أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رائد الحواري - يوميات ميكانيكية علي سفر















المزيد.....

يوميات ميكانيكية علي سفر


رائد الحواري

الحوار المتمدن-العدد: 6186 - 2019 / 3 / 29 - 15:32
المحور: الادب والفن
    


يوميات ميكانيكية
يوميات على هامش الحريق السوري 2012-2013
علي سفر
عنوان مثير للقارئ، فهو يحاكي واقع المواطن السوري الذي يعيش أحداث دامية، تأكل الأخضر قبل اليابس، وتحصد الأطفال قبل الشباب، وتحول الإنسان إلى وحش، لكن الشاعر لا يتوقف عند فكرة/مضمون "الحريق السوري" فقط، بل يستفز القارئ عندما جعل شكل تقديم مادته يتماثل مع الميكانيك الصعب و(المعقد)، فقراءة النصوص ليس سهلا، ليس لأنها قاسية وسوداء فحسب، بل لأن شكل وطريقة تقديم متشابكة ومتباعدة ومتداخلة، بحيث يجتمع المضمون القاسي مع الشكل الصعب، وهنا يكون وقع النصوص على القارئ مزدوج، على صعيد الفكرة وعلى صعيد شكل، فأين يلتجئ من هذا الهجوم المزدوج؟.
لا اقول بأني استمتعت بهذه النصوص، لكن أقول أنني تعلمت من هذه النصوص، فقد وجدت كيف يتألق الكاتب ويقدم فكرته/مأساته بشكل وألفاظ وصور تجتمع وتتناسق معا لخدمه ما يريد طرحه، وهنا تكمن أهمية "يوميات ميكانيكية"، فهي توصل لنا الفكرة من خلال الشكل، من خلال الألفاظ، هذا عدا عن الفكرة، ورغم قتامة هذا السواد إلا أن الشاعر "علي سفر" استخدم ترتيب الزمن بشكل متسلسل، مما جعل القارئ يشعر بشيء من (الانسيابية)، كما أنه يتجه عندما تتأزم الأحداث أن يقدم فكرته بشكل الومضة، وأحيانا إلى الفانتازيا، كوسيلة لرفض ما يجري، فالجنون/الفانتازيا رد طبيعي على (جنون الحرب والمتحاربين)، كل هذا أ ساهم أيضا في (التخفيف) من القتامة.
لا بد من تناولا فاتحة الكتاب والتي جاء فيها:
"1
هل تنتهي سنة؟
أم سنتين؟
بلاد ستبقى،
رغم جور العابرين" ص9.
الاسئلة دائما تستوقف وتجعله يتوقف متفكرا فيما جاء في السؤال، فتركز "علي سفر" على الزمن يشير إلى وقعه القاسي عليه، لهذا نجده يذكره مرتين، وهو يؤكد على بقاء البلاد رغم قسوة ووحشية (العابرين والسنين).
هناك كم هائل من السواد منه:
"9
بأيد متورمة لا يتصافح الموتى
ويكتفون بعيون تتلاقى
بدلا من العناقات والقبل
ويحدث أن يرغب ميت بتقبيل ميتة
فلا يستطيعان
فالعواطف تتورم أيضا..
5/5/2011" ص14.
عدد الألفاظ البيضاء "يتصالح، بعيون، تتلاقى، العناقات، القبل، يرغب، بتقبيل، فالعواطف" أكثر من عدد السوداء، "متورمة، الموتى، ميت، ميتة، فلا، تتورم" لكن الومضة بمجملها تعطي فكرة غارقة في السواد، وهذا الأمر نادر أن نجده في الأدب، أن تطغى الألفاظ البيضاء على السوداء لكن تكون غلبة الفكرة/المضمون للسواد، وهذا ما يؤكد أن العقل الباطن للشاعر هو من يتحدث وليس عقه الواعي، فحجم وخراب والموت جعل الشاعر يستخدم (لغة البيضاء) ليعبر عن واقع أسود، فجاء بهذا الشكل وهذه الألفاظ.
دائما المرأة تأتي كعامل تخفيف على الشاعر:
"10
بيوت الراحلين
على مقاس أحلامهم تأتي
ربما سراديب نمل صغير..
وربما كون فسيح
كبيت الخادمة التي التقيتها ذات يوم
واستدانت مني يضع أحلام ثم
ماتت..
أيتها المرأة
هلا تقبليني ضيفا في كونك الرحب
فأنا لم أحلم سوى ببيتي الصغير
ذاك الذي لمسات يديك
قد أبقته نظيفا منذ سنين.
6/5/2011" ص14.
قلنا أن من صعوبة الكتاب "التباعد بين الأفكار" ففي البداية كانت هناك بيوت الراحلين، واحلام، وفي النهاية كان "فأنا لم أحلم سوى بيتي الصغير" فالحديث كان عن الراحلين، لكن الشاعر (يدخل) نفسه معهم، بعد ان "ماتت الخادمة" وكان من (المفترض/المنطق) أن ينهي كل ما هو متعلق في (الماضي)، لكنه يعود "إلى امرأة، وإلى الحلم، وإلى البيت" والمتعب/المؤلم في هذه (العودة) أنها جاءت تحمل معنى الحسرة على ما كان.
نجد عوامل التخفيف في الومضة السابقة من خلال حضور المرأة، التي أنهت المقطع بصورة جميلة وفكرة بيضاء، ومن خلال الفانتازيا:
"واستدانت مني يضع أحلام ثم
ماتت.."، وإذا ما اضفنا استخدام الشاعر للعديد من الألفاظ البيضاء يمكننا القول أن الشاعر يحمل في داخله الأمل والجمال/البياض، لكن واقع الحرب فرض عليه أن يتحدث عنها، وهذا ما كان من خلال الأفكار والأحداث الدامة التي تناولها.
وللمعتقلين مكان وحضور في الكتاب:
"12
نافذة ثم شرفة ثم طاقة صغيرة
باب ثم بوابة ثم مدخل كبير..
طائرة .. طائر .. عصفور..
بحر/ نهر، ساقية..
الخ..الخ..الخ..
هي ذي أحلام السجناء
في القبو
مكتوبة بطريقة ميكانيكية..
10/5/2011" ص15.
أيضا نجد عدد الألفاظ البيضاء يتجاوز السوداء، لكن الفكرة السوداء هي المسيطرة والطاغية، ونجد أن الشاعر يستخدم لكلمات عادية وبسيطة، بعيدا عن اللغة المعجمة وحتى عن الصور الشعرية، ويكتفي باستخدام كلمات (متقاربة، متقطعة) لكن الفكرة تصل وبقوة ودهشة، وهناك (لخبطة) في ترتيب المقطع الثاني: "باب ثم بوابة ثم مدخل كبير.." فهنا كانت الكلمات تعطي فكرة الانفتاح والتوسع/الأفق، بينما بقية المقاطع وعددها ثلاثة مقاطع، تضيق وتحاصر "السجناء" وهذا يخدم فكرة اليأس التي يعانون منه أكثر وأقوى وأكبر من الأمل، فهو يشكل الربع.
للأطفال حضورهم في الحرب:
"27
الجنرالات يتبادلون الكرات، على بساط عشب أخضر
في كل رمية حرب جديدة
والأطفال يراقبون ثم يختفون، في
مساحات السواد..
13810/2011" ص22.
أذا ما توقفنا عن طريقة تقديم اختفاء الأطفال" نجدها جاءت (متسرعة) ودون مقدمات، فهناك جنرالات يعلبون، وأطفال يراقبون، ثم يختفون، أين الربط بين الحدثين؟، أبداع الشاعر يكمن في تماثل شكل اختفائهم في الومضة، مع اختفائهم على أرض الواقع، فالحرب تحصدهم دون أية مبررات/اسباب، ومن (جمال) الومضة أنها جعلت الحرب تجري على "بساط أخضر" ونتائجها "مساحات سوداء" والفرق بين اللونين شاسع، كما هو الحال بين الجنرالات والأطفال، بهذا التباعد بين الألوان والأشخاص يكمن ابداع "علي سفر".
حالة اليأس أخذت مكانها في الشاعر، بحيث ظهرت بشكل واضح من خلال استخدامه بعض كلمات فقط:
"71
وليس كل ليلي في دمشق رحيم..
27/2/2012" ص46.
"90
قمر أحمر ينقط دما في سماء المدينة..
15/4/2012" ص55.
"122
قلبي بيت صغير يغص بالنازحين..
25/6/2012.
"126
ورأيت البحر كان لونه أحمر، فاحمرت
عيناي..
2/7/2012.
"285
وإذا الجدران ترجرجت..!!
10/12/2012.
بهذا الشكل، بهذا الكلمات المتواضعة بعددها، يهرب الشاعر من الأحداث، يهرب من واقع الحرب وما أحدثته من خراب وموت، وإذا ما توقفنا عند ما جاء فيها، فنجد منها ما جاء يعبر عن مشاعر الشاعر الداخلية، منها ما جاء وصف (مجرد) لصورة ما، ومنها ما جاء يجمع بين الصورة ومشاعر الشاعر، وهذا ما يشير إلى حالة التوحد بين الشاعر والأحداث، فهو يتأثر بها، وهي تؤثر عليه وفيه، فكانت هذه الومضات أفضل تعبير عن حالة (قرف) الشاعر وسخطه على الحرب ومن يقوم بها.
الكتاب من منشورات دار نون للنشر، رأس الخيمة، دولة الامرات العربية المتحدة، الطبعة الأولى 2014.



#رائد_الحواري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اسراء عبوشي
- المرأة والسياسية عند جاسر البزور وجروان المعاني
- الادارة الفلسطينية
- القسوة في ديوان -خطى الجبل- محمد علوش
- قراءة في ديوان -ما يشبه الرثاء-* للشاعر فراس حج محمد
- الحزن يموت أيضا يوسف شرورو
- الأمير الأحمر مارون عبود
- مناقشة ديوان - مختارات من الشعر الروسي- في دار الفاروق
- حزن فاضل الفتلاوي
- القاهرة الجديدة نجيب محفوظ
- حزن فراس حج محمد في قصيدة -روائحُ العشرينَ الخَرِفة!-*
- سماء الفينيق مفلح العدوان
- مدينة الموتى حسن الجندي
- الفلاح والصحراء في -ثلاث ليال فلسطينية جداً- صبحي شحروري
- الجزائر بين المطرقة والسنديان
- جروان المعاني حكاية وقصيدة -للزهري-
- عبود الجابري شاعر الدهشة
- مناقشة كتاب -لا بد أن يعود-
- الفلسطيني في رواية -عذبة- صبحي فحماوي
- يونس عطاري -إلى بدر شاكر السياب-


المزيد.....




- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...
- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام
- السعودية تتصدر جوائز مهرجان هوليوود للفيلم العربي
- فنانون أيرلنديون يطالبون مواطنتهم بمقاطعة -يوروفيجن- والوقوف ...
- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...
- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ
- روسيا.. إقامة معرض لمسرح عرائس مذهل من إندونيسيا
- “بتخلي العيال تنعنش وتفرفش” .. تردد قناة وناسة كيدز وكيفية ا ...
- خرائط وأطالس.. الرحالة أوليا جلبي والتأليف العثماني في الجغر ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رائد الحواري - يوميات ميكانيكية علي سفر