أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير - تاج السر عثمان - كتاب كيف نفذ النظام الإسلاموي فصل جنوب السودان؟















المزيد.....



كتاب كيف نفذ النظام الإسلاموي فصل جنوب السودان؟


تاج السر عثمان

الحوار المتمدن-العدد: 6138 - 2019 / 2 / 7 - 10:37
المحور: القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير
    






كيف نفذ النظام الاسلاموي فصل جنوب السودان؟
الفترة : مايو 2004 – يوليو 2011م

الخرطوم : نوفمبر 2013م

المحتويات
الموضوع:
*اتفاقية نيفاشا ومستقبل الشراكة
• حول قانون الصحافة والمطبوعات الصحفية لسنة 2004م
• وثيقة الحقوق في الدستور الانتقالي لعام 2005م
• الشمال والجنوب واحتمالات تجدد الحرب.
• ثم ماذا بعد تجميد الشراكة؟
• حول ابعاد اتفاق حزب الأمة مع المؤتمر الوطني
• ماهي دلالات تمرير قانون الانتخابات بالاغلبية الميكانيكية؟
• حول قرار المدعي العام لمحكمة الجنايات الدولية.
• استغلال الدين في الدعاية الانتخابية.
• مفتاح الحل في يد الجماهير.
• تطورات جديدة في مسار المعركة الانتخابية.
• الأزمة في السودان: الأسباب والمخرج.
• الاستفتاء وضرورة الحل الداخلي.
• مصاعب تواجه الانتخابات في السودان.
• الغاء قانون الأمن واجب الساعة.
• المسكنات لاتجدي في حل الأزمة.
• الوحدة أو الانفصال القسريان هل هما الحل؟
• الوطن في حدقات العيون.
• الوحدة في منظور جون قرنق.
• اما زوال النظام او تمزيق ماتبقي من الوطن.
• اتفاق سلام دارفور وضرورة تأجيل الانتخابات.
• انفصال الجنوب وصندوق بندورا.
• تقرير المصير وتداعياته.
• تفاقم أزمات النظام بعد الانتخابات.
• تفاقم أزمة الحكم في السودان.
• المؤتمر الوطني وتقرير المصير: فاقد الشئ لايعطيه.
• توفرت كل عوامل انهيار النظام.
• ثم ماذا بعد اعلان نتيجة الانتخابات؟
• ثم ماذا بعد مقتل الدكتور خليل ابراهيم؟
• حول أحداث العنف في العاصمة السودانية.
• الانتخابات ومفاوضات الدوحة.
• خطوة في اتجاه انتزاع مطلوبات الانتخابات.
• دارفور : الأزمة ومفتاح الحل.
• سبيل السودان للمخرج من الأزمة.
• جلد الفتاة من علامات نهاية الانقاذ.
• في الذكري الخامسة لاتفاقية نيفاشا.
• قبل ساعات من الاستفتاء.
• قراءة في خطاب اوباما.
• ابيي وقرار محكمة لاهاي.
• قرار محكمة ابيي وتداعيات الصراع.
• قضايا وترتيبات مابعد الاستفتاء.
• لا للعودة لمربع الحرب ومصادرة الحريات.
• لابديل غير العمل الجماهيري.
• لا مخرج من الأزمة الا باسقاط النظام.
• لماذا تأجيل الانتخابات؟
• دروس احداث امدرمان.
• ماهي متطلبات الاستفتاء علي تقرير المصير؟
• مخاطر انفصال جنوب السودان.
• من أجل انتخابات حرة نزيهة.
• هل يصلح العطار ما أفسده الدهر؟؟!!
• هل يمكن أن يكون الانفصال سلسا وجاذبا؟!
• التزوير الفاضح الكبير: والذي خبث لايخرج الا نكدا..
• ومازال التعذيب والاغتيال السياسي مستمرا.
• احداث الفاشر : نصب واحتيال واطلاق النار علي الضحايا!!
• كيف نزيل العقبات أمام الوحدة الطوعية للوطن؟
• الانتخابات وضرورة الخروج من النفق المظلم..
• الديمقراطية مفتاح الحل لأزمة الاستفتاء علي تقرير المصير.
• توحيد الوطن علي اسس طوعية ممكن.
• حول السياسة الأمريكية لمواجهة نتائج الاستفتاء.
• حول دعوة المؤتمر الوطني للحوار.
• حول مبادرة الحزب الشيوعي لتوحيد الوطن.
• حول مصادرة حرية الصحافة والتعبير.
• خيار الانفصال : هل هو المخرج؟
• ضاقت واستحكمت حلقات الأزمة.
• لماذا مقاطعة الانتخابات؟
• من يتحمل مسؤولية الانفصال؟
• مهام الحركة الجماهيرية بعد مقاطعة الانتخابات.
• احتلال ابيي وخطورة العودة لمربع الحرب.
• الاتفاقات مع النظام: هل هي المخرج؟
• لاعاصم للنظام الفاسد من طوفان التغيير.
• حتي لاتتكرر مأساة دارفور الانسانية في جنوب كردفان.
• ويظل باب اعادة توحيد الوطن مشرعا.
• اقترب موعد انفصال الجنوب.
• ثم ماذا بعد إعلان انفصال جنوب السودان.
• اوقفوا الحرب في جنوب كردفان.
• انتفاضة شعب السودان: مهما تأخرت ، فانها آتية..
• وتستمر المقاومة رغم التهديد والوعيد.
• واذا نيران الحرب اندلعت: فكر في اطفائها.
• أزمة احتلال هجليج وتداعياتها
• حتي لا تتكرر تجربة انفصال الجنوب
• خاتمة




تقديم:
يوثق هذا الكتاب لأهم حدث في تاريخ السودان الحديث ، وهو انفصال جنوب السودان وتكوين دولته المستقلة في: 9 يوليو 2011م، من خلال دراسات ومقالات يومية كتبت في الصحف الورقية والالكترونية ، واحاديث لقنوات فضائية، في الفترة: من مايو 2004 الي يوليو 2011م، وهي الفترة التي شهدت التوقيع علي اتفاقية نيفاشا والفترة الانتقالية ومتابعة التنفيذ حتي تم الاستفتاء وانفصال الجنوب. وكان من المفترض أن يتم تنفيذ الاتفاقية وجوهرها الذي يتمثل في التحول الديمقراطي وتحسين الاوضاع المعيشية ورد المظالم والحل الشامل والعادل لمناطق دارفور وجنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق والشرق وبقية المناطق، وقيام دولة المواطنة التي تسع الجميع غض النظر عن الدين او العرق او اللغة او اللون، مما يجعل الوحدة جاذبة في نهاية الفترة الانتقالية ، كما اشارت الاتفاقية، وقبلها كما جاء في وثيقة القضايا المصيرية التي اجازها التجمع الوطني الديمقراطي في اسمرا 1995م، ولكن نظام الاسلام السياسي الحاكم ابي واستكبر ، وعطل تنفيذ الاتفاقية كما توضح الدراسات والمقالات، وكما قال الشاعر ابو الطيب المتنبئ (915 – 965 م) :
ما كل ما يتمني المرء يدركه ... تجري الرياح بما لا تشتهي السفن.
وكان انفصال الجنوب ، ويتابع الكتاب: كيف و لماذا حدث الانفصال؟ ، ويوثق للدور الذي لعبه نظام الإسلام السياسي بالتعاون مع أمريكا في فصل جنوب السودان، واشعاله للحروب المدمرة في البلاد التي ما لم يطفئها عقلاء قوم يكون حصادها تمزيق ما تبقي من الوطن، بحيث يصبح ضرورة اسقاط هذا النظام ،وقيام دولة المواطنة التي تسع الجميع غض النظر عن الدين أو العرق أو اللغة، أو الثقافة والتي تمهد للتعايش في سلام وحسن جوار مع دولة الجنوب الوليدة وتفتح الطريق في المستقبل لاعادة توحيد الوطن علي اسس طوعية وديمقراطية.
تاج السر عثمان
23/ ديسمبر/ 2014م

مقدمة:
الجذور التاريخية لمشكلة الجنوب
عند تناول مسألة جنوب السودان، فإن اللافت للنظر ذلك التباين في أنماط الإنتاج وسبل كسب العيش والتباين القبلي والسياسي والثقافي والديني واللغوي.
ولا يمكن القول، أن الجنوب يمثل مجموعة متناسقة موحدة من القبائل، وبالتالي يصعب الحديث عن قومية واحدة في الجنوب. شقت قبائل وشعوب الجنوب طريقها المعقد والطويل من حياة بدائية كانت تقوم علي التقاط الثمار والصيد حتى شهدت تلك القفزة باكتشاف الزراعة وتربية الحيوانات.
علي أن قبائل الجنوب لم تتطور تطوراً باطنياً طبيعياً إلي مستوي تكوين الممالك والسلطنات التي توحد مجموعة قبائل ، كما حدث في سلطنات الفونج والفور ومملكة تقلي ، لقد قطع الاستعمار التركي التطور الطبيعي والباطني لتلك الشعوب والقبائل .
ومعلوم أنه قبل عام 1821م كان سودان وادي النيل عبارة عن حلقات متصلة من حضارات وممالك بدءأً من حضارة المجموعات ومملكة كرمة ومملكتي نبتة ومروي والممالك النوبية المسيحية (نوباطيا ، المقرة ، علوة) والممالك الإسلامية (الفونج ، الفور ، تقلي ... الخ).
ومع بداية الاستعمار التركي المصري تم التكوين الحديث للسودان بعد سقوط سلطنة الفونج وضم كردفان وإقليم التاكا وسواكن ودارفور وكذلك تم التوغل في جنوب السودان نتيجة لعوامل مختلفة أهمها :-
- تحقيق أهداف محمد علي باشا من فتح السودان بجلب أكبر عدد من الرقيق إلي مصر.
- نشاط الرحالة الأوربيين لإكتشاف منابع النيل مثل الرحالة (سبيك ، صمويل بيكر ... الخ) .
- نشاط التجار والمغامرين الأوربيين والمصريين والسودانيين وغيرهم لتحقيق أكبر قدر من الأرباح من تجارة العاج والرقيق وريش النعام والتجارة في جنوب السودان واستمر التوغل في الجنوب حتى برزت المعالم الأساسية لمديرياته الثلاث : مديرية بحر الغزال ، مديرية أعالي النيل ، المديرية الاستوائية ، تلك التي أصبحت فيما بعد جزءاً من السودان .
بهذا الشكل المأساوي والدموي تكون السودان الحديث بعد غزو محمد علي باشا للسودان.
لقد قاومت قبائل وشعوب الجنوب بالكفاح المسلح غزو الاستعمار التركي وتجارة الرقيق ودافعت بشراسة عن كيانها ضد اقتلاعها من جذورها في حملات تجارة الرقيق.
وعندما قامت الثورة المهدية في أيامها الأولي نهضت قبائل الجنوب في تحالف مع قبائل الشمال ضد المحتل التركي وكان هذا تعبيراً بشكل من الأشكال عن الكفاح والنضال المشترك ضد المستعمر ، وبداية لتفاعل تلك القبائل ولشعورها بأنها جزء من كيان واحد كبير هو السودان ولم تنحصر مقاومة الحكم التركي في القبائل التي كان لها تماس مع القبائل العربية والمسلمة ، بل شملت القبائل النيلية مثل الدينكا والشلك ، وتشير المصادر التاريخية إلي أن تلك القبائل أسهمت في الثورة المهدية في ساعاتها وأيامها الأولي .
كما قاومت قبائل الجنوب استبداد وعسف الخليفة عبد الله في سنواته الأخيرة وعلي سبيل المثال تمرد الشلك الذين أرسل إليهم الخليفة بتأدية عشر محصول المنطقة عندما اجتاحت مجاعة 1306هـ . امتنع الملك (الرث) عمر عن إرسال المحاصيل التي طلبها الخليفة متعللاً بأنه لا يخضع للخليفة ، أبدي الخليفة استياءه من تصرف زعيم قبيلة الشلك واعتبر موقفه ذلك عصياناً فجهز جيشاً بقيادة الزاكي طمل في عام (1890م – 1891م) ، حشد الملك عمر جيشاً للدفاع عن بلاده ، غير أن الزاكي طمل شن عليه هجوماً خاطفاً انهزم علي أثره الشلك ، كما قتل الملك عمر وأرسلت رأسه إلي الخليفة في أم درمان ، ثم قام الزاكي طمل بمصادرة أعداد هائلة من الماشية وقام بإرسالها إلي العاصمة ، مكث الزاكي طمل فترة من الوقت بعد تلك المذبحة التي قام بها في فشودة (عاصمة الشلك ، بلدة كدوك حالياً) ، والتي تركت في نفوس الشلك والقبائل المجاورة لهم شعوراً بالمرارة (عزام أبو بكر علي الطيب : العلاقة بين الخليفة عبد الله التعايشي وقبائل السودان ، دار جامعة الخرطوم ، 1992م ، ص 122 -123) .
فترة الاستعمار البريطاني (1898 - 1956) م :
في السنوات الأولي للحكم البريطاني ، قاومت قبائل الجنوب الحكم الجديد ، ورفضت دفع ضريبة الدقنية المذلة للكرامة الإنسانية ، ولم يتم إخضاع قبائل الجنوب إلا في عام 1932م ، وبعد اندلاع ثورة 1924م واشتراك أبناء الجنوب في قيادة الثورة ، عمل الاستعمار علي عزل قبائل الجنوب عن الشمال وشرع في تنفيذ قانون المناطق المقفولة الذي وُضع عام 1922م لتعميق الفوارق الثقافية والدينية والأثنية بين الشمال والجنوب تمهيداً لإضعاف الحركة الوطنية والشعور القومي الموحد ولفصل الجنوب عن الشمال ، وخاصةً أن الاستعمار البريطاني توجس خيفة من أن بعض قادة ثورة 1924م كانوا من قبائل الجنوب ، وبالتالي عرقل الاستعمار التطور السياسي والاقتصادي والثقافي لقبائل وشعوب الجنوب ، مما كان له الأثر في تمرد 1955م مع أسباب أخرى .
ورغم جهود الاستعمار في تعميق الفوارق بين الشمال والجنوب مثل : قانون المناطق المقفولة ، السياسة اللغوية في مؤتمر الرجاف 1928م (جعل اللغة الإنجليزية لغة رسمية) ، انفراد المبشرين بالتعليم في الجنوب حتى بداية الحكم الذاتي ، عدم المساواة بين الموظفين الشماليين والجنوبيين ، رغم تلك الجهود إلا أن مؤتمر جوبا عام 1947م ، ورغم تدخل وضغوط الإداريين الإنجليز جاء ليؤكد رغبة الجنوبيين في الوحدة مع الشمال وقيام مجلس تشريعي واحد في السودان .
ومع اشتداد عود الحركة الوطنية بعد الحرب العالمية الثانية وفي أواخر الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي وظهور مؤتمر الخريجين والأحزاب السياسية ، نال الجنوبيون بعض حقوقهم مثل :-
1. الحقوق والحريات الديمقراطية والمدنية .
2. كسر طوق المناطق المقفولة .
3. المشاركة في الانتخابات البرلمانية .
4. الأجر المتساوي للعمل المتساوي بين الموظفين الشماليين والجنوبيين .
5. زيادة في التعليم والخدمات الصحية والاجتماعية.
6. قيام بعض مشاريع التنمية مثل مشروع الزاندي الذي توقف بعد تمرد 1955م .
بعد الاستقلال :-
مع بداية الاستقلال كان وعد الأحزاب الحاكمة للجنوبيين بالفيدرالية في أول برلمان سوداني ولم يتم وفاء بذلك العهد والوعد وعلي سبيل المثال جماعة بولين الير (1954م – 1955م) التي وثقت بشكل مطلق في الحزب الوطني الاتحادي الذي لم ينجز وعودها ومطالبها التي كانت تتلخص في الأتي :-
- التنمية الاقتصادية ، الأجر المتساوي للعمل المتساوي مناصب معقولة في السودنة ، إلغاء ضريبة الدقنية ... الخ. وكان ذلك أسباب تمرد 1955م .
وخلال ديكتاتورية الفريق عبود (1958م – 1964م) ، كانت هناك مصلحة للجماهير في الشمال والجنوب في إسقاط النظام العسكري الذي قهر الشمال وبشكل أفظع الجنوب ، وفشلت ديكتاتورية عبود في فرض الحل العسكري ، وفرض الإسلام واللغة العربية بوسائل قسرية ، وكانت النتيجة هي تعميق المشكلة واتساع رقعتها بدلاً من حلها .
واستمرت المقاومة في الشمال والجنوب حتى قامت ثورة أكتوبر 1964م التي كانت مشكلة الجنوب أحد أسبابها الأساسية وبعد ثورة أكتوبر انعقد مؤتمر المائدة المستديرة ، والذي كان تعبيراً عن الرغبة في حل سلمي ديمقراطي للمشكلة ورغم فشل المؤتمر ، إلا أنه كان خطوة هامة لتعرف الأحزاب الشمالية والجنوبية علي أفكار بعضها البعض من خلال الحوار .
وبعد انقلاب 25 مايو 1969م فشل النظام الشمولي في حل مشكلة الجنوب رغم اتخاذ التدابير الآتية :-
- بيان 9 يونيو 1969م ، الذي أكد علي ضرورة الاعتراف بالفوارق بين الشمال والجنوب والحل السياسي الديمقراطي للمشكلة ، إلا أن نقطة الضعف أو كعب أخيل ، كان النظام الشمولي الديكتاتوري الذي لم يوفر أبسط مقومات الحل السلمي الديمقراطي وهي الديمقراطية ، أي أن الحل جاء بواسطة انقلاب عسكري صادر الديمقراطية والحريات الأساسية في الشمال والجنوب فكيف يقدم هذا النظام حلاً ديمقراطياً سلمياً للمشكلة ؟!
- اتفاقية أديس أبابا في مارس 1972م ، رغم ترحيب أهل السودان والدوائر الخارجية بوقف نزيف الدم الذي استمر لأكثر من 17عاماً ، إلا أنها كانت تحمل عناصر فنائها في داخلها وهي أنها صادرة من نظام ديكتاتوري شمولي غير مؤتمن علي المواثيق والعهود لإفتقاره للشرعية ولغياب الديمقراطية وسيادة حكم الفرد .
فكانت النتيجة أن انفجر التمرد مرة أخري في 1983م وبشكل أوسع من التمرد السابق الذي انفجر وبدأ في أغسطس 1955م .
وبعد انتفاضة مارس – أبريل 1985م ، كانت هناك مقترحات الحلول المختلفة التي صدرت من الأحزاب والهيئات والأفراد مثل مبادرة (الميرغني - قرنق) وكادت أن تؤدي لحل المشكلة لو لا أن قطعها انقلاب الاسلام السياسي في 30 يونيو 1989م فزاد الجرح عمقاً والخرق اتساعاً في حرب لا تبقي ولا تذر لواحة البشر ، لم يشهد لها تاريخنا السابق من ناحية الخسائر ونزيف الدم والتكاليف الباهظة لتلك الحرب علي حساب المواطنين وخدمات التعليم والصحة وتوقف التنمية مما أدي لانفصال الجنوب.
كما أن مقترحات الحلول التي قدمها نظام الإنقاذ مثل (الحكم الفيدرالي) ومبادرة السلام السودانية ، والتي ولدت ميتة لأنها افتقرت لأبسط مقومات الحل وهو الديمقراطية والحقوق والحريات الأساسية في الشمال والجنوب ، وأخيراً تم توقيع اتفاقية السلام في نيفاشا بتاريخ 26/5/2004م .
وهذا مدخلنا لمتابعة مسار التنفيذ حتي انفصال الجنوب كما يرد في المقالات والدراسات موضوع هذا الكتاب.

1
اتفاقية نيفاشا ومستقبل الشراكة

لاشك في أن توقيع اتفاق نيفاشا للسلام كان انجازا مهما أوقف نزيف الحرب بين الشمال والجنوب الذي استمر لحوالى 22 عاما ، وفتح الطريق لمواصلة الصراع من اجل التحول الديمقراطي وتحسين احوال الناس المعيشية وتوحيد البلاد على اسس طوعية ، ورفع المظالم والضرر الذي لحق بالمواطنين خلال السنوات الماضية ، وأهمهااستعادة حقوق الالاف من ضحايا الفصل التعسفي من العمل من المدنيين والعسكريين .
المتابع لمسار تنفيذ اتفاقية نيفاشا حتى الآن ، يلحظ انه تم تنفيذ الهياكل الحكومية والدستورية التى اشارت لها الاتفاقية مثل اجازة الدستور الانتقالي لعام 2005 م ، تعيين النائب الاول والثاني ، تكوين حكومة الوحدة الوطنية ، المجلس الوطني ، مجالس الولايات ، نائب رئيس حكومة الجنوب ، المجلس التشريعي الانتقالي لجنوب السودان ، الدستور الانتقالي للجنوب ، دساتير الولايات ، حكومات الولايات ، بعثة التقديرات المشتركة JAM ، صندوق المانحين ، المفوضية القومية للبترول ، مفوضية التقويم ، المفوضية السياسية لوقف اطلاق النار ، المفوضية القومية للخدمات القضائية ، المحكمة الدستورية ، مجلس ادارة بنك السودان ، اصدار العملة الجديدة ، ..... الخ .
ولكن مسار التنفيذ حتى الان يتعلق بالشكل لا الجوهر ، لأن الركائز الأساسية التى قامت عليها اتفاقية السلام لم يتم فيها شئ مثل : التحول الديمقراطي والغاء القوانين المقيدة للحريات التى تتعارض مع الدستور الانتقالي ، ويعتبر ذلك جزءا هاما من اتفاقية نيفاشا ، كما جاء في الفقرة ( 2 – 15 ) من بروتوكول مشاكوس ( التحول الديمقراطي يعنى الانتقال بالسودان الى حكم يفسح المجال لكل القوى السياسية وينهى كل مظاهر الشمولية خلال فترة انتقالية يحكمها دستور يصون الحقوق الانسانية والسياسية لجميع شعب السودان ، وتم تضمين ذلك في الدستور الانتقالي ).
ومن القضايا الجوهرية الثانية والتى تعتبر ركيزة هامة لنجاح الاتفاق معالجة التدهور الاقتصادي والاجتماعي وتحسين احوال الناس المعيشية ، وهذا المطلب مازال بعيد المنال ، رغم النص عليه في اتفاق نيفاشا الفقرة ( 2 – 5 – 1 ) والذي جاء فيها :
( ايجاد حل شامل يعالج التدهور الاقتصادي والاجتماعي في السودان ، ويستبدل الحرب ليس بمجرد السلام ، بل ايضا بالعدالة الاجتماعية والاقتصادية التى تحترم الحقوق الانسانية والسياسية الأساسية لجميع الشعب السوداني ) .
ويعتبر هذان مطلبان هامان للجماهير ، فبدون تحقيقهما يظل الاتفاق منقوصا ، وقد أشار د . منصور خالد لذلك في مقالات نشرها في صحيفة الرأى العام ( 24 / 3 / 2007 م ) بقوله :
( المواطن في الجنوب ينتظر عائدات السلام ، على رأسها الأمن والتنمية بشكل ملحوظ ، فلن يرى المواطن الجنوبي معنى للسلام ، ناهيك أن يعنى بأمر الوحدة ، وتلك مسئولية حكومة الجنوب والحكومة القومية ) .
هذا وقد لخص الممثل الخاص للأمين العام السابق – برونك – في بيانه الى مجلس الأمن الاوضاع في جنوب السودان والذي أشار فيه الى :
- خطر المجموعات المسلحة الذي يشكل تهديدا .
- استمرار حدة العنف : النزاعات القبلية ، النزاعات حول الأرض والماء ، نهب الماشية ، انتشار السلاح ، والمعارك الدائرة بين المستوطنين والرحل ، البطالة بين الشباب وانتشار الجريمة ، انعدام الانضباط بين الجنود الذين لم تدفع رواتبهم ، بالاضافة الى وجود مجموعات مسلحة أخرى ، وجيش الرب .
- احتياج لمساعدات دولية لتدريب الجيش الشعبي ليصبح جيشا مهنيا وديمقراطيا .
- يظل جنوب السودان في حاجة ماسة لاعادة البناء والحصول على المساعدات التنموية ، وقد اجبر انعدام الخدمات الأساسية مثل : الماء ، والصرف الصحى ، والرعاية الصحية والتعليم الناس على التشكيك فيما يحمله السلام من اختلاف في حياتهم وحياة اطفالهم .
- ويختم حديثه عن الجنوب بقوله : يظل مواطنو جنوب السودان يعيشون في فقر ينفطر له القلب . ( الايام : 26 / 9 / 2006 ) .
صحيح أن الاتفاقية اوقفت الحرب التى استمرت لاكثر م 22 عاما ، وهذا شئ ايجابي ، ولكن السؤال ماهى ضمانات استمرارية السلام ؟
أول هذه الضمانات تنفيذ الاتفاقية وماجاء في وثيقة حقوق الانسان في الدستور الانتقالي ، وانجاز التحول الديمقراطي بالغاء كل القوانين المقيدة للحريات والتى تتعارض مع الدستور الانتقالي .
ثانيا : توفير احتياجات الناس الأساسية في الشمال والجنوب ( التعليم ، الصحة ، الخدمات ، تحسين الاوضاع المعيشية ، ... الخ )
ثالثا : شمول الاتفاقية لتشمل كل مناطق السودان الاخرى ، وعقد المؤتمر الجامع للانتقال من الثنائية الى الحل الشامل .
رابعا : التنمية التى تجعل الناس يحسون بأن تغييرا حقيقيا تم في حياتهم .
بدون تحقيق هذه الاضلاع الاربعة ، سوف يستمر تدهور الاوضاع ،والتى قد تؤدى الى تجدد الحرب مرة اخرى ، وتتكرر تجربة انهيار تجربة اتفاقية اديس ابابا والتى كان من اسبابها الثنائية ، عدم التحول الديمقراطي ، تدهور الاوضاع المعيشية في الشمال والجنوب .
صحيح أن اتفاقية نيفاشا محاطة بضمانات دولية كثيفة ، ولكن العامل الحاسم الضمانات الداخلية التى تمثلها الاضلاع الاربعة المشار اليها سابقا .
اذا تأملنا في حصاد العامين الماضيين من مسار تنفيذ الاتفاقية ، نلاحظ استمرار المؤتمر الوطني في نهجه الشمولي رغم تغير الاوضاع مثل انتهاكات حقوق الانسان التى تتمثل في اطلاق النار على المظاهرات السلمية : البجا في بورتسودان ، امرى ، الطلاب ، قمع المظاهرات السلمية ضد الزيادات في الاسعار وموكب المفصولين ، كبت حرية التعبير والرقابة على الصحف ، قمع احتجاجات المواطنين في مناطق السكن العشوائي على الازالة غير الانسانية لمساكنهم ، ..... الخ .
تدهور الاوضاع المعيشية ويتجلى ذلك في ميزانيتى العامين 2006 ، 2007 ، والتى تم فيهما افقار الشعب السوداني ، اضافة للزيادات في الاسعار والجبايات وعدم دفع استحقاقات العاملين ، وكان من نتائج ذلك موجة الاضرابات الواسعة للعاملين والموظفين والمعلمين والتجار واصحاب البصات السفرية ، كما واصلت السلطة حملات تشريد العاملين واساتذة الجامعات بعد القرار التعسفي بالاستغناء عن الاساتذة الذين بلغوا سن ال65 عاما .
كما استحكمت حلقة الازمة مع المجتمع الدولي بسبب ازمة دارفور وتسليم المطلوبين لمحكمة الجنايات الدولية ، وانهيار اتفاق ابوجا ، وتعثر تنفيذ اتفاق الشرق ، وعدم تنفيذ اتفاق القاهرة . اضافة لمقاومة متضررى سد مروى ومطالبهم بالحلول العادلة لقضيتهم ، مقاومة معارضي سد كجبار في اقصي الشمالية ، ونهوض كيان الوسط ، وكيان كردفان للتنمية من اجل تحقيق مطالبهم العادلة في التنمية واقتسام السلطة والثروة ، وانفجار الاوضاع في جنوب كردفان والنيل الأزرق ، وشكوى الحركة الشعبية من تهميشها في الشراكة مع المؤتمر الوطني .
كما أن المؤتمر الوطني مازال يعرقل تنفيذ الاتفاقية ، حتى الآن لم يحرز اى تقدم في موضوع ابيي والتى تعتبر المحك لنجاح الاتفاقية ، ونتيجة لذلك ظلت ابيي بلا أية شرطة رسمية أو خدمات صحية أو طبية عامة ، كما ظل الطرفان ( المؤتمر الوطني والحركة الشعبية ) غير متفقين حول وضع المفوضية القومية للنفط ، كما أن حساب عائدات البترول وتوزيعها يفتقر الى الشفافية المطلوبة لضمان عدالتها ودقتها . وماتزال مسألة ترسيم الحدود بين الشمال والجنوب دون حل . كما أن اللجنة السياسية لوقف اطلاق النار لم تحل حتى موضوع من المواضيع التى احالتها اليه اللجنة العسكرية لوقف اطلاق النار . ( الايام : 26 / 9 / 2006 ) .
وبالتالى ، فان الخطر على الاتفاقية اصبح واضحا من المؤتمر الوطني الذي يتحمل المسئولية الاساسية في عرقلة التنفيذ ، وهذا وضع يهزم كل الوعود التى بشرت بها الاتفاقية في التحول الديمقراطي والوحدة الجاذبة ، والتنمية وتحسين احوال الناس المعيشية . واذا استمرت الاوضاع بتلك الحالة والتى تم فيها افراغ الاتفاقية من محتواها ، فان مستقبل الشراكة يصبح قاتما ، مما يتطلب مواصلة النهوض الجماهيري من اجل انتزاع التحول الديمقراطي وتحسين احوال الناس المعيشية والحل الشامل لأزمة دارفوروبقية اقاليم السودان وتحقيق التنمية المتوازنة باعتبار ذلك الشرط لوحدة وازدهار البلاد .

مايو2007م

2
حول قانون الصحافة والمطبوعات الصحفية لسنة 2004 م


كما هو ، معروف ، فقد كفل دستور السودان الانتقالي لسنة 2005 م حرية التعبير والاعلام ، جاء في المادة (39 ) من الدستور الانتقالي ما يلي :
39 - 1 : لكل مواطن حق لايقيد في حرية التعبير وتلقي ونشر المعلومات والمطبوعات والوصول الى الصحافة دون مساس بالنظام والسلامة والاخلاق العامة ، وذلك وفقا لما يحدده القانون .
39 - 2 : تكفل الدولة حرية الصحافة ووسائل الاعلام الأخرى وفقا لما ينظمه القانون في مجتمع ديمقراطي .
39 - 3 : تلتزم كافة وسائل الاعلام باخلاق المهنة وبعدم اثارة الكراهية الدينية أو العنصرية
أو الثقافية أو الدعوة للعنف أو الحرب .
وبالتالي يصبح من الملح تعديل قانون الصحافة والمطبوعات الصحفية لسنة 2004 م ليتوافق مع الدستور الانتقالي ، واصدار قانون ديمقراطي للصحافة لا يتعارض مع الدستور ، لأن الأصل في المجتمع الديمقراطي أن قانون الصحافة هو للضبط الذاتي وليس عقابيا ، وهذا يتطلب ايضا الغاء جميع القوانين المقيدة للحريات والتى مازالت سارية المفعول . وعلي سبيل المثال ، تم انتهاك حرية التعبير والاعلام بتكثيف الرقابة على الصحف واغلاق صحيفة السوداني واعتقال رئيس تحريرها الاستاذ محجوب عروة والاستاذ عثمان ميرغني ، بالاستغلال السئ للمادة (130 ) ، كما تم أخيرا اعتقال اربعة صحفيين وهم : قذافي عبد المطلب ( الايام ) ، ابوعبيدة عوض ( رأى الشعب ) ، ابوالقاسم فرحنا ( الوان ) ، الفاتح عبد الله ( السوداني ) في مهمة هى من صميم عملهم المهنى تتعلق بتغطية احداث سد كجبار المؤسفة ، وهذا تقييد واضح لحرية الصحافة والتعبير ، هذا فضلا عن انتهاك حق الحياة الذي كفله الدستور الانتقالي ، باطلاق الرصاص على احتجاجات سلمية كفلها الدستور الانتقالي ، مما أدى الى استشهاد أربعة مواطنين وهم : محمد فقير دياب ، شيخ الدين حاج احمد ، عبد المعز محمد عبد الرحيم ، الصادق سالم .
كما اشرنا سابقا ، ان قانون الصحافة لسنة 2004 يتعارض مع الدستور الانتقالي ، فهو يستند على احكام المادة 90 - 1 من دستور 1998 م الذي ما عاد موجودا بعد اجازة الدستور الانتقالي ، ومن الامثلة على القيود في قانون 2004 م :
- المادة 23 : 1 - 2 ، حددت حق اصدار الصحف والنشرات والمطبوعات الصحفية في : الشركات المسجلة وفقا لقانون 1925 ، التنظيم السياسي المسجل ، الهيئات الاجتماعية أو المؤسسات العلمية أو الوحدات الحكومية لتطوير النشاط العلمي أو التخصصي ، الجاليات الاجنبية .
- المادة 25 : حددت شروط اصدار الصحيفة بالآتي : ايداع مبلغ من المال في حساب مصرفي مستقل يحدده المجلس في لائحة تطوير العمل الصحفي مع التعهد بعدم الصرف لغير اغراض الاصدار ويجوز للمجلس بقرار منه رفع الحد الأدني للايداع متى اقتضت الظروف أو المصلحة ذلك ، اضافة للتعاقد مع كافي من الصحفيين ، المقر الذي تحدد الوائح مواصفاته ، مركز للمعلومات .. الخ ، وجاءت اللوائح لتضع قيودا مستحيلة لاصدار صحيفة مثل : توفير 150 مليون جنية ، اربعة اجهزة كمبيوتر ، 3 عربات ، عشرة صحفيين بعقد ، مقر بمواصفات محددة ، اسم للشركة المالكة ... الخ ، وهى قيود مستحيلة الا للقادرين.
المادة : 34 : 1 - 2 : تحظر استيراد المطبوعات الصحفية الأجنبية الا بترخيص ، كما شدد القانون على العقوبات في المادة 37 - 1 مثل الغرامة ، ايقاف الصحيفة ، شطب الصحفي من السجل ، الغاء التراخيص ، مصادرة المطبوعات والمطابع في حالة تكرار المخالفة ، اضافة للمحاكم الايجازية في المادة : 38 - 1 .خلاصة القول ، ان قانون الصحافة للعام 2004 م ، ماعاد مواكبا للمتغيرات التى حدثت في البلاد بعد توقيع اتفاقية نيفاشا للسلام والدستور الانتقالي لسنة 2005 ، وبالتالي ، لابد من الغاءه ، واستبداله بقانون ديمقراطي للصحافة يشترك الصحفيون في اعداده وتكون أهم معالمه الآتي :
- لايضع قيودا على الملكية ، اذ من حق اى كائن ( فرد أو شركة أو حزب مسجل أو غير مسجل ، أو جمعية أو اتحاد ، ...) ، أن يصدر صحيفة ، على أن يكون الحكم في استمرار الصحيفة هو الجمهور أو السوق ..
- يتم الاتفاق على ميثاق اخلاقي ومهني يتواثق عليه الصحفيون للعمل الصحفي .
- هذا القانون الديمقراطي للصحافة يتمشي مع الدستور الانتقالي واالتحول الديمقراطي ومواثيق حقوق الانسان التى كفلت حرية النشر والتعبير والصحافة .
لقد اصبح ذلك ضروريا ، ولاسيما ، أن البلاد مقبلة على معركة انتخابية تتطلب حرية التعبير والاعلام وحق الجميع في الفرص المتساوية في اجهزة الاعلام لعرض برامجهم للجمهور ، والغاء جميع القوانين المقيدة للحريات وقومية الاعلام ، اضافة لضمان نزاهة الانتخابات عن طريق رقابة دولية فعّالة ، واشراك الاحزاب في كل مفاصل العملية الانتخابية ، وبالتالي من المهم تحقيق حرية التعبير والاعلام فعلا لا قولا .
أغسطس 2007م

3
وثيقة الحقوق في الدستور الانتقالي لعام 2005 م :
التناقض بين المثال والواقع
معلوم أن وثيقة الحقوق تشكل الباب الثاني من دستور جمهورية السودان الانتقالي لعام 2005 م ، وهي تتكون من 22 مادة ( من المادة 27 الى المادة 48 ) ، وهى على التوالي : ماهية وثيقة الحقوق ، الحياة والكرامة الانسانية ، الحرية الشخصية ، الحرمة من الرق ، المساواة امام القانون ، حقوق المرأة والطفل ، الحرمة من التعذيب ، المحاكمة العادلة ، الحق في التقاضي ، تقييد عقوبة الاعدام ، الخصوصية ، حرية العقيدة والعبادة ، حرية التعبير والاعلام ، حرية التجمع والتنظيم ، حق الاقتراع ، حرية التنقل والاقامة ، حق التملك ، الحق في التعليم ، حقوق الاشخاص ذوى الحاجات الخاصة والمسنين ،الرعاية الصحية العامة ، المجموعات العرقية والثقافية ، حرمة الحقوق والحريات .
ورغم حقوق الانسان التى كفلتها الوثيقة كما أشارت في المادة 27 - 3 : تعتبر كل الحقوق والحريات المضمنة في الاتفاقيات والعهود والمواثيق الدولية لحقوق الانسان والمصادق عليها من قبل جمهورية السودان جزءا لايتجزأ من هذه الوثيقة . رغم ذلك ، الا انه هناك مفارقة كبيرة بين ما جاء في الوثيقة والواقع ، فالبنية العلوية الشمولية مازالت سائدة رغم صدور الوثيقة والواقع الجديد الذي نشأ بعد توقيع اتفاقية نيقاشا للسلام والتى كان من نتائجها تلك الوثيقة التى تم تضمينها الدستور الانتقالي ، فالوثيقة خضراء والواقع مظلم ، فالقوانين المقيدة للحريات مازالت سائدة وتفرغ الوثيقة من محتواها .
فاذا أخذنا على سبيل المثال المادة 28 بعنوان : الحياة والكرامة الانسانية ، والتى جاء فيها ( لكل انسان حق اصيل في الحياة والكرامة والسلامة الشخصية ، ويحمى القانون هذا الحق ، ولايجوز حرمان اى انسان من الحياة نعسفا ) ، نجد انه منذ توقيع اتفاقية نيفاشا في يناير 2005 م تم انتهاك هذا الحق باطلاق النار على مظاهرات سلمية في بورتسودان وامرى وكجبار مما ادى الى وفاة بعضهم ، وهذا لاشك انتهاك صريح لحقوق الانسان ولوثيقة الحقوق ولحق الحياة التى كفلتها ، والمثال الثاني انتهاك المادة 33 بعنوان الحرمة من التعذيب والتى تنص ( لايجوز اخضاع احد للتعذيب أو معاملته على نحو قاس أو لاانساني أو مهين ) ، وعلى سبيل المثال الحادث الاخير لتعذيب اثنين من المزارعين من مواطني قرية ود جريو بمنطقة اللدين شرق الدويم وهما الامين عبد الباقي البشرى وعلى احمد بخيت بسبب رفضهم مع السكان بدء العمل في مشروع زراعي دون تعويضهم تعويضا مجزيا .
والمثال الثالث المادة 40 - 1 : التى كفلت الحق في التجمع السلمي ، التى تم انتهاكها بالتصدى بالقمع لموكب الزيادات في الاسعار وموكب المفصولين وموكب البعثيين ، ومنع ندوات الاحزاب السياسية وورش العمل، مثل ورشة مركز الدراسات السودانية الأخيرة في قاعة الشارقة حول الديمقراطية . كما تم انتهاك المادة 40 - 2 : 3 والتى اشارت الى الحق في تكوين وتسجيل الاحزاب والجمعيات والنقابات والاتحادات المهنية وفقا لما يتطلبه المجتمع الديمقراطي ، كما أشارت لشروط الحزب السياسي وهى : أن تكون له عضوية مفتوحة لأى سوداني بغض النظر عن الدين أو الاصل العرقي أو مكان الميلاد وبرنامج لايتعارض مع نصوص الدستور ، وقيادة منتخبة ديمقراطيا ، ومصادر تمويل شفافة . تم انتهاك هذه المادة باجازة قانون الاحزاب في المجلس الوطني ، والذي اجاز حل الاحزاب السياسية ، مما يعتبر انتهاكا لحرية التجمع والتنظيم التي كفلها الدستور .
أما المادة 44 - 2 : التى كفلت مجانية والزامية التعليم في المستوى الاساسي ، فقد ظلت حبرا على ورق بعد أن رفعت الدولة يدها من التعليم العام وضعف ميزانيته ، وانتشر التعليم الخاص انتشار النار في الهشيم ، حتى اصبح التعليم للقادرين بدلا من أن يكون حقا للجميع كالماء والهواء كما اشارالدكتور طه حسين .
اما المادة 45 التى كفلت حقوق الاشخاص ذوى الحاجات الخاصة والمسنين فقد تم انتهاكها في ظل المعاناة التى يجدها المعاشيون في صرف مرتباتهم وحقوقهم
أما المادة 46 التى كفلت الحق في الرعاية العامة وتوفير الرعاية الصحية الاولية وخدمات الطوارئ مجانا لكل المواطنين فقد ظلت ايضا حبرا على ورق بسبب خصخصة العلاج الذي اصبح للقادرين وبسسب ارتفاع تكلفة العلاج واسعار الدواء .
كما تم انتهاك المادة 47 بعنوان المجموعات العرقية والثقافية وحقها في أن تنعم بثقافاتها الخاصة وتطورها بحرية ، باطلاق النار على التجمع السلمي لمواطني كجبار والذين كان من اعتراضاتهم على الحفاظ على تراثهم الثقافي النوبي والذي سوف يتعرض للاغراق للمرة الثالثة بعد قيام سد كجبار .
كما تم انتهاك المادة 39 - 1 - 2 - 3 : التى كفلت حرية التعبير والاعلام ، باغلاق الصحف تحت الاستغلال السئ للمادة 130 ، واعتقال الصحفيين اثناء تأدية مهام هى من صميم واجباتهم المهنية ، والرقابة على الصحف ، واستمرار قانون الصحافة والمطبوعات الصحفية والذي يتعارض مع وثيقة الحقوق في الدستور الاتتقالي
وخلاصة القول ، انه في ظل القوانين المقيدة للحريات والتى مازالت سارية المفعول ، فان وثيقة الحقوق تصبح حبرا على ورق ، مما يشكل انتهاكا فظا لاتفاقية نيفاشا التى وعدت الناس بالتحول الديمقراطي وتحسين حياة الناس المعيشية وتوفير احتياجاتهم الاساسية في التعليم والعلاج والخدمات ، واذا باوضاع حقوق الانسان تتدهور في البلاد ، ويدفع الناس ضريبة السلام فقرا وضنكا وارتفاع بمتوالية هندسية في ضرويات الحياة مما يهدد بنسف الاتفاقية ونقض العهود والمواثيق .
وتبقي ضرورة مواصلة الصراع من اجل التحول الديمقراطي ، وتحسين احوال الناس المعيشية باعتبار ذلك الشرط لوحدة واستقرار البلاد وتوحيدها على اسس طوعية وديمقراطية .
سبتمبر2007م


5
الشمال والجنوب واحتمالات تجدد الحرب ومستقبل الاوضاع في دارفور
( حديث لصحيفة الخليج الاماراتية)

بعد اكثر من عامين على توقيع اتفاقية السلام بنيفاشا التى اوقفت حربا ضروسا استمرت حوالى 22عاما ، رحب اهل السودان بذلك الحدث المهم ، ولكن الفرحة لم تدم كثيرا ، وها هو نائب رئيس الجمهورية ورئيس حكومة الجنوب ، الفريق سلفاكير يدق ناقوس الخطر في خطابه امام الدورة الثانية لبرلمان جنوب السودان بجوبا في : 10 / 9 / 2007 م ، ويشير الى أنه منزعج وقلق ومهموم جدا ، بأن السودان يمكن أن يرجع مرة ثانية الى مربع الحرب ، اذا لم نعمل بجد مع شريكنا المؤتمر الوطني لتلافى ذلك . واشار الى عدم حل مشكلة ابيي ، ومسألة ترسيم الحدود بين الشمال والجنوب ، وعدم انسحاب القوات المسلحة من جنوب السودان ، رغم أن مواعيد انسحابها حسب الاتفاقية : 9 / 7 / 2007 م قد فات ، ولكن القوات مازالت موجودة في مناطق البترول ، وكذلك لم يتم شئ في الاحصاء السكاني المفترض أن يبدأ أول عام 2008 ، وعدم انجاز التحول الديمقراطي بالعاء كل القوانين المقيدة للحريات ، وقيام الانتخابات العامة في مواعيدها .
وهنا يبرز السؤال : ماهى احتمالات تجدد الحرب ؟ احتمال تجدد الحرب وارد ، وقد اكدت تجربة اتفاقية اديس ابابا عودة البلاد للحرب بعد خرق الاتفاقية والتى عادت بشكل اوسع من الحرب السابقة ، وبالتالى من المهم أن تقف كل قوى السلام سدا منيعا امام تجدد الحرب التى لن يجنى منها شعب السودان غير الخراب والدمار وتعطل التنمية كما اكدت التجربة السابقة . ولكن ما هو الضمان لعدم تجدد الحرب ؟ وكيف الطريق لانتشال البلاد من شفا الجرف الهار الذي تقف عليه ؟ .
أول الضمانات : تنفيذ الاتفاقية وما جاء في وثيقة حقوق الانسان في الدستور الانتقالي ، وانجاز التحول الديمقراطي ، بالغاء كل القوانين المقيدة للحريات والتى تتعارض مع الدستور الانتقالى .
ثانيا : شمول الاتفاقية لكل مناطق السودان الاخرى ( دارفور ، الشمالية ، كردفان ، الوسط ، الشرق ، الخرطوم ) ، دون المساس بمكاسب الجنوب التى حققتها نيفاشا ، وبهذا تقف اتفاقية نيفاشا على اعمدتها السبعه بدلا من الوضع الهش الحالى الذي تقف فيه على رجل واحدة . وحتى نضمن عدم تجدد الحرب في مناطق البلاد الأخرى والتى تتجمع نذرها في الشمالية بعد احداث امرى وكجبار ومشاكل السدود ، وفي كردفان ، وفي الشرق ولاسيما أن اتفاق الشرق هش ، وعدم توسع نطاق الحرب في دارفور .
ثالثا : توفير احتياجات الناس الأساسية في الشمال والجنوب ( التعليم ، الصحة ، الخدمات ، تحسين الاوضاع المعيشية .. الخ ) .
رابعا : التنمية التى تجعل الناس يحسون أن تغييرا جذريا في حياتهم قد تم .
خامسا : عرض كل الانفاقات التى تمت حتى الآن ( نيفاشا ، الشرق ، القاهرة ، ... الخ ) على مؤتمر جامع لكل القوي السياسية في البلاد ، حتى يتم الانتقال من الثنائية الى الحل الشامل .
تلك هى النقاط الخمس التى تشكل خارطة طريق لمنع تجدد الحرب ، وان هناك بديل آخر غير تجدد الحرب ، وهو تنسيق الحركة الشعبية مع كل قوى المعارضة الشمالية لتحقيق النقاط الخمس أعلاه ، وتحقيق اوسع تحالف لهزيمة المؤتمر الوطني في الانتخابات القادمة ، وتحقيق التحول الديمقراطي وضمان استدامة البلاد ووحدة البلاد .

مستقبل الاوضاع في دارفور :
اصبح مستقبل الاوضاع في دارفور مرتبطا بالحل الشامل لقضايا البلاد ، وبتوسيع نطاق اتفاقية نيفاشا لتشمل اقاليم السودان كافة ، وتلبية مطالبها العادلة في السلطة والثروة والحكم الذاتي والتنمية ، وتوفير احتياجات الأساسية للمواطنين في التعليم والصحه الخدمات .
اذن قضية دارفور ومستقبل الاوضاع فيها يجب أن نبحث عنها في اطار قومي شامل ، ولايمكن اختزال القضية في صراعات قبلية ، أو صراع بين العرب والأفارقة ، ولو كان الأمر كذلك ، فاهل دار فور قادرون على حل المشكلة .
الجانب الآخر ، من المهم مواصلة الحوار مع الحركات المعارضة ، والحوار بين ابناء دارفور للوصول لحل شامل يضمن وحدة واستقرار الاقليم والتنمية فيه والتعايش السلمي بين شعوب وقبائل دارفور ، وضرورة التوصل لحد ادنى من موقف تفاوضي واحد ، وضرورة استجابة الحكومة لمطالب اهل دارفور العادله والتى تتلخص في : -
• حقوق عادله في السلطة والثروة .
• التمسك بوحدة اقليم دارفور والذي كان موحدا منذ عهد سلطنة دارفور وحدوده حتى استقلال السودان عام 1956 ( مديرية دارفور ) .
• عودة النازحين الى اراضيهم .
• التعويض العادل للمتضررين .
• نزع اسلحة الجنجويد .
• التنمية وتوفير احتياجات الناس الاساسية ( التعليم ، الصحة ، مياه الشرب ، خدمات المواصلات والكهرباء ، ... الخ ) .
• احترام حق الجميع في الاستفادة من الحواكير .
سبتمبر 2007م


6
ثم ماذا بعد تجميد الشراكة ؟
القرار الذي اتخذته الحركة الشعبية يوم الخميس الماضي 11/10/2007 عشية عيد الفطر المبارك بتجميد الشراكة على مستوى وزراء الحركة الشعبية في حكومة الوحدة الوطنية والمستشارين برئاسة الجمهورية ، لم يكن مفاجئا ، بل كان تراكما لصراع دار بين طرفي الشراكة منذ توقيع اتفاقية نيفاشا في التاسع من يناير 2005 م حول مسار تنفيذ الاتفاقية .
اشار بيان المكتب السياسي الانتقالي للحركة الشعبية الى انتهاكات المؤتمر الوطني لاتفاقية السلام والتى تتمثل في الاتى :
عدم انجاز التحول الديمقراطي ، وعدم البدء في اجراءات المصالحة الوطنية ، عدم تنفيذ بروتكول ابيي ، عدم اكمال انسحاب القوات المسلحة ، غياب الشفافية في ادارة قطاع البترول ،عدم تمويل عملية الاحصاء السكاني ، تأخير ترسيم الحدود بين الشمال والجنوب ، عدم اعتماد التعديلات الوزارية التي تقدمت بها الحركة الشعبية .
كما أشار البيان الى انتهاك المؤتمر الوطني للحريات بممارسة الاعتقالات وضرب مثلا باعتقال عضو المجلس الوطني الانتقالي للحركة : ين ماثيو ومصادرة الحريات الصحفية والتحرش بالصحفيين ، وابعاد الدبلوماسيين الاجانب من السودان دون التشاور مع الحركة الشعبية باعتبارها شريكا في حكومة الوحدة الوطنية ، وعدم التقيد بتنفيذ اتفاقيات القاهرة وابوجا واتفاقية سلام الشرق .
واصبحت البلاد الآن على شفا جرف هار والذي قد يؤدى في اى لحظة الى العودة لمربع الحرب والتى سوف تكون أوسع من الحروب السابقة ، واصبحت القضية اليوم ، هى ضرورة الوصول لحل شامل لمشاكل البلاد واشراك كل القوى السياسية والاقليمية ومنظمات المجتمع المدني والشخصيات الوطنية من أجل الوصول لذلك الحل وتكوين حكومة قومية تقود سفينة البلاد الى بر الآمان حتى قيام انتخابات حرة نزيهة وتحت رقابة دولية تؤكد فعلا لاقولا التداول الديمقراطي للسلطة .
لقد اكدت التجارب أن الحلول الجزئية والثنائية تشكل مسكنات مؤقتة ما تلبث أن تعيد انتاج الازمة بشكل اوسع من السابق ، كما دلت اتفاقية اديس ابابا ، كما أن الحل يجب أن ينبع من داخل البلاد ومن خلال تراضي كل الاطراف ، مع تقديرنا للمساعدات التى يقدمها المجتمع الدولي في تقديم المساعدات والاغاثات لوقف الحروب والاقتتال ، ولكن العامل الحاسم يكمن في الحل الداخلي ، كما اكدت تجارب الاستقلال عام 1956 ، وتجربة ثورة اكتوبر 1964 ، وانتفاضة مارس - ابريل 1985 ، حيث انتزع شعب السودان حقوقه وحرياته كاملة ولم تجئ منحة من احد .
لقد اكدت اتفاقية نيفاشا على قضايا التحول الديمقراطي وتحسين احوال الناس المعيشية والتنمية ،وتوفير كل عوامل الوحدة الجاذبة وقيام انتخابات حرة نزيهة في نهاية الفترة الانتقالية ، كما تم وضع دستور انتقالي تضمن وثيقة الحقوق التى كفلت الحقوق الديمقراطية .ولكن ظلت الوثيقة حبرا على ورق ، فقد استمرت الممارسات القديمة للمؤتمر الوطني في بيع الممتلكات العامة والاعتقالات والتعذيب ومنع المواكب والتصدى لها بالهروات والرصاص كما حدث في بوتسودان وامرى وكجبار ، وبدلا من ان تتحسن احوال الناس المعيشية بعد وقف الحرب ، تدهورت اوضاعهم المعيشية وارتفعت اسعار ضروريات الحياة ، وظلت قضايا المفصولين تراوح مكانها ، وتفجرت عشرات الاضرابات مطالبة بمتأخرات الاجور وتحسين الاحوال المعيشية ، هكذا كانت تتراكم المعارك والنضالات والتى حتما سوف تؤدى الى تحول نوعي يقود لحل شامل لمشاكل البلاد .
اذن نحن الآن امام أزمة وطنية شاملة لا يفيد فيها الحلول الجزئية ، وأصبح مستقبل البلاد في مهب الريح ، فاما أن تكون أو لا تكون .ولكيما نكون في مستوى التحدى ، كما اشرنا سابقا ، لابد من وحدة كل القوى السياسية والاقليمية ومنظمات المجتمع المدني والشخصيات الوطنية في جبهة عريضة من أجل :
- انتزاع التحول الديمقراطي ، بالغاء كل القوانين المقيدة للحريات واطلاق سراح كل المعتقلين السياسيين أو تقديمهم لمحاكمات عادلة .
- اصدار قرار سياسي بارجاع كل المفصولين وازالة الضرر ورفع المظالم.
- تنفيذ اتفاقية نيفاشا وما جاء في وثيقة الحقوق في الدستور الانتقالي .
- شمول الاتفاقية لكل اقاليم السودان الاخرى ( دارفور ، كردفان ، الشمالية ، الشرق ، الخرطوم ، الوسط ) .وتكوين مجلس رئاسة دورى من هذه الاقاليم .
- توفير احتياجات الناس الأساسية في الشمال والجنوب ( التعليم ، الصحة ، الخدمات ، تحسين الاوضاع المعيشية بالغاء الزيادات في أسعار ضروريات الحياة وتوفير فرص العمل للشباب ، وتحويل جزء من عائدات النفط لدعم الزراعة والصناعة والتعليم والخدمات الصحية .. الخ ) .وتحقيق التنمية التى تجعل الناس يحسون بأن تغييرا حقيقيا تم في حياتهم وتضمن استدامة السلام بعد ان يجنى الناس فوائده رخاءا ونماءا .
- الحل القومي الشامل لقضية دارفور .
- عرض كل الاتفاقات التى تمت حتى الآن ( نيفاشا ، الشرق ، القاهرة ، .. ) ، على مؤتمر جامع للانتقال من الثنائية الى الحل الشامل .
ان تحقيق تلك القضايا هى الضمان لعدم انزلاق البلاد مرة اخرى في اتون الحرب وتقى البلاد شرور الفرقة والتمزق والشتات . اكتوبر 2007


7

حول أبعاد اتفاق حزب الأمة مع المؤتمر الوطني
أشار الامام الصادق المهدي في المؤتمر الصحفي الذي عقده بتاريخ 5/مارس /2008م الي ان الاتفاق الذي وقع عليه حزبه بالأحرف الأولي مع المؤتمر الوطني شمل كافة مطلوبات القوي السياسية المعارضة ووصفه بأنه يقود الي ما أسماه ب ( التراضي الوطني) عبر عقد ملتقي جامع أجندته من بندين هما : وضع خريطة طريق للتراضي الوطني ، والاتفاق علي آليات تنفيذ ما اتفق عليه، وتعهد المهدي بعرض ما اتفق عليه مع المؤتمر الوطني علي كافة القوى السياسية وذلك ليأتي الاتفاق مدعوما باعلي درجة من الديمقراطية والقومية ( الصحافة/6/مارس/2008م).
ولكن يتساءل الناس عن مدي جدية المؤتمر الوطني في تنفيذ أي اتفاق بعد التجارب والاتفاقات الكثيرة التئ وقعها واصبحت حبرا علي ورق مثل:اتفاق السلام 1997م مع جناح مع الحركة الشعبية لتحرير السودان ، واتفاق جيبوتي مع حزب الامة عام 1999م والذي أدي الي شق صفوف التجمع الوطني الديمقراطي وانهك حزب الأمة نفسه، بشفه الي جناحين ، وكانت الحصيلة عدم تنفيذ الاتفاق .
وكذلك اتفاقية نيفاشا المشهودة دوليا والتي مازالت متعثرة في التنفيذ في أهم مرتكزاتها: التحول الديمقراطي وتحسين احوال الناس المعيشية والتنمية ، اضافة لقضية ابيي التي في حالة عدم حلها سوف تعصف بالاتفاقية ، اضافة لمشاكل البترول وترسيم الحدود وغير ذلك من القضايا التي اثارتها الحركة الشعبية وجمدت بموجبها مشاركتها في الحكومة ، حتي تم اعادة الجدولة أو المصفوفة الجديدة ، والواقع أن اتفاق نيفاشا كان انجازا كبيرا اوقف نزيف الحرب بين الشمال والجنوب الذي استمر لحوالي 22 عاما ، وفتح الطريق لمواصلة الصراع من اجل انتزاع التحول الديمقراطي وتحسين احوال الناس المعيشية وتوحيد البلاد علي اسس طوعية ورفع المظالم والضرر الذي لحق بالمواطنين خلال السنوات الماضية، ولكن حسب بندر قاست في حديث للصحافة ( فان المؤتمر الوطني يمارس سياساته المعروفة للسيطرة علي الحكم وهي فرق تسد ، اما فيما يتعلق بوجهة نظري الشخصية فتظل قناعتي ثابتة بأن المؤتمر الوطني لن يطبق الاتفاق لعدم رغبته في اعطاء الجنوبيين حق تقرير المصير) ( الصحافة:29/12/2007م) كما يري بندر قاست ( ان حصر مفاوضات نيفاشا في طرفين واستبعاد بقية القوي السياسية كان خطأ كبيرا علي حساب السلام والاستقرار في السودان) ( الصحافة: 29/12/2007م).والجدير بالذكر أن بندر قاست حاليا رئيس منظمة (كفاية) وكان كبير المسئولين في تقرير السياسات الخاصة بالسودان خلال ادارة الرئيس الاميركي السابق بيل كلينتون.
وكذلك اتفاق القاهرة مع التجمع الوطني والذي شارك التجمع بموجبه في مؤسسات السلطة التشريعية والتنفيذية ، بعد قرار التجمع بالمشاركة فقط في المجالس التشريعية والولائية وترك الخيار لبقية الفصائل للمشاركة في السلطة التنفيذية علي مسئوليتها ، والواقع أن حصيلة التجربة اكدت أن المؤتمر الوطني اجهض مشاركة التجمع باستخدام اغلبيته الميكانيكية، كما كان يتوقع كثير من المراقبين ، وادي ذلك الي تصدع في وحدة التجمع وصراع بين مكوناته واحزابه، اضافة لعدم تنفيذ الاتفاق نفسه والذي اصبح حبرا علي ورق .
امااتفاق ابوجا مع مجموعة مناوي فقد مات موتا سريريا ،مما يتطلب تفاوضا جديدا يشمل جميع مكونات اهل دارفور والفصائل ، أى حلا شاملا باعتباره الشرط لنجاح مهمة القوات الدولية، وكذلك اتفاق الشرق الذي مازال متعثرا .. الخ .
فالمؤتمر الوطني ليست لديه مشكلة في توقيع الاتفاقات ولكن مشكلته في التنفيذ ، و ديدنه المرواغة وكسب الزمن وماعاد يجدي ذلك في ظروف ينزف فيها الوطن دما ، ويتعرض فيها للتمزق والتشرذم ، ولابديل غير التحول الديمقراطي والحل الشامل لمشاكل البلاد.
وبالرغم من المصفوفة الجديدة مع الحركة الشعبية الا أن المجلس الوطني بأغلبيته الميكانيكية وبتصويت نواب معه من الكتل الأخرى اجاز ميزانية العام 2008م التي لم يجنى منها شعب السودان غير المزيد من التدهور في اوضاعه المعيشية والاقتصادية ، وهي ميزانية لاتبشر باى انفراج في اوضاع الناس المعيشية ، وبالتالي تظل مفارقة لاهداف اتفاقية نيفاشا التي اوقفت الحرب وبشرت بتحسين احوال الناس المعيشية والاقتصادية والتحول الديمقراطي والعمل من اجل تحقيق الوحدة الجاذبة ، والواقع أنه بعد انفجار الوضع مع الحركة الشعبية بتجميد الشراكة في الحكومة المركزية والمناصب الدستورية عشية عيد الفطر الماضي ، وبعد تكوين الهيئة القومية للدفاع عن الحريات ، شعر المؤتمر الوطني أن الأزمات احاطت به داخليا وخارجيا ، وسعي لفك الاختناق بالاتصال بالقوى السياسية الأخري لامتصاص الأزمة وليس حلها ،واضعاف صفوفها حتي لاتواجهه موحدة، اذ ما مامعني الاتصال بالقوي السياسية وتكوين لجان للحوار معها مع استمرار المؤتمر الوطني في استخدام اغلبيته في المجلس الوطني لتمرير الميزانية ؟؟!! وقمع المواكب والمسيرات السلمية للطلاب واغتيال الطالب من الجبهة الديمقراطية بجامعة الجزيرة ، وتشديد الرقابة علي الصحف وتحويل وثيقة الحقوق في الدستور الانتقالي الي حبر علي ورق، والتهديد باستخدام الأغلبية الميكانيكية لتمرير قانون الانتخابات التي تعارضه الاحزاب السياسية!!!.
والواقع أنه ليس هناك ما يلوح في الافق أى اتجاه للمؤتمر الوطني لتحسين المناخ السياسي وتهيئة الاجواء لتحقيق المصالحة الوطنية الحقيقية والحوار مع القوي السياسية باتخاذ قرارات مثل : الغاء القوانين المقيدة للحريات واصدار قرار سياسي بارجاع المفصولين تعسفيا من المدنيين والعسكريين وتحسين احوال الناس المعيشية والحل الشامل لقضية دارفور واطلاق سراح المعتقلين السياسيين ، تنفيذ اتفاقية نيفاشا واتفاقية القاهرة وبقية الاتفاقات .. الخ، ان تنفيذ تلك المطالب تهئ الاجواء للمصالحة الوطنية والحوار وتفتح الطريق لخروج البلاد من عنق الزجاجة الحالي ، وهي مطالب ليست مستحيلة ، فقد انجزتها بعض البلدان التى مرت بالازمة نفسها( جنوب افريقيا، شيلي، .. الخ) واطلقت الحريات العامة والغت القوانين المقيدة للحريات وأنجزت انتخابات حرة نزيهة ازالت الاحتقان السياسي بانجاز مصالحة وطنية أو عدالة انتقالية، رفعت الضرر والمظالم وكفلت وحدة البلاد والصراع السلمي الديمقراطي لتبادل السلطة وتحسين احوال الناس المعيشية. واتخاذ هذه القرارات هي المحك لجدية اي اتفاق.
والواقع أن ذلك لم يحدث حتي الآن مما يشير الي أن تفاؤل الصادق المهدي لا أساس موضوعي له ، وكان الاجدى التمسك بذلك قبل الدخول في اتفاق مع المؤتمر الوطني ، يعلم الناس سلفا نتيجته ، وكان الاجدي التشاور مع القوي السياسية الأخري واطلاع جماهير حزب الامة والقوي السياسية علي نتائج سير المفاوضات اول بأول، بدلا من عقد اتفاق ثنائي وعرضه علي القوي السياسية ، وذلك ليأتي الاتفاق مدعوما بأعلي درجة من الديمقراطية والقومية( الصحافة:6/مارس/2008م)، علما بأن القوي السياسية الأخري لم تكلفه بالتفاوض بالنيابة عنها!!
وباستدعاء التجارب التاريخية ، هناك ايضا تجربة مشاركة حزب الامة بعد الاتفاق مع نظام نميري في بورتسودان عام 1977، والذي شارك بموجبه في مؤسسات نظام نميري مثل الاتحاد الاشتراكي ومجلس الشعب .. الخ، بدون شروط مسبقة للمصالحة مثل : الغاء القوانين المقيدة للحريات واطلاق سراح كل المعتقلين السياسيين ، والمطالبة بالتعددية السياسية والفكرية بديلا للحزب الواحد، وتحسين احوال الناس المعيشية التي بلغت قمة التدهور في ذلك الوقت .. الخ، وقد اكدت التجربة أن المشاركة بدون رفع هذه المطالب كانت سلبية، فقد استمر نظام نميري في نهجه الديكتاتوري ومصادرة الحقوق والحريات الديمقراطية وقمع النهوض الجماهيري في الفترة:1978- 1980م، والتي تمثلت في اضرابات المعلمين والاطباء وعمال السكة الحديد والفنيين والقضاء..الخ ، والزج بالمئات في السجون والتشريد من العمل، وكانت الحصيلة خروج حزب الامة من المشاركة في نظام نميري بعد تأييد النظام لاتفاقيات كامب ديفيد.وانخرط حزب الأمة في المعارضة مرة اخري بعد تلك التجربة السلبية والتي أدت الي شق صفوفه وانهاك قواه.
والواقع يؤكد أن المؤتمر الوطني مازال ماضيا في سياساته التي كانت سبب الأزمة وإعادة إنتاج الأزمة، والتي تمثل في ابرام الاتفاقات الثنائية مع القوي المعارضة وعدم تنفيذها مما يؤدي الي شق هذه الاحزاب واضعاف صفوفها، حتي لاتواجهه موحدة في معركة الانتخابات القادمة، فهو يعتمد سياسة فرق تسد، وسياسات اقتصادية ركزت المال في يد المؤتمر الوطني،والذي يلعب دورا كبيرا في معركة الانتخابات القادمة.
ولابديل لقوي المعارضة غير توحيد صفوفها ووحدة احزابها لمواجهة المعركة القادمة والتي تهدف الي انتزاع التحول الديمقراطي ، وانتزاع قانون ديمقراطي لللانتخابات يفتح الطريق امام انتخابات حرة نزيهة تخرج البلاد من شبح التمزق والفرقة والدمار المحدق بالوطن.
فهل يدرك حزب الأمة ذلك ام سيلدغ من الجحر مرة اخري؟.فلا خير في تجارب لا تورث حكمة.
يناير 2008م.




8
ماهي دلالات تمرير قانون الانتخابات بالاغلبية الميكانيكية؟
في جلسة الاثنين الموافق 7/7/2008م، اجاز المجلس الوطني قانون الانتخابات لعام 2008م، بالاغلبية الميكانيكية، رغم الاعتراضات التي ابدتها قوي المعارضة السودانية والتي نبهت الي خطورة اقصاء الاحزاب الصغيرة وقوي الهامش عن طريق نظام العتبة(5%)، كشرط للتأهيل لدخول البرلمان، وهذا شرط يعيد البلاد لمربع الحرب مرة اخري، وخاصة أن البلاد خارجة لتوها من حروب اهلية، وكان من المهم استيعاب كل القوي في البرلمان بدون شروط تعسفية، فالبلاد كانت وما زالت في امسّ الحاجة لاصدار قانون انتخابات ديمقراطي يتوافق عليه الجميع، ولايقصي احدا، بفرض الرأي الواحد، هذا اضافة لاعطاء 60% للدوائر الجغرافية، و40% للتمثيل النسبي، وتمرير القائمة المنفصلة للنساء رغم المعارضة الواسعة لذلك من نساء الاحزاب وموكبهن الباسل الذي حاصر البرلمان بما فيهن نساء الحركة الشعبية التي صوتت لصالح تمرير القانون!!. وهذا يؤكد نهج المؤتمر الوطني الاقصائي الذي سار عليه منذ توقيع اتفاقية نيفاشا في يناير 2005م.
ان تمرير هذا القانون غير الديمقراطي يعيدنا الي مربع السودان القديم القائم علي مصادرة الحقوق والحريات الديمقراطية والتنمية غير المتوازنة وتهميش الاقليات الاكثر تخلفا، ويعيدنا الي مربع الحرب الاهلية مجددا، مما ينسف اتفاقية نيفاشا التي كان من حسناتها ايقاف الحرب التي دارت رحاها في البلاد لمدة 22 عاما.
ان اجازة قانون الانتخابات بهذه الطريقة يعتبر بمثابة نهاية سيئة لفترة الانتقال.
وكان من المفترض لانجاح فترة الانتقال اشراك الجميع واتخاذ القرارات في المجلس الوطني بالتوافق، والغاء كل القوانين المقيدة للحريات التي تتعارض مع الدستور وتحسين احوال الناس المعيشية، والحل الشامل لقضية دارفور، وتوسيع نطاق اتفاقية نيفاشا لتشمل بقية اقاليم السودان ، وكان ذلك سوف ينقذ البلاد من الطوفان ويرسوا بها الي بر الامان، وتلك كانت ولازالت فرصة تاريخية تضمن وحدة واستقرار البلاد ، وقيام مصالحة وطنية يتم فيها اطلاق الحريات العامة ودفع الضرر وازالة المظالم واصدار قانون انتخابات ديمقراطي يفتح الطريق لقيام انتخابات حرة نزيهة تخرج البلاد من ظلمات الازمة.
علي أن المتابعين لتطورات الاحداث منذ بداية توقيع اتفاقية نيفاشا، كانوا يلاحظون أن الاتفاقية جاءت كصفقة ثنائية بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية، وكرست لحكم ثنائي يهمين فيه المؤتمر الوطني بنسبة 52% علي مستوى الحكم المركزي، ومن البداية بدأ التفاوض ثنائيا وانتهي ثنائيا، وتم تهميش القوي السياسية الاخري الشمالية والجنوبية واعطائها نسبة 20%(14% للشمالية، و6% للجنوبية) في تلك القسمة الضيزي، وكان ذلك خللا اساسيا في تلك القسمة، فالمؤتمر الوطني لايمثل كل الشمال، والحركة الشعبية لاتمثل كل الجنوب.
أى كان الخلل الاساسي كما اشرنا استبعاد القوي السياسية الاخري
وبعد توقيع الاتفاقية لم يتوجه مسار التنفيذ لتحقيق جوهر اتفاقية نيفاشا المتمثل في التحول الديمقراطي والعدالة الاجتماعية وتحسين احوال الناس المعيشية والذي يضمن بذلك استدامة السلام وعدم العودة لمربع الحرب. واستمر المؤتمر الوطني يحكم بالعقلية الشمولية القديمة، وعلق وثيقة الحقوق في دستور السودان الانتقالي لعام 2005م، وتم اطلاق النار علي المظاهرات السلمية التي كفلها الدستور كما حدث في موكب ابناء البجا في بورتسودان وكجبار وقمع المظاهرات السلمية ضد الزيادات في الاسعار وقمع موكب المفصولين والرقابة علي الصحف واعتقال الصحفيين وتقديمهم لمحاكمات، هذا اضافة لتدهور الاوضاع جراء الزيادة في الاسعار والجبايات، وكان من نتائج ذلك الموجة الواسعة من الاضرابات، هذا اضافة لتمرير ميزانيات الاعوام:2006، 2007، 2008م في المجلس الوطني والتي زادت الشعب السوداني رهقا علي رهق، وهي سياسات تقليدية صوتت لصالحها الحركة الشعبية رغم جوهرها المتمثل في السياسات المالية والاقتصادية للسودان القديم، والتي تقوم علي افقار الطبقات الكادحة وزيادة ثروات القلة. أى ان المؤتمر الوطني افرغ الاتفاقية من محتواها الحقيقي وضرب بها عرض الحائط.
ورغم تململ الحركة الشعبية وشكواها المستمرة بعرقلة التنفيذ للاتفاقية مثل :عدم تنفيذ بروتكول ابيي، وعدم تحقيق التحول الديمقراطي ، وعدم ترسيم الحدود بين الشمال والجنوب،..الخ، مما ادي لتجميد الحركة الشعبية في اكتوبر 2007م نشاطها في الحكومة المركزية، وتم الاتفاق علي جدولة جديدة للاتفاق(مصفوفة)، الا ان تلك المصفوفة ايضا لم يتم تنفيذها، كما تم توقيع الاتفاق الاخير حول ابيي بعد الاحداث الاخيرة فيها، ويتساءل الناس عن جدية المؤتمر الوطني في التنفيذ بعد التجارب الكثيرة معه؟؟.
من الجانب الآخر كان هناك الخلل في ضعف وجود المعارضة، طيلة الفترة الانتقالية، في الشارع باعتبار ذلك هو الحاسم في قلب الموازين لصالح انجاز التحول الديمقراطي وتحسين احوال الناس المعيشية وفي تنفيذ الاتفاقية وعقد المؤتمر الجامع للحل الشامل لمشاكل السودان، اى ان المعارضة لم تستغل الي اقصي حد الامكانيات الواسعة لتوسيع وتعميق النشاط السياسي الجماهيري المستقل في الشارع، اذ أنه بتوسيع ذلك النشاط وتراكمه سوف يؤدي في نهاية المطاف الي تحول نوعي يفتح الطريق لانتزاع التحول الديمقراطي والذي لا نتوقع ان ياتي منحة من احد، كما اكدت تجارب شعبنا.
في ضوء الاعتبارات السابقة ننظر لدلالات تمرير قانون الانتخابات السئ بالاغلبية الميكانيكية داخل المجلس، باعتبار أن ذلك جاء تتويجا للسياسات السيئة التي مارسها المؤتمر الوطني طيلة السنوات الثلاث الماضية من عمر الاتفاقية.اضافة الي أنه نتاج للتركيبة السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي افرزتها اتفاقية نيفاشا، والتي ترغب في مواصلة الحكم بقانون انتخابي زائف يعبر عن رغبة الشريكين، ومواصلة استبعاد القوى السياسية الاخري، مما يكرس الحكم الثنائي الذي افرزته اتفاقية نيفاشا، ويهدف من ورائها المؤتمر الوطني الي تكريس هيمنته في ذلك الحكم واعادة انتاج الشمولية بوسائل تقوم بالابقاء علي القوانين المقيدة للحريات وعلي تزييف الانتخابات، ولتكريس الامتيازات الطبقية للفئات الرأسمالية الطفيلية الاسلامية في الشمال، والفئات الراسمالية الجديدة في الجنوب المتطلعة للثراء والسير في طريق التنمية الرأسمالية، عن طريق الاستحواذ علي عائدات النفط، وعدم توجيهها لتوفير احتياجات الناس الاساسية في الجنوب(تعليم، صحة، خدمات، بنيات تحتية..الخ)، وفتح الجنوب للشركات المتعددة الجنسيات للتنقيب عن البترول والمعادن، ونهب الفائض الاقتصادي وتصديره للخارج وتدمير البيئة والطبيعة الخلابة في الجنوب، وتعميق الفوارق الطبقية ، والمزيد من الافقار والتشريد للكادحين من ابناء الجنوب.
اي أنه من المهم اخذ المصالح الطبقية للشريكين في الحكم الذي نشأ بعد اتفاقية نيفاشا، في دلالات تمرير قانون الانتخابات السئ.
ولا بديل غير مواصلة النضال الجماهيري من اجل القضايا التي ظلت مطروحة منذ الاستقلال في 1956م وهي تحقيق الحقوق والحريات الديمقراطية، بالغاء كل القوانين المقيدة للحريات، وقيام انتخابات حرة نزيهة تقرر ختام مهزلة الشمولية، التنمية وتحسين احوال الناس المعيشية والتي ازدادت سوءا بعد اتفاقية نيفاشا رغم زيادة عائدات البترول بعد ارتفاع أسعاره عالميا، الحل الشامل لقضية دارفور وبقية اقاليم السودان، توحيد البلاد علي اسس طوعية وديمقراطية، وتصفية الديكتاتورية والشمولية من الحياة السياسية السودانية.


9
حول قرار المدعي العام لمحكمة الجنايات الدولية
في يوم الاثنين: 14/7/2008م، وجه المدعي العام لمحكمة الجنايات الدولية: اوكامبو في مؤتمر صحفي بمقر المحكمة الجنائية الدولية بلاهاى، ثلاث تهم للرئيس البشير ادعي انها ارتكبت بحق قبائل الفور والمساليت والزعاوة تتعلق بتطهير عرقي واغتصاب وتعذيب، واعلن أن عدد الضحايا الذين تم تشريدهم من ديارهم يقدر ب 2,5 مليون، وأشار الي أن 35 ألف قتلوا بشكل مباشر ، وان ما بين: 80- 265 الف ماتوا ببطء بعد أن شردهم القتال، وأوضح ان قرار الابادة من الرئيس البشير بدأ في العام 2003م، عندما أمر الجيش بعدم الابقاء علي أى اسير أو جريح بنية الابادة الجماعية. ووصف اوكامبو ان ماقام به البشير، بأنه جريمة ابادة جماعية متعمدة، وطالب بتوقيف البشير وحظر ارصدته وممتلكاته وتقديمه للعدالة.
ماهي تداعيات هذا القرار؟.
لا يمكن النظر في هذا القرار بمعزل عن تطورات الاحداث في السودان منذ الانقلاب المشئوم الذي قامت به الجبهة الاسلامية بقيادة عمر البشير في 30/يونيو/1989م، والذي اوقف الحل السلمي الداخلي الذي كان جاريا بعد اتفاق الميرغني – قرنق، واشعل حربا دينية تعدت حرب الجنوب لتشمل الشرق ودارفور، ومع تبع تلك الحروب من مآسي وابادة وقضاء علي الحرث والنسل. اضافة لمصادرة الحقوق والحريات الديمقراطية وتشريد الالاف من اعمالهم واعتقال وتعذيب الالاف من المواطنين، وتعذيب بعضهم حتي الموت مثل: الشهيد د.علي فضل وعبد المنعم رحمة وابوبكر راسخ... الخ، اضافة لاعدامات مثل: اعدام قادة انقلاب رمضان في ليلة عيد الفطر!!!، حل النقابات والاحزاب السياسية وتدمير كل مؤسسات المجتمع المدني. ونهب القطاع العام واموال الدولة، وتحويلها لفئة قليلة من اثرياء الجبهة الاسلامية التي اتخذت اسم المؤتمر الوطني، والذي انشق الي: وطني وشعبي. كما رفعت الدولة يدها عن التعليم والصحة وبقية الخدمات ودمرت القطاعين الصناعي والزراعي، وحتي بعد استخراج البترول لم تذهب عائداته للتنمية الزراعية والصناعية ولخدمات التعليم والصحة وبقية الخدمات(مياه، كهرباء.الخ)، كما ارهقت الدولة كاهل المواطنين بالضرائب الجبايات، حتي تزايدت حدة الفقر والاستقطاب الطبقي، حيث وصلت نسبة الذين يعيشون تحت خط الفقر 95% من الشعب السوداني، ونشأت رأسمالية طفيلية نهبت اصول القطاع العام وعائدات البترول وركزت السلطة والثروة في يدها، وانتشر الفساد بشكل لامثيل له، حتي تم تصنيف السودان في قائمة الدول الاكثر فسادا في العالم.
ونتيجة لضغط الشعب السوداني وضغط المجتمع الدولي، تم توقيع اتفاقات: نيفاشا، القاهرة، ابوجا، والشرق..الخ، ولكن المؤتمر الوطني ماطل في تنفيذ استحقاقات تلك الاتفاقات، واستمر يحكم بالعقلية الشمولية السابقة، وضرب بالاتفاقات وقرارات المجتمع الدولي عرض الحائط، وطغي في البلاد واكثر فيها الفساد، واتجه للحل العسكري لقضية دارفور بدلا من الحل السلمي حسب توصيات مؤتمر الفاشر 2003م، وكانت النتيجة تلك المأسأة والجرائم، والتي تطلبت المساءلة، علما بان قرار اوكامبو الاخير لم يكن مفاجئا، منذ أن اصدرت الامم المتحدة ممثلة في مجلس الأمن القرار 1593، باحالة ملف انتهاكات دارفور الي المحكمة الجنائية.
والواقع أن نظام الانقاذ هو المسئول عن كل انتهاكات حقوق الانسان في السودان، والمسئول تبعا لذلك عن فقدان البلاد لسيادتها الوطنية.وبالتالي، فان قرار مدعي محكمة الجنايات الدولية هو نتيجة منطقية لممارسات نظام الانقاذ السابقة، فالانسان يحصد في النهاية ثمار عمله، ومن يزرع الريح يحصد العاصفة.
وبدلا من اعلاء صوت العقل والتعاون مع المحكمة الدولية، يهدد نظام الانقاذ بنسف الاستقرار وتحويل البلاد الي صومال ورواندا اخري، اي مواصلة المزيد من ارتكاب الجرائم!!، والتي ايضا سوف تلاحقه المساءلة حولها ، طال الزمن أو قصر، المؤتمر الوطني يحاول ان يصور لنا، انه اما ان يستمر بالبقاء في السلطة او تدمير البلاد، مثلما كان يبشرنا نميري في السبعينيات من القرن الماضي البديل: اما نظامه أو الطائفية التي تدمر البلاد، كانما الشعب السوداني عاجز عن تقديم البديل، وذهب نظام نميري وبقي الشعب السوداني ، وسيذهب نظام الانقاذ ويبقي الشعب السوداني مواصلا نضاله من اجل الحرية والديمقراطية والوحدة والتنمية وتحسين احواله المعيشية.
اى أن التهديد بان قرار المحكمة الجنائية الدولية سوف ينسف استقرار البلاد ويحدث انهيار دستوري لاأساس له.
ولكن الخطر الحقيقي علي وحدة واستقرار البلاد اصبح من وجود المؤتمر الوطني في الحكم.
و يبقي السؤال ماهو الحل؟ الحل يكمن في:
أولا: في الحل الشامل لقضية دارفور باعتبارها مشكلة سياسية قومية تحل في اطار قضايا السودان ككل، وباعتبار أن جوهر القضية ليست قبلية أو عرقية أو صراع حول حواكير..الخ، ولكن المشكلة يتم حلها في اعتبار دارفور اقليم واحد حسب حدود 1956م، وباعتبار أن لدارفور تاريخ منذ ان كانت سلطنة قائمة بذاتها، واعطاء الاقليم الحق في الحكم الذاتي مع اقاليم السودان الاخري(الشرق، كردفان، الشمالية، الجنوب، الاوسط، الخرطوم)، والتمثيل المتساوى في مجلس الرئاسة، اضافة للحل العادل لقضية الثروة والسلطة والتنمية المتوازنة بين اقاليم السودان المختلفة، ووقف اطلاق النار ونزع سلاح الجنجويد، وتقديم المجرمين عن التطهير العرقي للعدالة، ورجوع النازحين الي قراهم والتعويض العادل لهم.
ان اتخاذ هذه التدابير تسهم في نزع فتيل الازمة، ورجوع شعب دارفور الي وضعه الطبيعي كشعب منتج، عرف الاكتفاء الذاتي من الغذاء ومنتجات الصناعات الحرفية من عهود سلطنة دارفور، وبالتالي يتحرر اهلنا في دارفور من مذلة الاعتماد علي الاغاثات، رغم تقديرنا للمجتمع الدولي والمنظمات الانسانية التي وقفت مع شعب دارفور في محنته آناء الليل واطراف النهار، ووفرت له احتياجاته من الغذاء والكساء والدواء والماوى. ولكن المهم هو الاستقرار في الاقليم حتي ينعم شعب دارفور بثمرات السلام ويعود الي وضعه الطبيعي كشعب كمنتج.
وهذا يتطلب وحدة كل الحركات حول موقف تفاوضي واحد، والمؤتمر الدارفوري – الدارفوري الجامع حتي يتم الوصول لحل يتراضي عليه الجميع.
ثانيا: التحول الديمقراطي والغاء كل القوانين المقيدة للحريات، وقانون انتخابات ديمقراطي يفتح الطريق امام انتخابات حرة نزيهة، تسدل الستار علي الشمولية من الحياة السياسية السودانية.
ثالثا: تنفيذ الاتفاقات التي تم توقيعها، والتخلي عن سياسة نقض العهود والمواثيق التي كانت سببا في اعادة انتاج الازمة بشكل اعمق.
رابعا: ضرورة النهوض الجماهيري الواسع في الشارع، باعتباره الحاسم في قلب الموازين، وفي التحول الديمقراطي، وقطع الطريق امام مؤامرات المؤتمر الوطني لتمزيق وحدة السودان.
خامسا: تحسين احوال الناس المعيشية التي تدهورت بشكل لا مثيل له في الآونة الاخيرة حيث ارتفعت الاسعار بشكل جنوني، مع ثبات وتدني الاجور، اضافة الي التنمية وتوفير احتياجات المواطنين الاساسية في التعليم والصحة والخدمات..الخ.
سادسا: رفع المظالم والضرر باصدار قرار سياسي بارجاع المفصولين من مدنيين وعسكريين.
ان اتخاذ هذه التدابير يمكن ان تفتح الطريق امام مصالحة وطنية حقيقية، يتم فيها رفع الضرر والمظالم، وتفتح الطريق امام وحدة البلاد وقطع الطريق امام المؤامرات لتقطيع اوصال البلاد وتحويلها لصومال أو رواندا اخري.


10
استغلال الدين في الدعاية الانتخابية
مرة أخري تطل الاسطوانة المشروخة برأسها والتي تتعلق باستغلال الدين في السياسة من أجل تحقيق كسب انتخابي زائل، من اجل مصالح دنيوية زائلة، فتطل علينا مايسمي بهيئة علماء السودان في ندوتها الأخيرة علي اختلاف الآراء فيها، فمنهم من قائل: ( الانتخابات اسفاف ومضيعة للزمن)، ( والانتخابات في ظل التنافس الديمقراطي تعتبر باطلة وكفر)، أما عبد الحي يوسف فيقول: ( التصويت للعلمانيين ذنب لايغتفر)، أما محمد سيداحمد حاج فقد اورد ( صوّت للذي يأكل المليونين، فهو أفضل من الذي يأكل ال 50 مليون)، كما دعي محمد عثمان صالح الي ( التصويت للذي يحكم الشريعة).
فأي من هؤلاء نصدق؟ بعد عشرين عاما من تجربة نظام الانقاذ الذي بدأ بالفصل التعسفي حتي بلغ عدد المفصولين حوالي 400 ألف من العمل ، واعتقل ووتعذيب الالاف من المعتقلين السياسيين، ودعا لحرب جهادية باسم الدين كان ضحاياها الالاف، وبعد ذلك وقع اتفاقات في نيفاشا والشرق وابوجا، ليتضح خطل تلك الدعاوي وازهاق تلك الارواح بلا طائل، وخاصة ان البلاد كانت قد وصلت الي اتفاق الميرغني – قرنق، وان بشائر السلام كانت علي الابواب قبل أن يجهضها الانقلاب وتزداد المشكلة تعقيدا والتي تهدد حاليا بانفصال الجنوب، ما رأي هؤلاء في ذلك؟ وما رأيهم في قتلي حرب دارفور والذين تقدرهم الامم المتحدة ب 300 الف، اضافة لضحايا النزوح والتشريد؟؟ .، كما تفشي الفساد وانتشر الفقر الذي اصبح يشكل 95%، ورفعت الانقاذ يدها عن التعليم والصحة، وتهدد بفصل الاطباء المضربين، وارهابهم وتهديدهم بالقتل من قبل جماعات الهوس الديني وتكفيرهم واستخدام اجهزة الدولة الاعلامية ضدهم، والاعتداء علي طبيبة، ومحاصرة الشرطة لميزهم لا لشئ الا لأنهم طالبوا بحقوق مشروعة ونفذوا اضرابا مشروعا كفله لهم قانون النقابات لعام 2009م، وما علاقة ذلك بالدين؟ وما علاقة الائمة الذين يصعدون منابر الجوامع ليطالبوا بعدم التصويت للمرشحين من غير مرشحي المؤتمر الوطني باعتبارهم كفار وملحدين وعلمانيين،بالدين؟ وما رأيهم في كل تلك المآسي التي تحدث في البلاد؟، واين قولتهم للحق في وجه سلطان جائر؟.
وتأتي مهزلة بابكر حنين في برنامج منبر سونا الذي تبثه قناة النيل الأزرق للمرشحين لرئاسة الجمهورية، والذي يعتبر برنامج لمحاكمة الأحزاب السياسية وتشوية صورة المرشحين امام البشير، لتؤكد استغلال الدين في الحملة الانتخابية، من خلال الترصد وسبق الاصرار بالسؤال عن صلاة الاستاذ محمد ابراهيم نقد والتي لاعلاقة لها بالبرنامج الانتخابي للمرشح موضوع الحلقة وليس مطلوبا من المرشح أن يجيب عليه، ليتم استغلال الاجابة، بما اوردته صحيفة الاهرام ( الاثنين: 23/3/2010م)، بان احد المواطنين رفع دعوي ضده ب(المجاهرة بالمعصية)، علما بانه ليس معروفا عن الاستاذ نقد المجاهرة بالمعصية طيلة عمله بالحياة السياسية لأكثر خمسين عاما، فلم يصعد لمنبر ليطالب الناس بترك الشعائر الدينية، وان برنامج الحزب الشيوعي السوداني المجاز في المؤتمر الخامس يدعو الي احترام معتقدات الناس وعدم الاستهانة بها، ويرفض استغلال الدين لخدمة مصالح دنيوية اقتصادية وسياسية. ولكن الواضح من تلك الدعوي هي كسب دعائي انتخابي رخيص.
لقد اكدت تجربة الشعب السوداني أن استغلال الدين في السياسة تجارة بائرة وخاسرة، وتمت هزيمة تلك الدعاوي منذ مؤامرة معهد المعلمين العالي 1965م، وحل الحزب الشيوعي وطرد نوابه من البرلمان ومحكمة الردة للاستاذ محمود محمد طه عام 1968م، ومؤامرة الدستور عام 1968م بهدف مصادرة الحقوق والحريات الديمقراطية، وحتي تجربة قوانين سبتمبر 1983م والتي كانت من اكثر الفترات حالكة السواد في تاريخ السودان، وتم تكفير واعدام الاستاذ محمود محمد طه، وحتي قيام دولة الانقاذ الدينية والتي وجدت مقاومة واسعة من الشعب السوداني، اضافة الي ماتوصلت اليه الحركة السياسية المعارضة في ميثاق اسمرا عام 1995م حول( فصل الدين عن السياسة)، حتي تم توقيع اتفاقية نيفاشا نتيجة للضغوط الداخلية والخارجية والتي فتحت الطريق لمواصلة النضال من اجل التحول الديمقراطي، وبعد اتفاقية نيفاشا هزمت الحركة السياسية والفكرية السودانية حملات التكفير من قبل ما يسمي بعلماء السودان والمهوسين دينيا للناشطين من الصحفيين والكتاب، وتكفير الجبهة الديمقراطية بجامعة الخرطوم وتكفير السيد الصادق المهدي ود. حسن الترابي وياسر عرمان، والهجوم علي معرض الكتاب المسيحي وتكفير ما يسمي ب(الرابطة الشرعية للعلماء) للحزب الشيوعي، وسوف تتم هزيمة الحملة الحالية ضد الاستاذ نقد.
ان قضية الساعة هي توفير المناخ الملائم لقيام انتخابات حرة نزيهة بتوفير مطلوباتها التي تتلخص في: بسط الحريات والغاء قانون الأمن، واعادة النظر في التجاوزات في الاحصاء السكاني والسجل الانتخابي ومفوضية انتخابات مستقلة ومحايدة، وفرص متساوية للمرشحين في أجهزة الاعلام، ورفض استغلال المؤتمر الوطني للاعلام كما في برنامج بابكر حنين المفضوح، والحل الشامل والعادل لقضية دارفور. فبالاضافة لتحالف قوي جوبا( عدا المؤتمر الشعبي) اقتنعت دوائر عالمية واسعة بأن قيام انتخابات مشوهة وجزئية سوف تعيد البلاد لمربع الحرب وانفصال الجنوب وربما دارفور والشرق، فلماذا اصرار المؤتمر الوطني علي ذلك ان لم يكن فعلا قد زوّر الاحصاء السكاني والسجل الانتخابي؟، وأن تاجيل الانتخابات تعني مراجعة ذلك التزوير الذي لن يكسبه شرعية، بل سوف يؤدي الي دمار البلاد، وعلي سبيل المثال: اشأر مركز كارتر الي عدم توفير مطلوبات الانتخابات والي استحالة قيامها في ابريل 2010م فنيا وموضوعيا، كما أشار تقرير مركز الأزمات الأخير، الي ان الانتخابات الحرة النزيهة تؤدي الي الاستقرار والوحدة الجاذبة، وانه اذا تمت في المناخ الحالي، فان الجنوبيين سوف يختاروا الانفصال، وبالتالي يجب التفكير في قضايا مابعد الاستفتاء حتي لاتعود البلاد لمربع الحرب، وان فشل الانتخابات تعني فشل الاستفتاء، اضافة الي ضرورة الحل الشامل والعادل لقضية دارفور.
اذن هناك مطالب موضوعية تحتم تأجيل الانتخابات ويجب دراستها، لا التهديد بطرد المنظمات التي تطالب بتاجيل الانتخابات وقطع الأنف واليد والعنق( تصريح الرئيس البشير: الصحافة بتاريخ: 23/3/ 2010م)، علما بأن هذا الحديث علي الهواء وعلي مرأي ومسمع من الرأي العام العالمي!!!، وفي العدد نفسه نجد تصريحا عقلانيا من النائب الأول سلفاكير يطالب مؤسسة الرئاسة ببحث مذكرة المعارضة حول تأجيل الانتخابات( الصحافة:23/3/2010م).
فالبلاد تمر الآن بمنعطف خطير لايفيد فيه استغلال الدين والارهاب باسم الدين، والاصرار علي السير في قيام انتخابات غير متوفرة مطلوباتها تعيد انتاج الأزمة بشكل اوسع من الماضي وتؤدي الي تمزيق وحدة البلاد.
استمرار مسيرات المعارضة:


11
مفتاح الحل في يد الجماهير
اكدت مسيرة قوي المعارضة الاثنين: 14/12/2009م في العاصمة القومية وبعض الأقاليم (عطبرة، سنجة..) استمرار وتصاعد واتساع المقاومة وتزايد اشتعالها ضد النظام الديكتاتوري المتسلط ، وأن مفتاح الحل للازمة السودانية في يد الجماهير التي ما لانت ولا استكانت وما خبأت جذوة نضالها منذ انقلاب يونيو 1989م.
وجاءت المسيرة في العاصمة بعد ندوات جماهيرية حاشدة نظمتها قوي الاجماع الوطني خلال أقل من اسبوع في دار حزب الأمة وفي منطقة الحاج يوسف وامبدة ومايو وفي الميدان الغربي بجامعة الخرطوم، والتي اكدت تصميم الجماهير علي منازلة النظام رغم التهديد والوعيد ومحاولته اليائسة لشق صفوف المعارضة، وتراجعه باتفاقه مع الحركة الشعبية حول (قانون الاستفتاء لتقرير المصير وقانون المشورة الشعبية واستفتاء ابيي)، ورغم ترحيب القوي السياسية باجازة تلك القوانين والتي كان من المفترض اجازتها قبل اربع سنوات، الا ان هنالك قوانين مهمة للتحول الديمقراطي مازالت معلقة مثل: قانون الأمن الوطني والقانون الجنائي وقانون الاجراءات الجنائية..الخ، ومن المهم مواصلة النضال من أجل انتزاع بقية المطالب.
ورغم تهديد المؤتمر الوطني بقمع المسيرة والرجوع للمربع الأول، والاستعداد لتقديم 100 الف شهيد بعد أن قدم 40 ألف شهيد في بداية الانقاذ، وتصريح نافع ان المعارضة غير قادرة علي الخروج الا اذا استوردت جماهير من الخارج!!، وحديثه أن الحركة الشعبية سوف تخرج من تحالف جوبا، رغم كل ذلك، ورغم تحويل مكان المسيرة في ام درمان الي ثكنات عسكرية واغلاق كل المنافذ التي تؤدي الي مقر المجلس الوطني، وارجاع اعداد ضخمة باغلاق الشوارع، الا أن المسيرة خرجت هادرة من دار حركة تحرير دارفور(مناوي) وتم قمعها بوحشية، تؤكد مرة أخري الفزع والهلع من مسيرة سلمية تطالب بدفع استحقاقات التحول الديمقراطي وبهتافات مثل: (حرية - سلام – عدالة – الوحدة خيار الشعب)، تم قمع هذه المظاهرة ب(البمبان) المسيل للدموع والخانق المستورد من ايران والعصي الكهربائية والرصاص المطاطي..، واعتقال العشرات من القوي السياسية المختلفة ومحاصرة المتواجدين في دار حركة تحرير دارفور في وسط دخان كثيف من الغاز المسيل للدموع، مما يؤكد الطبيعة القمعية والوحشية للنظام، وعداءه للديمقراطية والحقوق الأساسية حتي النخاع.
كما بدد ذلك اوهاما كثيرة كانت تعشعش في اذهان البعض، انه يمكن التعايش مع سيف المعز وذهبه، مع المؤتمر الوطني وقواعد لعبته في تزوير الانتخابات، وأن جذوة الحركة الجماهيرية قد خمدت، وانه تم تدجين الشارع السوداني، ولا بديل غير الانصياع لممارسات وقمع النظام كقدر لا مرد له، كل تلك الاوهام قد تبددت وذهبت ادراج الرياح وتأكدت حقيقة استمرار وتراكم المقاومة للنظام الديكتاتوري الشمولي حتي اسقاطه في نهاية المطاف واستعادة الحقوق والحريات الديمقراطية غير المنقوصة.
كما أشرنا في مقال سابق الي عمق أزمة النظام، حتي أصبح المؤتمر الوطني في قراراته كمن يتخبطه الشيطان من المس، وعمق التناقضات داخله، وتبرم عناصر داخله ومحاولاتها لانقاذ النظام بتقديم تنازلات محدودة للمعارضة والمحافظة علي قوانين لعبة (التنصل من اتفاقية نيفاشا)، وقيام نظام انتخابي يرتكز علي تزوير ارادة الناخبين. كما سخر الناس من فتوي ما يسمي ب(هيئة علماء السودان) بعدم جواز الخروج في المظاهرات، حتي اصبحت مثارا للتندر من قوي الاستنارة والوعي بما فيها من هم داخل الحركة الاسلامية نفسها (فتوي الشيخ القرضاوي بجواز المسيرات السلمية)، هذا اضافة لاستمرار عمق التناقضات داخل المؤتمر الوطني والصراع حول المصالح، ومن أجل الترشيح لمنصب الوالي، وفي بعض المناطق(القضارف) وصل الصراع الي اطلاق النار كما رشح في الصحف، واتهام فرنسا بأنها وراء تحالف المعارضة. هذا اضافة للصراع بين الشريكين في الحكم واعتقال وزراء ونواب برلمانيين وقيادات في الحركة الشعبية وضربهم واهانتهم دون اعتبار للحصانة والشراكة في الحكم، وتلك من علامات الساعة التي تؤشر الي قرب انهيار النظام، عندما تصل التناقضات الداخلية فيه الي ذروتها مع نهوض جماهيري، وحركة جماهيرية مصممة علي مواصلة النضال حتي النصر، وقيادة موحدة وثابتة تحدد اهداف ومطالب المعركة بوضوح، وهذا مابدا يتبلور خلال الاسبوع الماضي من خلال النهوض الجماهيري.
ومن الجانب الآخر احتل وجه شعب السودان الوضاء والمشرق مقدمة اخبار القنوات الفضائية ووكالات الأنباء، واتسعت دائرة التضامن معه ضد القهر والقمع، من خلال ادانة الأمين العام للامم المتحدة وامريكا وبريطانيا وفرنسا والاتحاد الاوربي ومنظمة العفو الدولية..الخ لقمع المسيرة السلمية ومطالبة الحكومة بالسماح للمسيرات السلمية، اضافة لمواكب التضامن مع شعب السودان في الخارج. كل ذلك يوضح عزلة النظام داخليا وخارجيا.
اكدت الأزمة ضرورة وحدة المعارضة التي تتحطم علي صخرتها نصال مؤامرات المؤتمر الوطني، وضرورة الحل الشامل، ورفض الحلول الجزئية ودور الشارع الحاسم في تغيير الموازين لمصلحة التحول الديمقراطي.
ويبقي ضرورة تعميق وحدة وتوسيع قوي المعارضة بعد الانتصار الجزئي الذي حققته في موضوع القوانين من أجل انجاز بقية المطالب مثل:
- الغاء بقية القوانين المقيدة للحريات وقوانين بديلة تتمشي مع الدستور الانتقالي لسنة 2005م.
- تحسين احوال الناس المعيشية والغاء الزيادات في الاسعار ولجم الفساد والفقر.
- الحل الشامل والعادل لقضية دارفور.
- تنفيذ اتفاقية نيفاشا وبقية الاتفاقات.
- تحقيق شروط قيام الانتخابات الحرة النزيهة والتي تتمثل في الغاء السجل الانتخابي المزور الحالي، واعادة النظر في الاحصاء السكاني، وفتح فرص الاعلام بالتساوي لكل القوي السياسية.
- اصدار قرار سياسي بعودة المفصولين للعمل.
- التمسك بوحدة السودان في وجه مؤامرات المؤتمر الوطني لتمزيقها، بفصل الجنوب من أجل أن يبقي في الحكم، ويخرج الحركة الشعبية من قوي المعارضة.
- ضرورة تحقيق المؤتمر القومي الجامع للانتقال من الثنائية للحل الشامل لكل أقاليم السودان وبقية المشاكل.
وأخيرا، نختم بحديث باقان أموم الأمين العام للحركة الشعبية في ندوة قوي الاجماع الوطني بالحاج يوسف، والذي له مغزاه، حين أشار ( بعد خروجي من السجن اكتشفت أن جلوسنا في المفاوضات مع ناس نافع طوال الخمس سنوات الماضية لقيتو ما( نافع)، وكذلك مع كل الوسطاء الذين تدخلوا لحل المشكل السوداني، ومؤخرا اكتشفت أن الذي يمكنه حل هذه القضية هو الشعب السوداني .. وهذا اكبر درس تعلمناه في فترة الاعتقال القصيرة هذه).
كما مارس باقان فضيلة النقد الذاتي وقدم اعتذارا للشعب السوداني في تلك الندوة عن الفترة التي أضاعتها الحركة الشعبية في التفاوض مع المؤتمر الوطني، دون التوصل لاتفاق ينهي معاناة الشعب السوداني.
هكذا اكدت التجربة العملية الحقيقة البسيطة: أن مفتاح حل قضايا البلاد في يد السودانيين أنفسهم، وأن النضال الجماهيري هو الحاسم في تغيير الأوضاع في اتجاه التحول الديمقراطي والتنمية والعدالة الاجتماعية والحفاظ علي وحدة البلاد وترسيخ السلام.


12
تطورات جديدة في مسار المعركة الانتخابية
دخلت المعركة الانتخابية فترة جديدة من تطورها بقرار المكتب السياسي للحركة بالتنسيق في الانتخابات مع قوي الاجماع الوطني( جوبا)، وكانت التكهنات أن الحركة سوف تتحالف مع الوطني ولاسيما بعد اجتماع الشريكين الأخير، وجاء تصريح سلفاكير بأن الشريكين في لقائهما لم يتطرقا للتحالف بينهما في الانتخابات، وهذا من شأنه ان يدفع بعمل جماهيري مشترك في المعركة الانتخابية يسهم في تفكيك الشمولية.
يضاف الي ذلك الطعن الذي تقدم بهما مواطنان في أهلية ترشيح عمر البشير لرئاسة الجمهورية، مما يؤكد الجرأة في مواجهة وتفكيك الشمولية من الطعنين المؤسسين علي حقائق موضوعية، اضافة لمواجهة صلاح قوش في الاجتماع الذي عقده لدعم حملة ترشيحه في دائرة مروي، بقمع مواطني أمري، وهذا يؤكد فعلا لا قولا ان معركة الانتخابات القادمة هي معركة بين الشعب وجلاديه، وكشف حساب لكل الجرائم التي ارتكبها نظام الانقاذ في العشرين عاما الماضية من قمع وفساد في الارض وتفريط في سيادة ووحدة البلاد، ونهب للممتلكات العامة واثراء علي حساب الشعب بعد اذلاله وافقاره وتجريده من كل حقوقه وحرياته الأساسية.
ومن التطورات ايضا قرار المحكمة الجنائية بالتراجع عن توجيه تهمة الابادة الجماعية وطلب القبض علي البشير بعد النظر في اسئناف اوكامبو، وهذا يعني احتمال توجيه تهمة الابادة الجماعية وطلب القبض علي البشير، وهذا يترك كل الاحتمالات مفتوحة مثل: تأجيل المؤتمر الوطي للانتخابات لأن الرياح لاتأتي بما تشتهي سفنه، اضافه الي احتمال انقلاب من باطن النظام الذي تثقل كاهله الصراعات الداخلية لمواجهة تطورات الجنائية.
هذا اضافة لمقاطعة احزاب المعارضة في جنوب دارفور للانتخابات بسبب حالة الطوارئ في الاقليم واستمرار الحرب وصعوبة الحركة والتزوير في الاحصاء السكاني والسجل الانتخابي، وهي مطالب موضوعية وحقيقية، لاعلاقة لها بموقف سلبي أو تطهري من الانتخابات. اضافة لمقاطعة الحركة الشعبية للانتخابات في جنوب كردفان بسبب الخلاف حول الاحصاء السكاني والاجحاف الاثني في توزيع الدوائر، اضافة للصراعات القبلية في الجنوب والتي تشكل مصاعب حقيقية في اجراء الانتخابات. هذا اضافة لحجم التزوير الكبير والذي قدره علي محمود حسنين حسب معلومات وصفها بأنها دقيقة بأنه بلغ 8 مليون من المسجلين الذين قدرتهم المفوضية ب 16 مليون، اذ أن عدد المسجلين الفعلي 8 مليون، وتم تزوير 8 مليون بهدف ضمان فوز المؤتمر الوطني في اسوأ الفروض بنسبة(50% + 1)، مما يتطلب معركة جماهيرية لكشف التزوير من خلال وثائق دامغة تقنع الرأي العام المحلي والعالمي ويفتح الباب لنهوض جماهيري أثناء المعركة الانتخابية وبعدها.
كما جاء اجتماع قوي جوبا بتاريخ: 2/2/ 2010م، ليضيف زخما ايجابيا في اتجاه تحقيق مطلوبات الانتخابات، كما وضح من البيان الذي صدر من الاجتماع، وهذا يتطلب من قوي جوبا التحضير الجيّد للمؤتمر الجامع حول دارفور وتصعيد النشاط السياسي الجماهيري لتحقيق مطلوبات الانتخابات بالغاء القوانين المقيدة للحريات وعلي رأسها قانون الأمن، والتحضير الجيد للمواكب والمسيرات والندوات الحاشدة.
اضافة للتطورات الداخلية، هناك الضغوط الخارجية مثل طلب امريكا من البشير لتسليم نفسه، وتصريح اوباما بمواصلة الضغط من أجل السلام في دارفور،وتصريح كاثرين اشتون مسئولة الشئون الخارجية للاتحاد الاوربي بتكوين بعثة لمراقبة انتخابات السودان مكونة من 130 مراقبا من الاتحاد الاوربي لمراقبة الانتخابات. اضافة لاقتناع دوائر عالمية بضرورة وحدة السودان، لأن الانفصال سيؤدي الي عدم الاستقرار في المنطقة مثل: الدعوة البرلمانية الفرنسية لمؤتمر يكّرس وحدة السودان من نائبين: سرج جانكين(اشتراكي)، وباتريك لابوين(يميني)، وهذا نشاط خارجي يحتاج لدعم بنشاط سوداني جماهيري داخل وخارج السودان من أجل وحدة السودان والعمل المثابر والدوؤب من اجل أن يأتي الاستفتاء علي تقرير المصير في صالح وحدة البلاد، وهذا من صميم وجوهر المعركة الانتخابية باعتبارها معركة من أجل الديمقراطية ووحدة الوطن في أهداف وشعارات قوي المعارضة الأساسية.



13
الأزمة في السودان : الأسباب والمخرج
أشرنا في مقال سابق الي (تفاقم أزمة الحكم في السودان) وعددنا مظاهر الأزمة في جوانبها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والاخلاقية وما تنذر به من تهديد لوحدة البلاد من خلال ارتفاع اصوات الانفصال، علما بان الانفصال لن يحل المشكلة وستظل المشاكل موجودة في الشمال والجنوب وسيستمر التوتر بين الشمال والجنوب بعد الانفصال، هذا فضلا عن احتمال ظهور اصوات انفصالية أخري في الغرب والشرق، والنتيجة ستكون تشظي السودان الذي ظل موحدا لما يقارب قرنين من الزمان، والتهاب التوتر في كل اوصاله، وبالتالي فان دعاوي الانفصال خطرة والتي سوف تؤدي الي انفجار الوضع في المنطقة، بحكم وضع السودان وتقاطع المصالح الدولية فيه.
ونتناول في هذ المقال أسباب الازمة والطريق الي المخرج منها
من أسباب الأزمة عدم الوفاء بالعهود والمواثيق بعدم تنفيذ الاتفاقات التي ابرمها النظام حتي الان مثل: اتفاقية نيفاشا المشهودة دوليا واتفاقية القاهرة وابوجا والشرق...الخ، وافراغ المؤتمر الوطني اتفاقية نيفاشا من محتواها بعدم الغاء القوانين المقيدة للحريات وعدم تحسين الاوضاع المعيشية والتنمية في الشمال والجنوب والتي تجعل من الوحدة جاذبة وتضمن استمرارية السلام، اضافة لاستخدام المؤتمر الوطني أغلبيته الميكانيكية في الحكومة والمجلس الوطني مما كان له الأثر في اعادة انتاج الشمولية والديكتاتورية وتمرير كل سياساته الاقتصادية التي افقرت الشعب السوداني، هذا اضافة لعدم الاتفاق علي ترسيم الحدود وتنفيذ قرار محكمة ابيي، وعدم الاتفاق علي قانون الاستفتاء والاحصاء السكاني والتجاوزات التي حدثت في عملية التسجيل للانتخابات تمهيدا لتزويرها، والتي استنكرتها قوي المعارضة في الداخل والخارج والمنظمات الدولية، علما بان تزوير الانتخابات لن يحل أزمة الحكم بل سوف يزيدها تفاقما، وسوف تنتصر ارادة شعب السودان في تصفية الديكتاتورية والشمولية والتي قاومها منذ صبيحة انقلاب 30/يونيو/ 1989م، وتتم استعادة الديمقراطية الحقوق والحريات الأساسية طال الزمن ام قصر.
كان من المفترض لانجاح فترة الانتقال اشراك الجميع واتخاذ القرارات في الحكومة والمجلس الوطني بالتوافق والغاء كل القوانين المقيدة للحريات التي تتعارض مع الدستور وتحسين احوال الناس المعيشية والحل الشامل والعادل لأزمة دارفور وتوسيع نطاق اتفاقية نيفاشا لتشمل بقية أقاليم السودان، وكان ذلك سوف ينفذ البلاد من الطوفان ويرسوا بها الي بر الأمان، وتلك لعمري كانت فرصة تاريخية تضمن وحدة واستقرار البلاد. وذلك هو الطريق الذي سلكته البلدان التي مرت بالأزمة نفسها واجرت مصالحة وطنية تم فيها اطلاق الحريات العامة ودفع الضرر وازالة المظالم واجرت انتخابات حرة نزيهة اخرجتها من ظلمات الأزمة، ولكن ذلك لم يتم ، بل استمر المؤتمر الوطني في نهجه القديم والذي كان سببا في الأزمة واعادة انتاج الأزمة.
هذا اضافة لتنكر المؤتمر الوطني لوثيقة الحقوق في دستور السودان الانتقالي لعام 2005م والتي كفلت حق الحياة، والحرية الشخصية، ومناهضة التعذيب، والمحاكمة العادلة والخصوصية، وحرية الضمير والدين، وحرية الاعلام والتعبير، وحرية التجمع والانضمام الي الجمعيات، والمساواة أمام القانون، والحق في الحماية من التمييز. كما أشارت الاتفاقية الي ان يكون جهاز الأمن( جهازا مهنيا، ويكون التفويض المخول له هو تقديم النصح والتركيز علي جمع المعلومات وتحليلها)( المادة: 2- 7- 2- 4)، مما يتعارض مع قانون الأمن المعروض حاليا امام البرلمان، ومن الأمثلة علي تجاوز الدستور: اطلاق النار علي تجمعات سلمية في بورتسودان وكجبار وحوادث الاعتقالات والتعذيب وانتهاكات حقوق الانسان والتصدي بالقمع لمواكب سلمية مثل موكب: مناهضة الزيادات في الأسعار وموكب المفصولين ومنع ندوات الأحزاب السياسية وورش العمل، وغير ذلك من الممارسات المنافية للدستور الانتقالي.
ومن أسباب الأزمة أيضا فشل الحل الثنائي، رغم ترحيب أهل السودان والمجتمع الدولي باتفاق السلام في نيفاشا والذي اوقف نزيف الدم في الجنوب وفتح الطريق لمواصلة الصراع من أجل استكمال التحول الديمقراطي ورفع المظالم والضرر وأهمها اصدار قرار سياسي بتسوية اوضاع المفصولين تعسفيا، واستكمال الاتفاق ليشمل كل أقاليم السودان واشراك كل القوي السياسية بعقد المؤتمر الجامع للانتقال من الثنائية الي الحل الشامل.
ويبقي الطريق السالك للمخرج من الأزمة والذي يتلخص في الاتي:
- تنفيذ اتفاقية نيفاشا وبقية الاتفاقات.
- عقد المؤتمر القومي الجامع الذي يفتح الطريق للحل الشامل لكل أقاليم البلاد وبقية مشاكل السودان.
- الحل الشامل والعادل لقضية دارفور.
- الغاء القوانين المقيدة للحريات.
- حل كل المشاكل التي تعترض قانون الاستفتاء والتجاوزات التي تمت في الأحصاء السكاني والتسجيل حتي تكون الانتخابات حرة ونزيهة.
- تحقيق أوسع تحالف انتخابي من اجل انهاء الشمولية والديكتاتورية من الحياة السياسية السودانية.
- تحقيق التنمية وتحسين الاوضاع المعيشية وتوفير احتياجات الناس الأساسية(التعليم والصحة وبقية الخدمات) في الشمال والجنوب حتي يجني المواطنون ثمار السلام وتكون الوحدة هي الراجحة والجاذبة.

14
الاستفتاء وضرورة الحل الداخلي
مازالت قضايا ومشاكل انجاز عملية الاستفتاء علي تقرير المصير تراوح مكانها، رغم تبقي شهرين لموعده، هذا اضافة الي عدم واقعية انجازه في المواعيد المحددة، فرئيس مفوضية الاستفتاء محمد ابراهيم خليل في تصريحاته يشير الي احتياج ثلاثة شهور من بدء التسجيل الانتخابي الي عملية الاقتراع، والي أن تعيين المفوضية تأخر وكان من المفترض أن يتم قبل ثلاث سنوات، وأن قانون الاستفتاء صدر في في ديسمبر 2009م بدلا عن عام 2007. اضافة الي المشاكل الأخري مثل: عدم ترسيم الحدود، ومن يحق له الاستفتاء في الداخل والخارج، والخلاف حول عدد الجنوبيين في الخرطوم الذي ارتفع في تقديرات احصاءات الخرطوم من 500 ألف بقدرة قادر في الاحصاء السكاني الأخير الي حوالي 3 مليون نسمة، وعدم الاتفاق علي ترتيبات مابعد الاستفتاء في حالة الانفصال مثل: الجنسية، والبترول، ومياه النيل، وتقسيم اصول الدولة السودانية، والديون...الخ، اضافة الي الخلاف حول ابيي التي أصبحت معروضة في المزاد بين الحركة الشعبية والمؤتمر الوطني بعيدا عن سكانها وحكمائها ( المسيرية وبقية القبائل ودينكا نقوك) والذين هم الاقدر علي حلها، وعدم الاستقرار الأمني والاشتباكات القبلية في الجنوب والمجاعات، والتخوف من الجيش الشعبي في نسف مصداقية الاستفتاء، ومصادرة الحريات في الجنوب التي تتمثل في كبت اصوات المنادين بالوحدة. وهناك ايضا تصريح سلفاكير الأخير حول فشل الشريكين في التصديق علي موازنة الاستفتاء والذي دعا الجنوبيين للاستقطاع من مرتبانهم لفترة شهر لتغطية العجز، وأن الجنوب سوف يمر باوضاع اقتصادية ومالية سيئة عقب الانفصال. اضافة الي التوتر علي الحدود بين الشمال والجنوب ونذر الحرب التي بدات تطل برأسها والتي يجب منعها بكل الوسائل والسبل، والصراع داخل الحركة الشعبية والمؤتمر الوطني، ونذر تحول الشرق الي بؤرة ملتهبة مثل دارفور، ومشاكل جنوب النيل الأزرق وجبال النوبا، وفشل الحل العسكري الذي ازداد عدد ضحاياه في دارفور، وتدهور الاوضاع المعيشية وارتفاع الجبايات والضرائب، مما ادي الي اضراب اصحاب الحافلات وتراجع الحكومة عنها. كل ذلك يوضح أن الاوضاع داخل البلاد اصبحت غير محتملة، فأزمة السلطة اصبحت عميقةوان الجماهير ماعادت تحتمل العيش تحت ظل هذه الأوضاع مما يتطلب القيادة السياسية الصلبة التي تتصدي للتغيير، واستنهاض الحركة الجماهيرية والتي تشكل العامل الحاسم في التحول الديمقراطي وتوحيد البلاد وتحسين الاوضاع المعيشية والحل الشامل والعادل لقضية دارفور.
هذا اضافة لحجر الحريات الديمقراطية في الشمال والتي تعتبر ضرورية في هذه المرحلة مثل اعتقال الصحفي جعفر السبكي الذي تم اقتياده من مقر عمله في صحيفة الصحافة ، مما يتطلب حملة واسعة لاطلاق سراحه واطلاق بقية الصحفيين والاعلاميين المعتقلين.
ورفض الحركة الشعبية الاقتراح المصري بتاجيل الاستفتاء والكونفدرالية، وفشل محادثات اثيوبيا حول ابيي، وفشل التدخل الأمريكي عن طريق سياسة( العصا والجذرة) والذي يوضح مدي هوان النظام الحاكم في السودان وفقدان البلاد لسيادتها الوطنية، وتجاهلها للقوي السياسية السودانية.
وهناك صراع المصالح حول موارد السودان، فامريكا التي غضت الطرف عن تزوير الانتخابات، اصبحت سافرة في دعمها لانفصال الجنوب بهدف ترسيخ أقدامها في المنطقة وايقاف المد الصيني والاستيلاء علي النفط في الجنوب، كما يتضح من انها قدمت دعما ماليا سنويا حوالي مليار دولار للجنوب لانشاء بنية تحتية وتدريب رجال الأمن وتشكيل جيش قادر علي تأمين منابع النفط وبقية الموارد. اضافة الي دور اسرائيل التي تريد موطئ قدم في الجنوب للسيطرة علي منابع النيل، بعد ان أقامت سدود في كينيا ويوغندا واثيوبيا، كما يتضح من تصريحات ممثل جنوب السودان في واشنطن (ازيكيل غاتكوث) أن الدولة الجديدة في الجنوب سوف تقيم علاقة مع اسرائيل، مما يوضح أن الاتجاه الانفصالي التقليدي في الجنوب منذ حركة الانيانيا بدأ يطل برأسه من جديد وبكل علاقاته القديمة مع اسرائيل.
وخلاصة الأمر أن الشريكين عجزا عن حل أزمة البلاد، وفرطا في استقلال البلاد، وتأكد فشل الحل الثنائي بدعم من امريكا وشركائها. مما يتطلب أن يأخذ شعب السودان زمام أمره والذي اذا ماتحدت قواه السياسية وقويت ارادته السياسية، يمكن أن يحل مشاكله، وان حل الأزمة العميقة التي تمر بها البلاد يكمن في الداخل.



15
مصاعب تواجه الانتخابات في السودان
(حذفته الرقابة القبلية علي الصحف)
هناك مصاعب أمنية واقتصادية تواجه العملية الانتخابية في البلاد لابد من حلها وتجاوزها حتي نضمن انتخابات شاملة لكل انحاء السودان وحرة نزيهة، نأخذ علي سبيل المثال الاشتباكات القبلية في جنوب السودان والتي بلغ ضحاياها حسب تقديرات الأمم المتحدة اكثر من ألف شخص ونزوح الالاف جراء المعارك التي دارت في الجنوب في الأشهر الأخيرة.
وفي ابريل 2009م نشب قتال بين قبيلتي موريل ونوير وكان عدد القتلي 250 شخص ، وبعد ذلك بشهر قتل 750 شخص في منطقة بيبور .
وفي مايو 2009م وقعت اشتباكات بين قبيلتي لونوير وجيكاني وبلغ عدد القتلي 66 قتيل علي الأقل.
وفي يونيو 2009م قتل اربعين جنديا في هجوم شنه أفراد قبيلة علي قافلة كبيرة من المساعدان الانسانية في جنوب السودان.
ورشح أخيرا في الأخبار أنه في يوم الاحد 2/8 / الماضي حدثت اشتباكات بين قبيلتي موريل ولونوير راح ضحيتها 161 قتيلا( 100 امرأة وطفل و50 رجلا و11 جنديا)، وتشير الأخبار الي ان الأوضاع في اكوبو في ولاية جونقلي متوترة، بسبب الجوع وشظف وضنك العيش، وترجع اعمال العنف الي سرقة الماشية والخلاف علي الموارد الطببيعية أو بدافع الثأر الي وجود المليشيات هذا فضلا عن وجود جيش الرب.
وقد اكدت تجارب اعمال العنف القبلية بعد توقيع اتفاقية اديس ابابا في مارس 1972م وفي ظل ظروف اليأس والمجاعة وانعدام الخدمات الضرورية مثل التعليم والصحة والتنمية وتوفير خدمات المياه والكهرباء واصلاح البنيات التحتية، أن تلك الاوضاع تؤدي الي انفجار الحرب الأهلية، وهذا ويشير ارتفاع عدد الضحايا الي أن ذلك ينذر بحرب أهلية بين ابناء الجنوب أنفسهم، مما يتطلب علاج شامل لجذور هذه المشاكل.
هذا وتهدد اعمال العنف في الجنوب الانتخابات في العام المقبل.
اما في دارفور فان الحرب التي اندلعت منذ العام 2003م ولازالت مستمرة فانها ايضا تهدد عملية الانتخابات كما جاء في تصريح من الأمم المتحدة: بأن سكان دارفور قد لايشاركون في الانتخابات المقبلة، مما يتطلب الاسراع بالحل العادل والشامل لقضية دارفور.
وكان من نتائج حرب دارفور أن لقي حوالي 300 ألف شخص مقتلهم واجبر اكثر من مليونين علي النزوح من مناطقهم حسب تقديرات الأمم المتحدة.
واذا اخذنا في الاعتبار الاشتباكات القبلية في جنوب كردفان والمجاعة في شرق السودان والنزاع بين الشريكين حول ابيي بعد قرار محكمة لاهاي، نجد ان هناك عوامل موضوعية سالبة تؤثر علي العملية الانتخابية.
وبالتالي يصبح من شروط نجاح العملية الانتخابية هو معالجة وتجاوز المصاعب الأمنية والصدامات القبلية في الجنوب وجنوب كردفان والحل الشامل لقضية دارفور.
واخيرا اضافة للصدامات والحروب القبلية التي تهدد مسيرة العملية الانتخابية، هناك الأزمة الاقتصادية التي نشبت باظفارها، وحسب تقرير صادر من صندوق النقد الدولي للعام 2009/2010م فقد تراجع احتياطي النقد الأجنبي من 2 مليار دولار الي 300 مليون دولار(في مارس 2009م) بسبب انخفاض اسعار البترول والتدخل المكثف من البنك المركزي لأجل المحافظة علي استقرار سعر صرف الجنية السوداني، هذا اضافة لانخفاض سعر الجنية السوداني مقارنة بالدولار مما ادي الي ارتفاع الأسعار الجنوني الذي يعاني منه المواطنون في هذه الايام وخاصة اسعار الخضر واللحوم وبقية ضروريات الحياة، هذا اضافة للافتراضات الخاطئة التي قامت عليها ميزانية العام 2009م حيث قامت علي افتراض ان سعر برميل البترول 65 دولار في حين السعر نزل الي أقل من ذلك بكثير، كما قفزت ديون السودان المستحقة من 15 مليار عام 2000م الي 34 مليار دولار لتراكم مستحقات ديون نادي باريس والدائنين الآخرين ونتيجة الاستدانة من الصناديق العربية ومن الهند والصين.
اذا اضفنا الي ماورد في تقرير صندوق النقد الدولي، سباق التسلح الذي يمحق الموارد الاقتصادية بين حكومتي الجنوب والشمال: فقد ورد في الأخبار ان حكومة الجنوب اشترت 100 دبابة اكرانية وحكومة الشمال اشترت طائرات ميج روسية.
كل ذلك يزيد الاوضاع سوءا والمزيد من شح الموارد وبالتالي المزيد من الصدامات القبلية والتي تؤثر سلبا علي العملية الانتخابية.
وعليه يصبح ضربة لازب معالجة ووقف التدهور الاقتصادي وعلاج جذور الصدامات القبلية في الجنوب وجنوب كردفان والحل الشامل لقضية دارفور حتي نضمن انتخابات شاملة لكل انحاء السودان وحرة ونزيهة.


16
الانتخابات المزّورة هل تكسب المؤتمر الوطني الشرعية؟!!
بعض الأراء، مع تقديرنا لها، تقول أن دخول المعارضة المعركة الانتخابية مع كل عيوب السجل الانتخابي الحالي المعروفة سوف تكسب المؤتمر الوطني شرعية مفقودة، فهل هذا صحيح؟.
صحيح أن المؤتمر الوطني يحاول عبر تزوير الانتخابات ومصادرة الحريات ان يكسب شرعية مفقودة، ولكن هيهات، فالشرعية لن تأتي عبر انتخابات مزوّرة، ولكنها تستمد من الجماهير والاستجابة لمطالبها والتي تتلخص في التحول الديمقراطي والتنمية المتوازانة وتحسين الاحوال المعيشية والعمل علي الوحدة الجاذبة، وهذا يتناقض تماما مع مصالح واهداف المؤتمر الوطني المعادية للشعب، ولقد اكدت تجارب شعب السودان أن النظم الشمولية التي حاولت ان تكسب شرعية عبر انتخابات شكلية مزّورة (نظام عبود ونظام نميري) ذهبت الي مزبلة التاريخ وكذلك سوف يكون مصير نظام الانقاذ الحالي، وبالتالي من المستحيل أن يكتسب النظام الشرعية، حتي ولو جاء محمولا علي ظهر انتخابات مزّورة والتي سوف تزيد أزمته عمقا واتساعا. فالحركة الجماهيرية التي اشتد ساعدها منذ انقلاب 30 يونيو 1989م، أجبرت النظام علي التراجع مع ضغط المجتمع الدولي بتوقيع اتفاقية نيفاشا والتي فتحت الطريق لمواصلة المعركة من أجل انتزاع التحول الديمقراطي ووحدة الوطن.
للانتخابات استحقاقاتها التي أوضحتها اتفاقية نيفاشا مثل: الغاء قانون الأمن وبقية القوانين المقيدة للحريات والحل الشامل والعادل لقضية دارفور، واعادة النظر في السجل الانتخابي المزّور، واصلاح التجاوزات في الاحصاء السكاني، ومفوضية انتخابات مستقلة ومحايدة..الخ، هذه الاستحقاقات ضرورية حتي لو تم تأجيل الانتخابات، لأن دخول الانتخابات بهذه الخروقات التي فعلها المؤتمر الوطني لن تقود الي استقرار البلاد ولن تكسب الوطني شرعية، وسوف يكون لها تداعيات تؤدي الي العودة الي مربع الحرب الأهلية وانفصال الجنوب وتمزيق البلاد.
وبالتالي ما توصلت اليه قوي المعارضة بتحقيق مطلوبات الانتخابات صائب، وكذلك دخول المعركة في تحالف واسع لاسقاط مرشحي المؤتمر الوطني وانهاء الشمولية والديكتاتورية في عمل جماهيري واسع صائب ايضا، ولن تخسر المعارضة شيئا بدخول المعركة الانتخابية سوي قيودها، ولكنها سوف تدفع بخطوات كبيرة في تصاعد الحركة الجماهيرية وضعها في موقع متقدم، وتوسع الثقوب في جدار الشمولية ، وتواصل الضربات حتي الانهيار الكامل لهذا الجدار. وتلك حصيلة تجاربنا مع الأنظمة الشمولية والتي تم اسقاطها من خلال تراكم أشكال المقاومة المتنوعة، كما تم في اكتوبر 1964م وانتفاضة مارس- ابريل 1985م. لقد ارتضت الحركة السياسية الانتخابات كوسيلة لاستعادة الديمقراطية وانهاء الشمولية، ولكن اذا انسد الأفق امام ذلك الخيار يبقي خيار الانتفاضة الشعبية والاضراب السياسي العام والعصيان المدني وهذا حق مشروع كفلته المواثيق الدولية، وكما اكدت تجربة شعب السودان فان هذا الخيار ليس من رابع المستحيلات.
الجوهري والمهم هو مواصلة استنهاض الحركة الجماهيرية وتوسيع قاعدتها من خلال الندوات والمسيرات ودعم مطالب الجماهير اليومية في المعيشة وتوفير الخدمات واستحقاقات الأجور المتأخرات والتي تجلت في اضرابات اعنصامات عمال السكة الحديد في عطبرة وعمال الشحن والتفريغ في بورتسودان واضرابات المعلمين وعمال النفط في هجليج، والاطباء، والمزارعين في تحالف مزارعي الجزيرة والمناقل ضد خصخصة المشروع، وبقية المشاريع الزراعية، ومطالب الحركة الطلابية من اجل اتحادات ديمقراطية وتوفير مقومات التعليم بتوفير: الأساتذة والسكن والمعامل والمكتبات وضد الرسوم الدراسية الباهظة، وتحقيق اوسع جبهة من أجل الحل الشامل لقضية دارفور وبقية أقاليم السودان...الخ، اضافة للتحالف الواسع لقوي الاجماع الوطني(جوبا) ونشاطه الجماهيري في المدن والاحياء باعتبار ذلك هو الضمان الحاسم لكشف التزوير، والانتصار علي الديكتاتورية والشمولية وانتزاع التحول الديمقراطي وتحقيق وحدة الوطن.


17
الغاء قانون الأمن واجب الساعة
تهل علينا الذكري ال 54 لاستقلال السودان، والبلاد تمر بظروف عصيبة، والتي أصبحت في مفترق الطرق: اما ان يخرج السودان من هذه الأزمة التي يمر بها موحدا وديمقراطيا وفيه متسع للجميع، او يتشظي. وطريق الخروج من الأزمة، واضح كالشمس في ريعان النهار، يتمثل في الوفاء بالعهود والمواثيق وتنفبذ اتفاقية نيفاشا وبقية الاتفاقات، والحل الشامل لقضية دارفور والغاء القوانين المقيدة للحريات، بما فيها قانون الأمن الذي اجازه المجلس الوطني في جلسة الأحد 20- 12- 2009م، وقاطعت الجلسة 3 كتل برلمانية(نواب التجمع ودارفور ومؤتمر البجا) وصوت ضده نواب الحركة الشعبية والأحزاب الجنوبية، مما يوضح ان القانون يعبر عن المؤتمر الوطني، وهذا القانون يعيد البلاد مرة أخري الي الاعتقال التحفظي سئ الصيت، واطلاق يد الأمن في التنكيل بالمعارضين السياسيين والنقابيين دون مساءلة، فضلا عن انه يتعارض مع المادة(151/3) من الدستور الانتقالي لعام 2005م والتي تنص علي أن ( يركز الأمن في مهامه علي جمع المعلومات وتقييمها وتقديم المشورة بشأنها للسلطات المعنية)، فقد منح القانون للجهاز سلطة الاعتقال لمدة 30 يوما وبعد انتهاء المدة يجوز لمدير الجهاز أن يمد فترة الحجز لمدة 15 يوما أخري، ويجوز تمديد فترة الاعتقال الي ثلاثة شهور اضافية، كما جاء في المادة(50) الفقرة (ح)، ومؤكد ان المؤتمر الوطني سوف يستغل هذا القانون في التنكيل بالمعارضين السياسيين واستكمال تزوير الانتخابات. وبالتالي من المهم مواصلة العمل الجماهيري من اجل الغاء هذا القانون.
ولشعب السودان تجربة كبيرة في مقاومة القوانين المقيدة للحريات، فقد قاوم قوانين الادارة الاستعمارية البريطانية مثل: قانون الجمعيات غير المشروعة، وقانون الصحافة، وقانون النشاط الهدام، ولم تستطع تلك القوانين وقف النشاط الجماهيري الذي اشتد ساعده بعد الحرب العالمية الثانية وانتزع شعبنا حق التنظيم والتعبير، وحرية تكوين النقابات والاتحادات من براثن الادارة الاستعمارية، وتواصل النضال حتي تم انتزاع الاستقلال بعد اتفاقية الحكم الذاتي لعام 1953م، وتم انتزاع حق التنظيم والتعبير والنشر والتي كفلها دستور السودان الانتقالي لعام 1956م(عام الاستقلال). وبعد انقلاب نوفمبر 1958م العسكري الذي صادر الحقوق والحريات الديمقراطية قاوم شعبنا قانون دفاع السودان وبقية القوانين المقيدة للحريات التي اصدرها النظام، حتي تم انتزاع الحريات الديمقراطية بعد ثورة اكتوبر 1964م، والتي كفلها دستور السودان الانتقالي المؤقت لعام 1964م. وبعد انقلاب 25 مايو 1969م صادر الانقلاب مرة اخري الحقوق والحريات الديمقراطية في ترسانة القوانين المقيدة للحريات مثل: الأوامر الجمهورية، وقانون امن الدولة، وتعديلات الدستور لعام 1975م التي اباحت الاعتقال التحفظي، وقانون الطمأنينة العامة،(المقصود طمأنينة النظام)، وقانون ممارسة الحقوق السياسية، وقوانين سبتمبر 1983م، كل تلك الترسانة من القوانين لم تتمكن من ايقاف تراكم النضالي الجماهيري والعسكري ضد ، حتي تم تتويج ذلك بانتفاضة مارس – ابريل 1985م، وانتزع شعبنا مرة أخري الحقوق والحريات الديمقراطية التي كفلها دستور السودان الانتقالي المؤقت لعام 1985م.
وبعد انقلاب يونيو 1989م اصدر النظام ترسانة من القوانين المقيدة للحريات وضمن كل القوانين السابقة المقيدة للحريات في القانون الجنائي، كما صادر النظام حق التعبير والنشر وشرد الالاف من اعمالهم ومارس شتي صنوف التنكيل والتعذيب والاغتيال للمعارضين السياسيين، ولكن ذلك لم يوقف المقاومة الجماهيرية والعسكرية للنظام، ونتيجة للضغوط الداخلية والخارجية تم توقيع اتفاقية نيفاشا وبقية الاتفاقات، وتم انتزاع دستور السودان الانتقالي لعام 2005م الذي كفل الحقوق والحريات الأساسية، ولكن المؤتمر الوطني خرق الدستور بمصادرة حق التنظيم والتعبير وقمع المسيرات والمواكب السلمية، واحتكر الاعلام، وفرض الرقابة القبلية علي الصحف والتي قاومها الصحفيون والقوي السياسية ومنظمات المجتمع المدني، اضافة لتزوير انتخابات النقابات وتزوير السجل الانتخابي، وتم تتويج ذلك باجازة قانون الأمن في محاولة يائسة لاعادة عقارب الساعة الي الوراء، ولكن هيهات فقد شبت الحركة الجماهيرية عن الطوق وانتزعت حق الندوات والمسيرات وتتسع كل يوم قاعدة معارضة النظام والحركة الجماهيرية والمطلبية مثل اعتصام عمال السكة الحديد واضرابات المعلمين واضراب العاملين في قطاع النفط من اجل صرف اجورهم واستحقاقاتهم، ومقاومة الزيادات في الاسعار وتعريفة المياه .الخ، اضافة للمطالبة بالغاء قانون الأمن الحالي الذي يتعارض مع الدستور ويكرس تزوير الانتخابات،وخرق اتفاقية نيفاشا مما يهدد باعادة الحرب وانفصال الجنوب.
وحتما سوف ينتصر شعبنا في معركة الحقوق والحريات الديمقراطية كما اوضحت دروس تجربة تاريح السودان الحديث.




18
المسكنات لا تجدي في حل الأزمة
اصبحت أزمة النظام عميقة ومستعصية علي العلاج ، ولا يجدي فيها "المسكنات"، فقد اتسع "الخرق علي الراتق" مثل الحديث عن: اصلاح الخدمة المدنية بعد أن خربها النظام ، والتعليم بعقد مؤتمر للتعليم تكون توصياته جاهزة والتي تؤدي الي المزيد من التخريب وادمان الفشل ، واعادة تأهيل مشروع الجزيرة، ورفع سن التقاعد الي 65 سنة للاستاذ الجامعي، واختيار مدير الجامعة من اثنين ينتخبهما مجلس الأساتذة. والتغييرات في المواقع القيادية داخل المؤتمر الوطني بهدف امتصاص السخط داخل النظام، بعد الصراعات وأخبار الفساد التي باتت تنخر في داخله والتي طفحت علي السطح، ، والهجوم علي المعارضة ومحاولة تفتيتها، ومحاولة التغلغل داخل قطاعات الرياضة والكتاب والمبدعين والمثقفين، ومصادرة النشاط الثقافي المستقل لمنظمات المجتمع المدني والمنتديات الثقافية، في محاولة يائسة لتوسيع قاعدة النظام عن طريق الرشوة والافساد وتزوير الانتخابات. ومواصلة القمع ومصادرة حرية التعبيرمثل: مصادرة صحف: "الوان"، "رأي الشعب"، "الجريدة" و"التيار"، وعدد "الميدان" الصادر بتاريخ 21 فبراير 2012م، وممارسة الاعتقال وتعذيب المعتقلين، واقتحام الحرم الجامعي واعتقال الطلاب من داخلياتهم. فهذا النظام قفل الطريق أمام كل المقترحات للخروج من الأزمة والذي كان سببا فيها: بدءا بالانقلاب علي نظام ديمقراطي منتخب في يونيو 1989م، ومصادرة الحقوق والحريات الديمقراطية وتشريد وتعذيب الالاف من المعارضين السياسيين والنقابيين، واشعال حرب الجنوب بضراوة باسم الدين حتي كانت النتيجة تمزيق الوطن وانفصال الجنوب، واشتعال الحرب في دارفور وجنوب النيل الأزرق وجنوب كردفان، وتعميق الخطاب الجهوي والعنصري، وتدمير الخدمة المدنية ، ونشؤ فئة رأسمالية طفيلية نهبت ثروات البلاد، ويدور الحديث عن أن استثماراتها في ماليزيا فقط بلغت 13 مليار دولار، وخصخصة خدمات الصحة والتعليم، وتدمير وخصخصة مؤسسات القطاع العام وبيعها بأثمان بخسة لمحاسيب النظام.. وبالتالي، فان أزمة النظام أصبحت عميقة والتي لاتجدي فيها المسكنات والوعود، ولابديل غير اسقاط النظام.
ممارسات النظام تزيد الأزمة تفاقما:
الشاهد أن ممارسات النظام لاتساعد في حل الأزمة، بل يسعي حثيثا الي تعميقها كما يتضح من :
*ترتيبات مابعد الانفصال والتي وصل فيها الشريكان الي طريق مسدود مما زاد من معاناة المواطنين في الشمال والجنوب ( البترول، ابيي، ، ترسيم الحدود ومناطق التداخل القبلي، وقضايا الجنسية والمواطنة، ومياه النيل، ومشاكل الطلاب الجنوبيين في الشمال والشماليين في الجنوب..الخ)، مما يهدد بعودة الحرب بين دولتي الشمال والجنوب.
*وكذلك اتجاه المؤتمر الوطني لاقامة حكم شمولي باسم الدين والشريعة الاسلامية، وظهور قوي سلفية ظلامية كذراع له باسم "جبهة الدستور الاسلامي" تهدف الي العودة بالبلاد الي محاكم التفتيش والقرون الوسطي وتلغي الحقوق والحريات الأساسية، والتنوع الديني والثقافي والأثني، وبهدف احكام سيطرتها علي كل مفاصل الدولة في الشمال مما يؤدي الي استفحال الأزمة والمزيد من تمزيق وحدة البلاد، واشعال فتيل الفتنة الدينية والحرب.
* وهناك فشل النظام في معالجة الوضع الاقتصادي المتدهور بعد أن فقد السودان 75% من عائدات النفط مما أدي الي اختلالات داخلية ، وانخفاض في تدفق العملات الأجنبية ، وتأثير علي ميزان المدفوعات وضغوط اضافية علي العجز المالي والاحتياطي من العملات الأجنبية ، والصرف الكبير علي الأمن الذي يشكل 75% من الانفاق العام، والصرف البذخي علي الأجهزة السيادية التي تستنزف البلاد، و ارتفاع معدل التضخم و الارتفاع الكبير في أسعار السلع ،وفشل الموسم الزراعي وضيق المراعي مما يهدد بمجاعة في العام القادم كما جاء في تقرير " الفاو"، وانخفاض قيمة الجنية السوداني، والاتجاه لرفع الدعم عن المنتجات النفطية وغيرها من المنتجات، اضافة لأزمة الديون التي بلغت قيمتها 38 مليار دولار.
* ويزيد النظام الأوضاع تدهورا في دارفور بنقض العهود والمواثبق وتقسيم دارفور الي خمس ولايات، وتعميق الصراعات القبلية والنعرات العنصرية، والفشل في توفير الدعم المالي لاتفاق الدوحة، وتزايد السخط علي النظام من قبائل وشعوب دارفور باعتباره سبب الشقاء والبلاء الذي يعاني منه أهل دارفور. اضافة الي تصعيد الحل العسكري في جنوب كردفان ، وجنوب النيل الأزرق، وأزمة ابيي والوضع المتفجر في شرق السودان، ومشاكل بناء السدود(كجبار، دال، اعتصام المناصير الشريك..الخ) في مصادرة واضحة لحقوق مواطني تلك المناطق المادية والتاريخية والثقافية.
* كما يزيد النظام النيران اشتعالا بمصادرة الحريات والقمع المتواصل لمظاهرات الشباب والطلاب والنساء والاحزاب السلمية، وممارسة ابشع اساليب التنكيل بالمعتقلين السياسيين جراء التعذيب والاعتقال المديد دون توجيه تهمة محددة، ومصادرة الصحف.
الشاهد أن كل هذه الممارسات لاتساعد في حل الأزمة أو انفراجها بل تزيدها تفاقما مما يقود الي الثورة واقتلاع النظام من جذوره.
* المخرج من الأزمة:
اذن الطريق للمخرج من الأزمة ليس في "ترقيع" النظام الذي اصبح باليا ومهترئا، ولايكون في اعادة انتاج النظام باسم "الحركة الاسلامية" التي كانت السبب في الأزمة العميقة التي يعاني منها الوطن بتمزيق وحدته، وارتباطها بمصادرة الحقوق والحريات الديمقراطية والانقلاب علي الديمقراطية، وهي منذ نشأتها كانت مرتبطة بالأنظمة الديكتاتورية والشمولية وعاجزة عن تقديم حلول لمشاكل الوطن وتفهم تركيبته الاقتصادية والاجتماعية وتنوعه الديني واللغوي والاثني والثقافي باعتبارذلك مصدر قوة للوطن وتخصيب للثقافة السودانية، لا تكأة لحروب دامية وتمزيق للوطن وتعميق للتعصب الديني والعنصري والقبلي الذي تعاني منه البلاد، فلا خير يرجوه الوطن في اعادة انتاج النظام باسم الحركة الاسلامية. ولكن الطريق يكمن في مواصلة النضال الجماهيري وتقوية العامل الذاتي وتكوين اوسع جبهة من أجل اسقاط النظام عن طريق النضال الجماهيري والانتفاضة الشعبية، وانتزاع الحقوق الديمقراطية، وتكوين حكومة انتقالية يكون من مهامها:- انتزاع التحول الديمقراطي، وقيام المؤتمر الدستوري الذي يقرر شكل الحكم في البلاد علي اساس دستور ديمقراطي يكفل حرية التعبير والنشر والتنظيم، ودولة المواطنة وعدم استغلال الدين في السياسة، ويراعي التعدد والتنوع الديني واللغوي والثقافي في البلاد، والغاء القوانين المقيدة للحريات. وسن قوانين ديمقراطية تكفل استقلال الجامعات والانتخاب الحر لمدراء الجامعات، وحرية البحث العلمي، وحرية النشاط السياسي والفكري، واتحادات ديمقراطية للطلاب، والاصلاح الجذري للتعليم العام والعالي، واحترام حقوق الانسان واستقلال القضاء وسيادة حكم القانون، والمحاسبة علي ارتكاب الجرائم ، وقومية ومهنية القوات النظامية( الجيش، الشرطة، الأمن)، وقومية الخدمة المدنية واستقلالها ومهنيتها وكفاءتها. واصدار قرار سياسي بارجاع المفصولين سياسيا وتعسفيا، والتحقيق في الفساد وحل المليشيات ومحاصرة انتشار السلاح في البلاد،. وتحسين الأوضاع المعيشية بتركيز الأسعار ورفع الأجور، وقيام المؤتمر الاقتصادي الذي يساهم في وقف التدهور الاقتصادي والتنمية المتوازنة، ووقف الحرب بالحل العادل والشامل لقضايا دارفور، وجنوب النيل الأزرق وجنوب كردفان وأبيي، وحل قضايا مابعد الانفصال ومنع تجدد الحرب بين الشمال والجنوب، وقيام شراكة استراتيجية مع دولة الجنوب تفتح الطريق لاعادة توحيد الوطن، ، والتصدي للوضع المتدهور في شرق السودان، وقيام علاقات خارجية تحمي السيادة الوطنية وتكرّس حسن الجوار وتقوم علي مبادئ المصالح المشتركة، والاشراف علي اجراء انتخابات عامة جديدة في نهاية الفترة الانتقالية.
وهذا هو الطريق للمخرج من النفق المظلم الذي دخلت فيه البلاد، بدلا من المسكنات التي لاتجدي في حل الأزمة.

19
الوحدة أو الانفصال القسريان: هل هما الحل؟
معروف أن تقرير المصير كمبدأ مفتوح علي الاحتمالين: اما وحدة أو انفصال، وأن هذا المبدأ طرح في ميثاق أسمرا 1995م في اطار ترتيبات دستورية تكرس دولة المواطنة وفصل الدين عن السياسية وتحقيق التنمية المتوازنة بين أقاليم السودان في ظل دولة ديمقراطية فدرالية تعددية تكرس الحكم الذاتي لأقاليم السودان، بحيث تكون كفة الوحدة في النهاية هي الراجحة في النهاية. ولكن الحركة الشعبية نقضت ما وقعت عليه في ميثاق اسمرا ووقعت تحت ضغط امريكا وشركائها اتفاقية نيفاشا الثنائية ، بعد ان تم ابعاد القوي السياسية الأخري. وكانت تجربة الخمس سنوات من الشراكة التي كرست الصراع بين الشريكين ، ولم يتم تنفيذ جوهر الاتفاقية الذي يتلخص في التحول الديمقراطي وتحسين الاوضاع المعيشية وتحقيق التنمية وقيام انتخابات حرة نزيهة بحيث يكون خيار الوحدة هو الجاذب في النهاية.
وبالتالي برز الي السطح الصوت الانفصالي العالي وسط قيادة الحركة الشعبية في الجنوب في ظل مصادرة الحقوق والحريات الديمقراطية ، وعدم اتاحة الفرصة للعناصر الوحدوية لتعبر عن رأيها بحرية حسب ماينص الدستور.
وجاء اجتماع الأحزاب الجنوبية الأخير ليؤكد حرية التعبير عن وجهتي النظر( الوحدة أو الانفصال)، كما اوصي الاجتماع في حالة الانفصال: بمراجعة دستور سنة 2005م، وصياغة مسودة دستور دائم لدولة جنوب السودان المستقلة، والاتفاق علي حكومة وطنية عريضة مؤقتة بقيادة سلفاكير تتولي السلطة بعد نهاية الفترة الانتقالية في 10/يونيو/2011م، وتقوم هذه الحكومة باجراء انتخابات لجمعية تأسيسية تجيز دستور السودان الدائم، وتحديد الفترة الانتقالية التي تمكن من اجراء الانتخابات الجديدة، كما رفض الاجتماع توصية من سلفاكير باجماع كل الحضور علي الانفصال، وان يترك ذلك للاستفتاء الحر والنزيه.
وهذا جانب ايجابي أن يتم الاصرار علي الديمقراطية وحرية التعبير عن كل وجهات النظر قبل الاستفتاء وعدم مصادرة حق الذين يطالبون بالوحدة.
وهذا يوضح خطل محاولات الانفصال القسري التي تدعو لها القيادات النافذة في الحركة الشعبية، وخطل الوحدة القسرية التي يدعو لها المؤتمر الوطني بدون تحقيق استحقاقات هذه الوحدة مثل قيام دولة المواطنة والتحول الديمقراطي وتحسين الاوضاع المعيشية والحل الشامل والعادل لقضية دارفور.
لقد حاول الانجليز تحقيق الانفصال القسري لحوالي اكثر من 40 عاما ، عندما قاموا بعزل الشمال عن الجنوب( قانون المناطق المقفولة، ومؤتمر الرجاف حول اللغة ، وانفراد المبشرين المسيحيين بالتعليم في الجنوب....الخ) ، وما استطاعوا الي ذلك سبيلا، وكان مؤتمر جوبا عام 1947م، والذي اكد علي خيار وحدة السودان، بدلا من الانفصال او ضم الجنوب لاحدي دول جنوب شرق افريفيا(يوغندا أو كينيا..).
كما فشلت محاولات الوحدة القسرية التي كرستها حكومات ما بعد الاستقلال: المدنية والعسكرية من خلال نقض العهود والمواثيق وفرض الحل العسكري، ولم تصل لغير تعميق الصراع الدموي وجراحات الوطن وخاصة بعد انقلاب 30 يونيو 1989م.
وعليه، فان الانفصال القسري أو الوحدة القسرية ، يقودان لنفق مظلم واعادة انتاج الحرب.
واضح فشل الشريكين في حل مشاكل البلاد وفشل الحل الثنائي الذي لم يزد البلاد الا خرابا ودمارا، ولم يجني شعب السودان في الشمال والجنوب غير المزيد من الافقار وضنك العيش وتزوير ارادته في الانتخابات وجهاز دولة متضخم يمتص اكثر من 70 % من الميزانية، وقمع ومصادرة للحريات وتعميق حرب دارفور حتي رأس الدولة مطلوبا امام محكمة الجنايات الدولية.
وعليه ليس هناك بديل غير الحل الشامل لمشاكل السودان، وعقد المؤتمر الجامع الذي يعالج قضايا: الاستفتاء، والتحول الديمقراطي، ودارفور ، والاوضاع المعيشية.
كما انه لابديل لوحدة الشماليين والجنوبيين التي كانت العامل الحاسم في نجاح الثورة المهدية وفي تحقيق الاستقلال والاطاحة بديكتاتوريتي عبود والنميري، ولابد أن يعود السيل لمجراه، ويتوحد الشماليون والجنوبيون مرة أخري للاطاحة بنظام الانقاذ الحالي واقامة دولة المواطنة التي تسع الجميع غض النظر عن الدين أو الثقافة أو اللون أو العرق، وتحقيق الحل الشامل لمشاكل البلاد في ظل الوحدة القائمة علي احترام التنوع وعلي اسس طوعية وديمقراطية.




20
الوطن في حدقات العيون
تبقت أشهر معدودات للاستفتاء علي تقرير المصير ، والوطن الذي يضعه السودانيون في حدقات عيونهم مهدد بالتشظي والتفكك ، من جراء سياسات المؤتمر الوطني الذي صعد للسلطة بانقلاب عسكري في 30 يونيو 1989م ، صادر الحقوق والحريات الديمقراطية وشّرد الالاف من اعمالهم ونكل بالمعارضين السياسيين اعتقالا وتعذيبا واغتيالا، وزاد نيران الحرب في الجنوب اشتعالا والتي اتسع نطاقها لتشمل شرق السودان وجبال النوبا وجنوب النيل الأزرق ودارفور، ونتيجة لضغط الحركة الجماهيرية في الداخل وضغط المجتمع الدولي، تم توقيع اتفاقية نيفاشا وبقية الاتفاقات(القاهرة، ابوجا، الشرق..الخ)، وكان من شأن تنفيذ تلك الاتفاقات مع عقد مؤتمر جامع لأهل السودان، أن يفتح الطريق لتفكيك الشمولية والتحول الديمقراطي والحل الشامل لمشاكل السودان وتحقيق التنمية المتوازنة بين أقاليمه، وتمهيد الطريق امام الوحدة علي أسس طوعية وديمقراطية. ولكن المؤتمر الوطني ضرب بكل تلك الآمال والوعود عرض الحائط وعاد بالبلاد للمربع الأول، عندما انفرد مرة أخري بالسلطة عن طريق انتخابات مزوّرة، ويحاول ان يفرض نفسه ويطبّع وجوده عن طريق دعاية مضللة ومفضوحة يشترك فيها بعض الكتاب والصحفيين، بأن المؤتمر الوطني كان الاكثر تنظيما، واصبح الحزب الغالب الذي هزم الأحزاب وحده!!! وأن الاحزاب ضعيفة ولم تحّضر جيدا للانتخابات، وغير ذلك من اشكال الاكاذيب والاستخفاف بعقول الناس، ومن نغمة الهجوم علي الاحزاب التي مللنا سماعها في الانظمة الشمولية التي تحاول أن تبرر نفسها ووجودها واستمرارها بذلك الهجوم في حين ان الجرائم التي ارتكبتها تلك الانظمة الشمولية وأخرها نظام الانقاذ كبيرة ، من حيث التفريط في السيادة الوطنية ونهب ممتلكات الدولة وتدمير التعليم والخدمة المدنية والقوات النظامية، وتزايد حدة الفقر، وكل الويلات التي عانت منها البلاد لم تكن من الأحزاب، ولكن كانت بسبب تلك الأنظمة الشمولية والديكتاتورية( حكمت البلاد حوالي 43 عاما من عمر الاستقلال البالغ 54 عاما)،اضافة للقمع المتواصل لهذه الاحزاب وتشريد كوادرها ومصادرة مواردها المالية والعمل المثابر لشقها وجذب ضعاف النفوس منها للمؤتمر الوطني، كما يتجاهل اعلاميو المؤتمر الوطني وبقية الأقلام التي تدور في فلكه، انه منذ بداية توقيع اتفاقية نيفاشا، كانت القوانين المقيدة للحريات تعيق نشاط الأحزاب اضافة للرقابة القبلية علي الصحف وقمع المواكب السلمية واطلاق النار عليها، واستغلال المؤتمر الوطني لأغلبيته الميكانيكية في المجلس الوطني لتمرير كل القوانين المقيدة للحريات وآخرها قانون الأمن، وتم تتويج ذلك باختطاف الانتخابات في أكبر عملية تزوير شهدتها البلاد، والتي أعادت انتاج النظام الشمولي من جديد الذي استهل دورته الجديدة باطلاق النار علي موكب سلمي في الفاشر احتجاجا علي النصب والاحتيال في سوق( المواسير). واذا كانت الاحزاب والحركة الجماهيرية اصبحت ضعيفة وعديمة الأثر، فلماذا القمع وترسانة القوانين المقيدة للحريات والتزوير الفاضح للانتخابات؟.
المهام القادمة جسيمة ، وتتطلب أوسع جبهة للديمقراطية ووحدة الوطن تكون متنوعة الاشكال والتنظيمات: السياسية والثقافية والفنية والرياضية..الخ وتنطلق من قواعد الحركة الجماهيرية، وتتطلب الوجود الدائم في الشارع من خلال الندوات والمسيرات..الخ، وبحكم أن عملية الحفاظ علي وحدة الوطن هي عملية ديمقراطية وجماهيرية، ولايمكن تركها لاشكال فوقية مثل: تحويل لجنة دعم انتخاب البشير الي لجنة لوحدة السودان. وتتطلب هذه العملية اطلاق الحريات الديمقراطية والغاء كل القوانين المقيدة للحريات، واعادة النظر في الانتخابات المزورة الحالية وقيام انتخابات حرة نزيهة تتوفر كل مطلوباتها من: احصاء سكاني وسجل انتخابي متفق عليه ومفوضية انتخابات مستقلة ومحايدة، وحكومة انتقالية تشرف علي الانتخابات وفرص متساوية في الاعلام، والحل الشامل لقضية دارفور..الخ. وهذه الشروط ليست تعجيزية فقد مارسها شعب السودان في انتخابات 1954م وانتخابات 1965، وانتخابات 1985م. مثل هذه الانتخابات هي التي ينتج عنها برلمان وحكومة ذات قاعدة عريضة مقبولة من اوسع فئات الشعب السوداني في الشمال والجنوب، تلك الحكومة هي التي تتحمل مسئولية الاستفتاء علي تقرير المصير، وباعتبار ان حق تقرير المصير حق ديمقراطي انساني يجب ان يتم في جو ديمقراطي معافي، وفي ظروف حرية الارادة وبعيدا عن الاملاءات والضغوط الداخلية والخارجية والتزوير، وكذلك المشورة الشعبية لمناطق النيل الأزرق وجبال النوبا وابيي، والتي تتطلب حريات ديمقراطية واسعة.
ولابد من استكمال الحقوق والحريات الديمقراطية بالخطوات الجادة لحل قضية دارفور، وتحسين احوال الناس المعيشية وتوفير احتياجاتهم الأساسية في التنمية المتوازنة والتعليم والصحة والخدمات، وقيام دولة المواطنة: الدولة المدنية الديمقراطية التي تسع الجميع غض النظر عن اللون اوالعرق اوالدين اواللغة...الخ.
ومن شأن تلك الخطوات وحدها، لا سواها، ان تفتح الطريق للحفاظ علي الوطن علي أسس طوعية وديمقراطية.

21
الوحدة في منظور جون قرنق
حول جدل الوحدة والانفصال الجاري الآن في الساحة مع اقتراب الانتخابات والاستفتاء علي تقرير المصير، نتناول في هذا المقال منظورومفهوم الراحل د. جون قرنق للوحدة، والتي تتطلب تنفيذ استحقاقاتها في التحول الديمقراطي وتحسين احوال الناس المعيشية والتنمية وتنفيذ اتفاقية نيفاشا وبقية الاتفاقات والحل العادل والشامل لقضية دارفور، والمؤتمر القومي الجامع للحل الشامل لقضايا اهل السودان، فكيف تناول د. جون قرنف مفهوم الوحدة؟.
عندما اندلع التمرد في جنوب السودان في يونيو 1983م بواسطة الحركة الشعبية لتحرير السودان التي شكلت الجيش الشعبي لتحرير السودان بقيادة د.جون قرنق الذي اعلن أن هدف حركته هو تأسيس سودان موحد قائم علي المساواة والعدالة الاجتماعية والاقتصادية، وعليه فان هذه الحركة تختلف عن حركة انانيا التي كانت تنادي بانفصال الجنوب. كان ذلك نقطة تحول حرجة في تطور الحركة القومية والوطنية في جنوب السودان وتعبيرا عن تحول نوعي جديد في اقسام من الحركة السياسية الجنوبية وفي المطالبة بوطن واحد يقوم علي العدالة والمساواة.
صحيح انه قبل جون قرنق كان هناك قادة وسياسيون جنوبيون تمسكوا ودافعوا عن وحدة السودان مثل: وليم دينق وجوزيف قرنق..الخ. ولكن مايميز جون قرنق أنه حاول أن يؤصل للوحدة واستنبط مفاهيم ومصطلحات جديدة لذلك التأصيل.
فماهي تلك المفاهيم والمصطلحات؟.
استنبط جون قرنق مصطلحين هما: الواقع التاريخي أو التنوع التاريخي والتنوع المعاصر.
يري جون قرنق أن الوحدة تقوم علي واقعين هما التنوع التاريخي والتنوع المعاصر، وهذان التنوعان يمثلان عناصر تكويننا وتشكيلنا ولابد من تأسيس الوحدة عليهما.
فماهو المقصود بالتنوع التاريخي والمعاصر؟.
أولا: التنوع التاريخي يشكل الأساس الأول للوحدة، وينطلق جون قرنق من حقائق التاريخ حيث ورد اسم كوش أو السودان في الكتاب المقدس، ويشير الي حضارات كوش(كرمة، نبتة، مروي)، والممالك المسيحية(نوباتيا، المقرة، علوة)، والممالك الاسلامية(السلطنة الزرقاء، سلطنة دارفور، مملكة تقلي،..الخ)، وبعدها جاء الحكم التركي- المصري ثم المهدية، ثم الحكم الثنائي الانجليزي- المصري، الي أن نال السودان استقلاله في 1956م، وهذا ما اطلق عليه جون قرنق التنوع التاريخي( جون قرنق: رؤيته للسودان الجديد، تحرير وتقديم الواثق كمير، دار رؤية 2005م، ص 76).
اي ان جون قرنق يؤكد التاريخ المشترك لقبائل وشعوب السودان الموغل في القدم، باعتباره الأساس الصلد للوحدة والشرط الأساسي لتكوين الأمة، وان هذا التنوع التاريخي يجب أن يكون جزءا من هويتنا.
يقول جون قرنق: ( يجب أن نكون فخورين بتاريخنا، ويجب أن ننقله لاولادنا، كما يجب تضمينه في المناهج التعليمية وتدريسه للطلاب، لكي ندرك ثقافتنا وثراء ماضينا(المصدر السابق، ص 76).
ثانيا: اما الشكل الاخر من التنوع فهو التنوع المعاصر، وهنا يري جون قرنق أن السودان يتكون من قوميات متعددة، من مجموعات اثنية متعددة، اكثر من 100 لغة مختلفة ومن قبائل كثيرة(ص 76).
أي ان هناك تنوع قبلي وتنوع ديني(المسلمون، المسيحيون، واصحاب كريم المعتقدات الافريقية). وبالتالي، فان هذا التنوع المعاصر (قوميا واثنيا ودينيا، يشكل جزءا منا، والتحدي الذي يواجهنا في السودان هو أن نصهر جميع عناصر التنوع التاريخي والمعاصر لكي ننشئ امة سودانية، نستحدث رابطة قومية تتجاوز هذه (المحليات) وتستفيد منها دون ان تنفي اي من هذه المكونات.
ويري جون قرنق( ان الوحدة التي نتحدث عنها، لابد ان تأخذ هذين المكونين لواقعنا بعين الاعتبار حتي نطور رابطة اجتماعية سياسية لها خصوصيتها، وتستند علي هذين النوعين من التنوع، رابطة اجتماعية سياسية نشعر بأنها تضمنا جميعا، وحدة افخر بالانتماء اليها، وافخر بالدفاع عنها، يجب أن اعترف بأنني لاأفخر بالوحدة التي خبرناها في الماضي، وهذا هو السبب الذي دفعنا للتمرد ضدها، اذن نحن بحاجة الي وحدة جديدة، وحدة تشملنا كلنا بغض النظر عن العرق أو القبيلة أو الدين)(ص 77-78).
وينتقد جون قرنق تصوير المشكلة وكانها(مشكلة الجنوب) الذي درج السياسيون والمراقبون علي استخدامه، يعني- ولو ضمنيا- ان اهل الجنوب هم وحدهم أصحاب المشكلة، وهذا ليس صحيحا، فالسودانيون لهم مشاكل في كل مكان، في الغرب، في الشرق، في الوسط وفي اقصي الشمال)( ص 78- 79).
يوضح جون قرنق هذه النقطة بقوله: ( انطلقنا بعيدا عن هذا الطرح وقلنا بأن السودان ملكنا كلنا بالتساوي واننا جميعا يجب أن نشترك في تقرير مصيره)(ص 80). ويري ( ان الوحدة التي تقوم علي أسس قسرية ضيّقة تقود الي الشوفينية الاثنية والدينية)(ص 80).
يواصل جون قرنق ويقول: ( نحن نقاتل من اجل وحدة بلادنا ونري الوحدة شاملة للجميع، كل قوميات بلدنا من عرب وأفارقة، كل الأديان من اسلام ومسيحية ومعتقدات افريقية، حتي نستحدث رابطة اجتماعية سياسية سودانية علي وجه التحديد تنتفع منها الحضارات الأخري)(ص 81). ويري جون قرنق أن الهوّية السودانية هي محصلة وتفاعل التنوع التاريخي والتنوع المعاصر مع الحضارات الأخري، يقول: ( نحن نحتاج لتمكن هذه الوحدة حتي تصبح دولة عظيمة وشعبا عظيما وحضارة عظيمة، وتتواصل مع الحضارات الأخري، ومع الشعوب الأخري، خصوصا شعوب وادي النيل والتي تجمعنا معها روابط تاريخية منذ الأزل)( ص 82).
كما يشير جون قرنق الي قرارات المؤتمر الوطني الأول للحركة الشعبية الذي انعقد في الفترة:2- 12/ابريل/1994م، والذي اكدت فيه الحركةوحدة البلاد، وبالتالي اصبحت الوحدة سياسة رسمية للحركة.
وخلاصة طرح جون قرنق للوحدة: فهو يري ان الواجب هو خلق سودان ننتسب اليه كلنا، رابطة سياسية ننتمي اليها جميعا وندين لها بالولاء الكامل بغض النظر عن العرق أو الدين أو القبيلة او الجنس حتي تستطيع المرأة ان تساهم بفعّالية. هذا هو السودان الذي تهدف الحركة الي اقامته ونحن نناشد الشعب السوداني أن يعي أن هذا هو اتجاه المستقبل(92).
وأخيرا، برحيل جون قرنق فقدت البلاد مفكرا وحدويا من الطراز الأول، ولكن تبقي أفكاره الوحدوية التي تشكل ركيزة قوية في معركة توحيد البلاد وبناء وطن موحد ديمقراطي يقوم علي المساواة والعدالة الاجتماعية والاقتصادية.

22
اما زوال النظام أو تمزيق ماتبقي من الوطن
وصلت الاوضاع في البلاد الي درك سحيق من التدهور بعد انفصال الجنوب، مما يهدد بالمزيد من تمزيق وتشظي الوطن بسبب السياسات نفسها التي ينتهجها نظام المؤتمر الوطني والتي قادت الي الأزمة والانفصال. وازدادت الأزمة الاقتصادية والمعيشية، وازمة الحريات والحرب تفاقما وعمقا.
* مقاومة الغلاء والضائقة المعيشية:
الاوضاع الاقتصادية وصلت الي درجة من السوء جعلت وزير الخارجية علي كرتي يعترف بانهيار الاقتصاد السوداني ويدعو المجتمع الدولي للتدخل لانقاذه ، بعد أن وصلت ديون السودان 38 مليار دولار والتي تسدد منها سنويا مليار دولار، وبلغ التضخم 21% خلال شهر ، وتراوح سعر الدولار من 5 جنيهات الي 3,5 جنية خلال الأيام الماضية. اضافة الي الضائقة المعيشية والارتفاع الجنوني للاسعار. مما أدي لاندلاع المظاهرات في أحياء بري وامتداد ناصر وجبرة والعيلفون والثورة، والحماداب وسنار وحلفا الجديدة والقضارف..الخ، وهتفت المظاهرات بشعارات مثل: " الشعب يريد اسقاط النظام" " لن تحكمنا حكومة الجوع"، " لالا للغلاء... خبزا خبزا للفقراء" ، وضد تلوث المياه " الموية هي الأساس عشان يعيش الناس"، " مليار رأس واللحمة بقت الماس"...الخ، وهي هتافات تعبر عن قضايا ومشاكل حقيقية تعاني منها الجماهير والتي فشلت الحكومة في حلها. كما سخر الناس من حديث د. نافع علي نافع: أن هذه المظاهرات خلفها شيوعي " عنده حبة قروش"!!!، والذي يعبر عن استخفاف بعقول الناس، وودفن للرؤوس في الرمال، حتي يكتسح النظام سيل الثورة الشعبية الجارف. ولا شك أن الحركة الجماهيرية سوف يتصاعد نهوضها بسبب المزيد من ضيق الاحوال الاقتصادية التي من المتوقع أن تواصل تدهورها بسبب الصرف الباهظ علي الحرب التي امتد لهيبها لبشمل جنوب كردفان، وولاية النيل الأزرق، ودارفور.
هذا اضافة للصرف علي أدوات القمع بعد تصاعد المظاهرات وزيادة ميزانية الأمن لتصل الي اكثر من 60%، اضافة الي الصرف علي القطاع السيادي وتقليص ميزانتي التعليم والصحة الي اقصي حد، وأن جماهير شعبنا وصلت الي درجة اصبحت لا تحتمل مزيدا من الضرائب والجبايات، فالحياة اصبحت لا تطاق والنظام عجز عن أن يحكم واعترف بانهياره الاقتصادي واصبح قادته كمن يتخبطهم الشيطان من المس ، كما يتضح من تصريحاتهم التي اصبحت مثل تصريحات الرئيس السابق النميري في أيامه الأخيره قبل أن تكنسه انتفاضة مارس – ابريل 1985م. وتوفرت الآن كل العوامل الموضوعية لاسقاط النظام، ويبقي ضرورة رفع القدرات الذاتية للمعارضة وتقويتها والحركة الجماهيرية، وبناء اوسع تحالف علي مستوي القواعد يضم الشباب والطلاب والنساء والعاملين والمهنيين والمفصولين عن العمل ومتضرري السدود ومزارعي الجزيرة وبقية المشاريع الأخري الذين يعانون من الخصخصة وبيع اراضي البلاد الزراعية، وجماهير وحركات وتنظيمات المناطق المهمشة التي تعاني من النزوح والخراب والدمار بسبب حرب الابادة التي يشنها النظام، وبناء اوسع جبهة ضد الغلاء والجوع ، وتنسيق حملات المظاهرات في الأحياء والمزيد من التحضير الجيّد والتنظيم لها، ومواصلة المعارك اليومية والجزئية والتي تصب في المجري العام لاسقاط النظام بأداة النضال الجماهيري والاضراب السياسي والعصيان المدني..
• تفاقم أزمة الحريات:
يواصل النظام قمعه الوحشي للمظاهرات والمواكب والمسيرات السلمية كما حدث في مظاهرات بري الأخيرة حيث تم قمعها بوحشية بالهراوت والغاز المسيل للدموع ، والاعتقالات والتعذيب الوحشي للمعتقلين.
كما يواصل النظام مصادرة حرية الصحف والتعبير مثل مصادرة واغلاق صحيفة "الجريدة"، وقبلها "أجراس الحرية"، " ورأي الشعب"، ومصادرة الصحف الانجليزية والرياضية، ومنع صحيفة الميدان من التوزيع لأكثر من اربع مرات. اضافة الي الاعتقالات وسط أعضاء الحركة الشعبية ومصادرة ممتلكاتها ونهب منازل قادتها. ومصادرة الحريات جزء من مخطط النظام لاقامة دولة دينية ظلامية تنتهك حرية التعدد الديني والثقافي واللغوي..الخ، وتصادر الحقوق والحريات الأساسية ونهب ممتلكات الدولة واستنزاف المواطنين عن طريق الجبايات والضرائب باسم الدين.
وأزمة الحريات والضيق بحرية التعبير توضح الأزمة العميقة التي يعيشها النظام ، وهي من علامات تحلله وزواله.
وبالتالي يصبح من واجبات الساعة بناء اوسع جبهة من أجل الدفاع عن الحريات والحقوق الديمقراطية.
*تصعيد خطاب الحرب:
يواصل النظام دق طبول الحرب وتصعيدها في جنوب كردفان وولاية النيل الأزرق ودارفور رغم تكلفتها الاقتصادية وأعبائها الثقيلة علي المواطنين وتدميرها للزرع والضرع، فالحرب التي دارت في الشهور الماضية في ابيي وجنوب كردفان وولاية النيل الأزرق أدت الي نزوح اكثر من 300 ألف من تلك المناطق ، اضافة الي الابادة والتطهير العرقي كما تشير تقارير منظمات الأمم المتحدة، ومنع وصول الاغاثة للمتضررين من الحرب وتركهم بلا مأوي يواجهون مصيرا مؤلما نتجت عنه مآسي انسانية، هذا فضلا عن خطورة اتساع رقعة الحرب لتشمل الشرق حسب ماتشير الانباء الي ارتفاع حدة التوتر علي الحدود الشرقية، وارتفاع اصوات تدعو للعمل المسلح في الشرق ، ومتوقع أن تندلع هناك بسبب العوامل نفسها التي أدت الي اندلاعها هناك، وأهمها نقض العهود والمواثيق وعدم تنفيذ الاتفاقات التي تم ابرامها مع جبهة الشرق ، اضافة لتدهور اوضاع الشرق المهدد بمجاعة العام القادم. ويتحمل النظام المسؤولية والذي اوصلهم الي حالة من وانعدام الأمن واليأس في تحسن الاوضاع في الشرق الذي تنهشه المجاعات والأمراض.
• وخلاصة الأمر نلاحظ أن النظام محاط بأزمات عميقة، تحيط به احاطة السوار بالمعصم، وتحكم الخناق عليه، والتي تتلخص في أزمات الضائقة المعيشية والحريات وتصاعد وتائر الحرب، مما يوضح أن النظام اصبح لايقوي علي مواجهة تلك المشاكل، وبعد أن اصبح يتآكل داخليا نتيجة لتعمق التناقضات داخله، وبعد الفشل في جذب الحزبين الكبيرين ( الأمة والاتحادي الأصل) للمشاركة الصورية في ما يسمي بالحكومة العريضة، بعد التجارب المريرة معه في نقض العهود والمواثيق وعقلية المؤتمر الوطني التي تقوم علي الهيمنة، وجعل الأحزاب المشاركة متوالية واقمار تابعة له.
وهذا النظام اصبح معزولا ومدمنا للفشل، ويبقي المخرج الوحيد من الأزمة هو اسقاطه. فالقضية اصبحت اليوم اما زوال هذا النظام أو تمزيق ماتبقي من الوطن.

23
انفاق سلام دارفور وضرورة تأجيل الانتخابات
جاء في الانباء أنه تم توقيع الاتفاق الاطاري بين الحكومة وحركة العدل والمساواة بالدوحة بحضور الرئيس البشير وصاحب السمو الشيخ حمد بن خليفة أمير قطر والرئيس التشادي ادريس ديبي والرئيس الاريتري اسياس افورقي، وتبرع امير قطر بمليار دولار لدعم اعمار دارفور.
ويتضمن الاتفاق: في بنده الأول وقف اطلاق النار وفتح مباحثات فورية من أجل التوصل الي اتفاق، ودمج مقاتلي الحركة في وحدات الجيش والشرطة والافراج عن أسري الحرب والعفو عن مدنيي وعسكريي حركة العدل والمساواة. وينص الاتفاق ايضا في بنده الثالث علي مشاركة حركة العدل والمساواة في كل مستويات السلطة التنفيذية والتشريعية حسب معايير يحددها الطرفان. وفي البند الرابع يشير الاتفاق الي ضرورة أن تؤسس حركة العدل والمساواة حزبا سياسيا عند التوقيع علي الاتفاق النهائي بين الطرفين. وكذلك ينص الاتفاق علي تعويض النازحين وتنمية اقليم دارفور الذي طال تهميشه والبحث في تقاسم الثروات. وتم التعبير عن الاشواق في الوصول لسلام شامل في دارفور قبل الانتخابات العامة في السودان المقررة في 11- 13/ابريل 2010م. وأشار احمد تقد كبير مفاوضي حركة العدل والمساواة الي أن الحركة سوف تدفع باتجاه تأجيل الانتخابات في اطار مفاوضات تقاسم السلطة، كما الغي البشير احكاما بالاعدام بحق مائة رجل متهمين بالمشاركة في الهجوم علي الخرطوم وتعهد باطلاق سراح 30% منهم علي الفور، وجاءت خطوة التوقيع علي الاتفاق الاطاري بعد الخطوة التي واكبت المصالحة بين السودان وتشاد.
نرحب بالاتفاق باعتباره خطوة في اتجاه وقف معاناة اهل دارفور في النزاع الذي ادي لسقوط 300 ألف قتيل ونزوح 2,7 مليون شخص حسب احصائيات الامم المتحدة، ولكن حتي لا يكون السلام جزئيا وتذهب ريحه مهم ان يشمل كل حركات دارفور والقوي السياسية ومنظمات المجتمع المدني، وضرورة المنبر الجامع لأهل دارفور حتي يكون السلام راسخا ومستداما، وحتي لايكون في النهاية صفقة لتوزيع مناصب تؤدي الي اعادة انتاج الأزمة بدلا من حلها جذريا، ولاجل هذا الهدف يجب ان تتضافر كل الجهود لضمان السلام ووحدة البلاد والتقسيم العادل للسلطة والثروة والتنمية المتوازنة.
وتجئ هذه الخطوة نتيجة لضغوط داخلية وخارجية من اجل وقف معاناة أهل دارفور وفي ظروف تمر فيها البلاد بمعركة الانتخابات العامة والتي لم تتوفر مطلوباتها، وفي حالة قيامها بدون توفير مناخها الملائم فانها سوف تؤدي الي تفاقم مشاكل البلاد بدلا من أن تفتح الطريق لحلها. وتأتي في مقدمة مطلوبات الانتخابات السلام والاستقرار في دارفور وتحقيق مطالب اهله في الاقليم الواحد والحكم الذاتي والتنمية والتعويضات والتقاسم العادل للسلطة والثروة.
اضافة الي وقف الصراعات القبلية في الجنوب التي حصدت ارواح 1200 شخصا علي الأقل في العام 2009م، ووقف نشاط المليشيات المسلحة في شرق السودان التي اشتكي منها مرشح مؤتمر البجا بسبب هجومها عليه في دائرة تلكوك القومية والتي تخالف القانون الجنائي وقانون الانتخابات.
ومن مطلوبات الاننخابات ايضا الغاء القوانين المقيدة للحريات وعلي رأسها قانون الأمن ومنشور المفوضية القومية لتنظيم الحملات الانتخابية، وربط المنشور قيام الندوات والمواكب بأخذ اذن من السلطات قبل ثلاثة ايام، علما بان السلطات يسيطر عليها المؤتمر الوطني!!، كما فرض منشور المفوضية علي المرشحين عدم التحدث عن ماضي الانقاذ مما يعتبر وصاية علي الاحزاب ودفاع عن الوطني(الايام: 24- 2- 2010م).
وايضا من المطلوبات اعادة النظر في الاحصاء السكاني والسجل الانتخابي المزّور، والفرص المتساوية في اجهزة الاعلام التي يسيطر عليها المؤتمر الوطني، وعدم حياد ونزاهة المفوضية وانحيازها الصريح للمؤتمر الوطني مما يتطلب اعادة النظر في تكوينها.
وفي حالة الوصول لسلام مع كل مكونات اهل دارفور هناك ضرورة لتأجيل الانتخابات وفطم جهاز الدولة من المؤتمر الوطني وقيام حكومة قومية للاشراف علي الانتخابات، اذ لايمكن قيام انتخابات يشرف عليها الخصم والحكم!!!. كما جاء في الانباء ايضا أن السيد محمد عثمان الميرغني هدد بمقاطعة الانتخابات في حالة التأكد من عدم نزاهتها وقطع بأنهم لن يكونوا جزءا من انتخابات تكون اجراءاتها لصالح احزاب الحكومة(الايام: 24-2- 2010م).
كما تواجه البلاد ايضا قضايا معقدة تتطلب معالجة شاملة من كل القوي السياسية مثل: قيام دولة المواطنة التي تسع الجميع غض النظر عن العرق والدين واللغة والثقافة حتي نضمن وحدة السودان في الاستفتاء المقبل، اضافة الي نجاح سلام دارفور وضرورة اشراك كل مكونات اقليم دارفور حتي لاتتكرر تجارب هيمنة العسكريين فقط في الاتفاقات السابقة والتي تحولت الي مناصب، ولم تحل معاناة الجماهير في توفير خدمات التعليم والصحة والمياه والكهرباء والتنمية.



24
انفصال الجنوب و(صندوق بندورا).
في الميثولوجيا اليونانية القديمة (صندوق بندورا) يعني ذلك الصندوق الذي ما أن تفتحته حتي تتفجر منه مشاكل ومصائب ومتاعب لاحصر لها، وانفصال جنوب السودان مثل ذلك، والذي بوقوعه سوف تتفجر منه مشاكل كثيرة وأزمات لاحصر لها، وتعكس تصريحات قادة المؤتمر الوطني في الايام الماضية مدي عمق الأزمة التي يعيشها نظام الانقاذ وآثار انفصال الجنوب عليه، علي سبيل المثال عرض البشير علي الحركة الشعبية ( التخلي عن حق الشمال من نفط الجنوب مقابل الوحدة)، ورد الحركة الشعبية: أن هذا العرض متأخر ولايكفي ، بل يجب أن يتبعه التخلي عن ابيي، وكأنما القضية بترول فقط، ومنفصلة عن شكل الحكم والدولة المدنية الديمقراطية التي تسع الجميع غض النظر عن الدين أو اللغة أو الثقافة، وقيام وحدة علي اسس جديدة تكرّس التحول الديمقراطي والحل العادل والشامل لقضية دارفور وتحسين الاوضاع المعيشية والتنمية المتوازنة، فاين نظام الانقاذ من ذلك؟.
كما يرد تصريح يناقض التصريح السابق قول البشير الأخير في خطابه بالقضارف: يمكن ان نضع دستورا يتفق مع الشريعة الاسلامية، اذا انفصل الجنوب بعد الاستفتاء المقرر، ولامجال للحديث عن تنوع الثقافات والعرق ، وان الشريعة الاسلامية ستكون المصدر الرئيسي للدستور ، وسيكون الاسلام الدين الرسمي والعربية هي اللغة الرسمية، ولاتحقيق في حالة الجلد وفقا لاحكام الشريعة. وهذا التصريح القصد منه ارهاب الحركة الجماهيرية والسياسية المعارضة وفرض ديكتاتورية ارهابية باسم الاسلام، مثلما فعل الطاغية نميري في ايامه الأخيره عندما حاصرته الحركة الجماهيرية من كل جانب، واصبح يهدد بالقتل والصلب والقطع من خلاف والجلد، ولكن الحركة الجماهيرية لم تتراجع، بل اشتد عودها حتي تم اسقاط النظام في انتفاضة مارس- ابريل1985م. اضافة للاعتقاد الخاطئ بزوال تنوع الثقافات والعرق بعد انفصال الجنوب، علما بأن هناك ثقافات: البجة في الشرق، والنوبة في الشمال، وثقافات القبائل الزنجية في جبال النوبا والنيل الأزرق ودارفور..الخ، فاين المفر من هذا التنوع وكيف يتم الغائه؟، فضلا عن خطل النقاء العربي في السودان، باعتبار أن انسان السودان هو امشاج واخلاط لتنوع اعراقه، اضافة لتنوع الفهم للاسلام داخل الثقافة العربية الاسلامية(الصوفية،..لخ)، والتجربة السلبية لاستغلال الدين في السياسية منذا قوانين سبتمبر 1983م، وبعد انقلاب يونيو 1989م، والتي ارتبطت بكل اشكال النهب والقمع والفساد.
ومن جانب آخر يصرح نافع علي نافع: فشلنا والجنوب سيختار الانفصال، عجزنا في الحفاظ علي وحدة السودان. وهذا اعتراف صريح بالفشل والعجز، وبالتالي ، تكون النتيجة الطبيعية هي زوال هذا النظام.
ومن الجانب الآخر تستمر ضغوط امريكا وحلفائها علي النظام، فاوباما يرسل تهديداته للبشير في حالة المساس بسلاسة الاستفتاء، والقمة الرباعية الأخيرة بين الرئيس المصري والليبي والتشادي والبشير شددت علي ضرورة تنازلات متبادلة لمنع تجدد الحرب بين الشمال والجنوب. ومثلما رشح في الأنباء خلال أيام نميري الأخيره عن ثروته في البنوك التي بلغت 16مليار دولار، ونفي النميري لذلك، يرشح ايضا في الأخبار عن ثروة البشير التي بلغت 9 مليار دولار رغم النفي لها، وهذا ما كشفته البنوك وماخفي أعظم، وكل ذلك من علامات نهاية النظام.
اذن انفصال الجنوب سوف يفتح طاقات جهنم علي النظام، وسوف يتبعه مطالبة اجزاء أخري من البلاد بالانفصال مثل: دارفور، وجبال النوبا، والنيل الأزرق...الخ، وسوف يفقد الشمال عائدات النفط، وبالتالي سوف تزيد اعباء وتكاليف معيشة المواطنين، وسف يتحمل المؤتمر الوطني لعنة فصل الجنوب والذي بسياساته الآحادية وأخطائه القاتلة، فتح شهية امريكا وحلفائها وسهّل لها مهمتها لتقسيم السودان من اجل السيطرة علي موارده الزراعية والمعدنية.
اضافة لاحتمال تجدد الحرب التي تتراكم نذرها بعدم حل مشاكل مابعد الاستفتاء مثل: ترسيم الحدود، مياه النيل، البترول، المواطنة والجنسية، وتقسيم اصول الدولة...الخ، وتصريحات الوطني بأنه لن يقبل نتيجة الاستفتاء اذا لم يتم بنزاهة وشفافية وشكوكه في الحركة الشعبية من خلال الطعون التي رفعها والتي ترمي لتعطيله، اضافة لصراعات القبائل الحدودية من اجل حقها في الماء والكلأ، والصراعات القبلية في الجنوب، وتمرد اتور، والضربات الجوية من جيش الشمال علي حدود بحر الغزال، والصراعات القبلية المحتملة بعد الانفصال بين الدينكا والنوير والقبائل الاستوائية حول السلطة والثروة


25
تقرير المصير وتداعياته
* مع اقتراب موعد الاستفتاء علي تقرير المصير ندخل البلاد في أزمة وطنية عامة، وهناك مخاوف من تجدد الحرب مرة أخري وبشكل أعنف من الماضي. ولاشك أن انفصال الجنوب سوف يكون له تداعيات خطيرة داخليا واقليميا، وهو يعبر عن فشل المؤتمر الوطني في حل المشكلة والتي زادها تعقيدا بعد انقلاب 30 يونيو 1989م، والحرب الجهادية والدينية التي كان لها نتائج ضارة عمقّت جراحات الوطن، وبعد أن فشل النظام في الحل العسكري، وقّع تحت الضغوط المحلية والعالمية اتفاقية نيفاشا التي اوقفت الحرب التي دارت لمدة 21 عاما. استندت الاتفاقية علي قاعدة سودان واحد بنظامين، وكانت الاتفاقية ثنائية وتحمل في طياتها جرثومة الانفصال كما يتضح من التقسيم الشمولي للسلطة بين الشريكين في الشمال والجنوب، فضلا عن أن المؤتمر الوطني لايمثل الشمال والحركة الشعبية لاتمثل الجنوب، وقسمة عائدات البترول التي ازكت النزعة الانفصالية، ونظام مصرفي بنافذتين، وتقسيم البلاد علي أساس ديني. وجاءت حصيلة ممارسة الخمس سنوات الماضية لتكرس الصراع بين الشريكين، بعد الفشل في انجاز التحول الديمقراطي والتنمية وتحسين الاوضاع المعيشية في الشمال والجنوب، وتكريس الفوارق الطبقية والفساد، اضافة الي عدم توفير مقومات الاستفتاء والتي تتلخص في قيام انتخابات حرة نزيهة تشرف عليها لجنة انتخابات مستقلة ومحايدة، تنتج عنها حكومة ذات قاعدة واسعة هي التي تشرف علي الاستفتاء علي تقرير المصير مما يجعل الوحدة في النهاية هي الراجحةة في النهاية، ولكن ذلك لم يتم ، وكان تزوير الانتخابات، والتي رفضت نتائجها القوي السياسية في الشمال والجنوب، اضافة الي تأخير ترسيم الحدود وعدم تكوين لجنة استفتاء ابيي ، وعدم حل قضايا المواطنة والبترول قبل الاستفتاء. وبالتالي، اصبح الوضع قابلا للانفجار في أي وقت واعادة انتاج الحرب من جديد.
* قادة المؤتمر الوطني في ورطتهم الحالية يحاولون تحميل مسئولية مبدأ تقرير المصير لقوي المعارضة التي وافقت عليه في مؤتمر اسمرا للقضايا المصيرية في يونيو 1995م، ولكنهم يتجاهلون أن التجمع طرح تقرير المصير في ميثاق اسمرا في اطار نظام ديمقراطي قائم علي التعددية السياسية واحترام حقوق الانسان، وفي اطار سودان جديد يؤسس علي العدالة والديمقراطية والارادة الحرة، وأن تعمل سلطة التجمع خلال الفترة الانتقالية علي بناء الثقة واعادة صياغة الدولة السودانية حتي تأتي ممارسة حق تقرير المصير دعما لخيار الوحدة، اضافة لوجود دولة المواطنة التي يتم فيها فصل الدين عن السياسة، وشكل الحكم اللامركزي الذي يقوم علي الديمقراطية والتنمية المتوازنة وازالة الغبن والتهميش.
وهذا مالم يحدث في الفترة الانتقالية بعد اتفاقية نيفاشا، وبالتالي يتحمل المؤتمر الوطني المسؤولية التاريخية في تمزيق وحدة البلاد.
*كما اننا لانعفي الحركة الشعبية ايضا من المسئولية، والتي تراخت في الفترة الانتقالية في الدفاع عن الديمقراطية ومعركة الغاء القوانين المقيدة للحريات، وانكفأت علي الجنوب، وركزت فقط علي الاستفتاء دون توفير مقوماته التي تتلخص في توفير الحقوق والحريات الديمقراطية والانتخابات الحرة النزيهة. اضافة لتراجع قيادة الحركة عن وحدة السودان علي أسس جديدة وتخليها عن حلفاءها الوحدويين في الشمال، وحلفائها في جبال النوبا والنيل الأزرق وشرق السودان، وغيرهم من الذين قاتلوا باخلاص من أجل وحدة السودان علي اسس جديدة، ولكن تحولت الحركة الي مجرد حركة انفصالية جنوبية . ولم تنجز الحركة تنمية تذكر في الجنوب ، اضافة للفساد، وظهور فئة راسمالية طفيلية تعيش علي العمولات والاستثمار في التجارة والعقارات والتسهيلات للشركات الأجنبية، وتتطلع للثراء بسرعة وبشراهة علي حساب افقار وتجويع المواطن الجنوبي الذي تنهشه الأمراض والمجاعات، وهذه فئة لاعلاقة لها بالوطنية السودانية، وتطرح النظرة الانفصالية الضيّقة، اضافة الي عدم توظيف جزء من عائدات النفط للتعليم والخدمات والصحة وقيام البنيات الأساسية. وفرضت نظاما شموليا في الجنوب اسوة بالشمال يقوم علي مصادرة الحريات والحقوق الأساسية ، وتزوير الانتخابات التي رفضت نتائجها الأحزاب الجنوبية الأخري
*من الخطوات الايجابية بيان قوي الاجماع الوطني الصادر بتاريخ: 13/10/2010م عن اجتماع رؤساء الاحزاب الذي اعلن موقفا وطنيا موحدا، والذي اشار الي الاستقطاب داخل السلطة وداخل الحركة وبؤر النزاع مثل ابيي وحفرة النحاس وجنوب النيل الأبيض، وداخل البلاد نتيجة للغلاء الفاحش واستشراء الفساد.
كما أشار الي الخلل في الاتفاق الثنائي الذي كرس هذا الوضع، وفشل الحلول الخارجية.
• وطالب البيان للخروج من الأزمة باالآتي:
- التحول الديمقراطي.
- الوحدة الطوعية للبلاد علي أساس دولة المواطنة الدولة المدنية الديمقراطية والتي تحترم التعدد الديني والثقافي والعرقي واحترام حقوق الانسان وسيادة حكم القانون ولجعل السودان انموذجا للوحدة في ظل التنوع.
- ضمان نجاح الاستفتاء حتي لاتعود الحرب من جديد.
- الحل الشامل والعادل لقضية دارفور.
- الحل يكمن في يد القوي السياسية في البلاد.
- رفض تصريحات المسؤولين في المؤتمر الوطني التي تثير العداوة والبغضاء.
ودعا البيان الي الالتفاف حول المؤتمر الجامع الذي يرسم خريطة المخرج من الأزمة.
ويبقي المطلوب تصعيد النشاط السياسي الجماهيري في الشارع عن طريق الندوات والمذكرات والمواكب باعتبار ذلك هو الحاسم في قلب الموازين لمصلحة الوحدة والتحول الديمقراطي .
*ومن الخطوات الايجابية المهمة ايضا اجتماع الاحزاب الجنوبية السياسية، ويشكل ذلك عاملا مهما في اتجاه اعلاء صوت العقل بعد التهاب المشاعر في الأيام الماضية وارتفاع صوت الانفصال في ظل مصادرة الحقوق والحريات الديمقراطية في الجنوب، واتاحة الفرصة لكل وجهات النظر لتعبر عن رأيها في قضية مصيرية تتعلق بالوحدة والانفصال، وتوفير نزاهة وشفافية الاستفتاء والحريات الديمقراطية في الجنوب، وتوسيع المشاركة.
* كل ذلك يوضح أن الخروج من الأزمة ممكن لمصلحة كل السودان وأقاليمه، في اطار المؤتمر القومي الجامع وتفكيك الشمولية واستعادة الحريات والحقوق الديمقراطية، ودولة المواطنة التي تسع الجميع، وقيام الوحدة علي اسس ديمقراطية طوعية وترسيخ السلام والتنمية المتوازنة، ورفض العودة للحرب مرة أخري.


26
تفاقم أزمات النظام بعد الانتخابات
جاءت نتيجة الانتخابات المزورة الأخيرة في السودان لتشكل حلقة جديدة في سلسلة أزمات النظام وتعميق تناقضاته مع القوي والحركات السياسية السودانية و(حتي داخل النظام)، ومع المجتمع الاقليمي والدولي، والازمة اساسا نشأت من عدم التزام النظام بالاتفاقات التي وقعها مع الحركات والقوي السياسية( نيفاشا، القاهرة، ابوجا، ...الخ)، ومن طبيعة النظام التي لم تتغير رغم الانفراج السياسي النسبي الذي حدث بعد نيفاشا، فاستمرت ممارساته القمعية ونقضه للعهود والمواثيق ومصادرة الحقوق والحريات الأساسية( اطلاق الرصاص علي المواكب السلمية واخر ذلك في الفاشر)، وتزوير انتخابات النقابات والاتحادات، وتم تتويج ذلك بتزوير الانتخابات العامة، واستمرار سياساته الاقتصادية القائمة علي مراكمة الرأسمالية الطفيلية الاسلاموية الحاكمة أموالها من التحكم في جهاز الدولة وبيع ممتلكاتها باثمان بخسة لاتباعه، وخصخصة المؤسسات الرئيسية( مشروع الجزيرة، السكة الحديد،...الخ)، ومواصلة الحل العسكري للازمة في دارفور، والاستمرار في مصادرة الحريات مثل القيود علي الصحف( محاكمات رؤساء التحرير، والزام الصحف ان تكون صفحاتها 16 صفحة، واحلال رقابة مجلس الصحافة محل الرقابة القبلية، واثارة الفتن والصراعات القبلية في الجنوب لعرقلة الاستفتاء، وممارسة العنف علي القوي السياسية مثل: هجوم مليشيا المؤتمر الوطني علي منبر حوار لحزب البعث في جامعة السودان، واعتقال طلاب من دارفور، وتصريح الوطني : سنزود بالدماء ضد كل من يحاول المساس بشرعيتنا ( تصريح والي الخرطوم)، واثارة الصراعات القبلية في دارفور.
هذا اضافة لأزمة الاستفتاء علي تقرير المصير، والتي جاءت نتيجة لعدم التحول الديمقراطي وتزوير الانتخابات والتي انفرد بنتيجتها المؤتمر الوطني في الشمال والحركة الشعبية في الجنوب وضيق قاعدة الحكومتين في الشمال والجنوب، في حين ان الاستفتاء كان يتطلب تنفيذ كل استحقاقات اتفاقية نيفاشا حتي تكون الوحدة جاذبة مثل: التحول الديمقراطي والغاء القوانين المقيدة للحريات، وانجاز التنمية وتحسين الاحوال المعيشية وقيام انتخابات حرة نزيهة تشرف عليها مفوضية انتخابات مستقلة وحرة كما جاء في الاتفاقية، ولكن ذلك لم يتم مما ادي الي تعميق أزمة النظام رغم الابتهاج بالنصر الزائف ، واصبح النظام يواجه مشاكل تنوء من تحتها الجبال، وحملها وحده انه كان ظلوما جهولا، وبعد أن فاق من سكرة النصر الزائف يحاول عبثا اشراك بعض الأحزاب النظام مشاركة ديكورية في نظامه حتي لايتحمل وحده مسئولية تفكيك وتشظي البلاد!!!!.
هذا اضافة لأزمة سوق (المواسير) والتي كشفت ضلوع رموز النظام هناك فيها وتعقيد المشكلة باطلاق النار علي الضحايا.
كما جاء تقرير مركز كارتر الأخير ليشكك في تنظيم فرز الاصوات وشفافيته وفي صحة الانتخابات المعلنة، وطالب باعادة الفرز( سودانيز اون لاينز 11-5-2010م).
هذا اضافة لتدهور الاوضاع المعيشية وتدهور اجور العاملين وعدم صرفها في مواعيدها (علي قلتها)، وبروز مطالب العاملين التي بدات تطل برأسها كما وضح من المؤتمر الصحفي الأخير الذي عقدته لجنة الاطباء بدار حزب الأمة: الخميس 31-5- 2010م والذي اشارت فيه الي عدم ايفاء الوزارة باتفاقها الأخير، وقرروا المواصلة بالطرق السلمية ودعوا لعقد اجتماع للجمعية العمومية قريبا لتقول كلمتها.
هذا اضافة لأزمة الاستفتاء علي تقرير المصير ، باعتبار ان الانفصال سوف يكون من اكبر الأزمات ، واحتمال تلاعب الحكومة في الاستفتاء مما يؤدي لاندلاع الحرب من جديد، وفي حالة الانفصال: سوف تواجه الحكومة ازمة اقتصادية طاحنة، اذ سوف يفقد السودان 85% من بتروله، و60% من مصادر الميزانية، وبالتالي سوف تزداد أزمة النظام عمقا.
كل ذلك يؤكد ان الشرعية لاتأتي بانتخابات مزورة ، ولكنها تاتي بانتخابات حرة نزيهة توسع قاعدة الحكم وتحل مشكلة دارفور وتحسين الاوضاع المعيشية، توفير التنمية واحتياجات الناس الأساسية، واطلاق الحريات العامة والغاء كل القوانين المقيدة للحريات ووقف قمع المعارضين السياسيين وتكميم حرية الصحافة والتعبير. هذا اضافة لتحسين الاوضاع في الجنوب الذي يعاني من الحروب القبلية والمجاعات وغياب البنيات الأساسية، بحيث اصبح حوالي 4 ملايين جنوبي يعتمدون علي الاغاثات اضافة لاتساع رقعة الفقر التي زادت من النزاعات القبلية، اضافة الي عدم وجود مقومات دولة في حالة الانفصال، وهذا من نتائج عدم العمل الجاد لتوفير التنمية والاحتياجات الأساسية للمواطن الجنوبي خلال الخمس سنوات الماضية، وبالتالي من المتوقع في حالة الانفصال أن يكون الجنوب بؤرة ملتهبة في المنطقة كما تشير المصادر والتقارير الدولية
وخارجيا: يواجه النظام مشكلة المحكمة الجنائية الدولية، بعد أن رشحت التصريحات من اوكامبو والادارة الامريكية والاتحاد الاوربي بأن فوز البشير لن يعفيه من ملاحقة الجنائية.
هذا اضافة لماورد في التقرير السنوي للحريات الدينية والذي سجلت فيه اللجنة الامريكية ادانة قوية للحكومة السودانية بسبب انتهاك حرية الأديان
كما يواجه ايضا دراسة اتفاقية مياه النيل الجديدة والتي وقعت عليها اربع دول افريقية( عدا مصر والسودان) واتخاذ موقف منها بما يراعي مصلحة السودان ومصالح كل دول المنبع والممر والمصب.
تلك امثلة توضح أن النظام بصعوده للحكم مرة اخري بانتخابات مزورة، وضع نفسه علي سطح صفيح ساخن، وتحيط به مشاكل كثيرة، احاطة السوار بالمعصم، لامخرج منها غير انتخابات حرة نزيهة تنتج عنها حكومة ذات قاعدة عريضة تواجه تلك المشاكل.

27
تفاقم أزمة الحكم في السودان
وصلت أزمة الحكم في السودان الي نقطة حرجة تنذر بالانفجار وتشظي البلاد، وتتلخص هذه الأزمة في: عدم تنفيذ جوهر اتفاقية نيفاشا بعد أكثر من أربع سنوات، والذي يتمثل في التحول الديمقراطي وتحسين أحوال الناس المعيشية وتوفير التنمية والاحتياجات الأساسية في الشمال والجنوب(التعليم والصحة والخدمات..) مما يرسخ السلام ووحدة البلاد، اضافة لعدم تنفيذ جوانب الاتقاقية الأخري مثل: ترسيم الحدود بين الشمال والجنوب وتنفيذ قرار محكمة لاهاي الخاص بابيي، وتفاقم ازمة الشريكين والتي اكدت فشل الحل الثنائي مما يؤكد ضرورة الآلية القومية لحل أزمة البلاد والتي تشترك فيها كل القوي السياسية ومنظمات المجتمع المدني.
هذا اضافة لأزمة دارفور التي ما زالت تراوح مكانها، ولابديل غير الحل الشامل والعادل لتلك المشكلة كشرط لاستقرار البلاد وقيام انتخابات حرة نزيهة، هذا اضافة لتداعيات المحكمة الجنائية، اضافة لكثافة التدخل الأجنبي في السودان في حين أن السودانيين قادرون علي حل مشاكلهم، اذا تحقق المؤتمر القومي الجامع.
كما تدهورت الأوضاع المعيشية طيلة الأربع السنوات القادمة من عمر الاتفاقية اذا استمر النظام في سياسته التقليدية كما في اجازة ميزانية الأعوام:2006، و2007، و2008، و2009، و2010م، والتي زادت الشعب السوداني رهقا، واستمرار النظام في خصخصة مرافق الدولة العامة مثل مشروع الجزيرة الذي شكل عصب الاقتصاد السوداني لعقود من الزمان ومايرتبط بذلك من تشريد العاملين وتخفيض أجورهم،وبالتالي تظل مفارقة لأهداف اتفاقية نيفاشا التي اوقفت الحرب وبشرت يتحسين أحوال الناس المعيشية والاقتصادية والعمل من أجل الوحدة الجاذبة، في حين كان يتوقع الناس أن تذهب عائدات البترول لدعم القطاع الزراعي والحيواني والصناعة وتوفير فرص عمل لالاف الشباب العاطلين عن العمل ودعم التعليم والصحة والخدمات..الخ. هذا علما بضآلة المبالغ المخصصة للصحة والتعليم. كما تلوح في الأفق نذر مجاعة هذا العام لشح الامطار وفشل الموسم الزراعي وارتفاع أسعار الذرة والخضروات وضروريات الحياة الأخري، هذا اضافة للفساد في مرافق الدولة والذي اصبح يزكم الأنوف كما وضح من تقرير المراجع العام الأخير الذي قدمه في المجلس الوطني، اضافة لأزمة المفصولين عن العمل.
ومن مظاهر تفاقم أزمة النظام عدم تنفيذ استحقاقات التحول الديمقراطي والغاء القوانين المقيدة للحريات، وكفالة حق الأحزاب السياسية بعمل ندواتها في الميادين العامة والفرص المتساوية في أجهزة الاعلام التي يحتكرها المؤتمر الوطني، ومحاولة تمرير قانون الأمن الوطني الذي يتعارض مع الدستور الذي حدد مهام الأمن في جمع المعلومات وتحليلها ورفعها، هذا اضافة للشكاوي التي وردت من النقابيين بتزوير انتخابات المعلمين والاطباء والمهندسين..الخ، وشكاوي القوي السياسية لمفوضيات الانتخابات حول التجاوزات في التسجيل مثل: تسجيل القوات النظامية في أماكن العمل في حين أن قانون الانتخابات يشير الي التسجيل في مكان السكن اسوة ببقية المواطنين، وتلاعب مناديب المؤتمر الوطني في مراكز التسجيل بأخذ بطاقات المواطنين عن طريق التضليل، وعدم دقة التسجيل مثل: تحديد المربع ورقم المنزل مما يفتح الباب واسعا لعملية التزوير..الخ، كل ذلك نذر بتزوير الانتخابات مما يعيد انتاج أزمة كينيا وايران الأخيرتين.
كما تتفاقم الصراعات القبلية في الجنوب والتي راح ضحيتها الالاف في السنوات الماضية والتي تنذر بعودة الحرب في الجنوب خاصة وان المواطن الجنوبي لم يحس بتوفير أي خدمات او تنمية، ولم ينعكس السلام ايجابا في حياته واوضاعه المعيشية اضافة لانتشار الفساد وبودار المجاعة التي تحذر منها الأمم المتحدة، هذا اضافة لأزمات الشمال الأخري مثل مشاكل السدود(كجبار، دال، الشريك..).
ومن مظاهر تفاقم ازمة الحكم الصراعات التي بدات تطل برأسها داخل الحزب الحاكم(المؤتمر الوطني) كما ظهر في منطقة الجزيرة ومايرشح في الصحف وأوساط الطلاب حول تداعيات ذلك الصراع، اضافة لعزلة المؤتمر الوطني كما اتضح من عدم مشاركته في مؤتمر جوبا الأخير والذي وضع خريطة طريق للخروج من الأزمة والنفق المظلم.
لنزع فتيل الأزمة التي تهدد وحدة السودان لابديل غير التحول الديمقراطي والغاء كل القوانين المقيدة للحريات والتي تفتح الطريق لقيام انتخابات حرة نزيهة وتحقيق بقية الشروط الأخري لتلك الانتخابات مثل تنفيذ اتفاقية نيفاشا وبقية الاتفاقات والحل الشامل والعادل لقضية دارفور وتخفيف الضائقة المعيشية عن المواطنين ولجم الفساد ووقف بيع مشروع الجزيرة وبقية المرافق العامة والاراضي الزراعية للأجانب..
ولابديل غير النهوض الجماهيري وخلق اوسع تحالف من اجل تحقيق تلك المطالب والتي تضمن انتخابات حرة نزيهة تضمن وحدة البلاد وتصفية الشمولية والديكتاتورية من الحياة السياسية.

27
المؤتمر الوطني وتقرير المصير:
فاقد الشئ لايعطيه.
في التاسع من يناير 2005م وقعّت الحركة الشعبية اتفاقية ثنائية مع المؤتمر الوطني، تضمنت الاستفتاء علي تقرير المصير في نهاية الفترة الانتقالية، وكما ذكرنا في مقال سابق أن تقرير المصير حق ديمقراطي انساني، يجب أن يتم في ظروف تتسم باوسع قدر من الحريات والحقوق الديمقراطية، وفي ظل حكومة منتخبة ديمقراطيا وذات قاعدة اجتماعية واسعة تحظي برضا اوسع قطاعات من الشعب السوداني، وكشرط لاغني عنه لتقرير مصير السودان الذي ظل موحدا لحوالي قرنين من الزمان، هل يظل موحدا ام ينقسم الي دولتين؟.
* وكان جوهر الاتفاقية يتلخص في ثلاثة أضلاع:
الأول :تغليب خيار الوحدة علي أساس العدالة ورد مظالم شعب جنوب السودان، وتخطيط وتنفيذ الاتفاقية بجعل وحدة السودان خيارا جذابا وبصفة خاصة لشعب جنوب السودان، وكفلت الاتفاقية حق تقرير المصير لشعب جنوب السودان عن طريق استفتاء لتحديد وضعهم مستقبلا(بروتكول مشاكوس).
الضلع الثاني والمهم في الاتفاقية، كما جاء في بروتكول مشاكوس، هو التحول الديمقراطي وقيام نظام ديمقراطي يأخذ في الحسبان التنوع الثقافي والعرقي والديني والجنسي واللغة والمساواة بين الجنسين لدي شعب جنوب السودان، وكفلت الاتفاقية الحقوق والحريات الأساسية، وأكدت علي أن يكون جهاز الأمن القومي جهازا مهنيا ويكون التفويض المخول له هو تقديم النصح والتركيز علي جمع المعلومات وتحليلها (المادة:2-7 -2-4)، وتم تضمين وثيقة الحقوق في الدستور الانتقالي لسنة 2005م، علي أن يتوج ذلك بانتخابات حرة نزيهة تحت اشراف مفوضية للانتخابات مستقلة ومحايدة(المادة:2-1-1-1)، واستفتاء علي تقرير المصير في نهاية الفترة الانتقالية يدعم ويعزز خيار الوحدة.
الضلع الثالث كما جاء في بروتكول مشاكوس: ايجاد حل شامل يعالج التدهور الاقتصادي والاجتماعي في السودان، ويستبدل الحرب ليس بمجرد السلام، بل أيضا بالعدالة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي تحترم الحقوق الأنسانية والسياسية الأساسية لجميع الشعب السوداني.
* كانت تلك الأضلاع الثلاثة هي الحد الأدني الذي بنت عليه جماهير الشعب السوداني تأييدها للاتفاقية التي اوقفت نزيف الحرب، رغم عيوب الاتفاقية التي لاتخطئها العين، حيث أنها كانت ثنائية وتم استبعاد ممثلي القوي السياسية ومنظمات المجتمع المدني الأخري، ولاسيما أن الاتفاقية تناولت قضية أساسية تتعلق بمصير السودان ووحدته لايمكن ان تترك لشريكين، فالمؤتمر الوطني لايمثل الشمال ولا الحركة الشعبية تمثل الجنوب، وكانت الحصيلة شراكة متشاكسة كّرست الشمولية والديكتاتورية، اضافة للثغرات الأخري في الاتفاقية مثل تقسيم البلاد علي أساس ديني، واقتسام السلطة الذي كرّس الصراع بين الشريكين وهيمنة المؤتمر الوطني في الحكومة المركزية والمجلس الوطني من خلال الأغلبية الميكانيكية والتي افرغ بها المؤتمر الوطني الاتفاقية من مضمونها وتم اعادة انتاج الشمولية والديكتاتورية، اضافة لوجود نظامين مصرفيين والذي اكدت التجربة العملية فشله، اضافة للخلل في توزيع عائدات النفط بين الشمال والجنوب بنسبة 50% لكل منهما، والذي غذي النعرات الانفصالية، وحتي تلك العائدات لم تذهب الي التنمية وخدمات التعليم والصحة والزراعة والصناعة والبنيات الأساسية..الخ، في الشمال والجنوب.
وبجرد لحصاد الخمس سنوات الماضية من تنفيذ مضمون الاتفاقية نلاحظ:
- انتهاك الحقوق والحريات الأساسية حيث أصبح الدستور الانتقالي حبرا علي ورق واستمرت الممارسات السابقة في قمع المسيرات السلمية مثل: مسيرتي: 7/12، 14/12/2009م، ومسيرة متضرري (سوق المواسير) ومسيرة طلاب جامعة الدلنج مما أسفر عن قتلي وجرحي، وقمع مسيرات واعتصامات العاملين والطلاب السلمية رغم عدالة مطالبهم مثل: موكب الاطباء وطلاب طب جامعة الخرطوم تضامنا معهم، وقمع موكبي مواطني كجبار والبجا مما أدي لاستشهاد أعداد منهم اضافة للجرحي، اضافة لاستمرار القوانين المقيدة للحريات واحتكار المؤتمر الوطني للاعلام والرقابة علي الصحف(مصادرة صحيفة رأي الشعب واعتقال محرريها ومنع صدور خمسة اعداد من صحيفة (الميدان) بسبب الرقابة)، اضافة للاعتقالات بسسب ممارسة النشاط السياسي المشروع مثل توزيع منشورات لأحزاب مسجلة!!، وتزوير انتخابات العاملين والمهنيين بالقمع وتسخير جهاز الدولة لخدمة ذلك، وتم تتويج مصادرة الحريات بقانون الأمن الأخير الذي أجازه المجلس الوطني والذي يتعارض مع الدستور الانتقالي الذي حدد مهام ووظائف جهاز الأمن في جمع المعلومات وتحليلها، اضافة لانتهاكات الحرب في دارفور، وقرار المحكمة الجنائية بتوقيف الرئيس البشير، واستمرار الصراعات القبلية ونسف الأمن في الجنوب، ولم تتغير طبيعة النظام التي تقوم علي القمع سياسيا والنهب اقتصاديا منذ انقلاب 30- يونيو- 1989م.هذا اضافة لعدم توفير مقومات الاستفتاء للجنوب وابيي والمشورة الشعبية والتي تتطلب حرية الارادة والتعبير من قبل المواطنين بدون قوانين مقيدة للحريات مثل قانون الأمن،
وتم تتويج ذلك بتزوير الانتخابات في الشمال والجنوب، و اعادة انتاج النظام الشمولي عن طريق انتخابات مزوّرة، وحكومة اتحادية ذات قاعدة ضّيقة ومتضخمة(77 وزيرا) ، مما يعني المزيد من الالام للشعب السوداني بالتهام موارد الدولة وارهاق كاهل المواطنين بالمزيد من الضرائب.
- تدهورت الأوضاع المعيشية لجماهير الشعب السوداني، كما يتضح من غلاء الأسعار وانخفاض الاجور وموجة الاضرابات الكثيرة للعاملين( اضراب الاطباء الأخير) من اجل صرف استحقاقاتهم اضافة لشبح المجاعة الذي يخيم علي البلاد ، اضافة للفساد الذي وصل الي قمته كما يتضح من تقارير المراجع العام وتقارير منظمة الشفافية العالمية، وبيع مؤسسات القطاع العام وتشريد الالاف من العاملين، ونسبة العطالة الكبيرة وسط الخريجين التي بلغت حوالي 70%، وعدم تحقيق التنمية في الشمال والجنوب، ولم يحس المواطنون في الشمال والجنوب بأن الاتفاقية حسّنت من أحوالهم المعيشية. كما اجاز المجلس الوطني ميزانيات الأعوام:2006، 2007، 2008، 2009م، 2010م، والتي أرهقت الشعب السوداني بالمزيد من الضرائب وغلاء الأسعار، اضافة الي تدهور الانتاج الصناعي والزراعي واعتماد البلاد علي البترول الذي أصبح يشكل نسبة 90% من الصادرات ولم تذهب عائداته للتنمية ولدعم القطاع الزراعي والحيواني والصناعة وتوفير فرص العمل لالاف العاطلين عن العمل، ودعم التعليم والصحة والخدمات..الخ، وتحسين الاوضاع المعيشية، اضافة الي تذبذب أسعاره عالميا بعد الأزمة الاقتصادية العالمية وانعكاساتها السالبة علي السودان.
وبعد الانتخابات المزّورة تدهورت الاوضاع المعيشية بشكل اوسع من خلال ارتفاع أسعار السلع الأساسية وارتفاع الرسوم الدراسية وقيمة الكتاب المدرسي، وازدادت معاناة الأسر في توفير خدمات التعليم والصحة والمياه...الخ، وسوف يزداد الوضع خطورة بعد انفصال الجنوب حيث تفقد الحكومة في الشمال 60% من ايرادتها، و90% من صادراتها.
وبالتالي، كان الحصاد هشيما، وحصيلة التنفيذ كانت مفارقة تماما لجوهر الاتفاقية، حيث تم تكريس الصراع بين الشريكين والاستقطاب وهيمنة المؤتمر الوطني في الشراكة، وتم اعادة انتاج الشمولية والديكتاتورية مرة أخري عن طريق تزوير الانتخابات، واحتمال تنصل المؤتمر الوطني من الاستفتاء أو تزويره وارد، وبالتالي هناك خطورة للعودة لمربع الحرب.
وتلكوء المؤتمر الوطني في تنفيذ الاتفاقية ليس أمرا جديدا، رغم أن الاتفاقية كانت مشهودة دوليا، فالمؤتمر الوطني أجبر علي توقيع الاتفاقية نتيجة للضغوط العالمية والمحلية، وتعامل معها كفرصة لالتقاط انفاسه واطاله عمره في السلطة ومواصلة طبيعته المراوغة، هذا فضلا عن أن للمؤتمر الوطني ارث كبير في نقض العهود والمواثيق، مثال: عدم تنفيذ اتفاقية حيبوتي والتراضي الوطني التي وقعها مع حزب الامة، واتفاقية القاهرة مع التجمع الوطني، واتفاقيتي ابوجا والشرق ، وغير ذلك من الاتفاقات التي افرغها من مضامينها وحولها لمجرد وظائف ومناصب في حكومات وبرلمانات اتحادية وولائية، وبالتالي كان في تقدير كاتب هذه السطور بعد توقيع اتفاقية نيفاشا، ومن استقرئه لطبيعة المؤتمر الوطني، أنه غير مؤتمن علي تنفيذها، وبالفعل افرغها من مضمونها كما أشرنا سابقا، وبالتالي، فان احتمال الحرب وارد في ظل هذه الاوضاع التي لم تتوفر فيها مقومات الاستفتاء علي تقرير المصير كما اوضحنا سابقا، وهذا كامن في طبيعة المؤتمر الوطني الشمولية، فتقرير المصير حق ديمقراطي لايمكن أن يعطيه نظام المؤتمر الوطني الشمولي ، لأن (فاقد الشئ لايعطيه).
وايضا من تجربة نظام نميري الديكتاتوري الشمولي، نجد انه خرق اتفاق الحكم الذاتي للجنوب الذي تم الاعلان عنه في بيان 9/يونيو/1969م، واتفاقية اديس ابابا التي تم توقيعها في مارس 1972م، فلايمكن لنظام شمولي أن يعطي حقا ديمقراطيا مثل: تقرير المصير، فالديكتاتورية لاتلد الديمقراطية، ولكنها لا تلد الا فاجرا كفارا بحق الشعوب في الديمقراطية والحكم الذاتي. وبالتالي يتضح ايضا خطأ تقدير الحركة الشعبية التي وثقت مثل (جماعة لاقو) في نظامين شموليين في اعطائها حق الحكم الذاتي وتقرير المصير، اضافة لممارسة الحركة الشعبية نفسها طيلة الخمس سنوات الماضية في الجنوب مثل مصادرة الحريات وعدم توفير التنمية واحتياجات المواطن الجنوبي في التعليم والصحة وخدمات المياه..الخ، رغم استلام ما يقارب 8 مليار دولار من عائدات البترول، ودعوة اقسام منها للانفصال والتراجع عن خيار الوحدة الذي فضله الدستور والدعوة علنا للانفصال في غياب الديمقراطية والحريات في الجنوب والتي تمكن التيارات الوحدوية في التعبير عن رفضها لجريمة تمزيق الوطن بالعوة للانفصال، علما بأن الانفصال لن يحل المشكلة بل يزيدها تعقيدا، وبالتالي، فان الحركة الشعبية لايمكن اعفائها من الاخطاء التي حدثت، بما فيها الوثوق في نظام شمولي وتوقيع اتفاقية ثنائية معه وله باع طويل في خرق العهود والمواثيق.
ومن الجانب الاخر تستمر المقاومة الجماهيرية لتلك الاوضاع الخطيرة التي تهدد وحدة البلاد، وتتوحد حول مطالب محددة كمطلوبات لقيام انتخابات حرة نزيهة تفتح الطريق لتصفية الديكتاتورية والشمولية، وهذا يتطلب مفوضية انتخابات محايدة ومستقلة كما جاء في الاتفاقية، واعادة النظر في الاحصاء السكاني، والغاء السجل الانتخابي المزوّر الحالي، والغاء القوانين المقيدة للحريات وعلي رأسها قانون الأمن والغاء وقانون نقابات المنشأة، والحل الشامل والعادل لقضية دارفور، ، هذه المطلوبات ضرورية لقيام انتخابات حرة نزيهه واستفتاء حر نزيه يعبر عن ارادة شعب الجنوب في حرية وديمقراطية كاملة وبعيدا عن الاملاءات والضغوط الخارجية.
ولابديل لتصعيد النشاط الجماهيري من أجل انتزاع التحول الديمقراطي والغاء القوانين المقيدة للحريات وتحسين الأحوال المعيشية، وتسوية أوضاع المفصولين تعسفيا، والحل الشامل لقضية دارفور وبقية أقاليم السودان من خلال التوزيع العادل للسلطة والثروة بقيام اتحاد فدرالي يكفل الحكم الذاتي والتوزيع العادل للسلطة والثروة لأقاليم السودان السبعه (دارفور، والشرق، والشمالية، والجنوب، وكردفان، الأوسط، والخرطوم)، وقيام دولة المواطنة التي تسع الجميع، وتنفيذ اتفاقية نيفاشا وبقية الاتفاقات، من خلال مؤتمر جامع للحل الشامل باعتباره المخرج الذي يضمن وحدة السودان من خلال تنوعه.

28
توفرت عوامل انهيار النظام
كان من نتائج سياسات الحكومات المدنية والعسكرية التي تعاقبت علي البلاد بعد الاستقلال أن عمقت التهميش في الجنوب ، والتنمية غير المتوازنة التي خلفها الاستعمار البريطاني بعد خروجه، والاستعلاء الديني والعنصري والعرقي، فتم نقض العهود والمواثيق مثل: عدم اعطاء الحكم الفدرالي للجنوبيين بعد الاستقلال، والتوسع في الحل العسكري وفرض اللغة العربية والدين الاسلامي بالقسر خلال سنوات ديكتاتورية عبود(1958- 1964م) حتي كانت مشكلة الجنوب من أسباب اندلاع ثورة اكتوبر 1964م. وبعد انقلاب 25 مايو 1969م تم توقيع اتفاقية اديس ابابا في مارس 1972م والتي تم بموجبها اعطاء الجنوب الحكم الذاتي، وتم وقف نزيف الدم لمدة عشر سنوات، الا ان نظام النميري المتسلط نقض تلك الاتفاقية بقرار تقسيم الجنوب، ، مما ادي لاندلاع الحرب مرة اخري وبشكل اوسع من الماضي، بعد تاسيس الحركة الشعبية لتحرير السودان عام 1983 بقيادة جون قرنق والتي رفعت شعار وحدة السودان علي أسس جديدة، اضافة الي تعميق المشكلة وصب الزيت علي النار باعلان قوانين سبتمبر 1983م. وساهمت الحركة الشعبية في مقاومة نظام النميري حتي تمت الاطاحة به في انتفاضة مارس – ابريل 1985م. وبعد الانتفاضة تواصلت الجهود من اجل الحل السلمي الديمقراطي لمشكلة الجنوب حتي تم تتويج ذلك بتوقيع اتفاقية الميرغني – قرنق، وتقرر بموجبها وقف اطلاق النار والتحضير لعقد مؤتمر دستوري في سبتمبر 1989م.
ولكن جاء انقلاب 30 يونيو 1989م الذي كان القشة التي قصمت ظهر البعير.وتم اعلان حرب الابادة الجهادية التي امتدت وتوسعت لتشمل جبال النوبا والنيل الأزرق والشرق ودارفور، وحرب علي الشعب السوداني وقواه السياسية والنقابية، وتم تشريد الاف المواطنين من أعمالهم، واعتقال وتعديب الالاف في سجون الانقاذ، والتعذيب حتي الموت كما في حالة الشهيد د. علي فضل. ورفعت الدولة يدها عن خدمات التعليم والصحة ، وتم تدمير السكة الحديد والنقل النهري والخطوط الجوية السودانية، ومشروع الجزيرة وبقية المشاريع الزراعية. وتم تعميق الفقر حتي اصبحت نسبته 95% من جماهير شعبنا. وبعد استخراج البترول وتصديره عام 1999م لم تذهب جزء من عائدته لدعم الزراعة والصناعة والتعليم والصحة وبقية الخدمات، بل استمرت الزيادة في أسعار المحروقات حتي الزيادات الأخيرة في الاسبوع الماضي. وحتي بعد توقيع اتفاقية نيفاشا التي اوقفت الحرب لم يتم تنفيذ جوهرها الذي يتعلق بالتحول الديمقراطي والتنمية وتحسين الاوضاع المعيشية، وقيام انتخابات حرة نزيهة تفتح الطريق لقيام استفتاء حر ونزيه يؤكد خيار وحدة السودان كما جاء في الاتفاقية والدستور، ولكن سياسات المؤتمر الوطني طيلة الخمس سنوات الماضية عمقت الكراهية والاستعلاء الديني والعرقي والحقد والمظالم لدي الجنوبيين حتي اصبحوا مواطنين من الدرجة الثانية. كل ذلك قاد الي خيار الانفصال. وبالتالي يتحمل المؤتمر الوطني المسؤولية التاريحية في تمزيق السودان الذي ظل موحدا لحوالي قرنين من الزمان.
لقد اكدت تجارب تاريخ السودان منذ السنوات الأخيرة للسلطنة الزرقاء التي شهدت تفككا وتكوين دويلات مستقلة(الشايقية، المجاذيب في الدامر..)، وفرض ضرائب ومكوس عالية ، وتدخل السلاطين في التجارة اضافة الي الفساد وتدهور الأحوال الأمنية، ان ذلك من علامات انهيار النظام. والان يتكرر المشهد نفسه في ظروف تاريخية واوضاع عالمية مختلفة، حيث نشهد تفكك السودان، وتدهور الاوضاع المعيشية وزيادة الأعباء الضريبية والفساد، اضافة لانحياز الدولة لمصلحة شركات وتجار وطفيلي المؤتمر الوطني الذين يحققون ارباحا عالية من هذه الزيادات في الاسعار، ومن نهب ممتلكات الدولة، وبعد انفصال الجنوب وفقدان موارد النفط سوف يكون النظام اكثر قهرا في الجباية وسوف تزيد معاناة الناس، اضافة الي مطالبة اقاليم اخري بالانفصال مثل: دارفور وجبال النوبا والنيل الأزرق..الخ، بحيث لايبقي اي حيار سوي زوال النظام.
وبالتالي توفرت العوامل الموضوعية لانهيار النظام، ويبقي بعد ذلك ضرورة توفير العامل الذاتي الذي يتمثل في وحدة المعارضة وتوفير القيادة الثابتة التي تقود المعركة بمثابرة وفي كل المستويات والفئات الاجتماعية حتي اسقاط النظام.


29
ثم ماذا بعد اعلان نتيجة الانتخابات؟
يواجه السودان اوضاعا حرجة بعد اعلان نتيجة الانتخابات التي وصفتها القوي السياسية المعارضة في الشمال والجنوب بالمزوّرة، وبالتالي لاتعترف بنتائجها ، والواقع أن نتيجة الانتخابات كانت معروفة سلفا، اذا انها تمت في ظل حكم شمولي بكل ما يحمل من قوانين مقيدة للحريات واحتكار للاعلام وجهاز الدولة، اضافة الي حرب دائرة رحاها في دارفور ، واحصاء سكاني مشكوك فيه وسجل انتخابي مزور، ومفوضية انتخابات منحازة تماما للحزب الحاكم، وتمويل غير متكافئ راجحة كفته بشكل كبير لصالح المؤتمر الوطني. وقد اعادتنا مهزلة الانتخابات الحالية لمربع نظام مايو(1969-1985م) الشمولي الذي كان يفوز فيها زورا مرشح الحزب الحاكم(الاتحاد الاشتراكي) الرئيس المخلوع (النميري) بنسبة 99% ، وتنظيم الاتحاد الاشتراكي الذي كان يباهي به النميري بأن عضويته حوالي 4 مليون نسمة، مع امتلاك الدولة لاجهزة الاعلام والقمع ووجود القوانين المقيدة للحريات مثل قانون أمن الدولة، مع وجود فئات رأسمالية طفيلية منتفعة بالسلطة وليس لها جذور وسط الجماهير، وهاهو المشهد يتكرر مرة أخري في شكل (مأساة) حيث يحل (المؤتمر الوطني) محل (الاتحاد الاشتراكي)، ويدعي المؤتمر الوطني بان عضويته (5مليون) ، ورغم ذلك تنزل كل قوات الأمن للشارع في حالة المسيرات السلمية للمعارضة وفي عملية التصويت للانتخابات!!!، وتدخل البلاد مرة اخري وبشكل اسوأ واعمق في النفق المظلم نفسه الذي ادخل فيه النميري البلاد، والتي اخرجتها منه انتفاضة مارس- ابريل 1985م.
جاءت الانتخابات تتويجا لتراجع المؤتمر الوطني عن تنفيذ اتفاقية نيفاشا وجوهرها المتمثل في الغاء القوانين المقيدة للحريات وتحسين الاوضاع المعيشية والتنمية في الشمال والجنوب،اضافة الي ضرب عرض الحائط بوثيقة الحقوق في الدستور الانتقالي لعام 2005م، وعدم تكوين مفوضية انتخابات مستقلة محايدة كما اشارت الاتفاقية، اضافة لتعميق الحرب في دارفور حتي دخلت مرحلة الملاحقة من المحكمة الجنائية الدولية للبشير، وتم خلق مناخ غير جاذب للوحدة، و تكريس الشمولية في الشمال والجنوب، وهذا وضع خطير، يمكن ان يقود الي الانفصال اذا لم يتم تداركه في ال8 شهور القادمة.
ورغم تعجل المؤتمر الوطني في اجراء الانتخابات وبدون توفير مطلوباتها التي اشارت لها مذكرات قوي المعارضة ، والاعتقاد الخاطئ بانها (جبل الجودي) الذي يعصم البشير من ملاحقة المحكمة الجنائية، وممارسة كل أساليب التزوير التي لم تخطر علي خيال بشر، الا ان الرياح اتت بما لا تشتهي سفن البشير، وفور الاعلان عن نتيجة فوز البشير توالت التصريحات من غرايشن والاتحاد الاوربي، واوكامبو : ان الانتخابات مزورة، ونتيجتها لن تعفي البشير من ملاحقة الجنائية وجرائم الحرب التي ارتكبت. كما جاءت تصريحات المعارضة بانها سوف تواصل النهوض الجماهيري لمقاومة هذا النظام الذي جاء محمولا علي ظهر انتخابات مزوّرة، هذا اضافة لضعف التركيبة الحكومية والبرلمانية القادمة والتي تعبر عن وجهة نظر حزب حاكم واحد وبدون معارضة برلمانية ، بتكلفة مالية باهظة بمخصصات البرلمان القومي وبرلمانات الولايات والتي تتجاوز ال 48 مليار جنية، وفي ظل ازمة اقتصادية طاحنة تعاني منها البلاد بسبب تدمير الانتاج الزراعي والصناعي وصرف بذخي علي حملة الوطني الانتخابية، كما أفرزت الانتخابات استقطابا حادا اذ اصبح المؤتمر الوطني في مواجهة كل الشعب السوداني بقواه السياسية وحركاته ومنظمات المجتمع المدني المعارضة، ومع تهديد بحماية شرعيته المزورة بالدماء ، في محاولة لاعادة عقارب الساعة الي الوراء الي سيرة الانقاذ الاولي، ولكن هيهات فازمة النظام ازدادت عمقا بعد الانتخابات ، وتمت اضافة جريمة جديدة لجرائمه السابقة وهي تزوير ارادة الشعب السوداني تزويرا فاضحا ومكشوفا، في نتائج انتخابات رفضتها حتي القوي السياسية التي شاركت فيها ، واجمعت كل القوي السياسية ومنظمات المجتمع المدني السودانية بانها مزورة، اضافة لاتفاق المنظمات العالمية بانها دون (المعايير الدولية)، وهي الاسم الحركي للتزوير، والقبول بها كجسر للاستفتاء علي تقرير المصير ، او التعبير بانها تتمشي مع ( معايير الدول الافريقية) في اشارة غافلة او لاذعة بانها: تقوم علي التزوير و(البلطجة السياسية)، حيث ان في القارة الافريقية انظمة حكم تقوم علي الشمولية والاستبداد وتزوير الانتخابات وحالة الطوارئ المستديمة.
ورغم نتيجة الانتخابات المزوّرة الا انها لاتعطي النظام الشرعية، ذلك ان الشرعية تستمد من الجماهير واطلاق الحريات والحقوق الديمقراطية والغاء كل القوانين المقيدة للحريات وعلي رأسها قانون الأمن، والحل الشامل والعادل لقضية دارفور ، وقيام انتخابات حرة نزيهة تتوفر كل مطلوباتها من: احصاء سكاني وسجل انتخابي متفق عليه، ومفوضية انتخابات مستقلة ومحايدة وبموافقة القوي السياسية، وحكومة قومية انتقالية تشرف علي الانتخابات، واعلام قومي تتوفر فيه الفرص المتساوية لكل القوي السياسية، وجهاز دولة وقضاء محايد. ومن شأن هذه الانتخابات التي تتوفر مطلوباتها ان تنتج عنها حكومة مقبولة وذات قاعدة عريضة تفتح الطريق لازالة حالة الاحتقان الحالية بالحل الشامل والعادل لقضية دارفور ، وتخلق مناخا للوحدة الجاذبة في الاستفتاء علي تقرير المصير، وتحقيق التنمية وتحسين الاوضاع المعيشية والتي تعزز الاستقرار في الشمال والجنوب، وهذا هو المخرج.
اما محاولة المؤتمر الوطني لفك عزلته من خلال التهديد بالقمع والارهاب ، والدعوة لتكوين حكومة قومية تحت سيطرته وهيمنته، فلا تلبث ان تعيد انتاج الأزمة بشكل اعمق وتهدد بتمزيق وحدة البلاد.

30
ثم ماذا بعد مقتل الدكتور خليل ابراهيم؟
ما حدث في يوم الخميس 22/ 12 /2011م من اغتيال للدكتور خليل ابراهيم بقذيفة صاروخية جوّية اطلقتها طائرة حربية مؤسف وبالغ الخطورة، وهو اسلوب منافي للتقاليد السودانية، وايضا منع سرداق تلقي العزاء في منزل اسرته في الخرطوم. أشار المتحدث باسم حركة العدل والمساواة جبريل آدم: "أن زعيم الحركة خليل ابراهيم قتل في غارة نفذتها طائرة مجهولة اطلقت صاروخا بالغ الدقة علي خليل عندما كان في معسكره" (الصحافة: 26/12/2011م)، وكما هو معلوم فأن عملية الاغتيال هذه لن تحل أزمة دارفور، بل تزيدها تعقيدا، وطالما رددنا أن طريق الحل العسكري للقضية مسدود، ولابديل للحل السلمي الشامل والعادل لقضية دارفور ،وضرورة تلبية مطالبها العادلة في الثروة والسلطة والحكم الذاتي والتنمية المتوازنة وتوفير الاحتياجات الأساسية في التعليم والصحة والخدمات..الخ، وتكوين مجلس رئاسي يمثل كل اقاليم السودان: دارفور، الشرق، كردفان، الأوسط، الشمالية، باعتبار أن الحل الشامل هو الذي يحقن الدماء بدلا من الحلول الجزئية التي تعيد انتاج الازمة، وانفجارها بشكل اوسع من السابق.
اذن حل قضية دارفور نبحث عنه في اطار قومي شامل، ولايمكن حسمها بالاغتيالات والتصفيات الدموية لقادة الحركات، وهذا طريق مسدود اكدت التجربة أنه لن يحل الأزمة، وأمامنا شريط طويل من مسلسل الاغتيالات السياسية لقادة سودانيين في عهد نظام نميري مثل: عبد الخالق محجوب والشفيع احمد الشيخ وجوزيف قرنق ومحمود محمد طه...الخ، ولكن تلك الاغتيالات لم تحل أزمة النظام والذي تم اسقاطه في انتفاضة مارس- ابريل 1985م. وبالطبع ذلك الاغتيال سوف تكون له آثار ضارة بسير الاوضاع في دارفور والبلاد.
لقد عاني شعب دارفور من حكومة الانقاذ التي سارت في طريق الحل العسكري والقمع وحرق القري والابادة الجماعية، مما ادي الي تفاقم المأساة الانسانية هناك، وحدث التدخل الدولي الذي تتحمل الحكومة مسئوليته.
وكان الضحايا حسب احصاءات الامم المتحدة :
- 300 الف قتيل.
- اكثر من 2 ألف قرية محروقة.
- 2 مليون نازح.
وكانت الحصيلة ابادة جماعية وانتهاكات لحقوق الانسان، استوجب المساءلة حسب ميثاق الامم المتحدة لحقوق الانسان. كما عاني شعب دارفور من الحلول الجزئية التي اصبحت حبرا علي ورق، ولم تزد الأمور الا تعقيدا وتمزيقا لوحدة الاقليم والحركات( اتفاق ابوجا، الدوحة،...الخ)، ورغم ذلك تصر الحكومة علي مواصلة السير فيها!!!.
ويبقي مواصلة البحث عن الحل الذي يضمن سلامة وتنمية ووحدة واستقرار الاقليم، وضرورة توصل الحركات المعارضة الي موقف تفاوضي واحد، كما انه من المهم أن تستجيب الحكومة لمطالب اهل دارفور في المفاوضات مثل:
- الحقوق العادلة في السلطة والثروة.
- الاقليم الواحد وفقا لحدود 1956م.
- عودة النازحين لديارهم بعد اخلائها من الذين استوطنوا فيها.
- التعويضات المجزية للمتضررين بسبب الحرب.
- تحقيق التنمية في الاقليم والتي توفر الاحتياجات الأساسية في المعيشة والتعليم والصحة والخدمات ، وانجاز البنيات الأساسية اللازمة للتنمية.
- محاسبة مرتكبي جرائم الحرب، ونزع سلاح المليشيات.
ان تحقيق هذه المطالب من شانه أن يوقف التدخل الاجنبي ويفتح الباب لعودة السلام والأمن في الاقليم.
وبدلا من تحقيق تلك المطالب التي تنزع فتيل الأزمة تزيد الحكومة الأمور تعقيدا وتدخل الاغتيالات السياسية عاملا جديدا في الصراع، مما يزيد النار الملتهبة أصلا، وهذا يؤكد عمق أزمة هذا النظام، وضرورة اسقاطه، وقيام حكومة انتقالية تكون من مهامها وقف الحرب والحل الشامل والعادل لقضية دارفور.

31
في الذكري الرابعة لتوقيع اتفاقية نيفاشا
تهل علينا الذكرى الرابعة لتوقيع اتفاقية نيفاشا للسلام في 9 يناير2005 م ، والبلاد مازالت تراوح مكانها اذ لم يتم تنفيذ الجانب الاساسي من الاتفاقية والتى تشكل لبها وجوهرها المتمثل في التحول الديمقراطي والحل الشامل الذي يعالج التدهور الاقتصادي والاجتماعي في البلاد ويستبدل ليس الحرب بمجرد السلام ، بل ايضا بالعدالة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التى تحترم الحقوق الانسانية والسياسية الاساسية للشعب السوداني ، كما جاء في بروتوكول مشاكوس الموقع في 20 /يوليو/2007 م ، هذا اضافة لعدم حل قضية ابيي رغم الاتفاق الأخير بعد انفجار الاوضاع فيها، وترسيم الحدود بين الشمال والجنوب وعدم الشفافية حول عائدات النفط ، وانتهاك الحقوق والحريات الاساسية وافراغ وثيقة الحقوق في الدستور الانتقالي لسنة 2005م من محتواها، حتى اصبحت حبرا على ورق، مما ادى الى انفجار الوضع بتجميد الحركة للشراكة في الحكومة المركزية والمناصب الدستورية عشية عيد الفطر المبارك في نهاية العام 2007م ، مما ادى لاعادة الجدولة ، رغم تلك الجدولة أو المصفوفة الجديدة ، الا أن الحكومة قدمت ميزانية العام 2009م التى لن يجنى منها شعب السودان غير المزيد من التدهور في اوضاعه الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية والتى اجازها المجلس في دورته الاخيرة، وبالتالى لم يتم شئ في جوهر الاتفاقية من زاوية التحول الديمقراطي وتحسين احوال الناس المعيشية والتنمية، رغم المصفوفة واعادة الجدولة ، فالمسكنات ماعادت تجدى ، وقضية الوطن لاتحتمل المراوغة ، بل اصبح من الضروروي لتجنيب البلاد مخاطر العودة لمربع الحرب تنفيذ الاتفاقية وعدم نقض العهود والمواثيق.
اذن استمر النظام في سياسته التقليدية كما في اجازة ميزانيتي الاعوام 2006 ، 2007 م، 2008م، 2009م والتى زادت الشعب السوداني رهقا على رهق ، اما ميزانية هذا العام ، فلا تبشر بأى انفراج في اوضاع الناس المعيشية ، بعد انفجار الأزمة الاقتصادية العالمية وانخفاض أسعار النفط والذي اصبح يشكل 90% من الصادر السوداني، ومايلوح في الافق من الكساد العالمي والذي يرتبط بتشريد العاملين وتخفيض اجورهم، وبالتالى تظل مفارقة لاهداف اتفاقية نيفاشا التى اوقفت الحرب وبشرت بتحسين احوال الناس المعيشية والاقتصادية والتحول الديمقراطي والعمل من اجل تحقيق الوحدة الجاذبة. ، في حين كان يتوقع الناس أن تذهب عائدات البترول لدعم القطاع الزراعي والحيواني والصناعة وتوفير فرص عمل لالاف الشباب الخريجين العاطلين عن العمل ، ودعم التعليم والصحة والخدمات .. الخ ، هذا علما بضآلة المبالغ المخصصة للصحة ، والتعليم . هذا اضافة لعجز الحكومة عن ادارة الكوارث التى احاطت بالبلاد احاطة السوار بالمعصم مثل : تدهور الاوضاع الصحية والفشل في ادارة ازمة الحمى النزفية ، والتى ادت الى خسارة كبيرة بالنسبة لمصدري الماشية والتى قدرها البعض ب300 مليون دولار ، والفساد في المال العام كما يتضح من التقارير السنوية للمراجع العام، و كوارث السيول والفيضانات ، والصراعات القبلية في دار فور وجنوب كردفان وجنوب البلاد ، اضافة الى مصادرة الحقوق والحريات الديمقراطية وقمع المظاهرات ومصادرة حرية التعبير والنشر باستمرار الرقابة القبلية علي الصحف والاستمرار في افراغ وثيقة الحقوق في الدستور الانتقالي من محتواها والمقاومة الواسعة لذلك،
كما تستمر الضغوط الدولية على الحكومة حتى تقبل بالانتشار الكامل وغير المقيد للقوة الافريقية الاممية في دارفور ، وتتجه الادارة الامريكية بالتنسيق مع مجلس الامن والاتحاد الاوربي أو منفردة لفرض عقوبات مثل : الاستمرار في تطبيق العقوبات ودعم الجهود لتوحيد فصائل دارفور والتفاوض لوقف اطلاق النار ، وتطبيق وفرض منطقة حظر طيران بالتنسيق مع الناتو ، وبما في ذلك استصدار قرار من الكونغرس : ان يخول باستخدام القوة لانهاء ما تسميه واشنطن بالابادة الجماعية. واخيرا جاء قرار المدعي العام والذي وجه اتهامات لرأس الدولة بالابادة العرقية في دارفور، والذي كانت له تداعياته محليا واقيلميا وعالميا.
وبعد أن شعر المؤتمر الوطني ان الازمات احاطت به داخليا وخارجيا وبعد انفجار الازمة مع الحركة الشعبية ، سعى لفك الاختناق بالاتصال بالقوى السياسية الاخرى لامتصاص الازمة وليس حلها، اذ مامعنى الاتصال بالقوى السياسية وتكوين لجان للحوار معها مع استمرار النظام في استخدام اغلبيتيه الميكانيكية في المجلس الوطني لتمرير الميزانية؟؟! ومع استمرار المعتقلين في السجون وقمع مظاهرات طلاب جامعة الخرطوم واعتقال البعض وتقديمهم لمحاكمات لا لشئ الا انهم مارسوا حق كفله لهم الدستور؟؟!!، مما يعكس عدم جدية المؤتمر الوطني ، الذي اصبحت المراوغة ديدنه، وانطبق عليه قول الشاعر : يعطيك من ظرف اللسان حلاوة / ويروغ منك كما يروغ الثعلب ، فما عاد ذلك ينطلى على شعبنا ، فبدلا من تكوين اللجان السداسية مع كل حزب وزرع الفتن والخلافات داخله ، الاجدى المؤتمر القومي أو التفاوض الجماعي مع القوى السياسية، للانتقال من الثنائية للحل الشامل، وتنفيذ الاتفاقات التى وقعها المؤتمر الوطني مثل : اتفاقية نيفاشا المشهودة دوليا ، وتنفيذ اتفاقية القاهرة مع التجمع الوطني وبقية الاتفاقات ،وتحسين المناخ السياسي للحوار والمصالحة الوطنية بالغاء القوانين المقيدة للحريات واطلاق سراح المعتقلين السياسيين ، واصدار قرار سياسي بارجاع المفصولين من العسكريين والمدنيين، وارجاع ممتلكات الاحزاب وتحسين احوال الناس المعيشية والحل الشامل لقضية دارفور. ان تنفيذ هذه المطالب هو المحك لجدية المؤتمر الوطني في تحقيق المصالحة الوطنية .وهي ليست مطالب مستحيلة ، فقد انجزتها بعض البلدان ( مثل البرتغال ، اسبانيا ، شيلي ، جنوب افريقيا.. الخ) التي مرت بالازمة نفسها واخرجت بلادها من ظلمات الازمة الى بر الامان، واطلقت الحريات العامة والغت القوانين المقيدة للحريات وانجزت انتخابات حرة نزيهة ازالت الاحتقان السياسي بانجاز مصالحة وطنية حقيقية رفعت المظالم والضرر، وكفلت وحدة البلاد والصراع السلمي الديمقراطي لتداول السلطة وتحسين احوال الناس المعيشية.
لقد كان توقيع اتفاقية السلام في نيفاشا انجازا كبيرا اوقف نزيف الحرب بين الشمال والجنوب الذي استمر لحوالى 22 عاما ، وفتح الطريق لمواصلة الصراع من اجل انتزاع التحول الديمقراطي وتحسين احوال الناس المعيشية وتوحيد البلاد على اسس طوعية ورفع المظالم والضرر الذي لحق بالمواطنين خلال السنوات الماضية. ولكن مسار التنفيذ ظل خلال السنوات الماضية كما اشرنا سابقا يتعلق بالشكل لا الجوهر، اذ لم يتم شئ حول التحول الديمقراطي والعدالة الاجتماعية وتحسين اوضاع الناس المعيشية والذي يضمن استدامة السلام وعدم العودة لمربع الحرب. واستمرار المؤتمر الوطني بالعقلية الشمولية القديمة التى بدأت تهتز الارض تحت اقدامها مثل انتهاكات حقوق الانسان باطلاق النار على المظاهرات السلمية التى كفلها الدستور كما حدث في بورتسودان وامرى وكجبار وقمع المظاهرات السلمية ضد الزيادات في الاسعار وقمع موكب المفصولين والرقابة على الصحف واعتقال الصحفيين وتقديمهم لمحاكمات ، هذا اضافة لتدهور اوضاع المعيشية جراء الزيادة في الاسعار والجبايات ، وكان من نتائج ذلك الموجة الواسعة من الاضرابات. وتكوين الهيئة القومية للحريات .. الخ .
لاشك أن تراكم المقاومة لسياسات المؤتمر الوطني وافشال مخططاته في تفتيت قوى المعارضة سوف يؤدى الى تحول نوعي ، ويفتح الطريق لانتزاع التحول الديمقراطي والذي لانتوقع أن يأتى منحة من احد كما اكدت تجارب شعبنا ، وان استمرار المؤتمر الوطني في القمع وتركيز السلطة والثروة في ايدي القلة وافقار جماهير شعبنا لن يفضي لمصالحة وطنية حقيقية تفتح الطريق لحل الازمة والحل الشامل لقضايا البلاد .ولابديل امام شعبنا سوى مواصلة النضال من اجل انتزاع التحول الديمقراطي والغاء القوانين المقيدة للحريات وتحسين الاحوال المعيشية والحل الشامل لقضية دارفور، وتنفيذ اتفاقية نيفاشا واتفاق القاهرة وبقية الاتفاقات.


32
حول احداث العنف في العاصمة السودانية
حديث لقناة العربية
بقلم:تاج السر عثمان
عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني
في البداية الشكر لقناة (العربية) علي اتاحتها هذه الفرصة لالقاء الضوء علي احداث العنف في العاصمة السودانية.
بطبيعة الحال، لايمكن تناول احداث العنف في العاصمة السودانية بمعزل عن الاوضاع السياسية والاجتماعية والامنية التي كانت سائدة في البلاد لحظة وقوع الحدث المعين.
فعلي سبيل المثال:
1- احداث مارس 1954م، جاءت بعد فوز الحزب الوطني الاتحادي في اول انتخابات برلمانية جرت بعد توقيع اتفاقية الحكم الذاتي للسودان عام 1953م، تمت الاحداث اثناء زيارة الرئيس المصري محمد نجيب لحضور افتتاح البرلمان السوداني، وراح ضحيتها بعض الافراد. وفي تقديري، أن تلك الاحداث التي قام بها انصار حزب الأمة لم يكن لها مايبررها، خاصة وان البلاد كانت تستقبل عهدا ديمقراطيا جديدا، وان العنف ليس الوسيلة المناسبة لتحقيق الاهداف السياسية، وخاصة ان البلاد في عهد ديمقراطي ، ويمكن التغيير عن طريق صناديق الانتخابات.
2- احداث المولد عام 1961م، والتي اطلقت فيها قوات الامن الرصاص علي الانصار العزل بسبب معارضتهم لديكتاتورية الفريق عبود، وبالتالي، فان تلك الاحداث نفهمها في اطار المقاومة للديكتاتورية العسكرية التي صادرت الحقوق والحريات الديمقراطية.
3- أما احداث العنف الثالثة التي تمت في العاصمة، فكانت بعد حل الحزب الشيوعي السوداني عام 1965م، وطرد نوابه من البرلمان، والهجوم علي دور الحزب الشيوعي السوداني، بواسطة قوي الانصار والاخوان المسلمين المسلحة، مما اضطر الشيوعيين للدفاع عن دورهم ومنابرهم.
وفي اعتقادي، أن تلك الاحداث، ارتبطت بصدور قرار غير دستوري وخاطئ، وهو حل الحزب الشيوعي وطرد نوابه من البرلمان، والذي رفضته المحكمة العليا في قرارها الشهير، والذي تجاهلته الحكومة، مما خلق حالة من الاحتقان السياسي ، وتم خرق الدستور، وكان ذلك من اسباب انقلاب 25/5/1969م.
4- وبعد انقلاب 25/5/1969م، الذي صادر الحقوق والحريات الديمقراطية، كانت احداث ودنوباوي في مارس 1970م، واحداث انقلاب يوليو 1971م، واحداث 2/ يوليو/ 1976م. وهذه الاحداث كانت جزءا من المقاومة للانقلاب العسكري الذي صادر الحقوق والحريات الديمقراطية، وكانت نتاجا لحالة الاحتقان السياسي الذي كان سائدا يومئذ، فالمقاومة لنظام مايو اتخذت اشكالا متعددة: مقاومة شعبية، مقاومة مسلحة، وكان تراكم تلك المعارك هي التي فتحت الطريق للاطاحة بالنظام في انتفاضة مارس- ابريل 1985م.
5- اما احداث العنف الأخيرة والتي تمت في يوليو 2005م، وفي 10/5/2008م:
أ – بعد حادث طائرة نائب الرئيس السابق جون قرنق في يوليو 2005م، والتي كان من الممكن احتواءها، خاصة وانها كانت متوقعة، والارهاصات كانت تشير الي حدوثها، بعد سماع النبأ المؤلم، وكان من الممكن ان تتم اقصي حالات التاهب الامني، لقطع الطريق امام الانفلات الامني، ولكن للاسف لم يتم ذلك، مما ادي لوقوع تلك الاحداث المؤسفة.
ب- أما احداث العنف الأخيرة بعد احداث 10/مايو/2008م في العاصمة، فهي مرتبطة بضرورة الحل الشامل لقضية دارفور، وحالة الاحتقان التي نجمت من عدم تنفيذ العهود والمواثيق من قبل نظام الانقاذ(اتفاقية نيفاشا، ابوجا، القاهرة، الشرق...الخ)، وبالتالي عدم انجاز التحول الديمقراطي، والتنمية وتحسين احوال الناس المعيشية، والحل الشامل لكل اقاليم السودان.
فلو تم ذلك، لأمكن، ويمكن ازالة حالة الاحتقان التي تولد العنف، وباعتبار ان العنف والعنف المضاد ليس هو الحل لقضية دارفور، ولكن من المهم أن تتخذ الحكومة قرارت حاسمة في اتجاه حل قضية دارفور مثل: الاعتراف بالاقليم الواحد، رجوع النازحين الي قراهم واراضيهم، التعويض العادل، وقف اطلاق النار، وغير ذلك من المطالب التي تطرحها حركات واهل دارفور، وان الحل الشامل والسلمي الديمقراطي هو المدخل لتقليل العنف في العاصمة والبلاد اجمع.
15/9/2008م

33
حول سياسة الادارة الأمريكية الجديدة تجاه السودان
باعلان السياسة الأمريكية الجديدة تجاه السودان، تدخل البلاد فترة جديدة من تطورها السياسي، من خلال مواقف محددة أصبحت مقرة من الحكومة الأمريكية، تتلخص السياسة الأمريكية في الاتي:
1- انهاء الصراع ووقف انتهاكات حقوق الانسان وجرائم الحرب والابادة الجماعية في دارفور.
2- تنفيذ اتفاقية السلام الشامل.
3- ضمان الا يكون السودان ملاذا آمنا للارهابيين.
وتري الادارة الامريكية أن السودان اصبح في مفترق الطرق: اما أن تتحسن حياة الشعب السوداني او تتحول الي صراع اكثر عنفا، كما تتخوف الادارة الأمريكية علي مصالحها في المنطقة في حال انفجار الأوضاع في السودان، كما وصفت الادارة الأمريكية أن ماحدث في دارفور(ابادة جماعية). كما قدمت الادارة الامريكية مقترحات لتحسين الأوضاع في دارفور والجنوب ومشاكل ترسيم الحدود وقيام انتخابات حرة نزيهة وتنفذ اتفاقية السلام وحل عقبات الاحصاء السكاني والاستفتاء. كما استخدمت الادارة الامريكية سياسة (العصا) و(الجذرة) او الترغيب والترهيب لتنفيذ مقترحاتها، كما طالبت حلفائها بممارسة ضغوط اكثر من أجل الحل الشامل لقضية دارفور وتنفيذ اتفاقية السلام (وممارسة الضغوط علي أي طرف غير جاد من جانب الولايات المتحدة والمجتمع الدولي).
ومن جانب آخر تجئ سياسة الادارة الامريكية بعد مؤتمر جوبا الذي عقد في سبتمبر2009م الماضي وشاركت فيه كل القوي السياسية (عدا المؤتمر الوطني والاحزاب المتوالية معه) وصدر عنه اعلان جوبا الذي تضمن محاور: 1/الاجماع الوطني 2/المصالحة الوطنية 3/ اتفاقيات السلام والسلام الشامل 3/ أزمة دارفور 4/التحول الديمقراطي 5/ الوضع الاقتصادي والاجتماعي. ورغم النقاط المشتركة في السياسة الامريكية الجديدة واعلان جوبا مثل: تنفيذ اتفاقية السلام حتي يتم تحقيق الوحدة الجاذبة والحل الشامل والعادل لقضية دارفور وتهيئة المناخ لقيام انتخابات حرة نزيهة في السودان، الا أن من دلالات مؤتمر جوبا أنه أكد : من الممكن أن يحل السودانيون مشاكلهم بأنفسهم ويصلوا لحلول نابعة من واقعهم دون تدخل خارجي، وكما أكدت تجربة شعب السودان انه في اللحظات الحاسمة من تاريخه تتداعي كل القوي السياسية علي اختلاف مشاربها السياسية والفكرية لانقاذ البلاد من التدهور والدمار كما حدث في مؤتمر جوبا 1947م، واعلان الاستقلال 1956م وثورة اكتوبر 1964م وانتفاضة مارس- ابريل 1985م، كما أكد المؤتمر فشل الحل الثنائي وضرورة الحل الشامل وهذا ما أشارت اليه الادارة الامريكية في سياستها الجديدة بشكل أوآخر(لدفع عملية السلام والأمن في السودان يجب التعامل مع حلفاء ومع اولئك الذين لانتفق معهم، وينبغي الا تحصر الولايات المتحدة جهودها الدبلوماسية علي حزب المؤتمر الوطني والحركة الشعبية الجماعات المتمردة الرئيسية في دارفور) وهذا يؤكد ضرورة اشراك كل القوي في حل مشاكل البلاد، هذا وقد شكل مؤتمر جوبا خطوة في ذلك الاتجاه.
ولكن السياسة الأمريكية الجديدة لم تكن واضحة في قضية التحول الديمقراطي باعتباره من الركائز الأساسية لانفاقية نيفاشا ولتمهيد الطريق لانتخابات حرة نزيهة، كما انها لم تدفع حول قضية وحدة السودان باعتبار ذلك صمام الأمان لاستقرار المنطقة، ذلك أن انفصال جنوب السودان سوف يفتح الطريق لتفكك السودان الذي ظل موحدا لحوالي قرنين من الزمان ويدفع باتجاه انفصال دارفور والشرق..الخ، هذا فضلا عن انفجار المنطقة بحكم وضع السودان كجسر يربط بين القارة الافريقية والعالم العربي ودوره في منطقة القرن الافريقي، وبالتالي، فان وحدة السودان الطوعية والديمقراطية تشكل عاملا مهما في استقرار المنطقة.
علي أن دلالة السياسة الأمريكية الجديدة تجاه السودان تكمن في زيادة الضغط الخارجي الذي كان عاملا مساعدا في حل الأزمة، ولكن العامل الحاسم في الحل هو العامل الداخلي ونهوض الحركة الجماهيرية في هذه اللحظة الحاسمة من تاريخ البلاد من اجل وقف التدهور ووحدة البلاد وتحسين الاحوال المعيشية والتنمية والحل الشامل والعادل لقضية دارفور والتحول الديمقراطي وضمان قيام انتخابات حرة نزيهة تقتلع الشمولية الديكتاتورية من الحياة السياسية السودانية، هذا وقد شكل مؤتمر جوبا خطوة في هذا الاتجاه.


34
حول قرار عبد الواحد بفتح مكتب لحركته داخل اسرائيل.
أثار القرار الذي اتخذته حركة تحرير السودان التي يقودها عبد الواحد محمد نور ردود فعل غاضبة، لتعامله مع العدو الصهيوني الذي ما قام الا علي الاعتداء علي حقوق الشعب الفلسطيني، والعنصرية.والجدير بالذكر أن الكيان الصهيوني كان يصنف مع الانظمة العنصرية في جنوب افريقيا واستحق استهجان كل الحركات الوطنية التحررية وعداء العالم باسره وبمختلف اعراقه ودياناته، حتي أن الامم المتحدة اتخذت قرارا في احدى دوراتها: اعتبار الصهيونية شكل من اشكال العنصرية. فكيف يتعامل عبد الواحد مع هذا الكيان الصهيوني؟؟!!
معلوم أن قيام الكيان الصهيوني في أرض فلسطين عام 1948م، ارتبط بتشريد الفلسطينيين من اراضيهم، ولعب دور حصان طروادة لضرب الحركات الوطنية التحررية المناهضة للاستعمار والمطالبة بالتنمية المستقلة، كما حدث عندما اوقف المد الثوري في العالم العربي بعد الحرب العالمية الثانية، وكما حدث عندما تحالفت اسرائيل مع فرنسا وبريطانيا في العدوان الثلاثي علي مصر عام 1956م، بعد تأميم الرئيس جمال عبد الناصر لقنال السويس، والعدوان الاسرائيلي في يونيو 1967م والذي كان من اهدافه ضرب النظام الوطني في مصر ووقف حركة التغيير الاجتماعي التي قادها الرئيس السابق جمال عبد الناصر، وبالتالي ، فان اسرائيل لم تكن محايدة في الصراع ، بل كانت اداة الثورة المضادة في المنطقة العربية لضرب اي نهوض تحرري مستقل عن سيطرة الغرب الرأسمالي بقيادة امريكا، ومازالت تلعب هذا الدور في المنطقة بهدف اعادة ترتيب الاوضاع في المنطقة من اجل الاستمرار في نهب مواردها البترولية، وتأمين موقعها الاستراتيجي لمصلحة امريكا في صراعها الضاري مع المراكز الأخري للنظام الرأسمالي العالمي في مرحلة العولمة الراهنة( دول الاتحاد الاوربي، اليابان)، وتطويق الصين وروسيا حتي لاتنهض مرة اخري في الصراع ضد المصالح الامريكية في المنطقة.وفي هذا الاتجاه كان احتلال أفغانستان والعراق بهدف تامين النفط ، والاتجاه لضرب ايران ، والدور الذي لعبته اسرائيل وما زالت تلعبه في تنفيذ هذه المخططات مثل العدوان علي سوريا وغزو لبنان والمجازر التي ارتكبتها ضد الشعب اللبناني وحتي العدوان التي تشنه حاليا والمجازر التي ترتكبها ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة وما خلفه من شهداء وجرحي.
فهل فكر عبد الواحد محمد نور في كل ذلك قبل أن يقدم علي خطوته تلك؟.
هذا علما بأن شعب السودان تضامن مع الشعب الفلسطيني عام 1948م، واسهمت قواتنا المسلحة في حرب فلسطين ضد الكيان الصهيوني، ولازال الناس يذكرون بسالة الضابط زاهر سرور السادات ورفاقه في معركة تحرير فلسطين.كما وقف شعب السودان مع مصر ضد العدوان الثلاثي علي مصر وارسل الفدائيين لمواجهة ذلك العدوان، وتضامنت شعوب العالم مع مصر ضد ذلك العدوان، اما عدوان 1967م، ضد مصر فقد واجهه شعب السودان بموكب ضخم لمقابلة الرئيس عبد الناصر في مؤتمر القمة العربي عام 1967 في الخرطوم والذي وصفه عبد الناصر: بانه كان ملهما لصمودنا ضد العدوان، وكان لذلك اثره في قرارات مؤتمر القمة العربي والذي خرج بلاءاته الثلاثة، كما تضامن شعب السودان مع شعب مصر في حرب اكتوبر 1973م والتي اكدت امكانية مقاومة الاحتلال ، كما رفض شعبنا استسلام السادات للعدو الصهيوني في زيارته التاريخية لاسرائيل والتي ادت الي تطبيع العلاقة معها، وحتي اتفاقات اوسلو التي اكدت حق الشعب الفلسطيني في اقامة دولته المستقلة اجهضها الكيان الصهيوني بعدوانه المستمر علي الشعب الفلسطيني ، كل ذلك لم يغير من طبيعة العدو الصهيوني.
اذن شعب السودان له تقاليد وثوابت في كراهية الكيان الصهيوني، وحتي حركات الانيانيا المسلحة في جنوب السودان والتي كانت لها علاقات سرا مع اسرائيل ،الا أن الحركات المسلحة في جنوب السودان لم تجرؤ علي خطوة عبد الواحد بفتح مكتب لها في اسرائيل، وكان ذلك من الكياسة السياسية، وحتي نظام نميري عندما اقدم علي ترحيل اليهود الاثيوبيين(الفلاشا) الي اسرائيل عبر السودان، كان ذلك سرا، خوفا من غضب شعب السودان وثوابته الراسخة ضد الكيان الصهيوني، حتي انكشف المستور.
فهدف الكيان الصهيوني تفتيت وحدة السودان وضرب الحركات الوطنية التحررية التي تهدف الي التنمية المستقلة ونهضة شعوبها، وكانت اسرائيل تصنف ضمن الدول المناهضة لحركات التحرر الوطني في افريقيا.
صحيح أن نظام الانقاذ يتحمل المسئولية الاساسية في الماسأة الانسانية في دارفور، والتي كان من نتائجها المجازر والابادة التي حدثت لشعب دارفور وتشريده من اراضيه حتي اصبح يعيش في معسكرات، والبعض تحت ضغط الحاجة واليأس لجأوا الي اسرائيل، ولكن ذلك لايشكل مبررا بالاعتراف بالعدو الاسرائيلي وتطبيع العلاقات معه، فنظام الانقاذ هو الذي يتحمل مسئولية هذا التوجه الخاطئ لعبد الواحد. وكون ضعف موقف العالم العربي والاسلامي في التعامل مع ازمة دارفور بجدية ، الا أن ذلك لايبرر التعامل مع الكيان الصهيوني المعادي، بل يتطلب ذلك المزيد من الجهود الفكرية والسياسية والدبلوماسية، لشرح القضية وكسب العالم العربي والاسلامي الي صف قضية دارفور بدلا من خسارته، كما يتطلب ذلك ضرورة الاسراع بالحل الشامل لقضية دارفور وتوحيد الفصائل واهل دارفور حول حد أدني من موقف تفاوضي يؤكد علي الاعتراف بوحدة اقليم دارفور والتنمية وعودة المشردين الي اراضيهم وتعويض الذين فقدوا ممتلكاتهم، ووقف اطلاق النار وبسط الأمن حتي يعود المزارعون الي زراعتهم والرعاة الي سهولهم ووديانهم ، وحتي يتخلص شعب دارفور، الذي كان منتجا منذ عهود سلطنة دارفور ومكتفيا ذاتيا، من لعنة الاغاثات ، رغم تقدير شعب السودان لكل الذين ساعدوا اهل دارفور في محنتهم ، ولكن الاسبقية الآن لبسط الأمن حتي يعود شعب دارفور الي وضعه الطبيعي كمنتج وليس متلقيا للاغاثات. وأن أزمة دارفور مظهر من مظاهر الأزمة الوطنية الشاملة التي تتطلب الحل الشامل لقضايا البلاد والتحول الديمقراطي والتنمية وتوفير احتياجات الناس الأساسية.
وبالتالي، فان موقف عبد الواحد خاطئ ويحتاج الي تصحيح حتي لاينعزل ويدفع الثمن غاليا، لأن التحالف مع اسرائيل يضر ولايفيد قضية دارفور.
هذا فضلا، عن أن الكيان الصهيوني منذ أن قام نتيجة لوعد بلفور عام 1917م، والذي كان تعبيرا عن تشابك مصالح الاحتكارات الصهيونية والانجليزية و الامريكية لتامين وطن يهودي، وعلي اساس ذلك انتظمت الهجرة اليهودية لفلسطين تحت ستار انها ارض الميعاد زورا ، وشجعت الاحتكارات الصهيونية العصابات اليهودية المسلحة في فلسطين لطرد العرب من اراضيهم عن طريق الترغيب والترهيب، والذي اخذ الصدام المسلح عام 1947م.
ومعلوم، أن اليهود لم يكونوا قومية مميزة في ارض فلسطين ، فمن مقومات القومية: الارض والحياة الاقتصادية المشتركة والتاريخ المشترك واللغة الواحدة والطابع النفسي المعبر عنه في الخطوط الرئيسية والمميزة في الثقافة الوطنية.
وكما أشار ماركس: أن تحرر اليهود من الاضطهاد يرتبط بتحرر الامم التي يعيشون وسطها من القهر القومي والطبقي، حيث تزول الفروقات الداخلية ويذوبون فيها.
هذا فضلا عن ان قيام دولة الكيان الصهيوني لم يحل مشكلة اليهود ، فالتحقيقات الصحفية الكثيرة اوضحت أن هناك تمييز عنصري بين اليهود القادمين من اوربا والقادمين من المجتمعات الآسيوية والافريقية، واذا كان التمييز العنصري موجودا داخل اليهود انفسهم، فما بالك بالتمييز العنصري ضد القوميات الأخري ومنها لاجئ دارفور!!!.

35
الانتخابات ومفاوضات الدوحة
مع اشتداد حمي المعركة الانتخابية بدأت تنشط المبادرات لحل قضية دارفور في الدوحة ، وهذا شئ محمود، فكل مبادرة تسهم في وقف الحرب في دارفور وعودة اللاجئين الي قراهم وتسهم في وحدة السودان، تلقي منا كل الدعم والتشجيع، ولكن المطلوب هو المصداقية والجدية وعدم نقض العهود والمواثيق، بهدف كسب انتخابي عابر للمؤتمر الوطني، وهذا بلا شك سوف يعيد انتاج الأزمة بشكل اعمق من السابق.
ونلاحظ أن المؤتمر الوطني بدأ يضيق ذرعا من النشاط الجماهيري المكثف للقوي المعارضة وحملاتها الانتخابية، وبدأ يستخدم العنف اللفظي والبدني واستخدم سلاح الدين ضد المعارضين له واستخدام قانون الأمن وجهاز الدولة لدعم حملته الانتخابية ومضايقة المرشحين الآخرين، ومن الأمثلة لذلك: تصريح مرشح المؤتمر الوطني لولاية سنار أحمد عباس أنه( اذا تكالبت علينا الاحزاب سنعلن الجهاد)(صحيفة السوداني بتاريخ: 19/2/2010م) وهذا تهديد ظاهر وواضح أنه اذا دخلت قوي المعارضة في تحالف عريض ضد مرشح الوطني، فسوف يتم استخدام العنف!!!. كما جاء في الأخبار ( أن اعضاء المؤتمر الوطني بمنطقة وداونسه بسنار رشقوا عربة الاعلام الاتحادي الديمقراطي (الأصل) بالحجارة من داخل منزل مرشح الوطني بالمنطقة مما ادي الي تدميرها بالكامل، وتم اصابة اثنين من الركاب بينهما رجل كبير السن لاعلاقة له بالحزب الاتحادي الديمقراطي وأرادو توصيله لمنطقة أخري)( السوداني: 19/2/2010م)، هذا اضافة لتفتيش منزل مرشح الاتحادي الأصل هجو واستدعائه عبر الأمن لليوم الثالث واطلاق سراحه آخر اليوم بهدف تعطيل حملته الاتخابية(المصدر نفسه)، كما عطل والي سنار دولاب العمل وأمر الموظفين والعمال بحضور حشده الدعائي للانتخابات(المصدر نفسه).
كما رفض مدير شرطة الخرطوم بحري التصديق للحزب الشيوعي بمنطقة بحري لقيام نشاطه الانتخابي لحين التشاور مع معتمد محلية بحري)( أجراس الحرية:20/2/2010م). وايضا جاء في الأخبار اعتقال 7 وكلاء لأحد مرشحي الحركة الشعبية للدائرة (13) المجلس الوطني بولاية شمال دارفور وهم وكلاء مرشح الحركة الشعبية الذي ينافس معتمد محلية (سرف عمره) اسماعيل ابكر علي الدائرة) ( أجراس الحرية: 20/ 2/2010م).
هذا اضافة لتهديد المؤتمر الوطني بمدينة مروي لمعلمي مرحلة الأساس والثانوي بالتشريد والفصل لرفضهم استقبال مرشح الدائرة(5) صلاح قوش لتدشين حملته الانتخابية( السوداني: 19/2/2010م).
وايضا رشح في الأخبار ان أحد ائمة المساجد في محلية المناقل درج علي اطلاق توصيف أحزاب الحركة الشعبية والشيوعي والناصريين بالملحدين( اجراس الحرية: 19/2/2010م).
اضافة للعنف اللفظي المنفلت (غير النافع) من نافع علي نافع نائب رئيس المؤتمر الوطني للشئون السياسية والتنظيمية بوصف احزاب المعارضة( بالميوعة والتحلل والتفسق وفقدان (الامرة) علي نفسها)( الصحافة: 18/2/2010م).
كل ذلك يوضح أن المؤتمر الوطني فقد أعصابه مع اشتداد حمي المعركة الانتخابية، وأن هزيمته مؤكدة اذا جّودت قوي المعارضة عملها الانتخابي وخلقت اوسع تحالف لاسقاط مرشحي الوطني.
وايضا هناك قضية دارفور والتي تعتبر من مطلوبات قيام ونجاح الانتخابات في السودان، ويواجه المؤتمر الوطني ضغوطا داخلية وخارجية من اجل الحل العادل والشامل لقضية دارفور، ورشح في الأخبار انه تم توقيع اتفاق اطاري لوقف اطلاق النار تمهيدا للمفاوضات بين حكومة المؤتمر الوطني وحركة العدل والمساواة، وان هناك نذر اتفاق اطاري مع الحكومة حول: السلطة والثروة، والاقليم الواحد بحدود 1956م، والتعويضات، والحكومة القومية الانتقالية ..الخ. كما أشرنا سابقا لااعتراض علي وقف اطلاق النار والسلام، ولكن لكي يكون السلام مستداما، فيجب ان يشمل الاتفاق كل الحركات المسلحة في دارفور وكل الاحزاب والشخصيات الوطنية ومنظمات المجتمع المدني،وضرورة المؤتمر الجامع لأهل دارفور، باعتبار ذلك هو الطريق لعدم تجدد الحرب مرة أخري، كما رسخ في اذهان السودانيين نتيجة للتجارب السابقة أن المؤتمر الوطني والغ في نقض العهود والمواثيق كما اكدت تجارب اتفاقات السلام 1997، واتفاقية جيبوتي ونيفاشا والقاهرة وابوجا، والشرق والتراضي الوطني..الخ، والتي اصبحت حبرا علي ورق، وتحولت الي مناصب، ولم يتم تحقيق جوهرها الأساسي المتمثل في التحول الديمقراطي والتنمية المتوازنة وتعزيز السلام وضمان وحدة البلاد، فما هي ضمانات تنفيذ اتفاقية الوطني مع العدل والمساواة بعد كل هذه التجارب ؟. وليس خافيا أن المؤتمر الوطني يسعي لكسب انتخابي من اتفاقه الثنائي المزمع عقدة مع حركة العدل والمساواة. ومما يشير الي أن الاتفاق ثنائي بين الجكومة والعدل والمساواة، بيان حركة جيش تحرير السودان- وحدة جوبا والذي استنكر فيه الاتفاق الثنائي و اعلن فيه أن الحركة ( في حل من اي التزام مع المبادرة في قطر)(بيان الحركة بتاريخ: 21/2/2010م بتوقيع احمد عبد الشافع، سودانيز اون لاينز)، وبيان التحالف الفيدرالي الديمقراطي السوداني الذي ايضا استنكر الاتفاق الثنائي والذي وصفه البيان بأنه (صفقة بين الاسلاميين)، (وضرورة الحل الشامل)، والي أن (توقيع حركة العدل والمساواة بهذه السرعة يدل علي الصفقات السرية بين الاسلاميين) (بيان التحالف الديمقراطي الفيدرالي بتاريخ:22/2/2010م ، سودانيز اون لاينز).
كما اشرنا سابقا هناك ضرورة للحل الشامل حتي لانعيد انتاج الأزمة، وضرورة تأجيل الانتخابات حتي تتوفر مستحقاتها التي تتلخص في: الحل الشامل لقضية دارفور، والغاء القوانين المقيدة للحريات وعلي رأسها قانون الأمن،وازالة التجاوزات في الاحصاء السكاني والسجل الانتخابي، وقيام مفوضية انتخابات مستقلة ومحايدة تشترك في اختيارها القوي السياسية، وفرص متساوية في اجهزة الاعلام، وفطم جهاز الدولة من المؤتمر الوطني الذي يستغل كل امكاناته لدعم حملة الوطني الانتخابية. واذا صح ماورد في صحيفة (اجراس الحرية) بتاريخ22/2/2010م( ان اجتماع مؤسسة الرئاسة توصل الي اتفاق قضي بتأجيل الانتخابات التنفيذية والتشريعية- الوالي والمجلس التشريعي-بولاية جنوب كردفان واعادة الاحصاء السكاني)، فلماذا لايتم تأجيل الانتخابات في كل السودان؟ ذلك أن اسباب التاجيل نفسها تنطبق علي بقية مناطق السودان.
وخلاصة الأمر أن المؤتمر الوطني يواجه ضغوطا داخلية وخارجية مع اشتداد حمي المعركة الانتخابية منها: قضية دارفور والطعون التي وصل عددها ثلاثة في صحة ترشيح البشير لرئاسة الجمهورية، وضغوط المعارضة التي اشتد نشاطها السياسي الجماهيري من أجل تحقيق استحقاقات الانتخابات، وضغوط المحكمة الجنائية، وضغوط مخاطر انفصال الجنوب والذي سوف يؤدي الي تفكك البلاد وخلق عدم الاستقرار في المنطقة، مما يتطلب الغاء القوانين المقيدة للحريات وقانون الأمن وقيام دولة المواطنة التي تسع الجميع غض النظر عن الدين او العرق او اللغة أو الثقافة. وبالتالي ليس هناك مساحة كبيرة للمؤتمر الوطني للمراوغة بعد ان حاصرته المشاكل من كل جانب، وليس هناك فرصة لمواصلة الحلول الثنائية ونقض الغزل بعد ذلك، كما هو واضح من اتفاقه مع العدل والمساواة بهدف مكاسب عاجلة تعزز موقفه الانتخابي الذي بدأ يهتز تحت ضربات قوي المعارضة، ولابديل غير التحول الديمقراطية وتفكيك الشمولية وتوفير استحقاقات الانتخابات الحرة النزيهة التي تشكل الخطوة الأولي لوحدة البلاد وانقاذها من التشرذم والتشظي.

36
خطوة في اتجاه انتزاع مطلوبات الانتخابات
أشرنا سابقا الي أن تحقيق مطلوبات الانتخابات التي تتمثل في: الغاء القوانين المقيدة للحريات، واعادة النظر في الاحصاء السكاني والسجل الانتخابي، والحل الشامل لقضية دارفور، واعادة تكوين مفوضية الانتخابات بما يضمن حيدتها ونزاهتها واستقلالها، وقومية اجهزة الاعلام والدولة خلال الانتخابات، ..الخ، يشكل صمام الأمان لقيام انتخابات حرة نزيهة تفتح الطريق للتحول الديمقراطي وتفكيك الشمولية، ودون ذلك خرط القتاد، ذلك انه اذا قامت الانتخابات بدون تحقيق مطلوباتها، فهذا يعني اعادة انتاج الأزمة بشكل أوسع وتعميق الجراحات والحرب الاهلية من جديد، والتي اذا اندلعت مرة أخري فانها ستكون لواحة للبشر لاتبقي ولاتذر.
لقد خرج السودان من حروب أهلية دارات في جنوب السودان وجبال النوبا وجنوب النيل الأزرق والشرق ومازالت رحاها دائرة في دارفور، وتم توقيع اتفاقات نيفاشا والشرق وابوجا والقاهرة..الخ، ولم يتم تحقيق جوهر هذه الاتفاقات بما يضمن وحدة واستقرار البلاد، مما ترك عوامل الأزمة والاحتقان قائمة، وبالتالي، فان التحول الديمقراطي والحل الشامل لأقاليم البلاد هو المدخل لنزع فتيل الأزمة وازالة الاحتقان، وبالتالي من المهم ان تجري الانتخابات في اجواء ديمقراطية ومستوفية كل مستحقاتها التي طالبت بها قوي المعارضة، فلا معني لقيام الانتخابات والحرب مستمرة في دارفور وفي ظروف حالة الطواري وصعوبة حركة الناخبين لأكثر من 7 كيلو متر، والتي حتما سوف تكون انتخابات جزئية لاتفيد في نزع فتيل الأزمة، ولذا قررت قوي المعارضة في دارفور مقاطعة الانتخابات، وهذا شئ طبيعي، وكذلك قررت الحركة الشعبيىة مقاطعة الانتخابات في جنوب كردفان بسبب الخلل في الاحصاء السكاني وتوزيع الدوائر، اضافة لمشكلة ابيي، كل تلك العوامل تترك آثارها السالبة علي العملية الانتخابية ولاتساعد في خروج البلاد الي بر الأمان.
علي ان تحقيق مطلوبات الانتخابات لن يأتي منحة من المؤتمر الوطني، ولكن بضغط جماهيري، وفي هذا الاتجاه نثمن عاليا نتائج اجتماع قيادات قوي المعارضة في جوبا بتاريخ:2-2- 2010م، والذي يشكل خطوة عملية في تحقيق تلك المطلوبات وتحريك للاجواء الراكدة التي سادت الأيام الماضية وبدأ وكان قوي المعارضة قد تفرقت آحادا، وكاد ان ينطبق عليها بيت الشعر:
تأبي الرماح اذا اجتمعن تكسرا ِِ_ واذا افترقن تكسرت آحادا.
كما طرح الاجتماع اسبقية تحقيق المطلوبات للانتخابات وهذا هو الاتجاه الصحيح، وطرح المطالب الآتية:
- ضرورة اصدار قرار جمهوري بتجميد أو الغاء كل القوانين المقيدة للحريات قبل الانتخابات، علي ان يتم تعديلها بشكل نهائي بواسطة البرلمان المنتخب حتي تتوافق مع الدستور.
- عقد اجتماع يضم كل القوي السياسية بجوبا دون عزل وبمشاركة الحركات المسلحة بدارفور والمجتمع المدني والوسطاء الاقليميين والدوليين كمراقبين من اجل الوصول لخارطة طريق لحل قضية دارفور، ومناقشة الانتخابات وتعقيداتها، علي ان يكون الاجتماع اهليا وليس منبرا تفاوضيا.
- ضرورة استقلال وحياد المفوضية والتي اكدت الممارسة العملية انها لم تتعامل بجدية مع الشكاوي التي دفعت بها القوي السياسية.
- معالجة مشكلة الانتخابات في جنوب كردفان.
- معالجة الجدول الزمني للانتخابات بما فيه فترة سحب الترشيحات ومدة الفرز.
- ضرورة حياد مجموعات المراقبين المحليين.
- قومية الاعلام خلال الانتخابات.
- كما قرر الاجتماع رفع مذكرة في موكب جماهيري لمطالبة المفوضية بمعالجة الخروقات وتحقيق مطلوبات الانتخابات. كما شكل الاجتماع آلية دائمة من ممثلي قوي جوبا للتنسيق في الانتخابات، واعداد برنامج انتخابي موحد.
كل تلك المطالب والخطوات تجد منا الترحيب وتتطلب متابعة التنفيذ العملي والجاد ومن خلال نشاط جماهيري ومثابر علي الأرض من اجل تحقيقها باعتبار ذلك الضمان لتحقيق الديمقراطية ووحدة الوطن.


37
دار فور: الازمة ومفتاح الحل
اولا:-الازمة في دارفور:
من مؤتمر صلح 1989 الي ملتقي الفاشر –فبراير 2003م
قبل الانفجار الأخير للاحداث في جبل مرة ، كان الكثيرون يرون في احداث العنف والنهب المتفرقة في دارفور وميض نار يوشك أن يكون له ضرام، ولقد أدت التراكمات الكمية من المظالم الي تحول نوعي جديد في الاجداث التي نشهدها الان في دارفور.
والواقع أن الصراعات والصدامات القبلية في دارفور ليست جديدة ، فعلي سبيل المثال ، لا الحصر:
حدثت صدامات قبلية عام 1916م، وهو العام الذي تم فيه ضم دارفور للسودان، وكذلك في العامين 1958م، 1968م، الا أن تلك الصدامات، كانت تحل بطرق سلمية عن طريق مؤتمرات الصلح والاعراف التي توارثها اهل دارفور منذ عهود السلاطين.
ولكن منذ عام 1970، بدأت الصراعات القبلية تطل برأسها في الاقليم بشكل متواتر ، وكان من عوامل ذلك السياسات الخاطئة للنظام المايوي مثل اقامة مشاريع التنمية العشوائية في السبعينيات من القرن الماضين وما نتج عنها من القطع الجائر للاشجار ، مما ادي للجفاف والتصحر والمجاعة التي عمت البلاد ، وما نتج عنها من نزوح وسنين عاني فيها الناس من ضنك العيش(1982- 1984).
وكان من نتائج ذلك شح المراعي وموارد المياه والنزوح من الشمال الي الجنوب ، والذي ادي الي احتكاكات وصدامات بين بعض القبائل العربية والفور ، ومحاولات طرد الفور من اراضيهم الخصبة ، اضافة للعامل الاجنبي مثل الحرب التشادية- التشادية، والحرب الليبية – التشادية، ودخول بعض القبائل من تشاد والمتداخلة مع القبائل السودانية، ودخولها باسلحة حديثة ومتطورة ، زادت من فداحة الخسائر في الارواح والممتلكات والمواشي..الخ.
وبعد انتفاضة مارس – ابريل 1985م، كانت الصراعات القبلية في دارفور قد وصلت الي ذروتها ، وخاصة في الفترة: 1986- 1989م، مما ادي الي قيام مؤتمر الصلح القبلي بين الفور وبعض القبائل العربية في الفترة: 15/4/1989- 8/7/1989م. وكان من اهم توصيات وقرارات المؤتمر:
أولا: في الجانب الأمني:
أ‌- تصفية مليشيات الفور والمجموعات المسلحة، وأى تنظيمات قبلية مسلحة.
ب‌- أن تقوم الحكومة بابعاد كل الاجانب الذين يدخلون البلاد بطرق غير مشروعة من مناطق الاقليم.
ج- أن تقوم الحكومة بفتح المراحيل المتفق عليها وفق الاتفاقيات السابقة في الوقت المناسب ، وأن تتخذ الاجراءات الأمنية والوقائية اللازمة لذلك ، مراعاة لحقوق الرعاة والمزارعين.
د- أن تعمل السلطات المختصة علي اصدار اوامر تنص علي تشديد العقوبة علي الذين يقومون بحرق المراعي وقفل المراحيل ، واقامة زرائب الهواء ، وقطع الاشجار واتلاف المزارع.
ه- أن تعمل الحكومة علي فتح المزيد من مراكز الشرطة، ودعم مراكز الشرطة باجهزة الاتصال والقوة المناسبة.
و- الاسراع بمنح رجالات الادارة الاهلية السلطات القضائية.
ز- يلتزم الطرفان بوقف النهب والسلب والسرقة وايواء المجرمين ، كما يوصي بأن يتعاون الطرفان في عمليات الفزع.
ثانيا: المراعي والمراحيل ونقاط المياه:
أ‌- تحدد فترة دخول القبائل الرعوية في شمال دارفور الي مناطق جنوب دارفور بنهاية شهر فبراير من كل عام حتي يتمكن المزارعون من جمع محاصيلهم الزراعية كما تحدد فترة خروج هذه القبائل بنهاية شهر يونيو من كل عام (علي السلطات بشمال دارفور الاخطار في حالة الظروف البيئية).
ب‌- ازالة جميع العقبات التي تعترض المسارات والمراحيل المتفق عليها بما يمكن القبائل الرعوية من الابتعاد عن التحرش بالمزارعين والمستقرين عموما، كما توصي بازالة الزراعة الهامشية التي تلاحم الطرق العامة ، بما لايقل عن مائة متر من الجانبين باستثناء المناطق البستانيةالقديمة.
ج- عدم استغلال اماكن الرهود والموارد العامة للمياه الخاصة بالحيوان وبالزراعة أو الحجز، أو اى أشياء تمنع الاستفادة منها علي أن تنظم استغلال الموارد المشتركة بين المزارعين والرعاة وفق الاعراف المتبعة.
د – عدم فتح مشاريع جديدة، الا عند مصادقة السلطات الفنية المختصة ، حماية لما تبقي من الغطاء الشجري مع توعية المواطنين من قبل الجهات المعنية والمسئولة.
ه – عدم قطع الاشجار والمحافظة علي الثروة الغابية مع تشجيع المزارعين لزراعة اشجار الهشاب.
و- تكثيف الخدمات البيطرية باماكن المخارف والمصايف المصاحبة للرحل ضمانا لاحتواء اى امراض تظهر.
* بالرغم من سلامة وصحة تلك التوصيات والقرارات، الا أنها لم تجد طريقها للتنفيذ ، وظلت حبرا علي ورق.
* وفي الفترة: ابريل 1989- فبراير 2003م، حدثت متغيرات جديدة اهمها:
- اتساع دائرة الجفاف والتصحر في دارفور ، مما ادي الي شح المراعي ، والي انفجار الصدامات القبلية من جديد.
- تهور خدمات التعليم والصحة والمياه والكهرباء ..الخ.
- تزايد عمليات النهب المسلح وانفراط عقد الأمن وحالات حرق القري والمزارع والصدام بين بعض المجموعات القبلية والفور والصراع بين المعاليا والرزيقات.
- كانت القبائل في دارفور تعيش في سلام ووئام ، وكانت الصراعات القبلية العابرة تحل عبر الاعراف ، وكانت ديار القبائل معروفة ومحددة. وبالتقسيم الاداري الجديد اختل النظام الذي كان سائدا، مما ادي الي الصدامات.
- توقف مشاريع التنمية في في الاقليم مثل مشروع جبل مرة للتنمية الريفية.
- توقف العمل في طريق الانقاذ الغربي.
- النزوح الكبير من الارياف الي المدن ، وتوسع المدن كما نلاحظ في مدينة نيالا التي زاد عدد سكانها وتوسعت وارتفعت فيها ايجارات المنازل واسعار الاراضي.
ملتقي الفاشر – فبراير 2003م:
جاء ملتقي الفاشر بعد انفجار الاحداث وتوصل الي توصيات وقرارات في مجملها سليمة مثل:
- الاسراع بتكميل طريق الانقاذ الغربي مع توفير تمويل اجنبي ومكون محلي له.
- انشاء مفوضية لتنمية ولايات دارفور.
- تأهيل مرافق الصحة والمياه وتأمين الحد الأدني من الخدمات للمواطنين في دارفور.
- وضع خطة استثنائية عاجلة لمعالجة التردي في الخدمات
- التقسيم العادل للمشاريع التحتية القومية لدارفور.
- ضعف المقدرة الادارية لبعض اجهزة الدولة وتباطؤها في التصدي للانفلات الامني.
- معالجة عدم الالتزام بتنفيذ مقررات المؤتمرات السابقة.
- حمّل الملتقي الحكومة مسئولية خلق كيانات ادارية جديدة والاستغلال السياسي للقبيلة والاعتماد علي التوازنات القبلية في التعيينات السياسية.
كما كان مدخل الملتقي سليما في حل المشكلة سلميا عن طريق التفاوض ، ولكن الحكومة لجأت للحل العسكري الذي عقد الامور وزادها تفاقما، حتي وصلت للماساة الانسانية التي نعيشها الآن في دارفور.
لقد اكد تطور الاحداث ضرورة الحل الشامل ، وأم يجري في دارفور جزء من مشكلة السودان الكلية، ويجب أن ينظر اليها قوميا في اطار الحل السياسي الشامل ، وصولا الي سلام حقيقي وتنمية وعدالة لكل انحاء السودان.
15/5/2004م


ثانيا- الأزمة في دارفور: مفتاح الحل في يد السودانيين:
اجاز مجلس الأمن في اجتماعه بتاريخ:28/2/2006م، تقرير لجنة الخبراء التي شكلها المجلس في وقت سابق لدراسة الموقف في دارفور.
رصد التقرير الانتهاكات التي حدثت في درافور ولخصها في نسعة بنود هي:
1- خرق اتفاق انجمينا الانساني لوقف اطلاق النار، وهو اتفاق تم التوصل اليه في 8/ابريل/ 2004م.
2- فشل حكومة السودان وحركتي تحرير السودان والعدل والمساواة في الالتزام بما جاء في الاتفاق الموقع في 9/نوفمبر/2004م، لتحسين الوضع الأمني في دارفور.
3- فشل الحكومة في نزع وتحييد سلاح الجنجويد.
4- اثارة التوتر بين المحموعات الاثنية القبلية والسياسية وغيرها في دارفور.
5- توفير الدعم للمليشيات المسلحة والمجموعات الأخري التي ترتكب الاعتداء وتتقاتل في دارفور.
6- الهجوم علي قوات الاتحاد الافريقي والشرطة المدنية ومراقبي وقف اطلاق النار التابعين للاتحاد الافريقي وعرقلة نشاطه امنعه من اكمال مهامه.
7- فشل اطراف الصراع في دارفور في الزام المقاتلين وغيرهم بتحمل المسئولية حول انتهاكات القانون الدولي للحقوق الانسانية وقانون حقوق الانسان.
8- فشل الحكومة المركزية وحكومات الولايات المعنية في تنفيذ قرار مجلس الأمن بشأن الاوضاع في دارفور.
9- الممارسات التي تفشل أو تضعف الجهود المبذولة لاجراء التفاوض حول السلام بما في ذلك الانقسامات الداخلية والصراع من اجل القيادة.
* اقترح التقرير تطبيق عقوبات علي افراد بعينهم بدلا من اصدار قرار بتوقيع عقوبات علي السودان ، وارفقت مع التقرير قائمة تحوى سبعة عشر شخصا ، عشرة من القيادات المدنية والعسكرية في الحكومة، واثنين ممن اسمتهم قادة الجنجويد وخمسة من قيادات حركات التمرد المسلح في دارفور.
كما رصد التقرير 68 حالة انتهاك ، وأشار الي عدم قدرة الاتحاد الافريقي علي المراقبة والردع بسبب ضعف موارده، اضافة للهجمات ضده.
كما أشار التقرير الي أن كل الاطراف ارتكبت بدرجات متفاوتة انتهاكات شملت التعذيب ، الاعتداء علي كرامة الانسان ووقاره، المعاملة القاسية ةالمذلة للاشخاص غير المشاركين في القتال أو الذين توقفوا عن المشاركة في القتال ، وكلها انتهاكات للحقوق المدنية والسياسية في الميثاق الدولي، والتي كفلها دستور السودان الانتقالي.
استنادا الي تلك الوقائع والحقائق جاءت فكرة تدخل قوات الأمم المتحدة لوقف تلك الانتهاكات.
وبطبيعة الحال لا أحد يرضي بقوات اجنبية أو اقليمية في وطنه لحراسة امنه، ولكن القهر الداخلي وعجز نظام الانقاذ وفشله في وقف انتهاكات حقوق الانسان والمجازر في دارفور ، هو الذي اوصل البلاد الي تلك الحالة ، فالمجتمع الدولي لايمكن أن يقف مكتوف اليدين امام تلك الانتهاكات والمجازر، ولاسيما بعد احداث رواندا 1994م وغيرها.
كما أنه من حصاد سياسات الانقاذ وبعد توقيع اتفاق السلام في 9/يناير/2005م، أن تحول السودان الي اكبر مستودع للقوات الدولية المتعددة الجنسيات، واصبح السودان تحت حماية الامم المتحدة بتكوين قوة سلام تتكون من 10 ألف قابلة للزيادة(بعد القرار الاخير حول دارفور)، اضافة الي 750 جندي شرطة ، وتكون رئاسة البعثة في الخرطوم ولها افرع في ست قطاعات: الاستوائية، بحر الغزال، اعالي النيل، جبال النوبا، جنوب النيل الأزرق، ابيي، كسلا.
اذن قوات الامم المتحدة اصلا موجودة في السودان، كما فشلت قوات الاتحاد الافريقي في وقف تدهور الوضع الانساني في دارفور حيث فرّ حوال 1,8 مليون شخص من منازلهم ولايمكنهم العودة اليها، 1,5 مليون شخص يعيشون خارج المعسكرات، ولكنهم في حاجة لمساعدات انسانية.
ومعلوم أن مفتاح الحل في يد السودانيين من خلال تعميق التحول الديمقراطي ، وعقد المؤتمر الجامع لكل القوي السياسية لحل الأزمة، ومواصلة الحوار بين ابناء دارفور للتراضي والوصول لحل يضمن سلامة ووحدة واستقرار الاقليم والبلاد، والاستجابة لمطالب اهل دارفور في المفاوضات مثل:
1- حقوق عادلة في السلطة والثروة.
2- اعادة الاقليم الي حدوده التاريخية وفقا للعام 1956م.
3- أن تكفل لهم المشاركة الفاعلة في رئاسة الجمهورية بنائب رئيس، وكذلك مجلس الوزراء والخدمة المدنية والقوات النظامية.
ان تحقيق هذه المطالب من شأنه أن يوقف التدخل الأجنبي، ويفتح الباب لعودة السلام والأمن في الاقليم.
وبدلا أن تسير الحكومة في خطوات حثيثة نحو حل الأزمة وتقديم المجرمين للمحاكمة العادلة، وضبط المليشيات الموالية، والتعاون مع المحمة الجنائية في لاهاي، التي بدأ مسئولون عنها مباحثات مع الحكومة بالخرطوم، الا أنها سارت في طريق تصعيد الأزمة، فعلي سبيل المثال، جاء في السوداني بتاريخ: 5/3/2006م، مايلي:
( أصدرت مجموعة اطلقت علي نفسها – حركة جهاد دارفور – بيانها الأول متوعدة ومحذرة القوات الدولية من التدخل في السودان، لخصت الحركة اهدافها في الآتي:
- وقف التدخل الاجنبي في ولايات دارفور بكل الوسائل المشروعة دينيا.
- رصد وكشف ومحاربة المنظمات ذات الاجندة الخاصة التي لاتخدم الوطن ولا المواطن.
- حماية الدين والتقاليد والاعراف من آثار الوجود الاجنبي والمحافظة علي وحدة التراب وعلاقات المجتمع الدارفوري بمكوناته الثقافية والاثنية عبر مقاومة التدخل الاجنبي بكل الوسائل المتاحة ، اعتماد الكفاح المسلح برفع راية الجهاد بعيدا عن واجهات الحكومة أو تنظيمات المعارضة بشتي انواعها مسلحة وغير مسلحة ، التنسيق مع كل المنظمات الجهادية في الساحة الاسلامية عموما متي ما التقت الاهداف واتحدت الوسائل).
مما أثار المخاوف من المجتمع الدولي حول وجود تنظيم القاعدة في السودان، علي سبيل المثال: ممثل الأمين للامم المتحدة في السودان(يان برونك) أورد صراحة في مؤتمره الصحفي الذي عقده بنيويورك توفر معلومات استخباراتية مختلفة تشتبه في وجود لتنظيم القاعدة في السودان، معتبر أن ارسال قوة يسيطر عليها حلف شمال الاطلسي(الناتو) لحماية سكان دارفور سيكون (كارثة محتمة) لأن الشعب السوداني سيبدأ بالفعل ( الجهاد ضدها)( السوداني: 5/3/2006م).
هذا اضافة للربط بين بيان حركة الجهاد وحركة الاستنفار والاستعداد والتعبئة التي تواصلت متصاعدة والتي ربما يكون اجتماع المرخيات الذي نظمته قوات الدفاع الشعبي يوم الجمعه ، واعلن فيه مليون من مقاتليه البيعة علي الموت، مما ادي الي اتهام السودان بدعم الارهاب ، ولكن السفير جمال محمد ابراهيم نفي بعدم وجود أى انشطة للقاعدة بالسودان، كما نفى الفريق/ عبد الرحيم محمد حسين ما تردد عن انتقال عناصر من تنظيم القاعدة الي داخل السودان تمهيدا للقيام بعمليات في دارفور في حالة دخول القوات الاممية( السوداني: 5/3/2006).
اما نائب رئيس الجمهورية عي عثمان محمد طه فقد أشار( أن السودان قد يدرس السماح بأن تكون هناك بعثة لللامم المتحدة في دارفور بمجرد التوصل الي تسوية سياسية للنزاع في المنطقة(الايام: 9/3/2006).
اما في امريكا، فقد تواصلت الحملات الشعبية الموسعة التي تطالب بوقف الابادة في دارفور ، واتسعت دائرة الحملات لتصل الي سحب المؤسسات الاكاديمية في الولايات المتحدة الامريكية اسهمها من الشركات التي تعمل في السودان، ففي غضون اقل من عام قررت ست جامعات وثلاث ولايات امريكية علي الاقل التخلص من الاسهم التي تملكها شركات في السودان، وتدرس ثماني ولايات اخري اصدار تشريع مماثل ، ذلك بحجة أن هذه الاستثمارات تسهم بطريقة مباشرة وغير مباشرة في انتهاك حقوق الانسان في دارفور ، علي غرار ماحدث مع الشركة الكندية(تاليسمان)التي تم اقصاؤها من مشروع النفط السوداتي للاسباب نفسها، وهذا مايشير الي احتمالية تأثير الضغوط الشعبية في امريكا علي موقفها في اجتماعات بروكسل لتمارس هى ضغوطا علي الحكومة السودانية(السوداني:9/3/2006).
هذا وقد تضمنت قائمة خبراء الامم المتحدة، كما جاء في صحيفة (سيتزن) بتاريخ: 3/3/2006م( اسماء وزير الداخليةووزير الدفاع ورئيس المخابرات السودانية ضمن 17 اسما اقترح فرض العقوبات عليهم).
اما العقوبات المقترحة فهي: تجميد الاصول الخاصة، فرض حظر السفر، كما لم توافق الصين علي العقوبات والتي تستورد النفط من السودان.
كما جاء في كلمة صحيفة(سيتزن) بتاريخ:3/3/2006م: ( ظلت الحكومة تعارض التدخل الاجنبي الذي ينوي المجتمع الدولي القيام به في اقليم دارفور لمنع ما يسميه الابادة الابادة الجماعية والتطهير العرقي بالاقليم، نحن نعارض التدخل الدولي بدارفور ، فالسودانيون قادرون علي ايجاد الحل السياسي اذا ارادوا، ولكن نقول أنه، وطالما كان هناك شعور واسع المدي بالظلم، فان التدخل بالاقليم سوف يصبح واقعا لامحال).
ويبقي مفتاح الحل في يد السودانيين وضرورة عقد مؤتمر جامع تشارك فيه كل القوي السياسية ومنظمات المجتمع المدني للوصول لحل يرضي جميع الاطراف المتنازعة ومعالجة جذور الأزمة.
لقد اوقفت اتفاقيات نيفاشا الحرب في الجنوب، ولكنها لم توقف في دارفور والشرق وبقية اقاليم السودان ، مما يتطلب توسيع نطاق الحل ليشمل كل اقاليم السودان، وضرورة تلبية مطالبها العادلة في الثروة والسلطة، والحكم الذاتي والتنمية المتوازنة، وتوفير الاحتياجات الاساسية في التعليم والصحة والخدمات..الخ.وتكوين مجلس رئاسي يمثل اقاليم السودان السبعة: الجنوب، الشرق، دارفور، كردفان، الاوسط ، الشمالية، الخرطوم.
باعتبار أن الحل الشامل هو الذي يحقن الدماء ويختصر الحل بدلا من الحلول الجزيئة.
مارس 2006م

ثالثا:- ماهي طبيعة قضية دارفور؟
اصبحت قضية دارفور مرتبطة بتوسيع نطاق اتفاقيات نيفاشا لتشمل كل اقليم السودان، وضرورة تلبية مطالبها العالة في الثروة والسلطة والحكم الذاتي والتنمية المتوازنة وتوفير الاحتياجات الأساسية في التعليم والصحة والخدمات..الخ، وتكوين مجلس رئاسي يمثل كل اقاليم السودان: الجنوب، دارفور، الشرق، كردفان، الأوسط، الشمالية، باعتبار أن الحل الشامل هو الذي يحقن الدماء بدلا من الحلول الجزئية التي تعيد انتاج الازمة، وانفجارها بشكل اوسع من السابق.
اذن حل قضية دارفور نبحث عنه في اطار قومي شامل، ولايمكن اختزال القضية أو صراع اثني بين العرب والافارقة، أو صراع حول الحواكير..الخ، ولو كان الأمر كذلك، فان اهل دارفور قادرون علي حل هذه المشكلة.
واذا تأملنا في تاريخ سلطنة دارفور، نلاحظ انه تميز بالاستقلال والسيادة الوطنية(عدا فترتي الاحتلال التركي والانجليزي)، كجزء من احتلال كل السودان.
كما أن قبائل وشعوب دارفور شهدت قفزة في تطورها الاجتماعي، وشقت طريقها من مجتمعات بدائية، كانت تقوم علي الصيد والتقاط الثمار، الي مجتمعات زراعية رعوية تشكل الارض(الحواكير) ركيزة العمل الاساسية، كما أن اقليم دارفور كان موطنا لحضارات وممالك مثل: مملكة الداجو والتنجر وسلطنة دارفور.
واذا كان مقياس الحضارة هو بروز السلالات الحاكمة والزراعة والرعي وقيان المدن والاسواق والصناعات الحرفية والتجارة واللغة المكتوبة ..الخ، فتكون سلطنة دارفور قد دخلت الحضارة في العصور الوسطي من اوسع ابوابها.
كان مجتمع دارفور مترابطا، فاهل المنطقة استطاعوا توفير غذاءهم الأساسي من الزراعة وتربية الحيوانات والصيد، كما وفروا ما يحتاجون اليه من ادوات ومن الصناعات الحرفية التي كانت مزدهرة في السلطنة، بل تقريبا كانت كل الواردات من السلع الكمالية التي تهم السلطان والمترفين من الأغنياء واصحاب النفوذ مثل: المنسوجات، العطور الراقية، الأسلحة النارية..الخ.
واذا صح استخدام التعبير المعاصر، يمكن القول أن سلطنة أن سلطنة دارفور عرفت الاكتفاء الذاتي، ولكن الاحتلال التركي والانجليزي قطعا التطور الطبيعي والباطني للسودان ككل، ومن ضمنه دارفور التي تعرضت للاهمال في العهود المختلفة بعد الاستقلال.
علي أن التدهور الكبير في الاقليم،كان في فترة الانقاذ التي اهملت توصيات ومؤتمرات الصلح التي عقدت بعد عام 1989م. ولو نفّذت جزء من التوصيات والقرارات لما تدهور الوضع الامني والسياسي والاجتماعي في دارفور وادت الي بروز معارضة مسلحة انفجرت من جبل مرة.
وجاء ملتقي الفاشر – فبراير 2003م، بعد انفجار الاحداث وتوصل الي توصيات وقرارات في مجملها سليمة ، كما أشرنا لها سابقا، وكان مدخل الملتقي صحيحا في حل المشكلة سلميا عن طريق التفاوض ، ولكن حكومة الانقاذ سارت في طريق الحل العسكري والقمع وحرق القري والابادة الجماعية، مما ادي الي تفاقم الوضع المأساة، وحدث التدخل الدولي الذي تتحمل الحكومة مسئوليته.
وكان الضحايا حسب احصاءات الامم المتحدة :
- 300 الف قتيل.
- اكثر من 2 ألف قرية محروقة.
- 2 مليون نازح( الايام: 21/3/2006م).
وكانت الحصيلة ابادة جماعية وانتهاكات لحقوق الانسان، استوجب المساءلة حسب ميثاق الامم المتحدة لحقوق الانسان.
ويبقي مواصلة الحوار بين الحكومة والحركات المعارضة والحوار بين ابناء دارفور للوصول لحل يضمن سلامة وتنمية ووحدة واستقرار الاقليم، وتوصل الحركات المعارضة الي موقف تفاوضي واحد، كما انه من المهم أن تستجيب الحكومة لمطالب اهل دارفور في المفاوضات مثل:
- حقوق عادلة في السلطة والثروة.
- اعادة الاقليم الي حدوده التاريخية وفقا للعام 1956م.
- أن تكفل لهم المشاركة الفاعلة في رئاسة الجمورية بنائب رئيس، وكذلك في مجلس الوزراء والخدمة المدنية.
ان تحقيق هذه المطالب من شانه أن يوقف التدخل الاجنبي ويفتح الباب لعودة السلام والأمن في الاقليم.
كما أن حكومة الانقاذ هي التي تتحمل مسئولية التدخل الاجنبي ، لأنها فشلت في وقف الابادة والتطهير العرقي في الاقليم، وكذلك فشلت قوات الاتحاد الافريقي، هل يقف المجتمع الدولي مكتوف الايدي امام استمرار هذه الابادة والمأساة الانسانية، أم يتدخل لوقفها.
الوضع في دارفور معقد ولايصح اختزاله في نزاع أو خصومة عرقية بين العرب الأفارقة، فمجتمع دارفور هو نتاج تطور تاريخي طويل تمازجت وتصاهرت فيه قبائلها وشعوبها، ولكن سياسة الانقاذ هي التي اذكت واثارت الفتنة العرقية التي كانت نائمة. كما أن اهل دارفور قادرون علي حل مشاكلهم اذا كانت قبلية أو عرقية أو حول حواكير..الخ، ولكن المشكلة سياسية وقومية ، وتحل في اطار مشاكل السودان ككل والتي تتطلب التحول الديمقراطي والتنمية المتوازنة، والحكم الذاتي، والتقسيم العادل للسلطة والثروة..الخ.
كما نأخذ في الاعتبار، رغم تسليح الحكومة لجماعات من القبائل العربية( الجنجويد)، ولكن ذلك يجب الا يحجب عنا حقيقة أن العرب في دارفور هم انفسهم ضحايا تاريخيين، كما ظل الجسم الأساسي للقبائل العربية ضد الفتنة العرقية، وهي نفسها من ضحايا نظام الانقاذ الذي نهب مواردها مثلما نهبت ودمرت القبائل الافريقية.
وبالتالي، فان مصلحة قبائل وشعوب دارفور( عربية وافريقية) في التحول الديمقراطي والتنمية والحكم الذاتي والتعايش السلمي بينها.
كما انه من المهم دراسة الخلفية الاجتماعية والتاريخية للمنطقة التي تساعد في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي ننشدهل للاقليم، ان تأخذ في الاعتبار خصوصية الاقليم وتاريخه وواقعه في الاعتبار، ولابد من الاستناد الي الاعراف والتقاليد الايجابية المتوارثة من عهود سلاطين دارفور في حل النزاعات القبلية وتنظيم حركة الرعي والمراحيل وحسب ما توصلت مؤتمرات الصلح السابقة مثل مؤتمر صلح 1989م.وكذلك احترام حق الجميع في الاستفادة من الحواكير، باعتبار ذلك هو الضمان للاستقرار وحل النزاعات التي هزت الاقليم، وضرورة التعايش السلمي لكل القبائل في الاقليم، ونبذ محاولات الاقصاء العرقي الضار بوحدة الاقليم ونسيجه الاجتماعي، كما أنه لابد من احداث التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في هذا الاقليم ذو التاريخ التليد، وتوفير خدمات التعليم والصحة والعناية البيطرية للحيوانات، وتحقيق التعايش السلمي بين قبائل الاقليم المختلفة، وازالة آثار الجفاف والتصحر باحياء عملية نشر الغطاء النباتي ، هذا فضلا عن بالاقليم اماكانات هائلة كامنة للفائض الاقتصادي في القطاعين الزراعي والحيواني، واذا ما تم الاهتمام بهما يمكن أن يكونا مصدرين مهمين لنهضة وتطور الاقليم والبلاد، حيث لاتقل الثروة الزراعية والحيوانية اهمية عن البترول ، اضافة لثروات الاقليم الاخري من بترول ومعادن وغيرها. ويبقي من المهم الوقف السريع لاطلاق النار وعودة اللاجئين الي الي اراضيهم الزراعية ومراعيهم، والتعويض العادل عن الخسائر الناجمة ومحاكمة مجرمي الحرب ونزع السلاح، ولاسيما سلاح الجنجويد.
ان عودة اللاجئين الي اراضييهم ومواطنهم الاصلية، يعني تخليص شعب دارفور من مذلة الاعتماد علي الاغاثات مع تقديرنا للمجتمع الدولي التي وفرها عند الشدة، ويعني ايضا عودة شعب دارفور الي وضعه الطبيعي كشعب منتج، كان مكتفيا ذاتيا من حيث توفير الغذاء لنفسه منذ عهود السلاطين، وبالتالي يرجع الي وضعه الطبيعي عزيزا مكرما بعيد ا عن مذلة وهوان الاغاثات.
لقد اكد تطور الاحداث ضرورة حل قضية دارفور في اطار قومي شامل، وضرورة قيام مؤتمر جامع تشارك فيه كل القوي السياسية ومنظمات المجتمع المدني، وحل القضية عبر الحوار الجاد والوسائل السلمية بين الحكومة واطراف الحركات المعارضة، بما يؤدي الي وقف الحرب والاقتتال وتحقيق التنمية في الاقليم، ومعالجة جذور المشكلة.وتحقيق التحول الديمقراطي باعتباره مفتاح الحل للازمة في دارفور، وعود النازحين الي قراهم في اسرع ما يمكن والتعويض العادل عن الاضرار التي لحقت بهم.
واخيرا، نؤكد انه رغم مخطط حكومة الانقاذ لاثارة الفتنة العرقية، الا أن الحسم الاساسي للقبائل العربية في دارفور ظل متماسكا، ولم ينساق وراء الفتنة العرقية، بل ظلت هذه القبائل مع بقية قبائل وشعوب دارفور تطالب بالحل القومي لمشكلة دارفور ، وأن المشكلة سياسية وليست عرقية، كما ظلت القبائل العربية، وكجزء من شعب السودان، صامدة في مقاومة الانقاذ مع القبائل الافريقية الاخري، وباعتبار ان نظام الانقاذ هو الذي دمر النسيج الاجتماعي لدارفور.

38
سبيل السودان للمخرج من الأزمة
تعيش البلاد أزمة وطنية عامة تكاد أن تعصف بها ، تتلخص في مخاطر تفتيته الي دويلات بدءا بانفصال الجنوب، وتدهور غير مسبوق في الاوضاع المعيشية وارتفاع جنوني في الاسعار والضرائب، وتخفيض متواصل في سعر صرف الجنية السوداني، وتزايد مظاهر القمع ومصادرة الحريات مثل: قمع مسيرة النساء السلمية قبل تقديم مذكرتهن للنائب العام والتي تطالب بالغاء الفقرة (152) من قانون النظام العام، واعتقال عدد منهن، مما يتعارض مع وثيقة الحقوق في الدستور الانتقالي التي تكفل حق المواكب والتجمعات السلمية، وهذا يوضح حالة الضعف والوهن والهلع التي يعيشها النظام من أي تحرك جماهيري، وكذلك قمع موكب مواطني مدينة شندي ضد الغلاء وارتفاع الأسعار. كما أن هناك مخاوف من عودة الحرب التي يدق طبولها المؤتمر الوطني لنسف الاستفتاء، مثل الضربات الجوية علي حدود منطقة بحر الغزال، والطعن في الاستفتاء الذي رفعه قانونيون من المؤتمر الوطني للمحكمة الدستورية ضد مفوضية استفتاء الجنوب، وقد قبلت المحكمة الدستورية الطعن، و اتهمت الحركة الشعبية المؤتمر الوطني بالسعي لتعطيل الاستفتاء. كما ورد في الأنباء الغاء الاستفتاء في ولايات جونقلي والوحدة وشمال بحر الغزال لأسباب أمنية ولوجيستية(الصحافة:15/12/2010م)، اضافة الي عدم تزامن استفتاء ابيي مع استفتاء الجنوب والتوتر فيها مثال : ماورد في الانباء عن تكوين المسيرية لحكومة ، واحتجازهم قافلة ركاب الي الجنوب مقابل دفع فدية، وغير ذلك من نذر الحرب التي تلوح في الأفق ، والتي ان لم يطفئها عقلاء قوم سوف يكون لها آثار مدمرة، وسوف يكون اندلاعها اوسع من اندلاع حرب 1983م بعد الغاء اتفاقية اديس ابابا. اضافة لتصاعد الحرب في دارفور والتي ربما تتطور الي المطالبة بحق تقرير المصير بسبب سياسات الحكومة المدمرة، والتوتر مع مجموعة مناوي بعد افراغ اتفاقية ابوجا من محتواها اسوة باتفاقية نيفاشا والقاهرة والشرق..الخ. كما فقدت البلاد سيادتها الوطنية من خلال التدخل المستمر في شئونها الداخلية نتيجة سياسات المؤتمر الوطني التي دمرت البلاد، وتستمر ضغوط الدول الغربية التي توضح هوان النظام كما يقول الشاعر: من يهن يسهل الهوان عليه/مالجرح بميت ايلام، علي سبيل المثال يرد في الأنباء( توقع تقرير امريكي أن تقبل حكومة السودان فصل جنوب السودان مقابل اعفاء الديون البالغ قدرها 35 مليار دولار!!!)، و( دول غربية تعرض علي السودان حوافز اقتصادية تتضمن رفع العقوبات الأمريكية واعادة دمجه في البنك الدولي لابعاده عن العزلة بعد أن ينفصل الجنوب العام المقبل)، هكذا اصبح حال السودان بين( العصا والجذرة) الأمريكية.
وفي خضم هذه الأزمة تقف جماهير شعبنا منحفزة للمقاومة من أجل انقاذ الوطن من الانحدار الذي وصل اليه، ويتساءل الناس ماالعمل؟ وكيف السبيل لخروج من هذه الأزمة والنفق المظلم الذي دخلت فيه البلاد، ودوامة الصراع بين الشريكين وفشلهما في حل مشاكل البلاد بعد توقيع اتفاقية نيفاشا التي استبعدت القوي السياسية الأخري. فالحركة الشعبية توجهت شطر الانفصال بعد أن اصابها اليأس من وحدة السودان علي اسس جديدة ، ومن سياسات المؤتمر الوطني التي جعلت الوحدة طاردة، ورأت أن تخرج بالانفصال والذي له مخاطر كبيرة علي شعب الجنوب والحركة الشعبية نفسها. والمؤتمر الوطني عن طريق تصريحات قادته يسلم بأن الانفصال اصبح راجحا، ويتخوف من انفصال الجنوب الذي سوف يفتح عليه طاقات جهنم بفقدانه مورد البترول الذي يعتمد اعتمادا أساسيا عليه في الموازنة بعد ان أهمل الزراعة، وتحمله مسؤولية تمزيق بلد ظلت موحدة حوالي قرنين من الزمان، ويعمل للتحضير لنسف الاستفتاء ولحرب لتجنب ذلك المصير المؤلم علما بأن طريق الحرب مسدود فقد اندلعت حوالي أكثر من عقدين من الزمان، ولم يجني منها شعب السودان غير الخراب والدمار.
ويحاول المؤتمر الوطني في دعايته أن يحمل المعرضة مسؤولية ماحدث، لكونها طرحت تقرير المصير في ميثاق اسمرا، ولكن يغفل حقيقة أن طرح تقرير المصير في ميثاق اسمرا ارتبط بفصل الدين عن السياسة ودولة المواطنة والديمقراطية التعددية وحكم القانون والتنمية المتوازنة والتوزيع العادل للسلطة والثروة حتي تأتي ممارسة تقرير المصير دعما لخيار الوحدة، وهذ مالم يحدث بعد توقيع اتفاقية نيفاشا والتي كرست الصراع بين الشريكين ودعم خيار الانفصال بسبب ممارسات الوطني والحركة الشعبية التي تهاونت في الدفاع عن التحول الديمقراطي، واكفأت جنوبا وتخلت عن مبادئ جون قرنق في سودان جديد موحد يقوم علي العدالة والمساواة ونبذ المواطنة من الدرجة الثانية.



39
جلد الفتاة من علامات نهاية نظام الانقاذ
شاهد الالاف، بغضب واستياء شديدين، علي مواقع الانترنت شريط (فيديو) جلد الفتاة بواسطة شرطة النظام العام ، وعادت للذاكرة الايام الأخيرة لنظام نميري الذي طبق قوانين سبتمبر 1983م التي اذلت الشعب السوداني، ويوميات الجلد، وقطع الأيدي، والقطع من خلاف، في ظروف تميزت بمصادرة الحقوق والحريات الديمقراطية وتصاعد حدة الفقر والمجاعات والتخفيض المتواصل لقيمة الجنية السوداني ، وتهريب ثروات الشعب وامواله للخارج والتي قدرتها المصادر ب 15 مليار دولار، وفقدان البلاد لسيادتها الوطنية من خلال اشتراك السودان مع امريكا في مناورات قوات النجم الساطع اضافة للتعاون الأمني معها لقهر شعب السودان، وتهريب الفلاشا الي اسرائيل، و وخطر تمزيق وحدة البلاد من خلال تصاعد لهيب حرب الجنوب بعد نقض العهود المواثيق بالغاء اتفاقية اديس ابابا بعد قرار تقسيم الجنوب، اضافة لاعدام الشهيد محمود محمد طه. تلك كانت ايام حالكة السواد في تاريخ السودان المعاصر، ولكن شعب السودان لم يلن ولم يستكين ، وقاوم ذلك الظلم والقهر باسم الدين، حتي قامت انتفاضة مارس – ابريل 1985م، التي اطاحت بحكم الدجال نميري الذي نصب نفسه اماما باسم الدين الي الابد.
والآن تتكرر المشاهد نفسها في ظروف مختلفة بعد انقلاب 30 يونيو 1989م الذي اذل شعب شعب السودان ونهب ممتلكاته ورفع يده عن خدمات التعليم والصحة ودمر مؤسساته العريقة مثل: السكة الحديد ومشروع الجزيرة وبقية المشاريع الزراعية والنقل النهري والخطوط الجوية السودانية ونظم التعليم الذي كان يضرب به المثل في مستواه ، والخدمة المدنية، وشردد الالاف من خيرة الكفاءات السودانية من أعمالهم، واعتقل الالاف ومارس عمليات التعذيب حتي الموت للمعارضين السياسيين، واشعل الحرب الجهادية في الجنوب وجبال النوبا والنيل الأزرق والشرق..الخ، مما ادي الي مقتل الالاف من المواطنين وحرق مئات القري ونزوح الملايين من ديارهم. اضافة الي اشعال الحرب في دارفور والتي راح ضحيتها الالاف مما ادي الي طلب مثول رأس الدولة امام محكمة الجنايات الدولية.
وحتي بعد توقيع اتفاقية نيفاشا استمرت ممارسات النظام الارهابية والقمعية والسياسات الاقتصادية التي زادت شعب السودان فقرا، والتفريط في السيادة الوطنية، بسبب سياسات النظام الهوجاء والتي فتحت الطريق أمام تنفيذ خطة امريكا لاحتلال السودان وتقسيمه الي دويلات بدءا بفصل الجنوب بهدف تهب ثرواته وموارده التي تتلخص في: النفط واليورانيوم والكروم والذهب والنحاس والاستثمارات الزراعية.
اذن سياسات النظام الخرقاء التي فرطت في وحدة البلاد وكرست الظلم والفساد واشعلت الحروب الأهلية باسم الدين، هي التي فتحت الطريق للتدخل الأجنبي.
والآن يحاول النظام عبثا شغل شعب السودان باستغلال الدين من خلال جلد الفتيات في ظل الاوضاع المشار اليها اعلاه. وهذا يشير الي بداية العد التنازلي للنظام وعلامات نهايته بعد أن فشل فشلا ذريعا من خلال تجربة 20 عاما من حكم اتسم بكل انواع القهر والفساد والنهب، وادي الي تمزيق وحدة البلاد من خلال نذر انفصال الجنوب والذي سوف تكون له آثار مدمرة علي البلاد والجنوب نفسه والبلدان المجاورة.
وكما ذهب نظام النميري الي مزبلة التاريخ نتيجة لتلك السياسات، سوف يذهب نظام الانقاذ والذي مارس السياسات نفسها وبطريقة ابشع منها. وان زوال نظام الانقاذ اصبح ضرورة للحفاظ علي وحدة السودان من خلال تنوعه وتماسك نسيجه الاجتماعي وضمان السلام والاستقرار والتنمية المتوازنة وتحسين اوضاع الناس المعيشية وتوفير احتياجاتهم الأساسية .



40
في الذكري الخامسة لتوقيع اتفاقية نيفاشا:
حصاد الهشيم
تهل علينا الذكري الخامسة لتوقيع اتفاقية نيفاشا للسلام في 9/يناير/2005 م، والبلاد وصلت الي منعطف خطير في مسارها، مع حصيلة التنفيذ التي تتعارض تماما مع جوهر الاتفاقية والمقاصد التي وقعت من اجلها.
جاء توقيع الاتفاقية وسط زخم اعلامي كبير وحضور وتدخل دولي لم يشهد له تاريخ السودان مثيلا، بهدف ضمان تنفيذ الاتفاقية والوصول الي استقرار السودان، ولكن جاءت حصيلة التنفيذ بما لاتشتهي سفن الشعب السوداني وضامني الاتفاقية.
كانت الاتفاقية مشهودة دوليا من ممثلي كينيا ويوغندا ومصر وايطاليا وهولندا والنرويج والمملكة المتحدة وايرلندا الشمالية وامريكا والاتحاد الافريقي ومنتدي شركاء الايقاد، والجامعة العربية والأمم المتحدة.
* وكان جوهر الاتفاقية، الذي بنت عليه جماهير شعبنا الآمال العراض، يتلخص في ثلاثة أضلاع: الأول :تغليب خيار الوحدة علي أساس العدالة ورد مظالم شعب جنوب السودان، وتخطيط وتنفيذ الاتفاقية بجعل وحدة السودان خيارا جذابا وبصفة خاصة لشعب جنوب السودان، وكفلت الاتفاقية حق تقرير المصير لشعب جنوب السودان عن طريق استفتاء لتحديد وضعهم مستقبلا(بروتكول مشاكوس).
الضلع الثاني والمهم في الاتفاقية، كما جاء في بروتكول مشاكوس، هو التحول الديمقراطي وقيام نظام ديمقراطي يأخذ في الحسبان التنوع الثقافي والعرقي والديني والجنسي واللغة والمساواة بين الجنسين لدي شعب جنوب السودان، وكفلت الاتفاقية الحقوق والحريات الأساسية، وأكدت علي أن يكون جهاز الأمن القومي جهازا مهنيا ويكون التفويض المخول له هو تقديم النصح والتركيز علي جمع المعلومات وتحليلها (المادة:2-7 -2-4)، وتم تضمين وثيقة الحقوق في الدستور الانتقالي لسنة 2005م، علي أن يتوج ذلك بانتخابات حرة نزيهة تحت اشراف مفوضية للانتخابات مستقلة ومحايدة(المادة:2-1-1-1)، واستفتاء علي تقرير المصير في نهاية الفترة الانتقالية يدعم ويعزز خيار الوحدة.
الضلع الثالث كما جاء في بروتكول مشاكوس: ايجاد حل شامل يعالج التدهور الاقتصادي والاجتماعي في السودان، ويستبدل الحرب ليس بمجرد السلام، بل أيضا بالعدالة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي تحترم الحقوق الأنسانية والسياسية الأساسية لجميع الشعب السوداني.

* كانت تلك الأضلاع الثلاثة هي الحد الأدني الذي بنت عليه جماهير الشعب السوداني تأييدها للاتفاقية التي اوقفت نزيف الحرب، رغم عيوب الاتفاقية التي لاتخطئها العين، حيث أنها كانت ثنائية وتم استبعاد ممثلي القوي السياسية ومنظمات المجتمع المدني الأخري، ولاسيما أن الاتفاقية تناولت قضية أساسية تتعلق بمصير السودان ووحدته لايمكن ان تترك لشريكين، فالمؤتمر الوطني لايمثل الشمال ولا الحركة الشعبية تمثل الجنوب، وكانت الحصيلة شراكة متشاكسة كّرست الشمولية والديكتاتورية، اضافة للثغرات الأخري في الاتفاقية مثل تقسيم البلاد علي أساس ديني، واقتسام السلطة الذي كرّس الصراع بين الشريكين وهيمنة المؤتمر الوطني في الحكومة المركزية والمجلس الوطني من خلال الأغلبية الميكانيكية والتي افرغ بها المؤتمر الاتفاقية من مضمونها وتم اعادة انتاج الشمولية والديكتاتورية، اضافة لوجود نظامين مصرفيين والذي اكدت التجربة العملية فشله، اضافة للخلل في توزيع عائدات النفط بين الشمال والجنوب والتي لم تذهب الي التنمية وخدمات التعليم والصحة والزراعة والصناعة والبنيات الأساسية..الخ.
وبجرد لحصاد الخمس سنوات الماضية من تنفيذ الاتفاقية نلاحظ:
- انتهاك الحقوق والحريات الأساسية حيث أصبح الدستور الانتقالي حبرا علي ورق واستمرت الممارسات السابقة في قمع المسيرات السلمية وأخرها مسيرتي: 7/12، 14/12/2009م، واستمرار القوانين المقيدة للحريات، واحتكار المؤتمر الوطني للاعلام، والرقابة علي الصحف، وقمع مسيرات واعتصامات العاملين والطلاب السلمية رغم عدالة مطالبهم، وقمع موكبي مواطني كجبار والبجا مما أدي لاستشهاد أعداد منهم اضافة للجرحي، اضافة للاعتقالات بسسب ممارسة النشاط السياسي المشروع مثل توزيع منشورات لأحزاب مسجلة!!، وتزوير انتخابات العاملين والمهنيين بالقمع وتسخير جهاز الدولة لخدمة ذلك، وعدم الاستجابة الكافية لطلبات الطعون، واسقاط الأسماء غير المرغوب فيها ، واعداد الكشوفات من خارج المهنة كما اوضح ممثلو تحالف المحامين في مؤتمرهم الصحفي الأخير، وتم تتويج مصادرة الحريات بقانون الأمن الأخير الذي أجازه المجلس الوطني والذي يتعارض مع الدستور الانتقالي الذي حدد مهام ووظائف جهاز الأمن في جمع المعلومات وتحليلها، اضافة لانتهاكات الحرب في دارفور، وقرار المحكمة الجنائية بتوقيف الرئيس البشير، واستمرار الصراعات القبلية ونسف الأمن في الجنوب، ولم تتغير طبيعة النظام التي تقوم علي القمع سياسيا والنهب اقتصاديا منذ انقلاب 30- يونيو- 1989م.هذا اضافة لعدم توفير مقومات الاستفتاء للجنوب وابيي والمشورة الشعبية والتي تتطلب حرية الارادة والتعبير من قبل المواطنين بدون قوانين مقيدة للحريات مثل قانون الأمن، وبالنسبة للانتخابات، وكما أشار تحالف القوي السياسية الي التلاعب في الاحصاء السكاني وتزوير السجل الانتخابي بشكل يضمن فوزا مريحا بأغلبية ساحقة للمؤتمر الوطني، وعدم استقلال وحياد المفوضية التي اصبحت اداة في يد المؤتمر الوطني كما أشار تحالف القوي السياسية الذي طالب بقيام مفوضية مستقلة ومحايدة بما يتمشي مع اتفاقية نيفاشا في مؤتمره الصحفي الأخير بتاريخ 6/1/2010م.
- تدهورت الأوضاع المعيشية لجماهير الشعب السوداني، كما يتضح من غلاء الأسعار وانخفاض الاجور وموجة الاضرابات الكثيرة للعاملين من اجل صرف استحقاقاتهم اضافة لشبح المجاعة الذي يخيم علي البلاد هذا العام بسبب فشل الموسم الزراعي، اضافة للفساد الذي وصل الي قمته كما يتضح من تقارير المراجع العام وتقارير منظمة الشفافية العالمية، وبيع مؤسسات القطاع العام وتشريد الالاف من العاملين، ونسبة العطالة وسط الخريجين التي بلغت حوالي 70%، وعدم تحقيق التنمية في الشمال والجنوب، ولم يحس المواطنون في الشمال والجنوب بأن الاتفاقية حسّنت من أحوالهم المعيشية. كما اجاز المجلس الوطني ميزانيات الأعوام:2006، 2007، 2008، 2009م، 2010م، والتي أرهقت الشعب السوداني بالمزيد من الضرائب وغلاء الأسعار، اضافة الي تدهور الانتاج الصناعي والزراعي واعتماد البلاد علي البترول الذي أصبح يشكل نسبة 90% من الصادرات ولم تذهب عائداته للتنمية ولدعم القطاع الزراعي والحيواني والصناعة وتوفير فرص العمل لالاف العاطلين عن العمل، ودعم التعليم والصحة والخدمات..الخ، وتحسين الاوضاع المعيشية، اضافة الي تذبذب أسعاره عالميا بعد الأزمة الاقتصادية العالمية وانعكاساتها السالبة علي السودان.
وبالتالي، كان الحصاد هشيما، وحصيلة التنفيذ كانت مفارقة تماما لجوهر الاتفاقية، حيث تم تكريس الصراع بين الشريكين والاستقطاب وهيمنة المؤتمر الوطني في الشراكة، وتم اعادة انتاج الشمولية والديكتاتورية باسم الاتفاقية.
ومن الجانب الاخر تستمر المقاومة الجماهيرية لتلك الاوضاع الخطيرة علي وحدة البلاد، وتتوحد حول مطالب محددة كمطلوبات لقيام انتخابات حرة نزيهة تفتح الطريق لتصفية الديكتاتورية والشمولية، وهذا يتطلب مفوضية انتخابات محايدة ومستقلة كما جاء في الاتفاقية، واعادة النظر في الاحصاء السكاني، والغاء السجل الانتخابي المزوّر الحالي، والغاء القوانين المقيدة للحريات وعلي رأسها قانون الأمن والغاء وقانون نقابات المنشأة، والحل الشامل والعادل لقضية دارفور، ، هذه المطلوبات ضرورية حتي لو تأخرت الانتخابات حتي نوفمبر 2010م.
ولابديل لتصعيد النشاط الجماهيري كما قرر تحاالف قوي جوبا ( الندوات والمسيرات..) من أجل انتزاع التحول الديمقراطي والغاء القوانين المقيدة للحريات وتحسين الأحوال المعيشية، وتسوية أوضاع المفصولين تعسفيا، والحل الشامل لقضية دارفور وبقية أقاليم السودان من خلال التوزيع العادل للسلطة والثروة بقيام اتحاد فدرالي يكفل الحكم الذاتي لأقايم السودان السبعه(دارفور، والشرق، والشمالية، والجنوب، وكردفان، الأوسط، والخرطوم)، وتنفيذ اتفاقية نيفاشا وبقية الاتفاقات، من خلال مؤتمر جامع للحل الشامل باعتباره المخرج الذي يضمن وحدة السودان من خلال تنوعه.

41
قبل ساعات من الاستفتاء
تبقت حوالي 48 ساعة من الاستفتاء علي تقرير مصير جنوب السودان وسط مخاوف نظام الانقاذ من انفصال الجنوب، ورغم ادعاءات قادة المؤتمر الوطني بان الانفصال المرتقب لن يؤثر علي نظام حكمهم في الشمال، الا أن الواقع يكذب تلك الادعاءات، اذ أنه قبل أربعة أيام من تاريخ الاستفتاء علي تقرير المصير، وفي خطوة استباقية أعلنت الحكومة زيادات في أسعار المحروقات والسكر والرسوم الجمركية..الخ، لمواجهة آثار انفصال الجنوب وخروج 70% من واردات نفط الجنوب، مما يعني المزيد من معاناة شعب السودان فوق المعاناة الموجودة من جراء تصاعد ارتفاع الاسعار وخفض قيمة الجنية السوداني، مما يؤشر الي أن شعب السودان سوف يواجه ظروفا عصيبة بعد الانفصال، والتي بدأت تظهر آثارها، اذ ليس للجكومة التي ينخرها الفساد من طريق سوي المزيد من الضرائب والزيادات في أسعار السلع الأساسية لمواجهة نفقات الأمن وجهاز الدولة المتضخم، ولكن هذا الطريق مسدود اذا سرعان مايؤدي الي تزايد السخط الجماهيري كما يحدث الآن في الجزائر وتونس...الخ، وحتما سوف تنفجر الاوضاع، وتخرج الجماهير للشارع، اذ ليس لها ماتخسره سوي قيودها ومعاناتها.
لقد اضاع المؤتمر الوطني فرصة تاريخية للحفاظ علي وحدة البلاد بعد توقيع اتفاقية نيفاشا، بعدم الالتزام بتحقيق جوهر الاتفاقية الذي يتلخص في: التحول الديمقراطي و التنمية وتحسين الاوضاع المعيشية ، واقامة انتخابات حرة نزيهة تحت اشراف لجنة انتخابات محايدة تنتج عنها حكومة ذات قاعدة عريضة تشرف علي الاستفتاء علي تقرير المصير وتحقيق دولة المواطنة، مما يجعل خيار الوحدة هو الراجح في النهاية، ولكن الامور سارت عكس ذلك الشئ الذي جعل خطر الانفصال ماثلا والذي له تداعياته علي المستويين الداخلي والاقليمي.
وبالتالي يتحمل المؤتمر الوطني المسؤولية في تمزيق وحدة السودان، اضافة للخلل في الاتفاقية التي استبعدت القوي السياسية الأخري وهمشت شعب السودان، بحصرها في شريكين كانت تجربتهما مريرة طيلة الخمس سنوات الماضية.
ويجري الاستفتاء وسط مخاوف من تجدد الحرب مرة اخري وخاصة ان قضايا مهمة قبل الاستفتاء لم يتم حلها مثل: ابيي، وترسيم الحدود ، والجنسية والمواطنة والبترول ومياه النيل، وحقوق قبائل التماس في الرعي داخل الجنوب...الخ.
وفي حالة الانفصال يجب ان يتم بعمل جماهيري دؤوب اسقاط نظام المؤتمر الوطني الذي فرّط في وحدة البلاد، والذي اصبح قادته يتباكون علي دولة لم يحافظوا علي وحدتها، باسم الدين وهم ابعد الناس عنه بعد ان اتضح فسادهم ونهبهم لثروات البلاد وافقار شعب السودان وتبعيتهم المذلة لأمريكا وقهرهم للمواطنين، وتفريطهم في تراب الوطن. ولأن استمرار هذا النظام في الحكم يعني المزيد من القهر، وتجويع المواطنين، وتحويل السودان الي مرتع للارهاب باسم الشريعة والدين، وتفتيت وحدة الوطن، فهناك شبح انفصال دارفور وجبال النوبا والنيل الأزرق والشرق ..الخ، بسبب عوامل القهر والتهميش نفسها التي جعلت الجنوبيين مواطنين من الدرجة الثانية والتي قادت لانفصالهم، وان بقاء هذا النظام في سدة الحكم في الشمال يعني المزيد من الافقار لشعب السودان والمزيد من معاناته.
وبالتالي، يجب أن يذهب هذا النظام لتحل محلة حكومة قومية لفترة انتقالية تكون من مهامها: عقد المؤتمر القومي الدستوري الذي يقرر شكل الحكم في البلاد ، ويفتح الطريق للحل الشامل والعادل لقضية دارفور ، والعمل علي اعادة توحيد البلاد في حالة الانفصال، وتحقيق التنمية وتحسين الاوضاع المعيشية، وقيام الدولة المدنية الديمقراطية الذي يتساوي فيها الجميع غض النظر عن الدين أو اللون أو العرق أو الثقافة. وهذا هو الطريق للمحافظة علي وحدة ومنعة وسيادة البلاد.


42
قراءة في خطاب أوباما
كان خطابا مشهودا ذلك الذي القاه اوباما في القاهرة الخميس: 4/6/2009م، وجد الخطاب اهتماما واسعا من الرأي العام المحلي والاقليمي والعالمي، قدم اوباما في ذلك الخطاب تصوره للقضايا التي تؤرق الادارة الامريكية وهي: مواجهة الارهاب، العراق، الصراع الفلسطيني – الاسرائيلي ، ايران، الديمقراطية ومصالح الشعوب، الحرية الدينية، حقوق المراة، التنمية الاقتصادية.
الخطاب محاولة لتحسين صورة امريكا في العالم الاسلامي والتي تضررت بشدة بسبب غزو العراق وأفغانستان والمعاملة غير الانسانية للمعتقلين في سجن غوانتنامو، رغم ان الخطاب ابدي حسن النوايا وتغييرا في الاسلوب جهة احترام مشاعر المسلمين والاشادة بحضارتهم وتاريخهم وبالدور الذي لعبه الأزهر في العالم الاسلامي والدور الذي لعبته جامعة القاهرة في التنوير والحداثة. واستخدام تحية الاسلام(السلام عليكم) وبعض الآيات القرآنية.
الخطاب عكس المام اوباما بالتاريخ الاسلامي واحترام ذلك التاريخ والدور الذي لعبته الحضارة الاسلامية في مجري الحضارة العالمية، ورمي اوباما من ذلك الي التأكيد الي ان امريكا ليست ضد الاسلام وانها تحترم مشاعر المسلمين داخل وخارج امريكا، ولكنها ضد الارهاب و(قتل النفس التي حرّم الله الا بالحق) كما أشار في خطابه.
ولكن يبقي جوهر السياسة الامريكية قائما وهو مواصلة مكافحة التطرف والارهاب، اعترف اوباما بالخسائر التي تعرضت لها القوات الاميركية في افغانستان، ولكن رغم ذلك سوف يواصل القتال ضد المتطرفين ، أي سوف يواصل حماية المصالح الامريكية في منطقة بحر قزوين الغنية بالنفط اضافة لتطويق روسيا، وذلك كان الهدف الرئيسي من احتلال افغانستان.
مايميز اوباما عن نظيره السابق جورج بوش هو الثقافة الواسعة والالمام بالتاريخ والقدرة علي الخطابة الرفيعة التي استمدها من مهنة المحاماة، والتنوع في تجربته الحياتية وتكوينه الشخصي حيث انه مسيحي بينما كان والده من أسرة كينية ذات جذور اسلامية، وقضي سنوات في اندونسيا، قبل ان ينتقل الي امريكا. كما اتسم خطاب اوباما بالتواضع واستخدم لغة الحوار والمنطق، واعتبر الخطاب خطوة في تنقية الاجواء ولم يتعجل النتائج، باعتبار (ان مشوار الالف ميل يبدأ بخطوة)، وقدم اوباما الوعود ولكن العبرة في الافعال، الخطاب محاولة لتغيير الاسلوب مع ثبات جوهر السياسة الامريكية في المنطقة التي تقررها الطبقات والاحتكارات القائمة، في ظروف أزمة اقتصادية عالمية كان أخرها افلاس شركة حنرال موتورز والتي تم تأميمها، وفي ظروف مقاومة شرسة وجدها الاحتلال الأمريكي في العراق وضحت ان الاحتلال لم يكن نزهة، وفي ظروف تصاعد المقاومة الفسطينية للاحتلال الاسرائيلي، وشعوب عربية اصبحت مراجلا تغلي وتتوق الي الديمقراطية الحقيقية والسيادة الوطنية والتنمية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية. تحت ظل هذه الاوضاع العالمية والاقليمية يجئ خطاب اوباما كمحاولة لتهدئة الاوضاع وامتصاص الأزمة وليس حلها لأن الحل الحقيقي للازمة يتعارض مع مصالح الاحتكارات الحاكمة في المنطقة.
وفي افغانستان اضافة لسياسة العصا استخدم اوباما سياسة الجذرة حين اكد ان القوة وحدها لن تحل المشكلة في كل من افغانستان وباكستان ولذلك وضعت الادارة الامريكية (خطة لاستثمار 1,5 مليار دولار سنويا علي مدي السنوات الخمس القادمة لاقامة شراكة مع الباكستانيين لبناء المدارس والمستشفيات والطرق والمؤسسات التجارية وكذلك توفير مئات الملايين لمساعدة النازحين وهذا ايضا السبب وراء قيامنا بتخصيص مايربو علي 2,8 مليار دولار لمساعدة الافغان علي تنمية اقتصادهم).
كما وعد اوباما في خطابه بأن الادارة الامريكية لاتنوي قيام قواعد عسكرية في العراق، وانه اصدر الاوامر بسحب الوحدات القتالية مع حلول شهر اغسطس القادم، وأن الادارة الامريكية سوف تحترم الاتفاق المبرم مع الحكومة العراقية المنتخبة باسلوب ديمقراطي والذي يقتضي سحب القوات القتالية من المدن العراقية بحلول شهر يوليو وكذلك سحب جميع قواتنا بحلول عام 2012م، وهي خطوات تجد الترحيب وتتطلب التنفيذ.
وحول الصراع الاسرائيلي الفلسطيني دافع اوباما عن حق اليهود في اقامة وطن لهم، ورجع للتاريخ مشيرا لمعاناتهم واضطهادهم في المحرقة النازية، وفي الوقت نفسه أشار الي محنة الشعب الفلسطيني وحقهم المشروع في اقامة دولة لهم، ابدي اوباما حسن النوايا ولكنه لم يقدم مقترحات عملية للخروج من الازمة، أشار اوباما الي(التوصل الي تحقيق طموحات الطرفين يكون من خلال دولتين يستطيع فيهما الاسرائيليون والفلسطينيون أن يعيشوا في سلام وأمن)، انها نوايا حسنة ولكن كيف الطريق الي تحقيقها؟ هذا مالم يتم توضيحه في مبادرة محددة.
وحول ايران اعترف اوباما بالاطاحة بنظام محمد مصدق المنتخب بشكل ديمقراطي خلال فترة الحرب الباردة مما يوضح ان القضية ليست الديمقراطية ولكن حماية المصالح النفطية الامريكية هي التي كانت وراء انقلاب شاه ايران الذي دعمته امريكا، كما اكد علي حق ايران علي (الاستخدام السلمي للطاقة النووية اذا امتثلت لمسئولياتها بموجب معاهدة منع انتشار الاسلحة النووية)، وهذا مجرد حديث، ولكن سياسة امريكا تجاه ايران لن تتغير وان تغير اسلوب التعاطي مع الأزمة، فايران هي الحلقة المكملة لمصالح امريكا النفطية في بحر قزوين وفي استقرار المنطقة لحماية مصالحها وحماية امن اسرائيل.
اما الحديث عن الديمقراطية فقد اكد خواءه اعتراف اوباما بالاطاحة بنظام ديمقراطي منتخب في ايران، وسوف تظل المصالح الطبقية للاحتكارات الحاكمة هي التي تحدد الموقف من الديمقراطية، رغم اتفاقنا مع حديث اوباما حول ضرورة الديمقراطية واحترام الحقوق والحريات الديمقراطية، والتداول الديمقراطي للسلطة.
كما اكد اوباما علي الحرية الدينية وقيم التسامح، وهو حديث يجد منا الترحيب ولكن الحديث شئ والواقع شئ اخر، فالنظام الرأسمالي في امريكا باستمرار يفرز التفاوت في توزيع الثروة وتشريد الالاف من العاملين كما يفرز التفاوت بين المراة والرجل والكراهية الاثنية والدينية باستمرار.
كما ان قضية المراة ليست تعليم وعمل فقط كما جاء في خطاب اوباما رغم اهميتهما، ولكنها قضية مرتبطة بتحرير المجتمع كله من الاضطهاد الطبقي والثقافي والاثني والديني والقومي.
وحول التنمية أشار اوباما الي خطوات اصلاحية مثل توفير فرص العمل للشباب والتعليم والابتكار وقيام صندوق مالي جديد لدعم التنمية والتطور التكنولوجي في البلدان التي يشكل فيها المسلمون غالبية السكان.
وخلاصة القول نجد تغييرا في الخطاب والاسلوب بهدف امتصاص الأزمة لا حلها جذريا وخاصة في افغانستان والعراق وايران وفلسطين، وكما اشرنا في مقال سابق الي ان فوز اوباما لن يؤدي الي تغيير جذري في طبيعة النظام الرأسمالي الحاكم في امريكا ذلك النظام الذي يقوم علي استنزاف وتشريد العاملين ونهب ثروات وموارد العالم الثالث، ويدمر البيئة ويشجع سباق التسلح وحل الأزمات علي حساب الفقراء، ويفرز التفاوت الطبقي والنوعي ويعمق الكراهية الاثنية والدينية والقومية، وان خطاب اوباما يشكل وعيا بعمق الأزمة، وخطورة السير في الغطرسة الامريكية وتنصيب نفسها شرطيا علي العالم والتي وجدت مقاومة واسعة من الشعوب وداخل امريكا نفسها وازدادت المقاومة بعد الأزمة الاقتصادية العالمية، ويحاول اوباما طريق الحكمة لا القوة حسب اقتباسه من الرئيس الامريكي السابق توماس جيفرسون( اتمني ان تنمو حكمتنا بقدر ماتنمو قوتنا ، وان تعلمنا هذه الحكمة درسا مفاده أن القوة ستزداد عظمة كلما قل استخدامها).
اذن التغيير في السياسة الامريكية هو في الاسلوب لا في الجوهر.

43
أبيي وقرار محكمة لاهاي
جاء قرار محكمة ابيي متوازنا، قبل اجزاء من تقرير لجنة الخبراء واستبعد أجزاءا أخري، وكانت الحصيلة أن اعطي مناطق الرعي والانهار للدينكا ومنطقة البترول للمسيرية، ووجد القرار ترحيبا محليا وعالميا والتزام الطرفان: المؤتمر الوطني والحركة الشعبية بتنفيذه، ويبقي بعد ذلك العبرة بالتنفيذ علي الأرض.
أشارقرار محكمة ابيي الي انه بالنسبة للحدود الشمالية: فيما يتعلق بقرار لجنة خبراء حدود ابيي الخاص لناحية مطلب دينكا(نقوك) المشروع في الأراضي الممتدة من حدود كردفان بحر الغزال شمالا الي خط عرض 10 درجات و10 دقائق ، فان خبراء اللجنة لم يتجاوزوا صلاحياتهم. اما فيما يتعلق بقرار لجنة الخبراء الخاص بمنطقة حدود ابيي الخاص بمنطقة الحقوق الثانوية المشتركة الممتدة بين خط عرض شمالا: 10 درجات و35 دقيقة شمالا، فان خبراء اللجنة تجاوزا صلاحياتهم. كما تمتد الحدود الشمالية لمنطقة مشيخات دينكا نقوك التسع المحولة الي كردفان عام 1905م علي خط عرض 10 درجات، و10 دقائق.
اما بالنسبة للحدود الجنوبية، فان لجنة الخبراء لم تتجاوز صلاحياتها في الحدود التي جري رسمها في يناير 1956م، وبالتالي، فان الحدود مثبتة.
وفيما يختص بالحدود الشرقية التي تمتد علي طول خط كردفان واعالي النيل(عند خط طول:29 درجة و32 دقيقة ...، وتسير شمالا الي أن تصل خط عرض 10 درجات و22 دقيقة..)، فان لجنة الخبراء قد تجاوزت صلاحياتها. وبالتالي، فان قرار المحكمة ان تبقي كما جري تحديده في يناير 1956م.
فيما يختص بالحدود الغربية، فان لجنة الخبراء تخطت صلاحياتها فيما يختص بحدود يناير 1956م، وبالتالي، فان قرار المحكمة اعتماد حدود 1905م فيما يختص بمنطقة مشيخات دينكا نقوك التسع المحالة الي كردفان والتي تمتد علي خط طول 27 درجة و50 دقيقة،..شرقا وخط عرض 10 درجات و10 دقائق.... شمالا الي حدود كردفان دارفور علي ماجري تحديده في يناير 1956م.
كما أشار قرار محكمة ابيي الي أن قبيلتي دينكا نقوك والمسيرية سوف تحتفظان بحقوقهما التاريخية الراسخة في استخدام الارض شمال هذه الحدود وجنوبها، وان لجنة الخبراء لم تتجاوز صلاحياتها. وبالتالي، لايجب المساس بالحقوق التاريخية الراسخة التي تمارس في منطقة ابيي أو في محيطها، لاسيما الحق المنصوص عليه بموجب الفقرة 1، 1، 3 من بروتوكول ابيي الذي تتمتع به المسيرية وغيرها من قبائل البدو لرعاية القطعان والانتقال عبر منطقة ابيي.
كما أشارت المحكمة الي ضرورة التفاهم بين سكان المنطقة حتي لايتم تقويض الحياة الطبيعية التي كانت سائدة في المنطقة بسبب الترسيم الجديد للحدود.
رغم أن القرار تعامل مع الجوانب الفنية لترسيم الحدود، وحفظ الحقوق التاريخية للمسيرية في الرعي، الا ان الجوهري هو العمل القاعدي علي الارض والتراضي بين سكان المنطقة الذين تمازجوا وتصاهروا وتداخلوا خلال مئات السنين، وهذا يتطلب ايضا توفير مقومات الاستقرار التي تتمثل في تنفيذ اتفاقية السلام وتحقيق التحول الديمقراطي والتنمية واعادة تعمير ماخربته الحرب في ابيي وتوفير الخدمات الأساسية: التعليم والصحة وخدمات الكهرباء والمياه،..الخ وتخصيص جزء من عائدات البترول لذلك، لأن ذلك يشكل الأساس لتحقيق القناعة بوحدة السودان والتي تشكل المخرج من النزاع حول البترول والماء والكلأ، وان مصلحة الأطراف في المنطقة في التكامل والوحدة والتنمية والسلام والاستفادة المشتركة من عائدات البترول ومصادر المياه والمراعي والأراضي الزراعية، وبالتالي من المهم دفع الارادة السياسية بخطوات ثابتة وقوية نحو وحدة البلاد وتجنيبها شرور التشرذم والتمترس حول حدود وهمية تجافي واقع التعايش السلمي الذي كان سائدا في المنطقة.


44
قرار محكمة أبيي وتداعيات الصراع
كما هو معلوم أن قرار محكمة لاهاي حول ابيي حسم موضوع الحدود ولكن هذا وحده لايكفي ، ولكن العبرة في التراضي بين سكان المنطقة الذين تعايشوا وتصاهروا لمئات السنين، وتوفير مقومات الحياة والاستقرار في المنطقة. والواقع أن ابيي كانت حجر عثرة في التوصل الي اتفاق سلام بين طرفي التفاوض في نيفاشا، وعندها قدم السناتور دانفورث الي طرفي التفاوض مقترحا بعنوان(مبادئ الاتفاق بين الحكومة والحركة الشعبية بشأن ابيي بتاريخ: 19/3/2004م) قبل الطرفان اعلان المبادئ أساسا لحل النزاع. احتفظ اعلان المبادئ للمسيرية بحقوقهم التقليدية في حركة الرعي.
وبعد توقيع اتفاقية نيفاشا بدأ الصراع حول ابيي يطل برأسه، ففي خطاب للراحل جون قرنق بمناسبة الذكري ال 22 للحركة أشارة الي ضرورة عودة (هجليج) التي ضمت الي كردفان الي ادارة حكومة جنوب السودان. وفي خطاب للنائب الأول سلفاكير في المؤتمر الصحفي الذي عقده بتاريخ: 28/1/2006م أشارة الي رفض المؤتمر الوطني لتقرير الخبراء حول ابيي واعتبر ذلك بمثابة اول خروج علي اتفاق نيفاشا، كما شدد سلفاكير علي تبعية منطقة ابيي لرئاسة الجمهورية في الفترة الانتقالية.
ثم بعد ذلك تفاقم الصراع حول تقرير الخبراء الي أن وصل الي محكمة لاهاي والتي فصلت فيه بتاريخ 22/7/2009م. أشار قرار محكمة لاهاي حول ابيي الي أن لجنة الخبراء لابيي تجاوزت التفويض الممنوح لها في الحدود الشرقية والغربية. وامنت المحكمة علي ماورد في تقرير لجنة الخبراء حول حدود المنطقة الشمالية خط 10 درجات و10 دقائق شمالا، ورفضت ادعاء الحكومة بأن بحر العرب هو الحد الشمالي لابيي.
وبالتالي اصبحت كل منطقة بحر العرب(مناطق الماء والكلأ ) جزءا من ابيي. كما رفضت المحكمة ماورد في تقرير الخبراء القاضي بأن حدود المنطقة الشمالية 10 درجات و22 دقيقة و50 ثانية بحجة ان الخبراء تجاوزوا تفويضهم، وبالتالي ضمت آبار النفط الأساسية(هجليج) الي كردفان، مع احتفاظ قرار المحكمة للحقوق التاريخية للمسيرية في الرعي.
جاء قرار محكمة لاهاي متوازنا ووجد ترحيبا دوليا ومحليا علي سبيل المثال: رحبت الأمم المتحدة بالقرار، كما رحب الاتحاد الاوربي والاتحاد الافريقي وامريكا بقرار التحكيم، كما اصدر المؤتمر الوطني والحركة الشعبية بيانا مشتركا اكدا التزامهما بتنفيذ قرار المحكمة.
ورغم ذلك بدأ الصراع مرة أخري يطل برأسه مما يعكس استمرار التوتر في المنطقة علي سبيل المثال: تصريح مشار(الصحافة بتاريخ 25/7/2009م): ان هجليج تابعة لولاية الوحدة، ومطالبة ناظر المسيرية بتعويض عن الاراضي التي تم فقدانها، كما برز خلاف حول الاستفتاء: فبينما يري باقان اموم انه لابناء ابيي، يري الرئيس البشير أنه لكل سكان المنطقة حسب بروتكول ابيي. ومما زاد الطين بلة تسرع الحكومة باعلان وقف اقتسام عائد بترول هجليج مع حكومة الجنوب بأثر رجعي، كما رشح في الأخبار ان المسيرية بصدد رفع مذكرة للامم المتحدة ولمعتمد ابيي ووالي جنوب كردفان تعكس رفضهم لقرار اعتماد حدود 1956م بين ابيي والشمال وضرورة التعايش السلمي بين أبناء المنطقة.
والواقع انه ما كان للصراع أن يتفاقم في منطقة ابيي لولا التلكؤ في تنفيذ اتفاقية نيفاشا وتحقيق أهم ركيزتين فيها وهما التحول الديمقراطي وتحسين احوال الناس المعيشية وتوفير احتياجاتهم الأساسية(التعليم، الصحة، خدمات المياه والكهرباء..الخ).
ان المدخل للحل الشامل هو في:
- تنفيذ اتفاقية السلام.
- تحقيق التنمية واعمار ماخربته الحرب في ابيي وتوفير الخدمات الضرورية: التعليم والصحة وخدمات المياه والكهرباء والعناية البيطرية وانجاز البنيات الأساسية.
- العمل الجاد لكي يكون خيار الوحدة هو الجاذب، لأن ذلك وحده هو الكفيل بتبديد مخاوف المسيرية من الانفصال الذي يفقدهم الحقوق التاريخية في الماء والكلأ(حقوق الرعي).
- التركيز علي التكامل بتخصيص جزء من عائدات النفط لتنمية المنطقة والثروة الحيوانية والزراعية، فجميع الأطراف تحتاج لبعضها ، وهذا يشكل الأساس المادي لتقوية الوحدة.
- تحقيق التحول الديمقراطي ونزع سلاح المليشيات القبلية.
وتلك الخطوات تعتبر ضرورية لازالة حالة الاحتقان الحالية التي يجعل كل الاحتمالات مفتوحة للانفجار، ولتعود ابيي الي وضعها التاريخي والطبيعي كجسر للتعايش السلمي بين قبائلها وشعوبها وللوحدة بين الشمال والجنوب.

45
قضايا وترتيبات مابعد الاستفتاء
الورشة التي نظمتها المفوضية القومية للمراجعة الدستورية لفتت انتباه القوي السياسية والمهتمين بضرورة معالجة قضايا وترتيبات مابعد الاستفتاء مثل: المواطنة واقتسام عائدات التفط وترسيم الحدود..الخ، ورغم أن الورشة جاءت متأخرة الا أنها تناولت قضايا مهمة تحتاج للمزيد من النقاش فيما تبقي من الفترة الزمنية لاجراء الاستفتاء في المحاضرات التي قدمت والنقاش الذي دار حولها من القوي السياسية والاكاديميين والمختصين، تناولت المحاضرات: قضايا وترتيبات مابعد الاستفتاء في محاضرة قدمها الخبير السويسري د. جوليان هوتنق، وقضايا المواطنة في محاضرة د. بيونق دينق منسق مشروع المعهد الافريقي بجنوب افريقيا والاتفاقات والتفاهمات حول حقوق السكان في مناطق التماس كحرية الحركة للرعاة والرحل والماشية والسلع التجارية والخدمات في محاضرة د. ابراهيم ابو عوف، ومقارنة حق تقرير المصير للسودان عام 1956م وجنوب السودان 2011م.
وفي هذا نقدم هذه المساهمة والمناقشة.
جاء اجازة قانون الاستفتاء متأخرا وعلي عجل ولم تعط القوي السياسية وجماهير الشعب السوداني الوقت الكافي لمناقشته، ولاسيما انه يتعلق بقضية مصيرية تتعلق بوحدة السودان، هذا فضلا عن عدم توفر المناخ المناسب لتقرير المصير والذي يتطلب الديمقراطية الواسعة وحرية الارادة، وبدون ضغوط، فكيف يتم اجازة قانون الاستفتاء وفي الوقت نفسه يتم اجازة قانون الأمن الذي يتعارض مع الاستفتاء وقيام انتخابات حرة نزيهة والتي تعتبر من المقدمات الضرورية لممارسة حق تقرير المصير؟!!. علي أن اجازة قانون الاستفتاء طرح علي طاولة البحث ضرورة التحسب لاوضاع ما بعد الاستفتاء ، وحق تقرير المصير كما هو معلوم مفتوح علي الخيارين: اما التأكيد علي الوحدة أو قيام دولة الجنوب المستقلة.
ورغم أن اتفاقية نيفاشا اكدت علي خيار الوحدة الجاذبة، الا أن حصيلة الخمس سنوات الماضية لم تكن مساعدة في ذلك: اذ لم يتم التحول الديمقراطي والغاء القوانين المقيدة للحريات التي تتعارض مع الدستور الانتقالي لسنة 2005م، ولم تتحسن أوضاع الناس المعيشية في الشمال والجنوب اضافة الي غياب التنمية التي تجعل السلام مستقرا والوحدة جاذبة، اضافة لانتشار الفساد واتساع دائرة الفقر واستمرار الحرب في دارفور والصراعات القبلية في الجنوب، والتجاوزات في الاحصاء السكاني والسجل الانتخابي واحتكار المؤتمر الوطني للاعلام الرسمي..الخ، كل تلك العوامل لها أثارها السالبة في ممارسة حق تقرير المصير.
ورغم أن للانفصال مخاطره الا انه من المهم التحسب لمشاكله والتي تتلخص في : فقدان السودان لتنوعه الاقتصادي والثقافي والذي يعتبر مصدر قوة اذا تم ادارة هذا التنوع بحكمة، اضافة الي مشكلة منفذ الجنوب للبحر والابتزاز الذي يمكن أن يتعرض له من الدول المجاورة، والصراعات القبلية وغياب التنمية والبنيات التحتية، والتوتر الدائم بين البلدين في مناطق التماس، ومشاكل الديون والاصول، ومشاكل تقسيم مياه النيل، وخطورة قيام حركان انفصالية أخري في دارفور والشرق والشمال، خاصة وأن قضية السودان ليست بين شمال وجنوب وانما هي قضية تنمية متوازنة وتوزيع عادل للسلطة والثروة وحكم ذاتي لأقاليم السودان المختلفة، اضافة لمشاكل الجنسية ومشاكل الأقليات من الشمال والجنوب في البلدين.
في حالة الابقاء علي خيار الوحدة، فان هذا يتطلب قيام دولة المواطنة .


46
لا للعودة لمربع الحرب ومصادرة الحريات
اوضحنا في مقالاتنا السابقة أن المؤتمر الوطني اضاع فرصة ذهبية تاريخية بعد توقيع اتفاقية نيفاشا، اذ كان من شأن تنفيذ الاتفاقية وبقية الاتفاقات الأخري(القاهرة، ابوجا، الشرق،...الخ)، أن يحدث اختراقا حقيقيا في جدار الشمولية، من خلال انجاز التحول الديمقراطي وتحقيق التنمية وتحسين الأوضاع المعيشية، والالتزام بدستور سنة 2005م، وان يكون جهاز الأمن مهنيا مهمته جمع المعلومات وتحليلها ورفعها، وتكوين مفوضية انتخابات حرة ومحايدة، واحصاء سكاني وسجل انتخابي متفق عليه، وخدمة مدنية مستقلة، وفرص متساوية في اجهزة الاعلام التي يحتكرها المؤتمر الوطني، وقضاء مستقل، وانجاز الحل الشامل والعادل لقضية دارفور، مما يفضي في النهاية الي انتخابات حرة نزيهه تفكك النظام الشمولي، وتفتح الباب للوحدة الطوعية والديمقراطية للبلاد.
ولكن المؤتمر الوطني ابي واستكبر استكبارا في الارض ، وخرق العهود والمواثيق وزّور الانتخابات تزويرا مفضوحا، حماية لمصالح الفئات الرأسمالية الطفيلية الاسلاموية القابضة علي مفايتح السلطة والثروة في البلاد.
وهاهو النظام يعود مرة أخري الي سيرته الاولي، وتندلع الحرب في دارفور بشكل اكثر عنفا بعد ازمة سوق(المواسير) وشمال كردفان، وتتفاقم الحروبات القبلية في الجنوب ومناطق التماس مع الجنوب، علما بان طريق الحرب مسدود بعد تجربة عشرين عاما ، والذي كانت تكلفته باهظة من: الاف القتلي والجرحي وملايين المشردين والنازحين. وخرق المؤتمر الوطني للعهود والمواثيق ادخل البلاد مرة اخري في درب الالام والموت واشتعال نيران الحرب والتي من المتوقع ان تكون اوسع من الماضي.
كما اتضح للقاصي والداني فرية الفوز في الشمال بنسبة تفوق ال 90%، واذا كان الأمر كذلك فلماذا اطلاق النار علي مسيرة متضرري سوق(المواسير) السلمية؟، ولماذا اعتقال د. حسن الترابي، واغلاق صحيفة(رأي الشعب) واعتقال محرريها وكتابها( ناجي دهب، وابوذر الامين)، في خرق واضح وفاضح للدستور، مما ادي لاستنكار قوي الاجماع الوطني لذلك والتي طالبت باطلاق سراح المعتقلين.
وبالتالي، من المهم خلق اوسع جبهة للدفاع عن الحريات ووحدة الوطن ومنع الانزلاق مرة أخري لمربع الحرب والديكتاتورية المدنية باسم انتخابات زائفة، والمطالبة باطلاق سراح المعتقلين فورا، وضد مصادرة الحريات والحقوق الديمقراطية، الغاء المواد في قانون الأمن الوطني التي تجيز الاعتقال التحفظي لمخالفتها الصريحة لأحكام المواد:27(3)،(4) و28 و29 ، 34 (2) من الدستور الانتقالي، والتي تهدر التحول الديمقراطي وتنتهك سيادة حكم القانون. فالعودة لمربع الحرب ومصادرة الحريات سياسة مقضي عليها بالفشل، وحتما سوف ينتزع شعب السودان الحريات والحقوق الديمقراطية ويطيح بالشمولية والديكتاتورية، كما حدث في اكتوبر 1964م وانتفاضة مارس- ابريل 1985م.


47
لابديل غير العمل الجماهيري
أشرنا سابقا الي أن العوامل التي ادت لتفجير الثورات في تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا والبحرين..الخ متوفرة بكثرة في السودان، ومهما تأخرت الثورة ، فانها آتية لاريب فيها، وانها سوف تخرج من رحم معاناة الجماهير التي تتفاقم وتزداد كل يوم جراء تزايد جرعات القمع والقهر والمعيشة الضنكا، والارتفاع الجنوني في الاسعار، وتمزيق وحدة البلاد، واصرار النظام علي المزيد من تفتيت وحدة البلاد، والعوامل التي سوف تؤدي الي الانفجار مثل:
*ترتيبات مابعد الانفصال والتي وصل فيها الشريكان الي طريق مسدود ( ابيي، جنوب النيل الأزرق، جنوب كردفان، ترسيم الحدود ومناطق التداخل القبلي، وقضايا الجنسية والمواطنة والعملة والخدمة المدنية والاصول والديون والبترول ومياه النيل، ومشاكل الطلاب الجنوبيين في الشمال والشماليين في الجنوب..الخ، واذا لم تحل تلك المشاكل ، فسوف يؤدي ذلك الي عودة الحرب، وتكون النتيجة تمزيق وحدة البلاد دون كسب السلام!!!.
*وكذلك اتجاه المؤتمر الوطني لاقامة حكم شمولي باسم الدين والشريعة الاسلامية يلغي الحقوق والحريات الأساسية، والتنوع الديني والثقافي والأثني، وبهدف احكام سيطرته علي كل مفاصل الدولة في الشمال مما يؤدي الي استفحال الأزمة واشعال فتيل الفتنة الدينية والحرب.
* وهناك الوضع الاقتصادي المتدهور حيث من المتوقع حسب تقرير صندوق النقد الدولي في يناير 2011م أن السودان سوف يفقد 75% من عائدات النفط عقب يوليو المقبل ما سيؤدي الي اختلالات داخلية ، وانخفاض في تدفق العملات الأجنبية ، كما سيؤثر علي ميزان المدفوعات وضغوط اضافية علي العجز المالي والاحتياطي من العملات الأجنبية التي سبق أن وصلت لمستويات قياسية علما بأن عائدات النفط تشكل اكثر من نصف عائدات الحكومة و 90% من الصادرات. وهذا سوف يؤدي الي مواصلة ارتفاع معدل التضخم والي الارتفاع الكبير في أسعار السلع الغذائية، وانخفاض قيمة الجنية السوداني، ورفع الدعم عن المنتجات النفطية والسكر وغيره من المنتجات، اضافة لأزمة الديون التي بلغت قيمتها 36,8 مليار دولار.
* هذا اضافة لتدهور الأوضاع في دارفور وتصاعد الحل العسكري، وانفجار الاوضاع في ابيي والاستعدادت الكبيرة للحرب فيها نتيجة الصراع علي مواردها بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية، وهشاشة الحلول الخارجية، وانفجار الوضع في جنوب كردفان نتيجة لاتجاه المؤتمر الوطني لتزوير الانتخابات واشعال حرب الابادة كما جاء في احداث ابو الفيض عبد الله والتي راح ضحاياها حوالي 20 شخصا ، اضافة الي حرق قري، مما يشير الي تحويل المنطقة الي دارفور أخري!. توتر الاوضاع في النيل الأزرق واتجاه المشورة الشعبية للمطالبة بالحكم الذاتي، اضافة للوضع المتفجر في شرق السودان، ومشاكل بناء السدود(كجبار، دال، الشريك..الخ) في مصادرة لحقوق مواطني تلك المناطق المادية والتاريخية والثقافية.
* وهناك قضايا مصادرة الحريات بالقمع المتواصل لمظاهرات الشباب والطلاب والنساء والاحزاب السلمية، وممارسة ابشع اساليب التنكيل بالمعتقلين السياسيين جراء التعذيب والاعتقال المديد دون توجيه تهمة محددة، ومصادرة حق التعبير جراء مصادرة الصحف أو منع توزيعها كما حدث لصحيفتي " الميدان" و" أجراس الحرية" واعتقال الصحفيين، مما يتطلب التحول الديمقراطي بالغاء القوانين المقيدة للحريات، واحترام حقوق الانسان واستقلال القضاء والمحاسبة علي ارتكاب الجرائم الجنائية ، وقومية ومهنية القوات النظامية( الجيش، الشرطة، الأمن)، وقومية الخدمة المدنية واستقلالها ومهنيتها وكفاءتها ، واصدار قرار سياسي بارجاع المفصولين سياسيا وتعسفيا، والتحقيق في الفساد وحل المليشيات ومحاصرة انتشار السلاح في البلاد، وضرورة قيام انتخابات حرة نزيهة ، وانجاز دستور ديمقراطي يكفل عدم استغلال الدين في السياسة ويراعي التعدد الديني واللغوي في البلاد.
* من مظاهر الأزمة فشل النظام في حماية سيادة البلاد الوطنية ، جراء التدخل الأجنبي الكثيف في شؤونها الداخلية، والضربات الجوية والبحرية والبرية المتلاحقة دون التصدي بحزم لها.
+ من كل ما سبق يتضح عمق الأزمة الوطنية العامة التي تمر بها البلاد، وتنامي النهوض المقاومة والنهوض الجماهير ضده، ولابديل حسب تجربة شعب السودان وتجارب تونس ومصر وسوريا..الخ غير النضال الجماهيري مهما كانت درجات القمع، فان الثورة لامحالة سوف تنتصر في النهاية، وعلي سبيل المثال انتصر الشعب المصري بعد مواجهة عنيفة لاضخم ترسانة قمع وقدم اكثر من 800 شهيد من المتظاهرين، ورفع الشعب السوري سقف مطالبه نتيجة القمع الوحشي واطلاق النار من قناصة السلطة، وارغم النظام علي رفع حالة الطوارئ بعد 48 عاما من انقلاب البعث في 1963م، ويواصل الشعب السوري نضاله من أجل اطلاق سراح كل المعتقلين السياسيين وحرية الأحزاب والتعديية السياسية.
كل ذلك يوضح أن شعب السودان سوف ينتصر في معركته ضد نظام الانقاذ عن طريق النضال الجماهيري والانتفاضة الشعبية، وينتزع الحقوق الديمقراطية، وتكوين حكومة انتقالية يكون من مهامها:-
تحسين الاوضاع المعيشية وتركيز الاسعار، وتحقيق التحول الديمقراطي، وقيام المؤتمر الدستوري الذي يقرر شكل الحكم في البلاد علي اساس دستور ديمقراطي، والحل العادل والشامل لقضية دارفور، وحل قضايا مابعد الانفصال ومنع تجدد الحرب بين الشمال والجنوب، وقيام دولة مدنية تسع الجميع وتفتح الطريق لشراكة استراتيجية مع دولة الجنوب واعادة توحيد الوطن، والاشراف علي علي المحادثات بين سكان ابيي ومتابعة نتائج المشورة الشعبية في جنوب النيل الأزرق وقيام انتخابات حرة نزيهة في جنوب كردفان تتبعها آلية جديدة لاستطلاع آراء سكان المنطقة، والتصدي للوضع المتدهور في شرق السودان، وقيام علاقات خارجية تحمي السيادة الوطنية وتكرّس حسن الجوار وتقوم علي مبادئ المصالح المشتركة، والاشراف علي اجراء انتخابات عامة جديدة في نهاية الفترة الانتقالية.
وهذا هو الطريق للمخرج من الأزمة.


48
لامخرج من الأزمة الا باسقاط النظام
من العبث اهدار حياة المواطنين وموارد البلاد بمحاولة اعادة عقارب الساعة الي الوراء والعودة لمربع الحرب مرة أخري ، عندما بدأ انقلاب الانقاذ العسكري الذي أشعل حربا دينية تجاوزت حرب الجنوب لتشمل جنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق وشرق السودان، وأمتدت الحرب لتشمل دارفور. تلك الحروب كان ومازال لها تكلفة انسانية باهظة، حيث ادت الي مقتل ونزوح مئات الالاف اضافة لحرق القري وتدمير الزرع والضرع وتعطل حركة التنمية وعجلة الانتاج في تلك المناطق ، وأصبح أبناء تلك المناطق يعيشون علي الاغاثات بعد أن كانوا منتجين وعزيزين مكرمين في مدنهم وقراهم.و وجرائم حرب استوجبت المساءلة أمام محكمة الجنايات الدولية فيما يختص بما حدث في دارفور.
ويحاول عبثا النظام اعادة تلك الأيام الدامية، بعد نقض العهود والمواثيق والاتفاقات التي ابرمها مع الحركات والقوي السياسية، باشعال نيران الحرب في ابيي، وفي ولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان، اضافة للحرب الدائرة رحاها في دارفور، ونسف استقرار دولة جنوب السودان الوليدة ومحاصرتها اقتصاديا والعمل علي تغيير النظام هناك لمصلحة "الطفيلية الاسلاموية" الحاكمة في الشمال. وكان ذلك متوقعا من النظام الذي حاصرته المشاكل من كل حدب وصوب بعد انفصال الجنوب الذي يعتبر الهزيمة الكبيرة للنظام الذي طغي في البلاد وأكثر فيها الفساد وفرّط في وحدة البلاد، وكانت النتيحة انفصال الجنوب وتجدد الحرب من جديد، وتبقي قائمة خطورة تمزيق ماتبقي من وحدة بأثر العوامل نفسها التي قادت لانفصال الجنوب. من المستحيل في ظل المتغيرات المحلية والعالمية وتجربة 22 عاما من مقاومة الديكتاتورية التي اصبحت مكشوفة ومفضوحة، بعد أن فعلت كل ماطلبه منها الامريكان الي درجة فصل الجنوب، ومع ذلك لم يرضون عنه ، وظل في قائمة الدول الراعية للارهاب.
باشعال تلك الحروب يزيد النظام الأمور تعقيدا ويجلب المزيد من التدخل الأجنبي في شؤون البلاد. ويبقي من المستحيل اعادة تلك الأيام بعد أن راكمت الحركة الجماهيرية تجربة كبيرة في مقاومة النظام وبعد الثورات التي نشهدها في محيطنا الاقليمي ثورات( تونس ومصر وليبيا وسوريا واليمن..الخ) والتي حتما سوف يكون لها الأثر بهذا القدر أوذاك في اشعال نيران الانتفاضة الجماهيرية القادمة التي بدأت تتجمع وتتراكم كل عناصرها من جوع وغلاء فاحش، وفساد لم يخطر علي بال السودانيين، ومصادرة للحقوق والحريات الديمقراطية وبيع أراضي وممتلكات البلاد بأثمان بخسة لمنسوبي "الطفيلية الاسلاموية" و"الشركات الاحتكارية الأجنبية" ، وتمزيق وحدة البلاد.
لقد اصبح الطريق الذي سار عليه النظام طيلة السنوات الماضية مسدودا، فما عادت تنطلي علي القوي السياسية والحركات أساليب النظام في المراوغة، وشق الأحزاب السياسية وتوقيع اتفاقات دون الالتزام بتنفيذها( اتفاقية الدوحة)، والدعوة لحكومة عريضة تحت هيمنة ووصاية المؤتمر الوطني، وتحميل جماهير الشعب التي اصبحت منهكة أعباء الأزمة الاقتصادية والمزيد من الضرائب والجبايات التي فاقت جبايات "العهد التركي" والتي اصبحت تشكل مصدرا أساسيا في دخل الدولة بعد فقدان موارد البترول، بدلا من تخفيض منصرفات جهاز الدولة المتضخم وصرف اكثر من 60% من ميزانية الدولة علي الأمن والدفاع، اضافة لتدمير ثروة البلاد الحيوانية بالتصدير "العشوائي" بهدف جلب "العملة الصعبة " مما أدي الي الارتفاع الجنوني في أسعار اللحوم، فالحكومة هي المسؤولة أولا وأخيرا عن الغلاء الفاحش في أسعار اللحوم والسلع الأخري، والتي تحاول عبثا تحميلها للآخرين.
ومن الجانب الآخر تخشي السلطة تصاعد الحركة الجماهيرية، وتصاب بالهلع من تحركاتها مثل: مواكب المعارضة في 7، 14 ديسمبر 2009م، ومواكب ومظاهرات الطلاب والشباب والنساء ومظاهرات الأحياء في العاصمة والأقاليم من أجل مياه الشرب، واضرابات الاطباء وبقية المهنيين والعاملين من أجل تسوية استحقاقتهم وسداد متأخراتهم، ووقفات مزارعي الجزيرة وبقية المشاريع الزراعية ضد الخصخصة وتشريد المزارعين من أراضيهم وضد الجباية والتكلفة الباهظة للانتاج واستيراد التقاوي الفاسدة التي الحقت ضررا كبيرا بالمزارعين، ومقاومة المتأثرين بالسدود في كجبار ودال ومروي والشريك...الخ، واندلاع الحرب في جنوب كردفان بسبب تزوير المؤتمر الوطني للانتخابات وعدم الحل الشامل لمشكلة كل المليشيات العسكرية والالتفاف علي المشورة الشعبية، وكذلك الانقلاب الذي تم في ولاية النيل الأزرق واقالة الحاكم المنتخب مالك عقار، مما ادي الي مقتل المئات ونزوح الالاف وتهديد الموسم الزراعي بالفشل مما يؤدي الي المجاعة في العام القادم وتزداد الأمور في البلاد تدهورا، تصعيد الحرب في دارفور وخطورة انتشار الحرب بعد التطورات الأخيرة في ليبيا وما يشاع عن دخول أسلحة كثيرة منها للبلاد. اضافة لنفاذ صبر المواطنين الذين ماعادوا يحتملون ضيق الحياة المعيشية والارتفاع الجنوني في الأسعار، واصبح الرد العملي بالخروج للشارع في مظاهرات ضد الغلاء والمطالبة بسقوط "حكومة الجوع" كما حدث في مظاهرة مواطني بري الأخيرة يوم الأثنين 26/ 9/ 2011م.
هذ اضافة لخطورة تمزيق ماتبقي من وحدة البلاد جراء اصرار المؤتمر الوطني فرض الدستور الاسلامي " المزيف" واقامة الدولة الدينية التي تصادر الحقوق والحريات الديمقراطية باسم الدين، وتلك اذن كرة خاسرة بعد فشل تجربة "قوانين سبتمبر 1983م" والتي أقامت دولة دينية، كانت وبالا علي البلاد حتي كنستها الجماهير في انتفاضة مارس- ابريل 1985م.
ولاشك أن تراكم المقاومة الجماهيرية يفضي في النهاية الي الانتفاضة الشاملة التي تطيح بالنظام وتلقي به في مزبلة التاريخ، وقيام حكومة انتقالية بديلة تنجز المهام التالية:
- لجم الغلاء والفساد وتحسين الأوضاع المعيشية، وتوفير خدمات التعليم والصحة وبقية الخدمات( مياه شرب نقية، كهرباء، عناية بيطرية...)، وتوفير فرص العمل للعاطلين، وتسوية اوضاع المفصولين تعسفيا، واعادة أموال وممتلكات الشعب المنهوبة. وعقد المؤتمر الاقتصادي الذي يفتح الطريق لحل الأزمة الاقتصادية والتنمية المتوازنة في البلاد.
- الغاء كل القوانين المقيدة للحريات وانجاز دستور ديمقراطي يكفل حقوق الانسان وحرياته الأساسية التي تتمشي مع المواثيق الدولية لحقوق الانسان ، ويكرّس دولة المواطنة: الدولة المدنية الديمقراطية التي تكفل المساواة التامة بين المواطنين غض النظر عن الدين أو العرق أو اللون أو الثقافة، وتحافظ علي وحدة ماتبقي من الوطن وتفتح الطريق لاعادة توحيده علي أسس طوعية وديمقراطية، وعقد المؤتمر الدستوري الذي يحدد شكل الحكم والدولة السودانية.
- حل قضايا مابعد الانفصال حتي لاتتجدد الحرب بين الدولتين( ابيي ، ترسيم الحدود، البترول، المواطنة والجنسية، مياه النيل، مشاكل الطلبة الجنوبيين في الشمال والشماليين في الجنوب....الخ)، وانجاز المشورة الشعبية في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق، والحل الشامل والعادل لقضية دارفور وبقية أقاليم السودان، ووقف اقامة اي سدود جديدة تدمر الارث الثقافي والحضاري للسودان.
- اقامة انتخابات حرة نزيهة في نهاية الفترة الانتقالية.
وهذا هو الطريق للمخرج من الأزمة.


49
لماذا تأجيل الانتخابات؟
أشرنا سابقا، الي أن قيام الانتخابات في هذه الظروف المشحونة بتوترات سياسية واقليمية، وبدون تهيئة المناخ المناسب لها، سوف تقود الي تعقيد الأزمة وفصل الجنوب وربما دارفور والشرق..الخ، وقد احس الكثيرون بعمق الأزمة علي سبيل المثال: مطالبة مرشحي الرئاسة تأجيل الانتخابات حتي نوفمبر 2010م، وتصريح سلفاكير : بأنه لايمانع من تأجيل الانتخابات، اذا وافقت القوي السياسية علي ذلك(الصحافة: 2/3/2010م)، وتصريح محمد عثمان الميرغني بمقاطعة الانتخابات في حالة التأكد من عدم نزاهتها، والاقتراح الاريتري والمصري بتأجيل الانتخابات والاستفتاء وتهيئة المناخ المناسب بما ينزع فتيل الأزمة ويدفع في اتجاه وحدة البلاد .
وهناك قضية دارفور والتي تجري المساعي لحلها، ويتطلب الحل الشامل والعادل للقضية باشتراك كل الحركات والقوي السياسية ومنظمات المجتمع المدني في المنطقة، وتحقيق مطالب الحركات: في الاقليم الواحد بحدود 1956م، والعدالة وضرورة تسليم المطلوبين للعدالة، عودة النازحين الي قراهم، ونزع سلاح الجنجويد ، ونزع الالغام التي تقف حجر عثرة في النشاط الزراعي والرعوي، والتنمية وتوفير احتياجات الاقليم الأساسية. وعليه يجب التجاوب مع مطالب أهل دارفور في تأجيل الانتخابات، وتوفير المناخ الملائم لانخراط الاقليم في العملية الانتخابية السلمية والديمقراطية. واذا تم تأجيل الانتخابات جزئيا بولاية جنوب كردفان، فان هذا يعني اعترافا ضمنيا بأنه توجد خروقات في العملية الانتخابية من احصاء سكاني وغيرها، وهذا ينطبق علي بقية أقاليم السودان، فلماذا المكابرة من المؤتمر الوطني واصراره علي عقد الانتخابات في مواعيدها؟، علما بأن ذلك يدخل البلاد في انتخابات مشوهة وجزئية تعيد انتاج الأزمة بشكل أعمق. هذا اضافة لرد المفوضية القومية علي مذكرة القوي السياسية الأخيرة والذي ايضا يصب في تعميق وتفاقم الأزمة، رغم ان مذكرة القوي السياسية محددة وواضحة، وبها توثيق جيّد للخروقات التي تمت مثل: تسجيل القوات النظامية في مكان العمل، رغم ان قانون الانتخابات ينص علي التسجيل في أماكن السكن، وتقليص فترة سحب الترشيحات، والمنشور الذي يقيد النشاط الدعائي للاحزاب المعارضة، وكان رد المفوضية غير مقنع، ويقدح في شفافية ونزاهة المفوضية، وفقدت ثقة الأحزاب السياسية، وهذا يشكل أزمة كبيرة، لابد من معالجتها بتكوين مفوضية جديدة مستقلة ومحايدة حقا وباشتراك القوي السياسية، حتي نضمن نزاهة الانتخابات، وهذا يؤكد ويدعم الدعوة لتاجيل الانتخابات.
وهناك حجة الحركة الشعبية برفض تاجيل الانتخابات اذا كان ذلك يؤدي الي تأجيل الاستفتاء، نقول في دحض هذه الحجة: ان الانتخابات الحرة النزيهة ، والتي ينتج عنها نظام حكم مقبول، تشكل شرطا مهما لنجاح عملية الاستفتاء والتي تتطلب الديمقراطية الواسعة وحرية الارادة والتراضي، وحتي يدعم الاستفتاء خيار وحدة السودان كما جاء في الاتفاقية، كما ان عملية التاجيل ايضا تساعد في استكمال تنفيذ اتفاقية نيفاشا المطلوبة لعملية الاستفتاء مثل: ترسيم الحدود بين الشمال والجنوب، وترسيم حدود ابيي، وتشكيل مفوضية الاستفتاء بشكل مقبول..الخ، فكيف ستتم عملية الاستفتاء بدون ذلك؟.
هذا اضافة لتحقيق مطلوبات الانتخابات الأخري التي تتمثل في الغاء قانون الأمن ومنشور المفوضية حتي لو كان غير ملزم، فما جدوي اصدار منشور غير ملزم؟، واعادة النظر في الاحصاء السكاني والسجل الانتخابي وفرص متساوية في أجهزة الاعلام.
علي ان تحقيق تلك المطالب لن يتم بدون ضغط جماهيري تقوم به قوي المعارضة ( ندوات، ومذكرات مع مسيرات....)، فالعمل والضغط الجماهيري هو السبيل المهم لتهيئة المناخ المناسب لنجاح الانتخابات وتحقيق وحدة البلاد، وقيام نظام حكم جديد منتخب يفتح الباب لتفكيك الشمولية والتحول الديمقراطي، وتحسين احوال الناس المعيشية والحل الشامل والعادل لقضية دارفور وبقية أقاليم السودان.


50

دروس أحداث ام درمان..
ما حدث في السبت 10/5/2008 ، من عنف وضحايا وخسائر واعمال ماسوية مؤسفة بمدينة ام درمان، يشكل مؤشرا خطيرا لنقل الصراع المسلح من اطراف البلاد الي العاصمة السودانية، وتتطلب الوقفة الجادة من اجل المعالجة الشاملة لجذور المشاكل التي تحيط بالبلاد ، حتي يتم سد الثغرات التي يمكن أن تنفذ منها اعمال العنف والحرب. ومعلوم أن الحرب ليست الحل لقضايا دارفور والبلاد المعقدة، ولكن الاحداث تؤكد ضرورة الحل الشامل لقضية دارفور وازالة حالة الاحتقان التي فرضتها توقيع الاتفاقيات(نيفاشا، القاهرة، ابوجا، الشرق ..الخ)، بعدم تنفيذ استحقاقاتها التي تتمثل في التحول الديمقراطي والحل الشامل لكل اقاليم السودان، والتنمية وتوفير احتياجات الناس الاساسية.
فما هي اهم دروس احداث ام درمان؟.
تؤكد الاحداث ضرورة الحل الشامل لقضايا السودان وضرورة المؤتمر الجامع لكل القوى السياسية والاقليمية لمعالجة قضايا البلاد والوصول لحل يستوعب الجميع ويزيل حالة الاحتقان. ولقد طالما نبهنا، أن الحلول الجزئية والثنائية وعدم تنفيذها، لاتحل مشاكل البلاد ، قد تهدئ الاوضاع لفترة، ولكن سرعان ما تنفجر المشاكل من جديد، وبشكل اعنف من الماضي، فليس هناك اشد مضاضة من نقض العهود والمواثيق.
تؤكد الاحداث ضرورة المزيد من الديمقراطية لامصادرتها تحت ذريعة الاحداث، وضرورة سيادة حكم القانون، وان يعلو صوت العقل والمنطق، لا تعميق النظرة الاثنية ضد ابناء دارفور واستهدافهم بلا ذنب جنوه. وحتي لا تتكرر اخطاء نظام مايو، بعد احداث يوليو 1976 ، في تعميق العداء العنصري ضد ابناء دارفور، وتعميق مشكلة دار فور، وكان ذلك وبالا علي النظام والبلاد.
لقد اكدت مسيرة الاحداث خلال السنوات الثلاث الماضية من توقيع اتفاقية نيفاشا، أن المؤتمر الوطني لم يكن جادا في تنفيذ استحقاقات الاتفاقيات، ولم يتقدم، قيد انملة، في اتجاه الغاء القوانين المقيدة للحريات ، ولم يسعي للحل الشامل والناجز لقضية دارفور حلا سلميا بدلا من الحل العسكري، بل ضرب المؤتمر الوطني عرض الحائط بوثيقة الحقوق في دستور السودان الانتقالي 2005 ، عندما صادر الحقوق والحريات الديمقراطية بمنع ندوات الاحزاب السياسية وقمع المواكب السلمية، وتشديد الرقابة علي الصحف، واطلاق النار علي المواكب السلمية (احداث بورتسودان، كجبار،..الخ).هذا اضافة لاستخدام اغلبية المؤتمر الوطني الميكانيكية في البرلمان لتمرير الميزانية وقانون الاحزاب وغير ذلك. وكان من نتائج البطء في تنفيذ الاتفاقية، أن علقت الحركة الشعبية مشاركتها في الحكومة المركزية في اكتوبر من العام الماضي بسبب عدم انجاز التحول الديمقراطي ، وعدم حل معضلة ابيي وترسيم الحدود ..الخ، مما اضطر الطرفان لاعادة جدولة الاتفاقية، ومازال سير التنفيذ متعثرا. وما زالت منطقة ابيي ملتهبة وتنذر بالخطر علي اتفاقية نيفاشا.
كل ذلك كان له اثره في رفع حالة الاحتقان، وفي مثل هذه الظروف التي تسد فيها كل منافذ التعبير عن الرأى، والمشاركة في شئون البلاد تحدث ما لاتحمد عقباه من الاعمال المنفلتة وتصبح لغة السلاح هى الاعلي. هذا ويتحمل المؤتمر الوطني المسئولية الكبيرة في ذلك ، وما عادت قضايا الوطن وتنفيذ استحقاقات اتفاقية نيفاشا والقاهرة ..الخ تحتمل التسويف والتاجيل، لأن اى تلكؤ في ذلك يعيد البلاد مرة اخري لمربع الحرب، والتي دخلت طورا جديدا بعد احداث ام درمان الاخيرة بانتقالها من اطراف البلاد الي العاصمة، مما يهدد بتمزيق وحدة البلاد وتحويلها الي صومال اخري.
تؤكد الاحداث ان اتفاقية نيفاشا ليست نهاية السياسة السودانية، ولكنها فتحت الطريق لاستمرار الصراع السياسي من اجل التحول الديمقراطي والتنمية وتحسين احوال الناس المعيشية، وتعميم نموذج نيفاشا علي كل اقاليم السودان.
كما تؤكد الاحداث ضرورة الحل الشامل لقضية دارفور، ولايمكن الحديث عن سلام شامل بدون وقف الحرب في هذا الجزء العزيز من الوطن ، اضافة الي حسن الجوار وعدم التدخل في الشئون الداخلية لدول الجوار وغيرها، كما تؤكد الاحداث ضرورة الغاء كل القوانين المقيدة للحريات والتحول الديمقراطي وقانون انتخابات ديمقراطي يفتح الطريق لانتخابات حرة نزيهة، تؤدي الي وحدة البلاد والتحول الديمقراطية والتنمية وتحسين احوال الناس المعيشية.

51

ما هي متطلبات الاستفتاء علي تقرير المصير؟
* معلوم أن تقرير المصير حق ديمقراطي انساني، يتطلب ممارسته اوسع قدر من الحريات والحقوق الديمقراطية مثل: حق التعبير والنشر والتنظيم، وحق المواطنين في الاطلاع علي كل وجهات النظر حول الوحدة والانفصال، كما يتطلب ممارسة هذا الحق حرية الارادة وبعيدا عن الضغوط والاملاءات الخارجية، كما يتطلب ايضا وجود جكومة ذات قاعدة واسعة منتخبة ديمقراطيا تعبر فعلا لاقولا عن اوسع احزاب وطبقات وفئات المجتمع.
وحسب ماجاء في اتفاقية نيفاشا، فأن تقرير المصير يأتي تتويج للتحول الديمقراطي وتوفير احتياجات المواطنين الأساسية في رفع مستوي المعيشة والتنمية مما يعزز خيار السلام والوحدة، وقيام انتخابات حرة نزيهة في نهاية الفترة الانتقالية تحت ظل مفوضية انتخابات مستقلة ومحايدة، حتي يأتي تقرير المصير تعزيزا لخيار الوحدة.
* واذا أخذنا حالة السودان الماثلة، نجد انه لم يتم الايفاء بمتطلبات ممارسة حق تقرير المصير، اذا لم يتم التحول الديمقراطي المنشود، بعدم الغاء القوانين المقيدة للحريات، واصبحت وثيقة الحقوق في دستور السودان الانتقالي لسنة 2005م حبرا علي ورق، وهذه الوثيقة في الدستور كفلت الحقوق والحريات الأساسية مثل: حق النشر والتعبير والتنظيم ومنع التعذيب والحق في التعليم والصحة..الخ. ويتضح ذلك من خلال الرقابة القبلية علي الصحف( مصادرة صحيفة (رأي الشعب) ، وتعطيل صحيفتي (الميدان) و(اجراس الحرية) من الصدور بسبب الرقابة ...الخ)، وقمع واطلاق النار علي المواكب السلمية (مواكب: البجا في بورتسودان، مواطني كجبار، متضرري سوق المواسير، طلاب جامعة الدلنج ، موكب قوي الاجماع الوطني 7/12، 14/12 /2009م، الاطباء...الخ)، هذا اضافة لممارسة التعذيب مثل: حالة الطالب محمد موسي بحر الدين حتي الموت، وتعذيب الصحفيين والاطباء المعتقلين، هذا اضافة لممارسة الاعتقال التحفظي الذي يتعارض مع الدستور الانتقالي كما في حالة معتقلي المؤتمر الشعبي( د. الترابي ورفاقه)، ومعتقلي الاطباء الذي مارسوا حق الاضراب وهو حق كفله لهم قانون النقابات لعام 2009م، وبدلا من الجلوس للتفاوض معهم للوصول لحل وتسوية يتم الاعتقال والقمع والتهديد بالفصل والتعذيب.
وتم تتويج ذلك بتزوير الانتخابات بدءا بالاحصاء السكاني والسجل الانتخابي وقيام مفوضية انتخابات غير مستقلة، وحتي اختطافها في نهاية الأمر في اكبر عملية تزوير شهدتها البلاد، وكانت النتيجة حكومة ذات قاعدة ضيّقة اصبحت ازمة في سلسلة أزمات البلاد المتفاقمة.
* من الجانب الآخر تدهورت الاوضاع المعيشية بعد توقيع اتفاقية نيفاشا، ولم تذهب عائدات النفط في الشمال والجنوب لدعم الزراعة والصناعة والتعليم وتوفير خدمات المياه والكهرباء وتوفير البنيات الأساسية، وبالتالي لم يحس المواطن في الشمال والجنوب أن تحسنا وتغيرا جوهريا طرأ علي حياته، وبالتالي لم يجني عائدات وثمار السلام ، هذا اضافة لتدهور الاوضاع في الجنوب جراء المجاعة واعتماد اكثر من 4 مليون مواطن علي الاغاثة اضافة للصدامات القبلية، وعدم رضا القوي السياسية الجنوبية عن الانتخابات والتي وصفوها بالمزوّرة، وكانت النتيجة شمولية في الجنوب مثل هو حال الشمولية في الشمال.
وهذه هي الهزيمة الثانية، وهدم ركن مهم من اركان اتفاقية نيفاشا التي بشرت بتحسين احوال الناس بما يجعل الوحدة جاذبة في النهاية وتلك المسئولية يتحملها المؤتمر الوطني في الشمال والحركة الشعبية في الجنوب.
*كما نلاحظ التدخل الاجنبي في ممارسة حق ديمقراطي يهم السودان مثل التدخل الامريكي الذي يشجع الانفصال ويستبق النتائج بالتصريحات حول الاعتراف بحكومة الجنوب المستقلة، وهذا يتنافي مع ممارسة حق تقرير المصير الذي يتطلب عدم الضغوط والاملاءات الخارجية.
*هذا اضافة لاشاعة الكراهية والفتنة مثل: منبر (السلام العادل) في الشمال تحت بصر وسمع المؤتمر الوطني الذي يبشر بالانفصال مما يتعارض مع الدستور الذي ينص علي خيار الوحدة، ونظيره من غلاة الانفصاليين في الجنوب الذين ينظمون المواكب تحت سمع وبصر الحركة الشعبية التي طالما بشرت بوحدة السودان!!!، فبدلا من التقيد بالدستور والصراع والضغط مع القوي الوطنية والديمقراطية في الشمال من اجل قيام دولة المواطنة التي تسع الجميع، ينكفئ قادة الحركة الشعبية علي انفسهم ويبشرون بالانفصال باعتباره الخيار الوحيد ، علما بان الانفصال له تبعاته ولن يكون حلا ، بل سيصب الزيت علي نار ملتهبة اصلا.اضافة الي أنهم يصورون الأمر وكانه اصبح قدرا لامرد له، وهذه نظرة ضيّقة تتنافي مع الوطنية السودانية ودستور البلاد.
* اذن في حالة السودان الماثلة والمحددة، لانجد مقومات ممارسة حق تقرير المصير: في ظل مصادرة الحريات والحقوق الأساسية في الشمال والجنوب وتدهور الاوضاع في دارفور، وتدهور الاوضاع المعيشية والفقر والمجاعة، وتوظيف اغلب عائدات النفط لسباق التسلح استعدادا لعودة الحرب، وضيق قاعدة حكومتي الشمال والجنوب والتي جاءتا بانتخابات مزوّرة، هذا اضافة الي أن المؤتمر الوطني لايمثل الشمال والحركة الشعبية لاتمثل الجنوب، ولايملكان حق تمزيق بلد ظل موحدا لقرابة القرنين من الزمان، وتمزيق وحدة البلاد كما تعلمون جريمة كبيرة لن يرحم التاريخ من يقومون بها.
* وبالتالي، يصبح المخرج من هذا المأزق هو اوسع جبهة للديمقراطية ووحدة الوطن ومواصلة الصراع من اجل انتزاع التحول الديمقراطي والحقوق والحريات الأساسية، ودولة المواطنة التي تسع الجميغ غض النظر عن الدين او العرق او اللون أو الثقافة، وتنفيذ اتفاقية نيفاشا والحل الشامل والعادل لقضية دارفور وتحسين الاوضاع المعيشية، وقيام انتخابات حرة نزيهة تتوفر كل مطلوباتها من احصاء سكاني وسجل انتخابي متفق عليه وقيام مفوضية انتخابات مستقلة، وحكومة انتقالية تشرف عليها، تنتج عنها حكومة ذات قاعدة عريضة ومعترف بها، مثل تلك الحكومة هي التي تشرف علي الاستفتاء لتقرير المصير وتجعل خيار الوحدة هو الراجح في النهاية، ودون ذلك خرط القتاد وتمزيق وحدة البلاد.


52
مخاطر انفصال جنوب السودان
لاشك أن المؤتمر الوطني يتحمل مسؤولية تمزيق السودان، وخاصة بعد انقلاب 30 /يونيو/1989م ،الذي قطع الحل السلمي بعد اتفاق الميرغني – قرنق بتعميق الاستعلاء الديني والعرقي والحرب الجهادية التي راح ضحيتها الالاف من المواطنين في الشمال والجنوب، وتكريس المواطنة من الدرجة الثانية باسم الاسلام والشريعة، ونتائج سياساته التي لم يجني منها شعب السودان غير الخراب والدمار، وحتي بعد توقيع اتفاقية نيفاشا ، كانت هناك فرصة تاريخية لتعزيز خيار وحدة السودان بتنفيذ جوهر الاتفاقية الذي يتلخص في التحول الديمقراطي وتحسين الاوضاع الاقتصادية والمعيشية وقيام انتخابات حرة نزيهة تفتح الطريق لاستفتاء حر نزيه يعزز خيار الوحدة ، كما جاء في الاتفاقية والدستور، واشراك كل القوي السياسية من خلال مؤتمر قومي جامع يسهم في الحل الشامل لمشاكل السودان ويقرر في مصير السودان بدلا من ترك ذلك لشريكين متشاكسين.
ولكن المؤتمر الوطني افرغ اتفاقية نيفاشا من محتواها ، وبقية الاتفاقات(القاهرة، ابوجا، الشرق، ..) وحولها الي وظائف ومناصب، وتم تعميق مشكلة دارفور عن طريق الحل العسكري وتعميق المأساة الانسانية حتي اصبح رأس النظام مطلوبا أمام المحكمة الجنائية الدولية والتي بدأت آثارها تظهر، ففي أقل من اسبوع لم يحضر البشير قمة الاتحاد الاوربي والافريقي في ليبيا، واحتفالات جمهورية افريقيا الوسطي بالاستقلال بسبب قرار المحكمة الجنائية. كما تواصل الحكومة سياسة العنف والحل العسكري في دارفور مثل: قمع المسيرة السلمية لطلاب جامعة زالنجي مما ادي الي مقتل طالبين واصابة آخرين بجروح ، مما يتطلب الاستنكار الواسع لهذه الجريمة، وتقصي الحقائق حولها، وتقديم الجناة الي المحاكمة.
وكان من نتائج ذلك وصول البلاد الي الأزمة الحالية التي يعمل فيها المؤتمر الوطني لتعطيل الاستفتاء، وعدم الوصول لاتفاق حول ترتيبات مابعد الاستفتاء(ترسيم الحدود، البترول، مياه النيل، المواطنة، ابيي..)، مما يهدد بالعودة الي الحرب، الشئ الذي يتطلب اوسع حملة محلية وعالمية من أجل منع العودة للحرب، والتي سوف تكون آثارها مدمرة علي البلاد ودول الجوار.
كما يواجه الاستفتاء مشاكل (لوجيستية) وعدم التحضير الكافي للبطاقات والكشوفات، مما قد يؤدي الي تأجيله، فبينما تصر الحركة الشعبية علي قيامه في مواعيده، يطالب الوطني بالتاجيل. كما يتخوف العاملون في شركات النفط من عدم الاستقرار الأمني ويلوحون باستقالاتهم لأسباب أمنية، اضافة لضعف عمليات التسجيل في الشمال والجنوب.كما يواصل شريكا الحكم تبادل الاتهامات حول تزوير الاستفتاء
كما تواصل الادارة الامريكية تدخلها ، وتدعو هيلاري كلينتون حكومة البشير لتسهيل انفصال الجنوب وحل مشكلة ابيي مقابل العفو عن الرئيس البشير من المحكمة الجنائية.
كما اصبح الصوت الانفصالي عاليا في الجنوب ويتضح ذلك من خلال دعوة الاعلام المحلي في الجنوب الي الانفصال، وغياب تام لدعاة الوحدة في الاعلام.
ومن جانب آخر تطل مخاطر انفصال جنوب السودان الداخلية والاقليمية، ففي داخل البلاد سوف يكون سابقة تؤدي الي انفصال دارفور ، والشرق، وجبال النوبا، وجنوب النيل الأزرق، اضافة لمخاطر الحرب وتدهور الاوضاع الاقتصادية في الشمال والجنوب. وعلي المستوي الاقليمي سوف يؤدي الانفصال الي ظهور حركات انفصالية في تشاد ونيجريا والكونغو، ونسف ميثاق منظمة الوحدة الافريقية التي اقرت الابقاء علي الحدود الحالية بعد الاستقلال من الاستعمار.
كما تستمر السياسات الاقتصادية والاجتماعية التي تكرس الفساد والفوارق الطبقية وفتح الجنوب للشركات متعددة الجنسيات لنهب الجنوب الغني بثرواته: الزراعية والغابية والحيوانية، والمعدنية(البترول، الذهب ، الماس....الخ)، حيث تخطط امريكا لاخراج الصين من الجنوب، وفتح الباب لشركاتها للاستثمار في مجالات الطاقة والزراعة والمقاولات، كما تنفق سنويا حوالي مليار دولار لبناء وتأهيل الجيش الشعبي وتقديم الاستشارات لشرطة جنوب السودان ، وقيام البنيات الأساسية ( الطرق مثل الطريق البالغ طوله 190 كلم والذي يربط جوبا بنمولي علي الحدود اليوغندية...)، اضافة الي تنمية القطاع الخاص بالتعاون مع وزارة التجارة.
فالجنوب به ثروات كثيرة تفتح شهية الشركات البريطانية، ومن شرق آسيا(اليابان، كوريا الجنوبية..الخ). ولكن هناك مشاكل الفساد في الجنوب وعدم الاستقرار الأمني، والمستنقعات واعتماد 40% من سكانه علي الاغاثات من الأمم المتحدة، وتطلع فئات رأسمالية طفيلية من الجنوبيين للثراء السريع عن طريق الفساد والعمولات من الشركات والمؤسسات والأفراد، ونهب قطاع الدولة.
كل ذلك يوضح المصالح الطبقية التي تكمن في الدعوة للانفصال وسط الصفوة الحاكمة وتراجعها عن شعار وحدة السودان علي اسس جديدة. وأن الانفصال مع السير في طريق التنمية الرأسمالية التابعة والتي سارت عليه البلاد منذ الاستقلال لن يحل مشاكل الجنوبيين، بل سيزداد الفقراء فقرا والاغنياء غني، اضافة لتعمق الصراعات القبلية والانقسامات الطبقية، وربما تطل اتجاهات انفصالية أخري في الجنوب، كما حدث في تجربة انفصال بنغلاديش عن باكستان عام 1972م، فالنزاعات العرقية بين الدينكا والنوير والقبائل الاستوائية سوف تطل برأسها، اضافة الي تحويل الجنوب الي قاعدة امريكية تهدد السلام والاستقرار في المنطقة.
وبالتالي، فانه لامناص من وحدة الحركة السياسية والجماهيرية في الجنوب والشمال من اجل وحدة السودان علي اسس جديدة، ودولة المواطنة التي تكرس المساواة بين المواطنين غض النظر عن الدين أو العرق أو الثقافة، وخلق اوسع جبهة من اجل استعادة الديمقراطية وازالة النظام الشمولي الذي يهدد البلاد بتمزيقها الي دويلات مما يهدد بنسف الأمن والاستقرار في المنطقة.


53
من أجل انتخابات حرة نزيهة
نصت المادة(216) من دستور السودان لسنة 2005م علي قيام الانتخابات في كل مستويات الحكم قبل نهاية العام الرابع، أي في 9/7/2009م، والان بعد أن انتهت المدة المقررة، وكما اقترحت قوي المعارضة المخرج في قيام حكومة قومية انتقالية، يكون من ضمن مهامها قيام انتخابات حرة نزيهة وتحت رقابة دولية، فما هي شروط قيام تلك الانتخابات؟.
- يأتي في مقدمة تلك الشروط الغاء كل القوانين المقيدة للحريات والتي تتعارض مع بنود الدستور، ومعلوم ان وثيقة الحقوق في الدستور الانتقالي كفلت حرية التعبير والاعلام وحرية التجمع والتنظيم وحق الاقتراع. ورغم صدور وثيقة الحقوق في الدستور الانتقالي، الا ان القوانين المقيدة للحريات مازالت سائدة وتفرغ الوثيقة من محتواها، وهذا يقف حجر عثرة أمام الانتخابات الحرة النزيهة، فالانتخابات هي اعلي قمم التنافس الحزبي، و تتطلب أن تتاح الفرص المتساوية للاحزاب أمام اجهزة الاعلام وحرية التعبير والنشر واقامة الليالي السياسية والندوات في الأماكن العامة، وحرية تنظيم المواكب والتجمعات السلمية بدون قمعها واطلاق النار عليها، اضافة الي حرية الدعاية لكل حزب، وحق الاحزاب في المشاركة والرقابة علي كل مفاصل العملية الانتخابات من لجان الانتخابات و التسجيل والطعون والترشيحات وحتي الاقتراع وعملية الفرز واعلان النتائج.
- وجود احصاء سكاني متفق عليه، لأن الاحصاء السكاني، كماهو معلوم، يلعب دورا حاسما في توزيع الدوائر الانتخابية، وبالتالي، فان الاتفاق علي الاحصاء السكاني يشكل خطوة مهمة في قيام انتخابات حرة نزيهة، علي سبيل المثال: الاحصاء السكاني الحالي غير متفق عليه وطعنت فيه الحركة الشعبية وحركات دارفور والشرق والقوي السياسية المعارضة، فكيف يكون أساسا لتوزيع الدوائر الانتخابية؟!!.
- في ظل هيمنة المؤتمر الوطني علي السلطة والثروة، كيف نضمن انتخابات حرة نزيهة؟ وبالتالي، فان ادارة العملية الانتخابية يجب أن تشرف عليها حكومة قومية انتقالية متفق عليها من القوي السياسية، فلا يمكن ان نركن للخصم والحكم.
- الحل الشامل والعادل لقضية دارفور واستتباب الأمن في الجنوب وجنوب كردفان وابيي، اذ بدون ذلك تكون هناك مصاعب أمنية تؤثر علي سير ونزاهة العملية الانتخابية، فضلا عن ان الانتخابات الجزئية مرفوضة ويكون ضررها اكثر من نفعها.
- قيام انتخابات حرة نزيهة هي ضربة لازب لنجاح عملية الاستفتاء وتقرير المصير في العام 2011م، وحتي يجئ في اتجاه الوحدة الطوعية الجاذبة، فمن شروط الاستفتاء الناجح أن يتم في ظل الديمقراطية وحرية الارادة وبدون ضغوط ومؤثرات خارجية.
- تنفيذ اتفاقية نيفاشا وبقية الاتفاقيات يزيل الكثير من الاحتقان ويفتح الطريق امام اوسع مشاركة في العملية الانتخابية ويأتي في مقدمة ذلك التحول الديمقراطي وتحسين احوال الناس المعيشية والتنمية التي تشكل الاساس المتين للسلام والوحدة الجاذبة، فما فائدة الانتخابات اذا كانت المجاعة وضنك العيش يسحقان الملايين من جماهير شعبنا؟!!.
- وأخيرا، فان الحقوق والحريات الديمقراطية ضرورية لتوعية الملايين من الشباب الذي يشارك لأول مرة في الانتخابات ولاسيما ان الانتخابات معقدة وتتم في مستويات متعددة، هذا فضلا عن ضرورة سد الثغرات في قانون الانتخابات مثل أن تكون دوائر التمثيل النسبي علي أساس الاقاليم وليس الولايات والغاء القوائم المنفصلة للنساء، والغاء نظام العتبة( شرط الحصول علي 4% من الاصوات)، ففي بلد خارجة من حروب اهلية مهم اشراك كل القوي السياسية والاقليمية مهما كانت صغيرة، ذلك ان العزل بسبب اجراءات قانونية يمكن ان يؤدي الي اندلاع الحروب من جديد.


54
هل يصلح العطار ما أفسده الدهر؟!!
مع اشراقة كل صباح جديد تزداد معاناة المواطنين تفاقما جراء الارتفاع الجنوني في الاسعار، وازدياد التضخم الذي بلغ 21 % ، فنلاحظ الزيادات المتوالية واليومية في السلع الاستهلاكية الأساسية ، علي سبيل المثال لا الحصر: ارتفع سعر جوال الأرز عبوة 25 كيلو من 124 جنية الي 134 جنية، وجوال العدس عبوة 20 كيلو من 125 جنية الي 135 جنية، وارتفع سعر كرتونة صابون الغسيل زنة 200 جرام من 22 جنية الي 28 جنية، وارتفع رطل الشاي من 8 جنية الي 12 جنية..الخ، وقس علي ذلك بقية الأسعار التي توالي ارتفاعها الجنوني يوميا. يحدث هذا بينما الأجور ثابتة في مكانها، فالحد الأدني للأجور البالغ 165جنيها حسب ما أعلنه المجلس الأعلي للأجور يغطي 12% من تكاليف المعيشة في حين أن الحد الأدني في ظل الاوضاع الحالية لعامل وزوجته وثلاثة اطفال لايقل عن 1500 جنية!!!. وبالتالي كان طبيعيا أن تنفجر مظاهرات المواطنين ضد الغلاء كما حدث في بري والثورة والعيلفون ....الخ، وسوف تزداد موجة الغضب والمظاهرات مع استمرار تفاقم الأزمة.
أما حديث وزير المالية: "بأنه يمكن تجاوز الأزمة خلال 3 سنوات( الصحافة: 13/10/ 2011م) ، نتيجة لتقليص الملحقيات الاعلامية وضوابط للعلاج بالخارج لتقليل الطلب علي علي الدولار، وتوفير السلع الأساسية لأكثر من 6 شهور، وتوقع انخفاض أسعار المواشي خلال الفترة القبلة مشيرا الي استيراد أعداد كبيرة من المواشي الأثيوبية مع رفع أعباء الجمارك والضرائب عنها"، فهو حديث للاستهلاك ويعبر عن الأزمة العميقة التي يعيشها النظام الذي افلس تماما ، وليس هناك بديل غير اسقاطه لفتح الطريق لحل الأزمة.
فالازمة الاقتصادية في ظل الاوضاع الراهنة سوف تزداد تفاقما جراء الصرف الباهظ علي الحرب التي باتت تشمل ثلاث مناطق ( دارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان)، وجراء الصرف البذخي علي جهاز الدولة المتضخم ، والصرف المتنامي علي أجهزة الأمن والقمع التي تمتص اكثر من 60% من الميزانية، وكان من المفترض الحديث عن وقف الحرب في تلك المناطق وتحويل نفقاتها التي تقدر بمليارات الجنيهات السودانية الي توفير احتياجات المواطنين الأساسية ودعم السلع الأساسية وتخفيف اعباء الضرائب والجبايات عنها، وتوفير خدمات التعليم والصحة والمياه والكهرباء، ودعم القطاع الزراعي لضمان توفير القوت الضروري للناس. فالحرب التي اندلعت أخيرا في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق كان لها الأثر السالب علي القطاع الزراعي والموسم الزراعي هناك جراء فرار المزارعين وشح الأيدي العاملة، ولاسيما أن الحرب تزامنت مع بدء المزارعين في عمليات التحضير للزراعة التي وصلت لمرحلة" الكديب"، وبالتالي لانتوقع موسما زراعيا ناجحا هناك مما سيؤدي الي المزيد من معاناة المواطنين جراء شبح المجاعة الذي يخيم علي البلاد. ولأكثر من 20 عاما ظل شعب السودان يسمع مثل تلك الوعود منذ الشعار الذي الذي اطلقه النظام في بداية انقلابه" نأكل مما نزرع ونلبس مما نصنع"، وحدث العكس حيث دمر النظام المشاريع الزراعية التي كانت تساهم في دعم الاقتصاد الوطني وتوفير قوت المواطنين الضروري مثل مشروع الجزيرة ومشاريع النيل الأبيض والأزرق ومشروع حلفا الجديدة.
كما تم تدمير صناعة النسيج وغيرها من الصناعات، وتبخر هذا الشعار "فلا اكلنا مما نزرع ولا لبسنا مما نصنع"، وذهب الشعار مع الريح.
وحتي عندما توفر عائد من البترول يقدر ب 52 مليار دولار في الفترة (1999 – 2010م )، لم يتم تخصيص جزء منه لدعم القطاعين الزراعي والصناعي. وتم تحويل جزء كبير منه لجيوب الرأسماليين الطفيليين الاسلامويين وللصرف البذخي ومنصرفات الأمن والدفاع، حتي تم تقليص هذا المورد الي 75% بعد انفصال الجنوب، ووجد النظام نفسه في دوامة هذه الأزمة العميقة التي ستؤدي الي هلاكه كما اهلكت الذين كانوا قبله من الجشعين والفاسدين والظالمين.
اضافة للأزمة الاقتصادية والمعيشية الطاحنة تعاني السلطة ومكوناتها من صراعات داخلية مثل ماحدث في مؤتمر المرأة وما حدث في ولاية نهر النيل من تشابك بالايدي بين أعضاء المؤتمر الوطني، وكذلك حديث البشير الذي يعبر عن الأزمة لطلاب المؤتمر الوطني مثل: تكوين لجنة لمكافحة الفساد، وهيئة لمساعدة الخريجين الجدد في العثور علي وظائف. فهو حديث للاستهلاك المحلي، وقيل علي شاكلته الكثير الذي لم يجد طريقه الي الواقع.
أما حديث البروفسير ابراهيم أحمد عمر مستشار رئيس الجمهورية الذي وجهه لمؤتمر القطاع السياسي للحزب الحاكم لتصحيح المسار وتقييم الحوار مع المعارضة، وأشار فيه الي ضرورة المراجعة والاصلاح..الخ، فهو ايضا يعبر عن الأزمة العميقة التي تحكم الخناق علي النظام. فطبيعة هذا النظام وعقليته الشمولية والاقصائية كما اكدت التجربة تتناقض مع تصحيح المسار. لقد اهدر النظام فرصا كثيرة كانت يمكن أن تخرج البلاد الي بر الأمان وتحافظ علي وحدة البلاد. ولكنه نقض العهود والمواثيق في اتفاقيات ( نيفاشا والقاهرة وابوجا والشرق..الخ)، وكانت ممارساته خلال الست سنوات الماضية من عمر اتفاقية نيفاشا سالبة وطاردة ادت الي انفصال الجنوب، اضافة الي تزوير الانتخابات العامة التي رفضت نتائجها كل القوي السياسية حتي التي لم تقاطعها، وكذلك اختياره للحل العسكري الذي زاد أزمة دارفور عمقا وكانت المأساة الانسانية هناك. كما نقض النظام العهود والمواثيق ، وكانت النتيجة اندلاع الحرب في جنوب كردفان والنيل الأزرق، ومتوقع اندلاعها في الشرق وبين الشمال والجنوب بعد قرار النظام بعدم الانسحاب من ابيي بعد اكتمال القوات الاثيوبية. وكذلك فشل النظام في تكوين مهزلة الحكومة العريضة ورفض الحزبين( الأمة والاتحادي) حتي الآن في المشاركة الصورية.
وخلاصة الأمر لن يصلح العطار ما أفسده الدهر، فأزمة النظام اصبحت عميقة وتتفاقم يوميا، واصبحت الحياة لاتطاق تحت ظله، ولابديل غير اسقاطه وقيام حكومة انتقالية مهامها: انجاز التحول الديمقراطي والغاء كل القوانين المقيدة للحريات، وعقد المؤتمر الدستوري الذي يقرر شكل الحكم في البلاد، ورد المظالم باصدار قرار بارجاع المفصولين، وحل الضائقة المعيشية ودعم السلع الأساسية وقيام المؤتمر الاقتصادي الذي يضع الحلول لوقف الانهيار الاقتصادي. وانجازالحل الشامل والعادل لقضية دارفور، ووقف الحرب في جنوب كردفان وولاية النيل الأزرق وانجاز المشورة الشعبية فيهما، والحل العادل والشامل لمشكلة ابيي استنادا لتراضي قبائل المنطقة، وحل قضايا ما بعد الانفصال مع دولة جنوب السودان وقيام شراكة استراتيجية تفتح الطريق لتوحيد الوطن علي أساس دولة المواطنة: الدولة المدنية الديمقراطية التي تسع الجميع غض النظر عن الدين أو الجنس أو اللون أو اللغة أو الثقافة..الخ، وقيام انتخابات حرة نزيهة في نهاية الفترة الانتقالية.

55
هل يمكن ان يكون الانفصال سلسا وجاذبا؟!!
مع اقتراب الاستفتاء علي تقرير المصير لجنوب السودان حسب ماجاء في اتفاقية نيفاشا تعالت اصوات قادة المؤتمر الوطني الداعية للانفصال، ففي تصريح للدرديري محمد أحمد القيادي بالمؤتمر الوطني جاء قوله: (أن الانفصال اصبح واقعا، وأن الفرصة لاتسمح بالوحدة الطوعية، وأن المواطن الجنوبي سيصوت للانفصال وان اتفق الشريكان)، واختتم حديثه بقوله( الفرصة أمام الشريكين لاتسمح بالوحدة الطوعية، وانما لانفصال طوعي سلمي جاذب وسلس، يجنب البلاد العودة لمربع الحرب)( سوادنيز اون لاينز: 9/1/2010 م). وبالتالي، يكون المؤتمر الوطني قد عبر بوضوح عن رغبته الدفينة لفصل الجنوب، بوهم انه يمكن أن ينفرد بحكم الشمال.وهل في الانفصال خير للشمال والجنوب؟!!، وهل يمكن أن تقوم دولتان، بارث تاريخي من الضغائن والاحن طويل وممتد، واسهم في تعميقه نظام الانقاذ، في جوار أخوي مع مشاكل الحدود و قبائل التماس؟. وهل يمكن أن يكون الانفصال سلسا وجاذبا ويجنب البلاد العودة لمربع الحرب؟.
لايمكن تناول قضية الانفصال بمعزل عن الاوضاع التي ادت الي المأزق الحالي تحت ظل نظام الانقاذ الشمولي الذي قطع الحل السلمي الديمقراطي بعد مبادرة الميرغني – قرنق بانقلاب يونيو 1989م، وأشعل حربا دينية كان ضحاياها الالاف من القتلي والجرحي والمشردين من ديارهم، وامتدت الحرب الدينية لتشمل دارفور وجبال النوبا وجنوب النيل الأزرق والشرق، وماتبعها من ابادة وتدمير للقري وتعطيل للتنمية وتعميق التهميش الثقافي والديني واللغوي والقومي، وبالتالي، فان هذا النظام يتحمل مسئولية تاريخية عن تلك الجرائم التي ارتكبها والتي لن تسقط بالتقادم، كما يتحمل المسئولية التاريخية في تمزيق اوصال البلاد.
قطع نظام الانقاذ التطور والتماذج الطبيعي الذي كان جاريا بين قبائل وشعوب السودان وثقافاته المتعددة والمتنوعة والذي نتج منه شئ جديد ( علي سبيل المثال عربي جوبا)، جاء نظام الانقاذ بافكاره الاقصائية والاستعلائية في ممارساته القائمةعلي القمع سياسيا، والنهب اقتصاديا، أي احتكار السلطة والثروة، بهدف التمكين له في الأرض لأطول فترة ممكنة، واستهداف كل المؤسسات التي كانت ترمز لوحدة السودان مثل: الخدمة المدنية والقوات النظامية وقومية نظام التعليم، والسكة الحديد ومشروع الجزيرة وميناء بورتسودان وتدمير المشاريع الانتاجية الصناعية والزراعية وتشريد الالاف من اعمالهم، وضرب الاحزاب الكبيرة والعمل علي تفتيتها، وضرب الرأسمالية السودانية المنتجة من غير المنتمين لنظام الانقاذ وتجفيف مصادرها المالية بقرارات تغيير العملة عام 1991م و بعد كشف حساباتها، واقامة نظام أمني استند علي القمع وتعذيب المعتقلين السياسيين والنقابيين، واقتلاع الالاف من السودانيين للعمل في الخارج واللجوء السياسي، وتم افراغ البلاد من كل كفاءتها وعقولها والتي صرف عليها شعب السودان من دمه الملايين من الدولارات.
وفي الجانب الايديولوجي فرض هذا النظام مناهج للتعليم عقيمة تجاهلت التنوع الديني والثقافي واللغوي في السودان، وكرّس الأحادية والعنف في الحياة الطلابية بعد أن افرغها من كل الانشطة الثقافية والسياسية المبدعة.
كان من نتائج تدمير المجتمع المدني باحزابه ونقاباته ومؤسساته الاجتماعية والاصلاحية، أن تراجع المجتمع الي التعصب والتفتت القبلي والذي انعكس حتي علي التعيين في الخدمة العامة، وتكريس الصراع القبلي وتفتيت وحدة القبائل الكبيرة وتعميق التناحرات داخلها كما حدث في دارفور والشرق..الخ.
وبالتالي، فان الحل ليس في الانفصال وتفتيت وحدة البلاد، بل في خلق اوسع جبهة من كل الأحزاب المعارضة ومنظمات المجتمع المدني وقبائل وشعوب السودان من اجل اقتلاع هذا النظام الشمولي الديكتاتوري الذي كان سببا في كل هذه المآسي باسم تصور استعلائي ايديولوجي ديني ضيّق، واقامة دولة المواطنة التي تسع الجميع، وتستوعب كل التنوع الديني والثقافي واللغوي والسياسي والفلسفي في البلاد. يكمن الحل في التنمية المتوازنة والحكم الذاتي الديمقراطي الفدرالي لأقاليم السودان والتوزيع العادل للسلطة والثروة، وتكامل أقاليم السودان المختلفة، عكس الانفصال والتشرذم الذي يحرم أقاليم السودان الاستفادة من ثروات ألسودان المتعددة والمتنوعة. هذا فضلا عن ان انفصال الجنوب سوف يؤدي الي انفصال أقاليم أخري في ظل قهر نظام الانقاذ مثل: دارفور والشرق والنوبة في الشمال، ويفجر مشاكل ابيي وجبال النوبا وجنوب النيل الأزرق، هذا اضافة لاستحالة فصل التداخل والتماذج الذي تم بين المسيرية ودينكا نقوك في ابيي لعشرات السنين، اضافة للتوتر علي الحدود والذي بدأ منذ الان برفض المسيرية لقانون استفتاء ابيي وقرار محمكمة لاهاي، وبالتالي لانتوقع انفصالا سلسا وجاذبا وجوارا أخويا، وانما نتوقع حربا دائمة وعدم استقرار وتوتر.
هذا اضافة للآثار السالبة الأخري للانفصال مثل: وقف الاندماج الطبيعي والطوعي الذي كان سائدا بين الشماليين والجنوبيين والذي نلحظه في تواجد الجنوبيين في أقصي شمال السودان، مما يوضح ان المشكلة ليست بين المواطنين الشماليين والجنوبيين وانما المشكلة تكمن في الاستعلاء الديني والعنصري والذي عمقه وكرّسه نظام الانقاذ، وحتي في ذروة الحرب كانت هناك اعداد كبيرة من الجنوبيين تنزح الي الشمال مما يوضح عمق الأواصر القوية بين الشماليين والجنوبيين، وكما أشار الكثير من المواطنين الجنوبيين في استطلاعات صحفية: ماهو مصير الجنوبيين الذين ولدوا في الشمال ولم يروا الجنوب بعد الانفصال؟ وهل المشكلة بين الشماليين والجنوبيين ام مشكلة الشماليين والجنوبيين مع نظام المؤتمر الوطني الذي يرفض دولة المواطنة، ويصرّ علي نظام ايديولوجي وفهم ضيّق للدين يعامل الجنوبيين كمواطنين من الدرجة الثانية؟.
جانب آخر يتعلق بالارث الثقافي والحضاري لشعب السودان الممتد منذ ممالك كرمة ومروي والنوبة المسيحية وممالك الفونج والفور والذي اصبح جزءا من تاريخ السودان الوطن الواحد والذي يعكس التنوع التاريخي والثقافي والذي يشكل عاملا للوحدة اكثر من الانفصال، كيف ستنعامل مع هذا الارث في ظل الانفصال والتشرذم؟ فقوة السودان ووحدته تكمن في تاريخه وأرثه الثقافي المتنوع، اضافة لتنوع موارده الاقتصادية، هذا اضافة للآثار الأخري التي طرحها الخبراء بعد الانفصال مثل ماهو مصير ديون السودان التي بلغت 34 مليار دولار؟ ومن الذي يمثل السودان ويحمل اسمه في المنظمات الدولية؟ وكيف سوف يجد بترول الجنوب طريقه للتصدير في ظل عدم وجود منفذ للبحر دون ان يتعرض للابتزاز من الدول المجاورة، اضافة الي مشاكل اقتسام مياه النيل، وغير ذلك من مشاكل الانفصال، وبالتالي لايمكن أن يكون الانفصال سلسا وجاذبا.
فبدلا من تكريس الجهد لبناء دعائم الوحدة وتحقيق مطلوباتها فيما تبقي من وقت ينادي المؤتمر الوطني بالانفصال وتدمير السودان من أجل ان يبقي علي سدة الحكم.


56
التزوير الفاضح الكبير
والذي خبث لايخرج الا نكدا..
وأخيرا اطمأن قلب الذين شاركوا في الانتخابات، وانكشف المستور والتزوير الفاضح الكبير للانتخابات، ولم يكن ذلك غريبا، فالحركة الاسلامية في السودان منذ ان نشأت قامت علي التزوير والذي يعتبر عبادة، والارهاب والعنف ومساندة الانظمة الديكتاتورية، حتي انفردت بالسلطة في ديكتاتورية قامت علي القمع والعنف والنهب والتزوير والكذب، في اسوأ نظام ديكتاتوري فاشي عرفه تاريخ البلاد، ادخلت الحركة الاسلامية العنف في الحياة السياسية بدءا من الحياة الطلابية(مصادرة حرية النشاط الفكري، الهجوم علي المعارض والمهرجانات الثقافية والهجوم علي معرض الكتاب المسيحي، وحرق الجامعة الأهلية، وعمل التشكيلات المسلحة لارهاب الطلاب...الخ) حتي تم تتويج ذلك بانقلاب 30 يونيو 1989م والذي ادخل البلاد في موجة من العنف والارهاب وتشريد اكثر من350 الف من المعارضين السياسيين والنقابيين، واعتقال وتعذيب الالاف في بيوت الاشباح سيئة السمعة،وافقار الشعب الشعب السوداني حتي بلغت نسبة الفقر 95%، وتدمير الانتاج الزراعي والصناعي وخصخصة السكة الحديد ومشروع الجزيرة وبقية المشاريع الزراعية، وتعميق حرب الجنوب واعطاءها الصبغة الدينية حتي اتسعت الحرب لتشمل دارفور والشرق وجنوب النيل الازرق وجبال النوبا، وحتي اصبحت البلاد علي شفا جرف هار من التمزق بانفصال الجنوب ودارفور وجنوب النيل الأزرق وجبال النوبا.
كما للحركة الاسلامية علي اختلاف مسمياتها(الأخوان المسلمين، جبهة الميثاق الاسلامي، الجبهة القومية الاسلامية، المؤتمر الوطني...الخ) تقاليد راسخة في عملية التزوير والكذب والمراوغة( يعطيك من ظرف اللسان حلاوة ويروغ منك كما يروغ الثعلب)، فهم علي سبيل المثال لا الحصر: الذين خرقوا الدستور وحلوا الحزب الشيوعي وطردوا نوابه من البرلمان وادخلوا البلاد في فتنة دينية ودستورية دمرت البلاد بانقلاب 25 مايو 1969م، وهم الذين دخلوا في مصالحة مع نظام نميري في اسوأ ايامه التي طبق فيها قوانين سبتمبر 1983 م التي اذلت الشعب السوداني، وخلقت فتنة دينية وصبت الزيت علي حرب الجنوب وزادتها اشتعالا، وتم اعدام الاستاذ محمود محمد طه في ابشع حادث اغتيال سياسي في تاريخ البلاد باسم الدين، وهم الذين خزنوا العيش عن طريق بنوكهم المسماة زورا اسلامية في مجاعة 1983 وحققوا منها اعلي الارباح، وزورا انتخابات 1986م، وادخلوا 51 نائبا ورغم ذلك قامت انتفاضة ديسمبر 1988م التي وضعتهم في حجمهم الحقيقي ، واسرعوا في مصادرة الديمقراطية بانقلاب 30 يونيو 1989م الذي قام علي التزوير والخداع كما شهد شهود من اهلهم ( الترابي، علي الحاج، المحبوب عبد السلام....الخ)، وعن طريق الغدر والخداع اعدموا 28 من شهداء رمضان، ونقضوا العهود والمواثيق، وسلموا الذين استجاروا بهم وجلبوهم للبلاد من الارهابيين قبل وبعد احداث 11 سبتمبر 2001م، وتعاونوا تعاونا كاملا كما اشارت مندوبة الخارجية الامريكية مع المخابرات الامريكية في هذا الجانب.
وهم الذين ابرموا العهود والمواثيق ونقضوا غزلهم انكاثا، بعدم تنفيذ اتفاق السلام مع الخارجين علي الحركة الشعبية 1997م، واتفاق حيبوتي مع حزب الأمة واتفاقية نيفاشا واتفاق جدة الاطاري والقاهرة وابوجا والشرق، والتراضي الوطني..الخ، ويخططون الآن كما أشار ياسر عرمان الي تزوير الاستفتاء في جنوب السودان، وانهم كما قال علي ابن ابي طالب رضي عنه في معاوية ليسوا اذكي واشجع منا ولكنهم يغدرون، انه نظام شيمته الغدر.
هذا النظام الذي خلق الفتنة الدينية وعمل علي شق الاحزاب الكبيرة باستخدام ( سيف المعز وذهبه) والصفقات المريبة ، واستغلال تعطش بعض الفئات الرأسمالية في الاحزاب الكبيرة لاستعادة وضعها في السوق وفي المجالس التشريعية القومية والولائية، بعد ان افقرها وجفف كل مصادرها المالية ، واصبح يتعامل معها علي طريقة(جوع كلبك يتبعك)، وفي النهاية لن تجني تلك الفئات التي تثق في المؤتمر الوطني غير الخداع والسراب ، كما يستخدم هذا النظام آلة دعائية ضخمة تقوم علي التضليل والكذب من حارقي البخور من فئات المثقفين الذين عملوا مع الانظمة الشمولية السابقة، ويستخدمهم كابواق في الهجوم علي المعارضة وتحميلها مسئولية فشل الانتخابات، علما بأن الذي فوت علي البلاد فرصة تاريخية في قيام انتخابات حرة نزيهة هو المؤتمر الوطني، الذي شرع في التزوير بدءا من الاحصاء السكاني ومصادرة الحقوق والحريات الاساسية ، وتزوير السجل الانتخابي ، وقيام مفوضية انتخابات تابعة للمؤتمر الوطني واحتكار اجهزة الاعلام، وابرام الصفقات مع بعض الاحزاب حتي تشارك في جريمة اعطاء الشرعية للنظام في الانتخابات المزورة.
وحتي الاحزاب والشخصيات المستقلة التي دخلت الانتخابات اقرت بالتزوير الذي شمل: تغيير الرموز للمرشحين، والحبر المغشوش، والاخطاء الادارية الفادحة والقاتلة والتي لايمكن ردها الي الصدفة، بل الهدف منها خلق اجواء مناسبة للتزوير( تنظيم التزوير من خلال الفوضي، مع الاعتذار لنظرية الفوضي في الفيزياء التي تقر الانتظام داخل القوضي-الكايوس _)، وعدم سرية التصويت وتصويت القصّر( اقل من 18 سنة)، وطرد المراقبين من حراسة الصناديق، والبلاغات الكثيرة عن صناديق ملآي بالبطاقات، وسقوط اسماء الالاف من المسجلين، وضعف الاقبال علي التصويت، والكذب بالاعلان ان نسبة التصويت وصلت الي 80% ، في حين انها في احسن الفروض لاتتجاوز نسبة ال 38%، كل تلك الخروقات والتي ذكرناها علي سبيل المثال لاالحصر ادت الي اعلان عدد من الاحزاب المشاركة ببطلان الانتخابات وطالبت بالغائها، كما انسحب ععد كبير من المستقلين وبعض الصحفيين، ورفع البعض قضايا دستورية(المرشح المستقل سليمان الأمين)، اضافة لتصريحات حاتم السر وينق نيال، بان التزوير الذي تم لاسابق ولامثيل له، اضافة للتهديد والاعتقالات وتجاهل المفوضية للشكاوي والاعتراضات، واقرار المفوضية نفسها بالخلل الفني والاداري مما نسف حديثها قبل الانتخابات بانها مستعدة تماما للعملية الانتخابية، وكما أشار تجمع القوي الوطنية المشاركة في الانتخابات في مؤتمره الصحفي (الاتحادي الاصل، والشعبي والمؤتمر السوداني والتحالف السوداني) الي عدم اهلية المفوضية، وخروقات وتزوير وانحياز عدد كبير من موظفي المفوضية للمؤتمر الوطني، كما طالبت في مذكرتها بالغاء الانتخابات في كل مستوياتها، وعدم وجود سجل انتخابي يضبط عملية التصويت، اضافة لانسحابات من مرشحي الاتحادي الاصل في كسلا ونهر النيل(السوداني: 13/4/2010)، كما طالب عبد العزيز خالد المرشح لرئاسة الجمهورية بايقاف الانتخابات، اضافة للاعلان المبكر لنتيجة الانتخابات من قبل مرشحي الوطني كما حدث في الدائرة(1) ابوحمد مما ادري لرفع قضية من قبل المرشح المستق صلاح كرار( الحرية: 14/4/2010)، كما طالبت غالبية مرشحي الاتحادي الاصل بالانسحاب بسبب التجاوزات والتزوير الفاضح، ولكن محمد عثمان الميرغني تمسك بالمضي في العملية الانتخابية حتي النهاية، واتخاذ موقف بعد الانتخابات!!( الحرية14-4-2010م)، والامثلة كثيرة لاحصر لها تؤكد ان الانتخابات مزورة ، كما اعلنت قوي المعارضة التي قاطعت انها لن تعترف بنتيجة تلك الانتخابات وطالبت بالغاء تلك المهزلة، وقيام انتخابات حرة نزيهة.
وبعد ان انكشف زيف الانتخابات وضعف المشاركة فيها وعزلة النظام يدعو غازي صلاح الدين علي لسان المؤتمر الوطني القوي التي قاطعت الانتخابات للمشاركة في الحكومة القادمة، في مواصلة للعبة المؤتمر الوطني في تفتيت الاحزاب وجعلها متوالية واقمار تابعة كما اكدت تجربة المشاركة في السلطة التنفيذية والتشريعية بعد توقيع اتفاقية نيفاشا، انها مشاركة الهيمنة التي وضح خطلها وزيفها، فالمؤتمر الوطني ورئيسه يبحثون عن شرعية مفقودة لن يجدوها.
والبديل لحكومة التوالي والاقمار التابعة هو اعادة مهزلة الانتخابات الحالية ، واعادة النظر في الاحصاء السكاني والسجل الانتخابي والحل الشامل لقضية دارفور وقيام مفوضية انتخابات مستقلة ومحايدة، وحكومة انتقالية تشرف علي الانتخابات، وحرية الاعلام والغاء كل القوانين المقيدة للحريات وعلي رأسها قانون الأمن، وم شأن تلك التدابير هي التي تضمن قيام انتخابات حرة نزيهة، تنتج عنها حكومة ذات قاعدة عريضة تفتح الطريق لتفكيك الشمولية والتحول الديمراطي ووحدة الوطن، ودون ذلك خرط القتاد، وعقلية المؤتمر الوطني الشمولية والاقصائية لايمكن أن تلد ديمقراطية، والذي خبث لايخرج الا نكدا..


57
ومازال التعذيب والاغتيال السياسي مستمرا
وجدت جريمة اختطاف الطالب الشهيد محمد موسي عبدالله بحرالدين الطالب بكلية التربية جامعة الخرطوم وتعذيبه حتي الموت استنكارا واسعا من القوي السياسية المعارضة والتنظيمات الطلابية ومنظمات حقوق الانسان، وهي جريمة تتعارض مع اخلاقيات وتقاليد بلادنا. وكان تشييع الفقيد مهيبا شاركت فيه القوي السياسية المعارضة وجماهير الطلاب، رغم حصار قوات الأمن لمكان التشييع والمقابر وارغام أهل الفقيد بعدم الدفن في مقابر الصحافة وشرفي والخوف والهلع حتي من موكب التشييع الهادر، أنه نظام ترسخ في ذهنه أنه لوقتل المعارضين جميعا لحاربته المقابر!!، وبالتالي لم يكن مستغربا محاصرة المشيعيين في مقابر الثورة الحارة(54). وعبثا يحاول قادة المؤتمر ايهام الرأي العام أن المعارضة قامت بتسيس قضية اغتيال الطالب( تصريح د. محمد مندور الصحافة: 16/2/2010م)، وكأنما جماهير شعبنا لم تنس الجرائم التي ارتكبها هذا النظام منذ استيلائه علي السلطة في 30/يونيو/ 1989م، بدءا من تعذيب الطبيب الانسان علي فضل حتي الموت، والاغتيالات السياسية التي تعرض لها طلاب جامعة الخرطوم مثل: بشير الطيب، والتاية ابوعاقلة، ومحمد عبد السلام وطارق محمد ابراهيم، والطالب من جامعة الجزيرة: معتصم ابوالعاص، والذين ذهبت دماءهم الزكية ضحية لهذا العنف، والذي اصبح من سمات هذا النظام واستمر العنف وانتهاك حقوق الانسان حتي بعد توقيع اتفاقية نيفاشا مثل جريمة اطلاق النار علي موكب سلمي لابناء البجا في بورتسودان، واطلاق النار علي مواطني امري وكجبار، وقمع المواكب السلمية، كل ذلك يؤكد أن طبيعة النظام القمعية لم تتغير، كما تم اجازة قانون الأمن الذي يبيح الاعتقال التحفظي ويطلق يد الأمن في قمع المواطنين.
ان جريمة اغتيال الطالب محمد موسي تتعارض مع دستور السودان الانتقالي لعام 2005م الذي كفل حق الحياة ومنع التعذيب، كما تتعارض مع المواثيق الدولية لحقوق الانسان، وبالتالي لابد من ملاحقة الجناة وتقديمهم للعدالة، والضغط الجماهيري من اجل الغاء قانون الأمن والقوانين المقيدة للحريات، باعتبار ذلك من شروط قيام الانتخابات الحرة النزيهة.
لقد تزامنت تلك الجريمة مع بداية تدشين الحملة الانتخابية للمؤتمر الوطني والذي مارس نظامه القهر والعنف لأكثر من عشرين عاما، فماذا نتوقع منه مرة أخري غير السير في طريق مصادرة الحقوق والحريات الأساسية والقمع؟!!.
أكدت هذه الجريمة ايضا ضرورة الحل العادل والشامل لقضية دارفور ووقف الحرب والانتهاكات في دارفور والتي وصلت حتي كلية التربية بجامعة الخرطوم باغتيال الطالب محمد موسي، والذي ينتمي الي الحركة الشعبية المتحدة لدارفور، وباعتبار أن حل قضية دارفور من مطلوبات قيام انتخابات في كل انحاء السودان وحرة نزيهة.
كما تطرح ايضا ضرورة وقف أعمال العنف والاختطاف والتعذيب الذي يتعرض له ابناءنا الطلاب في الجامعات، والتي اصبحت من السمات السالبة والمخيفة فيها، وازدادت بعد انقلاب يونيو 1989م، وضرورة المحافظة علي ارواح الطلاب وممتلكات الجامعات، وان تعود الجامعات لسيرتها الولي كساحات للحوار وحرية الفكر والعمل السياسي وحرية البحث العلمي والأكاديمي، وهذا يتطلب عقد مؤتمر جامع يضم الطلاب والاساتذة والقوي السياسية والتربويين من اجل حياة جامعية وطلابية خالية من العنف والاختطاف والتعذيب والقتل وحرق وتدمير ممتلكات الجامعات والتي هي بلاشك ممتلكات الطلاب والشعب السوداني التي بناها بعرقه.


58
أحداث الفاشر:
نصب واحتيال واطلاق النار علي الضحايا !!!!.
ماحدث في الفاشر يوم الأحد: 2-5-2010م، يؤكد مرة أخري الطبيعة الدموية لهذا النظام وممارساته القمعية المعادية لحقوق الانسان والتي اصبحت ممارسة يومية منذ أن جاء الي السلطة في انقلاب يونيو 1989م، والذي جدده بانتخابات مزورة، فاذا كان حقا أن هذا النظام كما أشار في دعايته أنه جاء بشرعية جماهيرية كبيرة، فلماذا تطلق قوات الأمن النار علي مظاهرة سلمية تتكون من حوالي الف من المواطنين الذي تضرروا من ازمة سوق الرهن المنهار التي تسمي بأزمة سوق( المواسير)؟!!!. فتحت قوات الأمن النار علي المواطنين العزل، وتضاربت الأنباء حول القتلي والجرحي، ففي تقدير وكالة (رويتر) بلغ عدد القتلي( 14)، وعدد الجرحي يتراوح مابين(30- 40) ، ولكن مصادر أخري( صحيفة: أجراس الحرية:3-5-2010م ) قدرت عددالقتلي (22)، وتجاوز عدد الحرجي(43)، مواطنا.
وتأتي هذه الجريمة كحلقة في سلسلة جرائم الانقاذ في دارفور من انتهاكات لحقوق الانسان، وجرائم الحرب والتي ادت الي المطالبة بمثول البشير أمام محكمة الجنايات الدولية.
وكذلك علي سبيل المثال لا الحصر: جرائم التعذيب حتي الموت في بيوت الأشباح سيئة الصيت، واطلاق النار علي الموكب السلمي للبجا في بورتسودان ، وعلي موكب مواطني كجبار السلمي، مما ادي الي قتلي وجرحي، وكذلك حادث اغتيال الطالب معتصم ابوالعاص ومحمد موسي بحرالدين بعد تعذيبه بوحشية، وقمع المواكب السلمية لقوي المعارضة في 7- 14/ديسمبر 2009م...الخ كل ذلك يوضح أن طبيعة النظام القمعية لم تتغير.
ونظام بهذه الطبيعة سوف يزيد مشاكل البلاد تعقيدا، بسبب القمع والفساد المدعوم من السلطة( حاميها حراميها)، فالنصابين الذين نهبوا اموال المواطنين والتي تقدر ب 450 مليون جنية تابعين للمؤتمر الوطني وكانوا مرشحين باسمه، وفازوا في الانتخابات المزورة الأخيرة.
اننا نستنكر هذه الجريمة التي تتعارض مع دستور السودان الانتقالي لعام 2005م، ومع مواثيق حقوق الانسان، ونطالب بمحاكمة المسئولين عن هذه الجريمة، وتكوين لجنة لتقصي الحقائق حول أزمة سوق (المواسير) والتعويض العادل لضحايا السوق ، وذلك هو المدخل السليم لمعالجة تلك الأزمة التي تمت تحت بصر وسمع وعلم المؤتمر الوطني.

59
كيف نزيل العقبات أمام الوحدة الطوعية للوطن؟
من نواقص تنفيذ اتفاقية نيفاشا أن تأخر ترسيم الحدود والذي كان من المفترض اتجازه بحلول يوليو 2005م، وكان من نتائج هذا التأخير أن تصاعد الخلاف بين الشريكين(الحركة والمؤتمر الوطني) حول الاستفتاء: هل يتم قبل الترسيم حتي لو تأجل الاستفتاء كما يري المؤتمر الوطني ام يتم الاستفتاء في مواعيده حتي ولو لم يتم ترسيم الحدود كما تري الحركة الشعبية؟. ولكن الأمر ليس بهذه البساطة: أن يتم الاستفتاء بدون الاتفاق علي الحدود وخاصة أن المناطق المتنازع عليها مثل:ابيي وحفرة النحاس..الخ، غنية بالموارد النفطية والمعدنية والطبيعية، وبالتالي يكون من الوهم اذا تصورنا في حالة وقوع الانفصال، أن يكون سلميا في ظل التنازع حول هذه المناطق.
من العقبات ايضا، لم يتم تنفيذ قرار محكمة لاهاي حول ترسيم حدود ابيي، وعدم انشاء مفوضية استفتاء ابيي والذي من المفترض أن يكون متزامنا مع استفتاء الجنوب، اضافة لحركة توطين القبائل في شمال ابيي في مناطق دينكا نيقوك، وكلها مشاكل تقف حجر عثرة في قيام الاستفتاء في مواعيده، اضافة لعدم الاتفاق حول الأمين العام لمفوضية استفتاء الجنوب وعدم بدء التسجيل واعداد البطاقات.
وهناك ايضا مشاكل عدم الاستقرار الأمني التي تتمثل في الاشتباكات القبلية والصراع حول الموارد والماشية ومشاكل (المجاعات)، واتهام الحركة الشعبية للمؤتمر الوطني بأنه وراء عدم الاستقرار الأمني بهدف نسف عملية الاستفتاء، وكذلك تخوف المؤتمر الوطني من الجيش الشعبي في نسف مصداقية الاستفتاء.
ومن العقبات ايضا مصادرة الحريات وكبت الاصوات المنادية بالوحدة في الجنوب مما يتعارض مع نزاهة وشفافية الاستفتاء، وقد احسن المكتب السياسي للحركة الشعبية صنعا في اجتماعه بجوبا: الفترة(13- 16/8/2010م)، عندما اكد في قراراته بأن تضمن المفوضية في الجنوب الحرية الكاملة لنشاط الداعين للوحدة والانفصال، والواقع ان قانون الاستفتاء يضمن الحرية الكاملة حول ذلك.
وهناك تصريحات سلبية من قادة الحركة تؤكد التوجه الانفصالي وانه في حالة انفصال جنوب السودان، فان الدولة الوليدة تقدر علي تأسيس علاقة مع اسرائيل( تصريح ازيكيل غاتكوث ممثل جنوب السودان في واشنطن، سودانايل 13/8/2010م).
ومن التطورات المهمة اجتماع المكتب السياسي الأخير للحركة الشعبية المشار اليه سابقا، والذي اكد علي تسريع اكمال تنفيذ الاتفاقية حتي يصبح السلام شاملا لكل أطراف السودان، وأن يتم الاستفتاء علي تقرير المصير في مواعيده، كما اكد علي أن الخيار المفضل الذي ظلت الحركة الشعبية تدعو له خلال ربع قرن من الزمان واكدته في مانفستو الحركة في عام 2008م هو قيام سودان ديمقراطي وعلماني موحد طوعا في ظل التنوع، ولكن ممارسات الوطني في مصادرة الحريات والدولة الدينية تقف حجر عثرة دون ذلك، وتلك الممارسات لاتغري شعب جنوب السودان بأن يكون جزءا من دولة لاتحترم دستورها وتجعل بالضرورة من اهله مواطنين من الدرجة الثانية.
كما أشار المكتب السياسي للحركة أنه في حالة اختيار الجنوب للوحدة، فيجب التفكير في دستور جديد ، لأن الدستور الانتقالي ينتهي في يوليو 2011م، لأنه من الوهم قيام الوحدة في ظل المؤسسات التي ارساها نظام الانقاذ. كما أشار الي أته في حالة الانفصال: العمل علي ضمان دولتين صديقتين تجمع بيتهما الروابط التاريخية والاقتصادية والثقافية وخلق الفرص المناسبة لحسن الجوار.
وبيان المكتب السياسي للحركة يضع الكرة في ملعب المؤتمر الوطني، فاما أن يستشعر المؤتمر الوطني المسئولية التاريخية ويفتح الطريق لدولة المواطنة التي تسع الجميع غض التظر عن اعراقهم وادياتهم وثقافاتهم، واما أن يتشظي السودان بسبب ايديولوجية دينية ضيقة ودولة باسم الدين كرست الفقر والبؤس وغلاء المعيشة حتي اصبح 95% من الشعب السوداتي يعيش تحت خط الفقر، اضافة لمصادرة الحقوق والحريات الديمقراطية ونهب ممتلكات الدولة وقيام فئات راسمالية اسلاموية طفيلية دمرت المشاريع الزراعية والصناعية والخدمية، ودمرت التعليم والخدمة المدنية وقومية القوات النظامية، فماذا جني شعب السودان من هذه الدولة غير الخراب والفقر والدمار؟، وبالتالي ، فان استبدالها بدولة مدنية ديمقراطية تصفي الشمولية الديكتاتورية و تسع الجميع هي صمام الأمان لوحدة السودان.
علي أن ما جاء في بيان المكتب السياسي للحركة حول ضمات قيام دولتين صديقتين بعد الانفصال محض وهم في ظل الصراع علي موارد المناطق المتنازع عليها، فالاتفصال يعني استمرار الحرب.
كما ان المكتب السياسي لم يتوقف عند التبعات السلبية للاتفصال ومشاكله مثل: الديون ومياه النيل، والمواطنة والجنسية، والمنفذ للصادر والذي تشير التقديرات الي أن تكلفة انشاء اتبوب النفط الي ميناء كينيا يكلف اكثر من 8 مليار دولار اضافة للمشاكل الأمنية ..الخ من المشاكل التي تتولد عن الانفصال، كما لم يشر المكتب السياسي الي قضايا المواطن الجنوبي وتوفير احتياجاته في التعليم والصحة والخدمات وتحقيق التنمية وتحسين احواله المعيشية والثقافية، وتلك هي القضايا التي تضمن استدامة السلام الداخلي وتقلل من الاحتكاكات القبلية، وهذا ماقصرت فيه الحركة طيلة السنوات الماضية من عمر الاتفاقية، وبالتالي تتحمل الحركة جزءا من المسئولية، كما أن الحركة لم تتخذ مواقف حازمة من قضية التحول الديمقراطي وكشريك في الحكم.
وبالتالي، فان قضية تقرير المصير لايمكن أن نعزلها من التحول الديمقراطي والتنمية وتحسين الاوضاع المعيشية، لأن الانفصال بدون حل تلك المشاكل يعتي قيام دولة اخري فاشلة في الجنوب.
أما دعوة المؤتمر الوطني للقوي السياسية للقاء يوم الخميس الموافق 19/8/2010م لمناقشة: ضمان نزاهة الاستفتاء والحفاظ علي وحدة السودان، واستدامة السلام، وعمل لاجماع وطني حول ذلك، فان تلك الدعوة تعزل قضية الاستفتاء والوحدة عن التحول الديمقراطي وتحسين الاوضاع الاقتصادية والمعيشية والحل الشامل والعادل لقضية دارفور، وهذا مادعت له قوي الاجماع الوطني، والنظر لقضايا الوطن في ابعادها الشاملة، فضلا عن أته لايمكن مناقشة قضية الوحدة، اذا كان المؤتمر الوطني جادا، بدون قرارات حازمة من المؤتمر الوطني باعتباره القابض علي زمام السلطة بانجاز التحول الديمقراطي والغاء القوانين المقيدة للحريات، وقرارات ترفع الضائقة المعيشية عن الجماهير وقرارات تلبي مطالب الحركات في دارفور مثل : مطلب الاقليم الواحد وعودة النازحين والتنمية ومحاسبة المسئولين عنن الجرائم...،الخ، كل ذلك يحتاج لقرارات من السلطة الحاكمة تفتح الطريق لحل الأزمة، اضافة لتحقيق دولة المواطنة التي تضمن وحدة الوطن من خلال تنوعه.


60
الانتخابات وضرورة الخروج من النفق المظلم
دخلت الانتخابات في السودان نفقا مظلما جراء ممارسة المؤتمر الوطني الديكتاتورية والشمولية والتي تتلخص في اعنقالات ومضايقة المرشحين المعارضين واستخدام العنف واصدار المفوضية لمنشور يصادر حق احزاب المعارضة في الدعاية والذي رفضته قوي تجمع احزاب جوبا، وتحديد بضع ساعات للمرشحين المعارضين في اجهزة الاذاعة والتلفزيون مقابل دعاية المؤتمر الوطني المستمرة صباحا ومساءا، مما حدا بقوي المعارضة في مؤتمرها الصحفي الأخير بمقاطعة الآلية الدعائية التي تم تكوينها، اضافة لاستغلال أجهزة الدولة للدعاية للوطني. هذا فضلا عن امكانات المؤتمر الوطني المالية والدعائية الهائلة والتي توازي دعاية الشركات الضخمة كما يتضح في كل شوارع العاصمة والأقاليم والمستفزة للمواطن السوداني الذي اضناه الفقر والبؤس واصبح الكثير يتساءلون: اما كان الاجدي تحويل تلك الملايين الضخمة المنفقة في تلك الدعاية الباذخة أن تذهب لدفع متأخرات اجور العاملين والتعليم والصحة والدواء وتوفير الخدمات الأساسية، علما بأن تلك الامكانات الدعائية والمالية الضخمة جاءت من نهب قطاع الدولة والفساد كما توضح تقارير المراجع العام السنوية وتقارير منظمة الشفافية العالمية التي توضح أن السودان يقع ثالث دولة في ذيل الدول الأكثر فسادا في العالم؟!!!.
لقد نسخت ممارسات المؤتمر الوطني جوهر اتفاقية نيفاشا التي أشارت الي تغليب خيار الوحدة والتحول الديمقراطي وتحسين احوال الناس المعيشية، وان يكون جهاز الأمن القومي مهنيا ويكون التفويض المخول له هو تقديم النصح والتركيز علي جمع المعلومات وتحليلها( المادة: 2- 7- -2- 4)، وتم تضمين وثيقة الحقوق الحقوق في الدستور الانتقالي لسنة 2005م، علي أن يتوج ذلك بانتخابات حرة نزيهة تحت اشراف مفوضية مستقلة ومحايدة ( المادة: 2-1-1-1)، واستفتاء علي تقرير المصير في نهاية الفترة الانتقالية يدعم ويعزز خيار الوحدة. بحيث تجري الانتخابات الآن بما لاتشتهي سفن الاتفاقية ومصالح الشعب السوداني جراء عدم التحول الديمقراطي والغاء القوانين المقيدة للحريات وعلي رأسها قانون الأمن الذي أجازه البرلمان في دورته الأخيرة، وتمت اضافة له ملحق له بمنشور المفوضية الأخير الذي يصادر حق المرشحين المعارضين في الدعاية الانتخابية و الذي يحدد خط سيرهم الدعائي ويجعل لهم مناطق محرّمة في الدعاية مثل عدم الحديث عن ماضي الانقاذ!!!.
وتقف ايضا قضية دارفور كعقبة في قيام انتخابات حرة وشاملة لكل مناطق السودان، جراء استمرار الحرب والانتهاكات وحالة الطوارئ، ورغم توقيع اتفاق الدوحة الاطاري الأخير والترحيب بوقف اطلاق النار الا انه من المهم ان يشمل الاتفاق كل مكونات دارفور ويخاطب قضايا دارفور الأساسية مثل: الاقليم الواحد حسب حدود 1956م، والتعويضات العادلة،والتنمية واعادة اعمار ماخربته الحرب، وتحقيق العدالة وضرورة محاكمة مجرمي الحرب، وعودة من احتلوا اراضي وقري النازحين الي أماكنهم، ونزع سلاح الجنجويد، وعقد المؤتمر الجامع لجميع الحركات الدارفورية والقوي السياسية ومنظمات المجتمع المدني الذي يفتح الطريق للحل الشامل والعادل والذي يضمن عدم تجدد الحرب، ذلك ان الاتفاقات الثنائية تشكل مسكنات مؤقتة ولكن سرعان ما تتجدد الأزمة والحرب، كما هو حاصل الان في جبل مرة والتي تشير الأنباء الي ان الحكومة ارتكبت فظائع هناك( بيان أبناء وبنات دارفور بامريكا: 2-مارس- 2010م)، ويتطلب ذلك التوزيع العادل للسلطة والثروة بقيام اتحاد فيدرالي يكفل الحكم الذاتي لأقاليم السودان السبعة(دارفور، والشرق، والشمالية، والجنوب، وكردفان، والأوسط، والخرطوم، وتنفيذ اتفاقية نيفاشا واستكمال ابوجا وتنفيذ بقية الاتفاقات، من خلال المؤتمر القومي الجامع الذي يفتح الطريق للحل الشامل باعتباره المخرج الذي يضمن وحدة السودان من خلال تنوعه.
القضية الأخري هي الاحصاء السكاني والذي به تجاوزات فنية ادت الي خلل كبير في توزيع الدوائر، عبرت عنها القوي السياسية في شرق السودان والجنوب وجنوب كردفان وجنوب دارفور رغم النزوح السكاني الذي حدث، اضافة للنسبة المتدنية لعدد الجنوبيين في الشمال، وكان من نتائج ذلك الخلل في الاحصاء تجدد الصراع بين الشريكين: مثل:مقاطعة الحركة الشعبية للانتخابات في جنوب كردفان ما أدي الي تأجيلها، ومحاولة التسوية بين الشريكين وبعيدا عن مشاركة القوي السياسية، بزيادة مقاعد الجنوبيين 40 مقعدا بحيث ترتفع النسبة الحالية من 21% كما جاء في الاحصاء السكاني الي 27%، ولكن تلك المحاولة تصطدم بمخالفتها للدستور الذي ينص علي ان يكون البرلمان القادم منتخبا ولامجال فيه للتعيين، ومهما يكن من امر وصحة ماجاء في تلك الأخبار الا ان هناك خللا في الاحصاء السكاني، يقدح في صحة ونزاهة الانتخابات ولابد من اعادة النظر فيه.
وهناك ايضا قضية السجل الانتخابي الذي به تزوير كبير، كما أشارت قوي المعارضة في بياناتها ومؤتمراتها الصحفية، وتم تسجيل اعتراضات علي تسجيل القوات النظامية في اماكن العمل لأن ذلك يخالف قانون الانتخابات الذي ينص علي ان التسجيل في مكان العمل اسوة ببقية المواطنين، والاعتراض علي تزوير أرنيك التسجيل، اضافة الي اخذ المؤتمر الوطني لبطاقات بعض المواطنين الانتخابية وعمل مراكز تسجيل موازية في مراكز الانتخابات، وتسجيل اللاجئين والقصّر من تلاميذ الخلاوي الذين تقل اعمارهم عن 18 سنة وعدم قبول طلبات الطعون، وعدم تمليك السجل الانتخابي للقوي السياسية قبل فترة كافية، والتجاوزات في بعض الولايات حيث تجاوز عدد المسجلين لماورد في الاحصاء السكاني بنسبة تفوق ال 100%، مما يؤكد الخلل في التسجيل والاحصاء السكاني، وبالتالي، اصبح السجل الانتخابي(مضروبا) وغير معروف الا للمؤتمر الوطني، وهذا ايضا يقدح في نزاهة وشفافية وحرية الانتخابات مما يتعارض مع اتفاقية نيفاشا.
هذا اضافة لعدم الفرص المتساوية للمرشحين في أجهزة الاعلام، والصدامات القبلية في الجنوب، ومفوضية الانتخابات غير المحايدة والتي اصبحت تابعة للمؤتمر الوطني كما وضح من منشورها الأخير.
وبالتالي فان المقدمات الضرورية التي أشارت اليها اتفاقية نيفاشا لقيام انتخابات حرة ونزيهة مثل: عدم الغاء القوانين المقيدة للحريات والتحول الديمقراطي ومفوضية انتخابات حرة ونزيهة، وفرص متساوية في اجهزة الاعلام وجهاز امن تكون مهامه جمع المعلومات وتحليلها، وتهيئة المناخ للوحدة الجاذبة، والسلام والاستقرار..الخ، كل هذه المقدمات غير متوفرة، مما يتطلب تأجيل الانتخابات الي نوفمبر 2010م، وبذل جهد كبير لتوفير مطلوباتها، فالانتخابات القادمة ليست انتخابات عادية أو شكلية، ولكنها سوف تقرر مصير السودان هل يبقي موحدا أم يتفتت الي دولتين أو اكثر، وبالتالي، فان ذلك يتطلب المسئولية الكبيرة، وليس الجري وراء الكسب الحزبي الضّيق علي حساب تدمير البلاد.
ومن خلا ل الممارسة العملية الخاطئة للمؤتمر الوطني بدأت بعض التصريحات تطل برأسها مثل تصريح: سلفاكير: يمكن تأجيل الانتخابات اذا توافقت القوي السياسية علي ذلك( الصحافة: 2/3/2010م)، وتصريح الصادق المهدي بضرورة تأجيل الانتخابات حتي تتوفر مطلوباتها، وتصريح محمد عثمان الميرغني بمقاطعة الانتخابات اذا تم التأكد من عدم نزاهتها، كل ذلك يوضح المخاطر التي يمكن أن تنجم من قيام انتخابات مزّورة والتي قطعا سوف تؤدي الي الانفصال وتعيد انتاج الأزمة، ونشير ايضا الي ملايين الدولارات التي انفقها المانحون والوسطاء والتي تجاوزت ال 300 مليون دولار في الانتخابات بهدف استقرار البلاد، ولكن اذا كانت الانتخابات القادمة بطريقتها الحالية لن تقود الي الاستقرار فما جدوي قيامها، علما بأن تلك الأموال لاتعرف عنها قوي المعارضة شيئا وليس هناك شفافية في اين صرفت؟، وبالتالي، فان حجة استمرار الانتخابات بحجة صعوبة تمويلها مرة أخري لامعني لها اذا كانت سوف تؤدي الي اعادة انتاج الأزمة وتجدد الحرب، وبالتالي، فان تكلفة التأجيل وتوفير مطلوبات الانتخابات سوف تكون أهون من ذلك المصير القاتم.
وبالتالي، من المهم تاجيل الانتخابات وبذل جهد كبير لتوفير مطلوبها، لن قيام الانتخابات الحرة النزيهة هي التي تفتح الطريق لوحدة البلاد وحل مشاكلها المعقدة.

61
الديمقراطية مفتاح الحل لأزمة الاستفتاء علي تقرير المصير
حسب ماكان متوقعا من اتفاقية نيفاشا: انجاز التحول الديمقراطي بتأمين حرية التنظيم والتعبير والصحافة والغاء القوانين المقيدة للحريات ورفع المظالم والضرر ، وتحقيق التنمية وتحسين الاوضاع المعيشية، ولكن ذلك لم يتم مما فاقم من ازمات ومشاكل المواطنين في الشمال والجنوب، ولم يتم توفير المناخ الملائم لتحقيق الوحدة الطوعية، كما تؤ كد الاتفاقية والدستور.
وكان الخلل في الاتفاقية أنها جاءت ثنائية بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية، ولم يتم اشراك كل القوي السياسية ومنظمات المجتمع المدني والشخصيات الوطنية حتي يتم تحقيق الاستقرار والاجماع الوطني، فلا المؤتمر الوطني يمثل الشمال ولا الحركة الشعبية تمثل الجنوب، اضافة للخلل في بنية الاتفاقية نفسها والتي قسمت البلاد علي اساس ديني وقسمت عائدات النفط بنسبة 50 % بين الشمال والجنوب، اضافة للشراكة المتشاكسة التي نشأت طيلة الخمس سنوات الماضية، وكانت النتيجة أن كرست الاتفاقية الشمولية والديكتاتورية ومصادرة الحريات وقمع المسيرات السلمية والرقابة علي الصحف ، وتكوين مفوضية انتخابات غير محايدة اشرفت علي انتخابات غير حرة ونزيهة جاءت بالشريكين لسدة الحكم بالتزوير، اضافة لتكريس جهاز دولة قمعي ومتضخم يمتص اكثر من 75 % من الميزانية، علي حساب التعليم والصحة والخدمات، فضلا عن تفاقم الاوضاع المعيشية وغياب التنمية، وعدم الحل الشامل والعادل لقضية دارفور مما زاد من معاناة وشقاء المواطنين هناك.
وهذا الوضع يتحمله المؤتمر الوطني ، ولانعفي الحركة الشعبية التي انكفأت علي نفسها وتساهلت في موضوع الحريات والتحول الديمقراطي باعتباره مفتاح الحل لقضية الاستفتاء علي تقرير المصير، اضافة لغياب التنمية وعدم تحسين الاوضاع المعيشية وتوفير خدمات التعليم والصحة وبقية الخدمات، حتي اصبح الجنوب يعاني من الصراعات القبلية والمجاعات، فحسب احصاءات الأمم المتحدة يتلقي حوال 4 مليون جنوبي اغاثات من الأمم المتحدة، وهذه هي جذور المشاكل في الجنوب والتي تحتاج الي حل ، أما الحديث عن الانفصال بدون حل تلك المشاكل فسوف يفاقم ويزيد من معاناة الجنوب، ومن الخطأ التوهم ان الانفصال سوف يكون الحل السحري للمشكلة، اضافة لتبعاته من فقدان السوق الواسع الكبير ، ومشاكل الديون والاصول ومياه النيل والجنسية ومشاكل المنفذ لتصدير نفط الجنوب حيث تشير التقديرات الي تكلفة انشاء خط الانابيب الي كينيا بحوال اكثر من 8 مليار دولار، فبدلا من الحديث عن الانفصال الاجدي تحقيق اوسع جبهة للديمقراطية ووحدة الوطن ومن اجل تصفية الشمولية ، وتحقيق دولة المواطنة التي تسع الجميع غض النظر عن الدين او العرق او اللون أو الثقافة، اما الحديث عن أن حجة الانفصال هي بسبب ممارسات وسياسات المؤتمر الوطني فهي مردودة، فالمؤتمر الوطني لايمثل الشمال، فضلا عن أنه قهر المواطنين في الشمال وسامهم سوء العذاب مثلما قهر الجنوبيين.
اذن نحن أمام ظروف موضوعية غير مواتية لتحقيق استفتاء شفاف ونزيه لتقرير المصير، والذي يتطلب توفير اوسع الحريات الديمقراطية واعطاء الفرصة لكل وجهات النظر حول الوحدة والانفصال لتعبر عن نفسها، حتي تجئ نتيجة الاستفتاء تعبيرا عن حرية الارادة وليست نتيجة لضغوط داخلية أو خارجية. اضافة لمشكلة عدم الانتهاء من ترسيم الحدود وتصريحات الشريكين المتناقضة، فبينما يصرح المؤتمر الوطني: لااستفتاء قبل الانتهاء من ترسيم الحدود، تصرح الحركة الشعبية أن الاستفتاء قائم في مواعيده، اضافة لتصريحات نافع علي نافع: بأن الانفصال افضل من وحدة قرنق، والمسيرات في جنوب السودان تحت سمع وبصر حكومة الجنوب التي تنادي بالانفصال ولاتسمح بوجهة النظر الأخري التي تري خيار الوحدة حسب ماينص الدستور، وبالتالي، فان الشراكة المتشاكسة تدفع البلاد الي هاوية تمزيق البلاد والانفصال.
وللمخرج من هذه المشكلة لابديل سوي حراك جماهيري واسع في الشارع وقيام المؤتمر القومي الجامع بجدول اعماله الذي يتلخص في: التحول الديمقراطي والحل الشامل والعادل لقضية دارفور وتحسين الاوضاع المعيشية والاقتصادية وتحقيق الوحدة الطوعية، والتحضير الجّيد للمؤتمر بعيدا عن هيمنة المؤتمر الوطني وعلي أساس التدية والتكافؤ، بين كل مكونات المؤتمر.
لقد اصبح السودان الآن في مفترق طرق خطير،اما أن يكون أو لايكون، وهذا وضع يتطلب الاجماع الوطني للحفاظ علي الوطن ووحدته، وكما اكدت التجربة أن شعب السودان عند الملمات تتوحد قواه الوطنية وتحل الأزمة بعيدا عن التدخلات الخارجية، وأن الديمقراطية كانت دائما مفتاح حلها.


61
توحيد الوطن علي اسس طوعية ممكن...
تبقت أشهر معدودات علي الاستفتاء لتقرير المصير، وما عاد الوضع يحتمل التسويف والمناورات ، كما هو الحال في اتصالات المؤتمر الوطني بالقوي السياسية بهدف تجزئة اجندة المؤتمر القومي الجامع المقترح والذي من المفترض ان يخرج برؤية تمثل الحد الأدني من الاتفاق حول: وحدة الوطن والتحول الديمقراطي وحل قضية دارفور والاوضاع المعيشية وهي حزمة متكاملة بحلها نضمن الاستقرار وعدم انفجار الأزمات من جديد.
فعلي سبيل المثال لايمكن الحديث عن الوحدة وضمان نزاهة وشفافية الاستفتاء في ظل مصادرة حرية الصحافة والتعبير بواسطة الرقابة الأمنية القبلية، فكيف يتم تبصير المواطنين بفوائد الوحدة ومخاطر الانفصال في ظل مصادرة الحقوق والحريات الديمقراطية؟!!، لأن حق تقرير المصير نفسه هو حق ديمقراطي انساني يتطلب انجازه اوسع الحقوق والحريات الديمقراطية ، ويتطلب حرية الارادة ودون ضغوط داخلية أو خارجية لممارسته، وبالتالي من المهم أن يناقش المؤتمر الجامع قضايا التحول الديمقراطي والغاء كل القوانين المقيدة للحريات باعتبار ذلك من استحقاقات اتفاقية نيفاشا وشرط مهم لممارسة الاستفتاء علي تقرير المصير.
ومن استحقاقات اتفاقية نيفاشا ايضا تحقيق التنمية وتحسين الأوضاع المعيشية لأنه بدون ذلك لايمكن أن نضمن الاستقرار واستدامة السلام ، اذ مافائدة السلام في ظل تفاقم الفقر والمجاعات التي تنسف الاستقرار الاجتماعي كما يحدث الآن في الجنوب؟، فحسب احصائيات الأمم المتحدة يتلقي حوالي 4 مليون مواطن جنوبي اغاثات بسبب المجاعة، وبالتالي فان تحسين الاوضاع المعيشية شرط مهم للاستقرار وضمان لوحدة راسخة وسلام مستدام.
وهناك قضية دارفور والتي تمثل جرحا نازفا في جسد الوطن، ولابد أن يتناولها المؤتمر الجامع بالمعالجة الشاملة.
وبالتالي، فان طريقة المؤتمر الوطني في عزل قضية الوحدة والاستفتاء عن بقية تلك القضايا لاتساعد، وقد تحل مؤقتا قضية واحدة ولكن سرعان ما تتجدد الأزمة من جديد، لأن القضايا مترابطة ولايمكن الفصل بينها.
حسب ما يطرح المؤتمر الوطني في لقاءاته مع القوي السياسية أن يريد أن يعمل معها عملا مشتركا من اجل الوحدة والاستفتاء النزيه والشفاف حول تقرير المصير، ولكن حسب التجارب مع المؤتمر الوطني انه غير مؤتمن علي العهود والمواثيق كما في تجارب اتفاقيات: السلام 1997م وجيبوتي والقاهرة ونيفاشا وابوجا والشرق...الخ، أي انه يوقع اتفاقات مع وقف التنفيذ. وبالتالي، فان العمل المشترك يتطلب الثقة وهي مفقودة في المؤتمر الوطني، كما يتطلب الندية واحترام استقلالية كل حزب ، والمؤتمر الوطني يريد أن يهيمن علي المؤتمر الجامع ويحدد اجندته وهذا لايساعد في العمل المشترك، فاجندة المؤتمر الجامع وقراراته وتوصياته يجب أن تتم بمشاركة كل القوي السياسية وعلي أساس المساواة والندية وبعيدا عن وصاية الحزب أو الحزبين الحاكمين، وهذا هو المدخل للعمل المشترك كما أشارت قوي تحالف اجماع قوي جوبا.
نعتقد أن الاوضاع الراهنة في البلاد لاتحتمل المناورات ، وتتطلب المسئولية الوطنية العالية، والحل الشامل لقضايا البلاد والتي تتلخص في: الوحدة والتحول الديمقراطي وتحسين الاوضاع المعيشية والحل الشامل والعادل لقضية دارفور، حتي نخرج في النهاية بوحدة حقيقية وديمقراطية وطوعية للوطن علي أساس دولة المواطنة التي تسع الجميع غض النظر عن الدين أو اللغة أو العرق ونبذ فكرة المواطن من الدرجة الثانية، وهذا ممكن التحقيق وليس من رابع المستحيلات.


62
حول السياسة الأمريكية لمواجهة نتائج الاستفتاء
كان الخلل الأساسي في اتفاقية نيفاشا التي رعتها امريكا وبقية الوسطاء أنها جاءت ثنائية ، ولم تكن حصيلة تجربة الخمس سنوات الماضية مرضية فيما يختص بتنفيذ جوهر الاتفاقية التي تتلخص في : التحول الديمقراطي وتحسين الاوضاع المعيشية والتنمية المتوازنة ، وقيام انتخابات حرة نزيهة تحت اشراف مفوضية انتخابات محايدة ، تنتج عنها حكومة ديمقراطية تمثل قطاعا واسعا من الشعب، تشرف علي الاستفتاء علي تقرير المصير، واتجاه دعم خيار وحدة البلاد حسب مايتص الدستور الانتقالي لسنة 2005م، ولكن تلك الآمال العراض تبددت ، وجاءت النتائج بما لاتشتهي سفن الاتفاقية. وتم تكريس الصراع بين الشريكين ، ولم يتم التحول الديمقراطي وجاءت الانتخابات غير معبرة عن موازين القوي في البلاد، والتي لم تقبل بنتائجها الاحزاب المعارضة في الشمال والجنوب، وكرست الشمولية والاتجاهات الانفصالية بعد أن سدت كل آفاق التحول الديمقراطي امكانية الوحدة الطوعية.
كان من المفترض أن يقّيم الشريكان والوسطاء تلك التجربة واستخلاص دروسها بما يوسع من قاعدة المشاركة، باشراك كل القوي السياسية، بعد فشل تجربة الشريكين التي اوصلت البلاد الي هذا النفق المظلم.
ورغم ذلك يصر الشريكان و امريكا وبقية الشركاء علي السير في الطريق الخطأ ، بعد غض الوسطاء الطرف عن الانتخابات المزورة باعتبارها المعبر للاستفتاء. ومع قرب الاستفتاء علي تقرير المصير وخلافات الشريكين التي وصلت لطريق مسدود حول ترسيم الحدود ، وترتيبات الاستفتاء واحتمال اندلاع الحرب مجددا بعدم قبول نتائج الاستفتاء ، وبلوغ التوتر قمته بين الشريكين من خلال اشتداد سباق التسلح، يتوجه الشريكان شطر امريكا للبحث عن الحلول الخارجية للازمة تلك الحلول التي ماحلت يوما مشكلة وخلقت استقرارا لبلد، حلول تنطلق من مصالح خارجية وليست تعبيرا عن احتياجات داخلية حقيقية، وتجد سندا من أغلبية جماهير شعبنا.
وتعرض امريكا سياستها للمؤتمر الوطني: برفع العقوبات خطوة خطوة، والبداية برفع الحظر عن المعدات الزراعية وبقية الصادرات الامريكية، علي أن يشمل النفط بعد خطوات أخري، وتطلب امريكا من البشير مقابل ذلك: الموافقة علي نتائج الاستفتاء، وفي حالة الانفصال واعتراف البشير به، يوقع البشير علي حدود معترف بها بين الدولتين ، ويتم توقيع علي اتفاق حول تقاسم ثروة النفط والتعهد بعدم التدخل في الجنوب، اضافة الي ارسال سفير للخرطوم من قبل البيت الأبيض ، وحل مشكلة دارفور بما يرضي كل الأطراف، واذا تم ذلك سيتم التطبيع الكامل للعلاقات وتلغي كل قوانين المقاطعة، الا أنه ليس مايؤكد رفع السودان من قائمة الدول الراعية للارهاب.
وهي استمرار لتعامل امريكا مع نظام المؤتمر الوطني( سياسة العصا والجذرة)، وهي سياسة تعبر عن مدي الهوان الذي وصله نظام الانقاذ ، علي حسب قول الشاعر:
من يهن يسهل الهوان عليه ، مالجرح بميت ايلام.
وتعبر عن مدي عدم الثقة في شعب السودان وقواه السياسية وقدرنها اللامحدودة في ايجاد مخرج من الأزمة، لأن الحل الداخلي هو الحاسم والأكثر ضمانا لاستقرار البلاد، وفي النهاية تصبح وعود امريكا كالسراب ولايقبص المؤتمر الوطني غير الريح، ولن يتم رفع النظام من قائمة الدول الراعية للارهاب، طالما لم يحدث تغييرا حقيقيا في البلاد باتخاذ قرارات حاسمة تتمثل في: اطلاق الحريات واقامة دولة المواطنة وتحسين الاوضاع المعيشية والحل الشامل والعادل لقضية دارفور، تساعد في فتح الطريق لحل الأزمة، وهذه في يد السلطة الحاكمة وليس في يد الخارج.
لشعب السودان تجارب كبيرة في الخروج من أزمات مماثلة بحلول داخلية مثل: انجاز الاستقلال باجماع كل القوي السياسية عام 1956م، وثورة اكتوبر 1964م والتي كانت مشكلة الجنوب وأزمة الحريات وتفاقم الاوضاع المعيشية من أسبابها، وتمت ازاحة الديكتاتورية العسكرية، وانتفاضة مارس – ابريل 1985م التي تمت فيها الاطاحة بحكم الفرد الذي نقض اتفاقية اديس ابابا 1972م ، وصب الزيت علي نار مشكلة الجنوب باعلان قوانين سبتمبر 1983م ، وتفاقمت الاوضاع المعيشية والمجاعات، وفقدت البلاد سيادتها الوطنية.
اذن اكدت التجربة أن شعب السودان اذا ما اتحدت قواه السياسية ومنظماته المدنية والديمقراطية والجماهيرية في الشمال والجنوب قادر علي تصفية الديكتاتورية والشمولية والدولة الدينية التي تقف حجر عثرة في سبيل وحدة الوطن، وهذا هو طريق الحل الذي يجب الا نبحث عنه في الانكفاء والدعوات الاتفصالية أو في الخارج الذي له مصالحه وتقديراته وصراعاته حول موارد السودان، ولاتهمه ترسيخ الديمقراطية ووحدة البلاد وتحسين الاوضاع المعيشية واستقرار شعب السودان وسيادته الوطنية علي موارده وامتلاك قوته وقراره.
لقد وصل حال البلاد الآن الي درك سحيق، في الارتفاع الجنوني للاسعار، وزيادة الضرائب الباهظة علي المواطنين لمواجهة نفقات جهاز الدولة الباهظة المتضخم وآلة الحرب والأمن، وتفكك وتمزق البلاد، وتعطل الانتاج الزراعي والحيواني والصناعي، وانتشار الاوبئة الامراض وانفراط عقد الأمن ونهب ثروات البلاد وتهريبها للخارج وتدهور صحة البيئة الي درجة خطيرة من التدهور، ولم يعد لشعب السودان من طريق سوي الانتفاض والنهوض من الانقاض، وهذا يذكر بحال دولة بني أمية في ايامها الأخيرة والذي تنبأ محمد بن أمية آخر ولاتها بانهيارها بقوله:
أري تحت الرماد وميض نار ويوشك أن يكون لها ضرام.
فان لم يطفها عقلاء قوم يكون حصادها جثث وهام.
فان النار بين العودين تذكي وان الحرب أولها كلام.
أقول من التعجب ليت شعري أأيقاظ أمية أم نيام.


63
حول دعوة المؤتمر الوطني للحوار
بعد أن اجمعت كل القوي السياسية التي قاطعت وشاركت علي تزوير ارادة الشعب ورفضها لنتائج الانتخابات والتي تم تزويرها تزويرا فاحشا اصبح حديث الصحافة والناس محليا وعالميا من خلال القنوات الفضائية والصحف الغربية واسعة التداول، وعن شريط الفيديو المتدوال كدليل دامغ، يحاول المؤتمر الوطني طمس معالم تلك الجريمة والفضيحة والتي تحولت الي حلقة جديدة في سلسلة ازمات النظام ، والتي عكست هشاشة وطفيلية المؤتمر الوطني وضعف قاعدته الاجتماعية، لأنه اذا كانت له قاعدة اجتماعية وانتاجية تحمله فوق ظهرها، لما لجأ الي هذا التزوير الفاضح والفاحش والانقلاب علي الديمقراطية باسم انتخابات مزوّرة. لقد دمر المؤتمر الوطني الانتاج الزراعي والصناعي ، وربط نفسه بجهاز الدولة ، وعن طريق الدولة موّل المؤتمر الوطني حملته الانتخابية والتي صرف عليها ملايين الدولارات، هذا اضافة لافقاره للشعب السوداني حتي وصلت نسبة الذين يعيشون تحت خط الفقر 95% ، وبالتالي فان قاعدة المؤتمر الوطني المستفيدة من هذا النظام هي 5% ، هذا اضافة لاحتكار السلطة والثروة واجهزة التضليل الاعلامي والايديولوجي، واجهزة القمع واحاطة نفسه بترسانه واسعة من القوانين المقيدة للحريات، وادعاء الفوز بنسبة اكثر من 90%، وهي نفس ادعاءات فوز الديكتاتور نميري في الانتخابات المزورة في نظام مايو الشمولي، أو نظام شاوسيشكو في رومانيا الذي فاز في آخر انتخابات بنسبة اكثر من 90%، وبعد ايام قليلة كانت انتفاضة الشعب الروماني التي اطاحت به، وقبل ذلك كانت انتفاضة مارس- ابريل 1985م التي اطاحت بالطاغية نميري، فاين تلك القاعدة الاجتماعية الواسعة التي يستند اليها نظام الانقاذ؟!! علما بأن نشاطه الاقتصادي طفيلي ويعتمد كليا علي مؤسسات الدولة وشركاته الخدمية ذات الروابط والوشائج الكثيرة بجهاز الدولة وحماية الدولة لها من الضرائب والجبايات التي تعاني منها الانشطة الرأسمالية والانتاجية والخدمية من غير منسوبي الوطني.
وبالتالي، فان الحديث: أن من أسباب نجاح الوطني في الانتخابات هو ضعف عمل الاحزاب الانتخابي وتغلغل جذور الوطني في القواعد الشعبية حديث لاأساس له من الصحة، كما أن التلاعب بالالفاظ ووصف التزوير بانه (أخطاء فنية وادارية) محاولة لذر الرماد في العيون وتغطية جريمة التزوير التي ملأت كل آفاق الدنيا، ولن يسعف الوطني مباركة امريكا لنتائج الانتخابات، فامريكا تتعامل مع الانظمة الديكتاتورية الفاسدة (لعبة القط والفأر) بحيث يتم استنزافها الي اقصي حد ، وبعد ذلك تقضي عليها ، تلك كانت تجاربها مع الطغاة مثل سوموزا وغيرهم ، ولن تتواني عن تغيير النظام بعد أن يستنفد اغراضة، فلا يغرن المؤتمر الوطني تهليل امريكا وقبولها لنتائج تلك الانتخابات المزورة تزويرا فاحشا ، والتي احرجت حتي امريكا امام العالم المتمدن والمتحضر.
ومن أشكال التضليل، وبهدف شق وحدة المعارضة، الحديث عن حكومة قومية علما بان المؤتمر الوطني هو من رفض فكرة الحكومة القومية التي يجب أن تشرف علي الانتخابات قبل التزوير الفاضح الكبير، وبعد ان رفضت الاحزاب المعارضة فكرة الحكومة القومية، يصرح البشير: بأن الاحزاب التي قاطعت لن يتم اشراكها في الحكومة، علما بان الحكومة القادمة سوف تكون حكومة معزولة وسوف تتحمل وحدها جريمة فصل الجنوب وتمزيق وحدة البلاد وليس هناك حزب من المعارضة راغب في الاشتراك في هذه الجريمة. وايضا هناك الحديث عن أن المعارضة تخطط لمظاهرات واعمال جماهيرية عقب اعلان النتيجة ، واذا تم ذلك فسوف تكون مسئولية المؤتمر الوطني الذي زوّر ارادة الشعب والذي سوف يكون له رد فعل كما حدث في التجارب الماضية.
اما الحديث عن الحوار مع القوي السياسية فهو ايضا ذر للرماد في العيون فشروط الحوار معلومة وقدمتها المعارضة قبل وبعد الانتخابات وموجودة في اتفاقية نيفاشا والاتفاقات الأخري وهي:
- الغاء مهزلة الانتخابات الحالية وقيام انتخابات حرة نزيهة، بمفوضية انتخابات محايدة ومستقلة توافق عليها القوي السياسية، واعادة النظر في الاحصاء السكاني والسجل الانتخابي، والغاء القوانين المقيدة للحريات وعلي رأسها قانون الأمن، وكسر احتكار المؤتمر الوطني للاعلام ولجهاز الدولة.
- الحل الشامل والعادل لقضية دارفور.
- تنفيذ استحقاقات اتفاقية نيفاشا الأخري مثل تحسين الاوضاع المعيشية ورد المظالم وجبر الضرر، وترسيم الحدود بين الشمال والجنوب وترسيم حدود ابيي وتشكيل مفوضية الاستفتاء وحقوق الانسان التي تم انتهاكها، وتنفيذ استحقاقات الاتفاقات الأخري، وعقد المؤتمر الجامع والذي يفتح الطريق لحل مشاكل البلاد، وقيام دولة المواطنة التي تضمن وحدة البلاد وتطورها من خلال تنوعها.
لقد راكمت الحركة السياسية والجماهيرية تجارب واسعة في التعامل مع هذا النظام أهمها أنه يعتمد الكذب والمراوغة وابرام المواثيق والعهود ونقضها، وشق صفوف المعارضة ونشر البلبلة في صفوفها واستخدام أساليب الرشاوي بالمناصب والمال، والهيمنة في الحكومات والبرلمانات التي قامت تحت اشراف المؤتمر الوطني منذ بداية انقلاب يونيو 1989م، بتمرير القرارات الجاهزة، وتزوير انتخابات النقابات( العاملين والمهنيين) واتحادات الطلاب والمحامين حتي التزوير الفاضح والكبير والذي يطارد الوطني، والذي اصبح مثارا للتندر وحديث المجالس عن عصا المؤتمر الوطني السحرية التي ابتلعت كل القوي السياسية التي شاركت في الشمال، حتي جعلت مولانا الميرغني مندهشا وساخرا بقوله: واين تلك الجماهير التي استقبلته في كسلا؟!! هل ابتلعها القاش؟!! علما بأن موسم القاش لم يحن بعد!!!.
وبعد كل هذه التجارب مع نظام الانقاذ، يصبح اي حديث عن الحوار من جانبه، وبدون توفير شروط الحوار مضيعة للوقت ومحاولة لتغطية معالم جريمة التزوير الكبيرة التي ارتكبها، ولكن حسب تجارب شعبنا فقد فشلت كل محاولات تزوير ارادة الشعب في تاريخنا المعاصر، وسوف تنتصر ارادة شعبنا وتقتلع الديكتاتورية والشمولية، وتفرض قيام انتخابات حرة نزيهة في الشمال والجنوب، تفتح الطريق لوحدة السودان.


64
حول مبادرة الحزب الشيوعي لوحدة الوطن
مع اقتراب موعد الاستفتاء علي تقرير المصير، طرح الحزب الشيوعي مبادرة لوحدة السودان من خلال تبني مؤتمر قومي يصل الي صيغة مناسبة لتوحيد الوطن علي اسس طوعية وديمقراطية، وفي الوقت نفسه تتم حركة جماهيرية متعددة المستويات: سياسية واجتماعية وثقافية ورياضية..الخ من اجل دعم خيار الوحدة، كما جاء في بيان اللجنة المركزية الصادر بتاريخ يونيو 2010م.
ومعلوم أن موقف الحزب من وحدة السودان ليس جديدا، اذ انه اهتم منذ تأسيسه بقضية الجنوب، وكان رائدا في طرح فكرة قيام اسس جديدة ديمقراطية لوحدة السودان تقوم علي الاعتراف بالفوارق الثقافية، والتنمية المتوازنة وحق كل قومية في استخدام لغاتها المحلية في التعليم، وقيام دولة المواطنة التي يتساوى فيها الجميع غض النظر عن اعراقهم واثنياتهم ومعتقداتهم، أي المطالب التي تم الاعتراف بها في اتفاقية نيفاشا التي تم التوقيع عليها في يناير2005م.
تطور موقف الحزب من قضية الجنوب.
• كان اهتمام الجبهة المعادية للاستعمار باكراً بمشكلة الجنوب، جاء في بيان الجبهة المعادية للاستعمار عن موقفها من قضية الجنوب بصحيفة الصراحة –العدد رقم 422 – بتاريخ: 28/9/1954م ما يلي :-
- ترى الجبهة أن حل مشكلة الجنوب يتم على الأساس التالي : تطور التجمعات القومية في الجنوب نحو الحكم المحلي أو الذاتي في نطاق وحدة السودان .
يواصل البيان ويقول :
ونحن حينما نقدم هذا المبدأ لحل مشكلة الجنوب نقر بان الوضع الحالي للقوميات في الجنوب ليس مدروسا لدينا ولا لدى غيرنا في العاصمة، وان دراسته تقتضي الذهاب إلى هناك أو تجي هي من هناك، ولكنا نرى أن هذا المبدأ الوحيد وبطبيعته يعتمد على الظروف ، فإذا كانت ظروف قومية واحدة أو عدة قوميات في الجنوب ورغبة أهلها تقتضي قيام حكم محلي أو ذاتي فلهم الحق في ذلك ، كذلك نقر انه ليست لدينا وجهة نظر محددة عن الموقف بين القوميات السودانية الأخرى في الشمال والشرق ، إلا انه مما يظهر لا توجد مشكلة حالية بالنسبة لها . ولكن من ناحية المبدأ لا ننكر انه إذا جاء وقت ولو كان بعد الاستقلال بفترة طويلة واقتضت ظروف هذه القوميات نوعا معينا من الحكم الداخلي فيجب إن ينفذ (راجع اليسار السوداني في عشرة أعوام ، إعداد محمد سليمان ، ص60-62) .

• كما وردفي وثيقة حول البرنامج آخر كتابات الشهيد عبد الخالق محجوب اشارة الي التجمعات القومية والقبلية الأكثر تخلفا ، جاء في وثيقة حول البرنامج ما يلي :
- بالنسبة للتجمعات القومية والقبلية الأكثر تخلفا وفيما يختص بالثورة الثقافية الديمقراطية ، لابد من التشجيع الفعلي للنمو الحر لثقافات هذه المجموعات .
- ولن يكون هناك نمو فعلي في هذه الثقافات إلا إذا بعثت لغات ولهجات هذه المجموعات وعمدت الدولة الوطنية الديمقراطية بجدية إلى تشذيب تلك الأدوات والتوسل بها في التعليم (وفقا للتجارب التربوية في هذا المضمار) وفي النهضة الثقافية الشاملة .
- أن تصبح هذه الثقافات جزءا من المكونات العضوية للثقافة السودانية .
(حول البرنامج , مرجع سابق ، 49-50)
كما أشارت وثيقة حول البرنامج إلى :-
((توحيد الوطن على أسس ديمقراطية وذلك بتنمية إمكانيات وثقافات التجمعات القومية المتخلفة في حرية وبلا إرهاب أو ضغوط)) ، ص 74.
- كما صدرت وثيقة بعنوان "الحزب الشيوعي وقضية الجنوب، 1977م" تابعت فيه تطور موقف الحزب من المنظور السلمي الديمقراطي للمشكلة ، وأفاق الوضع بعد اتفاقية أديس أبابا التي وقعت في مارس 1972م .
* كما اشرنا سابقا إلى إن الحزب الشيوعي كان أول من أشار إلى ضرورة الاعتراف بالفوارق الثقافية والعرقية بين الشمال والجنوب وتطور التجمعات القومية في الجنوب نحو الحكم المحلي أو الذاتي في نطاق وحدة السودان ، ولم يكتف الحزب الشيوعي بذلك الطرح المتقدم وحده وتكراره ، بل دعمه بالتركيز على القضايا الاجتماعية التي كان فيها قهر وتمييز عنصري أو اثني ضد الجنوبيين مثل :-
- المطالبة بالأجر المتساوي للعمل المتساوي بين العاملين الشماليين والجنوبيين .
- الاهتمام بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية وتوسيع التعليم والعلاج والخدمات في الجنوب .
- إلغاء ضريبة الدقنية .
- إلغاء قانون المناطق المقفولة الذي كان من الأسباب التي عرقلت التطور المتوازن بين الشمال والجنوب .
- إلغاء نشاط المستثمرين الأجانب المرتبطين بالتجسس وتأجيج الخلافات العرقية بين الشمال والجنوب .
- وحدة الحركة النقابية في الشمال والجنوب
- عدم فرض اللغة العربية والدين الإسلامي بالقهر وترك ذلك للتطور والتلاقح الطبيعي .
- استبعاد الحل العسكري وضرورة الحل السلمي الديمقراطي والعض على وحدة السودان بالنواجذ .
- أثناء تمرد 1955م دعي الحزب الشيوعي لمعالجة الموضوع بالحكمة والصبر بدلا من الاتجاهات الداعية للعنف والانتقام .
واصل الحزب الشيوعي تأكيد تلك المواقف في مؤتمره الثالث في فبراير 1956م , ومقاومة سياسة ديكتاتورية الفريق عبود لفرض الحل العسكري واللغة العربية والاسلمة القسرية، وفي مؤتمر المائدة المستديرة (1965) وخطاب عبد الخالق محجوب في المؤتمر.
وفي برنامجه الصادر 1967م أكد الحزب الشيوعي الارتباط الذي لا ينفصم بين الحكم الذاتي الإقليمي وسائر المهام الوطنية والديمقراطية للثورة السودانية , كما أكد أهمية وحدة السودان ، جاء في ذلك البرنامج :-
من هذه المواقع يجب أن تعالج القضية على الوجه التالي :-
أ‌. سير البلاد في طريق الثورة الوطنية الديمقراطية .
ب‌. تحالف قوى الثورة السودانية في الشمال مع شعوب وقبائل جنوب البلاد على أساس ديمقراطي مناهض للاستعمار ، لقيام حكم ذاتي وكذلك في الجنوب تحت قيادة جنوبية ربطت مصيرها بهذا التحالف ...
وكذلك في مناقشات الشهيد جوزيف قرنق للمثقفين الجنوبيين الداعين للانفصال في كتيبة "مأزق المثقف الجنوبي" وفي بيان 9 يونيو 1969م كما طرح الحزب الشيوعي دستور ديمقراطي وجمهورية برلمانية في مواجهة دعاة الديكتاتورية باسم الإسلام والجمهورية الرئاسية عام 1968م والتي كانت تهدد وحدة البلاد .
على إن من الايجابيات في مواقف الحزب الشيوعي انه في معالجته لمشكلة الجنوب في تلك السنوات الباكرة من الخمسينيات من القرن الماضي ، لم ينطلق فقط من نصوص ماركس وانجلز ولينين حول تقرير المصير ، بل انطلق من واقع السودان ، والاتجاه العام الداعم للوحدة بعد مؤتمر جوبا1947م ، وكان ذلك تناولا بذهن مفتوح وتوصل لصيغة الحكم الذاتي الإقليمي في إطار السودان الموحد .
وحتى بعد أن تعقد الوضع واشتعال نيران الحرب بعد انقلاب يونيو 1989م ، طرح الحزب الشيوعي السوداني عام 1994م، شعار تقرير المصير كحق ديمقراطي إنساني ، وان يتم دعم خيار الوحدة الطوعية وتوفير المناخ الديمقراطي الصحي لممارسة حق تقرير المصير.
• وفى الوثيقة التي قدمها الحزب الشيوعي (1988)م للمؤتمر الدستوري الذي كان من المفترض عقده في سبتمبر 1989م، اقترح الحزب أولويات عاجلة لتخفيف حدة التطور غير المتوازن، وأشارت الوثيقة إلى أن هذه المشروعات والمقترحات لا تصفي بصورة نهائية التطور غير المتوازن بين أقاليم السودان المختلفة ولكنها تضعنا في بداية الطريق .
وحول الهوية والثقافة أشارت الوثيقة إلى أن (الهوية الحضارية لشعبنا هوية سودانية ، تجمع في تكامل بين الوحدة والتنوع ، وتتأسس على واقع تعدد الثقافات والقوميات في بلادنا الذي يمكن بل ويجب أن يكون مصدر خصب وثراء لثقافاتنا السودانية , لا سببا في صراعات دامية مريرة) .(الوثيقة : ص52 - 57) .
• استنادا علي هذه الخلفية، طرح الحزب مبادرته لوحدة الوطن، وبعد ملاحظاته الناقدة لتطورات ومآلات الاوضاع بعد توقيع اتفاقية نيفاشا والتي جاءت نتائجها مخيبة للآمال، حيث لم يتم التحول الديمقراطي المطلوب وتحسين الاوضاع المعيشية والتنموية في الجنوب والشمال، وحمّل البيان المؤتمر الوطني المسئولية عن ذلك..
ويري الحزب أن وحدة السودان ممكنة علي أساس الديمقراطية والتنمية المتوازنة ودولة المواطنة التي تسع الجميع غض النظر عن الدين أو اللون او العرق.


65
حول مصادرة حرية الصحافة والتعبير
شهدت الايام الماضية هجوما علي حرية التعبير والنشر من قبل السلطات الأمنية، فعلي سبيل المثال: تم مصادرة 13 عدد من صحيفة (الميدان) بسبب الرقابة الأمنية القبلية، وتم مصادرة صحيفة (رأي الشعب) وتقديم كتابها للمحاكمة، كما تم تعطيل صحف أخري ليوم أو لأيام مثل: (أجراس الحرية) ، وصحيفة( الأحداث)...الخ، كما تمت مصادرة صحيفة (الانتباهة)...الخ. علما بأن التدخل الأمني لايساعد ، لأن الأصل في المجتمع الديمقراطي أن قانون الصحافة هو للضبط الذاتي وليس عقابيا، وهذا يتطلب الغاء كل القوانين المقيدة للحريات التي مازالت سارية المفعول، لأن حرية التعبير والنشر هي الكفيلة بلجم الاتجاهات العنصرية والانفصالية التي تعبر عنها صحيفة( الانتباهة)، ومعلوم انه منذ توقيع اتفاقية نيفاشا ، وصدور دستور السودان الانتقالي لسنة 2005م، تم ضرب عرض الحائط بوثيقة الحقوق في الدستور التي كفلت الحقوق والحريات الأساسية، فقد كفل الدستور حرية التعبير والاعلام في المادة(39) منه، والذي جاء فيه مايلي:
39 – 1 : لكل مواطن حق لايقيد في حرية التعبير وتلقي ونشر المعلومات والمطبوعات والوصول الي الصحافة دون مساس بالنظام والسلامة والاخلاق العامة، وذلك وفقا للقانون.
39- 2: تكفل الدولة حرية الصحافة ووسائل الاعلام الأخري وفقا لما ينظمه القانون في مجتمع ديمقراطي.
39- 3 : تلتزم كافة وسائل الاعلام باخلاق المهنة وبعدم اثارة الكراهية الدينية أو العنصرية أو الثقافية أو الدعوة للعنف أو الحرب.
ونلاحظ انه طيلة الخمس سنوات الماضية من الفترة الانتقالية تم تكثيف الرقابة علي الصحف واغلاق بعضها كما أشرنا سابقا، في حين أن صحيفة( الانتباهة) ظلت طيلة هذه الفترة تنتهك المادة(39- 3) بدعوتها الي اثارة الكراهية الدينية والعنصرية والثقافية والدعوة للعنف والحرب وفصل الجنوب عن الشمال، بعكس الدستور الذي يغلب خيار الوحدة واحترام التعدد والتنوع الثقافي في البلاد، كل ذلك كان يتم تحت سمع وبصر المؤتمر الوطني، ولم يتم الالتفات اليه، علما بأن احداث التطهير العرقي التي تمت في (رواندا) كانت بسبب اعلام كان يثير الكراهية والبغضاء مثل صحيفة(الانتباهة)، وكان ذلك من الاسباب التي عمقت وغذت الاتجاهات الانفصالية في الجنوب، فلماذا صمتت السلطات علي تلك الانتهاكات الفظة للدستور؟.
نعتقد ان حرية التعبير والنشر ضرورية في الفترة القادمة التي سوف تشهد تقرير مصير السودان: هل يظل موحدا تحت ظل دولة المواطنة التي تسع الجميع أم يتشظي وينفرط عقده بعد ان كان موحدا حوالي قرنين من الزمان؟، وأن معركة الاستفتاء يجب أن يسبقها اطلاق واسع للحريات الديمقراطية: حرية التنظيم والتعبير والنشر والتي تعتبر ضرورية لتوعية الجماهير في الشمال والجنوب بمخاطر الانفصال. ولأن حق تقرير المصير نفسه هو حق ديمقراطي انساني يجب أن يتم في ظروف الديمقراطية وحرية الارادة ودون ضغوط داخلية أو خارجية.
وبالتالي من المهم مواصلة وتعميق الحملة من اجل رفع الرقابة علي الصحف وكفالة حرية التعبير والنشر حسب ماينص الدستور، ووقف تدخل الأمن، وترك ذلك للمجتمع الصحفي الذي هو وحده القادر علي الضبط الذاتي والتواثق علي قانون يمقراطي للصحافة يتمشي مع الدستور الانتقالي والتحول الديمقراطي ومواثيق حقوق الانسان التي كفلت حرية النشر والتعبير والصحافة، وأن توسيع الديمقراطية شرط ضروري لمواجهة ولجم الاتجاهات الانفصالية والعنصرية التي تثير العداوة والبغضاء بين ابناء الوطن الواحد.

66
خيار الانفصال: هل هو المخرج؟
بعد عودة الشريكين من امريكا، تصاعدت حدة التوتر بينهما، والتهبت المشاعر وارتفعت حرارة التصريحات التي يمكن أن تقود البلاد الي (رواندا) أخري مثل: تصريح وزير الاعلام كمال عبيد بابعاد الجنوبيين من الشمال ومنعهم حتي (الحقتة) في المستشفي، في حالة الانفصال، اضافة لدعوة مساعد رئيس الجمهورية مصطفي عثمان اسماعيل الشباب للجهاد، وشروط حاج ماجد سوار الخمسة لقبول الاستفتاء، وقرار اجتماع مجلس الوزراء الأخير بضرورة اكتمال ترسيم الحدود قبل الاستفتاء.
ومن الجانب الآخر يصب تصريح سلفاكير الأخير الزيت علي النار الملتهبة أصلا، ويصرح بأنه سيصوت للاتفصال لأن خيار الوحدة لم يعد جاذبا، وأن الجنوب لم يحصل علي 50% من عائدات النفط ، بل حصل علي 26% (حسب تقرير منظمة غلوبال ويتنس). اضافة لالتهاب الوضع في ابيي، وتصريح الحكومة بأنها لن تستقبل مجلس الأمن الدولي الذي يصل الخرطوم الاسبوع المقبل، وتراجعها عن هذا التصريح، كل ذلك يوضح أن المؤتمر الوطني أصبح كمن يتخبطه الشيطان من المس. كما توقعنا في مقال سابق: يؤكد ذلك خيبة الأمل في الحلول الخارجية، وأنه لابديل للحل الداخلي الشامل الذي تشترك فيه كل القوي السياسية، ولامخرج سواه. كما يؤكد ايضا أن الحل الثنائي بعيدا عن كل مكونات المجتمع السوداني السياسية والفكرية والثقافية، اصبح طريقا مسدودا.
عندما يصرح نائب رئيس الجمهورية سلفاكير بأنه سوف يصوت للاتفصال لأن تجربة الخمس سنوات الماضية لم تجعل خيار الوحدة جاذبا، ماذا كان يتوقع سلفاكير غير ذلك؟ علما بأنه وقع اتفاقا ثنائيا مع شريك اتسم بالمراوغة ونقض العهود والمواثيق وله سوابق في ذلك مثل: خرق اتفاق السلام من الداخل عام 1997م مع المجموعة التي انشقت من الحركة الشعبية، اضافة لخرق اتفاق حيبوتي مع حزب الأمة واتفاق ابوجا مع مجموعة مناوي واتفاق الشرق واتفاق القاهرة مع التجمع الوطني الديمقراطي. اضافة لتهاون الحركة طيلة الفترة السابقة في الدفاع عن الحقوق الديمقراطية وعدم تحقيق التنمية وتحسين الاوضاع المعيشية وتوفير خدمات التعليم والصحة..الخ، وعدم توجيه عائدات النفط لذلك. وتتحمل الحركة الشعبية المسئولية في ذلك نسبه لانكفائها جنوبا وتركيز كل همها في الاستفتاء الذي لم تتوفر مقوماته التي تتلخص في: التحول الديمقراطي وقيام انتخابات حرة نزيهة في الشمال والجنوب.
كل ذلك يوضح أن المؤتمر الوطني لم يكن جادا في ايجاد مخرج بتنفيذ الاتفاقية بما يمهد الطريق للوحدة الطوعية، بل كان ساعيا لكسب الوقت واضعاف خصمه وتحطيمه ريثما يستعيد قواه، ويعود للحرب مرة أخري، فعائدات نفط الجنوب اصبحت بالنسبة للوطني مسألة حياة أو موت، ولن يتنازل عنها بسهولة، وبالتالي عمل منذ البداية علي تعطيل ترسيم الحدود وعدم تحقيق التحول الديمقراطي، وزيادة الأعباء الضريبية علي المواطنين لتمويل نفقات الأمن والتسلح.
انكفاء الحركة علي الجنوب افقدها تعاطف قوي كثيرة في الشمال، وتصريح سلفاكير الأخير باعلان موقفه الانفصالي أضر بتحالف الحركة الشعبية مع الحركة السياسية والجماهيرية في الجنوب،وسوف يجعلها معزولة في مواجهة حملة المؤتمر الوطني الشعواء عليها، وسوف يؤدي الي تمزيقها داخليا كحزب حاكم في الجنوب بالصراع داخلها بين التيار الوحدوي والانفصالي الذي اصبح قابضا علي السلطة ويعتمد علي القهر ومصادرة الحقوق والحريات الديمقراطية للمواطن الجنوبي، وكان الصحيح أن تلقي الحركة كل ثقلها في العمل المشترك لايجاد مخرج شامل لقضية الوطن في اطار سودان ديمقراطي موحد يسع الجميع، والعمل عن طريق النضال الجماهيري علي تفكيك واسقاط نظام المؤتمر الوطني واقامة الدولة المدنية الديمقراطية وتحقيق التحول الديمقراطي وتحقيق التنمية وتحسين الاوضاع المعيشية والحل الشامل والعادل لقضية دارفور وبقية أقاليم السودان الأخري. فالانفصال ليس هو الحل ، ومن الخير لكل قبائل وشعوب الجنوب أن تعيش في سودان ديمقراطي موحد كبير، به سوق واسع وحرية الحركة الواسعة في كل انحائه كما هو حادث الآن، فالانفصال تعبير عن نظرة ضيقة وضار بشعوب وقبائل الجنوب التي تعايشت مع الشماليين لما يقرب القرنين من الزمان وحدث الاندماج الثقافي ، اضافة لصلة المصاهرة، فلماذا يضيق النائب الأول سلفاكير واسعا بتصريحه بأنه سيصوت لصالح الانفصال؟!!. وفي ظل التوتر الحالي اذا تم الانفصال فانه سوف يكون عدائيا، بحيث ينتفي الهدف الرئيسي من اتفاقية نيفاشا وهي انهاء الحرب بين الشمال والجنوب، وتكون النتيجة تمزيق وحدة البلاد دون كسب السلام.



67
ضاقت واستحكمت حلقات الأزمة
في كل يوم تزداد أزمات الحكم في السودان، فعجز النظام عن توفير مقومات الحياة الكريمة للاطباء وتلبية مطالبهم العادلة، أدي الي اضراب الاطباء، وهم الذين يعملون آناء الليل واطراف النهار، وفي اقسي الظروف من اجل علاج المرضي ،ويدفعون احيانا من اموالهم علي شحها، هذا النظام الذي يصرف ملايين الجنيهات علي الدعاية الانتخابية للمؤتمر الوطني يعجز عن ويماطل في تلبية المطالب المشروعة للاطباء، ويعتقلهم ويهددهم بالفصل بدلا من حل مشاكلهم!!!. اضراب الاطباء يؤكد حقيقة استمرار جذوة المقاومة للنظام الذي عمّق ازمات البلاد، وبعد قمع اضراب الاطباء في نوفمبر 1989م ، وممارسة النظام لابشع انواع التنكيل بهم من تشريد وقمع وتعذيب كان من نتائجه اغتيال د. علي فضل، والقرار باعدام د. مامون محمد حسين، وتراجع النظام عن ذلك نتيجة للحملة العالمية والداخلية الشديدة، بعد كل ذلك، ظن النظام انه قضي علي جذوة المقاومة وسط الاطباء، وبعد عشرين عاما من القمع المتواصل، هاهم الاطباء يتنزعون مرة اخري حق الاضراب من اجل توفير ابسط مقومات العلاج وتحسين احوالهم المعيشية والمهنية، وخلق البيئة الصحية المناسبة لمواصلة العمل.
وياتي اضراب الاطباء كحلقة في سلسلة الاضرابات والاحتجاجات الكثيرة للعاملين مثل: اضراب واعتصام عمال السكة الحديد، اضراب العاملين في التعليم العالي، اضراب عمال البترول في هجليج، موكب عمل الشحن والتفريغ في بورتسودان...الخ، ومن المؤكد أن موجة الاضرابات والاحتجاجات المختلفة وتراكمها سوف تشكل عاملا حاسما في تغيير الاوضاع الي الافضل، ولابديل غير النضال الجماهيري من اجل انتزاع المطالب والحقوق ومن اجل تحسين الأوضاع المعيشية والمهنية.
ومن علامات مصير زوال النظام كسر الجماهير لحاجز الرهبة والخوف واستعدادها لمنازلة النظام كما حدث في مسيرات قوي تجمع جوبا، وهلع النظام من التحرك الجماهيري، ومحاولته اليائسة لتحجيم الدعاية الانتخابية لأحزاب المعارضة بمنشور المفوضية الأخير وخاصة بعد تدشين الحزب الشيوعي لحملته الانتخابية بميدان العلمين، رغم التزوير الكبير الذي عمله في السجل الانتخابي، واستخدام أساليب العنف والارهاب ومضايقة المرشحين المعارضين: مثل الاشاعة المغرضة في تصريح عبد الحميد موسي كاشا القيادي في المؤتمر الوطني ومرشحه لوالي جنوب دارفور: بأن محمد ابراهيم نقد السكرتير السياسي للحزب الشيوعي ومرشحه لرئاسة الجمهورية سوف يصوت للبشير!!!، والتي نفاها محمد ابراهيم نقد( الميدان:11-3-2010م)، هذا اضافة لنزع ملصقات مرشحة الحزب الشيوعي( خنساء احمد علي) بالحلفايا( الميدان: 11- 3- 2010م).
ومن العلامات ايضا الفساد الذي استشري كالسرطان في كل مفاصل النظام وتدمير الانتاج الصناعي والزراعي وتدمير السكة الحديد ومشروع الجزيرة والخدمة المدنية ونظام التعليم، اضافة للتدخل الاجنبي الكثيف في شئون البلاد مما افقد البلاد سيادتها الوطنية، وهذا يذكر بسنوات نظام نميري الأخيرة، عندما تم ترحيل الفلاشا ومشاركة السودان في مناورات النجم الساطع، واتهام النظام بدفن النفايات النووية.
والواقع ان المؤتمر الوطني هو الذي اوصل البلاد الي شفا جرف هار، وهو سبب الأزمة، وليس الحركة السياسية، فالمؤتمر الوطني ظل يماطل في تنفيذ استحقاقات جوهر نيفاشا التي أشارت الي تغليب خيار الوحدة والتحول الديمقراطي وتحسين أحوال الناس المعيشية، وأن يكون جهاز الأمن القومي مهنيا ويكون التفويض المخول له هو تقديم النصح والتركيز علي جمع المعلومات وتحليلها(المادة:2- 7- 2- 4 )، وتم تضمين وثيقة الحقوق في الدستور الانتقالي لسنة 2005م والتي ضرب بها عرض الحائط، علي أن يتوج ذلك بانتخابات حرة نزيهة تحت اشراف مفوضية مستقلة ومحايدة(المادة: 2-1 – 1-1)واستفتاء علي تقرير المصير في نهاية الفترة الانتقالية يدعم ويعزز خيار الوحدة، اضافة لعدم تنفيذ استحقاقات نيفاشا الأخري مثل: ترسيم الحدود بين الشمال والجنوب، وترسيم حدود ابيي، وتشكيل مفوضية الاستفتاء وحقوق الانسان التي تم انتهاكها، هذا اضافة لعدم تنفيذ استحقاقات الاتفاقيات الأخري: القاهرة، ابوجا، الشرق، ..الخ.
اذن المؤتمر الوطني هو سبب الأزمة، واسقاط المؤتمر الوطني في الانتخابات القادمة سوف يفتح الطريق لحل الأزمة، ويفتح الطريق لقيام دولة المواطنة التي تسع الجميع، مما يمهد الجو لوحدة البلاد، علما بأن انفصال الجنوب سوف يفتح الباب لانفصال دارفور والشرق والنوبة في الشمال. وبالتالي، فان مطلب تأجيل الانتخابات يجب أن يرتبط بتحقيق مطلوباتها التي تتمثل في الحل العادل والشامل لقضية دارفور، وحل التجاوزات في الاحصاء السكاني والسجل الانتخابي، والغاء قانون الأمن ومنشور المفوضية والفرص المتساوية في الاعلام وقيام مفوضية انتخابات مستقلة ومحايدة، وليس تجميد للاوضاع كما هي.
في هذه الفترة التاريخية الحاسمة من تطور البلاد اصبحت البلاد امام خيارين: اما ان تكون أو لاتكون. فالانتخابات القادمة يجب أن تمهد الطريق لحل مشاكل البلاد واستقرارها، لا ان تعمق مشاكلها بانتخابات مزوّرة وجزئية تعيد انتاج الأزمة وانفجار حركات المناطق المهمشة من جديد، علما بأن الاشتعال القادم سوف يكون اوسع من اشتعال عام 1983م عندما انفجرت حركة التمرد في الجنوب نتيجة لنقض اتفاقية اديس أبابا وافراغها من مضمونها.
وكاتب هذه السطور علي ثقة، رغم استحكام الأزمة وضيق حلقاتها، فان البلاد سوف تخرج منها اكثر قوة ومنعة، وهكذا تجارب السودان في التاريخ، كلما وصل مرحلة الانحطاط والتدهور والتفكك، ينهض من جديد كما في تجارب: ممالك مروي وممالك النوبة المسيحية والسلطنة الزرقاء، وفترة الحكم التركي، والمهدية، واستقلال السودان، وثورة اكتوبر 1964م، وانتفاضة مارس - ابريل 1985م، سوف ينهض السودان، كما ينهض طائر السمندل من الرماد.


68
لماذا مقاطعة الانتخابات؟
خاضت الحركة السياسية السودانية المعارضة معركة من أجل توفير شروط الانتخابات الشاملة والحرة النزيهة، باعتبار ذلك هو الضمان لقيام حكومة منتخبة ذات قاعدة عريضة تشرف علي قيام الاستفتاء علي تقرير المصير، باعتبار ذلك مقدمة ضرورية لأن تكون نتيجة الاستفتاء في صالح وحدة الوطن كما جاء في اتفاقية نيفاشا، ولكن المؤتمر الوطني رفض مذكرة احزاب جوبا ومرشحي الرئاسة حول تأجيل الانتخابات حتي تتوفر مطلوباتها والتي تتلخص في : اعادة النظر في الاحصاء السكاني والسجل الانتخابي المزوّر وقيام مفوضية انتخابات مستقلة ومحايدة، وفرص متساوية في أجهزة الاعلام، والحل الشامل والعادل لقضية دارفور. وبرفض المؤتمر الوطني لمذكرة المعارضة وملاحظات المراقبين الدوليين حول ضرورة الانتخابات الحرة النزيهة والتي لاتتوفر شروطها ( مركز كارتر، ومركز الأزمات....الخ)، وتهديد البشير للمراقبين الدوليين بالطرد وقطع اليد والانف والعنق اذا واصلوا في انتقاد العملية الانتخابية المزوّرة، يكون المؤتمر الوطني ومعه المندوب الامريكي غرايشن قد قفل الطريق امام وحدة السودان، بفصل الجنوب، علما، بان قيام الانتخابات الجزئية والمشوهة ، سوف تؤدي الي تعميق ازمة البلاد. واذا تم انفصال الجنوب ، فان ذلك سوف يؤدي الي انفصال دارفور والشرق وتمزيق وحدة السودان واشتعال الحروب الأهلية من جديد ونسف استقرار السودان، مما يكون له انعكاسه السالب علي دول الجوار ونسف استقرار المنطقة. فالحكمة تتطلب قيام انتخابات حرة نزيهة تستوعب كل القوي السياسية والحركات في دارفور وكل الوان طيف المجتمع ولاسيما ان البلاد خارجة من حروب اهلية، ومازالت رحي الحرب الأهلية دائرة في دارفور، مما يتطلب وقفها والحل الشامل والعادل للمشكلة، وهذا يتطلب اراداة سياسية وقرار من النظام الحاكم من خلال الاعتراف بالمشكلة وتحقيق مطلب الاقليم الواحد ونزع سلاح الجنجويد وتوفير التنمية في الاقليم، والتعويضات العادلة ورجوع النازحين لأراضيهم...الخ. وضرورة الحل الشامل الذي تشترك فيه كل الحركات والقوي السياسية ومنظمات المجتمع المدني بعيدا عن الصفقات الثنائية سواء في الشمال او الجنوب، والتي ما ان تلبث ان تعيد انتاج الأزمة بشكل اوسع واعمق.
لقد اكدت التجربة ان المؤتمر الوطني في حالة الضغط والمحاصرة يلجأ الي الاتفاقات والصفقات الثنائية، ولكنه ما يلبث أن يضرب بها عرض الحائط بعد ان يشتد عوده وساعده، حدث ذلك في: اتفاق السلام 1979م، وفي اتفاقية نيفاشا المشهودة دوليا والتي افرغها من مضمونها بعدم انجاز التحول الديمقراطي وتحقيق التنمية وتحسين الاوضاع المعيشية، حتي توج ذلك بوضع كل المتاريس لتفصيل انتخابات علي مقاس المؤتمر الوطني بمختلف اشكال التزوير ومفوضية تابعة له تماما، مما ادي الي نشوب الأزمة والتي افضت الي مقاطعة مرشحي الرئاسة من الاحزاب الكبيرة(الامة، الاتحادي، الشيوعي، الحركة)، باعتبار انهم لايريدون الاشتراك في تزوير ارادة الشعب. لقد جربت قيادات احزاب الأمة والاتحادي الاتفاقات الثنائية مع المؤتمر الوطني، ولم تجني غير السراب( اتفاق جدة الاطاري، جيبوتي، القاهرة، التراضي الوطني..)، ولن تجني شيئا من المفاوضات لصفقات ثنائية والتي رشح انها جارية تحت الطاولة الآن بتدخل المندوب الأمريكي غرايشن مع حزبي الأمة القومي والاتحادي (الأصل) لاثنائهما عن المضي قدما في المقاطعة والتي تعبر عن ارادة جماهير الحزبين والتي لاتريد المشاركة في تزييف ارادة شعب السودان ، بعد التجارب المريرة مع الوطني، فالمؤتمر الوطني يفك ضائقته بهذه الاتفاقات ولكن سرعان ما ينقض العهود والمواثيق، وبالتالي من المهم اخذ ذلك في الاعتبار واعلاء مطلب وحدة السودان في هذه الظروف والتي لن تتحقق الا بمحاصرة المؤتمر الوطني والضغط الجماهيري عليه حتي يستجيب لمطلوبات الانتخابات الحرة النزيهة،وفضح ونسف سياساته التي تهدد وحدة البلاد والعمل بثبات من أجل توفير كل مطلوبات الانتخابات حتي لو تم تاجيلها الي نوفمبر 2010م، كما جاء في مذكرة احزاب المعارضة.
ان شعار مقاطعة الانتخابات حتي تتم توفير مطلوباتها هو الموقف السليم حتي لايتم تزوير ارادة الشعب السوداني، وعمل انتخابات مزوّرة بالقسر علي طريقة المؤتمر الوطني والمندوب الأمريكي غرايشن تؤدي الي فصل الجنوب. علي ان شعار المقاطعة يتطلب عملا جماهيريا واسعا من اجل توفير مطلوبات الانتخابات، ويتطلب ذلك اوسع جبهة من اجل الديمقراطية ووحدة الوطن ومواصلة الصراع من اجل:
- التحول الديمقراطي والسلام ووحدة الوطن.
- توفير مقومات الانتخابات الحرة النزيهة والتي تفضي الي حكومة منتخبة ذات قاعدة عريضة مقبولة من الشعب لممارسة حق تقرير المصير.
- الحل الشامل والعادل لقضية دارفور.
- الوقوف ضد التدخل الامريكي في شئون البلاد والتنسيق مع المؤتمر الوطني من خلال الاسراع بفصل الجنوب.
- تحسين الاوضاع المعيشية.
- توسيع اجماع قوي جوبا ليضم حركات دارفور وتحالف مزارعي الحزيرة ومتضرري السدود وتحالفات الحركة الطلابية وحركة العاملين والمهنيين.
ونحن علي ثقة بان شعب السودان في اللحظات التاريخية الحاسمة من تاريخه قادر علي الخروج من الأزمة موحدا باحزابة ونقاباته الوطنية ومنظماته الجماهيرية وقادر علي اخراج البلاد من مازق التفتت والانقسام كما حدث في معركة الاستقلال 1956م وثورة اكتوبر 1964م، وانتفاضة مارس/ابريل 2010م التي تمرّ ذكراها العطرة هذه الايام.
69
من يتحمل مسؤولية الانفصال ؟
أشرنا سابقا الي أن للاستفتاء علي تقرير المصير مقوماته والتي أشارت لها اتفاقية نيفاشا والتي تتلخص في التحول الديمقراطي والتنمية وتحسين الاوضاع المعيشية، والحل الشامل لمشاكل أقاليم السودان الأخري من خلال الحكم الذاتي والتوزيع العادل للسلطة والثروة مثل قضية دارفور ، وأن يأتي الاستفتاء تتويجا لانتخابات حرة نزيهة تشرف عليها مفوضية مستقلة ومحايدة، حتي يجئ الاستفتاء تعزيزا لخيار الوحدة الطوعية.
ولكن أتت الرياح بما لاتشتهي سفن الاتفاقية ، وتم تكريس الخلافات بين الشريكين طيلة الخمس سنوات الماضية، من خلال اصرار المؤتمر الوطني علي السير في سياسة نقض العهود والمواثيق، والتي عمقت مشاكل السودان. والواقع أن انقلاب الانقاذ الذي نفذته الجبهة القومية الاسلامية صبيحة الجمعة 30/يونيو/1989م يتحمل المسئولية التاريخية في تعميق جراح الوطن، جاء الانقلاب لينسف اتفاقية الميرغني – قرنق والتي تم فيها التوصل لحل داخلي في اطار وحدة السودان ، وبدات الترتيبات لعقد المؤتمر الدستوري ، واضاف نظام الانقاذ بعدا دينيا لحرب الجنوب، وارتكب فظائع زادت المشكلة تعقيدا، وتركت جروحا لن تندمل بسهولة، وكان لها الأثر في الدعوة للانفصال بدلا من العيش تحت ظل دولة فاشية ظلامية باسم الدين تجعل من الجنوبيين مواطنين من الدرجة الثانية، وبالتالي، فان المؤتمر الوطني باصراره علي هذه الدولة علي طريقة نافع علي نافع في تصريحه الأخير( مرحبا باتفصال الجنوب اذا كان الثمن المطلوب لبقاء السودان موحدا التفريط في الشريعة الاسلامية)، والكل يعلم أنه من خلال تجربة 20 عاما من حكم الانقاذ كيف تحول السودان الي دولة فاشلة وفاسدة حسب التقارير الدولية، وكيف افقرت هذه الدولة شعب السودان حتي اصبح 95% منه يعيش تحت خط الفقر اضافة لرفع الدولة يدها عن خدمات التعليم والصحة وبقية الخدمات(مياه ، كهرباء..)، اضافة الي تدمير الخدمة المدنية والتعليم والجيش من خلال تشريد الالاف من الكفاءات المؤهلة، وتدمير السكة الحديد ومشروع الجزيرة وبقية المشاريع الزراعية ، ونهب الاراضي الزراعية وممتلكات القطاع لمصلحة الطفيلية الاسلاموية، وعدم تحويل جزء من عائدات النفط لدعم الزراعة والصناعة وتوفير احتياجات المواطنين الأساسية في التعليم والصحة والخدمات، اضافة لانتهاكات حقوق الانسان وضرب عرض الحائط بوثيقة الحقوق في الدستور الانتقالي لسنة 2005م.
تلك هي حصيلة دولة الانقاذ والتي سامت شعب السودان سوء العذاب حتي اصبحت البلاد الآن علي شفا جرف هار من التمزق وانفصال الجنوب.
اضافة لعدم استشعار المؤتمر الوطني للمسؤولية التاريخية من خلال المساهمة من مواقع الندية والمساواة في الاتفاق علي اجندة المؤتمر الجامع بهدف الوصول لمخرج من الأزمة الحالية تفتح الطريق للحل الشامل لقضية دارفور والوحدة الطوعية والتحول اليمقراطي وتحسين الاوضاع المعيشية والاقتصادية.
ونلاحظ الآن أن غيوم الأزمة تتلبد في سماء البلاد من خلال الاستعداد للحرب من الشريكين، ويرد في الانباء ( شراء الجيش الشعبي ل 11 طائرة حربية لحماية أراضيه)، واتهام المؤتمر الوطني للحركة الشعبية بالاستعداد للحرب( بشراء الدبابات والطائرات)، ومن الجانب الآخر تتهم الحركة الشعبية المؤتمر الوطني بتغذية الصراعات القبلية في الجنوب لنسف الاستفتاء، ودعم جيش الرب، كما يتضح من أزمة طائرة سودانير المحتجزة في الجنوب. كما يشيرالمؤتمر الوطني الي وثائق تؤكد تورط الجيش الشعبي بدعم متمردي دارفور عبر يوغندا، ومن الجانب الآخر نفي البنك المركزي حرمان الجنوب من العملة الصعبة ، بعد اتهام الحركة الشعبية له في انه يتسسب في حرمانها من العملة الصعبة لمواجهة الاستفتاء.
كما تشير الأنباء الي أن حكومة الجنوب تنوي اعادة مليون ونصف من النازحين بالشمال للجنوب للتصويت في الاستفتاء، بميزانية تقدر ب 60 مليون جنية (25 مليون دولار)، كما تشير الانباء الي أن الحركة وافقت علي أن يكون منصب الامين العام في مفوضية الاستفتاء من الشمال مما يشير الي انفراج هذه الآزمة اضافة الي اتفاق لتقليص الفترة الزمنية للاستفتاء.
كل ذلك يوضح وكان الاستفتاء قد اصبح غاية في ذاته بدون توفير استحقاقاته التي أشرنالها في بداية المقال، وبدون التفكير في عواقب الانفصال والذي يعني استمرار الحرب في ظل المناطق المتنازع عليها مثل: ابيي ، وحفرة النحاس...الخ.
ولابديل غير الحل الشامل لقضايا السودان للخروج من الأزمة، وقيام الدولة المدنية الديمقراطية التي تسع الجميع غض النظر عن الدين واللغة والعرق والثقافة، والحل الشامل والعادل لقضية دارفور والتحول الديمقراطي ونحسين الاوضاع المعيشية.

69
مهام الحركة السياسية والجماهيرية بعد مقاطعة الانتخابات
باصرار المؤتمر الوطني علي قيام انتخابات مزوّرة ومشوهة وجزئية وتهديد الرئيس البشير بتأجيل الاستفتاء علي تقرير المصير اذا أصرت الحركة علي تاجيل الانتخابات، يكون المؤتمر الوطني قد هدد بدق آخر مسمار في نعش نيفاشا، وكان ذلك تتويجا لخروقات استمرت منذ توقيع اتفاقية نيفاشا، بعدم: الغاء القوانين المقيدة للحريات وعدم توفير التنمية وتحسين احوال الناس المعيشية، وعدم قيام مفوضية انتخابات حرة ونزيهة، وعدم فرص متساوية في الاعلام وتعطيل وثيقة الحقوق في الدستور الانتقالي بمصادرة الحقوق والحريات الأساسية من خلال قمع واطلاق النار علي المظاهرات السلمية والاعتقالات والتعذيب حتي الموت( اخر حادث هو لمحمد موسي بحر الدين الطالب بكلية التربية جامعة الخرطوم)، وافراغ المجلس الوطني الانتقالي المعيّن من محتواه بتحويله من اداة لمتابعة تنفيذ الاتفاقية وسيرها بسلاسة بحيث تفضي في النهاية لتفكيك الشمولية وجعل خيار الوحدة هو الجاذب في النهاية، وبدلا من ذلك استخدم المؤتمر الوطني أغلبيته الميكانيكية بتمرير قانون الانتخابات غير المتفق عليه في الحركة السياسية وتمرير القوانين المقيدة للحريات وآخرها قانون الأمن، وتمرير الميزانيات للاعوام: 2006، 2007، و2009، و2010م والتي افقرت الشعب السوداني وزادته رهقا علي رهق، هذا اضافة لعدم لتحويل عائدات النفط للتنمية الزراعية والصناعية والخدمات، وتزايد الفقر ليشمل 95% من السكان، ومن الجانب الآخر ساد النشاط الطفيلي للفئات الاسلاموية من خلال الشركات التابعة للوطني، والتي امتصت اموال الدولة بنهب قطاع الدولة عن طريق الخصخصة، والاعتماد علي مشترياتها وعطاءاتها ، وأفلسوا البنوك، وتم تعطيل النشاط في الزراعة والصناعة للفئات المنتجة من الراسمالية الوطنية. ورغم تراجع النظام بتوقيع اتفاقية نيفاشا وبقية الاتفاقات الا أن طبيعة النظام لم تتغير ، فلا يزال نظاما شموليا يكرّس نظام الحزب الواحد، ويمارس القمع سياسيا والنهب اقتصاديا والفشل في بناء قاعدة رأسمالية انتاجية وخدمية تحمله فوق ظهرها،كما حدث للفئات الرأسمالية العنصرية في جنوب افريقيا بعد تفكيك النظام العنصري، فنظام الانقاذ لايستطيع أن يفطم نفسه من جهاز الدولة، اضافة للمراوغة وخرق العهود والمواثيق، واحتكار الاعلام، وتزوير انتخابات العاملين والموظفين والمهنيين والطلاب والانتخابات العامة كما في الانتخابات الحالية.
كما أشرنا سابقا، يحاول المؤتمر الوطني اعادة انتاج وتسويق نفسه مرة أخري عن طريق انتخابات مزّورة: في الاحصاء السكاني والسجل الانتخابي، اضافة لمشكلة دارفور، والابقاء علي القوانين المقيدة للحريات، وغياب الفرص المتساوية في الاعلام، وانحياز جهاز الدولة باكمله للمؤتمر الوطني، اضافة للحروب القبلية في الجنوب ومناطق التماس وعدم ترسيم الحدود بين الشمال والجنوب، ومشكلة المحكمة الجنائية، والتدخل الخارجي الكثيف في شئون السودان الداخلية، وغير ذلك من المتاريس التي تقف أمام قيام انتخابات حرة نزيهة والتي يضعها المؤتمر الوطني، ويحاول دفن رأسه في الرمال.
اننا نحي الاحزاب الوطنية التي استشعرت المسئولية التاريخية ورفضت المشاركة في تلك الانتخابات المزّورة والمشوهه والجزئية( الحزب الشيوعي والحركة الشعبية، وحزب الأمة(الاصلاح والتجديد) وحزب الأمة القومي، وحزب البعث ، وحركة حق..الخ)، فقد سجلت تلك الاحزاب موقفا تاريخيا رافضا لتزوير ارادة شعب السودان وفصل الجنوب الذي يهدد بفصل دارفور وبقية أجزاء السودان، ومازال في الوقت متسع لتنضم الأحزاب الأخري التي تتوهم انها يمكن أن تحقق شيئا في ظل انتخابات محسومة سلفا عن طريق تزوير كبير شمل حتي بطاقات التصويت، وتهديد بطرد المراقبين الدوليين وقطع الانف واليد والرقبة ان قالوا(ان الانتخابات غير حرة ونزيهة). وحتي حديث غرايشن المبعوث الأمريكي بأن الانتخابات السودانية حرة ونزيهة، تدحضه تقارير مركز كارتر ومركز الأزمات، وصحيفة وول استريت جورنال التي وصفت الانتخابات في السودان بالصورية والفاسدة من رأسها حتي اخمص قدميها، والتي سوف تعيد تنصيب الرئيس البشير وطالبت المجتمع الدولي بعدم الاعتراف بحكم (الديكتاتور)(سودانيز اون لاينز:7-4-2010)، كما حث ائتلاف انقذوا دارفور وهو تحالف يضم اكثر من 190 منظمة حقوقية، الولايات المتحدة والمجتمع الدولي الا يضفي الشرعية علي الانتخابات الرئاسية في السودان، وباعتبار أن الانتخابات ليست حرة ولاشفافة، وليست ذات مصداقية كما صرح مدير الائتلاف روبرت لورانس. وكما أشار مركز الأزمات الي (العواقب الكارثية) للانتخابات التي تعيد حكم البشير المطلوب أمام محكمة الجنايات الدولية لارتكابه جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية، والذي سوف يحكم بدون تفويض حقيقي).
واذا كان د. حسن الترابي يصرح بان فوز البشير يجعل السودان أسوأ من الصومال، فلماذا يشارك المؤتمر الشعبي في هذه الجريمة، ويرتكب الجريمة الثانية والمركبة بعد مشاركته في انقلاب 30/يونيو/1989م والذي اوصل البلاد الي هذا الشقاء والألم؟ ود. الترابي يعلم جيّدا أن هذه الانتخابات مزوّرة وسوف يفوز فيها البشير من الجولة الأولي فلماذا المشاركة؟.
في هذه اللحظة التاريخية والمفصلية نحي الضمائر الحية والوطنية في الحزب الاتحادي الديمقراطي (الاصل) والتي سجلت موقفا مشرفا ودعت الي عدم المشاركة في جريمة اعطاء الشرعية لحكم البشيرمثل: بيان علي محمود حسنين، وبيان يوسف محمد يوسف، وبيان الحزب الاتحادي الديمقراطي بالولايات المتحدة الذي أشار الي أن مقاطعة الانتخابات واجب وطني، وطالب قيادة الحزب باتخاذ قرار فوري بمقاطعة هذه الانتخابات التي ترفضها قواعد الحزب وجماهير الشعب السوداني، وبتوقيع د. علي بابكر الهدي( سودانيز اون لاينز: 8/4/2010م)، ونتمني أن ينضم الحزب الاتحادي الديمقراطي (الاصل) لركب المقاطعة والتي تعبر عن جماهيره الوطنية حقا، هذا اضافة لاعلان مجموعة من الوطني الاتحادي المقاطعة.
علي أن موقف المقاطعة يكتسب قوته ويكون مفعوله فعّالا ومؤثرا، من خلال نهوض جماهيري واسع، مثل نهوض الحركة الوطنية والجماهيرية بعد مقاطعة انتخابات الجمعية التشريعية المزيّفة عام 1948م والذي افضي الي اتفاقية 1953م وقيام برلمان حقيقي غير مزيف عن طريق انتخابات حرة ونزيهة، وفي ظل حريات ديمقراطية واسعة افضي في النهاية الي استقلال السودان عام 1956م، وكذلك مقاطعة أحزاب المعارضة لمجالس شعب ديكتاتورية مايو( 1969- 1985م)، والتي افضت الي تراكم المقاومة الجماهيرية والعسكرية ضد النظام والي انتفاضة مار/ابريل 1985م.
اذن المقاطعة يجب ان ترتبط بنهوض جماهيري واسع من اجل تفكيك النظام الشمولي والديكتاتوري وانتزاع التحول الديمقراطي ، وتكوين آلية قومية لمتابعة تنفيذ الاتفاقات، ومراجعة سياسات النظام الاقتصادية والتعليمية التي دمرت البلاد، واستعادة الركائز والاعمدة لوحدة السودان ارضا وشعبا، ودعم خيار الوحدة في الاستفتاء علي تقرير المصير.
ومن تجربة المبعوث الامريكي غرايشن السلبية: لانعول علي المجتمع الدولي والوسطاء الذين لهم حساباتهم ومصالحهم وأخطرها فصل الجنوب وتمزيق وحدة السودان، فهدفهم تحقيق الاستقرار حتي لو كان ذلك علي حساب استقرار ووحد السودان ارضا وشعبا. ولكن الحل كما اكدت التجربة رهين بقدرات جماهير الشعب السوداني علي فرض ارادتها لانجاز التحول الديمقراطي والغاء كل سياسات النظام التي دمرت البلاد والعباد.
المطلوب حاليا ليس مد الفترة الانتقالية كما تقول بعض الآراء بعد أن اتضحت الطبيعة المراوغة للنظام، بل المطلوب جبهة واسعة من اجل الديمقراطية ووحدة الوطن، تضم اضافة لاحزاب جوبا الراغبة في مواصلة النضال من اجل الديمقراطية وتفكيك الشمولية ، حركات دارفور وجبهة الشرق وحركة النقابيين والمهنيين وتحالف مزارعي الجزيرة وبقية المشاريع متضرري السدود وتحالفات الطلاب والشباب والنساء والنزول للشارع عن طريق الندوات والمواكب والمظاهرات والاعتصامات..الخ من اجل:
- التحول الديمقراطي والسلام ووحدة الوطن شعبا وارضا.
- توفير مقومات الانتخابات الحرة النزيهة والتي تفضي الي حكومة منتخبة ذات قاعدة عريضة مقبولة من شعب السودان لممارسة حق تقرير المصير علي ان تشرف علي الانتخابات حكومة انتقالية مقبولة من الاحزاب ومفوضية انتخابات حرة ومستقلة، واعادة النظر في الاحصاء السكاني والسجل الانتخابي وفرص متساوية في اجهزة الاعلام والغاء كل القوانين المقيدة للحريات وعلي رأسها قانون الأمن، والاسراع في ترسيم الحدود وقيام مفوضية الاستفتاء وترسيم حدود ابيي، وجعل خيار الوحدة هو الجاذب بقيام دولة المواطنة التي تسع الجميع.
- الحل الشامل والعادل لقضية دارفور واتخاذ تدابير فورية من أجل: جعل دارفور اقليما واحدا حسب حدود 1956م، وتعويض النازحين وعودتهم الي اراضيهم ووقف القتال وازالة الالغام ونزع سلاح الجنجويد ومحاكمة مرتكبي جرائم الحرب والمحاكم ضد الانسانية، وتوفير التنمية وعقد المؤتمر الجامع الذي يضم كل حركات ومكونات دارفور.
- توفير التنمية واحتياجات الناس الأساسية في التعليم والصحة والخدمات وتحسين الأحوال المعيشية ودعم نهوض الحركة الجماهيرية والمطلبية من اجل رفع الاجور وتركيز الأسعار ودعم السلع الأساسية، وارجاع المشردين وتكوين نقابي ديمقراطي يعبر عن ارادة العاملين.
- وقف التدخل الأجنبي السافر في شئون السودان الداخلية وضمان وحدة وسيادة البلاد.
وحتما كما اكدت التجربة سوف تنتصر ارادة الشعب السوداني.

70
احتلال ابيي وخطورة العودة لمربع الحرب.
لم تكن الأحداث الأخيرة في ابيي التي ترتبت عليها خسائر بشرية ومادية مؤسفة مفاجئة لأحد، فهي نتاج لفشل الشريكين في تنفيذ اتفاقية نيفاشا رغم مرور ست سنوات علي توقيعها. لقد اكدت السنوات العجاف الماضية من عمر الاتفاقية: أنه حتي انجازها الوحيد وهو وقف نزيف الدم، بات في مهب الريح، بعد أن أطل خطر الحرب برأسه من جديد، بعد الاحتلال الأخير لقوات حكومة الشمال لابيي، اضافة لاستمرار ذلك الخطر بعد اعلان انفصال الجنوب بعد التاسع من يوليو 2011م، وبالتالي أصبحت النتيجة تمزيق وحدة البلاد دون كسب السلام المستدام، بل زاد خطر المزيد من تمزيق ماتبقي من البلاد نتيجة سياسات المؤتمر الوطني المدمرة التي قادت الي انفصال الجنوب.
جاء توقيع اتفاقية نيفاشا وبقية الاتفاقات( القاهرة، ابوجا، الشرق،..) نتيجة لمقاومة الحركة الجماهيرية وضغط المجتمع الدولي. ولكن كما أشرنا لم يتم تنفيذ الاتفاقية: بالغاء كل القوانين المقيدة للحريات وتحقيق التحول الديمقراطي الذي يكفل الديمقراطية واستقلال القضاء ، ومبدأ سيادة حكم القانون، وتحقيق قومية الخدمة المدنية والعسكرية ، واصدار قرار سياسي لتسوية أوضاع المفصولين تعسفيا، ورد المظالم ومحاسبة كل الذين ارتكبوا جرائم في حق الوطن، وقيام انتخابات حرة نزيهة تفتح الطريق لقيام استفتاء حر نزيه يعزز خيار وحدة السودان.
وكان مطلوبا لنجاح الاتفاقية أن يحس الناس بتحسن في احوالهم المعيشية ، وتوفير احتياجاتهم الأساسية في: التعليم والعلاج والخدمات والسكن..الخ. ولكن حدث العكس فقد تدهورت اوضاع المواطنين والكادحين في الشمال والجنوب ، ولم يذهب جزء من عائدات البترول التي بلغت اكثر من 52 مليار دولار الي دعم الزراعة والصناعة وخدمات التعليم والصحة وبقية البنيات الأساسية في الشمال والجنوب، بل لم يتم صرف استحقاقات ومتأخرات مرتبات العاملين كما يتضح من موجة الاضرابات الكثيرة للعاملين مثل اضراب الأطباء الأخير، وتدهور الخدمات مثل انقطاع مياه الشرب والتي ادت الي موجة المظاهرات والاعتصامات الأخيرة لجماهير بعض الأحياء في العاصمة القومية.
لقد كان الخلل أيضا في ثنائية الاتفاقية واستبعاد وتهميش شعب السودان ممثلا في قواه السياسية ومنظماته المدنية، وخاصة أن الاتفاقية تناولت قضية أساسية تتعلق بمصير السودان ووحدته. اضافة لجوانب الخلل الأخري فيها التي عمقت وكرّست النزعة الانفصالية مثل: تقسيم البلاد علي أساس ديني، وقيام نظامين مصرفيين، واقتسام عائدات البترول (50% لحكومة الشمال، و50% لحكومة للجنوب)، والصراع حول عائدات النفط وعدم الشفافية حولها.
فضلا عن أن الاتفاقية كرّست الصراع بين الشريكين، وهيمنة المؤتمر الوطني في الحكومة المركزية والمجلس الوطني من خلال الأغلبية الميكانيكية، واعادة انتاج الشمولية والقهر والتسلط عن طريق تلك المؤسسات، مما كان له الأثر في في تكريس الوضع الحالي الذي تم فيه تزوير الانتخابات العامة وانفصال الجنوب وتزويرانتخابات جنوب كردفان واحتلال ابيي مما يهدد بالعودة الي مربع الحرب.
وفيما يتعلق بأزمة ابيي الحالية فهي نتيجة لفشل تنفيذ الاتفاقية فيما يتعلق بعدم تنفيذ "بروتكول ابيي" الذي اقترحه السيناتور "دانفورث" بعد اشتداد الخلاف حول ابيي في مفاوضات نيفاشا، ووافق عليه الشريكان، واصبح ملحقا باتفاقية السلام الشامل، نتيجة رفض المؤتمر الوطني لتقرير الخبراء. وحتي بعد أن ارتضي الشريكان محكمة العدل الدولية في لاهاي حكما في النزاع حول حدود منطقة ابيي، لم يلتزم المؤتمر الوطني بحكم المحكمة. اضافة الي خطأ الحركة الشعبية التي اعلنت تبعية ابيي في دستور الجنوب، قبل اجراء الاستفتاء الذي كان مقررا له في 9 يناير 2011م، بل حتي لم يصدر قانونه. اضافة لتصريحات الرئيس البشير التي دقت طبول الحرب والتي أعلن فيها من جانب واحد في خطابه في المجلد أثناء دعمه لحملة أحمد هارون الانتخابية أن " ابيي شمالية وستظل شمالية ، ان لم تكن عن طريق صناديق الانتخابات، فعن طريق صناديق الذخيرة ". اضافة الي قفل الحدود بين الشمال والجنوب ومنع المواد التموينية عنه. اضافة للانفلاتات الأمنية في المنطقة مثل: حرق القري وموت العشرات من السكان ونزوح الالاف منهم، كل هذه التراكمات الكمية أدت الي الانفجار النوعي الحالي.
وجد احتلال ابيي استنكارا واسعا من أحزاب المعارضة السودانية والمجتمع الدولي التي طالبت بتجنب العودة للحرب مرة اخري، كما يتضح من البيانات التي اصدرتها الأحزاب والدول الراعية للاتفاقية وغيرها.
ويبقي من المهم حل القضية عن طريق الحكمة والتفاوض والحوار، اضافة للعامل الحاسم وهو ضغط الحركة السياسية والجماهيرية في الشمال من أجل اجبار قوات الحكومة علي الانسحاب حتي لاتتجدد الحرب مرة أخري، وسد الطريق أمام المؤتمر الوطني التي تحاصره أزماته الداخلية ونهوض الحركة الجماهيرية ، والذي يحاول الهروب منها الي الحرب، واستغلال اجوائها لمصادرة الحقوق والحريات الديمقراطية وفرض الدولة الدينية الظلامية في الشمال، والمحاكمات الفكرية والسياسية لكتاب الرأي مثل: محاكمة د. عمر القراي والتي وجدت استنكارا واسعا من الرأي العام المحلي والعالمي. وهذا يؤدي الي المزيد من التدهور وتمزيق ماتبقي وحدة البلاد.
ان الوضع الحالي يتطلب التصدي الجاد لحل قضايا مابعد الانفصال ( ابيي، ترسيم الحدود، البترول، مياه النيل، الجنسية والمواطنة، ديون السودان،..الخ)، وبناء اوسع جبهة من أجل اسقاط النظام وقيام حكومة انتقالية تتصدي لقضايا الوطن الضاغطة والتي تتلخص في: تحسين الاوضاع الاقتصادية والمعيشية، وحل قضايا مابعد الانفصال، وتحقيق التحول الديمقراطي بالغاء كل القوانين المقيدة للحريات، وعقد المؤتمر الدستوري الذي يحدد شكل الحكم في البلاد، والاشراف علي محادثات قبائل ابيي، ومتابعة نتائج المشورة الشعبية في جنوب النيل الأزرق ، وقيام انتخابات حرة نزيهة في جنوب كردفان بعد الغاء نتائج الانتخابات المزوّرة الحالية تتبعها آلية جديدة لاستطلاع آراء سكان المنطقة، والحل الشامل والعادل لقضية دارفور، ومعالجة الوضع المتدهور في شرق السودان، ومنع تجدد الحرب بين الشمال والجنوب ، وقيام شراكة استراتيجية بينهما تفتح الطريق لاعادة توحيد الوطن علي أسس طوعية وديمقراطية علي أساس دولة المواطنة التي تسع الجميع، والاشراف علي اجراء انتخابات عامة حرة نزيهة جديدة في نهاية الفترة الانتقالية.


71
الاتفاقات مع النظام: هل هي المخرج؟
*كانت تجربة 21 من حكم الانقاذ وبالا علي البلاد، وتوفرت لنا معرفة نظرية تم استخلاصها من تلك التجربة حول طبيعة وسمات وخصائص النظام، فما هي أهم مقومات تلك المعرفة؟
منذ سطو الجبهة الاسلامية علي السلطة بانقلاب 30 يونيو 1989م، خاض النظام حربا شعواء علي الشعب السوداني وقواه السياسية والنقابية، وتم تشريد واعتقال وتعذيب الالاف من المواطنين ، وتزوير انتخابات النقابات والاتحادات والانتخابات العامة، والغاء قومية الخدمة المدنية والقوات النظامية والتعليم، وفرض نظام شمولي تحت هيمنة المؤتمر الوطني. واعلان الحرب الجهادية التي اتسع نطاقها لتشمل جبال النوبا، والنيل الأزرق والشرق ودارفور ، ورفعت الدولة يدها عن خدمات التعليم والصحة، اضافة للخصخصة وتشريد العاملين ونهب ممتلكات الدولة، وتحجيم الفئات الرأسمالية السودانية المنتجه من خارج الحزب الحاكم، وتم تكريس السلطة والثروة في يد الفئات الرأسمالية الطفيلية الاسلاموية، و افقار الشعب السوداني حتي اصبح 95% منه يعيش تحت خط الفقر، وتكريس الفساد والتستر علي المفسدين. كما تم تمزيق وحدة الوطن بفصل الجنوب نتيجة لممارسات النظام الخاطئة واستغلاله للدين في السياسة.
*وقّع النظام اتفاقات كثيرة مع قوي المعارضة والحركات المسلحة، وكان من الممكن أن تفتح الطريق لمخرج من الأزمة، ولكن تميز النظام بنقض العهود والمواثيق ، كما وضح من افراغ الاتفاقات التي وقعّها من مضامينها وحولها الي مناصب ومقاعد في السلطة والمجالس التشريعية القومية والولائية تحت هيمنة المؤتمر الوطني مثل الاتفاقات مع: مجموعة الهندي من الاتحادي، وجيبوتي مع الأمة والتي ادت الي انشقاق حزبي الأمة والاتحادي، ومجموعة السلام من الداخل التي انشقت من الحركة الشعبية، واتفاقية نيفاشا والتي كانت نتائجها كارثية ادت الي تمزيق وحدة السودان، بعدم تنفيذ جوهرها الذي يتلخص في : التحول الديمقراطي وتحسين الأحوال المعيشية ، وقيام انتخابات حرة نزيهة في نهاية الفترة الانتقالية بحيث تجعل كفة الوحدة هي الراجحة في النهاية، وبالتالي، يتحمّل المؤتمر الوطني المسؤولية الأساسية في انفصال الجنوب. وبعد ذلك وقّع النظام اتفاقات أخري أيضا لم يف بعهودها مثل اتفاق القاهرة مع التجمع الوطني الديمقراطي، واتفاق ابوجا مع مجموعة مناوي، والاتفاق مع جبهة الشرق ، واتفاق التراضي الوطني مع حزب الأمة، وغيرها، وكلها لم تؤتي اكلها، واصبحت حبرا علي ورق. ولم تّغير هذه الاتفاقات من طبيعة النظام وخصائصه وعقليته الاقصائية والشمولية حتي لو كان علي حساب وحدة الوطن، اضافة لمواصلة التنكر لوثيقة الحقوق في دستور 2005م التي كفلت حرية التعبير والتجمع والتظاهر السلمي، من خلال قمع المواكب وفتح النار عليها كما حدث في موكبي البجا في شرق السودان، وابناء كجبار، مما ادي لقتلي وجرحي، اضافة لقمع مواكب الشباب والطلاب والمعارضة والنساء والاطباء..الخ، ومصادرة الصحف واعتقال الصحفيين، والتهديد بسحق المعارضة بعد تكوين "كتيبة استراتيجية" لهذا الغرض، واجراء تغييرات شكلية في النظام عن طريق التضحية ببعض الفاسدين دون تغيير طبيعة النظام، وممارسة تعذيب المعتقلين السياسيين، وعدم تنفيذ الاتفاقات مع الاطباء مما ادي للاضراب والاعتصام من أجل تحقيق مطالبهم وسحب الثقة عن قيادة اتحاد الاطباء.
هذا فضلا عن رفع شعار الشريعة بهدف ارهاب وقمع الحركة الجماهيرية، كما حدث ايام نميري وطيلة ال 21 عاما الماضية، والتي لم يري فيها الشعب السوداني غير شريعة الغاب والنهب والسلب والفساد والقمع ومصادرة الحقوق والحريات الأساسية، وتدمير المؤسسات الزراعية والصناعية المنتجة، ولم تذهب جزء من عائدات البترول للتعليم والصحة والخدمات، وتوفير فرص العمل للعاطلين الذين بلغ عددهم حسب الاحصاءات الرسمية ( 11 ) مليون شخص منهم ( 48,6% ) شباب، اضافة الي افقار الملايين من جماهير شعبنا، وتمزيق وحدة السودان وبالتالي، فان استغلال شعار الشريعة ورفعه في المفاوضات مع حزبي الأمة والاتحادي ماعاد ينطلي علي احد، ولن يقبض حزبا الأمة والاتحادي غير الريح والمزيد من الانشقاقات والبلبلة داخلهما من المشاركة في النظام،رغم المصالح الطبقية المحركة للاتفاق مع النظام، وشعار الشريعة الذي فقد بريقه كغطاء ايديولوجي لتغطية تلك المصالح ولتوسيع قاعدة النظام، كما اكدت التجارب السابقة.
*ورغم رفع شعارات الحوار، الا أن النظام يستمر في سياساته نفسها التي قادت الي الكارثة والانهيار وتمزيق وحدة البلاد مثل قرار اجراء استفتاء علي الاقليم الواحد في دارفور وتعيين المفوضية السابقة التي اشارت اصابع الاتهام لها بتزوير الانتخابات السابقة لتشرف علي الاستفتاء، علما بأن الاقليم اصلا كان واحدا، مما يتطلب قرارا بارجاعه لوضعه القديم كما تطالب حركات وتنظيمات اهل دارفور، مما يؤدي الي المزيد من التوتر والتطرف تحو المطالبة بالانفصال، اضافة الي دق طبول الحرب في الجنوب ودارفور.
وبالتالي، فان طبيعة النظام لم تتغير، والتي تقوم علي النهب والقمع والمرواغة وكسب الوقت، وأن يكون الحوار والمشاركة تحت هيمنته وفرض "اجندته"، وهو نظام فاسد حتي نخاع العظم، لايجدي الحوار والمشاركة فيه، فهو بطبيعته لايقبل الحوار والرأي الآخر، وشعاره سحق المعارضة، والتصوير بأنه لابديل غيره، وأنه اذا ذهب فسوف تعم الفوضي في البلاد، علما بأنه هو السبب الأساسي في الفوضي التي ادت لفصل الجنوب، وربما تمزيق ما تبقي من الوطن اذا كابر واستمر في سياساته السابقة.
وبالتالي، لابديل غير زوال هذا النظام اذا اردنا انقاذ الوطن، والحفاظ علي وحدة ماتبقي منه، واعادة توحيده مرة أخري علي أساس الدولة المدنية الديمقراطية، وانجاز التحول الديمقراطي وتحسين الاوضاع المعيشية، والحل الشامل والعادل لقضية دارفور، واصدار قرار سياسي بارجاع المفصولين، وضمان استقرار البلاد وحسن الجوار وعلاقاتنا الخارجية، وتحقيق وحدة وسيادة البلاد.

72
لاعاصم للنظام الفاسد من طوفان التغيير
في كل يوم تزداد أزمة الحكم تفاقما في السودان، وتتراكم عوامل التغيير فيه، ولاغرو أن النظام الفاسد في البلاد لايقف علي قمة " جبل الجودي" الذي يعصمه من طوفان التغيير الذي اقتلع انظمة الحكم الفاسدة والمستبدة في تونس ومصر ، وتنداح أمواجه العاتية الآن الي ليبيا واليمن وسوريا وبقية البلدان في المنطقة من حولنا. وعندما تتوفر الظروف الموضوعية والذاتية للتغيير في البلاد، فانها لاتنتظر نتيجة صراع المصالح بين مراكز القوي الدائر الآن داخل السلطة، ولاتنفيذ الأجندة الوطنية التي يبشرنا بها السيد/ الصادق المهدي، كبديل للانتفاضة الشعبية لتغيير النظام، ولاأوهام الحوار مع النظام الذي سد كل الطرق والمنافذ من أجل التفاهم لايجاد مخرج لحل الأزمة الوطنية العامة، ولاسؤال البديل الحائر وكانما شعب السودان اصبح عاقرا لاتطلع عناصر وطنية من صلبه تقود اصلاح البلاد من الدمار الذي الحقه نظام الانقاذ بها!!.
واذا امعنا النظر نجد أن العوامل الموضوعية للتغيير اصبحت متوفرة بكثرة في البلاد، فالحياة تحت ظل هذا النظام اصبحت لاتطاق: الجماهير تعاني من الارتفاع الجنوني في الاسعار، وانعدام ضروريات الحياة مثل: مياه الشرب والتي كانت سبب مظاهرات الجماهير في أحياء العاصمة القومية: بري والعزوزاب والثورات الحلفايا..الخ، والتكلفة الباهظة للعلاج والرسوم الدراسية، وضيق فرص العمل للشباب والخريجين، واضراب الاطباء من اجل تحقيق مطالبهم وتوفير مقومات العلاج، وفضائح الفساد التي تنشرها الصحف التي اصبحت تزكم الانوف وهي تمثل رأس جبل الجليد منه، وباعتبار أن الفساد مكون اصيل من نظام الانقاذ الذي يعبر عن مصالح الرأسمالية الطفيلية الاسلاموية التي نهبت ممتلكات وثروات البلاد وركزتها في يد قلة، وسبب اساسي في افقار الأغلبية الساحقة من جماهير شعبنا. اضافة الي مصادرة الحقوق والحريات الديمقراطية مثل: التقييد علي الصحافة و اعتقال الصحفيين أثتاء تأدية عملهم مثل: توجيه وزير المالية باعتقال الصحفي بجريدة "السوداني" ابو القاسم ابراهيم، وتراكم السخط الجماهيري الذي بدأ يعبر عن نفسه في الأشكال الآتية:
*تزوير المؤتمر الوطني لانتخابات جنوب كردفان، مما حدا بالحركة الشعبية أن تعقد مؤتمرا صحفيا الجمعة 13/ 5 ، اعلنت فيه بأنها: لن تعترف بنتيجة الانتخابات، وأنها لن تشارك في السلطتين التشريعية والتنفيذية، ودعت الي التعبير السلمي لرفض تزوير المؤتمر الوطني للانتخابات وشركاء نيفاشا من المجتمع الدولي لانقاذ اتفاقية نيفاشا من الانهيار. اضافة الي اغلاق الحدود مع الجنوب، وعدم حل قضايا مابعد الانفصال ( ترسيم الحدود، ابيي، البترول، المواطنة ، مياه النيل،...الخ) مع اقتراب مواعيد اعلان انفصال الجنوب في يوليو 2011م القادم، وبالتالي يصبح خطر الحرب بين الشمال والجنوب قائما.
لقد اكدت الأحداث خطأ تقديرات امريكا وشركاءها في قصر الاتفاقية علي الشريكين( المؤتمر الوطني والحركة الشعبية) واستبعاد القوي السياسية الأخري وتهميشها، اضافة للتجربة السلبية للست سنوات الماضية من عمر الاتفاقية التي كرّست الصراع بين الشريكين ، وعدم انجاز جوهر الاتفاقية التي تتلخص في: التحول الديمقراطي، وتحسين الأوضاع المعيشية ، والحل الشامل لقضية دارفور وبقية أقاليم السودان، وقيام انتخابات حرة نزيهة تحت اشراف مفوضية للانتخابات محايدة، بحيث تفضي في النهاية الي الوحدة الطوعية للوطن، وكانت النتيجة النهائية هي انفصال الجنوب نتيجة لتعنت المؤتمر الوطني ومحاولته لفرض الدولة الدينية، ويتحمل المؤتمر الوطني المسؤولية التاريخية في ذلك. وعليه تكون النتيجة تمزيق وحدة البلاد دون كسب السلام. ولدرء مخاطر الحرب من المهم التراجع عن نتائج الانتخابات المزورة في جنوب كردفان، ووقف الحصار الاقتصادي الحكومي علي الجنوب باعتباره جريمة ، وحل مشاكل مابعد الانفصال، والتأكيد علي علاقة حسن الجوار بين الشمال والجنوب وتأمين المصالح المشتركة بينهما.
*اتساع مقاومة الحركة الطلابية للنظام من اجل تحقيق مطالبها النقابية والاكاديمية وضد الرسوم الدراسية الباهظة وتوفير مقومات التعليم من أساتذة ومكتبات ومعامل ومباني، واستقرار في السكن والمعيشة وتوفير مياه الشرب النقية ، وضد فرض الزي الموحد علي الطالبات،وتوفيق اوضاع الطلاب الجنوبيين في الشمال والطلاب الشماليين في الجنوب، وضد تزوير طلاب المؤتمر الوطني للانتخابات، وضد عنف المؤتمر الوطني وفصائله المسلحة في الجامعات، ومن اجل ديمقراطية الاتحادات وحرية النشاط والسياسي والفكري. ونلاحظ نهوض الطلاب ومظاهراتهم في جامعات: نيالا والفاشر والبحر الأحمر ، ودنقلا وكسلا وجامعة السودان...الخ. ومن الظواهر اللافتة للنظر أن الطلاب لم يصبحوا يكتفون بالاحتجاج السلبي علي عنف طلاب المؤتمر الوطني المدججين بالاسلحة النارية والبيضاء في الجامعات، بل اصبحوا يتصدون لهم بالردع الذي يشل ذلك العنف ويوقفهم عند حدهم ، وتلك خطوة متقدمة في نهوض الحركة الطلابية والجماهيرية من اجل اسقاط النظام.
*نهوض الجماهير والشباب الأحياء في العاصمة القومية الذي ادي الي هزيمة عناصر المؤتمر الوطني في عدد كبير من انتخابات اللجان الشعبية.
*اعتصام الالاف في عاصمة الادارة المحلية لمنطقة مروي بعد المذكرة التي رفعها ضحايا سد مروي ، مطالبين بحل مشاكل الالاف الأسر التي شردها السد ومازالت بلا مأوي وتعويض عن المنازل والمزارع التي اغرقت ، وبدون مدارس ومستشفيات، واي خدمات أخري( كهرباء، مياه، طرق..). اضافة لمقاومة جماهير مناطق سدود كجبار ودال والشريك والستيت.
*اعتصام ملاك الأراضي بمشروع الجزيرة والمناقل السلمي أمام رئاسة مشروع الجزيرة ببركات ابتداءا من الثلاثاء: 10/5/2011م وحتي الآن، مطالبين بحقوقهم الأصيلة والقانونية في حرية التصرف في اراضيهم الملك الحر والتي شرعت حكومة الانقاذ والمؤتمر الوطني في اجراءات شرائها عنوة وبثمن بخس لصالح الحكومة رغم أنف الملاك والمزارعين والعمال الزراعيين. وتعرضهم للقمع من قبل السلطات بسبب مطالبهم المشروعة، وقرار قوي الاجماع الوطني بالجزيرة للتضامن مع ملاك الاراضي بالاعتصام السلمي في يوم الاربعاء الموافق 1/6/2011م أمام رئاسة مشروع الجزيرة والمناقل ببركات. وتلك خطوة مهمة في نهوض الحركة الجماهيرية.
*البيان المشترك بين حركة عبد الواحد محمد نور وجبهة القوي الثورية، وبين حركة عبد الواحد ومني اركوي مناوي ، اكد البيانان علي: أهمية وحدة السودان، والحل الشامل للازمة، والعمل المشترك مع القوي المعارضة وحركات الأقاليم، ودعم حركات الشباب والطلاب، ورفض الدولة الدينية والتأكيد علي العلمانية..الخ. هذا اضافة الي اتجاه الحكومة للحل العسكري، وعلي تعقيد أزمة دارفور من خلال اصرارها علي المضي قدما في اجراءات الاستفتاء في دارفورفي خطوة استباقية لمؤتمر الدوحة بين الحكومة والحركات رغم اعتراض حركات وأهل دارفور وقوي المعارضة عليه، مما يهدد بالمزيد من تمزيق وحدة السودان.
* تلك مؤشرات تعبر عن تطور جديد في نهوض حركة الجماهير، اضافة الي التناقضات وصراعات مراكز القوي داخل السلطة التي طفحت علي السطح، والتي توضح أن الأرض باتت تهتز تحت اقدامها وان زوالها اصبح مسألة وقت. وان الحركة الجماهيرية بدأ يشتد ساعدها، وانتقلت من السخط السلبي الي دائرة النشاط العملي من اجل انتزاع مطالبها ، وأن التحالفات القاعدية بدأت ترسخ اقدامها في الأحياء والمناطق والجامعات، وان المعارك تنطلق من مطالب واحتياجات الجماهير اليومية ، والتي كانت تتراكم تدريجيا منذ بدء انقلاب 30 يونيو 1989م، وأن تلك التراكمات الكمية من النضالات اليومية هي التي سوف يتم تتويجها بتحول نوعي يتجلي في الانتفاضة الشاملة التي تطيح بالنظام.

73

ثم ماذا بعد اعلان انفصال دولة جنوب السودان؟
* بدلا من البكاء علي وطن لم نحافظ علي وحدته:
بعد اعلان انفصال جنوب السودان في التاسع من يوليو 2011م واعتماده كدولة رقم 193 من الأمم المتحدة، انبثق واقع جديد يتميز بالتعقيد والخطورة ، ويتطلب التعامل معه بمسؤولية وعقلانية بهدف الحفاظ علي وحدة ماتبقي من البلاد واعادة توحيدها من جديد ، واشراك كل القوي السياسية ومنظمات المجتمع المدني في تقرير مصيرها. ووضع دستور ديمقراطي يكفل حق المواطنة والمساواة بين أفراد الشعب غض النظر عن الدين أو اللون أو العرق أو الجنس أو اللغة ، ويكفل الحقوق والحريات الديمقراطية واحترام الرأي الآخر، والتداول الديمقراطي للسلطة، والمساواة الفعلية بين المرأة والرجل، ويستند الي الجمهورية البرلمانية التي يرأسها مجلس سيادة يضم ممثلي الأقاليم بعد تقسيم السودان الي ستة أقاليم( الشمالية، دارفور، كردفان، الشرق، الأوسط، الخرطوم)، وضمان استقلال القضاء وقومية التعليم والخدمة المدنية والقوات النظامية، كما يستند الدستور علي الاتفاقات الدولية لحقوق الانسان كشرط لازم لدولة مدنية ديمقراطية حديثة.
وبدلا من تلك الخطوة المهمة، يواصل النظام الديكتاتوري الشمولي ممارساته التي قادت الي الأزمة والطريق المسدود والتي تتمثل في مصادرة الحريات مثل: الاستعجال في منع ست صحف من الصدور ، ومصادرة عدد صحيفة "الميدان" الصادر بتاريخ الأحد: 10 يوليو 2011م، ومداهمة مؤتمر الحزب الشيوعي بمدينة بورتسودان واعتقال الحاضرين ومصادرة وثائق المؤتمر، والاستعجال وبطريقة تعسفية في انهاء خدمة الالاف من الجنوبيين في القطاعين العام والخاص.
كما أنه من الوهم أن يتوقع نظام البشير رفع العقوبات الامريكية عنه بعد أن وافق علي الانفصال واعترف بدولة جنوب السودان، ولن ترضي عنه امريكا وحلفائها حتي يستكمل تمزيق ماتبقي من الوطن بعد سابقة فصل الجنوب، وبعد ذلك يتم لفظ النظام ، ويساعد في ذلك سياسات النظام نفسها في دارفور وجنوب كردفان وابيي وفرض الدولة الدينية في الشمال التي تلغي التنوع في البلاد. وبالتالي نتوقع المزيد من الضغوط علي النظام بسبب سياساته الخرقاء في دارفور وجنوب النيل الأزرق وكردفان وابيي ومصادرة الحقوق والحريات الديمقراطية
هذا اضافة لاستمرار الحرب في جنوب كردفان بعد التراجع عن الاتفاق الاطاري ، واصرار النظام علي توقيع اتفاق ثنائي مرة أخري في دارفور مما يعيد انتاج الأزمة وتعميقها بدلا من الحل الشامل والعادل وعقد المؤتمر القومي الجامع الذي تشترك فيه كل القوي السياسية ومكونات وحركات دارفور ومنظمات المجتمع المدني.
هذا فضلا عن انفجار قضايا مابعد الاستفتاء (ترسيم الحدود، المواطنة والجنسية، النفط الاصول، الديون، مياه النيل،..الخ)، والتي لم يحدث فيها تقدم حتي الآن مما يشير الي استمرار الحرب بين الدولتين بعد اعلان الانفصال والتي بدأت نذرها باحتلال ابيي وتصاعد النزاع حولها بين الشريكين، واندلاع الحرب في جنوب كردفان بعد تزوير الانتخابات ، اضافة لتوتر الأوضاع في جنوب النيل الأزرق واحتمال اندلاع الحرب فيها نتيجة لسياسات المؤتمر الوطني.
كما يتوقع المزيد من تدهور الأوضاع الاقتصادية بعد خروج حوالي 70% من ايرادات النفط من الخزينة العامة بعد اعلان انفصال الجنوب، وارتفاع الاسعار والمزيد من تدهور قيمة الجنية السوداني بعد تغيير العملة ، وازمة نفقات الأمن والدفاع والتي تساوي حوالي 75% من الموازنة العامة اضافة الي تعمق الفقر والضائقة المعيشية، وتزايد حدة الفوارق الطبقية من خلال بروز فئة رأسمالية طفيلية اسلاموية استحوذت علي الثروة من نهب المال العام واصول الدولة وبيعها باثمان بخسة (مشروع الجزيرة وبقية المشاريع الزراعية واصول جامعة الخرطوم، ...الخ)، والفساد والعمولات،. اضافة لاعادة النظر في القوانين المقيدة للحريات، وغير ذلك من القضايا المتفجرة في البلاد.
*اوسع جبهة من أجل اسقاط النظام:
هذه الأوضاع، كما ذكرنا سابقا، تتطلب أوسع جبهة من أجل اسقاط النظام، وقيام ترتيبات دستورية جديدة تنتج منها حكومة انتقالية تعالج الضائقة المعيشية وتوفير الخدمات الأساسية، وعقد المؤتمر القومي الاقتصادي لوقف التدهور الاقتصادي واصلاح المشاريع التي توقفت ودفع عجلة التنمية واسترداد أموال الشعب التي تم نهبها. وتعقد المؤتمر القومي الدستوري. وتنجز الحل الشامل والعادل لقضية دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق وابيي، ومعالجة قضايا المقصولين من الخدمة وأزمة التعليم العام والعالي، واستعادة الثقة بين الشمال والجنوب حتي تتم اعادة توحيد البلاد، وحل قضايا الشرق ومشاكل السدود في الشمال والشرق، وتصفية النظام الشمولي وقيام انتخابات حرة نزيهة في نهاية المطاف.
وهذا هو الطريق للمخرج من قضايا البلاد المتفجرة، أما دعوة المؤتمر الوطني للحوار ولحكومة عريضة فهي ذر للرماد في العيون، ومناورة لكسب الوقت، وكما اكدت تجربة اكثر من عشرين عاما من حكم الانقاذ عدم جدية المؤتمر الوطني في أي حوار، وسعيه الدؤوب لشق صفوف المعارضة ونشر البلبلة والاحباط في صفوفها، واضعاف ارادتها، ونقض العهود والمواثيق كما حدث بعد توقيع اتفاقات مثل: السلام من الداخل 1997م، وجيبوتي 1999م ونيفاشا 2005م، والقاهرة 2005م وابوجا 2006، والشرق 2007م ....الخ، والتي كلها اصبحت حبرا علي ورق ، وزاد نقض العهود من الاحتقان السياسي، كما حدث بعد اتفاقية نيفاشا التي كرّست وعمقت الصراع بين الشريكين، ولم يتم تنفيذ جوهرها والذي يتلخص في: التحول الديمقراطي ، وتحسين الاوضاع المعيشية ورد المظالم للمفصولين تعسفيا، وقيام انتخابات حرة نزيهة، وتحقيق قومية الخدمة المدنية والتعليم ولجم الفساد،ووضع مصالح الطفيلية الاسلاموية فوق مصلحة الوطن، مما ادي في النهاية الي انفصال الجنوب، وبالتالي يتحمل المؤتمر الوطني المسؤولية التاريخية في جريمة انفصال الجنوب، وتنفيذ المخطط الأمريكي لتمزيق واضعاف الوطن، بهدف نهب ثرواته الزراعية والمعدنية.
كما أنه من الوهم تصور استجابة المؤتمر الوطني لعقد المؤتمر القومي الدستوري الذي كان مزمعا عقده في سبتمبر 1989م، ولكن جاء انقلاب يونيو 1989م لينسف اتفاقية الميرغني- قرنق والمؤتمر الدستوري، كما ظل يماطل في عقده حتي وقعت كارثة انفصال الجنوب، ويبقي بعد ذلك طرح الشعار السليم وهو: اسقاط النظام اولا ثم عقد المؤتمر القومي الدستوري بعد ذلك.
*توفر العوامل التي ادت للثورات في المنطقة العربية:
السودان ليس استثناءا، تتوفر فيه كل العوامل التي ادت الي انفجار شعوب المنطقة العربية والافريقية: نظام شمولي يمارس كل اشكال الفساد والقمع والقهر ضد شعبه، وتمزّق وحدة البلاد بفصل الجنوب وتصعيد الحرب في دارفور وجنوب النيل الأزرق وابيي، وفاسد حتي نخاع العظم، ونهب كل ثروات البلاد ، وجعل 95 % من شعب السودان يعيش تحت خط الفقر، وفرط في وحدتها.
وبالتالي من المهم استمرار وتوسيع العمل القاعدي لقوي المعارضة الجاري الآن الذي تجلي في مقاومة متضرري السدود ومزارعي وملاك مشروع الجزيرة، وهزيمة المؤتمر الوطني في انتخابات اللجان الشعبية في كثير من أحياء العاصمة القومية وفي الجزيرة والعمل علي تقديم حلول لمشاكل ومطالب الجماهير اليومية من خلال تلك اللجان. ومقاومة طلاب الجامعات من اجل تحقيق مطالبهم النقابية والأكاديمية، وحرية العمل السياسي والفكري وقيام اتحادات ديمقراطية في الجامعات، وتحسين الأوضاع في مؤسسات التعليم العام والعالي.
وقيام اوسع تحالف من أجل التحول الديمقراطي والسلام واعادة توحيد الوطن.ومقاومة الزيادات في الاسعار وتحسين الاوضاع المعيشية. ووقف المحاكمات الفكرية والسياسية لكتاب الرأي ومصادرة حرية الصحافة والتعبير، والغاء كل القوانين المقيدة للحريات ووقف قهر النساء والغاء قانون النظام العام. ووقف بيع وخضخصة المشاريع الزراعية، وتجريد المزارعين من أراضيهم. ووقف عملية بناء السدود دون رغبة وتطلعات مواطني تلك المناطق. ووقف الحرب في دارفور وجنوب النيل الأزرق وتحقيق الحل العادل والشامل، وتسوية قضية ابيي استنادا الي التراضي بين قبائل المنطقة( المسيرية والدينكا..الخ) ومواصلة التراكم النضالي حتي الاطاحة بالنظام الذي اصبح عقبة ويشكل خطرا ماثلا أمام وحدة ماتبقي من البلاد.

74
حتي لاتتكرر مأساة دارفور الانسانية في جنوب كردفان
تدهورت الأوضاع في جنوب كردفان جراء اندلاع الحرب مرة أخري ، وتشير تقارير الأمم المتحدة الي نزوح عشرات الالاف من مدن وقري الولاية الي الابيض وغيرها، اضافة لمآسي الحرب الأخري مثل: نهب وتدمير وحرق القري، والاعتقالات والتعذيب ومصادرة حرية التعبير، وتدمير البني التحتية والخدمات والكنائس، والقصف الجوي للمناطق والقري السكنية، مما يهدد بفشل الموسم الزراعي الذي اصبح علي الابواب والذي يعتمد علي الزراعة المطرية وشبح المجاعة الذي يخيم علي المنطقة، وتعطل عمليات الاغاثة، وغير ذلك من انتهاكات حقوق الانسان مما يتطلب الوقف الفوري للحرب، واصدار قرار بحظر الطيران واعطاء صلاحيات لبعثة الأمم المتحدة لتشمل حماية المدنيين، وتكوين لجان لتقصي الحقائق حول جرائم الحرب والتطهير العرقي في المنطقة، والحل الديمقراطي السلمي الشامل للمشكلة، وحتي لا تتكرر مأساة دارفور الانسانية في جنوب كردفان.
وكان من الطبيعي أن تنفجر الأوضاع في ولاية جنوب كردفان نتيجة لتزوير المؤتمر الوطني للانتخابات، واحتلال ابيي ، وعدم تنفيذ جوهر اتفاقية نيفاشا الذي يتعلق بالتحول الديمقراطي وتنفيذ بروتكول ابيي وتقرير لجنة الخبراء وقرار محكمة لاهاي، وعدم اعطاء الفرصة لقبائل ابيي لحل المشكلة والتي هي الأقدر علي حلها بعيدا عن نزاع المؤتمر الوطني والحركة الشعبية حول موارد المنطقة.
كما نلاحظ عدم حدوث تقدم في محادثات اديس ابابا حول قضايا مابعد الانفصال ( ترسيم الحدود، ابيي، البترول، مياه النيل، المواطنة والجنسية،....الخ)، وفشلت ايضا المحادثات في التوصل لحل بشأن ابيي، رغم المقترح الأمريكي لسحب الجيش منها.
وبالتالي هناك خطورة لاستمرار الحرب بين دولتي الشمال والجنوب بعد الانفصال الذي سوف يعلن رسميا في 9 يوليو 2011م القادم. ونكون بذلك خسرنا وحدة الوطن دون كسب السلام المستدام، وهذا فشل كبير لاتفاقية نيفاشا التي استبعدت القوي السياسية الأخري، ونتج عنها شراكة ثنائية متشاكسة بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية قادت البلاد الي شفا الهاوية.
وهناك خطورة من انفجار الوضع في جنوب النيل الأزرق نتيجة استعجال المؤتمر الوطني لتجريد الجيش الشعبي هناك من سلاحه قبل انتهاء مدة الاتفاقية والاتفاق علي ترتيبات أمنية جديدة ونجاح المشورة الشعبية، مما يقود الي الحرب مرة أخري في تلك المنطقة.
كما فشلت كل الاتفاقيات الثنائية الأخري مثل اتفاق ابوجا بين النظام وحركة مناوي ، وكانت النتيجة عودة الحركة مرة أخري للحرب،واتساع نطاق الحرب في دارفور وفشل جهود مؤتمر الدوحة في الوصول لحل، وعدم الرغبة في تكرار الحلول الثنائية مرة أخري، بحيث يصبح لابديل للحل الشامل والعادل لمشكلة دارفور والذي يساهم فيه الجميع.
وكذلك فشل اتفاق الشرق، وكانت النتيجة احتقان الوضع هناك الذي عمقه سياسة المؤتمر الوطني التي تقوم علي " فرق تسد" بين قبائل المنطقة، وبالتالي ، هناك خطورة لانفجار الوضع ايضا في شرق السودان الذي يعاني من سياسة المؤتمر الوطني التي تقوم التهميش التنموي والغاء التنوع والتعدد الثقافي الذي يشكل مصدر ثراء للبلاد. وعليه تتوفر في الشرق المظالم التاريخية نفسها والتي عمقها المؤتمر الوطني طيلة العشرين سنة الماضية ، مما يقود الي انفجار الوضع ، وقيام دارفور أخري هناك.
لقد توهم المؤتمر الوطني أنه بانفصال الجنوب تزول العراقيل التي تقف أمام مشروعه الفاشل لقيام الدولة الدينية الظلامية التي تلغي التنوع الثقافي والديني والاثني وتصادر الحقوق والحريات الأساسية باسم الاسلام.وهذا الوهم سوف يقود الي المزيد من تمزيق وحدة ماتبقي من الوطن والمزيد من الحروب التي تقوم علي صراع الموارد والهويّة.
ومعلوم أن الدولة السودانية منذ نشأتها قامت علي التنوع التاريخي والثقافي والتفاعل بين مكوناتها التي قامت علي التعدد الديني والاثني واللغوي والثقافي، وكانت النتيجة الثقافة والهوية السودانية الراهنة والتي هي امتداد للحضارات السودانية القديمة والوسيطة ( كرمة ونبتة ومروي والنوبة والمسيحية، والممالك الاسلامية: الفونج، دارفور، تقلي، المسبعات..الخ).
وبالتالي، فان هذا التنوع كامن في جينات كل منطقة من مناطق السودان ، ويستحيل تجاهله والغائه نتيجة لتصورات ايديولوجية دينية ضيقة لن تقود البلاد الا للمزيد من الخراب والدمار.
ومشكلة الهويّة الثقافية التي تحيط بالبلاد احاطة السوار بالمعصم تستوجب قيام الدولة المدنية الديمقراطية التي تحترم التعدد الديني والثقافي والاثني واللغوي، وتكفل الحقوق والحريات الديمقراطية والتعددية السياسية والفكرية، وتجسيد ذلك في دستور ديمقراطي تشترك في صياغته كل القوي السياسية والحركات ومنظمات المجتمع المدني، ولاتفرضه فئة ذات تصورات ايديولوجية دينية ضيّقة، بحيث يكون في النهاية حبرا علي ورق مثل الدساتير التي تم فرضها في الأنظمة الديكتاتورية والشمولية السابقة.
اضافة لمشكلة الهوّية الثقافية هناك المشكلة الاقتصادية التي من المتوقع أن تزداد تفاقما بعد اعلان الانفصال، وتلقي المزيد من الأعباء علي الجماهير نتيجة للزيادات في أسعار السلع والخدمات والضرائب، فسياسات النظام قامت علي افقار الجماهير والصرف البذخي علي جهاز الدولة المتضخم وتنمية فئة رأسمالية طفيلية اسلاموية قامت علي نهب ممتلكات الدولة وسياسة الخصخصة التي شردت الالاف من أعمالهم، وتدمير القطاعين الصناعي والزراعي، ولم يذهب جزء عائدات البترول والذهب في الفترة الماضية لدعم التعليم والخدمات الصحية ودعم القطاعين الزراعي والصناعي، وذهب 77% من الميزانية للآمن والدفاع.
وبالتالي من المتوقع أن تزيد الأوضاع سوءا بعد الانفصال، والتي يجب عدم حلها علي حساب الجماهير الكادحة ، بل من المهم تخفيض منصرفات جهاز الدولة المتضخم وتقليص الوزارات التي بلغت 77 وزارة!!، ووقف الحرب وتقليص ميزانية الأمن والدفاع وزيادة ميزانيتي التعليم والصحة، وقيام مؤتمر اقتصادي لمعالجة المشكلة.
كما تحاصر النظام ايضا التحركات الجماهيرية ، بديهي أنها لم تصل لمرحلة النهوض الشامل ، ولكن يجب الا نقلل من أهميتها ونبخس من شأنها ، فيجب تسجيلها ودفعها الي الأمام، فهي تراكمات من المقاومة اليومية سوف تؤدي الي النهوض الشامل كما يحدث الآن في: مقاومة متضرري السدود في شمال وشرق السودان، ومقاومة مزارعي الجزيرة والمناقل وبقية المشاريع الزراعية ضد الخصخصة والبيع القسري لاراضي الملاك، ومن اجل الاصلاح الزراعي الذي يطور الانتاج وعلاقات الانتاج في المشاريع الزراعية ويحسن من اوضاع فقراء المزارعين الذين زادهم النظام الحالي رهقا نتيجة للضرائب والجبايات والمختلفة.
اضافة لمقاومة الحركة الطلابية من أجل مطالبها النقابية والاكاديمية وقيام اتحادات ديمقراطية ، وضد العنف الذي يمارسه طلاب المؤتمر الوطني في الجامعات، واضرابات الاطباء وبقية العاملين من أجل تحسين اوضاعهم المعيشية وظروف عملهم. ونهوض عدد كبير من احياء العاصمة القومية الذي تمثل في هزيمة المؤتمر الوطني في انتخابات اللجان الشعبية، ومظاهرات الأحياء من أجل خدمات مياه الشرب وغيرها.
وأخيرا، نظام الانقاذ تحاصره مشاكل كثيرة بعد انفصال الجنوب لايفيد فيها السير علي الطريق القديم الذي ادمي اقدام الشعب السوداني وقاد الي تمزيق الوطن الذي ظل موحدا لحوالي مائتي عام. وبالتالي، لابديل غير وقف الحرب والحل الشامل والعادل لمشاكل جنوب كردفان وابيي وجنوب النيل الأزرق ودارفور والشرق والحفاظ علي ماتبقي من الهوّية الثقافية النوبية في الشمال بعدم قيام سدود جديدة.
ولابديل لزوال هذا النظام الذي قاد للازمة وقيام ترتيبات دستورية جديدة تنتج عنها حكومة انتقالية جديدة تعالج الأزمة الأقتصادية وتحسين الأوضاع المعيشية، وقضايا مابعد الانفصال، والحل العادل والشامل لمشاكل: دارفور جنوب النيل الأزرق وجنوب كردفان وابيي، وتحسين العلاقات بين الشمال والجنوب وقيام شراكة استراتيجية بينهما تفتح الطريق لتوحيد البلاد مرة أخري علي أساس دولة المواطنة التي تسع الجميع، ووضع دستور ديمقراطي يشترك فيه الجميع يكفل التحول الديمقراطي والحقوق والحريات الأساسية ويستند علي المواثيق الدولية لحقوق الانسان، علي أن تتوج الفترة الانتقالية بانتخابات حرة نزيهة.
وهذا هو الطريق لحل الأزمة، ودون ذلك خرط القتاد والمزيد من تمزيق وحدة ماتبقي من الوطن.


75
ويظل باب اعادة توحيد الوطن مشرعا..
في 9 يوليو 2011م سوف يتم انفصال جنوب السودان وسط أجواء متوترة تنذر باتساع رقعة الحرب في جنوب كردفان والنيل الأزرق وبين دولتي الشمال والجنوب بعد تراجع البشير عن الاتفاق الاطاري الذي وقعته الحركة الشعبية مع الحكومة، اضافة الي عدم حسم القضايا العالقة بين الشمال والجنوب مثل:ابيي والنفط وترسيم الحدود ..الخ
كان من المفترض أن تتوفر مقومات الاستفتاء علي تقرير المصير والتي أشارت لها اتفاقية نيفاشا والتي تتلخص في: التحول الديمقراطي والتنمية وتحسين الاوضاع المعيشية، والحل الشامل لمشاكل أقاليم السودان الأخري من خلال الحكم الذاتي والتوزيع العادل للسلطة والثروة مثل قضية دارفور ، وأن يأتي الاستفتاء تتويجا لانتخابات حرة نزيهة تشرف عليها مفوضية مستقلة ومحايدة، حتي يجئ الاستفتاء تعزيزا لخيار الوحدة الطوعية.
ولكن أتت الرياح بما لاتشتهي سفن الاتفاقية ، وتم تكريس الخلافات بين الشريكين طيلة الست سنوات الماضية، من خلال اصرار المؤتمر الوطني علي السير في سياسة نقض العهود والمواثيق، والتي عمقت مشاكل السودان.
والواقع أن الجبهة القومية الاسلامية ( المؤتمر الوطني حاليا) التي قامت بانقلاب 30 يونيو 1989م، تتحمل المسئولية التاريخية في تعميق جراح الوطن وانفصال الجنوب، جاء الانقلاب لينسف اتفاقية الميرغني – قرنق والتي تم فيها التوصل لحل داخلي لمشكلة الجنوب في اطار وحدة السودان ، وبدات الترتيبات لعقد المؤتمر الدستوري والذي كان من المزمع عقده في سبتمبر 1989م . واضاف نظام الانقاذ بعدا دينيا لحرب الجنوب، وارتكب فظائع زادت المشكلة تعقيدا، وتركت جروحا لن تندمل بسهولة، وكان لها الأثر في انفصال الجنوب بدلا من العيش تحت ظل دولة فاشية ظلامية باسم الدين تجعل من الجنوبيين مواطنين من الدرجة الثانية. وبالتالي فان المؤتمر الوطني يتحمل المسؤولية التاريخية في انفصال الجنوب، باصراره علي هذه الدولة كما جاء في تصريح د. نافع علي نافع : ( مرحبا بانفصال الجنوب اذا كان الثمن المطلوب لبقاء السودان موحدا التفريط في الشريعة الاسلامية).
والكل يعلم أنه من خلال تجربة 22 عاما من حكم الانقاذ كيف تحول السودان تحت ظل مايسمي زورا بحكم الشريعة والدين الي دولة فاشلة وفاسدة حسب التقارير الدولية، وكيف افقرت هذه الدولة شعب السودان حتي اصبح 95% منه يعيش تحت خط الفقر، اضافة لرفع الدولة يدها عن خدمات التعليم والصحة وبقية الخدمات(مياه ، كهرباء..)، اضافة الي تدمير الخدمة المدنية والتعليم والجيش من خلال تشريد الالاف من الكفاءات المؤهلة، وتدمير السكة الحديد ومشروع الجزيرة وبقية المشاريع الزراعية ، ونهب الاراضي الزراعية وممتلكات القطاع العام لمصلحة الطفيلية الاسلاموية، وعدم تحويل جزء من عائدات النفط لدعم الزراعة والصناعة وتوفير احتياجات المواطنين الأساسية في التعليم والصحة والخدمات، اضافة لانتهاكات حقوق الانسان وضرب عرض الحائط بوثيقة الحقوق في الدستور الانتقالي لسنة 2005م. وتزوير الانتخابات العامة وانتخابات النقابات والاتحادات، اضافة الي رفض مقترح المؤتمر القومي الدستوري لحل أزمة الحكم في السودان، والمؤتمر القومي الجامع للحل الشامل والعادل لقضية دارفور.
تلك هي حصيلة دولة الانقاذ والتي سامت شعب السودان سوء العذاب، وكانت النتيجة انفصال الجنوب ، واصبحت البلاد علي شفا جرف هار يقود الي المزيد من تمزيق ما تبقي من الوطن.
وبعد كل هذه التجارب المريرة مع هذا النظام، فلا خيار آخر غير اسقاطه بعد أن فرّط في وحدة الوطن، ويهدد بسياساته وممارساته الحالية بتمزيق ماتبقي منه، بعد تفاقم أزمات البلاد مثل: أزمة الانفصال والأزمة الاقتصادية، الغلاء وتدهور الاوضاع المعيشية، وتصاعد الحرب في جنوب كردفان، وأزمة دارفور، وأزمة الصراعات داخل السلطة التي طفت علي السطح.
وعليه، فان المخرج ليس الحوار مع النظام أو المشاركة في الحكومة العريضة معه، ولكن المخرج كما أشرنا هو اسقاط النظام عبر نضال جماهيري دؤوب تقوده أوسع جبهة من أجل الديمقراطية وتفكيك الشمولية ودولة الحزب الواحد، وأن البديل حكومة انتقالية تنجز المهام التالية : حل الضائقة المعيشية وتركيز الأسعار ودعم التعليم والصحة والسلع الأساسية، وحل قضايا مابعد الانفصال، وتحقيق التحول الديمقراطي وقيام دولة المواطنة: الدولة المدنية الديمقراطية التي تسع الجميع، وعقد المؤتمر الدستوري ، وحل قضية ابيي بناء علي رغبة سكان وقبائل المنطقة، ووقف الحرب في جنوب كردفان وانجاز المشورة الشعبية فيها وجنوب النيل الأزرق ، والحل الشامل والعادل لقضية دارفور ، ومنع تجدد الحرب بين الشمال والجنوب وقيام شراكة استراتيجية بينهما تفتح الطريق لاعادة توحيد الوطن مرة أخري علي أسس طوعية وديمقراطية، والاشراف علي انتخابات حرة نزيهة في نهاية الفترة الانتقالية.

76
اقترب موعد اعلان انفصال الجنوب
من المتوقع أن تكون الأوضاع في البلاد اشد تعقيدا وخطورة بعد انفصال الجنوب الذي سوف يعلن رسميا في 9 يوليو 2011م القادم، ونلاحظ من ممارسات المؤتمر الوطني الحاكم أنه يسبح عكس التياربدلا من التحسب لتلك الخطوة بمسؤولية وعقلانية تفتح الطريق للحفاظ علي وحدة ماتبقي من البلاد واعادة توحيدها من جديد ، واشراك كل القوي في تقرير مصيرها ، من خلال عقد مؤتمر قومي دستوري لمراجعة كل الترتيبات الدستورية في الشمال، واصدار دستور ديمقراطي يكفل التعددية السياسية والفكرية والحقوق والحريات الأساسية، وقيام دولة المواطنة: الدولة المدنية الديمقراطية التي تسع الجميع وتحترم التعدد الديني والثقافي واللغوي، والغاء كل القوانين المقيدة للحريات، واصدار قوانين جديدة تتمشي مع المواثيق الدولية التي تحترم حريات وحقوق الانسان.
وبدلا من تلك الخطوة المهمة يواصل النظام الديكتاتوري الشمولي ممارساته التي تتمثل في مصادرة الحريات ، كما حدث في القمع الوحشي لموكب مزارعي الجزيرة الأربعاء: 1/6 الذين يحتجون علي خصخصة المشروع و شراء الحكومة لاراضيهم بثمن بخس، وجرح واعتقال العشرات منهم. واحتلال ابيي بهدف النفط وشغل جماهير شعبنا عن الأزمة العميقة التي يعيشها النظام الذي تحاصره الحركة الجماهيرية من كل جانب. وتحويل طلاب المؤتمر الوطني حرم الجامعات الي ساحات لممارسة العنف بالاسلحة النارية والبيضاء ضد خصومهم السياسيين، وتزوير الانتخابات الطلابية واستخدام العنف في حالة سقوطهم في الانتخابات كما حدث في جامعة دنقلا. وعدم تنفيذ مطالب الاطباء حتي اضرابهم الأخير الذي استمر 3 أيام. والاتجاه لفرض الدولة الدينية الظلامية التي تعيدنا لمربع محاكم التفتيش في العصور الوسطي كما يتضح من محاكمة د.عمر القراي، والاستاذ فيصل محمد صالح، وهي محاكمات سياسية وفكرية وجدت الاستنكار الواسع من الرأي العام المحلي والعالمي.
اضافة الي اصرار النظام علي استفتاء دارفور علي الاقليم الواحد وتقسيمه الي خمس ولايات رغم اعتراص الحركات وأهل دارفور، وتصعيد نيران الحرب فيها .
هذا فضلا عن انفجار قضايا مابعد الاستفتاء (ترسيم الحدود، المواطنة والجنسية، النفط الاصول، الديون، مياه النيل،..الخ)، والتي لم يحدث فيها تقدم حتي الآن مما يشير الي استمرار الحرب بين الدولتين بعد اعلان الانفصال والتي بدأت نذرها باحتلال ابيي وتصاعد النزاع حولها بين الشريكين، واعطاء الحركة الشعبية الأوامر لقواتها بالرد في حالة الهجوم عليها، وتوتر الأوضاع في جنوب كردفان بعد تزوير الانتخابات فيها، مما يجهض عملية المشورة الشعبية هناك، اضافة لتوتر الأوضاع في جنوب النيل الأزرق.
كما يتوقع المزيد من تدهور الأوضاع الاقتصادية بعد خروج حوالي 70% من ايرادات النفط من الخزينة العامة بعد اعلان انفصال الجنوب، وارتفاع الاسعار وتدهور قيمة الجنية السوداني، وازمة نفقات الأمن والدفاع والتي تساوي حوالي 75% من الموازنة العامة اضافة الي تعمق الفقر والضائقة المعيشية، وتزايد حدة الفوارق الطبقية من خلال بروز فئة رأسمالية طفيلية اسلاموية استحوذت علي الثروة من نهب المال العام واصول الدولة وبيعها باثمان بخسة (مشروع الجزيرة وبقية المشاريع الزراعية واصول جامعة الخرطوم، ...الخ)، والفساد والعمولات،. اضافة لاعادة النظر في القوانين المقيدة للحريات، وغير ذلك من القضايا المتفجرة في البلاد.
هذه الأوضاع، كما ذكرنا سابقا، تتطلب أوسع جبهة من أجل اسقاط النظام، وقيام ترتيبات دستورية جديدة تنتج منها حكومة انتقالية تعالج الضائقة المعيشية وتوفير الخدمات الأساسية، والحل الشامل والعادل لقضية دارفور، ومعالجة أزمة التعليم العام والعالي، واستعادة الثقة بين الشمال والجنوب حتي تتم اعادة توحيد البلاد، وحل قضايا الشرق ومشاكل السدود في الشمال والشرق، وتصفية النظام الشمولي وقيام انتخابات حرة نزيهة في نهاية المطاف.
وهذا هو الطريق للمخرج من قضايا البلاد المتفجرة، أما دعوة المؤتمر الوطني للحوار ولحكومة عريضة فهي ذر للرماد في العيون، ومناورة لكسب الوقت، وكما اكدت تجربة اكثر من عشرين عاما من حكم الانقاذ عدم جدية المؤتمر الوطني في أي حوار، وسعيه الدؤوب لشق صفوف المعارضة ونشر البلبلة والاحباط في صفوفها، ونقض العهود والمواثيق كما حدث بعد توقيع اتفاقات مثل: جيبوتي، والسلام من الداخل، ونيفاشا، وابوجا، والشرق والقاهرة..الخ، والتي كلها اصبحت حبرا علي ورق ، وزاد نقض العهود من الاحتقان السياسي، كما حدث بعد اتفاقية نيفاشا التي كرّست وعمقت الصراع بين الشريكين، ولم يتم تنفيذ جوهرها والذي يتلخص في: التحول الديمقراطي ، وتحسين الاوضاع المعيشية ورد المظالم للمفصولين تعسفيا، وقيام انتخابات حرة نزيهة، وتحقيق قومية الخدمة المدنية والتعليم ولجم الفساد،ووضع مصالح الطفيلية الاسلاموية فوق مصلحة الوطن، مما ادي في النهاية الي انفصال الجنوب، وبالتالي يتحمل المؤتمر الوطني المسؤولية والمحاسبة التاريخية في جريمة انفصال الجنوب، وتنفيذ المخطط الأمريكي لتمزيق واضعاف الوطن، بهدف نهب ثرواته الزراعية والمعدنية.
السودان ليس استثناءا، تتوفر فيه كل العوامل التي ادت الي انفجار شعوب المنطقة العربية والافريقية: نظام شمولي يمارس كل اشكال الفساد والقمع والقهر ضد شعبه، وتصعيد الحرب في دارفور وابيي، وفاسد حتي نخاع العظم، ونهب كل ثروات البلاد ، وجعل 95 % من شعب السودان يعيش تحت خط الفقر،وفرط في وحدتها.
وبالتالي من المهم استمرار وتوسيع العمل القاعدي لقوي المعارضة الجاري الآن الذي تجلي في مقاومة متضرري السدود ومزارعي وملاك مشروع الجزيرة، وهزيمة المؤتمر الوطني في انتخابات اللجان الشعبية في كثير من أحياء العاصمة القومية، ومقاومة طلاب الجامعات من اجل تحقيق مطالبهم النقابية والأكاديمية، وحرية العمل السياسي والفكري وقيام اتحادات ديمقراطية في الجامعات. وقيام اوسع تحالف من أجل التحول الديمقراطي والسلام واعادة توحيد الوطن.ومقاومة الزيادات في الاسعار وتحسين الاوضاع المعيشية واطلاق سراح كل المعتقلين ووقف التعذيب ومحاسبة المسؤولين عنه،ووقف المحاكمات الفكرية والسياسية لكتاب الرأي والغاء كل القوانين المقيدة للحريات ووقف قهر النساء والغاء قانون النظام العام، ووقف بيع وخضخصة المشاريع الزراعية وتجريد المزارعين من أراضيهم، ووقف عملية بناء السدود دون رغبة وتطلعات مواطني تلك المناطق، وتحسين الاوضاع في مؤسسات التعليم العام والعالي، ووقف الحرب في دارفور وتحقيق الحل العادل والشامل، ومواصلة التراكم النضالي حتي الاطاحة بالنظام الذي اصبح عقبة أمام وحدة واستقرار البلاد

77
اوقفوا الحرب في جنوب كردفان
اندلعت الحرب مرة أخري في جنوب كردفان، وكان ذلك نتاجا طبيعيا لتزوير المؤتمر الوطني للانتخابات فيها، والذي خلق حالة من الاحتقان في المنطقة، ونتيجة لعدم تنفيذ اتفاقية نيفاشا، اضافة الي احتلال أبيي، واغلاق الحدود بين الشمال والجنوب، وعدم حل قضايا مابعد الانفصال ( ترسيم الحدود، ابيي، البترول، المواطنة، مياه النيل،...الخ)، وخاصة بعد اقتراب اعلان انفصال الجنوب في 9 يوليو 2011م. وما لم تحل تلك القضايا عن طريق الحوار، سوف يؤدي ذلك الي استمرار الحرب والتي سوف تكون بين دولتين.
وتدور المعارك الآن بين قوات الحكومة والحركة الشعبية في كل من مدن: كادوقلي والدلنج، مخلفة ضحايا وجرحي وحرق لقري وانعدام للمواد الغذائية وانقطاع التيار الكهربائي، واوضاع انسانية سيئة، ونزوح الالاف خارج كادوقلي والدلنج، وهناك خطورة أن تتكرر المأساة الانسانية بدارفور في جنوب كردفان.
وعليه يصبح الواجب وقف الحرب فورا، والحل السلمي للأزمة بدلامن الحرب التي لها خسائرها ونتائجها المدمرة وتكلفتها الباهظة. وهذا يتطلب الالتزام باتفاقية نيفاشا، ووضع ترتيبات أمنية جديدة لاتاحة الفرصة لشعبي جنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق في ممارسة حقهما الديمقراطي من خلال المشورة الشعبية.
لقد اكدت الأحداث خطأ تقديرات الشركاء في قصر توقيع اتفاقية نيفاشا علي الشريكين ( المؤتمر الوطني، والحركة الشعبية)، واستبعاد القوي السياسية الأخري وتهميشها ، اضافة للتجربة السلبية للست سنوات الماضية من عمر الاتفاقية التي كرّست الصراع بين الشريكين، ولم يتم تنفيذ جوهر الاتفاقية التي تتلخص في: التحول الديمقراطي، وتحسين الأوضاع المعيشية ، والحل الشامل لقضية دارفور وبقية أقاليم السودان، وقيام انتخابات حرة نزيهة تحت اشراف مفوضية للانتخابات محايدة بحيث تفضي في النهاية الي الوحدة الطوعية للوطن، وكانت النتيجة النهائية انفصال الجنوب بسسب تعنت المؤتمر الوطني واصراره علي فرض الدولة الدينية، ويتحمل المؤتمر الوطني المسؤولية التاريخية في ذلك. وباندلاع الحرب مجددا تكون النتيجة تمزيق وحدة البلاد دون كسب السلام.
ولدرء مخاطر الحرب: مهم الغاء الانتخابات المزورة التي جرت في اجواء محتقنة، ووقف الحصار الاقتصادي علي الجنوب، وحل مشاكل مابعد الانفصال ، والتأكيد علي علاقة حسن الجوار بين الشمال والجنوب، وقيام شراكة استراتيجية تفتح الطريق في المستقبل لاعادة توحيد الوطن، وتأمين المصالح المشتركة بينهما، وهذا هو الطريق للحل.
ولكن المؤتمر الوطني يسبح عكس التيار، ويعمل علي الهروب للحرب بدلا من مواجهة مشاكل البلاد المتفجرة وأزماتها المتلاحقة، مثل: الأزمة الاقتصادية والتي من المتوقع أن تزداد تعقيدا بعد اعلان انفصال الجنوب نتيجة لفقدان 70% من عائدات البترول، وتوسيع الضرائب، والمزيد من الزيادات في اسعار السلع الأساسية( السكر ، البترول،....الخ)، وبالتالي المزيد من الأعباء علي الجماهير الكادحة. وكذلك يحاول النظام بتصعيده للحرب شغل الجماهير عن قضاياها ونهوضها الحالي من أجل مطالبها وحقوقها، ومصادرة الحقوق والحريات الدينية تحت ستار الحرب، وفرض الدولة الدينية الظلامية والتي سوف تؤدي الي المزيد من تمزيق وحدة الوطن.
وبالتالي، تصبح قضية الساعة هي: خلق اوسع جبهة من أجل وقف الحرب، والحل السلمي الشامل والعادل لقضية جنوب كردفان والنيل الأزرق ودارفور.

78
انتفاضة شعب السودان:
مهما تأخرت فانها آتية
أشرنا سابقا الي أن العوامل التي ادت لتفجير الانتفاضات في تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا والبحرين..الخ متوفرة بكثرة في السودان، ومهما تأخرت الانتفاضة ، فانها آتية لاريب فيها، وانها سوف تخرج من رحم معاناة الجماهير التي تتفاقم وتزداد كل يوم جراء تزايد جرعات القمع والقهر والمعيشة الضنكا، والارتفاع الجنوني في الاسعار، والفساد، وتمزيق وحدة البلاد، واصرار النظام علي المزيد من تفتيت السودان، والعوامل التي سوف تؤدي الي الانفجار مثل:
*ترتيبات مابعد الانفصال والتي وصل فيها الشريكان الي طريق مسدود ( ابيي، جنوب النيل الأزرق، جنوب كردفان، ترسيم الحدود ومناطق التداخل القبلي، وقضايا الجنسية والمواطنة والعملة والخدمة المدنية والاصول والديون والبترول ومياه النيل، ومشاكل الطلاب الجنوبيين في الشمال والشماليين في الجنوب..الخ، واذا لم تحل تلك المشاكل ، فسوف يؤدي ذلك الي عودة الحرب، وتكون النتيجة تمزيق وحدة البلاد دون كسب السلام!!!.
*وكذلك اتجاه المؤتمر الوطني لاقامة حكم شمولي باسم الدين والشريعة الاسلامية يلغي الحقوق والحريات الأساسية، والتنوع الديني والثقافي والأثني، وبهدف احكام سيطرته علي كل مفاصل الدولة في الشمال مما يؤدي الي استفحال الأزمة واشعال فتيل الفتنة الدينية والحرب.
* وهناك الوضع الاقتصادي المتدهور حيث من المتوقع حسب تقرير صندوق النقد الدولي في يناير 2011م أن السودان سوف يفقد 75% من عائدات النفط عقب يوليو المقبل ما سيؤدي الي اختلالات داخلية ، وانخفاض في تدفق العملات الأجنبية ، كما سيؤثر علي ميزان المدفوعات وضغوط اضافية علي العجز المالي والاحتياطي من العملات الأجنبية التي سبق أن وصلت لمستويات قياسية علما بأن عائدات النفط تشكل اكثر من نصف عائدات الحكومة و 90% من الصادرات. وهذا سوف يؤدي الي مواصلة ارتفاع معدل التضخم والي الارتفاع الكبير في أسعار السلع الغذائية، وانخفاض قيمة الجنية السوداني، ورفع الدعم عن المنتجات النفطية والسكر وغيره من المنتجات، اضافة لأزمة الديون التي بلغت قيمتها 36,8 مليار دولار.
* هذا اضافة لتدهور الأوضاع في دارفور وتصاعد الحل العسكري، وانفجار الاوضاع في ابيي والاستعدادت الكبيرة للحرب فيها نتيجة الصراع علي مواردها بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية، وهشاشة الحلول الخارجية، وانفجار الوضع في جنوب كردفان نتيجة لاتجاه المؤتمر الوطني لتزوير الانتخابات واشعال حرب الابادة كما جاء في احداث ابو الفيض عبد الله والتي راح ضحاياها حوالي 20 شخصا ، اضافة الي حرق قري، مما يشير الي تحويل المنطقة الي دارفور أخري!. توتر الاوضاع في النيل الأزرق واتجاه المشورة الشعبية للمطالبة بالحكم الذاتي، اضافة للوضع المتفجر في شرق السودان، ومشاكل بناء السدود(كجبار، دال، الشريك..الخ) في مصادرة لحقوق مواطني تلك المناطق المادية والتاريخية والثقافية.
* وهناك قضايا مصادرة الحريات بالقمع المتواصل لمظاهرات الشباب والطلاب والنساء والاحزاب السلمية، وممارسة ابشع اساليب التنكيل بالمعتقلين السياسيين جراء التعذيب والاعتقال المديد دون توجيه تهمة محددة، ومصادرة حق التعبير جراء مصادرة الصحف أو منع توزيعها كما حدث لصحيفتي " الميدان" و" أجراس الحرية" واعتقال الصحفيين، وتزوير انتخابات النقابات والاتحادات والانتخابات العامة، مما يتطلب التحول الديمقراطي بالغاء القوانين المقيدة للحريات، واحترام حقوق الانسان واستقلال القضاء والمحاسبة علي ارتكاب الجرائم الجنائية ، وقومية ومهنية القوات النظامية( الجيش، الشرطة، الأمن)، وقومية الخدمة المدنية واستقلالها ومهنيتها وكفاءتها ، واصدار قرار سياسي بارجاع المفصولين سياسيا وتعسفيا، والتحقيق في الفساد وحل المليشيات ومحاصرة انتشار السلاح في البلاد، وضرورة قيام انتخابات حرة نزيهة ، وانجاز دستور ديمقراطي يكفل عدم استغلال الدين في السياسة ويراعي التعدد الديني واللغوي في البلاد.
* من مظاهر الأزمة فشل النظام في حماية سيادة البلاد الوطنية ، جراء التدخل الأجنبي الكثيف في شؤونها الداخلية، والضربات الجوية والبحرية والبرية المتلاحقة دون التصدي بحزم لها.
+ من كل ما سبق يتضح عمق الأزمة الوطنية العامة التي تمر بها البلاد، وتنامي المقاومة والنهوض الجماهيري ضدها، ولابديل حسب تجربة شعب السودان وتجارب تونس ومصر وسوريا..الخ غير النضال الجماهيري واستمراره، ومهما كانت درجات القمع، فان الثورة لامحالة سوف تنتصر في النهاية، رغم دعاوي التخذيل التي لاتخدم الا بقاء النظام لفترة أطول وزيادة معاناة الشعب السوداني. وعلي سبيل المثال انتصر الشعب المصري بعد مواجهة عنيفة لاضخم ترسانة قمع وقدم اكثر من 800 شهيد من المتظاهرين. ورفع الشعب السوري سقف مطالبه نتيجة القمع الوحشي واطلاق النار من قناصة السلطة، وارغم النظام علي رفع حالة الطوارئ، والغاء محكمة امن الدولة التي كانت سيفا مسلطا علي المعارضين السياسيين بعد 48 عاما من انقلاب البعث في 1963م، ويواصل الشعب السوري نضاله من أجل اطلاق سراح كل المعتقلين السياسيين وحرية الأحزاب والتعديية السياسية.
كل ذلك يوضح أن شعب السودان سوف ينتصر في معركته ضد نظام الانقاذ عن طريق النضال الجماهيري والانتفاضة الشعبية، وينتزع الحقوق الديمقراطية، وتكوين حكومة انتقالية يكون من مهامها:-
تحسين الاوضاع المعيشية وتركيز الاسعار، وتحقيق التحول الديمقراطي، وقيام المؤتمر الدستوري الذي يقرر شكل الحكم في البلاد علي اساس دستور ديمقراطي، والحل العادل والشامل لقضية دارفور، وحل قضايا مابعد الانفصال ومنع تجدد الحرب بين الشمال والجنوب، وقيام دولة مدنية تسع الجميع وتفتح الطريق لشراكة استراتيجية مع دولة الجنوب واعادة توحيد الوطن، والاشراف علي علي المحادثات بين سكان ابيي ومتابعة نتائج المشورة الشعبية في جنوب النيل الأزرق وقيام انتخابات حرة نزيهة في جنوب كردفان تتبعها آلية جديدة لاستطلاع آراء سكان المنطقة، والتصدي للوضع المتدهور في شرق السودان، وقيام علاقات خارجية تحمي السيادة الوطنية وتكرّس حسن الجوار وتقوم علي مبادئ المصالح المشتركة، والاشراف علي اجراء انتخابات عامة جديدة في نهاية الفترة الانتقالية.
وهذا هو الطريق للمخرج من الأزمة.

79
وتستمر المقاومة رغم التهديد والوعيد
اصبح واضحا فقدان نظام الانقاذ لمقومات الاستمرار، ودخوله في العد التنازلي، و ذوبان الجليد، بعد أن اصبحت تحيط به الأزمات من كل جانب، ورغم ذلك يصّر علي السير في سياساته السابقة نفسها التي دمرت ومزقت البلاد. ولا يجدي نفعا التهديد بسحق المعارضة ، فقد سمعنا من قبل تهديد الديكتاتور عبود بضرب المعارضة بيد من حديد، ورغم ذلك ارسلته المعارضة لمزبلة التاريخ بعد ثورة اكتوبر 1964م، وكذلك السفاح نميري الذي كان يهدد بسحق المعارضة، ورغم ذلك ذهب الي مزبلة التاريخ بعد انتفاضة مارس – ابريل 1985م، والتي نحتفل بذكراها العطرة هذه الايام.
فبدلا من اعلاء صوت العقل واستيعاب دروس تجارب ثورات البلاد السابقة، وثورات مصر وتونس واليمن وليبيا..الخ، يركب النظام رأسه، ويصاب بالهلع من دعوات احزاب المعارضة وشباب (الفيسبوك) للتظاهر والتجمع السلمي المشروعة بنص الدستور، كما حدث يوم الأثنين 21/مارس/2011م، عندما تم قمع التظاهرات التي قامت في مدني وسنار ، وتم قمع مظاهرات طلاب جامعات الأهلية والخرطوم والنيلين بوحشية قبل خروجها، وتم اعتقال بعض الطلاب وتقديمهم لمحاكمات، ومنع ندوة الجبهة الديمقراطية للمحامين بدار المحامين بامدرمان بمناسبة عيد المرأة العالمي، حيث قامت قوات الأمن باحتلال واغلاق الدار، مما يعكس مدي ضعف النظام ومصادرته للحقوق والحريات الديمقراطية والتدهور المريع لسجلة في هذا الجانب كما جاء في تقرير الخبير المستقل لحقوق الانسان( شاندي) في زيارته الأخيرة للسودان. علما بأن ترسانات القمع وادوات التعذيب الرهيبة، كما كان الحال في مصر وتونس وليبيا وسوريا، لم تمنع انفجار النهوض الجماهيري عندما توفرت ظروفه الموضوعية والذاتية، وأن الاسباب نفسها التي ادت للانفجار في تلك البلدان موجودة بكثافة في السودان، وبالتالي، فان الانفجار قادم لامحالة في السودان.
ويستمر النظام في سياساته الخرقاء التي ادت لفصل جنوب السودان، ولتدهور الاوضاع في دارفور واشتداد الضائقة المعيشية والارتفاع الجنوني للاسعار، وانفجار الاوضاع مجددا في ابيي وجنوب السودان واتهام الحركة الشعبية للوطني بزعزعة الاستقرار في الجنوب ، كما يتضح من الشكوي التي رفعتها لمجلس الأمن.
فالنظام تحيط به مشاكل وقضايا معقدة احاطة السوار بالمعصم، واذا لم تعالج بافق واسع ، فسوف تكون النتيجة المزيد من تمزيق وحدة السودان، وخاصة أن النظام يصر علي الدولة الدينية واستغلال الدين في السياسة والتي لم نجني منها غير تمزيق الوطن، ومحاولة التغطية علي الفساد الأكبر بتصفية 22 شركة حكومية، وافقار شعب السودان حتي اصبح 95% منه يعيش تحت خط الفقر، والغاء التعدد الديني والثقافي واللغوي، اضافة الي الفساد الذي يزكم الانوف، والصراعات المحتدمة داخل الوطني كما وضح من احداث بورتسودان الأخيرة، والتخبط في التصريحات الصحفية لقادة المؤتمر الوطني والتي تؤكد اثر المقاومة المتنامية عليه، مثل أن البشير لن يترشح لدورة جديدة، والتغطية علي الفساد بمنطق " فقه السترة"، والتهديد بممارسة القمع والضرب وسحق المتظاهرين والمعارضين، واعداد "كتيبة استراتيجية" خاصة لذلك، مما يشكل انتهاكا للدستور وقانون الاحزاب، ويمهد لابادة المعارضة والمتظاهرين كما حدث في ليبيا، ويفتح الطريق للتدخل الأجنبي للاطاخة بالنظام. ورغم تهديد المعارضة بالسحق ، خرجت مظاهرة في مدينة امبدة يوم الخميس 24/3 ، ضد الغلاء وتطالب باسقاط النظام ، مما يؤكد استمرار المقاومة رغم التهديد والوعيد.
وهذه السياسات الهوجاء تعبر عن سباحة عكس التيار، وفقدان النظام لكل مقومات الاستمرار وتفاقم مشاكله يوميا، وعمق التناقضات داخل الحزب الحاكم.
فالبلاد تمر اليوم بمنعطف خطير لايجدي فيه السير علي السياسات السابقة نفسها، ويؤكد ضرورة زوال نظام الانقاذ للحفاظ علي وحدة ماتبقي من البلاد.
وبالتالي، فلا مناص من مواصلة تصعيد النضال الجماهيري حتي اسقاط النظام ، وقيام حكومة انتقالية تنجز المهام التالية:
- اتخاذ اجراءات عاجلة لفك الضائقة المعيشية، ودعم البترول والسلع الأساسية، ودعم خدمات التعليم والصحة وبقية الخدمات.
- تحقيق التنمية المتوازنة وقومية كل الثروات.
- حل قضايا ما بعد الانفصال حتي لاتتجدد الحرب من جديد والتي تتلخص في : ترسيم الحدود، الجنسية والمواطنة، والاصول والديون، والبترول، المياه، مشاكل طلاب الجامعات الشماليين في الجنوب ، والجنوبيين في الشمال..الخ. وحل قضية ابيي علي اساس التراضي بين قبائل المنطقة، ومشاكل المشورة الشعبية في جبال النوبا والنيل الأزرق.
- الحل العادل والشامل لقضية دارفور ، والتصدي للوضع المتدهور في شرق السودان.
- عقد المؤتمر الدستوري لمراجعة كل الترتيبات الدستورية في الشمال، بما في ذلك وضع دستور ديمقراطي يكرّس التحول الديمقراطي بالغاء كل القوانين المقيدة للحريات، وضمان حقوق الانسان، واستقلال القضاء، وقومية القوات النظامية والخدمة المدنية والتعليم، كما يضمن الدستور التعدد السياسي والفكري واللغوي والديني في البلاد، ويكفل عدم استغلال الدين في السياسة، ويفتح الطريق لاعادة توحيد البلاد مرة أخري علي أساس دولة المواطنة التي تسع الجميع، ويضمن قيام حكم لامركزي يقوم علي تقسيم البلاد الي خمسة أقاليم (كردفان، دارفور، الاوسط ، الشرقي، الشمالي، العاصمة القومية) ويقوم علي اساس الجمهورية البرلمانية لا الرئاسية، وتكوين مجلس رأس دولة من ممثلي أقاليم البلاد.
- اصدار قرار سياسي بارجاع المفصولين سياسيا وتعسفيا.
- الاشراف علي اجراء انتخابات عامة جديدة في نهاية الفترة الانتقالية.

80
واذا نيران الحرب اندلعت.. فكر في اطفائها
يسود التوتر حاليا بين دولتي الشمال والجنوب والذي قد يؤدي الي مخاطر اندلاع حرب شاملة بينهما، وطلبت حكومة الجنوب الي ادارة اوباما فرض "منطقة حظر طيران علي الحدود" ، وتحاول الأمم المتحدة نقل 20 ألف لاجئ من معسكر لومو ، كما أشارت حكومة الجنوب الي توغل القوات الشمالية في عمق اراضي الجنوب، وسط تصريحات متضاربة من جيشي الشمال والجنوب باحتلال بلدة "جاو" الحدودية، أشارت حكومة الجنوب الي استعادتها بعد احتلالها من قوات الشمال. وقبل ذلك اتهم سلفاكير الحكومة السودانية بالتخطيط لغزو بلاده، رافضا مزاعم البشير بأن جوبا تدعم المتمردين المعارضين لحكومة الخرطوم. وبعد الغارة الجوية التي استهدفت مخيما للاجئين في ولاية الوحدة في السودان الجنوبي علي بعد 50 كلم من الحدود مع السودان. وقد أدان البيت الأبيض قصف المخيّم، وكذلك بريطانيا، والامم المتحدة التي وصفت قصف المخيّم بأنه جريمة دولية. كما تم هجوم لقوات من الحكومة السودانية علي منطقة "الكويك" التي تقع علي الحدود بين ولاية النيل الأبيض وولاية الوحدة المنتجة للنفط، وتم مقتل 13 وجرح 47 من قوات الحكومة، ومقتل 5 من جنود الجيش الشعبي وجرح 26 ، وتاتي محاولة السيطرة علي منطقة "الكويك" في اطار خطة الحكومة لاحتلال حقول النفط في الجنوب حسب مزاعم حكومة الجنوب. كما تشير الأنباء الي دخول كميات كبيرة من السلاح للسودان بعد سقوط نظام القذافي في ليبيا، مما يهدد باتساع نيران الحرب جراء استخدام اسلحة الدمار الشاملة.
وقبل ذلك كما هو معلوم اتسع لهيب الحرب في جنوب كردفان وولاية النيل الأزرق ودارفور، وتم تصعيد خطاب الحرب من الرئيس البشير بعد استعادة الكرمك في حرب الكر والفر التي تستنزف القوات الحكومية كما اكدت تجربة أكثر من 50 عاما، حتي تم توقيع اتفاقية نيفاشا التي ادت الي انفصال الجنوب.
ومع اتساع نطاق الحرب بدأ يتصاعد القلق الداخلي والخارجي منها، فمن جهة قدم التحالف الذي يتكون من 66 منظمة امريكية طلبا الي الرئيس اوباما للعمل من أجل تطبيق حظر الطيران من أجل حماية الملايين من السودانيين الذين يتعرضون للقصف في جنوب كردفان والنيل الأزرق. كما برزت أصوات( مجموعة برندر قاست) تدعو امريكا وحلفائها الي دعم قوات تحالف "كاودا" من اجل اسقاط حكومة البشير التي اصبحت تشكل خطرا علي جيرانها والأمن الاقليمي. ومعلوم أن تحالف "كاودا" الذي تغير اسمه الي "تحالف الجبهة الثورية السودانية" وقع علي ميثاقه الحركات الآتية : الحركة الشعبية " الشمال"، العدل والمساواة، وتحرير السودان( مناوي)، والتحرير ( عبد الواحد)، وطرح الميثاق اسقاط النظام عن طريق النضال الجماهيري والمسلح، ورفض الميثاق طريق الحلول الجزئية، وأشار الي أن حل القضية يكمن في تغيير النظام في الخرطوم، والحل الشامل لقضايا البلاد.
ومع اتساع لهيب الحرب تصبح البلاد عرضة مرة أخري للتدخل الدولي، وخاصة من قوات حلف (الناتو) التي اصبحت علي مرمي حجر من البلاد، ومع اطالة أمدها ربما يتم طرح تقرير المصير للمناطق التي تعاني من لهيبها( دارفور ، جنوب كردفان، جنوب النيل الأزرق)، وبالتالي يحدث المزيد من تمزيق وحدة البلاد.
وكان اتساع لهيب الحرب نتاجا طبيعيا لتزوير المؤتمر الوطني لانتخابات جنوب كردفان والذي خلق حالة من الاحتقان في المنطقة، والانقلاب علي الوالي المنتخب في ولاية النيل الأزرق، وعدم تنفيذ اتفاقية نيفاشا، اضافة الي احتلال أبيي، واغلاق الحدود بين الشمال والجنوب، وعدم حل قضايا مابعد الانفصال ( ترسيم الحدود، ابيي، البترول، المواطنة، مياه النيل،...الخ)، وفشل المحادثات حول القضايا العالقة بين دولتي الشمال والجنوب، اضافة للفشل في الحسم العسكري السريع للحرب في جنوب كردفان والنيل الأزرق الذي كان يعتبرها النظام مجرد نزهة!!!، واحتمال اتساع نطاق الحرب ليشمل شرق السودان الذي يعاني من التهميش والاحتقان بسبب نقض العهود والمواثيق جراء فشل تنفيذ اتفاق الشرق، اضافة الي أن الحل الثنائي الذي تم باتفاق الدوحة لن يجلب السلام لدارفور.
وعليه يصبح الواجب وقف الحرب فورا، والحل السلمي للأزمة بدلامن الحرب التي لها خسائرها المدمرة وتكلفتها الباهظة، وأثرها السالب علي الموسم الزراعي. وهذا يتطلب الالتزام باتفاقية نيفاشا، ووضع ترتيبات أمنية جديدة لاتاحة الفرصة لشعبي جنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق في ممارسة حقهما الديمقراطي من خلال المشورة الشعبية.
لقد اكدت الأحداث خطأ تقديرات أمريكا وشركاءها في قصر توقيع اتفاقية نيفاشا علي الشريكين ( المؤتمر الوطني، والحركة الشعبية)، واستبعاد القوي السياسية الأخري وتهميشها ، اضافة للتجربة السلبية الأخري للست سنوات الماضية من عمر الاتفاقية التي كرّست الصراع بين الشريكين، ولم يتم تنفيذ جوهر الاتفاقية الذي يتلخص في: التحول الديمقراطي، وتحسين الأوضاع المعيشية ، والحل الشامل لقضية دارفور وبقية أقاليم السودان، وقيام انتخابات حرة نزيهة تحت اشراف مفوضية للانتخابات محايدة بحيث تفضي في النهاية الي الوحدة الطوعية للوطن، وكانت النتيجة النهائية انفصال الجنوب بسسب تعنت المؤتمر الوطني واصراره علي فرض الدولة الدينية، ويتحمل المؤتمر الوطني المسؤولية التاريخية في ذلك.
وباندلاع الحرب مجددا تكون النتيجة تمزيق وحدة البلاد دون كسب السلام.
ولدرء مخاطر الحرب مهم الغاء الانتخابات المزورة التي جرت في اجواء محتقنة، ووقف الحصار الاقتصادي علي الجنوب، وحل مشاكل مابعد الانفصال ، والتأكيد علي علاقة حسن الجوار بين دولتي الشمال والجنوب، وتأمين المصالح المشتركة بينهما، وقيام شراكة استراتيجية بينهما تفتح الطريق في المستقبل لاعادة توحيد الوطن علي أسس طوعية وديمقراطية، وقيام دولة المواطنة التي تسع الجميع غض النظر عن الدين أو اللغة أو الجنس أو الثقافة، وهذا هو الطريق للحل.
ولكن المؤتمر الوطني يسبح عكس التيار، ويعمل علي الهروب للحرب بدلا من مواجهة مشاكل البلاد المتفجرة وأزماتها المتلاحقة، مثل: الأزمة الاقتصادية والتي ازدادت تعقيدا بعد اعلان انفصال الجنوب نتيجة لفقدان 70% من عائدات البترول، وزيادة منصرفات الأمن والدفاع والقطاع السيادي التي تبلغ 77% من ميزانية الدولة كما يتضح من موازنة العام 2012م، ومن المتوقع المزيد من زيادة ميزانية الأمن والدفاع بعد اتساع نطاق الحرب، وتوسيع الضرائب والمزيد من الزيادات في اسعار السلع الأساسية( السكر ، البترول،....الخ)،اضافة الي تكوين الوزارة الجديدة التي تعبر عن تفاقم أزمة النظام وبقيامها علي مشاركة فوقية ديكورية من حزب الاتحادي "الاصل" مع معارضة واسعة من جماهيره، وبالتالي المزيد من الأعباء علي الجماهير الكادحة.والرفع الكامل لليد عن خدمات التعليم والصحة( قرار خصخصة الخدمات العلاجية).
وكذلك يحاول النظام بتصعيده للحرب شغل الجماهير عن قضاياها ونهوضها الحالي من أجل مطالبها وحقوقها، ومصادرة الحقوق الديمقراطية والحريات الدينية تحت ستار الحرب، وفرض الدولة الدينية الظلامية والتي سوف تؤدي الي المزيد من تمزيق الوطن، وباتساع لهيب الحرب يكون النظام قد صعد الي الهاوية وفتح علي نفسه طاقات من جهنم سوف تعجل باسقاطه ونهايته المحتومة.
وبالتالي، تصبح قضية الساعة هي خلق أوسع جبهة لوقف الحرب والخطاب العنصري الاستعلائي، والحل الشامل والعادل للقضايا العالقة بين دولتي الشمال والجنوب، وقضايا جنوب كردفان وأبيي والنيل الأزرق ودارفور.

81
أزمة احتلال هجليج وتداعياتها..
* حلقة جديدة في الانفصال العدائي:
جاء احتلال هجليج ليشكل حلقة جديدة في الانفصال العدائي بين دولتي الشمال والجنوب وتطورا جديدا في الحرب التي تحولت من حرب اهلية بين أبناء الوطن الواحد الي حرب بين دولتين، وبالتالي استنزاف لمواردهما الشحيحية والتي كان المواطنون في الشمال والجنوب يحلمون في توظيفها للاستقرار وتحسين الأوضاع المعيشية والتنمية بعد انفصال الدولتين وحل القضايا العالقة بينهما لمصلحة الشعبين، مما زاد من معاناة الشعبين والذي لاتخطئه العين في ارتفاع الأسعار والمعيشة الضنكا، وتدمير الانتاج الزراعي والثروة النفطية، والتي سوف تزداد تفاقما مع استمرار الحرب التي ان لم يطفئها عقلاء قوم يكون حصادها المزيد من الخراب والدمار. حتي اصبح لسان حال المواطن السوداني يقول: "انفصال مع استمرار الحرب "!!! ، أو "ميتة وخراب ديار" كمل يقول المثل السوداني.
والهدف من احتلال هجليج تقوية موقف حكومة الجنوب التفاوضي وممارسة ضغط لانسحاب قوات الشمال من ابيي، و ضغط اقتصادي علي الخرطوم لتقديم المزيد من التنازلات في القضايا العالقة بين الجانبين وخاصة رسوم عبور النفط. وطرحت حكومة الجنوب شرطا للانسحاب من هجليج هو انسحاب القوات السودانية من ابيي ونشر قوات أممية علي الحدود.
كما نفت المعارضة اتهامها بافتعال أزمة الوقود في بيان لها بهدف اسقاط النظام، فالازمة لها وجودها موضوعي ولاتحتاج لافتعال.
كان واضحا لكل ذي بصيرة أنه مالم تحل القضايا العالقة بين البلدين قبل الانفصال ( ترسيم الحدود، الجنسية، النفط، الديون، الحريات الأربع..) ، فان الحرب لامحالة عائدة وراجحة وستكون الحرب بين الدولتين أشد شراسة وعنفا من الماضي. واصبحت الحرب مركبة: حرب بين دولتين وحرب أهلية بين أبناء الوطن الواحد في دارفور وجنوبي كردفان والنيل الأزرق، مما يتطلب جهدا اكبر لاطفاء نيرانها التي باتت لواحة للبشر لاتبقي ولاتذر.
ولابديل غير الوقف الفوري للحرب بين الدولتين وانسحاب الطرفين الي حدود 1956م، أي انسحاب قوات حكومة الجنوب من هجليج، وقوات حكومة الشمال من ابيي بعد اكتمال القوات الاثيوبية، ووقف قصف قوات الشمال الجوي للعمق الجنوبي، والعودة الي طاولة المفاوضات. وهذا يتفق مع دعوات القوي السياسية المعارضة ودعوات الأمم المتحدة والاتحاد الافريقي والمجتمع الدولي، والجدير بالذكر أن مجلس الأمن يبحث "فرض عقوبات علي الخرطوم وجوبا مالم يضعا حدا للاشتباكات الحدودية".
وفي الوقت نفسه سوف تزداد الأمور تعقيدا اذا استغل المؤتمر الوطني أجواء الحرب لمصادرة الحقوق والحريات الديمقراطية باسم " الطابور الخامس "، و تحميل الجماهيرالكادحة المزيد من المعاناة بدفع "فاتورة" الحرب والتي تتلخص في الغلاء وزيادة الاسعار، فالأزمة الوطنية الراهنة يتطلب حلها اطلاق الحريات العامة واشراك الجميع في حلها ، ووضع حد لمعاناة الجماهير ولجم الفساد ، وكبح المصالح الطبقية الضّيقة للرأسمالية الاسلاموية الطفيلية التي تزكي نيران الحرب والنعرات العنصرية التي تثير العداوة والبغضاء بين ابناء الوطن الواحد ودولتي الشمال والجنوب. وهناك ضرورة لخلق اوسع جبهة متعددة المستويات من أجل وقف الحرب، واشراك المعارضة في المفاوضات بين طرفي الدولتين والحرب الأهلية.
*تطور نوعي في التوتر بين دولتي الشمال والجنوب:
ماكان للوضع أن يصل لهذا الحد لولا انقلاب الجبهة الاسلامية في يونيو 1989م الذي قطع الطريق أمام الحل السلمي الذي تم التوصل له باتفاق " الميرغني – قرنق " مما أدي الي اسباغ الطابع الديني للحرب وتوسيع رقعتها لتشمل جنوب النيل الأزرق وجنوب كردفان والشرق ودارفور، حتي تم توقيع اتفاقية السلام بنيفاشا والتي افرغها المؤتمر الوطني من محتواها مما أدي الي انفصال الجنوب العدائي بدون حل المسائل العالقة أو ترتيبات ماقبل الانفصال. اضافة لعدم تنفيذ اتفاقية نيفاشا فيما يتعلق بمناطق ابيي وجنوبي النيل الأزرق وكردفان. وتم تزوير انتخابات جنوب كردفان، ومحاولة تجريد قوات الحركة الشعبية من السلاح بالقوة، والغاء الاتفاق الاطاري في اديس أبابا، مما أدي لاندلاع الحرب الأهلية مرة أخري بين أبناء الوطن الواحد، وبالتالي ، فان المؤتمر الوطنني يتحمل لمسؤولية التاريخية فيما آلت اليه الأوضاع.
وهناك خطورة من اطالة أمد الحرب الأهلية وبين الدولتين والتي قد تؤدي الي التدخل الدولي الذي بدأت ملامحه من خلال مطالبات داخل امريكا للادارة الامريكية الصين للتدخل السريع لفرض اتفاق سلام جديد علي دولتي الشمال والجنوب لحل المشاكل العالقة بينهما وولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق، وابرام اتفاق ثنائي يعزل المعارضة مرة أخري كما حدث في نيفاشا، وربما طرح تقرير مصير جديد ، الشئ الذي يؤدي الي المزيد من تمزيق وحدة ماتبقي من الوطن، وبالتالي من المهم بناء اوسع تحالف جماهيري من أجل وقف الحرب واشراك المعارضة في كل خطوات المحادثات، والاتفاق علي ترسيم الحدود وحل المشاكل العالقة.
من الواضح تدهور الاوضاع نتيجة للحرب والتي ادت الي فرار 10 ألف من المعارك بين السودان والجنوب في هجليج وحدها، وتدهور اوضاع الدولتين التي تعتمد كل منهما علي النفط الذي توقف انتاجه، وعمق ملامح الأزمة في الشمال بسبب ارتفاع الدولار الي 6800 جنية ، وزيادة الفقر والبؤس ، ووقف انتاج هجليج من النفط الذي يقدر ب 60 الف برميل يوميا من انتاج الشمال البالغ 115 ألف برميل يوميا.
كما أنه من العبث أن يتهم النظام المعارضة ب "الطابور الخامس " أو عدم الوطنية، فنظام المؤتمر الوطني هو الذي فرّط في سيادة البلاد الوطنية وجعلها نهبا للمطامع الدولية، وفتح الطريق للتدخل الدولي بسبب توسيع نطاق الحرب، وغض الطرف عن احتلال أجزاء عزيزة من الوطن مثل " حلايب" و"الفشقة"، " ولامو "، ودمر مؤسسات البلاد العريقة مثل مشروع
الجزيرة والسكة الحديد وشرّد الالاف من الكفاءات في الخدمة المدنية والقوات النظامية حتي انهارت قومية الخدمة المدنية ونظام التعليم، وتمدد الفقر ليشمل 95% من الشعب السوداني، وسحب الدعم عن خدمات التعليم والصحة والسلع الأساسية عن طريق خصخصة تلك الخدمات، وانتشار الفساد في البلاد بشكل غير مسبوق. وبالتالي، فان المؤتمر الوطني هو المسؤول الأول عن اضعاف الوطنية السودانية، وانهيار البلاد المادي والمعنوي والذي شكل المقدمة للهزائم المتوالية، وادخال البلاد في نفق مظلم.
ولامخرج غير وقف الحرب بين دولتي الشمال والجنوب وفي دارفور وولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق ، والحل السلمي الداخلي للقضايا العالقة بين البلدين، والحل الشامل والعادل لقضايا دارفور وجنوبي النيل الأزرق وكردفان وابيي، والحفاظ علي وحدة ماتبقي من الوطن.



82

حتي لاتتكرر تجربة انفصال جنوب السودان
بعد تجربة اتفاقية نيفاشا التي كان حصادها انفصال الجنوب بسبب سياسة المؤتمر الوطني التي قامت علي المراوغة ونقض العهود والمواثيق، بعدم تنفيذ جوهر الاتفاقية الذي قام علي التحول الديمقراطي وتحسين الاوضاع المعيشية وقيام انتخابات حرة نزيهة في نهاية الفترة الانتقالية وقيام دولة المواطنة التي تسع الجميع وتفتح الطريق لخيار الوحدة، ولكن ذلك لم يتم وكانت النتيجة انفصال الجنوب بطريقة عدائية اعادت انتاج الحرب بين الدولتين، وفي مناطق جنوبي النيل الأزرق وجنوب كردفان وابيي ، فضلا عن الحرب التي اندلعت في دارفور منذ عام 2003م والمأساة الانسانية التي خلقتها. ونلاحظ أن الاوضاع في البلاد وصلت الي درك سحيق من التدهور بعد انفصال الجنوب، مما يهدد بالمزيد من تمزيق وتشظي الوطن بسبب السياسات نفسها التي ينتهجها نظام المؤتمر الوطني والتي قادت الي الأزمة والانفصال. وازدادت الأزمة الاقتصادية والمعيشية، وازمة الحريات والحرب تفاقما وعمقا.
* الاوضاع الاقتصادية وصلت الي درجة من السوء بعد انهيار الميزانية وتعويم الجنية السوداني وتخفيض سعر صرف الجنية السوداني، باجراء بنك السودان الأخير الذي رفع سعر صرف الدولار مقابل الجنية من (2,72 ) جنية الي (4,9) جنية، والذي سوف يؤدي الي المزيد من ارتفاع الاسعار وخاصة السلع المستوردة " الدواء ومدخلات الصناعة..الخ "، واتجاه الحكومة لرفع الدعم المزعوم عن المحروقات، والارتفاع الجنوني في تكاليف المعيشة حتي اصبحت الحياة لاتطاق، وهذا طريق مسدود. ولابديل غير وقف الحرب، وتخفيض منصرفات جهاز الدولة ومنصرفات الأمن والدفاع التي تستحوذ علي 75% من الميزانية ، والوصول الي اتفاق مع دولة الجنوب حول رسوم البترول، ودعم الانتاج الزراعي والصناعي لضمان توفير العملات الأجنبية، وهذا هو الطريق للقضاء علي السوق الموازي. ولاشك أن الحركة الجماهيرية سوف يتصاعد نهوضها بسبب المزيد من ضيق الاحوال المعيشية والاقتصادية التي من المتوقع أن تواصل تدهورها بسبب الصرف الباهظ علي الحرب التي امتد لهيبها ليشمل جنوب كردفان، وولاية النيل الأزرق، ودارفور.
* وبعد أزمة احتلال هجليج دخلت البلاد فترة جديدة بعد قرار مجلس الأمن الأخير الذي طالب حكومتي الشمال والجنوب بوقف الأعمال العدائية خلال 48 ساعة وحل الخلافات ضمن مهلة 3 شهور. واستئناف المفاوضات بين الدولتين ومع الحركات المتمردة حول جميع النقاط الخلافية ( النفط، ترسيم الحدود،...الخ)، ووقف الأعمال العسكرية علي الفور بما في ذلك دعم المجموعات المتمردة علي أراضي البلدين. وسحب قوات البلدين من ابيي المتنازع عليها. وفي حالة عدم الالتزام تفرض عقوبات بموجب المادة " 41" من ميثاق الأمم المتحدة والتي تنص علي " استخدام وسائل ضغط لعقوبات اقتصادية أو قطع العلاقات الدبلوماسية.." ، كما أشار قرار مجلس الأمن أن الوضع الحالي علي حدود البلدين يشكل تهديدا خطيرا علي الأمن والسلام الدوليين. نظام حكومة الشمال علي لسان وزير الخارجية علي كرتي وافق علي خارطة طريق مجلس الأمن، ولكن حديث البشير عن قرار مجلس الأمن حول" قبول مايريدونه وترك مالايروق لهم" يضع متاريس في تنفيذ القرار، اضافة الي رفض البرلمان التفاوض مع الحركة الشعبية – قطاع الشمال، وعدم السماح بوصول المساعدات الانسانية ، كما ينص القرار، يشكل رفضا واضحا لقرار مجلس الأمن رقم 2046. وهذا الرفض يضع نظام الانقاذ في مواجهة مع المجتمع الدولي. وقد يؤدي تعنت النظام وعدم الاعتراف بالحركة الشعبية – قطاع الشمال الي طرح حق تقرير المصير مرة أخري، وتلدغ البلاد مرتين من الجحر نفسه، لأن النظام لاقدرة له علي الحرب والمواجهة مع المجتمع الدولي، وقد أكدت التجربة أن نظام الرأسمالية الطفيلية الاسلاموية في سبيل ضمان بقاءه في السلطة يمكن أن يقبل بالمزيد من تفتيت وحدة السودان. ولتجنب هذا المصير القاتم يجب العمل من أجل اوسع نهوض جماهيري من أجل وقف الحرب وقطع الطريق أمام الحل الثنائي والعض بالنواجز علي وحدة البلاد من خلال تنوعها، باشراك كل القوي السياسية السودانية في المفاوضات القادمة، وقطع الطريق أمام المخطط الأمريكي – الصهيزني الهادف لتفتيت وحدة السودان بهدف التحكم فيه والسيطرة علي موارده.
تفاقم أزمة الحريات:
يساعد في تنفيذ مخطط تمزيق ماتبقي من السودان مصادرة الحريات ومواصلة النظام قمعه الوحشي للمظاهرات والمواكب والمسيرات السلمية ، والاعتقالات والتعذيب الوحشي للمعتقلين. ومصادرة حرية الصحف والتعبير مثل مصادرة صحيفة "الجريدة"، وقبلها "أجراس الحرية"، " ورأي الشعب"، ومنع صحيفة الميدان من التوزيع للمرة السادسة خلال الاسبوعين الماضيين. ومنع بعض الكتاب عن الكتابة في الصحف، وتحديد الأمن لما يكتب في الصحف، اضافة الي الاعتقالات وسط الصحفيين كما هو الحال بالنسبة للصحفي فيصل محمد صالح . ومصادرة الحريات جزء من مخطط النظام لاقامة دولة دينية ظلامية تنتهك حرية التعدد الديني والثقافي واللغوي وتعمق الخطاب العنصري الاستعلائي، وتقويض التسامح الديني في البلاد مثل حرق الكنائس وهدم القباب، واعلان حالة الطوارئ في مناطق التماس ومصادرة حرية التجارة فيها التي تعتمد عليها حياة المواطنين، ومصادرة الحقوق والحريات الأساسية ونهب ممتلكات الدولة واستنزاف المواطنين عن طريق الجبايات والضرائب باسم الدين.
ومصادرة الحريات والضيق بحرية التعبير توضح الأزمة العميقة التي يعيشها النظام ، وهي من علامات تحلله وزواله.
وبالتالي يصبح من واجبات الساعة بناء اوسع جبهة من أجل الدفاع عن الحريات والحقوق الديمقراطية بهدف الدفاع عن ماتبقي من الوطن وضمان وحدته واستقراره وضمان منعته وازدهاره.
*تصعيد خطاب الحرب:
ورغم قرار مجلس الأمن الأخير، يواصل النظام دق طبول الحرب وتصعيدها في جنوب كردفان وولاية النيل الأزرق ودارفور، رغم تكلفتها الاقتصادية وأعبائها الثقيلة علي المواطنين وتدميرها للزرع والضرع، فالحرب التي دارت في الشهور الماضية في ابيي وجنوب كردفان وولاية النيل الأزرق أدت الي نزوح اكثر من 300 ألف من تلك المناطق ، اضافة الي الابادة والتطهير العرقي كما تشير تقارير منظمات الأمم المتحدة، ومنع وصول الاغاثة للمتضررين من الحرب وتركهم بلا مأوي يواجهون مصيرا مؤلما نتجت عنه مآسي انسانية، هذا فضلا عن خطورة اتساع رقعة الحرب لتشمل الشرق المتدهورة أوضاعه.
• وخلاصة الأمر نلاحظ أن النظام محاط بأزمات عميقة، تحيط به احاطة السوار بالمعصم، وتحكم الخناق عليه، والتي تتلخص في أزمات الضائقة المعيشية والحريات وتصاعد وتائر الحرب، وقرار مجلس الأمن الأخير. مما يتطلب بناء أوسع جبهة من أجل وقف الحرب والحل الشامل والعادل للقضايا العالقة مع دولة الجنوب ومناطق جنوبي كردفان والنيل الأزرق وابيي ودارفور واشراك جميع الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني في المفاوضات القادمة ، حتي لاتتكرر تجربة انفصال الجنوب مرة أخري بتفتيت ماتبقي من الوطن. وكما يقول المثل " لاخير في تجربة لاتورث حكمة"، وحتي لايصبح قادة النظام الحالي مثل آل بوربون " لم يتعلموا شيئا ولم ينسوا شيئا".

خاتمة :
هكذا من خلال تسلسل المقالات، نصل إلي كيف ساهم الاسلامويون في انفصال الجنوب من خلال إضاعة فرصة تاريخية بعد اتفاقية نيفاشا كانت يمكن أن تجعل الوحدة جاذبة ، ولكنهم أبوا واستكبروا وعطلوا عن عمد وسبق الترصد والاصرار سير تنفيذ الاتفاقية، بعدم تنفيذ جوهرها الذي يتمثل في التحول الديمقراطي وتحسين الأوضاع الاقتصادية والمعيشية والتنمية المتوازنة ، وقيام انتخابات حرة نزيهة في نهاية الفترة الانتقالية ، وانجاز تقرير المصير في ظروف حرية الارادة والديمقراطية ، وبدون ضغوط داخلية وخارجية.
ولكن ذلك لم يتم مما أدي في النهاية إلي فصل الجنوب ، إضافة لخضوع النظام الإسلاموي لعصا وجذرة الأمريكان ، والوعود الخادعة بفصل الجنوب مقابل رفع العقوبات وقائمة الدول الراعية للإرهاب، والتدخل للمساعدة في إعفاء البشير من المحكمة الجنائية الدولية ، بالفعل نفذ النظام فصل الجنوب ، ولم تتم الرفع للعقوبات ومن قائمة الدول الراعية للإرهاب، وظل البشير ملاحقا من المحكمة الجنائية الدولية.

السيرة الذاتية للكاتب:
تاج السر عثمان الحاج.
• تخرج في جامعة الخرطوم، ابريل 1978.
• باحث ومهتم بالتاريخ الاجتماعي للسودان .
• صدر له عدة مؤلفات منها :
1 – تاريخ النوبة الاقتصادي – الاجتماعي، دار عزة 2003.
2 –لمحات من تاريخ سلطنة الفونج الاجتماعي ، مركز محمد عمر بشير 2004 3 – تاريخ سلطنة دار فور الاجتماعي ، مكتبة الشريف 2005 .
3– التاريخ الاجتماعي لفترة الحكم التركي ، مركز محمد عمر بشير ، 2006 .
4– تطور المرأة السودانية وخصوصيتها ، دار عزة 2006 .
5– الدولة السودانية : النشأة والخصائص ، الشركة العالمية ، 2007 م .
6- دراسات في التاريخ الاجتماعي للمهدية، مركز عبد الكريم ميرغني 2010م.
• كاتب صحفي وله عدة دراسات ومقالات منشورة في الصحف السودانية ومشارك
في العديد من السمنارات وورش العمل .
• متزوج وأب.



#تاج_السر_عثمان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ما زال النظام مستمرا في جرائمه البشعة
- اليقظة ضد أكاذيب النظام
- فلنعزز الوحدة والتلاحم واليقظة حتي اسقاط النظام
- النظام يتهاوى أمام زحف الثوار
- كتاب الدولة السودانية : النشأة والخصائص
- نحو الإضراب السياسي العام والعصيان المدني
- كتاب الرأسمالية السودانية : النشأة والتطور والخصائص
- ثورة شعب السودان تدخل شهرها الثاني
- بعد ملحمة أم درمان النظام في طريقه للانهيار
- كتاب الإسلام السياسي وتجربته في السودان
- شعب السودان يشق طريقه نحو اسقاط النظام
- اتساع الحراك الجماهيري في السودان
- تقدم الحركة الجماهيرية وتراجع النظام بعد موكب 31 ديسمبر
- كتاب دراسة في برنامج الحزب الشيوعي السوداني
- كتاب الجذور التاريخية للتهميش في السودان
- الذكرى 53 لاستقلال السودان
- كتاب خصوصية نشأة وتطور الطبقة العاملة السودانية
- 25 ديسمبر خطوة متقدمة نحو الانتصار
- انتفاضة 19 ديسمبر تدخل مرحلة متقدمة
- الوحدة واليقظة ضمان انتصار الشعب


المزيد.....




- اخترقت غازاته طبقة الغلاف الجوي.. علماء يراقبون مدى تأثير بر ...
- البنتاغون.. بناء رصيف مؤقت سينفذ قريبا جدا في غزة
- نائب وزير الخارجية الروسي يبحث مع وفد سوري التسوية في البلاد ...
- تونس وليبيا والجزائر في قمة ثلاثية.. لماذا غاب كل من المغرب ...
- بالفيديو.. حصانان طليقان في وسط لندن
- الجيش الإسرائيلي يعلن استعداد لواءي احتياط جديدين للعمل في غ ...
- الخارجية الإيرانية تعلق على أحداث جامعة كولومبيا الأمريكية
- روسيا تخطط لبناء منشآت لإطلاق صواريخ -كورونا- في مطار -فوستو ...
- ما علاقة ضعف البصر بالميول الانتحارية؟
- -صاروخ سري روسي- يدمّر برج التلفزيون في خاركوف الأوكرانية (ف ...


المزيد.....

- الرغبة القومية ومطلب الأوليكارشية / نجم الدين فارس
- ايزيدية شنكال-سنجار / ممتاز حسين سليمان خلو
- في المسألة القومية: قراءة جديدة ورؤى نقدية / عبد الحسين شعبان
- موقف حزب العمال الشيوعى المصرى من قضية القومية العربية / سعيد العليمى
- كراس كوارث ومآسي أتباع الديانات والمذاهب الأخرى في العراق / كاظم حبيب
- التطبيع يسري في دمك / د. عادل سمارة
- كتاب كيف نفذ النظام الإسلاموي فصل جنوب السودان؟ / تاج السر عثمان
- كتاب الجذور التاريخية للتهميش في السودان / تاج السر عثمان
- تأثيل في تنمية الماركسية-اللينينية لمسائل القومية والوطنية و ... / المنصور جعفر
- محن وكوارث المكونات الدينية والمذهبية في ظل النظم الاستبدادي ... / كاظم حبيب


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير - تاج السر عثمان - كتاب كيف نفذ النظام الإسلاموي فصل جنوب السودان؟