|
روبرتو بولانيو كتب اثرت في حياتي
مارينا سوريال
الحوار المتمدن-العدد: 6063 - 2018 / 11 / 24 - 08:38
المحور:
الادب والفن
وُلد بولانيو عام 1953، في سانتياجو، تشيلي،ثم غادر إلى مكسيكو سيتي مع عائلته عندما بلغ الخامسة عشر من عمره. وتوجد رواية -يشكك فيها معاصروه- تفيد بعودته بعد خمسة أعوام إلى تشيلي إثر نجاح سلفادور أليندي في الانتخابات الرئاسية، ثم غادرها بعد انقلاب الجنرال أوجستو بينوشيه، ويُقال إنه سُجن وقتها، ولكن أنقذه زميل دراسة قديم من الإعدام فخرج وعاد إلى المكسيك. وهناك أسّس مع مجموعة من رفاقه، وأهمهم ماريو سانتياجو، حركة "ما دون الواقعية" Infrarealism الشعرية، التي التزمت -كما فعلت السوريالية في بداياتها- برفض فصل العمل الفني عن الفعل الثوريّ. بولانيو كان غزير الإنتاج ، وحش أدبي لا يقدم تنازلات، يجمع بنجاح بين غريزتين أساسيتين للروائي: الإنجذاب إلى الأحداث التاريخية، والرغبة في تصحيحها والإشارة إلى الأخطاء. من المكسيك اكتسب جنة أسطورية، من شيلي جحيم حقيقي، وفي بلانيس الواقعة في شمال شرق إسبانيا؛ عمل على التطهر من خطايا كلاهما. وأكثر ما نجح فيه بولانيو هو : نقل تعقيدات المدن الكبرى بقدر كبير من الكتابة الذكية واللاذعة روبرتو بولانيو: لا أعتقد أن هناك تصفية حسابات في كتاباتي أكثر مما يرد في مؤلفات أي كاتب آخر. وأنا أصرّ -رغم المخاطرة بأن يراني الناس متحذلقًا ومبالغًا في التدقيق، وأنا كذلك بالفعل أحيانًا- عندما أكتب، أن يكون الشيء الوحيد الذي يهمني هو الكتابة نفسها؛ بمعنى الشكل والإيقاع والحبكة. أضحك على بعض المواقف، على بعض الناس، على بعض الأنشطة والمسائل ذات الأهمية، ببساطة لأنك عندما تواجه هراء تلك الذوات المتضخمة فليس أمامك خيار سوى الضحك.
كل الأدب، بطريقة ما، سياسي. أعني، أنه أولًا تعليق على السياسة، وثانيًا، يمثل الأدب في ذاته برنامجًا سياسيًا. النوع الأول من الأدب يُلمِح إلى الواقع - إلى الكابوس أو الحلم الخيّر الذي نسميه الواقع - الذي ينتهي، في كلتا الحالتين، بالوفاة والطمس، ذلك الطمس لا يقتصر على الأدب فحسب، بل يمتد للزمن كذلك. النوع الثاني [البرنامج السياسي] يشير إلى الفتات الذي يبقى. على الرغم من أننا نعلم، بالطبع، أنه في النطاق البشري للأشياء؛ الدوام وهم، والعقل مجرد سياج هش يمنعنا من الانزلاق إلى الهاوية. روبرتو بولانيو: الحقيقة أني لا أومن بالكتابة إلى هذا الحد. لأبدأ بنفسي، فإن كون الواحد كاتبًا هي مسألة ممتعة – لا، ممتعة ليست الكلمة المناسبة- الكتابة نشاط له نصيبه من اللحظات المسلية، ولكني أعرف أشياءً مُسليةً أكثر، تسليني بنفس القدر الذي يبهجني به الأدب. سرقة البنوك مثلًا، أو إخراج الأفلام. أن يمارس المرء الجنس مع النساء مقابل المال، أو أن يعود طفلًا ويلعب الكرة في فريق بائس لدرجة كارثية. ولكن، لسوء الحظ، فالطفل يكبر، وسارق البنك يُقتل، والمخرج يُفلس، وممارس الجنس التجاري يمرض، ومن ثَم لا يوجد أمامي خيار آخر غير الكتابة. بالنسبة لي، فكلمة كتابة هي المقابل الدقيق لكلمة انتظار. بدلًا من الانتظار، هناك الكتابة. ربما أكون مخطئًا، ويحتمل أن تكون الكتابة شكلًا آخر من الانتظار، من تأجيل الأشياء. أحب أن أفكر أن الأمور ليست كذلك، ولكن كما قلت ربما أكون مخطئًا. بولانيو: يقول نيكانور بارا إن أفضل الروايات هي المكتوبة على الوزن (الشعري) تمام. ويقول هارولد بلوم إن أفضل شعر في القرن العشرين مكتوب بطريقة نثرية. أنا أتفق مع كليهما. لكن من ناحية أخرى، أجد صعوبة في اعتبار نفسي شاعرًا نشطًا. أفهم أن الشاعر النشط هو الشخص الذي يكتب القصائد، لقد أرسلت إليكم (مجلة BOMB) أحدث ما لدي، وأخشى أن تكون القصائد مريعة، على الرغم من أنه بالطبع، وبدافع اللطف والاعتبار، قد تكذبين. أنا لا أعرف، هناك شيء يتعلق الشعر. ومهما يكن الأمر؛ فإن الشيء المهم هو مواصلة قراءته، هذا أكثر أهمية من كتابته، ألا تعتقدين ذلك؟ الحقيقة هي أن القراءة دائما أكثر أهمية من الكتابة بماذا تفيد الحياة، فيم تفيد الكتب؟ ليست إلا ظلالاً الصمت يصعد إلى السماء أيضاً، ويسمعه الرب، وهو فقط يفهمه ويحكم عليه إن كنت سوف تقول ما تودّ قوله، فسوف تسمع ما لا تودّ سماعه. قبل وفاة روبرتو بولانيو بأيام، ترك لدى ناشرهِ روايةً توشك على النهاية، وأرادها أن تنشر في سلسلة من خمس روايات ليضمن مستقبل ولديه المالي. إنه نفسه عدد فصول رواية «2666» التي نشرت بعد وفاتهِ بعام واحد في مجلد يضم الأجزاء الخمسة احتراماً للقيمة الأدبية للعمل، والتي ستصدر الشهر المقبل بالعربية عن «منشورات الجمل» (ترجمة رفعت عطفة)، بعدما أصدرت الدار أخيراً روايته «رجال التحري المتوحشون» و«حلبة الجليد» للمترجم رفعة عطفة الذي نقلها عن الإسبانية.
ضمن الملاحظات التي تركها بولانيو عن «2666»، يذكر أنّه يخفي وراء الأقسام الخمسة نقطة التلاقي من دون أن يشير إليها. يرى النقاد نقطة التلاقي في روايتهِ «رجال التحري المتوحشون» حيث تكتشف إحدى الشخصيات مقبرة منسية تعود لعام 2666. وتبدو نقطة التلاقي في الرواية نفسها مدينة على الحدود الشمالية للمكسيك، تسمى سانتا ترسا ويلتقي فيها جميع الشخوص في لحظة مجهولة بعدما تباعدوا في السرد. تعتبر الرواية الضخمة نسيجاً رقيقاً من الموضوعات المتكررة حول الجرائم الجنسية والعنف، إذا ما استثنينا الفصلين الأول والأخير اللذين يتحدثان عن كاتب ألماني. تتنقل الأحداث في ثلاث قارات، تشهد حربين عالميتين وحرباً باردة وانهيار جدار برلين ثمّ انهيار البرجين العالميين. يُعمل بولانيو قلمهُ على امتداد عشرات السنوات، يكتب بغزارة وسلاسة، في دفق غني وسرد ثري وعبر جمل قوية ومباشرة. إنّه من أولئك الكتّاب الذين يضعون العالم بين أيديهم، ثم يكتبون مصيرهُ كما لو أنّ عشرات السنين ما هي سوى حدث طارئ على صفحات رواية محبوكة، مشغولة على سويات متعددة. وللمفارقة رواية غير منتهية! يتخذ بولانيو من الكاتب العبقري المجهول أرشيمبولدي، ذريعة للقاء النقّاد بيليتر وموريني وإسبيوزا ونورنون في سعيهم للوصول إلى حقيقة كاتبهم الأثير عبر المؤتمرات والعواصم والندوات. ما يلبث القارئ أن يجد في مسار بحث مجموعة المهتمين مسباراً لكشف ذواتهم، ومجالاً يكشف تفاعلاتهم النفسية والعاطفية إزاء بعضهم البعض. تمارس نورنون الجنس مع كلّ من بيليتر وإسبيوزا، ويفكر الثلاثة بجنس ثلاثيّ. هناك أيضاً أستاذ الفلسفة أمالفيتانو الذي يعيش في سانتا ترسا. سيروي بولانيو حياته في القسم الثاني، وقد سارت وفق عدوى جنونية وصلتهُ من زوجتهِ التي هجرته لتنقذ شاعراً من تهمة المثلية. يكتسب أمالفيتانو صراعاً مع أشباح. يعلّق كتاباً على حبل الغسيل، كي يختبر مقاومة الكتاب للطبيعة، وكي يتسنى للريح تصفحهُ. وإن كانت الأجزاء تتسم بنهايات مفتوحة، فإنّها تبدأ كذلك بدايات متباعدة، تربطها شخصيات قليلة، فيما تمثل عشرات الشخصيات التي تظهر وتختفي من دون أن تترك آثارها في جوهر النص. هكذا يتحول الجوهر، إلى ذلك الحشد الغزير من الشخصيات والانفعالات والقصص الفرعية التي لا تلتقي، عن تجارب ناس مهووسيين، وخطأة، وعصاة، لا يشكل الجنس محركاً لأفعالهم وحسب، بل يمتازون بنزوع إلى عنف مجرد، أو ذلك العنف الذي يتأتى من العواطف إما تجسيداً أو نكراناً لها. يتحدث الفصل الثالث عن صحافي أميركي يجيء إلى المكسيك من أجل تغطية لعبة ملاكمة، وليكتشف وباءً مجهولاً، وهو انتشار ظاهرة غامضة من الجرائم الجنسية. في قسم الجرائم الذي يشكّل الجزء الأكبر من الكتاب، يسرد بولانيو قصص عشرات الجرائم بين عامي 1993 و1998، يصف عمليات القتل بالوتيرة ذاتها، يعلل ذلك على لسان إحدى شخصياته بأنّ «سر العالم» يكمن في تلك الجرائم. تتوزع أجساد النساء المقطعة، والمغتصبة على هوامش الطرق، في الحاويات، في الأكياس أو في العراء، بلباسهن أو بلباس غيرهن أو عراةً، نساءً مهملات، نادلات، أو يعملن في الدعارة. يحدث كل هذا في ظل لامبالاة ذكورية، وقصور في عمل الشرطة، واحتجاجات لحركات نسائية، وتغطية خجولة من صحف العاصمة. وهرباً من كل التحليلات لهذه الظاهرة الغامضة، تقول إحدى الشخصيات إن التفسير الوحيد لها هو «الخراء». أي، بكلمات أكثر عقلانية، يبرز أدب بولانيو، كمواساة صاخبة وشرسة ليتم العالم وفراغهِ. في القسم الأخير لا يحاول بولانيو جمع شتات الفصول السابقة، بل يبدأ حكاية جديدة بدت أنّها أصل الحكايات. هنا يتحدث عن كاتبهِ الألماني هانز رِيْتِر الذي نشأ لأم عوراء وأب أعرج، وله أخت وحيدة، سنعرف أنّها والدة المتهم الرئيس في قضية جرائم النساء. وانطلاقاً من اعتقاده بأن «الشهرة والأدب عدوان لدودان»، يترشح رِيْتِر لجائزة نوبل في سنواتهِ الأخيرة، ويبقى متخفياً، يعمل في الحدائق ولا يكترث لظهور علني باسمه الحقيقي. وبعدما قالت له عرافة بضرورة تغيير اسمهِ، نبت إلى ذهنهِ وهو أمام الناشر ودون تحضير مسبق الاسم الذي يعرف بهِ، وهو بِنّو فون أرشيمبولدي. في رواية بولانيو التي قدم فيها كلّ شيء؛ ليست «الثقافة نداء الدم» وحسب، بل يظهر الحب أيضاً نداءً للدم، للرغبات، والغرائز الحية.
#مارينا_سوريال (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الحكاية السرية لبناية مريم2
-
الحكاية السرية لبناية مريم1
-
ايام صادق الحلوانى وحكاية المنبوذة34
-
ايام صادق الحلوانى وحكاية المنبوذة32
-
ايام صادق الحلوانى وحكاية المنبوذة31
-
ايام صادق الحلوانى وحكاية المنبوذة30
-
رواية قبلات نيتشه – لانس أولسن كتب اثرت في حياتي
-
رواية الأزرق بين السماء والماء – سوزان أبو الهوى
-
رواية الكتب التي التهمت والدي – أفونسو كروش “ لم يكن يُفكر
...
-
ايام صادق الحلوانى وحكاية المنبوذة29
-
ايام صادق الحلوانى وحكاية المنبوذة28
-
ايام صادق الحلوانى وحكاية المنبوذة27
-
ايام صادق الحلوانى وحكاية المنبوذة25
-
ايام صادق الحلوانى وحكاية المنبوذة26
-
عام وفاة ريكاردو ريس – خوسيه ساراماجو
-
رواية الخريف – آلي سميث
-
ايام صادق الحلوانى وحكاية المنبوذة23
-
ايام صادق الحلوانى وحكاية المنبوذة24
-
رواية أغنية هادئة – ليلى سليماني كتب اثرت في حياتي
-
رواية الاعتداء – هاري موليش كتب اثرت في حياتي
المزيد.....
-
الرئيس بزشكيان: الصلات الثقافية عريقة جدا بين ايران وتركمنست
...
-
من بوريس جونسون إلى كيت موس .. أهلا بالتنوع الأدبي!
-
مديرة -برليناله- تريد جذب جمهور أصغر سنا لمهرجان السينما
-
من حياة البذخ إلى السجن.. مصدر يكشف لـCNN كيف يمضي الموسيقي
...
-
رأي.. سلمان الأنصاري يكتب لـCNN: لبنان أمام مفترق طرق تاريخي
...
-
الهند تحيي الذكرى الـ150 لميلاد المفكر والفنان التشكيلي الرو
...
-
جائزة نوبل في الأدب تذهب إلى الروائية هان كانغ
-
فوز الكورية الجنوبية هان كانغ بجائزة نوبل للآداب
-
رائد قصيدة النثر ومجلة -شعر-.. وفاة الشاعر اللبناني شوقي أبي
...
-
من حياة البذخ إلى السجن.. مصدر يكشف لـCNN كيف يمضي الموسيقي
...
المزيد.....
-
إيقاعات متفردة على هامش روايات الكاتب السيد حافظ
/ منى عارف
-
الخلاص - يا زمن الكلمة... الخوف الكلمة... الموت يا زمن ال
...
/ السيد حافظ
-
والله زمان يامصر من المسرح السياسي تأليف السيد حافظ
/ السيد حافظ
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل مسرحية "سندريلا و ال
...
/ مفيدةبودهوس - ريما بلفريطس
-
المهاجـــر إلــى الــغــد السيد حافظ خمسون عاما من التجر
...
/ أحمد محمد الشريف
-
مختارات أنخيل غونزاليس مونييز الشعرية
/ أكد الجبوري
-
هندسة الشخصيات في رواية "وهمت به" للسيد حافظ
/ آيةسلي - نُسيبة بربيش لجنة المناقشة
-
توظيف التراث في مسرحيات السيد حافظ
/ وحيدة بلقفصي - إيمان عبد لاوي
-
مذكرات السيد حافظ الجزء الرابع بين عبقرية الإبداع وتهمي
...
/ د. ياسر جابر الجمال
-
الحبكة الفنية و الدرامية في المسرحية العربية " الخادمة وال
...
/ إيـــمـــان جــبــــــارى
المزيد.....
|