|
يهودُ مصرَ …… المصريون
فاطمة ناعوت
الحوار المتمدن-العدد: 5995 - 2018 / 9 / 15 - 13:25
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
هل هناك خللٌ صياغيّ في عنوان هذا المقال؟ بالتأكيد. العنوانُ يكاد يشي بضعف لغوي، وتأكيد على مؤكَّد، وتعريف مُعرَّف. كأن نقول: “فلاحو مصرَ المصريون!”، أو "فراشةُ البستان التي في البستان!”، أو غرفة البيت داخل البيت!”؛ كل ما سبق من عبارات ركيكة، تصفُ الشيءَ مرتين، وهذا غير مقبول في اللغة. فما معنى أن أكرر أن الغرفةَ "داخل البيت"، بعدما ذكرتُ أنها: “غرفةُ البيت"؟! لهذا أعتذرُ عن عنوان المقال؛ فهو غير موجّه للعارفين بشؤون اللغة وأمور التاريخ، بل موجّهٌ للشباب الذي لا يعرفُ أن هناك مواطنين مصريين أصلاء، يعتنقون اليهودية، وليس لهم أية علاقة بدولة إسرائيل، اللهم إلا علاقة الإنكار، كما علاقتنا جميعًا كمصريين مع الكيان الصهيوني المحتلّ. بل إن يهودَ مصر دفعوا الفاتورة الأخسر بسبب نشوء دولة إسرائيل، حيث لوحقوا وطُردوا من وطنهم، وهُجِّروا قسرًا من ديارهم، وأُحرقت مؤسساتُهم ومصانعُهم وذاقوا صنوفَ الويل، حتى أوشكوا على الفناء التام من أرض مصر. العنوان الركيك صياغيًّا موجّه للذين لا يعرفون أن العقيدة لا تتقاطع مع الهوية والجنسية، وأن عقيدة المواطن لا تنتقص من حقوق المواطَنة. وهنا، يجبُ أن أطرح معلومة سياسية بسيطة لمن لا يعرفها. يكتسب الإنسانُ حقَّ المواطنة في دولة ما، وفقًا لأحد القوانين التالية: 1- قانون الأرض: الذي يمنح الفردَ الجنسيةَ، بموجب أرض ولادته، دون النظر إلى جنسية والديه. 2- قانون الدم: الذي يمنحُ الفردَ جنسية والده لحظة الميلاد. 3- قانون الهجرة: بموجبه يحصل الفردُ على جنسية الدولة التي هاجر إليها؛ إذا توافرت لديه شروط الهجرة ووافقت الدولة المانحة. 4- قانون حقّ العودة: وهو ينطبق على كل يهودي فوق ظهر هذا الكوكب، مهما كانت جنسيته أو البلد التي ولد بها. بموجبه يحقّ لليهودي الحصول على الباسبور الإسرائلي بمجرد دخول أرض فلسطين المحتلّة. وهنا علينا التفكير قليلا. أولئك اليهود المصريون المقيمون اليوم بيننا على أرض مصر، ولا يمتلكون إلا الجنسية المصرية، لماذا ضحّوا بالحصول على الجنسية الإسرائيلية التي تمنحهم مزايا لا حصر لها، وفضّلوا البقاء في مصر؟ لا تحتاج الإجابةُ ذكاءً ولا تأويلًا. لأنهم مصريون خُلصاء يعتنقون مصريتهم مثلما يعتنقون عقيدتهم. تلك هي الفكرة التي يدور حولها مقالي: شرفُ الانتماء إلى مصر، وهو المفهومُ الأوحد للوطنية عندي. في منتصف أربعينيات القرن الماضي، ترأّس د. طه حسين مجلة أدبية رفيعة المستوى اسمها "الكاتب المصري"، انشغلت بترقية القارئ العربي أدبيًّا وفلسفيًّا وسياسيًّا واجتماعيًّا. مَن الذي أسّس تلك المجلة وموّلها؟ سبعةٌ من يهود مصر. ومثلما نهضوا بمصر في الحقل الثقافي، نهضوا بها صناعيًّا واقتصاديًّا، حيث أسسوا مؤسسات لاستصلاح الأراضي مثل "شركة مساهمة البحيرة"، ونشطوا في تصنيع القطن المصري فكان رقم واحد على مستوى العالم، وكذلك شركات الألماس والمنسوجات مثل شيكوريل وعدس وريفولي وبنزيون وبيع المصنوعات وعمر أفندي وغيرها، وكانت من الرقي بحيث أن أميرات العالم كنّ يجئن إلى مصر لشراء الملابس والألماس، من محال اليهود المصريين. مازلتُ أكرّر عبارة: "يهودٌ مصريون"، خوفًا من أولئك الذين لا يفهمون إلا بالتكرار المخلّ بأدبيات اللغة! بأسًى أخبرتني السيدةُ المصرية "ماجدة هارون"، رئيس الطائفة اليهودية بمصر: "حين كنتُ طفلةً، يصطحبني أبي للمعبد اليهودي للصلاة، لم أكن أجد موطئ قدم شاغرًا، الآن غدونا فقط أربعةَ أشخاص!” كان تعدادُ يهود مصر 11 ألف شخص حتى عام 1948. أمرٌ مؤسف أن نصف خريجي الجامعة المصرية يظنون أن كل يهودي هو بالضرورة صهيوني أو حتى إسرائيلي!!! أمرٌ مخزٍ أن كثيرًا منّا لا يميزون بين "اليهودية" كعقيدة، و"الصهيونية" كفاشية سياسية. يهودُ مصر الشرفاءُ الذين أحبوا مصر بكل جوارحهم، ثم لوحقوا بالبغضاء والعنف والأذى من بلطجية الجهل والعماء؛ حتى اضطروا للرحيل عن مصر التي ولدوا وكبروا فيها وأحبوها ونهضوا بها، لا يعرفون لهم وطنًا غيرها. في عيدكم بالأمس أقدم لكم محبتي واعتذاري. وإن غدوتم أربعة أشخاص فقط، إلا أن مواقفكم الوطنية لا ينساها التاريخُ، ولا تنساها مصر. وفي يوم قريب، حين ينصلح حالُ التعليم في بلادي، سوف يعرف الأطفالُ المصريون في المدارس كيف أحبَّ يهودُ مِصْرَ وطنَهم مصرَ أكثرَ من ملايين ممن لا يعرفون قيمتها. ملعونٌ عند الرحمن من أدخل العقيدةَ في حقوق المواطنة. ن كبري شركات المقاولات العامة واستصلاح الاراضي ***
#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
دمشاو هاشم …. احذروا القُبلَةَ الخائنة
-
رجاء الجميلة … سلامتك
-
طوبَى لصُنّاع الفرح
-
أشهرُ صفقة باب في التاريخ
-
هرمُ الإسكندرية ... والشيخُ سيد
-
حين يفترسُنا العشقُ سرًّا
-
دموعٌ على جديلة … وآيسبرج على حُفاة!
-
بوق نذير: -أنتِ ماحساش بالناس-!
-
هل تعرفون المصريين الأرمن؟
-
أسئلةُ -جوجان- الصعبة
-
المتحف الكبير … هديةُ مصرَ للعالم
-
نادي الشرق الأدنى للأرمن
-
قواعدُ الرجال … يا نساء العالم!
-
ه. ق. … أقصر رسالة في التاريخ!
-
على أبواب الجامعة: كهف الفيلسوف، وحبل الفيل
-
الخوف من الخوف
-
لماذا الأوغاد لا يسمعون الموسيقى؟
-
من الذي جرح ساقها؟
-
كتاب الأخلاق … يا وزير الأخلاق
-
كارما… المسيحيُّ في قلب المسلم
المزيد.....
-
قائد الثورة الإسلامية يستقبل الرئيس بزشكيان وهذا ما دار بينه
...
-
مصر.. قرار من النيابة العامة ضد صاحب فتوى -سرقة الغاز والميا
...
-
النيابة العامة المصرية تأمر بضبط صاحب فتوى إباحة سرقة المياه
...
-
مقتل 18 نازحا في غارة إسرائيلية على مبنى بزغرتا المسيحية شما
...
-
من يهود السفارديم.. دراسة جديدة تحسم جدل أصل المستكشف كريستو
...
-
” استقبلها الآن في ثواني “.. تحديث تردد قناة طيور الجنة الجد
...
-
الصحة اللبنانية: 9 قتلى بغارة إسرائيلية على بلدة ذات أغلبية
...
-
ماذا يجمع حكومة مودي الهندوسية بحركة طالبان الأفغانية؟
-
ما قصة غضب ترامب من يهود أميركا وثنائه على مسيحييها؟
-
ثبتها الان بخطوات سهله…تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 على
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|