أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حواس محمود - حرب الخليج الثالثة الدرس العراقي الكبير















المزيد.....

حرب الخليج الثالثة الدرس العراقي الكبير


حواس محمود

الحوار المتمدن-العدد: 6226 - 2019 / 5 / 11 - 15:18
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


حرب الخليج الثالثة - الدرس العراقي الكبير

حواس محمود

لقد كتب الكثير من المقالات والدراسات حول المسألة العراقية التي أفضت إلى حرب الخليج الثالثة ، وسال حبر كثير ، ولكن هل استطاعت هذه المقالات وهل استطاع أصحابها مقاربة الحدث الجلل ؟ وهل كانت هذه الكتابات تمتلك سمة الموضوعية والواقعية والشمولية ودقة التحليل وصوابية التناول والمعالجة ؟ كل هذه الأسئلة أطرحها ( ويطرحها معي العديد من الشغوفين لسماع الحقائق ناصعة من شوائب العاطفة ونقية من ملوثات الانتهازية ) على هذه الشريحة الواسعة من الكتاب والباحثين والمفكرين ، ولكن ونظراً للندرة الشديدة للكتابات الموضوعية فإن كاتب السطور ارتأى محاولة تناول هذه الحرب من جوانبها الثقافية والفكرية والتركيز على الدروس المستفادة من هذه الحرب التي أخذت الكثير من أوقات وأعصاب وأقلام العديد من المهتمين بالشأن العراقي والشأن العربي وارتباطاته العالمية .
مواقف وممارسات خاطئة : بادئ ذي بدء يمكنني أن أبدي ملاحظة عامة على القائمين على شؤون الفكر والكتابة الفكرية والأيديولوجية في العالم العربي وهي أنهم في كثير من الأحيان يدعون أنهم مستقلون عن السلطة في بلدانهم ، ولكن هذه المقولة سرعان ما تسقط عندما نجد تماهيهم مع سلطاتهم في السير باتجاه أيديولوجي معين أثناء الحملات الإعلامية التي تطلقها دولتهم فنراهم سرعان ما يستجيبون لهذه الحملة بل وفي أحيان كثيرة يزاودون على دولهم في إطلاق الشعارات الجوفاء والعواطف الساخنة الانفعالية ، والمقولات النارية الطنانة ، وعندها يفاجأ المراقب بالدهشة الكبرى للمسافة الكبيرة بين ادعاءاتهم بالاستقلالية والديمقراطية ، وانسياقهم الفعلي مع سياسات بلدانهم تجاه قضايا حساسة وهامة تتطلب إعمال الفكر وإحكام المنطق وإشغال العقل ، والغريب أن هؤلاء أثناء حالات الهدوء المراوغ والسكون الظاهري للأحداث لا يستشرفون المستقبل ولا يستكشفون مكامن الخلل ومواقع المرض ولا ينبهون الأمة لمخاطر السنوات القادمة بالعواصف والرعود والأمطار الغزيرة .
ولذلك فإن مواقفهم التضامنية مع سياسات دولهم هي موضع شك كبير ، حتى أنها علامة فارقة تكشف المسافة الفكرية الكبيرة بين طروحاتهم وبين إمكانيات التغيير والنهضة والتنمية لعالم عربي يراوح في مكانه ، لا بل إنه يتأخر يوماً بعد يوم لأسباب عديدة من بينها السلوك الغريب لحملة الأقلام ورافعي الشعارات القومية والثورية والتقدمية .
- لقد وقع الوسط الفكري والأيديولوجي في مطب كبير يمكن أن نطلق عليه ( الأصولية المرتدة ) - نسبة إلى ارتداد الكرة - ذلك أنهم يتهمون الولايات المتحدة الأمريكية بالأصولية ( وهذا صحيح ) لانطلاقها من مقولة " من ليس معي فهو ضدي " وللأسف وقعت الفعاليات العربية المذكورة ( من حيث تدري أو لا تدري ) في نفس هذا الخطأ الجسيم عندما قدمت لنا المسألة العراقية على صياغة مماثلة لصياغة الولايات المتحدة الأمريكية على الشكل التالي : " من ليس معنا ضد أمريكا فهو ضدنا " وحتى أولئك المعارضون العراقيون المساكين الذين فروا من بطش النظام العراقي في العراق لم يسلموا من اتهاماتهم ، والتساؤل المر والموجع هو كيف لعراقي معارض يتلظى بنيران الاضطهاد الصدامي وهو يحاول بشتى السبل التخلص من ليل الديكتاتورية الطويل ؟ كيف له أن يقف إلى جانب شارع الغوغاء والسذاجة العربية والنخب المنافقة ضد أمريكا وينسى قضيته الأساسية وهي النضال ضد دكتاتورية صدام حسين الذي أثبت أنه بطل ولكنه بطل القبور الجماعية وبطل الإبادات الجماعية وخبير النظرية الاستعمارية " فرق تسد " . - لقد وقع الوسط السياسي والفكري العربي في خطأ جسيم آخر هو الابتعاد عن السبب والتركيز على النتيجة ، الكل يعرف أن الحالة العراقية التي أدت إلى الحرب الأخيرة ما كانت لتصل إلى ما وصلت إليه لولا نظام صدام الدكتاتوري الذي ارتكب العديد من الحماقات التي أوصلته إلى الأزمة الكبرى والسقوط أخيراً والرحيل إلى مزبلة التاريخ غير مأسوف عليه ، وهذا بحد ذاته سبب الأزمة بينما النتيجة هي قيام الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا ودول التحالف كلها باستغلال حالة الأزمة لمصالحها الخاصة ، وتجدر الإشارة إلى ان الولايات المتحدة الأمريكية لا تلتفت إلى الشوارع والمظاهرات العربية ولا إلى المقالات الصاخبة ولا إلى صراخات الكثيرين ، حتى أدوار سعيد وغيره ممن يحاولون الابتعاد عن جذر المشكلة بإبداء الاندهاش من حالة أزموية هي نتيجة منطقية عن تراكمات تاريخية لمراحل من الجمود والركود والقمع أفضت إلى الأزمة الأخيرة ، لقد ركز الإعلام العربي ( ومعه العديد من الأوساط العربية الرسمية والشعبية ) على النتيجة وأهمل السبب مما أدى إلى الدوي الكبير وهنا يمكننا الإشارة والإشادة بمقولة معبرة ودقيقة للمفكر الكبير د . علي حرب : إن التصورات الخاطئة عن الواقع تؤدي إلى أن يثور هذا الواقع وينتقم .
- من الملاحظ أن الذين كانوا يرفضون الحرب لم يكن لديهم أي بديل عن الحرب ، كان بديلهم الوحيد الإبقاء على الأمور كما هي دون تغيير وكأن المسألة هي مسالة رغبات وأمنيات فقط ، وإن دل هذا على شيء فإنما يدل على عدم التمكن من قراءة صحيحة للتطورات العالمية ، وهؤلاء إذا كان هناك من يبرر لهم افتقادهم للبديل بسبب ضعف الحالة العربية وغياب الديمقراطية والتنمية ومؤسسات المجتمع المدني التي تفسح المجال للتعبير عن الآراء ، إلا أنهم لا يمكن لهم أن يبرروا معاداتهم وتجاهلهم الشديدين لمبادرة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة الذي أدرك بحكمته وفطنته البعيدة النظر أن الخطر قادم وأن لا مناص من عمل شيء ، ورأى أن أفضل حل للمسألة هو تنحي صدام حسين عن السلطة لكن التطرف والعمى الأيديولوجي جعلا من المبادرة تختبئ في دروج وأروقة الجامعة العربية بانتظار الحدث الكبير الذي هو بلا شك الحرب .
- وعلى الصعيد الإعلامي وبخاصة الفضائيات : منذ بدء الحرب الأمريكية البريطانية على العراق والمحطات الفضائية العربية لعبت دوراً تشويهياً كبيراً بتزوير الوقائع وتشويه الأمور وخلط الأوراق وجعل المشاهد يصاب بعمى الألوان تجاه ما جرى ويجري على أرض الواقع ، وبالرغم من الجانب التقني والتطور التكنولوجي الذي اتسم بع الإعلام المعاصر في نقل الأخبار بصورة سريعة لكن المراسلين وكذلك المذيعين والخبراء السياسيين والعسكريين الاستراتيجيين كانوا يبنون صورة الواقع على أن هناك مقاومة شعبية شديدة للاحتلال ، وأن الغزاة سينهزمون لا محالة وأنهم قد وقعوا في المستنقع العراقي ! ولكن مهما حاول الكذب إخفاء الحقائق لبعض الوقت فإنه لن يستطيع إخفاءها لكل الوقت ، واكتشف الإعلام العربي وبخاصة الفضائيات ( ما عدا استثناءات قليلة جداً ) على أنه إعلام كاذب ومنافق لأنه لم يكن محايداً في نقل الخبر والصورة وتقديم الشرح والتحليل بشكل موضوعي وسليم ، لذلك فقد الإعلام الرهان على عنصر المقاومة لنظام فاشي دكتاتوري كان معروفاً للقاصي والداني ، إنه نظام يقتل حوالي خمسة آلاف شخص في كردستان العراق عام 1988 بالأسلحة الكيماوية ، وبعد هذا الرهان الخاسر وبعد سقوط صدام حسين الذي تجلى بإسقاط تمثاله كرمز للنظام ، حاول الإعلام العربي الهروب إلى الأمام والتركيز وتضخيم أخبار النهب والسلب ، علماً أن معظم من قاموا بالنهب والسلب هم عصابات النظام البائد بحسب العديد من المعارضين العراقيين والمراقبين المحايدين ، وحاول الإعلام العربي من خلال هذه الأخبار تشويه صورة العراقي في الخارج ، ولكن بعد أيام توقفت أعمال النهب والسلب تلك وخسر الإعلام العربي مرة أخرى ، وهو يحاول وسيحاول اصطناع موضوعات أخرى للإثارة بقصد الهروب من أصل الأزمة وجذرها والابتعاد عن القضايا الأساسية في الأزمة العراقية من بدايتها مروراً بالحرب وتداعياتها الكثيرة ، وإزاء هذا النفاق والتضليل الإعلامي يمكن القول بأن هذا الإعلام ( وبخاصة الفضائيات ) يقوم برفع قيمة الخطاب الشعبوي إلى مستويات عليا وتتجاهل عن سابق إصرار وتصميم آراء النخبة النظيفة والشريفة(والتي أجبرت على الصمت بحرمانها من الفرص الإعلامية ومعها الأغلبية الصامتة ) من المثقفين والمفكرين على طول وعرض العالم العربي . والسؤال الذي يجدر طرحه هنا هو إلى متى سيلعب الإعلام العربي دوراً تشويهياً وتخريبياً كبيراً تجاه الوعي الشعبي ، ومتى سينهض الإعلام الملتزم والمسؤول عن قضايا الشعب العادلة ، ومتى يخرج الإعلام من سيطرة الشركات التجارية التي تتاجر بقضايا الشعوب العادلة ومن هيمنة بعض الأنظمة التي تحاول الحفاظ على استبدادها إلى أمد بعيد ؟
دروس حرب الخليج الثالثة - الدرس الأول : لعل أهم دروس الزلزال ( المقصود حرب الخليج الثالثة ) بدء انهيار العسكريتاريا العربية (1) التي استفادت من الخمسينات من ضعف المجتمعات المدنية في دول المشرق العربي الخارجة للتو من المرحلة الاستعمارية ، فاستولت على السلطة على السلطة وقامت بإبعاد المواطنين عن إدارة أمورهم الحياتية العامة ، وأنشأت طبقة من كبار العسكريين ذوي الامتيازات الكبرى ، واعتمدت لاستمراريتها على القمع والخوف والتنكيل والمعتقلات والنفي والملاحقة والمطاردة لمواطنيها وللمناضلين منهم من أجل الديمقراطية والمساواة والعدالة الإنسانية .
الدرس الثاني : وهذا الدرس يتلخص في مقولة أن " المحتلين من الداخل لا يستطيعون مقاومة الاحتلال الخارجي " على حد تعبير نبيه بري ، ولا يمكن لهم أن يحققوا أي انتصارات في هذا المجال إلا بعد تخلصهم من الاستبداد والقمع ، ويمكن القول بأنه إذا كان مقياس التقدم في أثناء الحرب الباردة معاداة الغرب والتحالف مع الشرق ، فإن معيار التقدم الحالي هو الالتزام بالديمقراطية وحقوق الإنسان ، إذ أن تأجيل الليبرالية وحقوق القوميات لمصلحة الوحدة القومية والوطنية والاشتراكية واسترداد فلسطين طوال نصف قرن لم يورث سوى الكوارث والويلات والحروب والمصائب والثكالى والمشردين ومزيداً من التخلف والتمزق وهجرة الأدمغة والكفاءات العلمية إلى الخارج ، فالوطنية لم تعد مقبولة بلا مضمون ديمقراطي والديمقراطية هي أكثر فأكثر الأساس لعلاقات إنسانية على المستويين المحلي والعالمي (2) وبديل عن الأفكار القومية والانعزالية الشوفينية الشمولية ومعظم التيارات الماركسية والإسلاموية العنيفة والمتطرفة .
الدرس الثالث : سقوط مفهوم الوطنية القديم والكلاسيكي الذي يعتمد بشكل ميكانيكي مقاومة الغريب لمجرد أنه غريب لمصلحة مفاهيم وطنية جديدة ترى حدود الوطن في حدود المواطن الحر ، ولا تجد غضاضة في التعاون مع الغريب لمواجهة القريب المستبد إذا لزم الأمر ، فالاستقواء بالغريب - على حد تعبير الكاتب الفلسطيني جورج كتن - ليس خياراً بين خيارات بل كان الخيار الوحيد المتروك للشعب العراقي ، ويقول في هذا الصدد بالميرو تولياتي زعيم الحزب الشيوعي الإيطالي في الثلاثينات محذراً أنصاره وشعبه والعالم من حرب محتملة لا تبقي ولا تذر ، ولم يصغ إليه سوى القليلين ، وكان تحذيره منطلقاً من حقيقة أن الفاشية بكل ترسانتها العسكرية والثقافية وأدواتها القمعية الرهيبة لا يمكن تفكيكها من الداخل ولا يمكن القضاء عليها سوى بعامل خارجي وهو عامل لا تسلطه السماء وإنما تقود إليه طبيعة الفاشية ذاتها ، وهو ما أريناه ماثلاً أمام أعيننا في العراق (3) وهذا بحد ذاته يعتبر درساً بليغاً يجب أن نتعلمه حتى لا يتكرر في مكان آخر كما حصل في العراق .
الدرس الرابع : إ ن الأوطان لا تقام على الشعارات والصراخات والهتافات الزائفة ، وإنما تقام على أسس متينة من علاقات قائمة على الديمراطية والتعددية السياسية الفعلية ، يتم فيها احترام المواطن ويشعر بكيانه وبقيمته في بلد يتكفل بتأمين حقوقه كافة ومحاسبة من يعتدي عليها أو يحاول الإساءة إليها أياً كان موقعه في السلطة والدولة ، فالشعارات التي رفعها النظام البائد يحب ألا تعمى عن معاناة الشعب العراقي . فباسم هذه الشعارات ألغيت الحريات وبنيت السجون والقصور واحتلت الكويت ونهبت وانتهجت سياسة شوفينية ضد الكرد ، وهي القضية ترفع شعاراتها أنظمة ونخب موالية ومعارضة أطلقت " حملة الدفاع عن العراق " وارتأت السكوت عن جرائم النظام الدموي واستوجبت صمت العقل وإرساله في إجازة ، والعروبة الثقافية هي الأمر الواقعي بعد إفلاس الأنظمة القومية والثورية اليسارية ، وبعد تعذر تجاوز الكيانية القطرية فلم يعد ممكناً الانتقال إلى العروبة السياسية إلا بعد استقرار كيانات قطرية تمثل شعوبها بنزاهة وشفافية ، أما اليوم فالدعوة إليها هروب إلى الأوهام .
الدرس الخامس : لا يجوز لنظام ( أي نظام ) تحت أي غطاء أو ذريعة أيديولوجية أن يستمر حاكماً بمعزل عن التطور العالمي ، إذ أن مفهوم السيادة المطلقة للأنظمة المستبدة قد انهار ، هذه الأنظمة لا يمكن للقانون أن يبرر وجودها ، فبقايا مفاهيم الحرب الباردة التي لم تعد صالحة لعالم اليوم ، والنظام العالمي الجديد لم يعد يسمح بإخفاء الجرائم المرتكبة ضد الإنسان في أي مكان ومن جانب أي سلطة .
الدرس السادس : ينبغي على العرب بأنظمتهم ونخبهم المثقفة إجراء مراجعة شاملة للشعارات الكبيرة التي رفعت وترفع تعبيراً عن أفكار أكل عليها الدهر وشرب ، والبدء بقبول الوقائع العالمية الجديدة وفهم انعكاساتها المحلية ، ووضع حلول للحاضر والمستقبل لا تستخصر مفاهيم الخمسينات والستينات وما قبلها ، فترى الطاغية بطلاً قومياً بذريعة مقاتلة الغريب أو " الكافر " ويجب على الشعوب في العالم العربي أن تبدأ برفض التعمية البصرية والفكرية عن الحقائق والوقائع والواقعية ، وأن يتجرأ على المحاسبة والمساءلة لأنه في النهاية هو الذي يدفع الثمن الباهظ دماً وروحاً وممتلكات ومصائر في حروب واقتتالات ومنازعات لا قرار له فيها ولا رأي ، والأنكى من ذلك أنها تشن باسمه أو باسم القضية الفلسطينية التي أصبحت ورقة التوت التي تحمي عورات الفشل والهزيمة ، وجواز سفر إلى حكم الشعوب العربية (4) .
وتجدر الإشارة إلى أنه منذ خمسين عاماً تتوالى دروس الهزائم وعبرها وأهمها هزيمة حزيران يونيو 1967 م وهزيمة حرب الخليج الثانية ، وهي هزائم للفكر الانقلابي والشمولي وللعسكريتاريا المستبدة والحزب الواحد والقائد الفرد والثوابت النقية ونظرية المؤامرة وأولوية النظريات على الوقائع ، وكان من المفترض أن تعيد النخب إلى أولوية مفاهيم الليبرالية والديمقراطية وحقوق الإنسان .
الدرس السابع : لوحظ خلال فترة الحرب وما قبلها انخراط حركات سياسية في عقد مؤتمرات ( لنصرة الشعب العراقي ) نتيجتها الواقعية تناسي مأساة الشعب العراقي ومناصرة الدكتاتورية التي تمتلك أضخم ملف لانتهاكات حقوق الإنسان بين جميع دول العالم ، وذلك بحجة معادة الإمبريالية ، ولنتذكر الشعار الذي ردده المتظاهرون في الأرض المحتلة " يا صدام تحية من حماس الأبية " ومصدر الحيرة هو أن " حماس " حركة إسلامية مجاهدة من أجل تحقيق العدالة في فلسطين ، فبأي منطق تناصر نظاماً دكتاتورياً لا يمتلك شرعية دينية أو دستورية ، وإذا كانت لها ( حسابات خاصة ) سياسية فإن هذا الموقف البراغماتي يتناقض مع المبادئ الإسلامية وإلا كيف يمكن أن تكون إسلامياً وبراغماتياً في الوقت نفسه ؟!! وحتى هذه ( الحسابات ) تبدو مثيرة للاستغراب أيضاً لأنها رهان على ورقة خاسرة ونظام يعيش أيامه الأخيرة ( آنذاك قبل سقوطه ) بعد أن ألحق بالعراق والمنطقة خسائر كارثية ، هذا بالإضافة لتصريحات وفتاوى رجال دين عديدين فحواها الحقيقي هو مناصرة النظام العراقي ، حتى أن أحد علماء الدين المعروفين وهو د . محمد سعيد رمضان البوطي فقد صوابه (5) – للأسف - بقوله : إنه ينتسب إلى الأكراد ويضع نسبته تحت قدميه !! مما أثار لغطاً وجدلاً وردود فعل عنيفة من الوسط الفكري والثقافي الكردي ، وفتنة كبرى في الوسطين الكردي والإسلامي .
ويتساءل المفكر الكويتي الدكتور أحمد الربعي حول الفتاوى والتصريحات بقوله : " ماذا سنقول لمئات من الجهلة وأنصاف الفقهاء الذين يفتون كل يوم في كل شيء ؟ وماذا سيكون حال الشباب المسلم وهو يستمع إلى فوضى الفتاوى التي تتجرأ على الإفتاء في كل شيء دون علم ولا مسؤولية ؟ (6) .
إن هذه المواقف والظواهر تنقل المتابع من تأمل العوامل التي تنتج ظاهرة الإنسان المشوش إلى تأمل المقاصد والأحداث والجهات التي تساهم في تكوين رأي عام مشوش ومجتمع عربي برمته يريد له البعض أن يكون ضحية لعملية غسيل دماغ جماعية وتشويه لمبادئ العدالة والقيم الإنسانية التي لا يمكن لأي مجتمع أن يتطور من دونها ، ومن هنا تأتي المسؤولية القصوى لدور المثقفين الديمقراطيين لأن هنا مكمن الخطورة حقاً (7) .
وختاماً : أعتقد أن الفكر العربي ( والفعاليات الفكرية العربية ) مطالب بصورة ملحة جداً في دراسة نتائج هذا الحدث الكبير الذي أوضح وبين وكشف عن العديد من الأمراض الفكرية والسياسية والثقافية في الوسط العربي ، ويمكن القول بأنه بسقوط النظام العراقي سقط وتسقط معه العديد من المقولات والنظريات والشعارات والشخصيات والمثقفين الذين كان شغلهم الشاغل الدفاع عن النظام العراقي ( الذي أغدق عليهم بكوبونات النفط ) تحت شعارات ويافطات متعددة كلها تصب في تلميع صورة الطاغية على حساب المعاناة الفظيعة والهائلة للشعب العراقي بجميع شرائحه وقومياته وفئاته وطوائفه .

الهوامش :

1- جورج كتن - صحيفة الحياة - 20/5/2003 – عدد 14666
2- جورج كتن - مصدر سابق مذكور
3- فاضل سلطاني - أسئلة ما قبل الحرب وما بعدها - صحيفة الشرق الأوسط – 6/4/2003 - عدد 8895
4- زياد العسلي - " أحمد سعيد الصحاف والولاء الوطني " - صحيفة الحياة - 25/4/2003 عدد 14641
5- هذا ما جاء في خطبة للبوطي أثناء الحرب وبثت عبر موقعه على الانترنيت في 4/4/2003
6- د . أحمد الربعي - مجلة العربي - زاوية : قالوا - ص 35 - العدد 534- مايو 2003
7- كريم عبد " التمرين على الجريمة والكتابة " - صحيفة الحياة - 15/3/2003 - عدد 14600
8- أهم المراجع : جورج كتن - صحيفة الحياة - 20/5/2003 - العدد 14666



#حواس_محمود (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التحالفات الهشة و الحكمة السياسية الكردية المفقودة
- المثقف التضليلي
- عفرين عنوان خسارة السوريين بكردهم وعربهم
- هل انطلق الربيع الكردي ليخفق ؟
- التصفيق السياسي بين التشجيع والتغطية على الحقائق
- الكردي التائه بين شرق يصادر حقوقه وغرب يتاجر بها
- حوار مع الناشطة الفلسطينية امتثال النجار
- لماذا تخلى الب ي د عن تسمية روج افا
- حوار مع المخرجة السينمائية الكردية افين برازي
- الحركة السياسية الكردية والبدائل المطروحة
- مثقفون كرد لكنهم غارقون في وحل الايديولوجيا
- الكردي التائه بين الانانية الفردية والطموحات الكبرى !
- ايها العراقيون قلوبنا معكم
- ما حكاية رفيق نصر الله؟!!
- الكرد بعد انتهاء الانتخابات البرلمانية العراقية والخيار الأن ...
- شعوب الببغاء بين الموت والبقاء
- لماذا توقفت وسائل الاعلام السورية عن الحديث عن الاصلاح والتح ...
- فضائية كوردية باللغة العربية
- مقابل كل هذا القهر ايعقل كل هذالاستسلام ؟!
- عندما يعود الاتجاه المعاكس الى التجاه الصحيح


المزيد.....




- رمى المقص من يده وركض خارجًا.. حلاق ينقذ طفلة صغيرة من الدهس ...
- مسيّرة للأمن الإيراني تقتل إرهابيين في ضواحي زاهدان
- الجيش الأمريكي يبدأ بناء رصيف بحري قبالة غزة لتوفير المساعدا ...
- إصابة شائعة.. كل ما تحتاج معرفته عن تمزق الرباط الصليبي
- إنفوغراف.. خارطة الجامعات الأميركية المناصرة لفلسطين
- مصر.. ساويرس يرد على مهاجمة سعد الدين الشاذلي وخلافه مع السا ...
- تصريحات لواء بالجيش المصري تثير اهتمام الإسرائيليين
- سيدني.. اتهامات للشرطة بازدواجية المعايير في تعاملها مع حادث ...
- ليبيا وإثيوبيا تبحثان استئناف تعاونهما بعد انقطاع استمر 20 ع ...
- بحضور كيم جونغ أون.. احتفالات بيوم الجيش في كوريا الشمالية ع ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حواس محمود - حرب الخليج الثالثة الدرس العراقي الكبير