|
نهاية عصر زهور!
سليم نزال
الحوار المتمدن-العدد: 6023 - 2018 / 10 / 14 - 14:35
المحور:
الادب والفن
نهاية عصر زهور!
سليم نزال
عصر زهور يمتد من اواسط السبعينيات الى اواخر الثمانينيات..و لذا يمكن القول ان عصر زهور ارتبط بالتغيرات التى كانت تشهدها العاصمة اوسلو .و مع نهاية عصر زهور كان قد حصل الكثير من التغيرات.
و عندما اتحدث عن زهور فانى لا اعنى فقط صاحب الدكان الباكستانى السمين صاحب الابتسامة الحذرة على راى احدهم .بقدر ما هو رمز لمرحلة باكملها .اما انا فقد كنت ارى فيه عقل قروى يدير دكانا بعقلية قروية .
كان يبدو لى و زوجته السمينة التى كانت تساعده كانهما قادمين من رواية مائة عام من العزلة .ذكرت هذا لصديق فابتسم و راقت له المقارنة .ففى ماءة عام من العزلة نرى كيف بدا المجتمع يتغير بعدما بقى لفترة معزولا عن العالم الخارجى.مدت سكة حديد و مركز بوليس الخ من ادوات الدولة الحديثة.كان كل هذا مؤشرا على انهيار عالم باكمله كان يقبع لاعوام عديدة خلف تلك الجبال .
كان زهور الدكان الاجنبى الوحيد فى كل اوسلو و لذا فقد كان يتحكم بالسعر الذى يقرره و ما كنا علينا سوى قبول ذلك و عدا عن ذلك لم تكن نوعية ما يبعه نوعية جيدة . ما زلت اتذكر ما قاله لى صديق مصرى عندما اشترى علب حمص لم تعجبه.قال اللعنة على زهور و حمص زهور و لككنا مجبرين على شراءه .
و لم نكن نذهب فقط للشراء بل ايضا للقاء اصدقاء كنا غالبا نلتقى هناك .و عندما اكون هناك فانى اخرج من النروج مع انى لم ازل فىها .قال لى احد الاصدقاء ممن كان يتردد على الدكان .فى تلك الازمان كان من السهل التحدث مع اى اجنبى بل و الذهاب معه الى المقهى و التحدث معه بدون حذر .و كان اللقاء فى الدكان فرصة ان يعرف المرء الكثير من الاجانب فى تلك المرحلة .فالجميع تقريبا كان يتردد على ذلك المكان و هناك كنا نذهب بعد الشراء الى مقهى لنتحدث . فى هذا الزمن بدات اوسلو تتغير تماما فى قصة مشابهة لمائة عام من العزلة.و ذات مرة كنت فى دكان يقع فى بناء قديم اصفر .قال صاحب الدكان انه سيغلق قريبا المحل لانهم سيبنون سنترا مكانه .و هكذا بدانا نرى سنتر اوسلو سيتى يبنى فى هذا المكان .و بعدها بوقت قصير اختفى المحل الوحيد لللاحذية الذى لم يزل صاحبه يضع الوزرة على وسطه . ما زلت اتذكره و هو يقف على باب الدكان .مضى الرجل و حل مكانه بناء جديد و محلات احذيه بعاملات شابات.
مع منتصف الثمانينات بدات عوائد النفط تظهر بوضوح .فقد اكتشف النفط فى بحر الشمال فى اوائل سبعينيات القرن الماضى و صارت النروج بلد نفطى. و معها بدا الاقتصاد يتحسن و بدنا نرى فى الاسواق انواع جديدة من الفواكه و البضائع التى لم تكن معروفه من قبل مثل الجوافه و سواها . كما بدا يظهر برامج جديدة مثل برنامج النروج ادول و بدا يظهر مطربين من الجيل الجديد مثل سيسل شرشيبوا و سواها .كان لى صديق نرويجى مغرما بها .قلت له يبدو انك متاخر لانى سمعت ان لها علاقه بشاب دانماركى .و اعتقد انها تزوجته لاحقا . و بعد وقت بدا العمل فى المنطقة لمحاذية للبحر و تم بناء مقاهى و مطاعم حديثه تضاهى مقاهى باريس .كما تم بناء بيت الادب بعدما كان النشاط الثقافى فى السابق مركزا على بيت الثقافة.
و قد بدات اوسلو القديمة التى عرفناها تتغير .بدا العمل فى بناء ما يعرف ب اوسلو اس او محطة القطارات الحديثة ثم تبعها نجديدات اخرى اكثر من ان تعد .لم يعد يقى من المدينة سوى اغراند هوتيل و هو المقهى الذى كان يجلس فيه هنريك ابسن مع صديقه الشاعر بيونشون بيورنشون . و كنا فى وقت من الاوقات نجلس فى الطابق الثانى لغراند هوتيل نتحدث فيها عن شوؤننا و شجوننا .و من هناك كوننا ربما اول نواة للمثقفين العرب فى اوسلو تلك الاوقات .
و مع بداية تدفق اللاجئيين العرب بدات تختفى ملامح نواة المجتمع العربى الذى كان قد اسس لسنوات .و بدات معها تظهر بعض التعارضات بين الجيل القديم و القادمين الجدد .
استمر دكان زهور فى العمل بكل ما فيه من فوضى و قلة ترتيب و كانه يقاوم الزمن .لكن بعد قليل بدات الامور تتغير بالتدريج و احيانا بسرعه .افتتح محل باكسانى اخر و الطريف ان الرجل الذى كان يبع اللحوم فيه كنت اسميه بائع اللحوم .و بعد سنوات من هذا التاريخ صار رجل اعمال يشترى و بيع عقارات و كنت حين الاقيه صدفه اناديه باسم بائع اللحوم فطلب منى ان اتوقف عن مخاطبته بهذا اللقب و هذا ما حصل ..
و جاء بعده دكان تركى و توالت دكاكين الاجانب و هكذا بدات جمهورية زهور بالتداعى . حاول زهور تحديث دكانه قليلا لكنه كما يبدو لم يستطيع . كل المؤشرات كانت تشير الى نهاية مرحلة ! و فى اواخر المرات التى كنت اتردد فيها على الدكان بدا لى زهور و كانه كبر اعوام عديدة دفعه واحدة .و لعل ذلك كان يؤشر على نهاية عصر زهور و بزوع حقبة جديدة .
#سليم_نزال (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
اشهر الظلام !
-
عن نزهة الاحد!
-
مهمة سيزيفية
-
فنانين و شعراء و مجرمى حرب !
-
اسالة الحياة الكبرى!
-
عن القوة الناعمة و خطورة غياب فلسطين !
-
الهوية الجامعة الاشكالية و التحديات !
-
فى ظلال التاريخ !
-
الطريق الشائك للتغيير !
-
اكبر من قبلة
-
عودة الروح!
-
هكذا تكلم شكيب فى امسيات مدينة لفيف !
-
زمن مرعب و الاتى اعظم !
-
بداية الخراب فى مواسم الهجرة العربية !
-
قمر بين ظلال الغابة!
-
عن زمن جمال عبد الناصر
-
سقوط الوهم !
-
لا بد من فك الارتباط بين الاسلام الاوروبى و اسلام الشرق الاو
...
-
عزف على العود!
-
لاجل التعامل بنضج فى قضايا السياسات المصيرية!
المزيد.....
-
انطلاق معرض الرياض الدولي للكتاب 2025
-
انطلاق معرض الرياض الدولي للكتاب 2025
-
لا أسكن هذا العالم
-
مزكين حسكو: القصيدة في دورتها الأبدية!
-
بيان إطلاق مجلة سورياز الأدبية الثقافية
-
سميّة الألفي في أحدث ظهور لها من موقع تصوير فيلم -سفاح التجم
...
-
عبد الله ولد محمدي يوقّع بأصيلة كتابه الجديد -رحلة الحج على
...
-
الممثل التونسي محمد مراد يوثق عبر إنستغرام لحظة اختطافه على
...
-
تأثير الدومينو في رواية -فْراري- للسورية ريم بزال
-
عاطف حتاتة وفيلم الأبواب المغلقة
المزيد.....
-
سميحة أيوب وإشكالية التمثيل بين لعامية والفصحي
/ أبو الحسن سلام
-
الرملة 4000
/ رانية مرجية
-
هبنّقة
/ كمال التاغوتي
-
يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025
/ السيد حافظ
-
للجرح شكل الوتر
/ د. خالد زغريت
-
الثريا في ليالينا نائمة
/ د. خالد زغريت
-
حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول
/ السيد حافظ
-
يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر
/ السيد حافظ
-
نقوش على الجدار الحزين
/ مأمون أحمد مصطفى زيدان
-
مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس
...
/ ريمة بن عيسى
المزيد.....
|