|
أفكار أولية حول مفهوم - الطَرَبْ -
زكريا كردي
باحث في الفلسفة
(Zakaria Kurdi)
الحوار المتمدن-العدد: 6045 - 2018 / 11 / 5 - 17:58
المحور:
الادب والفن
للحق ، ما كان لي أن أكتب هذه المقالة البسيطة عن مفهومي الخاص لحال " الطرب "، لولا إلحاح بعض الأصدقاء الأعزاء من الذواقة المرموقين في مدينتي حلب الشهباء للموسيقى والفن والمعرفة. إذ ليس من السهل على باحثٍ بسيط في مجال الفلسفة ، و عازف عود هاوٍ ، ومتذوق عادي لمعظم أنواع الموسيقا العالمية ، أنْ يكتبَ عن موضوعٍ وجداني عميق، غامض شائك بإمتياز، مثل موضوع " معنى الطرب وأحواله .. وبخاصة أني لست من أولئك الدارسين المُختصين في علم الأصوات والمقام ، ولا من المُتبحّرين كثيراً في قراءة (الصولفيج ) أو النوطة الموسيقية إلى حد بعيد .. لكن مع ذلك ، لا أرى مانعاً لتبادل الأفهام فيما بيننا حول هذا الأمر وسواه . في البداية ، لابأس إنْ عرفنا معاً ، أن معظم معاجم اللغة العربية تقريباً - و بحسب اطلاعي البسيط عليها – قد أجمعت مع " لسان العرب "على أنّ تعريف الطرب هو : خِفَّةٌ وهِزَّةٌ تثير النَّفْسَ لفرحٍ أَو حُزْنٍ أَو ارتياح ...الخ . وقالت أن الطَّرَبُ هو : الشَّوقُ ، والإجتماع ، ومعنى كلمة طَرَّب : أي تَغَنَّى.. و عندما يقال : طَرَّب فلانٌ في غِنائِه تَطْريباً فهذا يعني أنه رَجَّع في صوتَه وزيَّنَه.. والتَّطْريب في الصوت : مَدُّه وتَحْسينُه. وطَرَّبَ في قراءته : أي مَدَّ في صوته ورجَّع فيه. وقد نقل قديماً عن امرؤ القيس أنه قال يوماً في أحدهم : يُغَرِّدُ بالأَسْحارِ، في كلِّ سُدْفَةٍ ، تَغَرُّدَ مَيَّاحِ النَّدامى المُطَرِّب ِ وأما تعريف الطرب عندي ، كما أفهمه وأشعر به ، فهو : وصولٌ حدسيٌ وجداني ، يأخذ بتلابيب المرء العاقل إلى غاية الاربْ ، فيما يُراد الشعور به عن محبةٍ ودهشة وعجبْ.. حيث يكون فيه الإنسان المطروب ، في حالٍ فريد مؤقت من الفهم العام والاحساس الكلي المُجرّد . والطرب قد يأتي به المرء دون أن يكون ذا دُرْبة أو تعلم أو دراية كافية لفن من الفنون .. وليس بالضرورة ، أن يطرب فقط ، الإنسان العارف بالفن و لغة الموسيقى .. وحسب. فكما أن هناك أعْطية التذوق البصري الشفيف ، وموهبة إدراك الأبعاد في المكان والزمان الخاص كما (في الرسم أو التشكيل أو الحركة) ، هناك أيضاً لدى البعض ، موهبة السمع الرهيف للصوت والصمت (في فنون الصوت و الموسيقى)، وهي لا تقل أهمية - في إعتقادي - عن موهبة العزف والغناء أو الرقص أو ..الخ. و الأنية (او اللحظة ) الطربية ، هي ردة فعل للوعي ، قصيرة نسبياً ، يقوم بها إنسان مرهف الحس وشفيف الخاطر ، على نوع خاص من الجمال الحركي (الموسيقا – الرقص ..) ، المُختلف – نوعاً ما - عن الجمال البصري الساكن (النحت أو الرسم أو في العمارة أو .. الخ) ..
ولا أشك مطلقاً في أن الشرق الغني بثقافاته الفنية ومكوناته الجمالية القديمة ، فيه من حال النغم الفريد والإنساني ، الشيء النادر والمُتميز، بل أخاله يكتنز الكثير من نفائس الجمال و جواهر الفن الإنساني ، وأرى أنه يستحق أن يُفرد له كثيرا من البحث والدراسة ، وزمناً طويلاً من التمَعّن والتأمل .. في ما يحتوي هذا المشرق بالذات ، من مزيّات فنية وخاصيات جمالية ، وبخاصة أساليبه الفنية المبتكرة وحلوله الابداعية الفريدة ، المتمثلة في كيفية نقل وتحويل الافكار الى احاسيس صوتية و لونية وشكلية .. الخ . والتي رأينا كيف قُدمتْ إلى العالم – تاريخياً - عبر آثار ذات تعقيدات تعبيرية مذهلة ، سُكتْ أسرارها عبر عصور طويلة ، وصيغت إبداعاتها في مَراجل ثقافات مختلفة متعاقبة ، لتعطي - بعد ذلك - العالم باسره هذا الفضاء الفسيفسائي المميز من البناء والتشكيل والانتاج الفني والموسيقي .. الى درجة يكاد يصح القول ان الشرق له بالفعل ، حق الأصل والفضل ، في ظهور بعض التنويعات والتشكيلات والنغمات الموسيقية المبتكرة .. مما لا يمكن لجاحد التغاضي عنه ، أو جاهل انكاره البتة .. ولئلا يكون الكلام مرسلا .. أو مرمياً على عواهنه .. هاهو المثال كائن أمامنا ، في ربع العلامة الموسيقية واجزاءها الدقيقة ( أوما يسمى بالكومات)، والتي بات القاصي والداني في علم الفن والموسيقى يعلم بأنها السر الدفين الذي يصبغ بفرادته النغمية والمقامية موسيقا الشرق بأجمعه ، لتتناسب – في اعتقادي - مع أمزجة شعوبه من سكان مناطق المناخ الوسطي المعتدل .. و لتتفق مع معايير الحياة العاطفية الشرقية ، من حيث حساسيتها في التعبير و الصمت ، ورونقها في نمط الفهم والحياء عند المشرقيين بشكل خاص، قبل أن تمتد بتأثيرها الواسع الى الذائقة الفنية للانسانية بشكل عام .. للحديث بقية ..
#زكريا_كردي (هاشتاغ)
Zakaria_Kurdi#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ما هي الفلسفة .. ؟ (3)
-
ما هي الفلسفة ..؟ (2)
-
ما هي الفلسفة ..؟ (1)
-
على هامش الفلسفة ..
-
عَزاؤُنا أنّهم سيَموتونَ يوماً ما ..
-
لماذا يحاربنا العالم ..؟!
-
تعلم الداعشية في خمسة أيام .!
-
المسلم العلماني والمسلم الأصولي
-
موتى على قيد الحياة ..
-
شواهد - مزعل المزعل (2)
-
شواهد - مزعل المزعل
-
الحظ أم القداسة ..؟!
-
أفكار في فلسفة الفن ..
-
ماذا بَعْد .. ؟!
-
ليس بعيداً عن السياسة ..
-
لا تُصَدْقي أَنّي كَبُرْت ..
-
لا علْم إلاّ بالكليّاتْ
-
تِجَارَةُ الجَهْل لا تَبورْ ..
-
أوهام ديمقراطية .. (2)
-
أوهام ديمقراطية .. (1)
المزيد.....
-
مصر.. الداعية مبروك عطية يكشف سبب غضبه من الفنان عادل إمام (
...
-
مصر.. مشاجرة في شقة فنان شهير تنتهي بقفز شخص من الشرفة
-
اللغة العربية في بوركينا فاسو.. إرث التاريخ وتحديات الحاضر
-
مصر.. الفنان بيومي فؤاد يحسم الجدل حول حصوله على الجنسية الس
...
-
فنان مصري شهير يكشف حقيقة علاقته بتطبيق -مراهنات- (فيديو)
-
فنان فلسطيني يجسد تاريخ وتراث القضية الفلسطينية في لوحاته (ص
...
-
فنان فلسطيني روسي يجسد تاريخ وتراث القضية الفلسطينية في لوحا
...
-
هيبقى فيلم جباااار..حقيقة تحويل لعبة جاتا لفيلم سينمائي في ا
...
-
أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب
...
-
فنان إيطالي يتعرّض للطعن في إحدى كنائس كاربي
المزيد.....
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
-
أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية
/ علي ماجد شبو
-
الهجرة إلى الجحيم. رواية
/ محمود شاهين
المزيد.....
|