أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد ابداح - تكوين المُدرك














المزيد.....

تكوين المُدرك


محمد ابداح

الحوار المتمدن-العدد: 6038 - 2018 / 10 / 29 - 04:33
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


يبدأ تكوين المُدرك من لدنّ إحساسنا بالمقاومة (أنطوان ديستوت دو تراسي 1754م- 1836م)، وليس في هذا الأمر أي قول مُبتذل، فالقدرة البشرية على تمييز المدركات الحسية المتتابعة؛ محدودة بالقدر الذي يُمكّنُنا فيه إحساسنا بالمؤثرات الخارجية من تكوين صيغ شاملة لإطلاق أحكامنا عليها، وسجلات العلوم تشي بإن الإلهام البشري يكاد يكون بمجمله استعاضات علمية أو أدبية، لذا فإن مدعّي الأصالة مُقرٌ بالنقل، وإن قلب الحقيقة ليلفت النظر إليها أكثر ممّا يلفته كشفها، كارتداء ثوبٍ بالمقلوب في ميدان عام، فالحقيقة لاتجد نفسها إلاّ وقد زُحلقت من (طريقة) للفهم إلى (موضوع) للتفاهم، وقضية اغتيال الصحفي جمال خاشقجي خير شاهد، وقد تجد بأن فحوى الحقائق قد انقلب تماما، فحرية الرأي والتعبير- وهي حقيقة مجردة- تتحول لشعار هدفه قمع الحريات عند (الأيديولوجيات الدينية والسياسية الرافضة للرأي الآخر) وتلك مقولة جدلية.
وعليه فالمُدركات الحسّية والتي من خلالها نطلق أحكامنا على مايدور من حولنا؛هي تماما مثل الحقائق التي تنتمي إلى أولئك الذين يجعلونها أكثر إشراقا، والحيازة في توجيه المُدركات العقلية هو بلا ريب أمر مُكتسب، يتقاسم التحكّم فيه رجال الدين والسياسة. أما ضبط الجودة على شاشة عرض الحقائق لفنون الإستحواذ على توجيه المُدركات الحسية البشرية تاريخيا، فلسوف نُسرّي به النفس أثناء شرح طرق قلب المعنى الحقيقي للعبارة كي يتأتى لها أن تُفيد في تحقيق الغرض، ومن الممكن أن نرى بهذا الإلباس الماكر والمقصود الصور المُسبقة لسوء الفهم التاريخي والمُمنهج للتحكم في مدركاتنا العقلية والحسية وبالتالي أفعالنا.
في كتابه (عناصر الأيديولوجيا) قام الفيلسوف الفرنسي (ديستوت) بتقديم تعريف مختصر للإيديولوجيا على أنها جملة الأفكار والمعتقدات المسؤولة عن تحديد أنماط السلوكيات البشرية، وهو من قام بابتداع مصطلح (الأيديولوجيا) عام 1798م، والذي يُعني بدراسة الأفكار والمُعتقدات البشرية، ورغم أن هذا المصطلح ارتبط بنقد الأفكار السياسية والمعتقدات الدينية، والتي يتلزم بتطبيق قواعدها بكل صرامة رجال السياسة والدين؛ إلأ أنه يشمل أيضا دراسة العلوم الإقتصادية والأخلاقية. تكمن خطورة الأيديولوجيات في قائمة من العناصر أهمّها على الإطلاق ما أشار له ماركس بكتابه ( رأس المال)؛ وهي أن الأيديولوجيا تُعبّر عن طبيعة الأفكار التي تهمّ مصالح الطبقة الحاكمة، والتي حتما تتناقض مع طموحات وأهداف الطبقة المحكومة.
من المعلوم تاريخيا أن الطبقات الحاكمة يتقاسم الأدوار فيها رجال الدين والسياسة والإقتصاد، وتلك حقيقة الأيديولوجيا بحذافيرها، ولسوف تظهر لنا تباعا مسائل تتضمن براهين جديدة على أننا مدينون بكشف العديد من الحقائق التاريخية المزيّفة إلى إحساسنا بالمقاومة، وباختصار لقد حاول علماء الإجتماع والفلسفة في العصور الإسلامية الأولى، من أمثال ابن الرواندي وابن رشد وابن النفيس والفارابي وأمثالهم؛ رفع العلوم الدينية والسياسية إلى مرتبة العلوم المادية والطبيعية الخاضعة لمنهج البحث العلمي، غير أن الحظ لم يحالفهم في أن يشاركوا بفعالية آنذك (بصفتهم علماء منظرّين ومشرّعين) في المساهمة في تشكيل الأيديولوجية الدينية والسياسية في العالم الإسلامي، فكان الغلبة لأفكار الغزالي وابن تيمية وأمثالهم، بوصفها تتماهى بل وتخدم مباشرة أهداف وتوجهات وأفكار(أيديولوجيا) الطبقة الحاكمة. ولن نرسم هنا ( للتوضيح فقط) خطا فاصلا في الأيديولوجيات للبحث فيما هو لاهوتي أو وضعي على مبدأ: ( ليكن حاضرا كلّ ماهو واقعي، ولتذهب ترّهات الماورئيات إلى ..)، بل يهمنا بيان مدى خطورة الفكر الأيديولوجي في توجيه السلوك البشري.
إن كانت الأيدولوجيا بمثابة (الكتاب المُقدّس) لرجال الدين والسياسة، فالأيديولوجيين هم أنبياء الله ورسله، وخلاصة الفكر الأيدولوجي تتمثل فقط بالعمل الذي ينبغي القيام به، لا العلم التي يُثير في الذهن علاقات سببية ونتائج مادية ملموسة، وهذا ما يجعل حتى أكثر المصلحين والمجددين السياسيين والدينيين اعتدالا على مر التاريخ؛ عرضة للإعتقال والتعذيب والنفي بل والقتل أيضا، لقد قامت الحكومة الفرنسية عام 1807م والتي عاصمتها هي مهد الثورة الفرنسية ومنبر حريات الرأي والتعبير؛ بإلغاء كافة دروس ومحاضرات العلوم الأخلاقية والسياسية من المعهد الوطني للعلوم والفنون- باريس)، ومصادرة كتب ( شوبنهور، وكنت، وسان سيمون، وديستوت) ( عبقرية بولس، الكنائس المزّيفة، فن النفاق والخداع الديني، عبقرية المسيحية)، كما تم مصادرة صحيفة (العشرية الفلسفية)، وتم اعتبار كل أولائك معارضين سياسيين خطرين!، رغم أن نظرياتهم وأفكارهم لازالت تُدرّس وتناقش حتى اليوم في الجامعات باعتبارها تجديدا فكريا وإصلاحا سياسيا، وتم الإبقاء على محاضرات (روييه كولار، وفيكتور كوزان، وسانت بوف) بوصفهم (حرّاس الأيديولوجيا).
إنه منعطف خاطيء بلا ريب، لقد حجبت الفكرة اسم المُفكر؛ فإن كانت الأيديولوجيا هي حليف المُصلحين والثوريين المجدّدين، فإن الخلف قد أوقع السلف في أيدي خصومهم، ليس تواطؤا وإنما تنفيذا لأهم بندا من بنود الأيديولوجيا وهي البراغماتية. وليس ممنوعا من الإفتراض أن ( فيورباخ 1804م- 1872م- ألمانيا ) قد وضع كل الأيديولوجيات الدينية (نشأة ونسبا وشهادات ميلاد) في درج مكتبه وأغلق عليها المفتاح للأبد؛ أثناء تأليفه لكتابه (موت الخلود-1830م)، و كل من ( عبقرية الخطيئة-1836م، وجوهر المسيحية-1841م).
إن مرارة وأسى من درجة (كارثة) على مستوى الغباء، يدعو فئران همستر لجلسة في علم تشريح جثث الأسود، لن يُسعف أفق أي تسوية أو تصفية لحسابات أيديولوجية بنفقات سياسية وبشرية ومالية خيالية، دون أن يطفو على السطح حقيقة صناعة وتشكيل الوهم في الرؤى والتصورات الأيديولوجية الدينية، وتحويل فكرة الإيمان المُطلق إلى الخداع المُطلق.



#محمد_ابداح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لكي نبقى على الأرض 2
- لكي نبقى على الأرض
- العلّة الغائبة
- قوة الفكرة
- نرجسية الأديان
- المجتمعات البريئة
- السُحُب الفارغة!
- الإتجاه الجغرافي للتاريخ
- القيمة العلمية للأديان السماوية
- ضجيجُ الموتى!
- المتغيّر والثابت في الوطن العربي!
- الصحافة الرسمية الرائجة
- المعارفُ والقناعات!
- الجمهورية العربية الثالثة!
- العودة المستحلية!
- دول المخاض العربي!
- هوّية الهيمنة الدّينية والسّياسية
- تقنين الفساد المالي والإداري في الدول العربية المعاصرة
- قواعد النّقد السياسي-8
- قواعد النّقد السياسي-7


المزيد.....




- مسجد وكنيسة ومعبد يهودي بمنطقة واحدة..رحلة روحية محملة بعبق ...
- الاحتلال يقتحم المغير شرق رام الله ويعتقل شابا شمال سلفيت
- قوى عسكرية وأمنية واجتماعية بمدينة الزنتان تدعم ترشح سيف الإ ...
- أول رد من سيف الإسلام القذافي على بيان الزنتان حول ترشحه لرئ ...
- قوى عسكرية وأمنية واجتماعية بمدينة الزنتان تدعم ترشح سيف الإ ...
- صالة رياضية -وفق الشريعة- في بريطانيا.. القصة الحقيقية
- تمهيدا لبناء الهيكل المزعوم.. خطة إسرائيلية لتغيير الواقع با ...
- السلطات الفرنسية تتعهد بالتصدي للحروب الدينية في المدارس
- -الإسلام انتشر في روسيا بجهود الصحابة-.. معرض روسي مصري في د ...
- منظمة يهودية تستخدم تصنيف -معاداة السامية- للضغط على الجامعا ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد ابداح - تكوين المُدرك