أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حاتم الجوهري - التراث اللامادي: مقاربة التدافع الحضاري















المزيد.....

التراث اللامادي: مقاربة التدافع الحضاري


حاتم الجوهري

الحوار المتمدن-العدد: 5614 - 2017 / 8 / 19 - 04:51
المحور: الادب والفن
    


في كل فترة من التاريخ تتطور وتظهر مجموعة من المصطلحات الجديدة يكون لها صفة المركزية، وتعيد صف مجموعة المعارف البشرية وتراكمها من ورائها، فمثلا كان المركز في فترة ما هو مصطلح الحكمة وكان الحكماء لهم السيادة في النموذج البشري ردحا من الزمن، ثم تحول النموذج البشري لتطور مصطلح الفلسفة وكان للفلاسفة مركز واسطة العقد في الظاهرة البشرية، ثم ظهرت مصطلح الأيديولوجيا وكان المُنظِّر وصاحب النظرية هو المركز في ذلك الزمن.. ثم ظهر مصطلح "التنمية البشرية" أو "التنمية الذاتية" ليواكب فترة تاريخية ما.. وهكذا.
وفي الفترة منذ نهاية القرن المنصرم ظهر مصطلح "التراث اللامادي الثقافي" كمركز جديد يناسب سياقه التاريخي، فلو نظرنا للأمر من جهة تاريخ تطور علم الخطاب البشري (إذا كان هناك ما يسمي بذلك فرضا)، لقلنا أن الظاهرة البشرية احتاجت لمصطلح جديد تحوله لمركز لها يناسب المرحلة التاريخية تلك، أو بالأصح قطاع ليس بالقليل من الظاهرة البشرية احتاج ذلك..

العالم المادي، والعالم اللامادي

عندما تم إعلان انتصار النموذج الحضاري المادي الغربي في تمثله الأمريكي الليبرالي، وانكسار التمثل الغربي السوفيتي الشمولي، حدثت أزمة حضارية في العالم، كان تناقض وجود قطبين في العالم، يسمح لبقية دول العالم في أسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية تحديدا، بالتحرك في مساحة الصراع بين القوتين المهيمنتين عالميا، كان التناقض بينها يسمح للدول الأخري بمساحة من الحركة تستعرض من خلالها وجودها عبر أشكال متعددة من التمثلات والمظاهر..
لكن بانسحاب أحد النموذجين الغربيين من الصراع دانت السيادة للنموذج الغربي الآخر، ووصل لمرحلة السيادة الحضارية ما سمي بـ "العولمة"، أو انتشار القوي الناعمة اللامادية الأمريكية عبر العلم والمعرفة والاتصال وتطور مفردات "الخطاب الأمريكي" وسيادتها عبر ذيوع وتبني عادات الأكل والحديث والملابس في دول العالم، هنا شعرت "اليونسكو" كأحد أبنية منظمة الأمم المتحدة الفرعية، والتي خرجت للوجود وخضعت لسيطرة العديد من القوي بعيدا نسبيا عن سيطرة أمريكا ومجموعة من الدول على الأمم المتحدة ذاتها كأداة سياسية تطورت بعد الحرب العالمية الثانية.. فشعرت تلك القوي بالحاجة لآلية ناعمة لمواجهة سيادة النمط الناعم الأمريكي..
وتمثل ذلك في فكرة تخصيص الموارد لحفظ تراث وعادات وموروثات دول العالم، كآلية للصمود في مواجهة سيادة وعولمة النمط الحضاري الأمريكي والتهامه لكل أشكال التنوع والتعدد في الوجود البشري، من هنا ظهرت الحاجة لتطور مصطلح مركزي جديد في "الخطاب البشري" المتراكم عبر التاريخ، وقد كان ذلك في مصطلح "التراث اللامادي".. حيث تحول المصطلح لوسيلة للصمود في وجه فرض النمط الحضاري الأمريكي تحت اسم "العولمة"، ويمكن القول أن مصطلح التراث اللامادي احتوي داخله مجموعة من المجالات والمصطلحات التي كانت لها المركزية في فترات تاريخية سابقة، منها مجالات: الفلكلور، والتراث الشفوي والمرويات، والعادات الشعبية، وفنون الأداء الشعبي..الخ

التراث اللامادي كآلية لمواجهة التكيف والخضوع

الأبنية الهامشية أحيانا ما تكون طفيليات تعيش وينتجها البناء السائد/المركز، وأحيانا ما تكون وسيلة للمقاومة السلبية أو الصمود تختار الهامش بوعي قيمي، لعدم قدرتها على امتلاك وسائل المجابهة المادية والإيجابية، والتراث المصري الشعبي في معظمه ينتمي للنوع الثاني كوسيلة ناعمة غير مباشرة لمقاومة الاحتلال الأجنبي واحتكار السلطة وتوزيع المصالح عبر التاريخ، كما أثبتت العديد من الدراسات في هذا المجال.
وفي كتابي: "المصريون بين التكيف والثورة"، وضعت مقاربة للظاهرة الحضارية متمثلا الحالة المصرية بخصوصيتها، تتمركز حول مصطلح "التكيف" والخضوع للنمط المادي الحضاري السائد وقبوله، ونقيضه في مصطلح "الثورة" والتحول لقوي ناعمة تختار أبنية حضارية هامشية قيمية. والربط بين فكرة الثورة وبين القوي الناعمة أو القيمية أو اللامادية في الحالة المصرية، مرجعه أن النموذج الواقعي المصري عبر التاريخ حتي بناء السد العالي والسيطرة على نهر النيل في القرن الماضي، كان يدعم سيادة نمط مركزي واحد يملك مقومات فرض نمط حضاري واحد بطبيعته.
إنما أشير هنا إلي علاقة مصطلح "التراث اللامادي" بمقاربتي للظاهرة الحضارية بين التكيف والمقاومة، حيث يمكن أن يكون آلية للصمود في ظل دورات الضعف الحضاري، حيث عادة ما تميل الجموع البشرية للتكيف مع النمط السائد أيا كان، ويكون دور النخبة العارفة صاحبة الاختيارات التي غالبا ما تنتمي لـ "القيم الإنسانية الأعلي"، هو الصمود والمقاومة والحفاظ على المختلف وتاريخ الذات الجمعي عبر التأكيد على اختيارات قيمية (لا مادية) متخيلة وغائبة وموروثة.. تقف في وجه الانسحاق والاستلاب الحضاري الذى تمثله العولمة بكل حضورها المادي في هذا السياق.

مصر: الهلالية والتحطيب

لقد "اعتمدت منظمة اليونسكو عام 2003 الاتفاقية الدولية لصون التراث الثقافى اللامادى التى وقعت عليها مصر 2005 وحددت الاتفاقية مجالات التراث اللامادى في موضوعات: التقاليد واشكال التعبير الشفهى ـ فنون وتقاليد اداء العروض ـ الممارسات الاجتماعية والطقوس والاحتفالات ـ المعارف والممارسات المتعلقة بالطبيعة والكون ـ المهارات المرتبطة بالفنون الحرفية والتقليدية". ولقد نجحت مصر في أن تدرج كل من السيرة الهلالية، والتحطيب ضمن التراث اللامادي العالمي، كما جرت تجربة مثمنة في محافظة دمياط لحصر قوائم التراث اللامادي وتصنيفها وفق المجالات التي حددتها اتفاقية منظمة اليونسكو، وهناك عدة مشاريع قائمة ويجري العمل عليها لتدرج ضمن قائمة التراث الثقافي اللامادي العالمي.
ولقد دعمت اليونسكو إنشاء ستة مراكز لحماية التراث اللا مادي، منها أربعة في أسيا توجد في الصين واليابان، وإيران، وكوريا، وواحد في أوربا يوجد في بلغاريا، وواحد في أمريكا اللاتينية يقع في بيرو ، ومؤخرا تم الاتفاق على إنشاء مركز في إفريقيا لحماية التراث اللامادي يكون في الجزائر، بالإضافة للمركز المقام في البرازيل لحماية التراث الثقافي المادي وغير المادي على السواء.. ويمكن لمصر بما تحويه من تراث ثقافي لا مادي متنوع للغاية التقدم لليونسكو لإنشاء مركز خاص بها يكون هو المركز الثاني في أفريقيا.

خاتمة

يمكن للثقافة أن تسير في طريقين متوازيين في الدورة الحضارية عامة، الأول يكمن في العمل الإيجابي والمبادرة والبحث عن سيناريوهات المستقبل والعمل كرافعة تستكشف طريق المجتمع وتختبر احتمالاته وفرص نهضته واستعادته لذاته المتفوقه. والثاني يكمن في فكرة التأمين أو الدفاع وتحصين الذات في ظل فترات الضعف وغياب النموذج الحضاري القوي المعبر عن الأمة، عبر حفظ ذاكرة الأمة وعاداتها وتقاليدها ومروياتها.. وهو ما أصبح ينتظم حديثا ويدرج تحت مفهوم "التراث اللامادي الثقافي".







الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تصريح وزير الإسكان ومستشاري السوء وخرق القانون
- الثقافة المصرية ومراكز الأبحاث والترجمة المتكاملة
- مصر: أزمة الصحافة الثقافية وقواعد العمل العام
- للسيد الرئيس: عن القادسية وعبور البلاد الجديد
- عبور الوزير بين القادسية والأمل
- المعارك المفتعلة والحق الضائع في أرض القادسية
- سارتر والدور المزدوج فى الثقافة الصهيونية
- العبور الجديدة وأزمة المسئولية السياسية
- مستويات التعامل مع نصوص الفلسفة السياسية: تأملات سارتر لليهو ...
- سارتر والصهيونية ومعارك الديناصورات القديمة
- سارتر وبنيته الوجودية لتبنى الصهيونية
- نبوءة خراب الصهيونية: مدخل الفكرة والفكرة النقيض
- اليهودى الأبيض أم اليهودى الأصفر فى إفريقيا!
- البطل المتكيف ونظرية الفن فى الدراما المصرية
- نقد مقاربة سارتر للمسألة اليهودية: الشعب الترانسندنتالى
- الحرية الحائرة: سارتر بين الصهيونية والعرب
- متى تعامل لينين مع الصهيونية كطليعة ماركسية: فى مراجعة المسل ...
- المصريون وعلم نفس التحرر: أزمة الموضوعية والذاتية
- رد مزاعم الاستلاب للصهيونية: يوسف زيدان وواقعة الإسراء نموذج ...
- قبل الانفجار: أزمة الذات الافتراضية وتحول آليات التواصل الاج ...


المزيد.....




- “رسميا من هنا” وزارة التربية العراقية تحدد جدول امتحانات الس ...
- افتتاح الدورة الثانية لمسابقة -رخمانينوف- الموسيقية الدولية ...
- هكذا -سرقت- الحرب طبل الغناء الجماعي في السودان
- -هاو تو تراين يور دراغون- يحقق انطلاقة نارية ويتفوق على فيلم ...
- -بعض الناس أغنياء جدا-: هل حان وقت وضع سقف للثروة؟
- إبراهيم نصرالله ضمن القائمة القصيرة لجائزة -نوبل الأميركية- ...
- على طريقة رونالدو.. احتفال كوميدي في ملعب -أولد ترافورد- يثي ...
- الفكرة أم الموضوع.. أيهما يشكل جوهر النص المسرحي؟
- تحية لروح الكاتب فؤاد حميرة.. إضاءات عبثية على مفردات الحياة ...
- الكاتب المسرحي الإسرائيلي يهوشع سوبول: التعصب ورم خبيث يهدد ...


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حاتم الجوهري - التراث اللامادي: مقاربة التدافع الحضاري