أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير - تاج السر عثمان - كتاب الجذور التاريخية للتهميش في السودان















المزيد.....



كتاب الجذور التاريخية للتهميش في السودان


تاج السر عثمان

الحوار المتمدن-العدد: 6099 - 2018 / 12 / 30 - 11:18
المحور: القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير
    




الجذور التاريخية للتهميش في السودان


تأليف
تاج السر عثمان الحاج
الخرطوم : مارس 2006



الإهداء
إلى روح المرحومين حسين محمد عبد الله وزهير حسين
كانا مهمومين بقضايا المناطق المهمشة وبصفة خاصة
منطقة دار فور



تقديم :-
تحاول هذه الدراسة تسليط الضوء على التهميش كمفهوم سياسي اجتماعي , لابد إن نسبر غوره ونتعرف على جذوره التاريخية وأسبابه وكيفية معالجته لان ذلك يفتح الطريق لدفع السودان في طريق الديمقراطية والتنمية المتوازنة والعدالة الاجتماعية .
على إن مفهوم التهميش اتسع حتى أضحى يشمل كل المناطق الطرفية بالبلاد وحزام الفقر حول المدن والعاملين باجر الذين لاتكفي رواتبهم تكاليف المعيشة هذا فضلا عن إن الصراع ضد التهميش يعني القضاء على كل إشكال الاستغلال والاضطهاد والتمييز الطبقي والجنسي و الاثني والديني , وإقامة ديمقراطية حقيقية ذات مضمون اقتصادي واجتماعي وسياسي وثقافي , واحترام حقوق الإنسان وحرياته الأساسية .
تناولت الدراسة التهميش كمفهوم ومصطلح , كما تناولت الجذور التاريخية للتهميش في مناطق : دار فور , جنوب النيل الأزرق , جبال النوبة , جنوب السودان , شرق السودان ومنطقة النوبة في الشمال .
كما قدمنا ثبتاً بالمصادر في نهاية الدراسة للراغبين في تطوير وإثراء الموضوع , فهو يحتاج لدراسات عميقة لكل منطقة على حدة , وتكون تلك الدراسات أعمق إذا نبعت من أبناء تلك المناطق نفسها , فأهل مكة ادري بشعابها .
وأخيراً لا يفوتني إن اشكر أسرة تحرير الأيام التي نشرت هذه الدراسة في حلقات , والشكر لكل الذين اتصلوا بي وابدوا بعض الملاحظات الثاقبة والمفيدة والشكر لكل الذين ساعدوا ليرى هذا العمل النور .

تاج السر عثمان
8/1/2005م

المفهوم والمصطلح :-
على مستوى الفكر الاقتصادي برز مصطلح المركز والهامش كمفهوم لنظرية تعمل على تفسير التخلف , وتعتمد على فكرة وحدة الاقتصاد العالمي الذي يتكون من الدول الرأسمالية المتقدمة التي تمثل مركز هذا الاقتصاد والدول المتخلفة (ما يسمى دول العالم الثالث أو الدول النامية ...الخ) والتي تكون هامش أو محيط هذا الاقتصاد .
إن تقدم القوى الإنتاجية للمركز وتخلفها في الهامش مكن ويمكن الدول المتقدمة من استغلال الدول المتخلفة , كما مكنها من السيطرة على تطور الهامش بما يناسب مصالح وتطور المركز , وهكذا نجد البلدان الهامشية نفسها في علاقات استغلال وتبعية كلما تعاملت مع دول المركز مباشرة أو من خلال السوق الرأسمالية العالمية , ووحدة النظام لا تنفي التناقض والتباين داخله , كما تؤكد النظرية (راجع كريستيان باولو: الاقتصاد الرأسمالي العالمي , ترجمة عادل المهدي – دار ابن خلدون , 1978م) .
- أشار بروفيسور مصطفى حسن بادي (كلية الطب – جامعة الخرطوم) بصحيفة "الرأي العام" بتاريخ 16/5/2003م إلى التهميش بقوله (التهميش كمفهوم سياسي اجتماعي علينا أن نفهمه جيدا ونتعرف على أسبابه وكيفية معالجته حتى نتمكن من دفع التطور الديمقراطي في السودان في الاتجاه الصحيح وحتى لا نعود إلى المربع الأول لممارسات الماضي , إذا لم يستطع المواطنون الاستمتاع بكل العوامل والظروف التي تمكنهم من الإدراك والفهم والمعرفة الواضحة والمشاركة الفعالة والمؤثرة في جميع شئون حياتهم , فهم مهمشون ولا يغير من شانهم إذا كان هذا التهميش باختيارهم أو كان مفروضاً عليهم) .
وهذه نقطة جيدة تصلح أساسا لدراسة التهميش ومعرفة أسبابه وكيفية معالجته حتى نتمكن من دفع التطور الديمقراطي في السودان في الاتجاه الصحيح .
كما أصبح مصطلح (المناطق المهمشة) متداولا في السياسة السودانية منذ بيان الحركة الشعبية (المانفستو) الصادر بتاريخ31/7/1983م حيث حددت المناطق المهمشة بأنها كل السودان ماعدا وسطه (مديرية الخرطوم ومديرية النيل الأزرق) .
حيث توجد العاصمة ومشروع الجزيرة , كما حمل البيان الاستعمار البريطاني مسئولية تهميش تلك المناطق ، ثم حّمل المسئولية من بعد الاستعمار لما أطلق عليه (أنظمة شُلل الأقلية) في الوسط بداية من العام 1956م .
كما أشار البيان إلى الحل الجذري الذي يتبنى مفهوم السودان الموحد باتجاه اشتراكي وحل ديمقراطي لكل القضايا القومية والدينية .
وللتأكيد على هذا النهج الوطني أدان (المانفستو) الحركات الانفصالية في جنوب وغرب وشرق السودان باعتبار أنها ستقود إلى تفتيت السودان مع النص على أن الضرورة فقط هي التي أملت قيام الحركة في جنوب السودان . إلا أنها تستهدف تحرير السودان كله .
على أن مصطلح المركز والهامش مضلل لأنه في مركز العالم الرأسمالي نفسه وعلى مستوى كل دولة يوجد استقطاب طبقي حاد (مثال : في أمريكا 1% من السكان يستحوذون على40% من الثروة ) . وأغلبية مهمشة من عاملين بأجر يتعرضون للاستغلال الرأسمالي وتستحوذ الطبقات الرأسمالية أو الشركات المتعددة الجنسيات على فائض القيمة منهم , إضافة للمهمشين من العطالة والمهمشين من الأقليات والنساء .
وفي دول الهامش أو الدول المتخلفة هناك استقطاب طبقي حاد , حيث تستحوذ أقلية على الثروة والسلطة وتعيش الأغلبية في فقر مدقع (على سبيل المثال في السودان 5% يستحوذون على 88% من الثروة) .
كما أن الحديث عن مناطق مهمشة في السودان مضلل أيضا إذ نجد في المناطق المهمشة فئات لها مصالح مع القوى الحاكمة في المركز تتكون من : الزعامات القبلية والإدارة الأهلية وأصحاب المشاريع وملاك الثروة الحيوانية , بينما الأغلبية في المناطق المهمشة تعيش في فقر مدقع والتي تتكون من فقراء المزارعين والرعاة .
إذن من المهم الفرز والتحليل الطبقي في كل حالة والصراع ضد كل أشكال الاضطهاد الطبقي والاثني والقومي والعنصري والجنسي .
• أشار د. عطا البطحاني في كتابه (جبال النوبة : الاثنية السياسية والحركة الفلاحية , 1924-1969م , ترجمة فريد السراج , شمس الدين ضو البيت , مركز الدراسات السودانية , القاهرة 2000م) . أشار في ص5 (أن الدافع المشترك للأحزاب السياسية الشمالية-على الرغم من اختلاف توجيهات هذه الأحزاب فيما يتعلق بقضايا التنمية والوحدة الوطنية – أن الدافع المشترك لها هو الإبقاء على سيطرتها السياسية مع تهميش الهوية الثقافية والوطنية للمجموعات الاثنية غير العربية ) .
وأود هنا أن اعبر عن اختلافي مع د. عطا البطحاني في تعميم كل الأحزاب السياسية الشمالية رغم الجهد الذي بذله الكاتب في تحليل الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية التي أدت إلى ظهور الشعور القومي لدى أبناء جبال النوبة في خمسينيات وستينيات القرن العشرين كما تقصى الكاتب التاريخ الاقتصادي والاجتماعي والسياسي للمنطقة منذ القرن التاسع عشر وحتى ستينيات القرن العشرين . وتابع الجذور التاريخية للتخلف .
كان اهتمام الجبهة المعادية للاستعمار (الحزب الشيوعي فيما بعد ) باكراً بالمناطق المهمشة أو التجمعات القبلية القومية الأكثر تخلفا .
جاء في بيان الجبهة المعادية للاستعمار عن موقفها من قضية الجنوب بصحيفة الصراحة –العدد رقم 422 بتاريخ : 28/9/1954م مما يلي :-
- ترى الجبهة أن حل مشكلة الجنوب يتم على الأساس التالي : تطور التجمعات القومية في الجنوب نحو الحكم المحلي أو الذاتي في نطاق وحدة السودان .
-
يواصل البيان ويقول :
ونحن حينما نقدم هذا المبدأ لحل مشكلة الجنوب نقر بان الوضع الحالي للقوميات في الجنوب ليس مدروسا لدينا ولا لدى غيرنا في العاصمة, وان دراسته تقتضي الذهاب إلى هناك أو تجي هي من هناك, ولكنا نرى أن هذا المبدأ الوحيد وبطبيعته يعتمد على الظروف , فإذا كانت ظروف قومية واحدة أو عدة قوميات في الجنوب ورغبة أهلها تقتضي قيام حكم محلي أو ذاتي فلهم الحق في ذلك , كذلك نقر انه ليست لدينا وجهة نظر محددة عن الموقف بين القوميات السودانية الأخرى في الشمال والشرق , إلا انه مما يظهر لا توجد مشكلة حالية بالنسبة لها . ولكن من ناحية المبدأ لا ننكر انه إذا جاء وقت ولو كان بعد الاستقلال بفترة طويلة واقتضت ظروف هذه القوميات نوعا معينا من الحكم الداخلي فيجب إن ينفذ (راجع اليسار السوداني في عشرة أعوام , إعداد محمد سليمان ,ص60-62) .
• كما ورد في أدبيات الحزب الشيوعي السوداني اسم القطاع التقليدي أو القطاع المعيشي , أشارت وثيقة (حول البرنامج) أخر كتابات الأستاذ عبد الخالق محجوب , وتحت عنوان الثورة الزراعية –الحيوانية إلى الأتي :-
- لابد من تحول جذري بين قسم الاقتصاد المعيشي في هذا القطاع بحيث تتجدد علاقات الإنتاج وتنمو قوي الإنتاج بما يحقق مستوى معيشيا أكثر تقدما للكادحين , وفائضا يسهم في الفائض القومي المعد للاستثمار .
- تقوية الاتجاه السلعي في هذا القطاع بأشكال مختلفة في مقدمة ذلك دخول الدولة ميدان التوزيع بحيث تستطيع أن تمد كادحي هذا القسم من اقتصادنا القومي بالسلع الاستهلاكية المختلفة , وتشتري منهم منتجاتهم الزراعية والحيوانية , أن هذا الوجود للدولة يزيل قوى الوسطاء الطفيليين الذين يستحوذون على جزء من الفائض الاقتصادي عن طريق التجارة والتحكم في أسعار السلع . وهذا أيضا ضرورة اجتماعية تساعد على توحيد القوميات والقبائل وعلى إشاعة روح التعاون بينهم (اغلب الوسطاء الآن من القومية العربية مما خلق حذرا وعداء أحيانا) .
- رفع إنتاجية الثروة الحيوانية وإدخالها دائرة الاقتصاد السلعي – النقدي وذلك باستقرار الرحل وتحديث الإنتاج بينهم .
* توفير مياه الشرب (الآبار) وتوزيعها بطريقة اقتصادية تضمن تحويلها إلى مجتمعات الإنتاج وتغيير الخريطة المبعثرة للسكان , ذلك بوجود دائرة سكانية وإنتاجية حول الآبار تتوفر فيها :- (1) مياه الشرب (2) الأمطار للزراعة وخاصة لزراعة العلف (3) المراعي الطبيعية التي تجد الرعاية العلمية (4) مخازن العلف (5) الصناعات الخفيفة والحرف التي تساعد في تصنيع المنتجات المختلفة وخاصة المنتجات الحيوانية من لحوم وألبان ... الخ (6) الخدمات المختلفة التي ترفع من مستوى الكادحين وتحفظ ثرواتهم وتنميتها .
* القضاء على التقاليد الضارة التي تحول دون إدخال الثروة الحيوانية في إطار الاقتصاد السلعي – النقدي (بين قبائل الجنوب , جبال النوبة , ...الخ)حيث تحفظ الثروة الحيوانية كمظهر من مظاهر التمايز الاجتماعي والفخر :-
1. بالعمل الفكري الدعائي المنظم بحيث يأتي هذا التحول نتيجة لإحساس الجماهير نفسها بالمجتمع الجديد ومثله .
2. بضرب المثل الذي تعطيه المجموعات التي تقبل على الاستقرار والحياة الجديدة .
3. برفع مستوى الحاجيات الضرورية (الاستهلاك) بين هذه الجماهير .
تواصل الوثيقة وتقول :-
- بعث حركة من الوعي لانتظام هذه الجماهير في جمعيات تعاونية إنتاجية تسويقية تلعب فيها الدولة دوراً مشجعاً ومرشداً (هذا ناتج عن التخلف الشديد في بلادنا , فالدولة تستطيع تتبع هذه الجماهير بروح العمل والنظام وهي هامة وعادات لازمة لتطور قوي الإنتاج) .
- تساعد الدولة هذه الجمعيات عن طريق التسهيلات المصرفية .
- عن طريق تخفيض أسعار الآلات الصناعية اللازمة لتطور الإنتاج وتحديثه .
- تسلك الدولة في هذا كله سياسة طبقية تستهدف رفع مستوى الفقراء والصغار إلى مستوى المنتج المتوسط . هذا لن يؤدي إلى تنمية قوى الإنتاج وحسب , بل سيخلق الظروف الموضوعية اللازمة للمزارع الجماعية , ولبناء المجتمع الاشتراكي .
- تغذي الدولة عوامل الثورة التكنيكية في هذا المجال , وهي عملية واسعة تتطلب توفير الأخصائيين والخبراء (عبد الخالق محجوب : حول البرنامج , دار عزة للنشر 2002 , ص27-31) .
• كما وردت الإشارة أيضا في أدبيات الحزب الشيوعي للمناطق المهمشة بالتجمعات القومية والقبلية الأكثر تخلفا , جاء في وثيقة حول البرنامج ما يلي :
- بالنسبة للتجمعات القومية والقبلية الأكثر تخلفا وفيما يختص بالثورة الثقافية الديمقراطية .
- لابد من التشجيع الفعلي للنمو الحر لثقافات هذه المجموعات .
- ولن يكون هناك نمو فعلي في هذه الثقافات إلا إذا بعثت لغات ولهجات هذه المجموعات وعمدت الدولة الوطنية الديمقراطية بجدية إلى تشذيب تلك الأدوات والتوسل بها في التعليم (وفقا للتجارب التربوية في هذا المضمار) وفي النهضة الثقافية الشاملة .
- أن تصبح هذه الثقافات جزءا من المكونات العضوية للثقافة السودانية .
(حول البرنامج , مرجع سابق , 49-50)
كما أشارت وثيقة حول البرنامج إلى :-
((توحيد الوطن على أسس ديمقراطية وذلك بتنمية إمكانيات وثقافات التجمعات القومية المتخلفة في حرية وبلا إرهاب أو ضغوط)) , ص 74.
وفي السبعينيات من القرن الماضي واصل الحزب الشيوعي اهتمامه بالمناطق المهمشة أو القطاع التقليدي وصدرت وثائق مثل :-
"الحزب الشيوعي والقطاع التقليدي , 1977م" التي لخصت تجارب الحزب في القطاع التقليدي ودور المعلمين والأطباء والممرضين وعمال السكة الحديد والخدمات وغيرهم في نشر الوعي في تلك المناطق , كما لخصت تجارب الحزب في تنظيمات اتحاد جبال النوبة والتنظيمات والروابط القبلية التي برزت بعد ثورة أكتوبر 1964م مثل جبهة أبناء دارفور واتحاد جنوب وشمال الفونج كما أشارت الوثيقة إلى المتغيرات في القطاع التقليدي بسبب هجمة الرأسمالية المايوية عليه والتوسع العشوائي في الزراعة الآلية وأثار ذلك على الغطاء النباتي والبيئة وتدمير حياة المواطنين في ذلك القطاع وضيق المراعي الذي أدى إلى الاحتكاكات والصدامات القبلية والنزوح إلى المدن .
2. كما صدرت وثيقة بعنوان "الحزب الشيوعي وقضية الجنوب" تابعت فيه تطور موقف الحزب من المنظور السلمي الديمقراطي للمشكلة , وأفاق الوضع بعد اتفاقية أديس أبابا التي وقعت في مارس 1972م .
3. كما صدرت وثيقة في سلسلة كاتب الشونة بعنوان "الماركسية ومسالة اللغة في السودان 1977م " تناولت قضية هامة تتعلق بالمناطق المهمشة , وهي تنمية ثقافاتها ولغاتها المحلية في إطار تنوع وثراء الثقافة السودانية , وقد صدرت طبعة ثانية من هذه الوثيقة باسم د.عبد الله علي إبراهيم , عن دار عزة للنشر 2001م .
هكذا كان هناك الاهتمام بالمناطق المهمشة في أدبيات الحزب الشيوعي السوداني من النواحي الاقتصادية والاجتماعية والثقافية , وان الحزب الشيوعي كان يقاوم تهميش الهوية الثقافية والوطنية للمجموعات الاثنية غير العربية .



إسهام الحزب الشيوعي

كما اشرنا سابقا إلى إن الحزب الشيوعي كان أول من أشار إلى ضرورة الاعتراف بالفوارق الثقافية والعرقية بين الشمال والجنوب وتطور التجمعات القومية في الجنوب نحو الحكم المحلي أو الذاتي في نطاق وحدة السودان , ولم يكتف الحزب الشيوعي بذلك الطرح المتقدم وحده وتكراره , بل دعمه بالتركيز على القضايا الاجتماعية التي كان فيها قهر وتمييز عنصري أو اثني ضد الجنوبيين مثل :-
- المطالبة بالأجر المتساوي للعمل المتساوي بين العاملين الشماليين والجنوبيين .
- الاهتمام بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية وتوسيع التعليم والعلاج والخدمات في الجنوب .
- إلغاء ضريبة الدقنية .
- إلغاء قانون المناطق المقفولة الذي كان من الأسباب التي عرقلت التطور المتوازن بين الشمال والجنوب .
- إلغاء نشاط المستثمرين الأجانب المرتبطين بالتجسس وتأجيج الخلافات العرقية بين الشمال والجنوب .
- وحدة الحركة النقابية في الشمال والجنوب
- عدم فرض اللغة العربية والدين الإسلامي بالقهر وترك ذلك للتطور والتلاقح الطبيعي .
- استبعاد الحل العسكري وضرورة الحل السلمي الديمقراطي والعض على وحدة السودان بالنواجذ .
- أثناء تمرد 1955م دعي الحزب الشيوعي لمعالجة الموضوع بالحكمة والصبر بدلا من الاتجاهات الداعية للعنف والانتقام .
واصل الحزب الشيوعي تأكيد تلك المواقف في مؤتمره الثالث في فبراير 1956م , ومقاومة سياسة ديكتاتورية الفريق عبود لفرض الحل العسكري واللغة العربية في مؤتمر المائدة المستديرة (1965) وخطاب عبد الخالق محجوب في المؤتمر.
وفي برنامجه الصادر 1967م أكد الحزب الشيوعي الارتباط الذي لا ينفصم بين الحكم الذاتي الإقليمي وسائر المهام الوطنية والديمقراطية للثورة السودانية , كما أكد علي أهمية وحدة السودان ، جاء في ذلك البرنامج :-
من هذه المواقع يجب أن تعالج القضية على الوجه التالي :-
أ‌. سير البلاد في طريق الثورة الوطنية الديمقراطية .
ب‌. تحالف قوى الثورة السودانية في الشمال مع شعوب وقبائل جنوب البلاد على أساس ديمقراطي مناهض للاستعمار , لقيام حكم ذاتي وكذلك في الجنوب تحت قيادة جنوبية ربطت مصيرها بهذا التحالف ...
وكذلك في مناقشات جوزيف قرنق للمثقفين الجنوبيين الداعين للانفصال في كتيبة "مأزق المثقف الجنوبي" وفي بيان 9 يونيو 1969م كما طرح الحزب الشيوعي دستور ديمقراطي وجمهورية برلمانية في مواجهة دعاة الديكتاتورية باسم الإسلام والجمهورية الرئاسية عام 1968م والتي كانت تهدد وحدة البلاد .
على إن من الايجابيات في مواقف الحزب الشيوعي انه في معالجته لمشكلة الجنوب في تلك السنوات الباكرة من الخمسينيات من القرن الماضي , لم ينطلق فقط من نصوص ماركس وانجلز ولينين حول تقرير المصير , بل انطلق من واقع السودان , والاتجاه العام الداعم للوحدة بعد مؤتمر جوبا1947م , وكان ذلك تناولا بذهن مفتوح وتوصل لصيغة الحكم الذاتي الإقليمي في إطار السودان الموحد .
وحتى بعد أن تعقد الوضع واشتعال نيران الحرب بعد انقلاب يونيو 1989م , طرح الحزب الشيوعي شعار تقرير المصير كحق ديمقراطي إنساني , وان يتم دعم خيار الوحدة الطوعية وتوفير المناخ الديمقراطي الصحي لممارسة حق تقرير المصير.
وبعد ثورة أكتوبر 1964م برزت تنظيمات أبناء المناطق المهمشة أو المناطق الأكثر تخلفا مثل : جبهة نهضة دارفور , اتحاد جنوب وشمال الفونج , واتحاد أبناء جبال النوبة , ومؤتمر البجا وفي وجه الدعاوى التي كانت تصف تلك التنظيمات بالعنصرية رحب الحزب الشيوعي بتلك التنظيمات بل شارك أعضاؤه في تلك التنظيمات باعتبارها مراكز إشعاع لوعي أبناء تلك المناطق بقضاياهم واحتياجاتهم في التنمية والتعليم والصحة وتوفير خدمات المياه والكهرباء والعناية البيطرية للماشية ...الخ .
ووصف عبد الخالق محجوب تلك التنظيمات بأنها حركت المياه الراكدة في تلك المناطق , كما أسهمت في استيقاظ دوائر واسعة من أبناء تلك المناطق للوعي بمصالحهم.
كما شارك الحزب الشيوعي في الروابط القبلية في المدن التي كانت تهدف لخدمة مناطقها وتوفير احتياجاتها الأساسية , ولعبت تلك التنظيمات دورا في تطوير مناطقها وقراها إلى أن تم حلها بعد انقلاب 25 مايو 1969م .
وفى الوثيقة التي قدمها الحزب الشيوعي (1988)م للمؤتمر الدستوري الذي كان من المفترض عقده اقترح الحزب أولويات عاجلة لتخفيف حدة التطور غير المتوازن وأشارت الوثيقة إلى :-
((تخصيص موارد واستثمارات اكبر للأقاليم الأكثر تخلفا )).
أحداث تحول في بنية الاقتصاد التقليدي ب :-
أ‌. تدخل جهاز الدولة لتوفير تسليف زراعي وخدمات فنية متكاملة من البحوث والإرشاد الزراعي وتشجيع الصناعات الحرفية وصناعات القرية .
ب‌. تجميع صغار المزارعين في مزارع تعاونية طوعية بهدف حل مشاكل التمويل والتسويق وتطوير وسائل الإنتاج وتحديثها .
• وضع سياسات اقتصادية ومالية تهدف لإعادة توزيع الدخل القومي لصالح المنتجين من خلال أسعار مجزية وسياسة ضرائب تسمح بتجميع الفوائض الاقتصادية لتمويل مشاريع استثمارية جديدة .
• توفير مياه الشرب بإصلاح الحفائر واستغلال المياه الجوفية وإقامة الخدمات على الخيران .
• تقليل التفاوت في الخدمات الاجتماعية – من التعليم الصحي باتخاذ سياسات تشجيعية لدفع المعلمين والأطباء للعمل في مناطق اقل نموا بتوفير السكن واستحداث العلاوات والحوافز وإعطاء الأولوية في البعثات للذين يعملون في تلك المناطق وتركيز فتح المدارس الجديدة والمستشفيات فيها .
• تنمية وتطوير الثروات الطبيعية في تلك المناطق من مواشي وغابات وغيرها وصيانتها من الاستخدام العشوائي .
• استغلال البترول والمعادن الأخرى وتخصيص نسبة من العائد للإقليم المعين بالعملة الصعبة تخصص للتنمية فوق نصيب الإقليم من الخطة القومية .
ويمكن إعداد أربعة برامج خاصة ضمن الخطة القومية تكون مدخلا لتنمية المناطق الأكثر تخلفا (الجنوب , دارفور , كردفان , جنوب النيل الأزرق ,) ونقترح لهذه البرامج النقاط التالية :-
ا/ الجنوب : الإنتاج الحيواني :-
1. الاستفادة من الثروة الحيوانية وتنميتها بتطوير المراعي والخدمات البيطرية وتشجيع دخولها إلى السوق وعلاقات سلعة – نقد .
2. محاربة ذبابة التسي تسي .
3. إنشاء صناعة تعليب الأسماك في أعالي النيل وبحر الغزال .
الزراعة والغابات :-
1 .تنفيذ المشاريع المرتبطة بقناة جونقلي .
2. التوسع في الإنتاج الزراعي بهدف تحقيق الاكتفاء الذاتي .
3. تشجيع المحاصيل الجديدة وتوسيع أنتاج القائم منها كالشاي والبن وإدخال محاصيل نقدية :-
- إقامة مشاريع لزراعة الذرة في مناطق ملوط وعلياب وكبويتا بغرض إنهاء المجاعات المتكررة .
- زراعة الشاي في مرتفعات توريت وياي .
- زراعة التبغ في ياي ومريدي .
- زراعة الأرز باويل والمراكز المشابهة .
- زراعة القصب في منقلا .
- إدخال زراعة الطماطم في مناطق الشلك وبمحاذاة النيل .
- التوسع في إنتاج الفول في رمبيك والسمسم في يرول .
- التوسع في إنتاج الفواكه في منطقة الزاندي وغرب بحر الغزال .
4. توسيع إنتاج الأخشاب وبالذات في منطقة واو وتوريت مع إدخال المناشير الحديثة .
المعادن والطاقة :-
1. استغلال البترول وتخصيص نسبة من العائد بالعملة الصعبة للإقليم .
2. تطوير الطاقة الكهربائية المائية في الاستوائية وبحر الغزال .
3. محاربة العطش في أماكن استخراج الحديد وغيرها من المناطق .
4. البحث عن المعادن في جميع أنحاء الجنوب .
5. تطوير الري وبالذات في السهول لضمان استمرار الزراعة طيلة العام
المواصلات:-
1. إنشاء ميناء نهري في شامبي .
2. إنشاء طرق حديثة وبالذات : طريق نمولي – جوبا – ملكال – كوستي –وطريق واو – رومبيك جوبا – وطريق واو – آبيي – النهود .
3. إقامة كبري حديث على نهر بسري .
4. نشر التعاونيات ودخول الدولة مع التعاونيات .
5. في ميدان التوزيع لتوفير السلع بأسعار معقولة والقضاء على الحساسيات التي بذرها الرأسمالي التجاري (الجلابة) .
6. إنشاء مصانع الإنتاج الحيواني وتعليب الفاكهة وصناعة الورق والأثاثات , وهنا لابد من إعادة تعمير ما خربته الحرب الأهلية وإكمال ما أوقفت إنشاؤه .
7. التوسع في الخدمات المصرفية : مصارف تجارية ومتخصصة .
ب/ دار فور :-
1. يركز على تنمية جبل مرة وتطبيق نتائج البحوث والتجارب والتوسع في زراعة التبغ والبساتين .
2. صيانة موارد المياه القديمة وبناء خزانات على الخيران وحفائر جديدة وحل مشكلة مياه الفاشر .
3. البدء في استغلال حفرة النحاس وأي معادن أخرى تثبت إمكانية الاستغلال التجاري .
4. الاهتمام بالثروة الحيوانية بتوفير العلف والخدمات البيطرية والماء على طرق الماشية , ودخول الدولة كمشتري للماشية لتركيز الأسعار وإيجاد الأسواق الجديدة .
5. تحسين خط السكة حديد نيالا .
6. إكمال شبكة الطرق بحيث تصل كُتم – أم كدادة وبالتالي ترتبط مناطق الإقليم ببعضها البعض .
ج/ كردفان :-
1. توسيع الخدمات البيطرية وزراعة العلف وحفظه بالوسائل الحديثة .
2. البدء الفوري في استغلال بترول جنوب كردفان وتخصيص نسبة من العائد للإقليم .
3. تشجيع برامج إعادة تعمير حزام الصمغ العربي واتخاذ سياسة تسعيرية تحفر المزارعين للحفاظ على جنائن الهشاب .
4. السعي لتجمع صغار المزارعين في تعاونيات وتقديم الخدمات الزراعية لهم .
5. دعم تجارب التمويل الزراعي التعاونية وتوسيعها .
• وفي دارفور وكردفان أشارت الوثيقة إلى ضرورة إعادة الغطاء بنشر بذور الحشائش لاستعادة المراعي التي ضربها الجفاف والتصحر وتصحيح التجاوزات في تحديد مسارات الماشية لمنع الصدامات القبلية .
د/ جنوب النيل الأزرق :-
1. تحرير الزراعة التقليدية من سيطرة تجار الشيل ودراسة وتقويم تجربة التحديث التي بدأت بالمنطقة بهدف تعميرها .
2. إنشاء فرع للبنك الزراعي لحل مشاكل التمويل , وجمعيات تعاونية لحل مشاكل التسويق .
3. إيقاف أي توسع جديد في الزراعة الآلية بالمنطقة إلى حين تحديث الزراعة التقليدية .
4. تطوير مناجم الكروم وعمليات تعدين الذهب الصغيرة بالنظر في إدخال تكنولوجيا تعدين مناسبة وإنشاء جمعيات للمنتجين للتسويق حسب السعر العالمي والمحلي .
5. إعادة تنظيم خطوط المرعى ومرا حيل الرعي لتفادي الصدامات والمنازعات بين الرعاة والمزارعين .
6. ترشيد قطع الأخشاب وإنتاج الفحم للمحافظة على التوازن البيئي .
7. تشييد طرق دائمة لتفادي عزلة المنطقة في الخريف .
• كما أشارت الوثيقة إلى أن هذه المشروعات والمقترحات لا تصفي بصورة نهائية التطور غير المتوازن بين أقاليم السودان المختلفة ولكنها تضعنا في بداية الطريق .
وحول الهوية والثقافة أشارت الوثيقة إلى أن (الهوية الحضارية لشعبنا هوية سودانية , تجمع في تكامل بين الوحدة والتنوع , وتتأسس على واقع تعدد الثقافات والقوميات في بلادنا الذي يمكن بل ويجب أن يكون مصدر خصب وثراء لثقافاتنا السودانية , لا سببا في صراعات دامية مريرة) .(الوثيقة : ص52 - 57) .
هكذا كان اهتمام الحزب الشيوعي السوداني بالمناطق المهمشة , وان كانت مواقف ورؤى الحزب الشيوعي تحتاج إلى تطوير وتعميق وفق المستجدات الجديدة .
ولكن الصورة ليست كما أشار د. عطا البطحاني في مؤلفه (جبال النوبة : الاثنية السياسية والحركة الفلاحية) إلى أن الدافع المشترك للأحزاب السياسية الشمالية هو الإبقاء على سيطرتها السياسية مع تهميش الهوية الثقافية والوطنية للمجموعات الاثنية غير العربية) .
مع تقديري للجهد الذي بذله د. عطا البطحاني في مؤلفه والذي يعتبر دراسة رصينة في تقصي الاقتصاد السياسي للتخلف في منطقة جبال النوبة ومتابعة الجذور التاريخية للتهميش في المنطقة .



الأزمة في دار فور

السمة الرئيسية التي ميزت إقليم دارفور عن باقي أقاليم السودان الأخرى , النشأة المستقلة للسلطنة , بحيث يمكن القول أن تاريخ دارفور هو تاريخ الاستقلال والسيادة الوطنية فنلاحظ أن سلطنة دارفور لم يتم ضمها لبقية إنحاء السودان في العهد التركي إلا في عام 1874م , أي أنها عاشت حوالي عشر سنوات في ظل ذلك الاحتلال وبعدها اندلعت الثورة المهدية التي ضربت فيها قبائل دارفور بسهم وافر. وظلت دارفور مستقلة في عهد المهدية مع بقية أنحاء السودان لمدة 13عاماً . بعدها جاء الاحتلال الإنجليزي للسودان , ومرة أخرى استقلت السلطنة في عهد السلطان على دينار ولم يتم ضمها لبقية أنحاء السودان إلا في عام 1916م .
السمة الثانية لإقليم دارفور أن قبائل وشعوب دارفور شهدت قفزة في تطورها الاجتماعي وشقت طريقها من مجتمعات بدائية كانت تقوم على الصيد وجمع الثمار إلى مجتمعات زراعية رعوية تشكل الأرض فيها ركيزة العمل الأساسية كما أن إقليم دارفور كان موطنا لحضارات وممالك مثل : مملكة الداجو والتنجر , وسلطنة دارفور وإذا كان مقياس الحضارة هو بروز السلالات الحاكمة والزراعة والرعي والتجارة والصناعة . وقيام المدن والأسواق واللغة المكتوبة ...الخ , فتكون سلطنة دارفور قد دخلت الحضارة في العصور الوسطي من أوسع أبوابها .
وإذا تأملنا أهم ملامح مجتمع دار فور في العصور الوسطى نلاحظ انه :-
- كان مجتمعا متربطا فأهل المنطقة استطاعوا توفير غذاءهم الأساسي من الزراعة وتربية الحيوانات والصيد . وكما وفروا ما يحتاجون إليه من أدوات من صناعات حرفية التي كانت مزدهرة في السلطنة , بل تقريبا كانت كل الواردات من السلع الكمالية التي تهم السلطان وحاشيته والمترفين من الأغنياء وأصحاب النفوذ مثل : المنسوجات الرفيعة , العطور الراقية , الأسلحة النارية , ...الخ .
وإذا صح استخدام التعبير المعاصر , يمكن القول إن سلطنة دارفور عرفت الاكتفاء الذاتي .
كما نظم سلاطين دارفور ملكية الأرض فقد اعتبر السلطان كل أراضي السلطنة ملكا خاصا له يقسمها في حواكير لإتباعه , يحدد الخراج أو الإعفاء منه في كل حالة على حده استنادا على الشريعة الإسلامية والأعراف (راجع وثائق الأرض التي نشرها د. محمد إبراهيم أبو سليم : الفور والأرض 1975م) .
كما كان قيام السلطنة نقطة تحول حرجة في تطور المجتمع من قبائل متنافرة إلى مجتمع بدأت تنصهر فيه القبائل على أساس اجتماعي وكانت الأرض هي التي توحد القبائل (الحواكير) . وكان مجتمع دارفور يتطور باطنيا شانه شان كل المجتمعات التي كانت معاصرة له في القرون الوسطي , ويشق طريقه نحو التطور الاجتماعي .
فنلاحظ تطور المدن والأسواق والحياة الاجتماعية(مدينة الفاشر,كبكابية), وبعد انتشار الثقافة الإسلامية تفاعل الإسلام مع الموروثات المحلية في المنطقة مما أدى إلى بروز الإسلام في دارفور بشكله المتميز والذي يتسم بالتسامح كما أصبحت اللغة العربية أداة التدوين بجانب لغة الفور التي ظلت لغة الحياة العامة .
وانتشرت المساجد والخلاوي , بالإضافة لسفر أبناء دارفور إلى مراكز العلم في سلطنة سنار مثل : الدامر , الغبش , كترانج , إضافة للسفر إلى الأزهر طلبا للعلم , كما اشتهرت دارفور برواقها في الأزهر , والمحمل الشريف إلى مكة .
أما نظام القضاء فقد استند على الشريعة الإسلامية , والأعراف المحلية , وان سلاطين دارفور قننوا الأعراف في قانون أطلقوا عليه قانون دالي .
كما تميز مجتمع دارفور بالتنوع الثقافي واللغوي وغنى وخصوبة الحياة الفنية في مجتمع زراعي رعوي وما للأرض والحيوان من تأثير على حياة الإنسان .
هكذا كان مجتمع دارفور يتطور باطنيا وحسب ظروفه وخصائصه المحلية , ولكن من أين جاءت جذور التخلف أو التهميش ؟
جذور التهميش :-
قطع الاحتلال التركي للسودان (1821-1885) التطور الطبيعي والباطني للمجتمع السوداني , وأصبح اقتصاد السودان متوجهاً للخارج أو لخدمة محمد علي باشا في مصر الذي كان يستنزف قدرات السودان الاقتصادية والبشرية لخدمة أهداف النظام في مصر .
وكان ذلك جذرا أساسيا من جذور تخلف السودان الحديث , رغم ارتباطه بالسوق الرأسمالي العالمي ورغم دخول بعض ثمرات الثورة الصناعية الأولى للسودان مثل : السكك الحديدية , النقل النهري , الزراعة الحديثة وإدخال المحاصيل النقدية , التعليم المدني , القضاء المدني , ...الخ .
وكان للحكم التركي آُثاره المدمرة علي البلاد حيث أرهق كاهل المواطنين بالضرائب والظلم والقهر . امتدت آثار الحكم التركي إلى دارفور بعد ضمها عام 1874م , وكان للحكم التركي أثاره المدمرة على إقليم دارفور , وشهدت دارفور أسوا فتراتها , فقد تميزت تلك الفترة بالسلب والنهب والتي أطلق عليها المواطنون (أم كواكية) التي تعني السلب والنهب والفوضى .
وبالتالي كانت شعوب دارفور ساخطة على سياسات الحكم التركي التي تميزت بالقهر والضرائب التي كانت فوق طاقة المواطنين كما تم تدمير النسيج الاجتماعي الذي كان متوازناً من عهود السلاطين . وخسر المواطنون في دارفور عالمهم القديم دون كسب لعالم جديد .
فترة المهدية ( 1885 – 1889 ) :-
هكذا كانت دار فور تربة خصبة للثورة , وفي بداية الثورة المهدية ساندت قبائل دارفور الثورة وكانت من الأسباب الأساسية لانتصارها .
كما كانت هنالك حركات معارضة أو انفصالية ضد الخليفة عبد الله مثل ثورة السلطان يوسف إبراهيم في يناير 1888م و حركة أبي جميزة ضد الخليفة عبد الله والتي فشلت لقد تعرضت قبائل دارفور إلى القمع مثلما تعرضت القبائل الأخرى للقمع في الشمال مثل : الجعليين , الحمدة , الهبانية , والشكرية , ...الخ .
وكانت الصراعات التي اكتنفت الإقليم من أسباب عدم الاستقرار ومن أسباب تهميش الإقليم وعرقلة تطوره حتى تم الاحتلال الإنجليزي للسودان .
فترة الحكم الإنجليزي (1898-1956) :-
في فترة الحكم الإنجليزي لم ينعم إقليم دارفور بالاستقرار والتنمية , ومنذ بداية ذلك الحكم استطاع السلطان على دينار إعادة السلطنة السابقة (1898-1916) وخوفاً من الصراعات على الحدود مع الفرنسيين , ومساندة السلطان علي دينار للأتراك في الحرب العالمية الأولى , أسرع الإنجليز بإسقاط السلطنة , وتم ضم دارفور عام 1916م .على أن مقاومة قبائل دارفور للحكم الاستعماري كانت مستمرة مثل مقاومة قبائل السودان الأخرى في الشمال والجنوب , وكان من ابرز الانتفاضات انتفاضة عبد الله السحيني 1921م , واستقلال سلطنة المساليت .
وبعد ثورة 1924م والانحسار العام الذي حدث في المد الوطني , تم إدخال نظام الإدارة الأهلية في السودان ومن ثم إلى دارفور .
كما تم إدخال إقليم دارفور إلى المناطق المقفولة مثل الجنوب وجبال النوبة وجنوب النيل الأزرق ... الخ , مما زاد وعمق من عزلتها وتخلفها , كما فرض الإنجليز ضريبة الدقينة على قبائل وشعوب دارفور , تلك الضريبة المذلة للكرامة البشرية .
وفي فترة الحكم الاستعماري لم ينعم الإقليم بمشاريع للتنمية وكرس الاستعمار التنمية غير المتوازنة وحسب مصلحة الاستعمار الذي كان يهدف إلى تحويل السودان إلى مزرعة قطن كبيرة لمد مصانعه في لانكشبر بالقطن الخام وفق علاقة تبادل غير متكافئة , وبهذا الشكل ارتبط السودان بالنظام الرأسمالي العالمي , وقامت مشاريع القطن في الجزيرة والنيل الأبيض والفاشر وطوكر وجبال النوبا لخدمة ذلك الهدف الخارجي . وكانت سياسات الاستعمار البريطاني من الأسباب التي ساهمت في تهميش الإقليم .
بعد الاستقلال :-
بعد الاستقلال وفي ظل الحكومات المدنية والعسكرية المتعاقبة لم يحدث تجديد في حياة الناس , وكان لذلك أثره على إقليم دارفور في اتجاه ضغوط الحركة الجماهيرية التي كانت تطالب بالتنمية والتعمير تم إدخال المدارس الثانوية في دارفور, وتم إدخال سكة حديد نيالا عام 1960م ، .... الخ .
وبعد ثورة أكتوبر 1964م , تم تأسيس جبهة تحرير دارفور في مواجهة حملات الإقصاء الذي تعرضت له المجموعات العرقية من غير العرب . وكان الهدف الأساسي للجبهة هو حماية مصالح سكان دارفور وسط عمليات الصراعات والتنافس السياسي الذي عانى منه مركز الحكم في الخرطوم .
كما طالب أبناء إقليم دارفور بالتنمية : التعليم , الصحة , خدمات المياه والكهرباء , العناية البيطرية للماشية , وحكم أبناء دارفور لأنفسهم وكانت الصدامات القبلية قبل وبعد الاستقلال تحل بطرق سلمية عن طريق مؤتمرات الصلح والأعراف التي توارثها أهل دارفور منذ عهود السلاطين .
ولكن التدهور ازداد بمتوالية هندسية بعد انقلاب مايو 1969م , بسبب الاضطراب في سياسات النظم الإدارية التي بدأت عام 1971م , بالحل المتسرع للإدارة الأهلية , وتم تقسيم دارفور إلى ثلاثة مناطق : منطقة جنوب غرب دارفور , ومنطقة شرق دارفور , ومنطقة شمال غرب دارفور , ولكن الإدارة الأهلية أطلت برأسها من جديد في هذه المجالس , واستمرت التنمية غير المتوازنة وضعف التعليم والخدمات البيطرية .
كما جاء قانون الحكم المحلي 1980م , الذي نص على إن إقليم دارفور يتكون من مديريتين شمال دارفور وجنوب دارفور .
وبعد انقلاب 30 يونيو 1989م , تفاقم الوضع في دارفور بسبب التقسيمات الإدارية التي كرست التنافر القبلي , وتم تقسيم إقليم دارفور إلى ثلاثة ولايات هي : شمال وجنوب وغرب دارفور وكانت هذه التقسيمات الإدارية من أسباب تفاقم المشكلة .
ومنذ عام 1970م , بدأت الصراعات القبلية تطل برأسها في الإقليم بشكل متواتر نتيجة لسياسات نظام مايو العشوائية في الزراعة الآلية على حساب المراعي وبالقطع الجائر للأشجار .
أدى ذلك إلى الجفاف والتصحر والمجاعة التي عمت البلاد وما أدت له من نزوح (1982م -1984م) , وما نتج عن ذلك من شح المراعي وموارد المياه والنزوح من الشمال إلي الجنوب , ادى ذلك إلى احتكاكات وصدامات بين بعض القبائل العربية والفور ومحاولات طرد الفور من أراضيهم الخصبة هذا إضافة للعامل الأجنبي مثل الحرب التشادية أو دخول بعض القبائل من تشاد والمتداخلة مع القبائل السودانية ودخولها بأسلحة متطورة زادت من فداحة الخسائر في الممتلكات والمواشي .
وبعد انتفاضة مارس –ابريل 1985م , كانت الصراعات القبلية في دارفور قد وصلت إلى ذروتها وخاصة في الفترة : (1986-1989م) , مما أدى إلى قيام مؤتمر الصلح القبلي بين الفور وبعض القبائل العربية في الفترة : 15/4/1989م – 8/7/1989م . وتوصل إلى توصيات وقرارات سليمة ، وبعد 1989م ، عقدت مؤتمرات صلح لو نُفذ جزء من التوصيات والقرارات لما تدهور الوضع الأمني والسياسي والاجتماعي في دارفور وأدت إلى بروز معارضة مسلحة إنفجرت من جبل مرة .
وجاء ملتقى الفاشر – فبراير2003م , بعد انفجار الأحداث وتوصل إلى توصيات وقرارات في مجملها سليمة مثل :
- الإسراع بتكميل طريق الإنقاذ الغربي مع توفير تمويل أجنبي ومكون محلي له .
- إنشاء مفوضية لتنمية ولايات دارفور .
- تأهيل مرافق الصحة والمياه والتعليم وتأمين الحد الأدنى من الخدمات للمواطنين في دارفور ووضع خطة عاجلة لمعالجة التردي في الخدمات .
- تقوية الأجهزة الإدارية للدولة حتى تستطيع التصدي للانفلات الأمني .
- كما حمّل الملتقي الحكومة مسئولية خلق كيانات إدارية جديدة والاستغلال السياسي للقبيلة والاعتماد علي التوازنات القبلية في التعيينات السياسية .
وكان مدخل الملتقي سليماً في حل المشكلة سلمياً عن طريق التفاوض ، ولكن الوضع تفاقم بعد محاولات الحل العسكري ، ومما أدي إليه من خسائر في الأرواح والمعدات ونزوح الآلاف من المواطنين داخل وخارج البلاد وحدث التدخل الدولي .
لقد أكد تطور الأحداث ضرورة حل قضية دارفور في إطار قومي شامل وضرورة قيام مؤتمر جامع تشترك فيه كل القوي السياسية ومنظمات المجتمع المدني ، وحل القضية عبر الحوار الجاد والوسائل السلمية بين الحكومة وأطراف النزاع . بما يؤدي إلي وقف الحرب والاقتتال وتحقيق التنمية في الإقليم ، ومعالجة جذور المشكلة .

جبال النوبة

شأن كل القبائل الأخرى ، كانت قبائل جبال النوبا تعيش حياة بدائية قبل القرن السادس عشر الميلادي ، ونتصور أنها بدأت بالصيد وجمع الثمار ، ثم تطورت في عملية طويلة ومعقدة إلي اكتشاف الزراعة وتربية الحيوانات أي انتقلت إلي مجتمعات زراعية رعوية ، كما عرفت في البداية الملكية الجماعية للأرض ، وتطورت أشكال الملكية بعد الانتقال إلي المجتمع الزراعي الرعوي ، وحول نمط الإنتاج القائم علي الزراعة والرعي نشأت بنية ثقافية معينة من التنظيم الاجتماعي والقبلي ، ونظام للعمل التعاوني (نفير) والإيمان بالسحر والكجور الذي يعالج الأمراض وينزل الأمطار التي تسقي الأرض والضرع وغير ذلك من مكونات القبائل البدائية .
والصورة غير واضحة لنا عن تفاصيل التنظيم القبلي الاجتماعي لتلك القبائل قبل قيام مملكة تقلي ولكن يمكن أن نتصور بشكل عام أنه مع تطور المجتمع الزراعي والرعوي ، وقياساً علي تجارب الشعوب الأخرى ، بدأ يظهر التفاوت الاجتماعي والطبقي والثقافي ، وظهرت فئة مميزة في تلك المجتمعات تجمعت لديها ثروات وفوائض من ثروة حيوانية ومحاصيل زراعية ، ومع تطور هذه العملية ومع دخول رجال الطرق الصوفية والدينية في عهد الفونج لتلك المنطقة (جبال النوبة) اعتنق بعض زعماء القبائل وغيرهم الإسلام وهكذا نسمع في القرن السادس عشر عن ظهور مملكة تقلي والتي عبرت عن مرحلة متطورة من التنظيم الاجتماعي ، حيث حدث تطور من تنظيم قبلي إلي تنظيم أوسع هو قيام مملكة ضمت عدداً من القبائل وتلك مرحلة متطورة في التنظيم الاجتماعي ، أي ظهرت سلالة مالكة حاكمة لها نفوذها الاقتصادي والسياسي والديني ، ولها جيشها ونظامها ، واستطاعت أن تبسط سيطرتها علي قبائل جبال النوبة ، ونسمع أيضاً عن علاقات هذه المملكة وحروبها مع سلطنة سنار أو الفونج .
وعلي سبيل المثال غزا بادي أبو دقن (1644 - 1680) سلطان الفونج مملكة تقلي والجبال المجاورة لها بما فيها الداير وهزمهم وفرض عليهم الإتاوة السنوية . ويري د. يوسف فضل في مؤلفه: مقدمة في تاريخ الممالك الإسلامية في السودان الشرقي (ربما كانت تدفع الإتاوة بالرقيق الذي كانت منطقة جبال النوبة مصدراً هاماً له) .
كما كانت مملكة تقلي أيضاً تتعرض لغزوات منتظمة من سلطنتي الفور والمسبعات بهدف الحصول علي الرقيق ، ونفهم من ذلك أن منطقة جبال النوبة عانت من غزوات تجار الرقيق ، مما أسهم في تهميشها واستنزاف قدراتها الاقتصادية والبشرية ، واضطر المواطنون إلي حماية أنفسهم بالدفاع عن كيانهم ووجودهم والاحتماء بقمم الجبال ، مما أدي إلي عزلة سكان تلك المنطقة وأسهم في تخلفها ونشأت بذور التطور غير المتوازن .
ورغم أن مملكة تقلي كانت إسلامية إلا أنها كانت تتعرض لغزوات سلاطين الفونج والفور والمسبعات ، ولا تفسير لذلك سوي الحصول علي الرقيق ، فالإسلام لم يكن جبل الجودي أو عاصماً لهم من تلك الغزوات الجائرة .
• ثم جاءت فترة الحكم التركي المصري التي أسهمت في تعميق التطور غير المتوازن أو التهميش حيث تعرضت تلك المنطقة إلي استنزاف كبير لقدراتهم البشرية والاقتصادية من خلال غزوات تجار الرقيق وعساكر الترك ، مما جعل تلك القبائل في حالة حروب دائمة ضد تلك الغزوات ، واضطرارها لمزيد من العزلة علي قمم الجبال ، وكان تجار الرقيق الذين كانوا يغزون في جبال النوبة وجبال الأنقسنا يسمون بالنهاضة (نعوم شقير تاريخ السودان ، تحقيق د. محمد إبراهيم أبو سليم ، ص 249) . وكان هؤلاء التجار يمتلكون زرائب للرقيق وجيوش وأسلحة نارية .
• وبعد الغزو التركي – المصري عام 1821م ، تم ضم كردفان إلي دولة الحكم التركي ، وبالتالي أصبحت مملكة تقلي تابعة لتلك الدولة ، وإن احتفظت باستقلالها النسبي ووضعها الهامشي في الدولة التركية .
• وبعد قيام الثورة المهدية نسمع عن تحالف مك جبال تقلي أو تعاطفه مع الثورة المهدية . عندما هاجر الإمام المهدي إلي قدير وبعد انتصار الثورة المهدية , وفي عهد الخليفة عبد الله نسمع عن إنتفاضة بعض القبائل في جبال النوبة ضد دولة المهدية والتي أرسل إليها الخليفة عبد الله حمدان أبو عنجة لضمها , ويبدو أن غزوات تجار الرقيق لتلك المنطقة كانت مستمرة أيام المهدية , مما جعل تلك القبائل تستمر في الدفاع عن كيانها ووجودها وبالتالي لم تخضع لدولة المهدية بشكل كامل .
فترة الحكم البريطاني (1989-1956) :-
خلال فترة الحكم الإنجليزي , قاومت قبائل جبال النوبة الحكم الاستعماري ورفضت بعض القبائل دفع ضريبة الدقينة المفروضة عليهم , مثال في عام 1903م , رفض النوبة في جبل الداير دفع ضريبة الدقنية المفروضة عليهم من قبل الحكومة وأرسلت ضدهم حملة عسكرية (محمد عمر بشير: تاريخ الحركة الوطنية في السودان ص 60-61) واستمرت انتفاضات قبائل جبال النوبة ضد الحكم الإنجليزي ولم يتم إخمادها إلا في عام 1929م , حيث قمعت معارضة قبائل الليري .
بعد الاستعمار البريطاني ارتبط السودان بالنظام الرأسمالي العالمي من خلال تصدير سلعة القطن والمحاصيل النقدية الأخرى , وتحول السودان إلى مزرعة قطن كبيرة لمد مصانع لانكشير في انجلترا بالقطن الخام , ونتيجة لذلك قامت مؤسسة أقطان جبال النوبة .
كانت الحكومة الاستعمارية تستغل مزارعي جبال النوبة بشكل فظيع , على سبيل المثال كان نصيب المزارع من عائد إنتاج القطن محدودا للغاية , فإيرادات القطن من زراعته في جبال النوبة لا تزيد عن 20% من ثمن القطن الفعلي بينما تستحوذ الحكومة على 80% من ثمنه وهو مقدار نصيبها وهذا نظام احتكاري من جانب الحكومة لان متوسط دخل المزارع لم يكن يزيد عن جنيهين خلال فترة الثلاثينيات من القرن الماضي والحرب العالمية الثانية , وذلك بسبب سياسة الاحتكار التي اتبعتها الحكومة بمنع بيع القطن إلا لها , وبالأسعار التي تحددها (د .زكي البحيري : التطور الاقتصادي والاجتماعي في السودان , 1978م ص ، 267م ) ، هذا فضلاً عن مال الاحتياطي الذي كان يخصم من المزارعين ولا يعود بفائدة عليهم .
وبعد إدخال زراعة القطن بدأت هجرة التجار من شمال ووسط السودان (الجلابة) الذين كانوا يقومون بالاتجار في البضائع المستوردة وشراء المحاصيل الزراعية من المواطنين ويستغلون المزارعين عن طريق نظام الشيل .
كما نشأت صناعة حلج القطن فقامت محالج للقطن في كادقلي وتلودي ... الخ وهكذا ارتبطت أقسام من سكان جبال النوبة بتلك الصناعة الحديثة .
علي أن السياسة الاستعمارية عملت علي تغيير أشكال الاستغلال من نظام الرق إلي العمل المأجور (العمالة الرخيصة) ولم يؤد ذلك إلي إلغاء الوضع الهامشي لجبال النوبة ، بل أدت إلي تثبيت وضع الإقليم كمنطقة هامشية (د. عطا البطحاني : جبال النوبة : الأثنية السياسية والحركة الفلاحية 1924م – 1969م) .
كما كانت جبال النوبة مصدراً للقوي العاملة لمشاريع القطن المروي وترتب علي ذلك انتقال الأهالي إلي الخرطوم والأبيض ، والرهد و أم درمان بحثاً عن عمل.
كما عملت الإدارة البريطانية علي تكريس الوضع الهامشي للإقليم بقانون المناطق المقفولة 1922م ، ولكن السياسة الاستعمارية فشلت في عزل منطقة جبال النوبة عن مؤثرات الوعي والتطور ، كما أهمل الاستعمار البريطاني التعليم فلم تدخل المدارس الإبتدائية إلا عام 1940م ، كما عانت منطقة جبال النوبة من التخلف المريع والإهمال والظلم الاجتماعي لفترة طويلة ، ولم تتم مواجهة حقيقية لمسألة العبودية وتجارة الرقيق إلا في العام 1945م ، عندما أصدر الحاكم العام البريطاني " مرسوم الحرية " والذي تم بموجبه تحرير كل الذين كانوا رقيقاً عند قبائل البقارة ، وإذا كان نصيب كل جنوب السودان 4 وظائف خلال فترة السودنة عند فجر الاستقلال (1945م) ، فقد خرجت منطقة الجبال صفر اليدين (د. محمد سليمان حروب الموارد والهوية).
كما فشلت سياسة الإدارة البريطانية في منع انتشار اللغة العربية والإسلام بالقسر ، واستطاعت اللغة العربية أن تجد مكاناً في مجال التعليم لغةً وتخاطباً وبحروف عربية بدل الحروف الرومانية كما أشار د. احمد عبد الرحيم نصر إلى الإجراءات والتدبير التي قامت بها الحكومات الوطنية بشان نشر اللغة العربية والدين الإسلامي ونتائجها غير الموفقة بالقسر , وأشار إلى نقطة مهمة وهي أن فرض المعتقد الديني ايا كان يؤدي إلى معارضته ويشل انتشاره . (د. احمد عبد الرحيم نصر : الإدارة البريطانية والتبشير الإسلامي في السودان 1979م) .
بعد الاستقلال :-
بعد الاستقلال لم يحدث تغيير يذكر في حياة المواطنين وشهد إقليم جبال النوبة انفتاحاً بعد إلغاء قانون المناطق المقفولة وتكون اتحاد مزارعي جبال النوبة للدفاع عن مصالح المزارعين من العرب والنوبة . كما قاوم سكان جبال النوبة ديكتاتورية الفريق عبود التي حاولت ممارسة الأسلمة والتعريب القسري ، وكانت هناك حملات احتجاج ضد الضرائب .
وبعد ثورة أكتوبر 1964م قام اتحاد جبال النوبة، وقبل ذلك كانت الجبهة المعادية للاستعمار قد أسهمت في بناء اتحاد مزارعي جبال النوبة ، ودافعت عن مصالح فقراء المزارعين سواء كانوا من العرب أو النوبة ، وطالبت بإلغاء ضريبة الدقنية ودعت إلي تحالف المجموعات النوبية والعربية للقضاء علي التخلف في إقليم جبال النوبة ، كما دعت إلي اتحاد عام للمزارعين يشمل العرب والنوبة ويدافع عن مصالح المزارعين بغض النظر عن العرق واللون (د. عطا البطحاني ، ص 237) .
كما طالبت الجبهة المعادية للاستعمار بالتحرر من نظام الشيل الذي عاني منه فقراء المزارعين من العرب والنوبة . كما طالبت الجبهة المعادية للاستعمار بوقف العمل غير مدفوع الأجر في صيانة الطرق والمباني العامة (عمل السخرة) .
أما اتحاد عام جبال النوبة فقد طالب بخلق كيان فيدرالي منفصل لجبال النوبة ، والمزيد من الخدمات الزراعية والاجتماعية وفرص عادلة في التوظيف وتمثيل النوبة في الهياكل الإدارية والحكومية . كما ساند الفلاحين ضد الضرائب واستطاع الاتحاد تحقيق انتصار في انتخابات 1965م وبعد انقلاب 25 مايو 1969م تأثر إقليم جبال النوبة بالخراب الذي عمّ كل البلاد وشهد الإقليم هجمة الرأسمالية المايوية علي أراضي الجبال الخصبة حيث شهد قطاع الزراعة الآلية توسعاً كبيراً .
كما قاوم النوبة نظام النميري وساهموا في حركة المعارضة العامة سواء في محاولات انقلابية (سبتمبر 1975م) ، أو محاولة حركة يوليو 1976م . كما كانت هناك مظاهرات جبال النوبة في عام 1981م ضد ارتفاع السلع الأساسية .
وبعد قوانين سبتمبر 1983م ، واندلاع حركة التمرد في الجنوب 1983م مرة أخرى ، انضم بعض أبناء الجبال إلي الجيش الشعبي لتحرير السودان كما أشار يوسف كوة إلي خيار الحركة الذي بدأت به ولا تزال هو الوقوف مع وحدة السودان (وعلي قيادات السودان) أن يعلموا لتحقيق خيار الوحدة دون الاكتفاء برفع شعار ، نحن دائماً في نظر الأحزاب الشمالية متهمين بالعنصرية والشماليون وحدهم هم الوطنيون ، وأكد أن السودان يهمنا جميعاً ولا نريد مثل التصنيفات .
وبعد انقلاب يونيو 1989م ، تعقد الصراع الذي أخذ طابعاً دينياً . وازدادت نيران الحرب اشتعالاً حتى توقفت نتيجة للضغوط المحلية والعالمية بعد اتفاقية جبال النوبة لوقف إطلاق النار والتي جاءت من بعدها اتفاق نيفاشا في 26/5/2004م والذي أكد علي ضرورة الاعتراف بالتعدد الثقافي والعرقي واللغوي والديني وأن يكون ذلك مصدراً إثراء ووحدة في إطار التنوع كما أكد علي ضرورة التنمية والاستقلال وتوفير احتياجات المواطنين الأساسية ، كما أشار الاتفاق إلي استطلاع رأي السكان في نهاية الفترة الانتقالية .
وأخيراً نشير إلي التنوع القبلي في المنطقة والذي يتبعه تنوع في اللغات والثقافات والعادات والتقاليد وفي كريم المعتقدات وتنوع في تفاعل الإسلام والمسيحية مع عادات وأعراف تلك القبائل المتعددة والمتنوعة .
ومن الأمثلة للقبائل النوبية : النيمانغ ، الكواليب ، الأجانج ، الكاونارو ... الخ .
والقبائل العربية مثل المسيرية ، الحوازمة ، أولا حميد . ومن قبائل غرب السودان وإفريقيا : الداجو : الفلاتة ...
وهذا التنوع هو مصدر ثراء ، وإن مصلحة القبائل في تلك المنطقة الغنية بمواردها الزراعية والحيوانية والمعدنية هو أن تعيش في سلام ووئام باعتبار ذلك هو الشرط للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية .
هامـــــــش :-
• ضريبة الدقنية كان مقدارها ستون قرشاً يدفعها الفرد نهاية كل عام ، ويدفعها كل من تنبت علي دقنة شعرات ، أي أصبح رجلاً . ويلاحظ محمد هارون كافي " ومن العجب أن تلك الضريبة البذيئة قد استمر العمل بها حتى إلي السنوات التي تلت الاستقلال " (محمد هارون كافي : مقاومة جبال النوبة للاحتلال البريطاني ، مجلة الخرطوم يونيو 1980م) .

منطقة جنوب النيل الأزرق (الأنقسنا)

معلوم أن هذه المنطقة في عهد سلطنة سنار كانت تقع ضمن مملكة فازوغلي التي كانت تتبع رأساً لملوك الفونج في سنار .
يقول شقير وكان من ممالك الفونج الهامة مملكة فازوغلي التي قامت في جنوبي مشيخة خشم البحر وامتدت من الرصيرص إلي فداسي وعاصمتها فازوغلي ، وكان من مدنها المشهورة بلدة فداسي علي نهر يابوس من فروع النيل الأزرق ، وكان يأتيها من الحبشة الخيل والحديد والسكاكين والفؤوس والفهود والعسل والبهارات ويأتيها من دار البرتات التبر ودين أهلها الإسلام ولغتهم العربية ، إلا أنه كان يسكن بينهم الكثير من سكان دار البرتات وعبدة الأوثان : وقد تولي هذه المملكة عائلة من سلالة الفونج وكان لباسهم كلباس ملوك الفونج وما كان يركب الخيل الأهم) (نعوم شقير: تاريخ السودان ، 1981م ، ص 134) .
وكانت هذه المنطقة تمد سنار بالذهب والعسل والجلود والبغال والسياط والريش والسمسم والرقيق (شقير : ص 127) وكانت منطقة الأنقسنا من أهم مصادر تراكم رأس المال التجاري لسلاطين الفونج وكانت تمدهم بالرقيق والذهب .
وفي فترة الحكم التركي والمهدية ظلت المنطقة من مناطق صيد الرقيق ، مما أدي إلي احتماء سكانها بالجبال ، وبالتالي أصيبوا بالعزلة والتخلف واحتفظوا بكريم معتقداتهم وعاداتهم وتقاليدهم كما اعتنق بعضهم الإسلام منذ أيام الفونج كما أشار المؤرخ شقير ، كما كانوا يتحدثون باللغة العربية منذ أيام الفونج في تعاملهم مع التجار والمسئولين العرب .
والانقسنا اسم أطلقه العرب علي المجموعات التي تقطن المنطقة الجبلية ما بين النيلين الأبيض والأزرق في تقاطع خطي 11.30 ْ و 34 ْ شمالاً .
وفي تعداد 55/1956م كان عددهم 31250 نسمة ونسبة الزيادة تقدر بحوالي 2.86 سنوياً ، وكانوا يسكنون في قطاطي من القش علي سفوح الجبال ولكنهم في الآونة الأخيرة بدأوا النزول إلي السهول المنبسطة تحت الجبال للزراعة (د. عبد الغفار محمد أحمد : الأنقسنا في الانثروبولوجيا الاقتصادي وقضايا التنمية في السودان ، 1975م ، ص 47) ، إضافةً للزراعة يمارس سكان الانقسنا أيضاً الرعي ، وتلعب الماشية دوراً هاماً في حياة الأنقسنا ، إذ أنها تكون جزءاً غير قليل من مهر العروس وكذلك تذبح في المناسبات والطقوس الدينية بالإضافة إلي أهميتها كمصدر للبن ، كما يربون الجمال والتي تجلب من رفاعة الهوى كما يرعون الأغنام .
وسكان جبال الأنقسنا يغلب عليهم العنصر الزنجي ، إلا أننا نجدهم قد تأثروا وبدرجات متفاوتة عبر القرون الماضية بدماء بعض القبائل العربية الرعوية مثل الكواهلة ورفاعة وكنانة : (محمد مجذوب العالم : بعض سمات التغيير الثقافي والاجتماعي في منطقة جبال الأنقسنا ، مجلة وازا ، مارس 1980م) .
علي أن سياسة الحكم البريطاني (1898م – 1956م) أسهمت في تخلف وعزلة المنطقة عن بقية السودان بمنع أصحاب المواشي والتجار من التوغل داخل هذه الجبال إلا بتصاريح خاصةً ولمدة محدودة ، كما أن المستعمر حصر النشاط التجاري في منطقة واحدة (باو) . وكان من نتائج تلك السياسة أن انعزلت هذه المنطقة الأخرى ولم تحظ بنوع من الانفتاح إلا بعد الاستقلال.
أي أن منطقة الأنقسنا كانت تقع ضمن المناطق المقفولة التي حددها المستعمر البريطاني والتي كانت تشمل جنوب السودان وجبال النوبا ... الخ . كما فشلت محاولات فرض الدين المسيحي بالقسر .
وبعد الاستقلال لم يتغير الوضع كثيراً في فترات الحكومات المدنية والعسكرية .
ونتيجة لضغوط تنظيمات أبناء المنطقة مثل اتحاد جنوب وشمال الفونج بدأت تدخل الخدمات الصحية وخدمات التعليم في المنطقة .
كما تأثرت المنطقة بهجمة الزراعة الآلية والقطع الجائر للأشجار وخاصةً في الفترة المايوية وما بعدها ، مما أدي إلي ضيق المراعي وحدثت الصدامات والمنازعات بين الرعاة والمزارعين . كما تأثرت البيئة بسبب القطع الجائر للأخشاب لإنتاج الفحم . كما بدأ سكان المنطقة ينفتحون علي العالم الخارجي ويحتكون بالقبائل المجاورة ، وبدأوا يعرفون اقتصاد السلعة - النقد ، وكانت هناك محاولات من رسل طائفة الختمية بعد الاستقلال الذين كانوا يذهبون لتلك المناطق محملين بالهدايا من ملابس وأحذية لمحاربة العري وترسيخ القيم الإسلامية في نفوسهم .

البنية الاقتصادية والاجتماعية:-

عرفت قبائل وشعوب الأنقسنا الزراعة والرعي ، حيث كانوا يمارسون الزراعة علي سفوح الجبال ويقيمون المدرجات لتفادي تعرية التربة ، ولكن بعد انتهاء الرق في بداية فترة الحكم الإنجليزي المصري نزلوا إلي السهول لزراعتها بدلاً من الاعتماد علي زراعة المدرجات ، ويزرعون الذرة والتمباك والشطة والبامية .. الخ .
كما يستخدمون أدوات إنتاج زراعية بدائية ويمارسون العمل التعاوني (النفير) عند بداية الزراعة وعند الحصاد، وملكية الأرض عندهم تقوم علي الملكية الجماعية للقبيلة وحق انتفاع كل عضو في القبيلة بالأرض.
كما يمارسون الصيد ويرعون الماشية التي هي مصدر اللحم واللبن ويرعون الجمال التي تعتبر مقياس الثراء والوضع الاجتماعي، كما يرعون الأغنام.
إضافةً لحرفة الزراعة والرعي هناك الصناعات الحرفية والتي أدت إلي ظهور فئة الحرفيين ، والإنتاج الصناعي الحرفي يكون أما معداً للاستهلاك أو للإنتاج من أجل السوق مع تطور عمليات التبادل والتجارة .
ومن الأمثلة للصناعات الحرفية : صناعة البروش ، أدوات الإنتاج الزراعي (الحدادة) ، أدوات الصيد ، أدوات الطرب مثل الربابة والزمبارة ، السيوف والسكاكين والحراب، أدوات الزينة النسائية مثل الحجول ، هذا بالإضافة إلي صناعة المريسة التي تعتبر جزءاً هاماً في حياتهم الاجتماعية ويصنعوها من الذرة أو السمسم ... الخ.
(للمزيد من التفاصيل راجع : إسماعيل علي الفحيل : الزواج عند الانقسنا في وازا مارس 1980م) .
كما يعمل فقراء الرعاة من الأنقسنا في رعي مواشي القبائل المجاورة يقول د. عبد الغفار محمد أحمد " والأنقسنا محل ثقة بين القبائل الرعوية العربية المجاورة لهم مثل رفاعة الهوى والفلاني ويبدوا أنه من أهم الأسباب لذلك هو أن الأنقسنا هم العنصر الوحيد بين سكان منطقة الفونج الذي له الدراية والخبرة بشئون الرعي ، بالإضافة إلي ذلك نجد أن الأجر الذي يتقاضونه عن الرعي منخفض جداً إذا ما قارنا بالأجر الذي يدفع للراعي من البادية الشمالية لقبيلة رفاعة الهوى أو رفاعة الحمدة علي نهر الدندر " (د.عبد الغفار محمد أحمد ، المرجع السابق ، ص 48 - 49) .
وحول هذا الواقع الاقتصادي الذي يعتمد علي الزراعة والرعي نشأت بنية ثقافية تعبر عن الواقع بأشكال مختلفة نلاحظها في معتقدات وديانات المنطقة مثل الدور الهام للكجور الذي ينزل المطر ويسقي الضرع والزرع ، ويعالج الناس من الأمراض (قبل ظهور الطب الحديث) .
كما عرف مجتمع الأنقسنا العمل التعاوني (النفير) وخاصةً في بداية الزراعة والحصاد وفي بناء المنازل كما تلعب المريسة دوراً هاماً في العمل التعاوني وفي حياتهم الاجتماعية .
كما يتمتع الشيوخ ورجال الدين (الكجور) بنفوذ اجتماعي واقتصادي حيث تتجمع عندهم الفوائض من الغذاء والماشية التي يقدمها لهم المزارعون والرعاة كهدايا . أو يعملون طوعاً في أراضيهم أو رعي مواشيهم بلا مقابل . وبالتالي يشكلون فئة متميزة في المجتمع تتمتع بالثروة والوجاهة الاجتماعية. ويعبرون عن تطور التقسيم الاجتماعي والطبقي في القبيلة .
كما نلاحظ أثر طبيعة المنطقة الجبلية في معتقداتهم مثل الجبال الراسيات الشامخات التي يقدسونها والتي شكلت الحماية من هجمات صيادي الرقيق، وزرعوا عليها زراعة المدرجات وبنوا عليها أكواخهم. كما نلاحظ تقديسهم للشمس التي أنشئوا لها بيتاً (بيت الشمس) الذي يوجد بداخله شيخ تتجمع عنده فوائض من الغذاء مثل المريسة والعيش والماشية التي تذبح للأغراض الدينية بهدف مباركة زراعتهم ومحصولهم ، أي تأمين استمرار معيشتهم ، ونلاحظ قدسية هذا الدار التي لا يدخلونها إلا حافي الأقدام والرؤوس والشيخ له قدسية ومكانته الدينية وطاعته مطلقة .
( للمزيد من التفاصيل راجع : محمد مجذوب : العالم ، المرجع السابق) كما تلعب المرأة دوراً هاماً في مجتمع الأنقسنا فهي إضافةً لعملها في الأعمال المنزلية وتربية الأطفال تقوم بطحن العيش (المرحاكة) ، وصناعة الفخار وبناء المنازل ونسج الدمور وصناعة الزيت والمشاركة في الأعمال الزراعية وتربية الدجاج والأغنام ... الخ .
كما للأنقسنا طقوس وفنون وعادات مرتبطة بالأمطار والماشية ، أي مرتبطة بأساس حياتهم المعيشية والاقتصادية . مثل عادة الزنبارة التي تتم مع بداية الأمطار وبداية نظافة الأراضي من الحشائش والأشجار لتكون جاهزة للزراعة بعد الأمطار وعادةً الربابة الكبيرة : التي تتم عند حلول موسم الحصاد .
واحتفال "ساي ساك" الذي هو احتفال خاص بالأبقار والأغنام ويتم في الفترة التي نرجع فيها الماشية من المراعي البعيدة قبل موسم الأمطار لتوضع في الزرائب خارج المنطقة السكنية (محمد مجذوب العالم ، مرجع سابق) .
وخلاصة الأمر ترجع جذور التهميش في المنطقة إلي فترة الفونج والحكم التركي والمهدية حيث ظلت تلك المنطقة عرضة لهجمات تجار الرقيق مما أضطر المواطنين للعزلة والاحتماء بشواهق الجبال ، وظلت المنطقة خارج التاريخ .
كما عزل الاستعمار البريطاني هذه المنطقة التي كانت ضمن قانون المناطق المقفولة ، وبالتالي تم إهمالها ولم يحدث بها أي نوع من التطور ولم يتغير الوضع كثيراً بعد الاستقلال وأثناء الحكومات الوطنية التي سارت علي المنوال نفسه من حيث إهمال تطويرها وعدم إخراجها من مجتمع القرون الوسطي إلي عالم التقدم والحضارة.
كما عاني فقراء المزارعين في تلك المنطقة من استغلال تجارة الشيل من الجلابة وغيرهم هذا إضافةً لتدمير البيئة وتقلُص المراعي بسبب الزراعة الآلية العشوائية في المنطقة والتي توسعت بعد العهد المايوى مما أدي إلي شح المراعي والصدامات القبلية بين الرعاة والمزارعين .
هذا إضافةً لعدم ترشيد قطع الأخشاب لإنتاج الفحم الذي أثر علي التوازن البيئي في المنطقة.
كما عانت المنطقة من ضعف البنيات التحتية مثل الطرق الذي يؤدي غيابها إلي عزلة المنطقة في الخريف .
علي أن التنمية الاقتصادية والاجتماعية المنشودة للمنطقة يجب أن تأخذ في الاعتبار تنوع المنطقة وعاداتها وتقاليدها التي تقوم علي التعاون (النفير) وتنوعها الأثني والثقافي . كما أن السلام في هذه المنطقة يعني توفير خدمات التعليم والصحة والبنيات التحتية ، والخدمات البيطرية للماشية ، وحل مشاكل التمويل للفقراء المزارعين حتى يتم تحريرهم من جشع تجار الشيل .
كما يعني تطوير مناجم الكروم وعمليات تعدين الذهب الصغيرة بالنظر في إدخال تكنولوجيا تعدين مناسبة ، وإنشاء جمعيات للمنتجين للتسويق حسب السعر العالمي والمحلي ، للمنتجين للتسويق حسب السعر العالمي والمحلي ، وتخصيص جزء من عائد الكروم والذهب في مناجم جبال الأنقسنا لتنمية المنطقة كما أنه من المهم إعادة إحياء الغطاء النباتي والحفاظ علي التوازن البيئي ، ووقف عمليات القطع الجائر للأشجار .
كما يعني السلام الاعتراف بالتعدد الثقافي والعرقي واللغوي والديني وأن يكون ذلك مصدر إثراء ووحدة في إطار التنوع كما جاء في اتفاق نيفاشا في 26/2/2004م .


الجــــــــــــــنوب

عند تناول مسألة جنوب السودان، فإن اللافت للنظر ذلك التباين في أنماط الإنتاج وسبل كسب العيش والتباين القبلي والسياسي والثقافي والديني واللغوي.
ولا يمكن القول، أن الجنوب يمثل مجموعة متناسقة موحدة من القبائل، وبالتالي يصعب الحديث عن قومية واحدة في الجنوب. شقت قبائل وشعوب الجنوب طريقها المعقد والطويل من حياة بدائية كانت تقوم علي التقاط الثمار والصيد حتى شهدت تلك القفزة باكتشاف الزراعة وتربية الحيوانات.
علي أن قبائل الجنوب لم تتطور تطوراً باطنياً طبيعياً إلي مستوي تكوين الممالك والسلطنات التي توحد مجموعة قبائل ، كما حدث في سلطنات الفونج والفور ومملكة تقلي ، لقد قطع الاستعمار التركي التطور الطبيعي والباطني لتلك الشعوب والقبائل .
ومعلوم أنه قبل عام 1821م كان سودان وادي النيل عبارة عن حلقات متصلة من حضارات وممالك بدءأً من حضارة المجموعات ومملكة كرمة ومملكتي نبتة ومروي والممالك النوبية المسيحية (نوباطيا ، المقرة ، علوة) والممالك الإسلامية (الفونج ، الفور ، تقلي ... الخ).
ومع بداية الاستعمار التركي المصري تم التكوين الحديث للسودان بعد سقوط سلطنة الفونج وضم كردفان وإقليم التاكا وسواكن ودارفور وكذلك تم التوغل في جنوب السودان نتيجة لعوامل مختلفة أهمها :-
- تحقيق أهداف محمد علي باشا من فتح السودان بجلب أكبر عدد من الرقيق إلي مصر.
- نشاط الرحالة الأوربيين لإكتشاف منابع النيل مثل الرحالة (سبيك ، صمويل بيكر ... الخ) .
- نشاط التجار والمغامرين الأوربيين والمصريين والسودانيين وغيرهم لتحقيق أكبر قدر من الأرباح من تجارة العاج والرقيق وريش النعام والتجارة في جنوب السودان واستمر التوغل في الجنوب حتى برزت المعالم الأساسية لمديرياته الحالية : مديرية بحر الغزال ، مديرية أعالي النيل ، المديرية الاستوائية ، تلك التي أصبحت فيما بعد جزءاً من السودان .
بهذا الشكل المأساوي والدموي تكون السودان الحديث بعد غزو محمد علي باشا للسودان.
لقد قاومت قبائل وشعوب الجنوب بالكفاح المسلح غزو الاستعمار التركي وتجارة الرقيق ودافعت بشراسة عن كيانها ضد اقتلاعها من جذورها في حملات تجارة الرقيق.
وعندما قامت الثورة المهدية في أيامها الأولي نهضت قبائل الجنوب في تحالف مع قبائل الشمال ضد المحتل التركي وكان هذا تعبيراً بشكل من الأشكال عن الكفاح والنضال المشترك ضد المستعمر ، وبداية لتفاعل تلك القبائل ولشعورها بأنها جزء من كيان واحد كبير هو السودان ولم تنحصر مقاومة الحكم التركي في القبائل التي كان لها تماس مع القبائل العربية والمسلمة ، بل شملت القبائل النيلية مثل الدينكا والشلك ، وتشير المصادر التاريخية إلي أن تلك القبائل أسهمت في الثورة المهدية في ساعاتها وأيامها الأولي .
كما قاومت قبائل الجنوب استبداد وعسف الخليفة عبد الله في سنواته الأخيرة وعلي سبيل المثال تمرد الشلك الذين أرسل إليهم الخليفة بتأدية عشر محصول المنطقة عندما اجتاحت مجاعة 1306هـ . امتنع الملك (الرث) عمر عن إرسال المحاصيل التي طلبها الخليفة متعللاً بأنه لا يخضع للخليفة ، أبدي الخليفة استياءه من تصرف زعيم قبيلة الشلك واعتبر موقفه ذلك عصياناً فجهز جيشاً بقيادة الزاكي طمل في عام (1890م – 1891م) ، حشد الملك عمر جيشاً للدفاع عن بلاده ، غير أن الزاكي طمل شن عليه هجوماً خاطفاً انهزم علي أثره الشلك ، كما قتل الملك عمر وأرسلت رأسه إلي الخليفة في أم درمان ، ثم قام الزاكي طمل بمصادرة أعداد هائلة من الماشية وقام بإرسالها إلي العاصمة ، مكث الزاكي طمل فترة من الوقت بعد تلك المذبحة التي قام بها في فشودة (عاصمة الشلك ، بلدة كدوك حالياً) ، والتي تركت في نفوس الشلك والقبائل المجاورة لهم شعوراً بالمرارة (عزام أبو بكر علي الطيب : العلاقة بين الخليفة عبد الله التعايشي وقبائل السودان ، دار جامعة الخرطوم ، 1992م ، ص 122 -123) .
فترة الاستعمار البريطاني (1898 - 1956) م :
في السنوات الأولي للحكم البريطاني ، قاومت قبائل الجنوب الحكم الجديد ، ورفضت دفع ضريبة الدقنية المذلة للكرامة الإنسانية ، ولم يتم إخضاع قبائل الجنوب إلا في عام 1932م ، وبعد اندلاع ثورة 1924م واشتراك أبناء الجنوب في قيادة الثورة ، عمل الاستعمار علي عزل قبائل الجنوب عن الشمال وشرع في تنفيذ قانون المناطق المقفولة الذي وُضع عام 1922م لتعميق الفوارق الثقافية والدينية والأثنية بين الشمال والجنوب تمهيداً لإضعاف الحركة الوطنية والشعور القومي الموحد ولفصل الجنوب عن الشمال ، وخاصةً أن الاستعمار البريطاني توجس خيفة من أن بعض قادة ثورة 1924م كانوا من قبائل الجنوب ، وبالتالي عرقل الاستعمار التطور السياسي والاقتصادي والثقافي لقبائل وشعوب الجنوب ، مما كان له الأثر في تمرد 1955م مع أسباب أخرى .
ورغم جهود الاستعمار في تعميق الفوارق بين الشمال والجنوب مثل : قانون المناطق المقفولة ، السياسة اللغوية في مؤتمر الرجاف 1928م (جعل اللغة الإنجليزية لغة رسمية) ، انفراد المبشرين بالتعليم في الجنوب حتى بداية الحكم الذاتي ، عدم المساواة بين الموظفين الشماليين والجنوبيين ، رغم تلك الجهود إلا أن مؤتمر جوبا عام 1947م ، ورغم تدخل وضغوط الإداريين الإنجليز جاء ليؤكد رغبة الجنوبيين في الوحدة مع الشمال وقيام مجلس تشريعي واحد في السودان .
ومع اشتداد عود الحركة الوطنية بعد الحرب العالمية الثانية وفي أواخر الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي وظهور مؤتمر الخريجين والأحزاب السياسية ، نال الجنوبيون بعض حقوقهم مثل :-
1. الحقوق والحريات الديمقراطية والمدنية .
2. كسر طوق المناطق المقفولة .
3. المشاركة في الانتخابات البرلمانية .
4. الأجر المتساوي للعمل المتساوي بين الموظفين الشماليين والجنوبيين .
5. زيادة في التعليم والخدمات الصحية والاجتماعية.
6. قيام بعض مشاريع التنمية مثل مشروع الزاندي الذي توقف بعد تمرد 1955م .
بعد الاستقلال :-
مع بداية الاستقلال كان وعد الأحزاب الحاكمة للجنوبيين بالفيدرالية في أول برلمان سوداني ولم يتم وفاء بذلك العهد والوعد وعلي سبيل المثال جماعة بولين الير (1954م – 1955م) التي وثقت بشكل مطلق في الحزب الوطني الاتحادي الذي لم ينجز وعودها ومطالبها التي كانت تتلخص في الأتي :-
- التنمية الاقتصادية ، الأجر المتساوي للعمل المتساوي مناصب معقولة في السودنة ، إلغاء ضريبة الدقنية ... الخ. وكان ذلك أسباب تمرد 1955م .
وخلال ديكتاتورية الفريق عبود (1958م – 1964م) ، كانت هناك مصلحة للجماهير في الشمال والجنوب في إسقاط النظام العسكري الذي قهر الشمال وبشكل أفظع الجنوب ، وفشلت ديكتاتورية عبود في فرض الحل العسكري ، وفرض الإسلام واللغة العربية بوسائل قسرية ، وكانت النتيجة هي تعميق المشكلة واتساع رقعتها بدلاً من حلها .
واستمرت المقاومة في الشمال والجنوب حتى قامت ثورة أكتوبر 1964م التي كانت مشكلة الجنوب أحد أسبابها الأساسية وبعد ثورة أكتوبر انعقد مؤتمر المائدة المستديرة ، والذي كان تعبيراً عن الرغبة في حل سلمي ديمقراطي للمشكلة ورغم فشل المؤتمر ، إلا أنه كان خطوة هامة لتعرف الأحزاب الشمالية والجنوبية علي أفكار بعضها البعض من خلال الحوار .
وبعد انقلاب 25 مايو 1969م فشل النظام الشمولي في حل مشكلة الجنوب رغم اتخاذ التدابير الآتية :-
- بيان 9 يونيو 1969م ، الذي أكد علي ضرورة الاعتراف بالفوارق بين الشمال والجنوب والحل السياسي الديمقراطي للمشكلة ، إلا أن نقطة الضعف أو كعب أخيل ، كان النظام الشمولي الديكتاتوري الذي لم يوفر أبسط مقومات الحل السلمي الديمقراطي وهي الديمقراطية ، أي أن الحل جاء بواسطة انقلاب عسكري صادر الديمقراطية والحريات الأساسية في الشمال والجنوب فكيف يقدم هذا النظام حلاً ديمقراطياً سلمياً للمشكلة ؟!
- اتفاقية أديس أبابا في مارس 1972م ، رغم ترحيب أهل السودان والدوائر الخارجية بوقف نزيف الدم الذي استمر لأكثر من 17عاماً ، إلا أنها كانت تحمل عناصر فنائها في داخلها وهي أنها صادرة من نظام ديكتاتوري شمولي غير مؤتمن علي المواثيق والعهود لإفتقاره للشرعية ولغياب الديمقراطية وسيادة حكم الفرد .
فكانت النتيجة أن انفجر التمرد مرة أخري في 1983م وبشكل أوسع من التمرد السابق الذي انفجر وبدأ في أغسطس 1955م .
وبعد انتفاضة مارس – أبريل 1985م ، كانت هناك مقترحات الحلول المختلفة التي صدرت من الأحزاب والهيئات والأفراد مثل مبادرة (الميرغني - قرنق) وكادت أن تؤدي لحل المشكلة لو لا أن قطعها انقلاب 30 يونيو 1989م فزاد الجرح عمقاً والخرق اتساعاً في حرب لا تبقي ولا تذر لواحة البشر ، لم يشهد لها تاريخنا السابق من ناحية الخسائر ونزيف الدم والتكاليف الباهظة لتلك الحرب علي حساب المواطنين وخدمات التعليم والصحة وتوقف التنمية .
كما أن مقترحات الحلول التي قدمها نظام الإنقاذ مثل (الحكم الفيدرالي) ومبادرة السلام السودانية ، والتي ولدت ميتة لأنها افتقرت لأبسط مقومات الحل وهو الديمقراطية والحقوق والحريات الأساسية في الشمال والجنوب ، وأخيراً تم توقيع اتفاقية السلام في نيفاشا بتاريخ 26/5/2004م .
اتفاقية نيفاشا وضمانات السلام :-
أكدت التجارب ضرورة الحل الشامل لكل قضايا ومناطق السودان، وربط الحل الشامل بالتحول الديمقراطي وتوفير الحريات والحقوق الأساسية: حرية التعبير والتنظيم والنشر وإلغاء قانون الطوارئ والاعتقال التحفظي.
كما أكدت التجارب ضرورة التنمية المتوازنة بين كل أقاليم السودان، وإعطاء الاعتبار للمناطق الأكثر تخلفاً.
كما أن السلام يعني توفير احتياجات المواطن الأساسية في التعليم ، الصحة فرص العمل ، الأمن والطمأنينة ، وترقية مستوي المعيشة ، وإعادة تأهيل مرافق الخدمات ومشاريع التنمية : مثل السكك الحديدية ، مشروع الجزيرة ، والمشاريع الزراعية الأخرى ، وتوفير فرص العمل بغض النظر عن اللون أو العرق أو المعتقد الديني أو السياسي ، واحترام حقوق الإنسان وحرياته الأساسية ودولة المواطنة والواقع أننا عندما نتحدث عن المناطق المهمشة لا نغفل حقيقة التخلف العام في البلاد ، وبعد 47 عاماً من الاستقلال كان حصاد التنمية الرأسمالية التي قادتها الفئات العسكرية والمدنية كالأتي :-
- انهيار البنيات الأساسية والمشاريع التي خلفها الاستعمار مثل مشروع الجزيرة والسكك الحديدية والنقل النهري والخطوط الجوية السودانية والخدمة المدنية التي كانت تتميز بدرجة عالية من الكفاءة والانضباط.الخ..
- عجز غذائي ومجاعات ونزوح لا مثيل له منذ فترة المهدية من الأرياف للمدن بسبب الحروب وانهيار خدمات التعليم والصحة والضرائب الباهظة علي المزارعين والرعاة وخاصةً في فترة الإنقاذ.
- توسيع وتعميق حرب الجنوب وخاصةً بعد انقلاب 30 يونيو/ 1989م حتى أصبحت الحرب تشمل دارفور ومناطق الشرق وجنوب النيل الأزرق وجبال النوبة ، مما أدي للتدخل الأجنبي وفقدان البلاد لسيادتها الوطنية .
- انهيار خدمات التعليم والصحة والإنتاج الصناعي والزراعي.
- عدم الثقة بالنفس وتزايد الاعتماد علي الغير والهبات والمعونات.
- تركز الثروة في يد فئة قليلة ، وإرهاق كاهل المواطنين بالضرائب الباهظة دون تقديم خدمات مقابل لها ، وثم إفقار المواطنين بعد سياسة الخصخصة التي اتبعها نظام الإنقاذ منذ سنواته الأولي ، حتى أصبحت نسبة الفقر 94% وحتى بعد أن تم استخراج البترول والذهب كان من الممكن أن ينعكس علي حياة المواطنين اليومية وعلي تطور الإنتاج الزراعي والصناعي ، ولكن ذلك لم يتم .
وفي الجنوب وبعد توقيع اتفاقية السلام ، نواجه تحدي توحيد الوطن علي أسس طوعية وديمقراطية ، والذي يتطلب توفير العدالة والمساواة والتنمية المتوازنة والاعتراف الفعلي بالتعدد الديني والعرقي والثقافي والديمقراطية الحقيقية ، كما نواجه تعمير الجنوب وإصلاح ما دمرته الحرب ، وضرورة قيام البنيات التحتية مثل : الطرق ، السكك الحديدية ، البواخر النهرية ، خدمات المياه والكهرباء ، خدمات التعليم والصحة ، خدمات البنوك والتسويق .
إضافةً للإمكانيات الواسعة للتنمية في الجنوب بتطوير الزراعة والثروة الحيوانية وثروة الغابات (الأخشاب) ، والتصنيع الزراعي وتوفير العناية البيطرية للماشية ، وتطوير السياحة فالجنوب به ثروات زراعية وحيوانية وغابية إضافةً للبترول تجعله في حالة السلام والاستقرار السياسي في حالة تنمية وازدهار ، كما نواجه ضرورة التحالف الواسع العريض وتوسيع قاعدة التجمع الوطني الديمقراطي لمواصلة النضال عبر صندوق الانتخابات لتصفية الشمولية وتحقيق دولة المواطنة ، الدولة المدنية الديمقراطية التي تضمن وحدة البلاد .

البجا في شرق السودان

كُتب الكثير عن تاريخ البجا في شرق السودان ، نذكر علي سبيل المثال من مؤرخي البجا محمد صالح ضرار في مؤلفه (تاريخ سواكن والبحر الأحمر ، 1981م) ، ومحمد أدروب أوهاج في مؤلفه (من تاريخ البجا ، الكتاب الأول 1989م) .
وتاريخ البجا ضارب في القدم : ورد اسم البجا في التاريخ القديم بأسماء مثل البلميين ، الإثيوبيين : ولكن كان اسم البجا أشهر هذه الأسماء وأبقاها .
ويتكون البجا من مجموعة قبائل من الشمال إلي الجنوب هي : البشاريون ، الأمرأر ، الأرتيقة ، الأشراف ، الكمبلاب ، الملهيكناب ، الحلنقة ، البنو عامر ، الحباب ... الخ.
وليس هناك عنصراً خاصاً بجاوياً ، فالبجا اختلطوا بقبائل السودان من الجعليين (المجاذيب في الدامر) وغيرهم من القبائل الشمالية التي استقرت في بورتسودان وهيا ومسمار وسنكات وكسلا وعطبرة للعمل في السكة الحديد والزراعة (السواقي في كسلا ، ومشاريع القاش وطوكر ...) إضافةً للعمل التجاري.
كما أن منطقة البجا كانت منفذ السودان للعالم الخارجي منذ عهود بعيدة ، منذ عهد ميناء عيذاب (تقع في حلايب حالياً) وسواكن ، واختلط البجا بالعناصر الآسيوية ومنهم الحجازيون والشاميون والأتراك والمصريون والهنود وغيرهم . وكل هؤلاء جزء من البجا في الوقت الحاضر ، وسميت اللغة المشتركة بينهم اللغة البجاوية أو (تبداوي) ورغم أن تاريخ البجا ضارب في القدم ، وكان معاصراً للحضارات السودانية القديمة . إلا أن قبائل البجا ظلت في عزله عن مجري التطور الاجتماعي وما زال بعضها يعيش نمط الإنتاج الرعوي القديم (تربية الجمال) ، واستخدام أدوات الإنتاج الزراعي التي يعود تاريخها إلي آلاف السنين .
وكانت منطقة البجا التي تمتد علي طول ساحل البحر الأحمر الممتد من شالاتين إلي قرورة جنوباً وإلي حدود نهر عطبرة والولاية الوسطي غرباً . كانت هذه المنطقة من مناطق استخراج الذهب ، وكان النوبة في فترة الممالك النوبية المسيحية يستخلصون الذهب من وادي العلاقي (من مناطق البجة في البحر الأحمر)، وصف المؤرخ اليعقوبي وادي العلاقي الذي كانت توجد به مناجم الذهب والزمرد بقوله :
(وادي العلاقي كالمدينة العظيمة به خلق من الناس وأخلاط من العرب والعجم وأصحاب المطالب وبها أسواق وتجارات وشرابهم آبار تحفر في وادي العلاقي) ، (مصطفي محمد مسعد : المكتبة السودانية العربية : ص 126) ، كما وصف المؤرخ ابن حوقل الزراعة في منطقة القاش وبركه وكان المسلمون موجودين في بلاد البجا بحثاً عن الذهب والتبر والزمرد .
كما ورد في المصادر التاريخية العربية : دخول جماعات من قبائل بلي وجهينة لغرض التجارة أو جذبتهم معادن الذهب والزمرد أو المراعي عقب الفتح الإسلامي ، وبديهي أن يدخل بعض البجا الإسلام نتيجة اختلاطهم بهم .
وكانت عيذاب منفذ النوبة إلي بلاد الحجاز واليمن ومكة وصف المؤرخ اليعقوبي ميناء عيذاب بقوله : (عيذاب ساحل البحر الأحمر المالح (البحر الأحمر) يركب الناس منه إلي مكة والحجاز واليمن ، ويأتيه التجار فيحملون التبر والعاج وغير ذلك من المراكب ) (المكتبة) . وبعد إغلاق عيذاب بعد الحروب الصليبية تحولت الميناء إلي سواكن .
وفي فترة سلطنة سنار (1504م – 1821م) كانت سواكن منفذ السلطنة إلي بلاد الهند واليمن و الحجاز وكانت مركزاً هاماً ، وكانت سواكن من مصادر تراكم رأس المال التجاري في سلطنة سنار ونقطة جمارك هامة تصل منها عوائد كبيرة بانتظام لسلاطين الفونج ، كما كانت أكبر المراكز لتصدير الرقيق .
وإذا بحثنا في الجذور التاريخية للتهميش في منطقة البجا نأخذ هذا الواقع في الاعتبار ، وهو أن التجار والمغامرين كانوا يتعاملون مع هذه المنطقة كمصدر تراكم لرأس المال التجاري وبحثاً عن معادن الذهب والزمّرد ، وظلت منطقة البجا منطقة متخلفة وظلت بعض العادات مثل عادة الخفاض الفرعوني مستمرة منذ عهود الفراعنة والتخلف يلقي بثقله الكثيف علي هذه المنطقة وتهدد المجاعات والأمراض بانقراض البجا .
فترة الحكم التركي (1821م – 1885م) :-
في ظل هذه الفترة كانت منطقة البجا ضمن مناطق السودان الأخرى مصدراً من مصادر النهب الاستعماري وفي إطار سياسة الاستعمار التركي لاستنزاف قدرات البلاد البشرية والاقتصادية لصالح دولة محمد علي باشا في مصر ، وتصدير الفائض الاقتصادي للخارج .
وعلي سبيل المثال تم إدخال زراعة القطن في دلتا القاش وبركه والتي تطورت منذ الحكم التركي حيث تم زراعة القطن كمحصول نقدي . وقامت محالج القطن في طوكر وسواكن وظلت المنفذ للعالم الخارجي ، ومصدراً من مصادر تراكم رأس المال التجاري في ذلك العهد .
كما تم إدخال طلمبات الري وبناء الخزانات (مثل خزان سواكن) وعمل سدود لحجز الماء واستخدامها في الري كما حدث في سواكن ، وتم إدخال زراعة البن في هرر وزراعة التبغ (الدخان) في كسلا وسهيب (شوقي الجمل : تاريخ سودان وادي النيل – الجزء الثاني – القاهرة 1969م ، ص 127- 128).
كما عانت هذه المنطقة في ذلك العهد من القهر والظلم والتخلف والأمراض والضرائب الباهظة علي الزراعة والقطعان.
وكانت هناك انتفاضات ومقاومة للحكم التركي في شرق السودان وعلي سبيل المثال :
- ثورة أهالي التاكا (الشرق) عام 1844م .
- تمرد زعماء الشكرية علي أراكيل بك الحاكم العام .
- ثورة الجهادية السود في كسلا سنة 1865م والتي أوشكت أن تقضي علي الحكم في مديرية التاكا ، وبالتالي علي النفوذ الحكومي في شرق السودان . وكانت المقاومة في الشرق من التراكمات التي أدت إلي الثورة المهدية .

فترة المهدية (1885م – 1898م):-
عندما اندلعت الثورة المهدية توحدت أغلب قبائل الشرق ضد الاستعمار التركي بقيادة عثمان دقنة .
وفي الوقت نفسه قاومت قبائل الشرق عسف وظلم الخليفة عبد الله في سنواته الأخيرة ونذكر علي سبيل المثال :
- ثورة قبيلة الهدندوة والتي نشبت بسبب سجن عثمان دقنة لشيخ الهدندوة نتيجة لنزاعه مع محمد علي دقنة (أحد أقٌرباء عثمان دقنة) حاكم كسلا ، مما أدي إلي سخط قبيلة الهدندوة فقام رجالها باقتحام السجن وأخرجوا شيخهم منه (عزام أبو بكر : ص 124 - 125) .
- ثورة قبيلة الأمرأر والتي نشبت بعد أن دب الخلاف بين الشيخ أحمد زعيم الأمرأر والأمير عثمان دقنة ، وذلك عندما تضرر القبيلة من الإجراءات الصارمة التي اتخذها عثمان دقنة لتصريف شئون الأقاليم (المنطقة المحيطة بسواكن التي يقيم فيها الأمرأر)،( عزام:ص 125).
وظلت الصراعات مستمرة في فترة المهدية والتي أسهمت في عدم استقرار الإقليم وتهميشه حتى جاء الاحتلال الإنجليزي للسودان .
فترة الاستعمار الإنجليزي (1898م – 1956م) :-
أسهم الاستعمار البريطاني في تهميش منطقة البجا في الشرق ولم تقم مشاريع للتنمية عدا مشروعي القاش وطوكر لزراعة القطن .
وفي مشروع القاش تجاهلت الإدارة البريطانية التي أنشأت المشروع عام 1924م ، مصالح السكان المحليين (قبائل الهدندوة التي كانت في السابق تستغل دلتا القاش لري الزراعات الصغيرة)، ومن هنا برز الصراع حول حقوق استغلال أراضي المنطقة خاصةً عندما اتجهت شركة كسلا للقطن إلي توزيع الحواشات لأبناء غرب أفريقيا في بعض الأحيان علي حساب أهالي المنطقة التي كانت تعتبرهم كسالي وغير مستعدين لممارسة الزراعة ، كما كانت الحكومة الاستعمارية منحازة لمصالح مشايخ العشائر والقبائل الذين كانوا يتولون توزيع الأراضي بمعرفتهم وبالتالي ، فقد خصوا معارفهم وأقربائهم دون مراعاة مصالح فقراء المزارعين .
وكان العائد في الشراكة بين الإدارة والحكومة والمزارعين يوزع بنسبة 30 % ، 20 % ، 50 % علي التوالي (د. زكي البحيري : ص 146) .
كما عرفت دلتا القاش العمال الزراعيين من مهاجرى غرب أفريقيا وقلة من شمال السودان وحازوا علي الحواشات وينتمي أغلب هؤلاء المهاجرين من غرب أفريقيا إلي : البرنو والبرقد والفلاتا والهوسا .
كما شهد مشروع القاش علاقات الإنتاج الرأسمالية التي تتمثل في عملية تسويق المحصول أو في صورة العمل المأجور حيث أن المزارعين كانوا يستخدمون العمال الزراعيين بأجور نقدية .
كما كان هدف المشروع إنتاج القطن اللازم لبريطانيا بسعر رخيص وعمالة رخيصة وبنوعية ممتازة .
أما في مشروع طوكر ، فكانت الأراضي ملكاً للحكومة وكان لمشايخ القبائل نصيب الأسد في توزيع الحواشات بعد تسجيل أسماء المزارعين .
وكان يستدين منهم المزارعون والذين كان أغلبهم من الهنود ومن حضرموت، نسبةً لأن الحكومة والبنوك لم يكونا راغبين في تقديم القروض للمزارعين.
وكان المزارعون والعمال الزراعيين واقعين تحت استغلال فظيع من التجار المحليين والشركات البريطانية.
كما أنشأت الإدارة البريطانية ميناء بورتسودان سنة 1909م وأغلق ميناء سواكن تماماً ومنع استقبال السفن عام 1922م ، وكان إنشاء ميناء بورتسودان يعبر عن أهداف الإدارة البريطانية لتصدير القطن وبقية الصادرات واستقبال وارداتها طبقاً لعلاقة التبادل غير المتكافئة وتم استخدام أبناء البجا كعمالة رخيصة في الشحن والتفريغ وكان أبناء البجه يسكنون في هامش المدينة في ديوم ذات مباني خشبية .
كما كانت منطقة الزراعة الآلية في القضارف مصدراً من مصادر التراكم للرأسمالية السودانية .
كما قاومت بعض قبائل البجا في الشرق الاستعمار الإنجليزي ومن الأمثلة : مقاومة قبيلة الحباب بقيادة زعيمها كنتباي حامد ، وكان سبب تلك المقاومة أن ضمت بعض قبائلهم إلي البني عامر ، وكانت سياسة المستعمر البريطاني مع كل قبيلة يشعر أنها لها موقفها المحدد ، يعمل علي إضعافها بكل الوسائل (محمد أدروب أوهاج : ص 17) .
وكان من أسباب تخلف وتهميش إقليم البجا أن الإنجليز وضعوه ضمن المناطق المقفولة ، كما حارب المستعمر التعليم في المنطقة وكانت سياسته في التعليم لأبناء البجة ألا يتجاوز المرحلة الأولية ، كما عملوا علي عزل أبناء البجا عن أبناء الأقاليم الأخرى في المدارس وظلت منطقة البجا في الشرق مهمشة ومكبلة بثالوث الجهل والفقر والمرض .
وفي عام 1938م ومع تأسيس مؤتمر الخريجين برزت فكرة مؤتمر البجا لمواجهة قضايا التخلف والفقر والجهل والمرض في الإقليم .

بعد الاستقلال :-
لم يحدث تقدم وتنمية في إقليم البجا ، كما فشلت تجارب الحكم المحلي والإقليمي التي طبقتها الحكومات الوطنية في عهد مايو وغيره ، وظل إنسان الشرق علي ما عليه من تخلف ومرض وجهل .
وظل أبناء البجا يطالبون برفع الظلم والاضطهاد وكابوس التخلف ، حتى نجحوا في تأسيس مؤتمر البجا والذي عقد في بورتسودان في أكتوبر 1958م بهدف تنمية الإقليم وإقامة المشاريع التي تطور المنطقة ، ونشر التعليم وتوسيع الخدمات الصحية وإتاحة الفرصة لأبناء البجا في الوظائف العليا للدولة ، والحكم الفيدرالي أو الذاتي ، وتجاوز الصراع القبلي أو العنصري بين قبائل البجا .
كما حلت القبائل روابطها علي أساس أن تكون هناك رابطة واحدة تجمع كل قبائل البجا ، ورغم أن بالشرق ثروات معدنية (الذهب ، ......) ، وإمكانيات سياحية وثروات سمكية وبه موانئ السودان ومصفي البترول والخطوط الملاحية السودانية ويمر به الخط الناقل للبترول وموانئ التفريغ ومشاريع زراعية في طوكر والقاش وكميات مقدرة من الغاز الطبيعي . ومع ذلك يعاني إنسان الشرق من الحرمان والفقر والجوع والمرض .
وتدهور الوضع في العهد المايوى حيث شهد الشرق أسوأ كارثة للمجاعة بعد موجة الجفاف التي ضربت البلاد في السنوات (82 – 1984م) ، وتجاهل الإعلام للكارثة حتى فقدت قبائل الشرق ثرواتها الحيوانية وخيرة شبابها ، كما تفاقمت أمراض سوء التغذية (الدرن) ، وانهارت مشاريع القاش وطوكر وتدهورت السكة الحديد وبالتالي تدهورت الميناء وانهارت خدمات المياه والكهرباء في المدن الأساسية مثل : بورتسودان وغيرها كما تدهور الوضع الصحي وتفاقم التهميش ، وتعمقت الصراعات القبلية وخاصةً بين الهدندوة والبني عامر .
وبعد انقلاب 30 يونيو 1989م ، تراكمت وتفاقمت المظالم في المنطقة ورغم استخراج الذهب والبترول ، إلا أن منطقة الشرق لم تنال حظها في التنمية والاقتسام العادل للسلطة والثروة ، كما تدهورت خدمات التعليم والصحة ، وخدمات المياه والكهرباء وما أحداث فيضان القاش الأخير وما أدي إليه من كوارث في كسلا الامثال واضح للعجز في الخدمات والصيانة الدورية .
ومنذ عام 1994م حمل البجا السلاح دفاعاً عن مطالبهم التي تتلخص في انعدام التنمية أو التهميش في إطاره الواسع .

اتفاقية السلام والشرق:-
كما أشرنا سابقاً إلي أن ضمان استدامة السلام هو أن يشمل كل المناطق المهمشة في دارفور والشرق والشمال والحل السلمي الديمقراطي لقضايا المناطق المهمشة والتنمية المتوازنة وإعطاء الاعتبار للمناطق الأكثر تخلفاً وتخصيص نسبة من مواردها للتنمية ، وربط السلام بالتحول الديمقراطي الذي يعتبر شرطاً لأغني عنه للتنمية والوحدة علي أسس طوعية وديمقراطية .
وحتى نسهم في نزع فتيل الأزمة يجب أن يشمل نموذج المناطق الثلاث في نيفاشا الشرق ودارفور والشمالية ، وإن التنمية في الشرق تعني توفير احتياجات إنسان الشرق الأساسية في التعليم والصحة والسكن اللائق بالبشر .
وتخصيص نسبة من عائد الذهب والبترول لتنمية إقليم البجا ، وإقامة السدود للإستفادة من مياه الوديان وتنمية الصناعات اليدوية المتطورة بين الرجال والنساء ، ومحو الأمية وتوفير الاستقرار للرعاة وبالشكل الذي يشكل نقطة ارتكاز لمواجهة مواسم الجفاف ، ولا يكون عائقاً للرعي وتربية الحيوانات .
- كما يعني السلام توفير الخدمات البيطرية في المنطقة ، وحماية البيئة من الأضرار الناتجة من صناعة التعدين واستخراج الذهب ، وتطوير إمكانيات الشرق السياحية في مناطق أركويت وسواكن وغيرها .
- كما أن التنمية في الشرق لابد أن تستصحب تنمية وتطوير الثروات السمكية في المنطقة علي ساحل البحر الأحمر ، والاستفادة من ثروات أعماق البحر الأحمر .
- وفي الجانب الثقافي لابد من الاعتراف بثقافة البجا باعتبارها أحد مكونات الثقافة السودانية ، والتوسل بلغة البجا في التعليم ، وتطوير الفن والإبداع البجاوى والاعتراف بهوية البجا وثقافتهم باعتبار ذلك هو الشرط الأساسي لبناء سودان موحد ديمقراطي يراعي التعدد الأثني والثقافي والديني كما جاء في اتفاقيات السلام .
- كما يعني السلام الحكم الذاتي للبجا وأن تعبر السلطة في المنطقة عن مطالب واحتياجات الناس الأساسية وإزالة الجذور التاريخية للتهميش ، والاقتسام العادل للسلطة والثروة .

النوبة في الشمال

جاء في صحيفة الأيام العدد (7805) بتاريخ 24/10/2003م ما يلي :-
((طالبت الهيئة الشعبية لتنمية وتطوير أرض النوبة ، وهي هيئة تضم أبناء محافظتي حلفا ودنقلا وتمتد من مدينة الفوار جنوباً وحتى فرص مع الحدود مع مصر ، في مذكرتها إلي سكرتارية ((إيقاد)) والنائب الأول للرئيس السوداني علي عثمان محمد طه ، ورئيس الحركة الشعبية جون قرنق بتضمين منطقتهم ضمن المناطق المهمشة ، باعتبارها أكثر المناطق السودانية تضرراً بما أسمته ((حرب الجوع والجهل والمرض)) بشهادة غير أبنائها من المناطق السودانية الأخرى ، وقالت الهيئة أن صمت أبناء النوبة علي المظالم التي لحقت بهم عبر التاريخ يجب ألا يكون مدخلاً للمزيد من الظلم ، مشيرةً إلي الحديث عن تقسيم السلطة والثروة وإعادة تأهيل وتنمية أجزاء السودان المهمشة يتطلب تضمين منطقة ((أرض النوبة)) إلي أقصي الشمال) .كما أشارت المنظمات النوبية الأخرى إلى التهميش والظلم الذي لحق بالمنطقة مثل : التجمع النوبي ومجموعة النداء النوبي .
ورغم أن منطقة النوبة في الشمال عريقة التاريخ واللغة والثقافة وكانت المنفذ للسودان من الشمال ، إلا أنها تعرضت لكوارث أدت إلي إغراق تلك المنطقة أربع مرات : في 1902 ، 1913 ، 1932 ، 1963 ، كما تأثرت المنطقة بقرار إغلاق الملاحة في سبتمبر 1994م ، وكما أن المنطقة مهددة بإغراق خامس بقرار مشروع خزان كجبار ، والذي سيؤدي إلي اندثار الموروث الاجتماعي والثقافي والتاريخي .
كما عانت المنطقة من الزحف الصحراوي وتدهور الإنتاج الزراعي بسبب سياسات التمويل الباهظة التكاليف والرسوم ونقص الجازولين وغلاء البذور والسماد.
كما تدهورت أوضاع النوبة وغيرهم في مشروع خشم القربة وكان لذلك انعكاسه السالب علي أحوال المزارعين الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ، وكتبت دراسات كثيرة في الصحف عن أسباب تدهور المشروع ، وقدمت مقترحات لإصلاح الوضع فيه ، ولكن لم يتم شيئاً .
وقد أشار أبناء النوبة في مذكراتهم ومطالبهم إلي تهميش المنطقة وتدهور الخدمات الصحية والتعليم حتى أصبحت المنطقة نهباً للأوبئة خاصةً الملاريا والبلهارسيا التي كانت المنطقة خالية منها .
كما انهار التعليم وتصدعت المدارس إضافةً للنقص في المعلمين المؤهلين وشح الكتب والأدوات والأثاثات ... الخ.
كما ازدادت الهجرة إلي خارج البلاد بشكل غير مسبوق وصف السيد/ إبراهيم أنور داؤود في صحيفة الأيام العدد (7875) بتاريخ 24/أبريل/2004م الحالة في الشمالية علي النحو التالي :-
- (لقد أصبحت قري الشمالية فارغة من أهلها ، حيث هجرها الناس ، وارتحلوا إلي حيث التعليم والعلاج والعمل ، وكل الخدمات الأخرى التي يفتقدها الناس في أطراف السودان ، لقد أحدثت الهجرة أثاراً مدمرة حيث تغيرت التركيبة السكانية بنسبة 30% من النازحين من الحرب أو جراء الجفاف في غرب السودان وهذه النسبة مرشحة للزيادة في الأعوام القادمة ، طالما وجد فراغ في قري الشمال ، تجدر الإشارة إلي طرفه من أحد وزراء الجنوب عند زيارته للشمال حيث قال ليه ما دخلتوا الغابة ؟ كناية علي عدم مقومات الحياة في الشمال ، وأن الشمالية مهمشة أكثر من أي منطقة أخري في السودان) . كما تعاني منطقة النوبة من التهميش الثقافي واللغوي وعدم الاعتراف بثقافاتهم ولغاتهم .
اتفاقات نيفاشا والشمالية :-

كما أشرنا سابقاً إلى ضرورة أن تشمل اتفاقية السلام كل المناطق المهمشة بما فيها النوبة في الشمال عموماً والتي تدهورت الأوضاع فيها وانهارت خدمات التعليم والصحة والكهرباء والمياه ، وتأثرت بالزحف الصحراوي ، وتوقفت المشاريع الزراعية علي ضفاف النيل .
وهناك إمكانيات واسعة لتنمية منطقة النوبة والشمالية عموماً ونأخذ علي سبيل المثال :-
- توفير خدمات التعليم والصحة، وإعادة تأهيل وصيانة المدارس وتوفير وتأهيل المعلمين، وتأهيل المرافق الصحية وتوفير وتأهيل الكوادر الصحية وتوفير الدواء ونشر الوعي الصحي.
- تطوير السياحة وتنشيطها فالمنطقة الشمالية بها مواقع آثرية وتاريخية هامة ويمكن إذا ما تم تطوير قطاع السياحة وتشجيع الاستثمار في هذا المجال ، أن نحرز تقدماً كبيراً .
- إعادة تأهيل المشاريع الزراعية التي انهارت علي ضفاف النيل ، وإعادة تأهيل الجنائن ومراكز الأبحاث (مثل مركز أبحاث الحديبة) .
- تنمية قطاع الثروة السمكية في منطقة وادي حلفا حتى تكون مصدراً دائماً لتنمية هذه المنطقة وتوفير عمل ودخل لأبناء المنطقة.
- الاعتراف بالثقافة النوبية تلك الثقافة ذات التاريخ العريق والتوسل باللغة النوبية في التدريس في تلك المنطقة ، تمشياً مع اتفاق السلام الداعي بالاعتراف بالتعدد الثقافي والأثني والديني واللغوي .
- توفير الخدمات البيطرية وتشجيع تربية الضأن والدواجن.
- إعادة تأهيل مصنع كريمة لتعليب الفاكهة ، وتطوير الصناعات الغذائية ، و تطوير صناعة التمور .
- إعادة تأهيل السكة حديد ، وإعادة المشردين ، حتى يتم فك اختناقات النقل وإعادة دور مدينة عطبرة كمركز إشعاع ووعي في منطقة الشمالية .
- تطوير الصناعات الحرفية التي تزخر بها المنطقة ، وتطوير صناعة الأسمنت في المنطقة ، إضافةً لتطوير صناعة النسيج وخاصةً في منطقة شندي .
وهذا هو المدخل للحل في منطقة الشمالية والذي يضمن التنمية والوحدة من خلال التنوع وتوفير احتياجات الإنسان الأساسية في الشمالية ، إضافةً إلي تطوير الحكم اللامركزى ، وإعطاء الحكم الذاتي للمنطقة ، أما كيان الشمال الداعي للإنفصال ، فإنه يعقد المسألة بدلاً من حلها .
فقضية الشمالية هي قضية تنمية والتي يجب أن ترتبط بالتحول الديمقراطي والاعتراف بالتنوع الثقافي واللغوي والديني، وتنمية الحياة الثقافية والغنية التي تزخر بها المنطقة.

خاتمة
اتساع مفهوم التهميش

وفي ختام هذه الحلقات عن الجذور التاريخية للتهميش ، نلاحظ إتساع مفهوم التهميش الذي أصبح يشمل كل المناطق الطرفية بالبلاد والتي تحيط بالمركز إحاطة السوار بالمعصم ، إن التهميش هو نتاج تطور تاريخي ترجع جذوره إلي حضارات سودان وادي النيل القديمة والممالك النوبية المسيحية وسلطنة سنار ، كما تم تعميق هذه التهميش في فترة الحكم التركي وفترة الاستعمار البريطاني والذي خلق تنمية غير متوازنة وعزل المناطق المهمشة بإدخالها في قانون المناطق المقفولة وبعد الاستقلال لم تحل قضايا التهميش ، كما نلاحظ وحدة قبائل السودان رغم تنوعها في مقاومة القهر والظلم ضد الأنظمة الاستعمارية والأنظمة الديكتاتورية بعد الاستقلال .
أن الانفجار النوعي الحالي في أطراف البلاد هو نتاج تراكم كمي من المظالم والقهر وإهمال تنمية تلك المناطق والإحساس بضرورة الحكم الذاتي وإحداث التنمية في ظروف تحول ديمقراطي تشارك فيه جماهير تلك المناطق، واقتسام السلطة والثروة.
علي أن مفهوم التهميش اتسع بعد سياسة الإنقاذ التي شردت الآلاف من أعمالهم وانهارت المشاريع الصناعية والزراعية التي أدت إلي الهجرة داخل وخارج البلاد . وتركزت السلطة والثروة في يد قلة، وتعمق الفقر في البلاد حتى أصبح يشمل 94% من سكان البلاد.
كما أن سياسة الإنقاذ الأحادية عمقت التهميش الثقافي واللغوي والديني والأثني ، مما أدي إلى انفجار الحركات المسلحة في الجنوب ودارفور والشرق ، حتى تم توقيع اتفاق السلام في نيفاشا في : 26/5/2004م، والذي أكد علي ضرورة الاعتراف بالتنوع الثقافي والديني واللغوي والثقافي الأثني .
كما أصبح مفهوم التهميش يشمل الاضطهاد الطبقي والقومي والأثني والديني واضطهاد المرأة كجنس ... الخ.
وأن الصراع ضد التهميش يعني القضاء علي كل أشكال الاستغلال والاضطهاد والاستبداد والتمييز الجنسي والأثني والديني وإقامة ديمقراطية حقيقية بإبعادها الشاملة : الاقتصادية والسياسية والثقافية واحترام الإنسان بوصفه أكرم الكائنات .

أهم المصادر والمراجع


أولاً الوثائق:-
1. محمد إبراهيم أبو سليم (وثائق تمليك): الفور والأرض، 1975م.
2. وثائق مؤتمر الصلح القبلي بين الفور وبعض القبائل العربية في الفترة: 15/4/1989م – 8/7/1989م .
3. بيان الحركة الشعبية لتحرير السودان (المانفستو): بتاريخ 3/7/1983م .
4. محمد سليمان (وثائق من التاريخ المعاصر): اليسار السوداني في عشرة أعوام 1970م.
5. عبد الخالق محجوب: حول البرنامج، دار عزة، 2002م.
6. الحزب الشيوعي والقطاع التقليدي، 1977م.
7. الحزب الشيوعي وقضية الجنوب ، 1977م .
8. دستور الحزب الشيوعي المجاز في المؤتمر الرابع ، 1967م .
9. بيان 9 يونيو 1969م حول الحكم الذاتي في الجنوب .
10. بيان الحزب الشيوعي حول تقرير المصير 1994م .
11. وثيقة الحزب الشيوعي للمؤتمر الدستوري 1988م .
12. عبد الله علي إبراهيم: الماركسية ومسألة اللغة في السودان ، دار عزة ، 2001م .
13. محمد إبراهيم نقد (وثائق) : علاقات الرق في المجتمع السوداني ، دار الثقافة الجديدة ، القاهرة ، 1995م .
14. اتفاقات السلام – بنيفاشا ، 26/5/2004م .

ثانياً : الكتب والمجلات :-
1. أحمد عبد الرحيم نصر : الإدارة البريطانية والتبشير الإسلامي في السودان ، 1979م .
2. تاج السر عثمان الحاج : ملامح من تاريخ سلطنة دارفور الاجتماعي ، دار عزة ، 2001م .
3. تاج السر عثمان الحاج : تاريخ النوبة الاقتصادي – الاجتماعي ، دار عزة ، 2003م .
4. تاج السر عثمان الحاج : لمحات من تاريخ سلطنة الفونج الاجتماعي ، مركز محمد عمر بشير ، 2004م .
5. زكي البحيري : التطور الاقتصادي والاجتماعي في السودان ،1987
6. كريستيان باولو : الاقتصاد الرأسمالي العالمي ، ترجمة عادل المهدي ، دار ابن خلدون ، 1978م .
7. محمد عمر بشير : تاريخ الحركة الوطنية في السودان ، ترجمة هنري رياض ، وآخرون ، (ط2) ، 1987م .
8. محمد عمر بشير : مشكلة جنوب السودان ،ترجمة هنري رياض ، وآخرون ، (دار الجيل ، ودار المأمون 1983م) .
9. محمد أدروب أوهاج : من تاريخ البجا ، الكتاب الأول ، 1989م .
10. محمد صالح ضرار : تاريخ سواكن والبحر الأحمر ،1981م .
11. محمد سليمان محمد: السودان حروب الموارد والهوية، لندن، 2000م.
12. محمد هارون كافي : الكجور ، مكتبة الشريف الأكاديمية .
13. محمد هارون كافي : مقاومة جبال النوبة للاحتلال البريطاني ، مجلة الخرطوم ، يونيو 1980م .
14. محمد مجذوب العالم : بعض سمات التغيير الثقافي والاجتماعي في منطقة جبال الأنقسنا ، مجلة وازا ، مارس ، 1980م .
15. مصطفي محمد مسعد : المكتبة السودانية العربية ، القاهرة ، 1972م .
16. عطا البطحاني : جبال النوبة : الأثنية السياسية والحركة الفلاحية (1924م – 1969م) ، مركز الدراسات السودانية ، القاهرة 2000م .
17. عبد الغفار محمد أحمد : الانثروبولوجيا الاقتصادية وقضايا التنمية في السودان ، الخرطوم ، 1975م .
18. عزام أبو بكر علي الطيب : العلاقة بين الخليفة عبد الله التعايشي وقبائل السودان ، الخرطوم ، 1992م .
19. نعوم شقير : (تحقيق د. محمد إبراهيم أبو سليم) : تاريخ السودان ، 1981م .
20. شوقي الجمل : تاريخ سودان وادي النيل ،الجزء الثاني ، القاهرة ، 1969م .
ثالثاً : الإنجليزية :-
1. O. Fahey, R.S : The State and Society in Darfour (Hurst – London 1980).
2. Spaulding, J, : The Heroic Age in Sinnar (Michigan State University U.S.A, 1985).
3. P.M Holt and M.W. Daly : The History of the Sudan London 1979.
4. William Y. Adams : Nubia Corridor to Africa (London 1977).


تاج السر عثمان الحاج

1. تخرج في جامعة الخرطوم 1978م .
2. باحث ومهتم بتاريخ السودان الاجتماعي .
- صــــــــدر له :-
1. تاريخ سلطنة دار فور الاجتماعي.
2. تاريخ النوبة الاجتماعي.
3. لمحات من تاريخ سلطنة الفونج الاجتماعي .
4 – النفط والصراع السياسي في السودان بالاشتراك مع عادل احمد إبراهيم.
تحت الطبع:-
1. الدولة السودانية: النشأة والخصائص.
2. نشأة وتطور الرأسمالية السودانية .
3. التاريخ الاجتماعي للتركية في السودان.
4. خصوصية تطور المرأة السودانية.
- وله عدة دراسات ومقالات منشورة في الصحف السودانية ، ومشارك في عدة ورش عمل وسمنارات .
- متزوج وأب لطفل.




#تاج_السر_عثمان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الذكرى 53 لاستقلال السودان
- كتاب خصوصية نشأة وتطور الطبقة العاملة السودانية
- 25 ديسمبر خطوة متقدمة نحو الانتصار
- انتفاضة 19 ديسمبر تدخل مرحلة متقدمة
- الوحدة واليقظة ضمان انتصار الشعب
- 19 ديسمبر ذكرى الاستقلال من داخل البرلمان
- فرنسا تنهض ضد برنامج - الصدمة -.
- لا بديل غير الحل الشامل
- الوضوح النظري والسياسي لما حدث في 19 يوليو 1971
- الذكرى السابعة لرحيل المناضل التجاني الطيب
- الذكرى 53 لمؤامرة حل الحزب الشيوعي وتداعياتها
- تعقيب علي مقالات صديق الزيلعي
- الذكرى الستون لانقلاب 17 نوفمبر1958
- عبد الخالق وخليل فرح وكنه الاستعمار
- النظرية والممارسة وترجمة الكتب الماركسية
- الحزب الشيوعي السوداني: نشأته المستقلة وهوّيته السودانية - 3 ...
- الذكري 54 لثورة أكتوبر 1964
- المرأة في المهدية - 1885 - 1898
- الحزب الشيوعي السوداني : نشأته المستقلة وهوّيته السودانية - ...
- الحزب الشيوعي السوداني : نشأته المستقلة وهوّيته السودانية


المزيد.....




- أضرار البنية التحتية وأزمة الغذاء.. أرقام صادمة من غزة
- بلينكن يكشف نسبة صادمة حول معاناة سكان غزة من انعدام الأمن ا ...
- الخارجية الفلسطينية: إسرائيل بدأت تدمير رفح ولم تنتظر إذنا م ...
- تقرير: الجيش الإسرائيلي يشكل فريقا خاصا لتحديد مواقع الأنفاق ...
- باشينيان يحذر من حرب قد تبدأ في غضون أسبوع
- ماسك يسخر من بوينغ!
- تعليقات من مصر على فوز بوتين
- 5 أشخاص و5 مفاتيح .. أين اختفى كنز أفغانستان الأسطوري؟
- أمام حشد في أوروبا.. سيدة أوكرانية تفسر لماذا كان بوتين على ...
- صناع مسلسل مصري يعتذرون بعد اتهامهم بالسخرية من آلام الفلسطي ...


المزيد.....

- ايزيدية شنكال-سنجار / ممتاز حسين سليمان خلو
- في المسألة القومية: قراءة جديدة ورؤى نقدية / عبد الحسين شعبان
- موقف حزب العمال الشيوعى المصرى من قضية القومية العربية / سعيد العليمى
- كراس كوارث ومآسي أتباع الديانات والمذاهب الأخرى في العراق / كاظم حبيب
- التطبيع يسري في دمك / د. عادل سمارة
- كتاب كيف نفذ النظام الإسلاموي فصل جنوب السودان؟ / تاج السر عثمان
- كتاب الجذور التاريخية للتهميش في السودان / تاج السر عثمان
- تأثيل في تنمية الماركسية-اللينينية لمسائل القومية والوطنية و ... / المنصور جعفر
- محن وكوارث المكونات الدينية والمذهبية في ظل النظم الاستبدادي ... / كاظم حبيب
- هـل انتهى حق الشعوب في تقرير مصيرها بمجرد خروج الاستعمار ؟ / محمد الحنفي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير - تاج السر عثمان - كتاب الجذور التاريخية للتهميش في السودان