح مدينة بغداد، وتدوين لسيرة أمكنتها الشاخصة أو المطمورة التي استقرت في الذاكرة الجمعية للناس. ينطوي الكتاب على كمٍ وافر من المعلومات والأرقام والتواريخ والتسميات "الإشكالية" التي تتضح معانيها كلّما توغّل المتلقي في ثنايا هذا الكتاب الممتع، وقلّب المزيد من صفحاته الشيّقة. لا يمكن الإحاطة بكل الأحداث والمعلومات التاريخية لمدينة بغداد، فالكاتب ينتقل بسلاسة من بين الأزمنة المختلفة التي مرّت على مدينة بغداد، فتارة يعود إلى زمن إلى أبي جعفر المنصور الذي بنى بغداد المدوّرة، وتارة يعود إلى سقوطها على يد هولاكو عام 1258م. أو ينتقل حينًا إلى العهد العثماني، ثم يتراجع حينًا آخرَ إلى الاحتلال البريطاني الذي قسّم المدينة إلى أحياء ومحلات أخذت أسماء الشخصيات والعوائل التي عاشت فيها ويُورد قرابة 70 حيًّا أو منطقة تبدأ بباب المعظّم والميدان وتنتهي بالسيد عبدالله والعيواضية. وفي كل انتقالة يزوّدنا الكاتب ببعض المعلومات التأريخية مثل نزوح الأرمن إلى العراق بعد الحرب العالمية الثانية واستقرارهم في الموصل وبغداد ومزاولتهم لمهنة التصوير التي اقتصرت على الرجال تحديدًا إلى أن جاءت المصوّرة الأرمنية ليليان التي أخذت على عاتقها تصوير العوائل البغدادية المحافظة. يتقصى المؤلف المعاني اللغوية للعديد من الكلمات والاصطلاحات الأجنبية التي دخلت إلى قاموس المحكيّة العراقية مثل "الكلجيّة" التي تعني بالمنغولية "موضع الرؤوس" حيث كان يقف هولاكو ويعدّ الرؤوس المحزوزة للعراقيين و "كَوك نزر"، المُحرّفة عن العبارة التركية "كَوزيل نزر" وتعني "المنظر الجميل"، و "السِنك" التي تعني بالتركية أيضًا "الذباب" وما سواها من المفردات المنغولية والتركية والفارسية والأنجليزية التي وفدت إلى لغتنا العربية وأصبحت جزءًا من نسيجها المحلي. وفي السياق ذاته يذْكر المؤلف بأن ظاهرة "الأشقياء" قد برزت إلى السطح بعد سقوط بغداد عام 1258م ولم تنتهِ إلاّ في أواخر الستينات من القرن الماضي حيث خيّرهم النظام القمعي السابق بين القتل أو العمل لمصلحة الأجهزة الأمنية ففضّل معظمهم الخيار الثاني.
يعود بنا المؤلف في الفصل الثاني إلى الأسواق التي ازدهرت في زمن المنصور مثل سوق الفاكهة، والقماش، والورّاقين، والعطّارين، والصيارفة، والأغنام، ثم ينتقل إلى زمن مدحت باشا الذي رمّم الأسواق القديمة، وشيّد أخرى جديدة، ثم يتوقف عند أسواق أخرى راسخة في ذاكرة العراقيين مثل سوق "الشورجة" وسوق "السراي"، وسوق "الصفافير"، وسوق "الجبوقجية"، أي الغلايين، وسوق "الهرج" و "الثلاثاء" و "اللنكَة"، و "حنّون" و "حمادة" وغيرها من الأسواق التي تماهت مع مسمياتها أو مع مهنها أو مع الأماكن التي انبثقت منها وصارت جزءًا من تكوينها الجسدي والروحي.
يخصص المؤلف الفصل الثالث من الكتاب لأشهر شوارع بغداد وميادينها مثل شارع الرشيد، والسعدون، والنهر، وأبي نواس، والبنوك، والقصر الأبيض، والمشجّر، والكفاح. وعلى الرغم من أهمية هذه الشوارع ودورها في الحياة الاجتماعية البغدادية إلاّ أن بعض المواقع والأمكنة لعبت دورًا مهمًا في تنوير العقل العراقي مثل مكتبة "مكنزي" التي كانت تبيع الكتب الإنجليزية والأميركية في بغداد، وكيف ساهم دونالد مكنزي في ترويج الكُتب الاشتراكية واليسارية في العراق. أو جامع الحيدرخانة الذي اجتمعت فيه الحلقة الماركسية الأولى بمبادرة من محمود أحمد السيد، نجل إمام الجامع وخطيبه في مفارقة غريبة للترويج للفكر اليساري من الجوامع التي تناصب اليسار عداءً مستحكمًا في العراق والدول العربية والإسلامية. ثمة محلات شهيرة ذاع صيتها بين خاصة الناس وعامتهم مثل "شربت زبالة" و "كعك السيد". وأساطير انتشرت كانتشار العطر في الهواء مثل أسطورة "طوب أبو خزّامة" الذي يعتقد البغداديون أنه هبط من السماء لمؤازرة الجيش العثماني في حروبه المتواصلة. يكتظ هذا الفصل بالحديث عن نُصب وتماثيل عديدة زيّنت شوارع بغداد وميادينها العامة مثل "نُصب الحرية" لجواد سليم، و "الجندي المجهول" الذي صممه رفعة الجادرجي، و "كهرمانة" لمحمد غني حكمت، وتماثيل متعددة للسعدون، والرصافي، وأبي نواس وسواهم من الرموز السياسية والثقافية في العراق.
يتضمّن الفصل الرابع نبذة توثيقية عن تاريخ المقاهي في العراق، ومعلومات عن أول مقهى نُظم بشكل عصري، وأول من جلب الشاي إلى العراق، وكيف أصبح مشروبهم اليومي المفضّل. وثمة أرقام متفاوتة لعدد المقاهي في بغداد خلال القرنين الأخيرين. وقد تضمّن الدليل الرسمي العراقي لسنة 1936 جدولاً بلغ فيه عدد المقاهي بشارع الرشيد لوحده 62 مقهى مسجّلة بأسماء أصحابها، وعناوين مقاهيهم. وفي مطلع الأربعينات عرفت بغداد المقاهي العصرية مثل مقهى "بلقيس" الذي كان يقدّم الشاي بالحليب على الطريقة الأوروبية. يصف المؤلف شارع الرشيد بالإمبراطورية التي تعجُّ بالمقاهي، فمقهى "البلدية" رأسها، و "أم كلثوم" و "الزهاوي"، و "حسن عجمي"، و "البرلمان"، و "الشابندر" و "الشط"، و "التجّار" جسدها، , "شطّ العرب"، و "البرازيلية" و "سمر" أطرافها. يتردد المثقفون العراقيون على مقاهي بعينها مثل "حسن عجمي"، فيما كانت "الشابندر" تحتضن قارئ المقام العراقي رشيد القندرجي، والسيّاب، أما "البرازيلية" فكان يتردد إليها الباحثون عن الهدوء والسكينة أمثال عبد الوهاب البياتي، بلند الحيدري، فؤاد التكرلي، عبد الملك نوري وغيرهم من أبناء الطبقة المتوسطة العليا. ثمة مقاهٍ معادية للثقافة الرسمية السائدة مثل مقهى "مجيد" الذي يُطلق عليه مقهى "المعقدين" أو مقهى "العباقرة" الذي لا يخلو من العناصر الأمنية التي تحصي على الأدباء والفنانين أنفاسهم.
يرصد المؤلف في الفصل الخامس نهر دجلة بجسوره الثمانية، "وشرايعه" المتعددة على ضفتي الرصافة والكرخ، وفيضاناته التي بلغت 18 فيضانًا، أولها سنة 1356 وآخرها سنة 1954، كما يتوقف عند وصف الرحالة الإنجليزي جيمس ريموند وليستيد، والأب أنستاس ماري الكرملي، وعبد العزيز القصاب لبعض هذه الفيضانات.
أما الفصل السادس "طقوس" فقد قسّمه المؤلف إلى تسعة عناوين وهي "رمضان"، "المحْية"، "العيد"، "عاشوراء"، "مدارس"، "شموع الخضر"، "صيام زكريا"، "الكَسْلة" و "الخِتان"، وهي جميعًا طقوس محلية معروفة باستثناء "مدارس" التي يجب أن تندرج خارج هذا الإطار، وتنضاف إلى الفصول الخمسة الأولى مع شيء من التوسّع خصوصًا وأنّ الإعدادية المركزية قد ضمت شخصيات سياسية وثقافية مهمة. فيما ضمّ الفصل الأخير "فوتوغراف" 57 صورة فوتوغرافية لأبرز معالم بغداد الحضارية والثقافية والفنية.
ما يلفت الانتباه في هذا الكتاب أنه مدوّن بلغة أدبية رشيقة هي أقرب إلى لغة القصة والرواية منها إلى السرد التقريري، فثمة مشاعر قوية طافحة على مدار النص السردي تؤرخ للفتى النابه منذ دخوله إلى الصف الأول حتى مغادرته العراق في منتصف السبعينات حين اقتلعه البعث من جذوره ورمى به إلى المنافي الأوروبية النائية.



#عدنان_حسين_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ديسْفيرال. . حياة ناقصة تستعير ذاكرة الآخرين
- معالجة جديدة لثنائية الشرق والغرب في فيلم تبّولة وباي
- الفنان علاء جمعة يوثِّق الذاكرة العراقية بعين تشكيلية
- أصوات سورية تضيء المشاعل، وتحنّي عَتبات البيوت
- صيف مع العدوّ رواية ترصد التحولات الكبرى في سوريا
- (شمس بيضاء باردة) رواية جريئة تُقاصص السلطة الأبوية والسياسي ...
- برنامج -أمير الشعراء- يتألق في موسمه الثامن
- بأيّ ذنبٍ رَحلَتْ؟ رواية تستبطن الشخصية المغربية المثقفة
- إدوارد بيرن- جونز. . الفنان الذي وظّف الأساطير، وعمّق لوحته ...
- سيرة الفراشة: نص روائي مطعّم بشذرات ميتا سردية
- عودة نوعيّة لمهرجان الفيلم الفلسطيني في لندن
- قصص قصيرة جدًا لمحمد حياوي بنهايات تنويرية
- جسور الحُب . . رواية لا تحمّل الأبناء وزرَ ما ارتكبه الآباء
- ليلة المعاطف الرئاسية. . رواية كابوسية مطعّمة بالسخرية السود ...
- أُنشودة حُب. . رواية رومانسية بحُلّة تاريخية
- استجواب الرئيس. . سنوات الطفولة هي المفتاح لفهم شخصية الطاغي ...
- الدكتاتور بطلاً. . الشخصية التي تقمصت سيَر الأبطال وتماهت به ...
- سيرة هجومية حادّة على الثقافة الأنكَلوساكسونية
- رواية -الخريف- لآلي سميث ومثلث الصداقة والحُب والفَناء
- ناسك في باريس . . سيرة الذات المشطورة التي تبحث عن هُوية ضائ ...


المزيد.....




- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- مصر.. الفنان بيومي فؤاد يدخل في نوبة بكاء ويوجه رسالة للفنان ...
- الذكاء الاصطناعي يعيد إحياء صورة فنان راحل شهير في أحد الأفل ...
- فعالية بمشاركة أوباما وكلينتون تجمع 25 مليون دولار لصالح حمل ...
- -سينما من أجل غزة- تنظم مزادا لجمع المساعدات الطبية للشعب ال ...
- مشهور سعودي يوضح سبب رفضه التصوير مع الفنانة ياسمين صبري.. م ...
- NOW.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 154 مترجمة عبر فيديو لاروزا
- لماذا تجعلنا بعض أنواع الموسيقى نرغب في الرقص؟
- فنان سعودي شهير يعلق على مشهد قديم له في مسلسل باللهجة المصر ...
- هاجس البقاء.. المؤسسة العلمية الإسرائيلية تئن من المقاطعة وا ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - بغداد في أخاديد الذاكرة