أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - نصف قرن على ميلاد الهرم














المزيد.....

نصف قرن على ميلاد الهرم


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 6063 - 2018 / 11 / 24 - 05:52
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    




لحظةٌ تاريخيّة مشهودة كتبَ الحظُّ الطيبُ لي أن أعيشها الأحد الماضي 18 نوفمبر. لحظةٌ لا تتكرر إلا كل خمسين عامًا. اليومَ يوافقُ اليوبيل الذهبي لميلاد أحد أهرامات مصر العظيمة. الكاتدرائية المرقسية بالعباسية. ذلك الكيان المعماري والروحي الأنيق الذي يُجسّد معنى كنسيتنا المصرية الوطنية النبيلة التي يبلغ عمرها عشرين قرنًا من الزمان، أثبتت خلالها وطنيتَها على مرَّ القرون والحقب، ونبالةَ ردّ فعلها تجاه الأزمات والمحن، وصمودَها المتحضّر في وجه مخربي مصر وأعداء الوطن. لَم تسمح كنسيتنا المصرية العظيمة يومًا للكارهين والحاقدين أن يمزّقوا نسيج مصر أو يفرقوا بيننا وبين أشقائنا المسيحيين؛ الذين أثبتوا في مئات التجارب أنهم لا يعرفون سوى المحبة والغفران والتسامح والترفع عن رد الإساءة بالإساءة. هكذا كان المسيحيون بالأمس، وهكذا هم اليوم وهذا ما سيكونون عليه غدًا وبعد غد. يقدمون كل يوم درسًا أنيقًا للإنسانية الكريمة التي تنفذ وصية الله على الأرض في نشر قيم المحبة والسلام بين البشر. وهكذا كانت الكنيسةُ المصرية الوطنية منذ ألفي عام، قطعةً مضيئة من السلام والوطنية والقيم النبيلة على أرض بلادنا الطيبة. منذ تأسست كنيستنا المصرية بالأسكندرية في القرن الأول الميلادي في عهدها الأول على يد القديس مرقس، تلميذ السيد المسيح وكاتب أول الأناجيل الأربعة، وحتى اليوم في القرن الواحد والعشرين في عهد قداسة البابا تواضروس الثاني، توحدت كلمة ال 118 بطريرك حول حكمة واحدة ثابتة لا تتغير، وهي: مكافحةُ العنف بالرحمة، ومعالجةُ الشر بالمحبة، ومواجهةُ الإساءة بالتسامح والغفران والعطاء. فالكنيسة المصرية هي التجسيد العملي لموعظة السيد المسيح فوق الجبل: “سمعتم أنه قيل: عينٌ بعين وسِنٌّ بسنٍّ، وأما أنا فأقول لكم: لا تقاوموا الشرَّ…. وسمعتم أنه قيل: تُحبُّ قريبَك وتبغض عدوَّك، وأما أنا فأقول لكم: أحبّوا أعداءكم، باركوا لاعنيكم، أحسنوا إلى مُبغضيكم، وصلّوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم.” ذلك هو الدرسُ النبيل الذي لا تتوقف الكنيسة المصرية على تعليمنا إياه، على مدى وعشرات القرون، في عهود كل من تواتر عليها من بطاركة كرام، كانوا وظلوا وسوف يظلّون دومًا، يُقدمون حفظ القِيم الرفيعة الراسخة على حفظ المنافع الرخيصة الزائلة، ويقدمون صالحَ الوطن ووحدة تماسكه، على كل ما عدا ذلك من مصالح شخصية أو فردية. كانت كلمة الكنيسة المصرية دائمًا واحدة وثابتة وحاسمة: مصر فوق الجميع، ورفعة اسمها ووحدة شعبها في مقدمة الأمور. فمصرُ ليست مجرد أرض نحيا فوق ترابها، إنما كانت هي الملاذ الأوحد الذي اختارته مريمُ العذراء لتلجأ إليه مع طفلها الوليد السيد المسيح، عليه وعلى أمه السلام، هربًا من السفاح هيرودس في الناصرة. لهذا فإن لمصر خصوصية هائلة في قلب كل مسيحي في هذا العالم.
وكان حرصي شديدًا على حضور لحظة تدشين الكاتدرائية المصرية بعد تجديدها في يوبيلها الذهبي بعد مرور نصف قرن على ميلادها؛ لأنني لا أراها مجرد دار عبادة، بل هي "هرم مصري رابع"، رغم طفولتها كمنشأة مقارنة بكهولة الهرم من حيث القدم. فأحجارها، وإن كان عمرها خمسين عامًا، إلا أنها تحمل تاريخ ألفي عام من البسالة والاستشهاد والوطنية، مرّت على ميلاد الكنيسة المصرية منذ القرن الأول الميلادي وحتى اليوم.
كان من المفترض أن يكون الاحتفالُ باليوبيل الذهبي لتدشين الكاتدرائية المرقسية احتفالا قوميًّا ووطنيًا وعالميًا حاشدًا يحضره ملوكٌ ورؤساءُ ووزراء وسفراء وبطاركةٌ وشيوخ وأزاهرة ورموز دولية رفيعة من أنحاء الدنيا. ولكنْ، احترامًا لأرواح شهداء المنيا الذين نالتهم رصاصاتُ الغدر والإرهاب قبل أسابيع قليلة، قرر البابا أن يقتصر الاحتفالُ على قداس وصلاة في الكاتدرائية بعد تجديدها بحضور بعض الضيوف الرمزيين.
نشكر كل الفنانين الذين رسموا الجداريات الجميلة على سقوف وجدران الكاتدرائية، ونشكر المهندسين والفنيين والعمال الذين قاموا بأعمال التجديد والترميم لحصن مصر الطيب. وتحية احترام لقداسة البابا تواضروس على حكمته المشهودة في قيادة الأمور في أوقات الأزمات العصيبة. وأدعو الله أن يعينه على منصبه العسير. والشكر موصول لأشقائي المسيحيين، الذين يثبتون كل يوم حجم وطنيتهم وتحضرهم فيكونون خير سفراء لرسالة السلام التي جاء بها السيد المسيح عليه السلام. وكل عام وكاتدرائيتنا الجميلة جميلةٌ وآمنة وحِصنٌ وحُضنٌ لمصر وللمصريين.

***



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مصرُ الكويتُ … والوزيرةُ الجميلة
- تلويث الذوق العام
- برقية إلى … نادية صالح
- كيف أكتبُ عن -عيد الحب”!
- ثلاثةُ رجال من مصر
- أنغام: وحشاني يا أختي جدًّا
- خيبتنا … مرآةُ ميدوزا في يد المايسترو
- سانت كاترين … هنا نُصلّي معًا
- أيامُ الرجل الكفيف
- ثلاثون عامًا على ميلاد الجميلة
- سوق برقاش... يا سيادة الرئيس!
- ليزا وأطفالي …. وقانون الطيران
- الرئيس يستثمر في الإنسان في مؤتمر شرم الشيخ
- الرئيس يستثمر في الإنسان
- مُعلِّمةُ البيانو
- كمال الجنزوري …. فارسُ البسطاء
- الطريق إلى العمّ نجيب
- دولة الأوبرا في حضن البتول
- يهودُ مصرَ …… المصريون
- دمشاو هاشم …. احذروا القُبلَةَ الخائنة


المزيد.....




- أغلق باب بعد تحويل القبلة.. هكذا تطورت أبواب المسجد النبوي م ...
- -كان سهران عندي-.. نجوى كرم تثير الجدل بـ-رؤيتها- المسيح 13 ...
- موعد وقيمة زكاة الفطر لعام 2024 وفقًا لتصريحات دار الإفتاء ا ...
- أسئلة عن الدين اليهودي ودعم إسرائيل في اختبار الجنسية الألما ...
- الأحزاب الدينية تهدد بالانسحاب من ائتلاف نتنياهو بسبب قانون ...
- 45 ألف فلسطيني يؤدون صلاتي العشاء والتراويح في المسجد الأقصى ...
- استعدادا لذبحها أمام الأقصى.. ما هي قصة ظهور البقرة الحمراء ...
- -ارجعوا إلى المسيحية-! بعد تراكم الغرامات.. ترامب يدعو أنصار ...
- 45 ألفا يؤدون صلاتي العشاء والتراويح في المسجد الأقصى
- الأتراك يشدون الرحال إلى المسجد الأقصى في رمضان


المزيد.....

- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود
- فصول من فصلات التاريخ : الدول العلمانية والدين والإرهاب. / يوسف هشام محمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - نصف قرن على ميلاد الهرم