الشيطان صديقي .. وزيارة رمضانية !!

محمود الزهيري

الحوار المتمدن-العدد: 6227 - 2019 / 5 / 12 - 03:52
المحور: الادب والفن
    

توهمت أن الشيطان زارني في مطلع أول أيام رمضان الفضيل , وكان له معي اتفاق مسبق علي هذه الزيارة , وإذا بهذا التوهم وكأنه يتبدد , ويتحول لحقيقة , وحينما زارني وأتي مقبلاً بتؤدة وهوادة ,قلت له مستغرباً : ألست ياصديقي تسلسل بالسلاسل والأغلال في شهر رمضان الفضيل , ولاتظهر مطلقاً للمسلمين في هذا الشهر الفضيل ؟!
رأيت الشيطان ينظر إلي ويرمقني بحيرة وقلق من لما أبديته من حديث , واسترسل في حديثه قائلاً لي : وهل إذا كان ما قلت به من قيدي بالسلاسل والأغلال في رمضان , فبماذا تفسر كافة الجنايات والجرائم والمخالفات التي تحدث في رمضان , ومعذرة فأنا أتحدث معك بصفتك محامي , واستخدم معك المفردات القانونية , ولكن : سأتحول في الحديث واتكلم بلهجة الدين والتدين : واوجه لك إستفسار , وليس سؤال , لأنك تكاد تنزعج من أسئلتي ؛ فما هو رأيك في ارتكاب الصائمين وغير الصائمين للكبائر والصغائر , وممارستهم لكافة الذنوب والمعاصي في شهر رمضان , إذا كنت كما وصفتني مسلسل بالسلاسل والأغلال ؟!
وهل معني ذلك أنني في حالة غيابي في رمضان , يتشابه مع حالة حضوري في غيره من الشهور , وهاهي ذات الجرائم والكبائر والجنايات والذنوب , والمعاصي والجرائم يتم إرتكابها كما هي من غير إختلاف , فهل معني ذلك أن وجودي تماثل وتشابه مع غيابي , أو وجودي صار كعدمي ؟!
ياصديقي : مازلت اراك عاجزاً عن إبداء رأي فيما أسردته عليك من استفسار !؟
إلا أنني وبصدق , رأيت حديث الشيطان , وكانه حديث صدق , ويتوائم مع العقل والمنطق , وبالفعل , أكاد أري وأسمع الكثير من الصائمنين ممسكين بالمصاحف , ودائمي التلاوة في أغلب الأماكن , وأخصها أماكن العمل الحكومي , فأري غالبية الموظفين منكبين علي التلاوة , ويحزنني أو بالأصح : يزعجني تركهم لأعمالهم الوظيفية , وإهمالهم لها , مقابل محافظتهم علي قراءة أو تلاوة جزء من المصحف يومياً , وكأن العبادة الفردية مقدمة علي عبادة العمل الذي فيه قضاء مصالح الناس ؟!
وأري معظمهم يذهبون إلي المصلي الموجود في أماكن العمل الحكومي , لتأدية صلاة الظهر منذ الساعة العاشرة والنصف تقريباً , وبقائهم في المصلي حتي اقتراب موعد الإنصراف من العمل , وكأنهم ينتقمون من المواطنين , وينتقمون من الدولة , بإهمالهم مصالح المواطنين في مقابل تأديتهم لعبادتهم الفردية , بل وتجد البعض منهم مازال يتقاضي الرشاوي والهبات والعطايا كتيسير علي المواطنين لأداء مصالحهم , وإعطاء البعض منهم الأولوية علي حساب غيرهم , ومع ذلك يتلون القرآن , ويؤدوا فريضة الصوم , وفريضة الصلاة , وكل هذه الفرائض لم تغير من سلوكهم شيء !!
ولكن : مازلت حائر من تسلسل الشيطان بالسلاسل والأغلال , ورغم ذلك , مازالت المعاصي والذنوب والجرائم كما هي , فما هو دور الشيطان إذاً ؟!
في هذه اللحظة التي أنكرت علي الشيطان حديثه , معي من أنه لم يسلسل في السلاسل والأغلال , وأنه حسبما قال لي بأنه مازال حر طليق , ولكن الناس كما هم في رمضان , شانهم شأن ماقبل رمضان , وان حبس الشيطان شهر كامل في رمضان , مؤاده أن الناس هم من يقومون بدور الشيطان في رمضان , وردد الشيطان لي عبارات وكأنها طلاسم لأنها عبارة عن هسهسات وهمهات , ورايتني اقول له , إنك تكذب , وتتماري في الكذب , وأنك بالفعل مسلسل ومقيد بالسلاسل والأغلال , وحبيس لمدة شهر كامل هو شهر رمضان , وانك ليس لك وجود , فرد علي الشيطان رافضاً حديثي , قائلاً لي , كيف تنكر وجودي في شهر رمضان , وأنا الذي أحدثك وأستفسر منك , وأوجه إليك تساؤلاتي واستفساراتي , فصمت برهة من الوقت , ورددت عليه , أنت لست موجود بالفعل , وأن حديثك لي هو حديث النفس , فعلاً : حديث النفس , وأنك لست موجود في شهر رمضان , فكيف لك أن تدعي أنك طلبت مقابلتي وزيارتي في شهر رمضان , فصمت هو الآخر برهة وقال : علي رسلك , إذا كنت أنا الشيطان غير موجود في رمضان وحبيس ومقيد بالسلاسل والأغلال , وأن نفسك هي من تحرضك علي الجرائم والكبائر والجنايات والمعاصي والصغائر والذنوب , فمادوري معك إذاً , وما هو دوري مع غيرك من الناس !؟
وهل أنا مقيد وحبيس في رمضان وليس لي شأن بالمسلمين فقط , ومازلت لي شئون وتحريض ووسوسة لغير المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها !!؟؟
ياصديقي : أفق من غيبوبتك , أو هكذا قال , ورحل بلا إستئذان , وتركني في حيرة وقلق وجودي !!

#محمود_الزهيري (هاشتاغ)      

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل