أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جلبير الأشقر - تعدّدت الأديان والأقوام والظلم واحدٌ














المزيد.....

تعدّدت الأديان والأقوام والظلم واحدٌ


جلبير الأشقر
(Gilbert Achcar)


الحوار المتمدن-العدد: 6047 - 2018 / 11 / 7 - 10:17
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



لا يسع أي إنسان متحضّر سوى أن يشمئزّ من منظر المتظاهرين الذين احتشدوا في باكستان للمطالبة بإعدام المدعوة آسيا نورين بي بي شنقاً بعد أن برّأتها محكمة البلاد العليا من تهمة «التجديف». وقد باتت تلك الامرأة المسكينة كبش فداء لأحقاد جهلة متعطّشين للدماء، يحرّكهم رجال تتلمذوا لدى مؤسسة تشويه الدين الإسلامي المتمركزة في المملكة السعودية، يصبّون حقدهم تارة على المسلمين الشيعة وتارة أخرى على المسيحيين، ناهيكم من أولئك المسلمين السنّة الذين يتّهمونهم بالكفر بين حين وآخر.
وهم يختلفون بالكاد عن الجهلة الذين يرتكبون جريمة بعد أخرى في مصر، تارة ضد المسيحيين وتارة أخرى ضد المسلمين الصوفيين، أو عن ذاك الرجل المسيحي الذي ارتكب قبل أيام مجزرة في كنيس يهودي في الولايات المتحدة، أو عن المتهوّسين الهندوس الذين يرتكبون مجزرة تلو الأخرى بالمسلمين في الهند، وهلمّ جرّا. فيتقاتل في دورة إجرامية مسعورون بوذيون وهندوس ويهود ومسيحيون ومسلمون (سنّة وشيعة)، وقد تعدّدت الأديان والجُرم واحد.
والحال أن عالمنا تجتاحه منذ بضعة عقود موجة من التعصّب الديني هي مظهر رئيسي من مظاهر الانحطاط السياسي والثقافي والأخلاقي الذي أصابه مع تحوّل الرأسمالية من صيغتها الإصلاحية التي سادت في خمسينيات وستّينيات القرن المنصرم إلى صيغتها الفاحشة (النيوليبرالية) الحالية. وقد تزامن ذلك التحوّل مع أفول الاتحاد السوفييتي، «وطن» الاشتراكية البيروقراطية، ومن ثمّ انهياره، الأمر الذي زاد من عنجهية الدولة الرائدة للتحوّل، أي الولايات المتحدة الأمريكية بالطبع، مع دخول العالم في عصر القطب الواحد لفترة انتقالية أشرفت الآن على نهايتها.
وقد شرحنا في الأسبوع الماضي كيف أن اقتصاد السوق بلا ضوابط قد أدّى إلى مجتمع السوق الذي أصبح فيه كل شيء في المجتمع سلعة وانعدمت الضمانات الاجتماعية ومعها استقرار العيش بحيث تصاعد الكبت النفسي الجماعي. فتصاعدت بالتوازي وبقدر مستوى الجهل دعوات إلى تنفيس الكبت من خلال البحث عن أكباش فداء، وهي مظاهر تساهم في تدعيم النظام الاجتماعي الاقتصادي الجائر بتحويلها الأنظار عن لبّ المشكلة، ألا وهو هذا النظام بالذات والمستفيدون منه القائمون عليه. أما أكباش الفداء فتتنوّع أصنافهم بحسب تركيب الأقليات داخل كل مجتمع، سواء أكانت عرقية يحدّدها لون البشرة أم قومية تحدّدها اللغة أم دينية وطائفية.


وربّما كان الصنف الأخير، الديني الطائفي، هو الأكثر انتشاراً، لاسيما إذا أخذنا بعين الاعتبار كونه يمتزج بأنواع التمايز الأخرى وسائر أصناف كره «الآخر»، مثلما جرى في حرب البلقان حيث اختلط القومي بالطائفي أو في حالة اضطهاد الروهينغا في ميانمار (أغلبهم من المسلمين، لكن أقلية فيهم من الهندوس). وإذا صحّ أن كراهية الإسلام والمسلمين تسود في العداء للمهاجرين في الدول الغربية، فهذا نابع بالدرجة الأولى من كون أغلبية المهاجرين إلى أوروبا هم حالياً من المسلمين، ناهيكم من الأثر الكارثي للإرهاب الدولي الذي ينتحل الإسلام. أما في أواخر القرن التاسع عشر، عندما كانت غالبية المهاجرين القادمين من شرقيّ أوروبا إلى غربيّها من اليهود، كان الوجه السائد للعداء للمهاجرين كره اليهود، الأمر الذي ولّد ما سمّي معاداة السامية مثلما ولّد الصهيونية كردّ فعل ما لبث أن قلّد الفعل نفسه إزاء عرب فلسطين.
هذا وقد رأينا كيف تركّزت الحملة الانتخابية العنصرية المكشوفة التي خاضها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في الأسابيع الأخيرة على المهاجرين القادمين من أمريكا اللاتينية، الذين ليس الدين عامل التمييز والتحريض عليهم بل اللغة ولون البشرة. طبعاً لم يكفّ ترامب مع ذلك عن تسعير العداء للمسلمين، سواء بالإشارة الحمقاء إلى وجود أناس من «الشرق الأوسط» في «قافلة» المهاجرين السائرين من الهندوراس وعبر المكسيك باتجاه الولايات المتحدة، أو بالإشارة إلى عدوّه اللدود وسلفه في كرسي الرئاسة بتسميته «بارك ح. أوباما» في إشارة نصف مستورة إلى أن والده (حسين) كان مسلماً.
هذا وقد استوحى ترامب من صديقه العزيز رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، في إيعازه إلى وحدات الجيش الأمريكي التي طلب منها الانتشار على حدود الولايات المتحدة مع المكسيك، إيعازه إليها في اعتبار الأحجار التي قد يرميها عليها المهاجرون القادمون من الهندوراس عند وصولهم إلى الحدود، وكأنّها «بنادق». وهو إيعاز شبه صريح في إطلاق النار على مدنيين عزّل على غرار ما يقوم به الجيش الصهيوني كل يوم جمعة ضد شعب غزّة البطل.
ولسنا ندري متى سوف يصل عالمنا إلى درك انحطاطه التاريخي، بل كل ما ندريه هو أنه لن يدخل في نهضة جديدة من تلقاء نفسه، بل سوف يحتاج الأمر إلى مقاومة ضروس وكفاح عنيد. وفيما نكتب هذه السطور، تجري الانتخابات البرلمانية في الولايات المتحدة التي باتت تشكّل ساحة رئيسية لتلك المقاومة، وهي انتخابات جعلها ترامب نفسه بمثابة استفتاء على سياساته البغيضة. ومهما كانت نتيجة هذه المعركة، فلن تعدو كونها محطة في حرب طويلة الأمد سوف تشهد معارك أخرى عديدة وتفضي إما إلى تثبيت وتعميق الانحطاط وصدام الهمجيات أو إلى صعود جديد لسيرورة الحضارة والتعاون بين البشر على قاعدة المساواة في الحقوق بينهم مهما تعدّدت أديانهم وأقوامهم.



#جلبير_الأشقر (هاشتاغ)       Gilbert_Achcar#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صعود الفاشية: التاريخ يعيد نفسه بحلّة جديدة
- مسعى صهر ترامب المحموم لإنقاذ بن سلمان
- صفقة كبرى يُعدّ لها في قضية اختفاء جمال خاشقجي
- في منافع مدح بن سلمان ومخاطر هجائه
- استقلال العراق: عيدٌ بأية حالٍ عُدتَ يا عيدُ…
- عن التوتّر في تواطؤ روسيا مع إسرائيل في سوريا
- في الجدال حول عسكرة الثورة السورية
- من قُم إلى البصرة… الصراع ضد الظلم ينبذ الطائفية
- السقوط المشين لنهج الاتكال على أمريكا
- بوتين وسوريا ودبلوماسية الرقص
- جردة حساب تاريخيّة
- في صدد المساواة بين الجنسين في الميراث
- ما وراء الحملة السعودية المسعورة على كندا؟
- الدولة الصهيونية وأقصى اليمين ومعاداة اليهود
- دونالد ترامب… الإمبراطور عارياً
- بريطانيا وأزمة العولمة النيوليبرالية
- «صفقة القرن» واستكمال النكبة
- الجماهير العربية تبحث عن بطل ديمقراطي
- تأمّلات في الانتخابات التركية
- أعراض مَرَضية: ما الذي عناه غرامشي وكيف ينطبق على عصرنا؟


المزيد.....




- حرب غزة: لماذا يتعرض الفلسطينيون من طالبي المساعدات الإنساني ...
- -ما قمنا به في إيران كان رائعًا-.. ترامب: إذا نجحت سوريا في ...
- الاتحاد الدولي للسلة: إعلان هزيمة منتخب الأردن تحت 19 سنة أم ...
- ألمانيا... داء البيروقراطية حاجز بوجه العمالة من أفريقيا
- طهران تبدي -شكوكا جدية- بشأن احترام إسرائيل لوقف إطلاق النار ...
- الحكومة الفرنسية أمام اختبار سحب الثقة
- الموفد الأمريكي إلى سوريا: اتفاقات سلام مع إسرائيل أصبحت ضرو ...
- خبير عسكري: فقدان جيش الاحتلال قوات اختصاصية خسارة لا تعوض
- 40 عاما من الحكم.. الرئيس الأوغندي يترشح مجدّدا للرئاسة
- 47 شهيدا بغزة وعمليات نزوح كبيرة شمال القطاع


المزيد.....

- الوعي والإرادة والثورة الثقافية عند غرامشي وماو / زهير الخويلدي
- كذبة الناسخ والمنسوخ _حبر الامة وبداية التحريف / اكرم طربوش
- كذبة الناسخ والمنسوخ / اكرم طربوش
- الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر ... / عبدو اللهبي
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جلبير الأشقر - تعدّدت الأديان والأقوام والظلم واحدٌ