أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - حاتم الجوهرى - دولة ما بعد الاستقلال والموجة الثانية من الثورات العربية















المزيد.....

دولة ما بعد الاستقلال والموجة الثانية من الثورات العربية


حاتم الجوهرى
(Hatem Elgoharey)


الحوار المتمدن-العدد: 6176 - 2019 / 3 / 18 - 23:40
المحور: الثورات والانتفاضات الجماهيرية
    


أثار تحرك الجزائر والسودان في الآوانة الأخيرة نحو الشعارات والمسار ذاته للموجة الأولى من الثورات العربية مطلع هذا العقد؛ التساؤلات حول مستقبل حلم التغيير العربي بعيدا عن الأبنية التاريخية للسلطة العربية وكذلك بدائلها الحزبية والسياسية المطروحة، إذا استبعدنا الحديث عن التفاصيل الصغيرة الخاصة بتجربة كل بلد سنجد بيت القصيد حاضرا كمشترك يجمع الدول العربية منذ أواسط القرن الماضي.

منظومة قيم ما بعد الاستقلال
في حقيقة الأمر نحن بصدد تَشكل منظومة قيم جديدة في مواجهة منظومة قيم أقدم وتلك سنة الحياة وصيرورتها، المنظومة العربية القديمة تتمركز حول دولة ما بعد الاستقلال من الاحتلال والنفوذ الأجنبي المباشر في القرن الماضي، وما ارتبط بها من شعارات قومية ووطنية تحررية، حيث تحولت شعارات فترة التحرر الوطني في العالم العربي إلى بنية اجتماعية متكلسة، وسيطرت على بناء التراتب الاجتماعي وتوزيع الخدمات والمنافع السيادية والأراضي في معظم الدول العربية، وتحولت لفكرة المزايدة والتخوين تجاه كل فكر نقدي أو إبداعي جديد يطالب بإصلاحات سياسية أو بيروقراطية أو بالعدالة في توزيع الخدمات والمنافع السيادية وأراضي الدولة، كوسيلة لإعادة تشكيل وتفكيك التراتب الاجتماعي المتكلس الداعم لمنظومة القيم تلك.

منظومة قيم العدالة والفرز الطبيعي البديل
منظومة القيم الجديدة ترتبط بوجود تراتب اجتماعي بديل وموازي يعتمد على مهارات فردية خلقت وجودها بعيدا عن آليات الدمج والتسكين الاجتماعي التي سيطرت عليها دولة ما بعد الاستقلال، فشَكل ذلك التراتب الاجتماعي الموازي في الدول العربية منظومة قيم نقدية تقوم على ضرورة الفرز الطبيعي ومنح أفضل العناصر في كل مجتمع الفرصة لتقوده، كبديل عن الفرز وفق الولاء، وقامت على تجاوز شعارات مرحلة التحرر التقليدية لتقارن نفسها بالدول المتقدمة ومشاريعها النهضوية، وبحثت عن مساحة أكثر من التعبير عن الذات لا تكتفي فقط بتحررها، إنما تقوم على نهضتها وتفوقها، حقيقة الصراع هنا بين المنظومتين يقوم على الهدف والغاية من وراء كل منهما.

مركز عسكري قوي وأطراف مدنية هامشية
دولة ما بعد الاستقلال في معظم الدول العربية قامت على بنية عسكرية تنتظم حولها مجموعة من المؤسسات المدنية الضعيفة لحد بعيد، والبنية العسكرية أوقفت نفسها على شعارات الفخر والاعتزاز بالذات وتحررها التاريخي القديم كمبرر لسيطرتها الأبدية على السلطة، وظلت تبرر كل عجز أو فشل أو جمود بتلك الشعارات وتستلهم منها شرعيتها ووجودها، لكن منظومة القيم الجديدة في الثورات العربية تطالب بنهضة الذات العربية وتفوقها لا الاكتفاء بالتشدق بشعارات دولة ما بعد الاستقلال، التي أوقفت البلاد العربية محلك سر قرابة قرنا إلا ربع الآن.

معارضة جامدة وعجز البدائل القديمة
الثورات العربية ومنظومة قيمها تختلف كذلك عن مشاريع المعارضة السياسية التاريخية في الدول العربية يمينا ويسارا، فضغوط وحصار الأنظمة السياسية ذات البنية العسكرية للتمثلات الحزبية العربية جعل الأحزاب تصاب بحالة من الجمود أيضا وتجاهد في سبيل مجرد البقاء على قيد الحياة، لكن كان الثمن أن ابتعد المفكرين السياسيين والمجددين الاجتماعيين عنها، وسيطر عليها المستوى التنظيمي في كل حزب الذي اعتقد بدوره أنه في معركة عسكرية من أجل البقاء، فانفصل شيئا فشيئا عن الجماهير، وأصبحت الأحزب العربية ظاهرة منغلقة على ذاتها تمارس خطابا للاستهلاك الذاتي كطائفة دينية منعزلة.

خلق التناقضات وإدارتها وضرورة الحركة خارجها
ناهيك عن أن المهارة الرئيسية التي تستخدمها أنظمة ما بعد الاستقلال هى خلق التناقضات السياسية وإدارتها وتشكيلها، فتعمد إلى أن ترعى فرق الدين السياسي حينا وتوظفهم لضرب المد الشعبي والحراك الطلابي غير المُنظم، وفي حين آخر توظفهم في مواجهة الأحزاب السياسية مثيرة أبرز تناقض عربي بين التراث والحداثة أو الدين والعلمانية.. بما يجعل الحل يكمن في تطور بديل سياسي وفكري جديد خارج الأبنية التاريخية يمينا ويسارا، يعبر عن طموح الثورة بعيدا عن تناقضات القرن الماضي بجدليتها العبثية حول ثنائية التراث والتحديث.

فرادة النموذجين الجزائري والسوداني
النموذجان الجزائري والسوداني يختلفان بعض الشيء، من جهة إدارة التناقضات وتوظيف فرق الدين السياسي؛ تحديدا يختلفان عن النموذج المصري والسوري واليمني، ففي هذه البلدان الثلاثة تم استخدام فرق الدين السياسي لتفكيك الموجة الأولى من الثورة العربية، فتم تقديم الإخوان كبديل سياسي تحالف مع البنية العسكرية لدولة ما بعد الاستقلال في مصر إلى حين، وفي سوريا تم توظيف فرق الدين السياسي كفزاعة للإرهاب تبرر لدولة ما بعد الاستقلال في سوريا استمرارها في السلطة، وفي اليمن انتهى الأمر لتوظيف تمثل جديد لفرق الدين السياسي الشيعي المحسوب على إيران لخلق تناقض استمرار دولة ما بعد الاستقلال هناك.
لكن النموذجان الجزائري والسوداني يختلفان بعض الشيء في البحث عن بديل لتفكيك الموجة الأولى من الثورة هناك، لأن تمثل فرق الدين السياسي في الجزائر احترق في علاقته بدولة ما بعد الاستقلال من خلال فظائع جبهة الإنقاذ الجزائرية في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، كما أن المسألة في دولة ما بعد الاستقلال في السودان أكثر تعقيدا لأن النظام هناك تزاوجت بنيته العسكرية مع فرق الدين السياسي من خلال الرئيس عمر البشير كرجل عسكري ينتمي لفرق الدين السياسي.
الموجة الثانية من الثورة العربية في الجزائر والسودان ستبحث عن بدائل أخرى من خلال التناقضات السياسية المتاحة للتحايل على استحقاقات المرحلة، إنما قد لا يكون ذلك عبر التوظيف المباشر لفرق الدين السياسي – رغم احتمالية ذلك – كما حدث في دول الموجة الأولى، لاحتراق المساحة بينهما في الحالة الجزائرية ولتوحد المسافة بينهما لحد بعيد في الحالة السودانية.

أحلام أم أوهام: ما بدأه سوار الذهب
لكن يبقى الدرس ملحا؛ دولة ما بعد الاستقلال العربية وبنيتها العسكرية في حاجة لمبادرة تكمل الطريق الذي خطه الجنرال سوار الذهب في السودان عندما تنازل عن السلطة عن طيب خاطر بكامل إرادته، ستظل الثورة العربية في حالة حراك وتدافع مستمر وموجة تلو أخرى حتى الوصول لبديل سياسي يدعم منظومة القيم الجديدة.
دولة ما بعد الاستقلال في حاجة لأن يبادر أحد مراكزها الكبرى ربما في مصر أو الجزائر أو غيرهما، للتخلى عن السلطة وطي مرحلة ما بعد الاستقلال الموروثة من القرن الماضي من مسيرة البلاد العربية، من خلال تأسيس نظام سياسي واجتماعي حقيقي يعمل كضابط لدولة النهضة الجديدة واستعادة الذات وهويتها، اكتفى المشير سوار الذهب بتسليم السلطة لحكومة مدنية غير عسكرية، لكن دون تغيير في بنية التراتب الاجتماعي وتركة الخدمات والمصالح السيادية القديمة، دون تأسيس لمنظومة قيم أو نظرية جديدة تفكك التراتب الاجتماعي القديم.

احتمالات مفتوحة: للأمام والخلف معا
تجاوز دولة ما بعد الاستقلال في الحالة العربية قد يكون طواعية من خلال مبادرة رومانسية مثالية ما كما فعل سوار الذهب، لكنه قد يمر عبر الطريق الطويل للموجات الثورية المتوالية وتبادلها بين الدول العربية، ربما لن تكون الجزائر والسودان هما آخر محطات القطار، ربما يعود القطار للوراء قليلا ليستكمل شيئا ما قد تركه في محطة سابقة، لكن الأكيد أن الجزائر ومعها السودان ألهبت طموح التغيير والأمل عند المواطن العربي.



#حاتم_الجوهرى (هاشتاغ)       Hatem_Elgoharey#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فرنسا ونبوءة الجسر بين معاداة السامية ومعاداة الصهيونية
- وثائق الأممية الشيوعية بين لينين والصهيونية الماركسية
- التراث الشعبي المصري بين الأرجوز والمهرجان
- الثقافة كأمن قومي ومعركة حمو بيكا
- حقوق الأرض المرخصة مباني بالعبور الجديدة
- أمريكا وشبح النموذج العراقي في السعودية
- بلفور بأي حال جئت يا بلفور
- عندما يخالف رئيس الوزراء القانون في العبور الجديدة
- توصيات المواجهة العربية لصفقة القرن
- مأزق رئيس الوزراء في العبور الجديدة
- نموذج العدالة الاجتماعية المطلوبة في العبور الجديدة: اللقاء ...
- الانتخابات و CISMOA والدولة حارسة التناقضات
- التفاف الوزير على حقوق الناس في العبور الجديدة
- زيدان وسعد الدين إبراهيم، ما الطبيعي في التطبيع!
- أرض العبور الجديدة وانحيازات الرئيس والانتخابات
- ما قرره الرئيس وما نفذه الوزير في القادسية والأمل!
- التراث اللامادي: مقاربة التدافع الحضاري
- تصريح وزير الإسكان ومستشاري السوء وخرق القانون
- الثقافة المصرية ومراكز الأبحاث والترجمة المتكاملة
- مصر: أزمة الصحافة الثقافية وقواعد العمل العام


المزيد.....




- تحت حراسة مشددة.. بن غفير يغادر الكنيس الكبير فى القدس وسط ه ...
- الذكرى الخمسون لثورة القرنفل في البرتغال
- حلم الديمقراطية وحلم الاشتراكية!
- استطلاع: صعود اليمين المتطرف والشعبوية يهددان مستقبل أوروبا ...
- الديمقراطية تختتم أعمال مؤتمرها الوطني العام الثامن وتعلن رؤ ...
- بيان هام صادر عن الفصائل الفلسطينية
- صواريخ إيران تكشف مسرحيات الأنظمة العربية
- انتصار جزئي لعمال الطرق والكباري
- باي باي كهربا.. ساعات الفقدان في الجمهورية الجديدة والمقامة ...
- للمرة الخامسة.. تجديد حبس عاملي غزل المحلة لمدة 15 يوما


المزيد.....

- ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي / الحزب الشيوعي السوداني
- كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها / تاج السر عثمان
- غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا ... / علي أسعد وطفة
- يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي / محمد دوير
- احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها / فارس كمال نظمي و مازن حاتم
- أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة- / دلير زنكنة
- ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت ... / سعيد العليمى
- عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة / حزب الكادحين
- الأنماط الخمسة من الثوريين - دراسة سيكولوجية ا. شتينبرج / سعيد العليمى
- جريدة طريق الثورة، العدد 46، أفريل-ماي 2018 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - حاتم الجوهرى - دولة ما بعد الاستقلال والموجة الثانية من الثورات العربية