أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - ماجد ع محمد - عندما تكون العادات الاجتماعية أفضل من القوانين















المزيد.....

عندما تكون العادات الاجتماعية أفضل من القوانين


ماجد ع محمد

الحوار المتمدن-العدد: 6223 - 2019 / 5 / 8 - 14:26
المحور: المجتمع المدني
    


صدق الداعية السعودي سلمان العودة عندما قال:"تكوين العادات الطيبة في الناس أهم من وضع القوانين العادلة، فمع العادة يصبح الالتزام تلقائياً، وإلا فأي جدوى لقانون لا يطبق" وهذا ما لاحظته في تركيا منذ مكوثي فيها بـ:2014، وخاصةً مدينة اسطنبول مقارنةً بسورية التي قضيت فيها كل سنوات عمري تقريباً، حيث أنه غير الخدمات الكبيرة التي تقدمها البلديات لأهالي البلد في تركيا، وغير النظافة والحضارة العمرانية الواضحة المعالم في أكثر الأماكن التي يزورها المرء في اسطنبول، إلاّ أن ثمة ثلاثة أشياء متعلقة بسلوك الناس وممارساتهم اليومية فيها لفتت انتباهي بشدة، ثلاثة عادات اجتماعية ماثلة للعيان بالنسبة للزائر أو المقيم، ويستحق مواطنو هذا البلد التقديرَ على تقيُّده بها وهي:
أولاً: من محاسن العادات الاجتماعية التي عاينتها في تركيا خلال السنوات الماضية والتي استخدمت خلالها مختلف أنواع وسائط النقل والمواصلات، من الدولمش إلى المينوبيس مروراً بالأوتوبيس ومن ثم التروماي والمترو وصولاً إلى عبّارات النقل البحري، عدا عن الشوارع والساحات العامة، فلم أصادف شخصاً أو كجموعة أشخاص من الأتراك يضايقون إمرأة أو يلاحقون فتاةً، أو يتبعون أثر أنثى من باب التحرش بها، علماً بأن القوانين الواردة في الدستور السوري ليست أقل تقدماً من القوانين المعمول بها في تركيا، ولكني حيال هذه العادة السيئة بشكل مطلق، وبدلاً من التعويل على الرأي الشخصي فيها، سأستشهد بالدراما التلفزيونية باعتبارها انعكاس مباشر لحياة أي مجتمع كان، إذ من خلال بعض حلقات المسلسل المتصل المنفصل "بقعة ضوء" وخاصة حلقة بعنوان "وحياة اللي خلقك" التي كانت من تأليف دلع ممدوح الرحبي، وتمثيل كل من الممثل أيمن رضا والممثلة كاريس بشار، نعاين الفارق الجوهري عقب مقارنته، بما أن الحلقة تُظهر عبر تعدُّد اللقطات والمشاهد، أن التحرش بالنساء في بلادنا عادة اجتماعية صرفة لا علاقة لها بقوانين البلد، وليس لها علاقة بالهندام والملابس المثيرة أو المحتشمة كما يدّعي بعض المتدينين وكذلك بعض المهووسين بملاحقة الجنس الآخر، وذلك من خلال تصرفات المتحرش وإصراره على التحرش بالمرأة مهما كان نوع هندامها أو شكل ثوبها، فنشاهد ذلك من خلال تغيير الممثلة لملابسها في كل مشهد تمثيلي، حتى وصل الأمر بالممثلة ـ التي تنقل لنا صورة منتقاة ولكنها طبق الأصل عن الواقع ـ إلى التخلي عن نمط هندامي كامل لكي تتجنب التحرش، ولكن يبقى المتحرش كما هو ماضٍ في سفالته وتطاوله، فتتنازل الأنثى عن البهرج، وعن الأناقة، وعن كل رداءٍ يُظهر جمالها أو مفاتن جسدها كرمى التخلص من إزعاجات المتحرش، ولكنه يبقى على ما هو عليه، ولا يمنعه من مشروعه الأبدي لا الثوب القصير ولا الطويل، لا الاكسسوار المكشوف ولا المغلق، ولا ثمة موديل معيّن من الزّي يثني المتطاول عن هدفه الوضيع، حيث تجرّب الممثلة للتخلص من ملاحقاته ملابس محتشمة جداً، ولكن لا فائدة مع مَن كان نصب عينه الأنثى أياً كان الرداء الذي تتلحف به، إذ حتى النقاب الكامل لم يمنع الكائن الذكري من مطاردتها والتحرش بها وهي بكامل سوادها من الرأس إلى القدمين، والحلقة من كل بد تحاكي بحِرفية عالية ما يجري في المجتمع السوري، مع العلم أن ظاهرة التحرش الجنسي موجودة بكثرة وبأشكال مثيرة للاشمئزاز في الشوارع والأماكن العامة بمصر والسعودية، علماً أن تلك المجتمعات تحكمها قوانين وضعية وسماوية، دنيوية موضوعة منذ أيام خضوع تلك المجتمعات للقوانين التي وضعها الفرنسيون والانكليز، وسماوية باعتبار أنها بلاد إسلامية صرفة، ولكن مع كل ذلك لا قوانين الأرض، ولا شرائع السماء ردعت المتحرشين، أو منعت إنتشار تلك الظاهرة القميئة وبشكل فظيع هناك، بينما في تركيا فالذي منع وجود تلك النماذج المقرفة في مجتمعها هو العادة والعرف الاجتماعي وليس الدين أو القانون.
والميزة الثانية: تكمن في ملاحظة طوابير الانتظار التلقائي في الهواء الطلق أمام الاتوبيسات أو السرافيس أو الميكروباصات، أثناء حرارة الصيف وأوان زمهرير الشتاء، وقد يأتي مَن يقول بأن هذه من الأمور الاعتيادية في أوروبا، ولكني أركّز عليها بكوني في بلد مسلم ومتاخم لسوريا، سورية التي قد يستهجن الكثير من مواطنيها مَن يرون لديه شيء من الإلتزام الذاتي بالقيم المدنية والقوانين، وكمثال شخصي على ذلك، أذكر أنه كان لي صديق يدير مخبزاً آلياً وسط مدينة حلب في حي المنشية، وكنتُ عندما أريد بعض ربطات الخبز أشتري من الكوة المعتادة التي يقصدها عامة الناس، ولا أقصد الباب الخاص المفضي للمخبز إلاّ في الزيارات الخاصة لذلك الصديق، ولكن أحد معارفي استخف بتصرفي مرتين رآني فيهما أقف أمام الكوة بغرض شراء الخبز، ولا ألتفت إلى الباب الخلفي الذي يقصده عادة رجال الأمن وكل من يعوّل على الوساطة في تسيير أمور حياته من أعظم الأمور نزولاً إلى مستوى شراء ربطة الخبز، وذلك باعتبار أن صديقي أبو عبدو كان يدير المخبز آنذاك قبل أن تعصف به ألسنة المعارك ويصبح لاجئ في أوروبا؛ ولأن كل المواقف السلبية بهذا الخصوص لا تزال تمر آمامي كشريط مصوَّر، لذا كلّما رأيتُ الأتراك في طوابير طويلة صيفاً شتاءا وهم قيد الانتظار، حتى أوان الرغبة بركوب التكسي الخصوصي، فأحترمتهم أكثر على هذه العادات والأعراف الحميدة، وأزداد احتقاراً للكثر من مشاهد بلدي وجوانب من الثقافة الاجتماعية المتخلفة فيه والتي تشير صراحةً إلى التقهقر اليومي نحو الخلف رغم تقدم الزمن.
والميزة الثالثة: من بين العادات التي رفعت من شأن المجتمع التركي بنظري كمواطن أجنبي، هو أني ومنذ أزيد عن أربع سنوات أستخدم فيها وسائط النقل، وخاصة الدولمش المدني، فأسمع أصوات بعضهم عندما يناولون السائق نقودهم وهم يقولون له كلمة "öğrenci" بمعنى طالب، إذ أنه ولمجرد قولهم بأنهم طلبة يُخفِّض السائق من أجرة ركوبهم الحافلة، ولم يحدث أمامي أن شكك سائق ما بطالبٍ أو طالبه، ولم ألاحظ سائقاً طلب من راكبٍ قال بأنه طالب هويته ليتأكد منها إلاَّ في 9/2/2018 وكنتُ حينها على مقربة من السائق الذي ركبتُ حافلته من حي "بكر كوي" قاصداً "بغجيلار ميدان" فصعد في الطريق شاب وناول السائق نقوداً مع تذكيره بأنه طالِبْ، وعلى غير العادة طالَبَ السائق بالهوية التي تدل على أنه طالِب بكل هدوء، ولكن بدا لي أن الطالب تفاجأ بالطلب، وراح يبحث في جيوب بنطلونه وسترته عن تلك الهوية الخاصة بالطلبة، ولكن يظهر بأنه لم يكن يحملها ذلك اليوم، وما كان عليه حينها إلاّ أن يناول السائق ما تبقى من المبلغ المستحق عليه بصمت، وبلا أي اعتراض منه، أو إلحاحٍ فج من السائق، والحادث مر بأريحية بالغة من دون حدوث شوشرة أو شد وجذب، ولا ظهرت أية آثار جانبيه بناءً على الموقف الحرج، ولا أدى الموقف إلى خلق إشكالياتٍ تزعج خواطر الركاب الآخرين، وذلك بكوني جالساً كنتُ في المقعد الملاصق لكرسي السائق، وأكاد أجزم بأنه ما من أحد من ركاب الميكروباص قد انتبه إلى ما جرى بين الطالب وسائق العربة غيري، وهنا أيضاً حاولت إسقاط الحادث على بلدي، ورحت أتخيل الاحتمالات التي من الممكن حدوثها بشكل فج لو كانت الواقعة في حافلة سورية مكتظة بالركاب، كما هو حال الحافلة التركية التي أشعرتني بأن العادات الاجتماعية المعمول بها بين الناس ههنا، هي بحق أكثر أهمية من كل قوانين بلادنا الموضوعة فقط في الأدراج أو المخزّنة في الحافظات الالكترونية، والتي رغم تذكيرنا بها كل حين، إلاّ أننا لا نلحظ مع كل سيمفونيتها الراقية، إلاَّ بسلوكيات تدل على الفوضى والهمجية في معظم الأماكن العامة على طول ربوع البلد وعرضه.



#ماجد_ع_محمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مواجع الضحية
- إرشاد الطاغية
- حاضرنا المشدود للرديء من ماضينا
- أبواب الحرية
- الانتصارات الدائمة للمهزوم
- دواعي الاستعانة بالفاسقات
- بلايا الدين السياسي
- لغة السّطوة لدى العَسَس في سوريا
- الإرهابي المفضّل على سواه
- تطويق رُسل الخراب
- معاناة المجلس الوطني الكردي
- كابوس الهجوم على شرق الفرات
- الجهل جاسوسٌ مقيم
- الاستعانة بفلسفة باقي الكائنات
- في نُصرة الملاعين
- الطوطم الكردي المعاصر
- حلم حمو وحمار بشار
- لماذا ينافق حلف الناتو؟
- تلازم الشرف والعار
- مثالبنا المشتركة


المزيد.....




- إسرائيل: قرار إلمانيا باستئناف تمويل أونروا مؤسف ومخيب للآما ...
- انتشال 14 جثة لمهاجرين غرقى جنوب تونس
- خفر السواحل التونسي ينتشل 19 جثة تعود لمهاجرين حاولوا العبور ...
- العراق.. إعدام 11 مدانا بالإرهاب في -سجن الحوت-
- السعودية ترحب بالتقرير الأممي حول الاتهامات الإسرائيلية بحق ...
- -العفو الدولية-: إسرائيل ترتكب جرائم حرب في غزة بذخائر أمريك ...
- صحيفتان بريطانيتان: قانون ترحيل اللاجئين لرواندا سيئ وفظيع
- قبالة جربة.. تونس تنتشل 14 جثة لمهاجرين غير شرعيين
- بعد إدانتهم بـ-جرائم إرهابية-.. إعدام 11 شخصا في العراق
- السعودية وقطر تُعلقان على تقرير اللجنة المستقلة بالأمم المتح ...


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - ماجد ع محمد - عندما تكون العادات الاجتماعية أفضل من القوانين