سليم نصر الرقعي
مدون ليبي من اقليم برقة
(Salim Ragi)
الحوار المتمدن-العدد: 6182 - 2019 / 3 / 24 - 03:57
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
((حول فرضية ونبوءة الاستبدال الكبير!؟))
لو فرضنا جدلًا صحة نبوءة ونظرية مؤامرة (الاستبدال الكبير)(The Great Replacement conspiracy theory) التي يروج لها أنصار أيديولوجيا اليمين القومي والوطني العنصري المتشدد في الغرب!، فكيف سيكون اسلام تلك الدولة الغربية التي سيتم فيها استبدال المسيحية بالإسلام عبر الزمن!؟.... فكيف سيكون اسلام هذه البلدان المسلمة في الغرب؟ هل سيكون اسلامهم نفس اسلام العرب؟ سلفيين ووهابيين ودواعش واخوان مسلمين وصوفيين؟ أم سيكون للأوروبيين اسلامهم الخاص؟ كما كانت لهم مسيحيتهم الخاصة المختلفة عن مسيحية بلد المنشأ أي مسيحية العرب الأوائل (الساميين)؟؟؟؟..... (محاولة للتفكير في بطن فرضيات ونبوءات الاسلاماوفوبيا!)
*****
مع فرضية صحة ما يذهب إليه منظرو التوجهات القومية والوطنية الشعبوية والعنصرية في الغرب من مزاعم وتكهنات وما يروجه بعض مفكريهم وأدبائهم وسياسييهم من فكرة ونظرية (الاستبدال الكبير!) والتي مفادها أن الإسلام منذ بداية القرن الماضي أخذ بغزو الغرب بشكل ناعم وبطيء وتدريجي!، أي مع تكاثر عدد المهاجرين المسلمين أو تكاثر عدد من يدخلون للإسلام من السكان الغربيين الأصليين، وزعمهم أن هذا الأمر - مع مرور الوقت - سينتهي لتحقيق الاستبدال الكبير!(*).. أي حلول الإسلام محل المسيحية في بعض البلدان الغربية كما حلت المسيحية القادمة من الشرق محل الوثنية الأوروبية!، وهذه الحالة - أي حالة استبدال المسيحية بالاسلام في بعض البلدان الاوربية - يحدد لها غلاة العنصريين عام 2050 كتوقيت لظهور هذه النبوءة بشكل واضح وملموس على حد زعمهم إذا لم يتحرك الغربيون للحد من هجرة المسلمين والاستيطان في ديارهم ولو من خلال آلية (رد الفعل الكبير) والذي تجسم في الجريمة الإرهابية التي نفذها أحد معتنقي هذه الأيديولوجيا العنصرية ضد المسلمين التي محورها فرضية (الاستبدال الكبير)!، وهي فرضية مستبعدة عندي خلال الزمن المنظور على الأقل ومبالغ فيها من قبل القوى الوطنية والقومية (المحافظة) و(العنصرية) لأغراض سياسية و(ديموغواجية) تخويفية لنشر الكراهية ضد الإسلام والمسلمين في أوروبا، لهذا أقول - حتى مع تحقق هذه الفرضية جدلًا – أي بأن يصبح الإسلام هو بالفعل الدين الأول ودين أغلب السكان في بعض البلدان الغربية، فلن يكون هذا الإسلام عندها في تقديري اسلامًا عربيًا، أي بطريقة فهم وتطبيق المسلمين العرب ولا اسلامًا افريقيًا ولا أسيويًا أي كما هو الإسلام المتكيف مع ثقافات وحضارة الافارقة والاسيويين!، بل سيكون اسلامًا أوروبيًا وغربيًا مختلفًا من حيث المفاهيم والتطبيق والمظهر الشكلي والعملي في جوانب كثيرة عن اسلام العرب وإسلام الشعوب المتخلفة حضاريًا!.. أي سيجري للإسلام ما جرى للمسيحية في أوروبا حينما جرى (الاستبدال الكبير) في عهد الدولة الرومانية بحلول المسيحية - التي قدمت من أرض العرب - محل الوثنية بشكل ناعم وبطيء ومتدرج عبر الزمن!، فالمسيحية في الحقيقة من حيث المصدر والمنبع والأصل مثلها مثل الإسلام!، فهي قد نبعت من حيث الأصل من أرض (الساميين) الذين بات اسمهم اليوم هو (العرب) بعد أن اندمجت أغلب الشعوب السامية – أي سكان ما بات يُعرف اليوم بالعالم العربي - في بوتقة الهوية العربية الحديثة، أي في العروبة ما بعد الإسلام وما بعد سقوط الهوية العثمانية!، ثم حينما استقرت النصرانية كديانة سامية شرق أوسطية قادمة من أرض العرب الحاليين في الدول الغربية تكيفت مع الثقافة والحضارة الأوروبية وتحولت لشيء آخر غير النصرانية (السامية) الأصلية بصورتها الأولى!، ثم - لأن أوروبا هي الثقل الحضاري والسياسي الأقوى منذ دخول الدولة الرومانية في النصرانية - فإن المسيحية الأوروبية (الغربية) أخذت تؤثر بأفكارها وتوجهاتها في إعادة صياغة المسيحية الشرق أوسطية أي النصرانية الأصلية!، ونتج عنها ظهور المسيحية (الأرثوذكسية) في شرق أوروبا وظهور المسيحية (الكاثوليكية) ثم (البروتستانتية) في غربها بما يشبه إعادة تشكيل الديانة النصرانية القادمة من أرض العرب (أرض الساميين سابقًا) إلى مسيحية بوجه جديد تتلاءم مع ظروف وثقافة وحضارة أوروبا فكانت هذه المسيحية الأوروبية بوجهها الكاثوليكي والبروتستانتي وما انبثق عنهما لاحقًا من مذاهب وفرق مسيحية شتى مثل (شهود يهوه)!... وهذا سيحدث للإسلام - مع فرض صحة نبوءة أرباب التيار اليميني القومي الوطني المسيحي المتشدد في الغرب الذي يحذر من غزو الإسلام للغرب بغير طريقة الفتوحات العسكرية! - أقصد حتى لو صحت هذه النبوءة – فرضًا وجدلًا - فإن اسلام الأوربيين – عندئذ - لن يكون قطعًا حينما يصبح دين الأغلبية في بلد من بلدان أوروبا كإسلام العرب والافارقة والاسيويين لا من حيث الشكل ولا من حيث التطبيق العملي!... لا أقصد أنه مختلف في جانب أصول المعتقدات والعبادات الإسلامية بل في الجوانب الأخرى المتعلقة بالأخلاقيات العامة والثقافة الإسلامية والعادات والتقاليد والمعاملات والفكر السياسي والاقتصادي بل وحتى في جانب المنهج التربوي!، حيث أتصور – لو حدث استبدال كبير في أي بلد غربي - ستكون صورة ومستوى تطبيق تعاليم الإسلام وطريقة فهم النصوص الدينية مختلفة كثيرًا عن ما عند غيرهم من المسلمين في العالم العربي وفي افريقيا وأسيا عمومًا!، وسيكون مسلمو أوروبا أرقى وأكثر تحضرًا من مسلمي العرب والافارقة والاسيويين في فهم وتطبيق الإسلام بشكل عقلاني حضاري متمدن ومنفتح!... سيأخذون عن هؤلاء المسلمين العرب والافارقة والاسيويين ما عندهم من مفاهيم دينية ويغربلونها بعقولهم ويطورونها ويكيفونها مع واقعهم الحضاري المتقدم!.. فتكون النتيجة اسلام أوروبي وغربي متمدن!.... هذا مع فرضية صحة هذه النبوءة (الاستبدال الكبير) التي يدندن حولها مروجو (الاسلاموفوبيا) ممن يعملون على تسريع وتوسيع دائرة الخوف من الإسلام وكراهية المسلمين المقيمين في الغرب والنظر إليهم على أنهم (غرباء) و(غزاة) و(محتلون) و(مستوطنون) يهددون ثقافة ودين الأوربيين وهويتهم المسيحية بالزوال من خلال آلية الهجرة وتوطين الإسلام في أوروبا!!.... هذه مجرد مناقشة لأمر في بطن المجهول، ولكن هل يمكن لهذا الاستبدال الكبير أن يحدث في بلد غربي بالفعل!؟... جوابي: بالاطلاع على تاريخ البشر وتاريخ أوروبا بوجه خاص لا يمكن القول بأن هذه الفرضية وهذه النبوءة مستحيلة الوقوع!، فالأيام حبلى بكل ما هو غريب وعجيب وغير متوقع!!.
*********
سليم نصر الرقعي
(*) حتى مع صحة فرضية (الاستبدال الكبير) وأن الإسلام أصبح له موطن قدم في الغرب المسيحي وأنه ينمو ويتسع بشكل ناعم وبطيء وأنه مع مرور الزمن سيغدو دين الأغلبية في بعض البلدان الغربية!، مع فرضية صحة هذه الفرضية فإن هذا يحدث بطريقة تلقائية غير واعية ولا مقصودة من المسلمين، فهم لم يهاجروا للغرب بنية نشر الإسلام أو توطينه هناك!، بل فروا من بلدانهم طلبًا للجوء الإنساني أو السياسي أو طلبًا لتحسين أحوالهم المعيشية أو تحقيق طموحاتهم الشخصية المتعلقة بالعلم والعمل والكسب المادي، ومن الطبيعي أنهم حينما يغادرون بلدانهم فإنهم سيحملون معهم ثقافتهم وخصوصًا دينهم ويحاولون ممارسة شعائرهم بكل حرية وأمان ويلتزموا بتعاليم هذا الدين في تلك الديار بقدر المستطاع وقد ينتج عن ذلك ظهور وانتشار الإسلام كدين لبعض شرائح المواطنين الغربيين لا علاقة لأغلبهم بالإسلام السياسي!.. فليس ثمة مشروع ومخطط عربي أو إسلامي واع ومقصود لأسلمة أوروبا أو توطين الإسلام فيها بل هو أمر يحدث بشكل طبيعي تلقائي وعفوي مع سنن الهجرة وقوانين الجذب والطرد التي تحكم حركة الديموغرافيا ثم قد تؤثر في ثقافة المهاجر ومن يهاجر اليه!.
#سليم_نصر_الرقعي (هاشتاغ)
Salim_Ragi#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.