أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - فاطمة ناعوت - في فِقه الدهشة… وقتلها!














المزيد.....

في فِقه الدهشة… وقتلها!


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 6121 - 2019 / 1 / 21 - 18:41
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


فاطمة ناعوت
Facebook: @NaootOfficial
Twitter: @FatimaNaoot

وعدتُكم "الخميسَ" الماضي في عمودي هنا؛ بأن أحكي لكم حكايتي مع "الدهشة". الحكايةُ بدأتْ بحيلةٍ طفولية علّمني إياها أبي، تتلخّصُ في: "الاحتفاظ بالدهشة"، و"قتل التعوّد”. بشيء من الخيال، اخلقْ مسافةً بينك وبين الأشياء، حتى تراها بكرًا، وكأنك تراها للمرّة الأولى. أدركتُ الفلسفةَ المحترمة التي قصدها أبي؛ فآمنتُ بها وجعلتها مبدأً راسخًا في حياتي أطبّقه وأتمرَّنُ عليه كلَّ يومٍ لئلا أفقده وسط زحام الحياة. المبدأ: كبحُ الاعتياد. عدم الاعتياد على القبيح، وعدم الاعتياد على الجميل. فحين أرى سلوكًا قبيحًا يكرره معظمُ الناس، حتى صار يوميًّا وطبيعيًّا، لا أسمحُ لنفسي بأن أراه مثلهم: “طبيعيًّا" و”يوميًّا”. بل أظلُّ أندهشُ من حدوثه كأنني أراه للمرة الأولى، فأقاومه. وحين أرى شيئًا جميلا، اعتاده الناسُ، حتى أصبحوا لا يلمحون فيه أيَّ جمال، أمنع نفسي من الاعتياد عليه، لكي أظلَّ أراه "مدهشًا" كلما لمحتُه. إن شاهدتُ شخصًا يرمي ورقةً في الطريق، أوقفه وأعنّفُه كأنه الإنسانُ الأول في التاريخ الذي يرتكب تلك "الخطيئة". وإن صادفتُ زهرةً، أتحسَّسُ ورقاتها باندهاش، كأنها المرةُ الأولى التي أرى فيها تلك المعجزة الكونية الهائلة: “الزهرة"؛ فأقبض على متعة الدهشة الأولى. لو لم تندهش من القبح، لن تقاومه، وقد ترتكبُه مع الأيام. ولو لم تندهش من الجمال، ستفقدُ بهجة مشاهدته مع الوقت، فيصيرُ عاديًّا. أتعمّدُ أن أخلقَ مساحةً تفصلني عن الأشياء حتى أراها بوضوح، بدون حجاب "العادة". فيظلُّ الجميلُ مدهشًا، ويظلُّ القبيحُ بغيضًا. فأبتهج بالأول، وأقاوم الثاني.
سمعتُ أغاني فيروزَ آلاف المرّات. ولكنني كلما سمعتُها تقول: "حبيبي بِدّو القمر والقمر بعيد"، أندهشُ من عبقرية كلمات ترسمُ (صَبيّةً تصعدُ فوق سطح البيت، وتسهر عشرَ ليال؛ حتى تسرقَ القمرَ لحبيبها. وتخافُ أن تنعسَ فينزلُ القمرُ وهي غافيةٌ، وتسرقه جارتُها، وعطيه لحبيبها؛ فيُحبُّها، وينسى حبيبتَه الأولى التي ثابرت لتهديه القمر!) أيُّ أسطورية في الكلمات، والصور، والموسيقى والغناء؟! أيُّ طفولةٍ مدهشة كتبت ذلك الإعجاز! لو سمعتُ تلك الأغنية للمرة المليون، سيظلُّ اندهاشي من عذوبتها، بنفس قدر الاندهاشة الأولى.
يقول الإنجليزُ: "الأرستقراطيُّ هو الشخصُ الذي لا يُبدي دهشتَه لما يرى. فالدهشةُ بدائيةٌ وفقرٌ في الثقافة والتحضّر." وأنا، وفق ذلك التعريف الكلاسيكي المحافظ، أبعدُ الناس عن الارستقراطية والثقافة. فأنا أُدهشُ لأمور قد لا تُدهشُ الطفلَ من فرط تكرارها. أندهشُ كلما شاهدتُ شخصًا يمسكُ قلمًا ليخطَّ شيئًا على ورقة، أو طبشورًا يكتب به على سبّورة! ذلك الشخصُ الآن يُحوِّل شيئًا غامضًا في رأسه، اسمه "فكرة"، إلى رموزٍ وأشكال اسمها: "حروف"، ثم يرسم تلك الأشكال بأداة صغيرة في يده اسمُها: "قلم"، ويسكبها في وعاء اسمه: "ورقة”. فيأتي شخصٌ آخرُ من مكان بعيد، يعثر على تلك "الورقة"، وينظر في تلك "الحروف"، فيشاهدُ ما في دماغ الشخص الأول! معجزةٌ حقيقية، عابرةٌ للزمان والمكان. فأنت حين تفتح كتابًا وتقرأ مسرحية لشكسبير، فكأنما تتلصَّصُ على عقل رجل مات منذ خمسة قرون! هي المعجزةُ ذاتُها التي ستجعلكم ترون ما في عقلي الآن، يوم نشر هذا المقال "الاثنين" القادم! والمشكلةُ عندي، أو قُل: "النعمةُ"، هي أنني لا أفقد الدهشةَ مهما تكرر الأمرُ أمامي آلاف المرات، بسبب تعطُّل التراكم المعرفي لديّ. وذلك التعطيلُ عمديٌّ متعمَّدٌ ومقصود. إنها محاولة التشبُّثُ بـ"الدهشة"، التي أعتبرُها خيطَ الفرح الذي يربطنا بالحياة. اِحسبوا معي كم سأفقدُ من بهجة لو توقفتُ عن الدهشة كلما شاهدتُ قلمًا يكتب؟! وقيسوا على هذا آلافَ الأشياء. فإذا جلستَ أمام مروحة، بوسعك أن تتخيل نفسك أحدَ ملوك فرنسا في عصر الباروك، أو خليفةً عباسيًّا تحيط بك الجواري الحِسان والخدم "يُمَروِحون" عليك بريش النعام، دون أن يُفقدوك خصوصيتَك باختلاسهم النظر إلى طعامك وشرابك ونومك وصحوك، ودون أن يُفسدوا هواء الغرفة بالتنفس معك! تخيّلْ هذا، واندهشْ، وافرحْ.
ومثلما تُدهشني معجزاتٌ صغيرة مبهجةٌ مثل القلم والممحاة والمقصّ والمشط والمرآة وفيروز، تُدهشني معجزاتٌ كونيةٌ كبرى مثل الطمي الأسود ينشقُّ عن زهرة ملونة، أو دودة تتكوَّر على نفسها داخل سجن الحرير، ثم تخرجُ فراشةً ملونّةً تطير. ومثلما تُبهجني تلك المُفرحات، توجعني مُدهشاتٌ أخرى وتملأ قلبي باليأس. مثل معجزة الإنسان الذي عمّر الأرضَ ملايين السنين، ولم ينجح بعد في الكفِّ عن القتل والكذب والظلم! كأن الزمانَ لا يمرُّ، وكأننا لم نتعلم بعد حقيقةَ أن الجمال وحده سيصلحُ هذا العالم! كم مليون سنة يحتاج الإنسانُ فوق كوكبٍ، ليغدو جميلاً وفاضلاً؟! وكالعادة:“الدينُ لله، والوطنُ لمن يحبُّ الوطن.”
***



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حملة 100 مليون صحة … شكرًا لدهشتي
- في الإمارات … مسجدُ مريمَ أمَّ عيسى عليهما السلام
- المصحفُ في بيتي …. جوارَ البتول
- الرئيسُ يصفعُ الطائفيةَ ... بكاتدرائية ومسجد
- الرئيسُ يضمُّ المحرابَ والمذبح
- سعد والاسكندراني …. ومسيو موريس
- سيناءُ البهيةُ ... التي عادت عروسًا
- كيف كسر الرئيسُ الحائطَ الرابع؟
- الرئيسُ يكسرُ الحائطَ الرابع
- مَن الذي يغازلُ إسرائيل؟
- هدايا الكريسماس … من الرئيس لأطفال مصر
- في المعبد اليهودي … بالقاهرة
- على هامش الفستان… طاقيّةُ التقيّة
- كلامٌ هادئ في شأن تونس والأزهر
- زهرةٌ بين منال ميخائيل و… بسملة
- عمرو سعد … والصبايا الجميلات
- نصف قرن على ميلاد الهرم
- مصرُ الكويتُ … والوزيرةُ الجميلة
- تلويث الذوق العام
- برقية إلى … نادية صالح


المزيد.....




- قائد الجيش الأمريكي في أوروبا: مناورات -الناتو- موجهة عمليا ...
- أوكرانيا منطقة منزوعة السلاح.. مستشار سابق في البنتاغون يتوق ...
- الولايات المتحدة تنفي إصابة أي سفن جراء هجوم الحوثيين في خلي ...
- موقع عبري: سجن عسكري إسرائيلي أرسل صورا للقبة الحديدية ومواق ...
- الرئاسة الفلسطينية تحمل الإدارة الأمريكية مسؤولية أي اقتحام ...
- السفير الروسي لدى واشنطن: وعود كييف بعدم استخدام صواريخ ATAC ...
- بعد جولة على الكورنيش.. ملك مصر السابق فؤاد الثاني يزور مقهى ...
- كوريا الشمالية: العقوبات الأمريكية تحولت إلى حبل المشنقة حول ...
- واشنطن تطالب إسرائيل بـ-إجابات- بشأن -المقابر الجماعية- في غ ...
- البيت الأبيض: يجب على الصين السماح ببيع تطبيق تيك توك


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - فاطمة ناعوت - في فِقه الدهشة… وقتلها!