أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مفيد عيسى أحمد - الوردة ..وجه ريم















المزيد.....

الوردة ..وجه ريم


مفيد عيسى أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 1511 - 2006 / 4 / 5 - 01:11
المحور: الادب والفن
    


الشيخ الوقور أمسك بيدي وطاف بي على وجه الماء توقف و قال: التقط الوردة ، تلفت حولي مستغرباً..؟ ، أشار إلى وردة حمراء بهية تتهادي على مويجات الماء و قال هناك، الوردة كانت وحيدة و باهرة الجمال ، يفصلني عنها خطوتين، تقدمت و التقطتها برفق، مست يدي وريقاتها برقة .
الشيخ ترك يدي وقال بتشجيع : تستطيع أن تكمل و حدك و اختفى أكملت الخطوات المتبقية إلى الضفة.... وأنا أتساءل..من هذا الذي سار بي على وجه الماء ....؟ لم يفعل ذلك سوى الناصري ..ومن أنا ليتسنى لي السير على وجه الماء ؟
يومان و أنا ابحث لريم عن وردة في شوارع و أزقة هذه المدينة الشمالية الباردة .. وردة حمراء نقية و حقيقية ‘ وجد ت الوردة أردت التقاطها فاستيقظت . كان ذلك بعد أن حملت لوحاتي لأريها لذلك الأبله.
الطقس بارد جداً و أم وليد صاحبة البيت لا تفتئ تسألني ..ما بك ..؟ لقد تغيرت كثيراً ما بك نحيل و شارد .. ثم أين أصدقاؤك ... لما لم تعد ترسم ..لقد وعدتني أن ترسم لي وردة.... أنا مثل أمك ..قل لي مابك
أنا لا أجيب ما الذي سأقوله لها ...لقد زعلت منهم ... و زعلت من ريم و من الدنيا .... لما أنا هكذا ....علي أن أخرج ، أشعر ببرودة الماء المستساغة أسفل قدمي و بتلك الخطي اليسيرة التي خطوتها على وجه الماء، ما افتقده الوردة الحمراء و وجه ريم.
الطريق إلى ريم ليس طويلاً، شارع واسع ثم آخر أضيق يتفرع عنه ، أبواب متتابعة خشبية كبيرة عتيقة و نوافذ طولية،ورود و نباتات متسلقة، ثم باب ريم، أزرق بلون الروح، الطريق يحتاج لخطوة بدء و قلب مفعم، قدرة على مناهضة العبق، ريم لا تحتاج لشيء ، تحتاجني أنا فقط هي تقول ذلك و أنا أستغرب.
أحس نفسي زائداً فائضاً على الدنيا لما تحتاجني ريم..؟
علي أن أخرج ..أم وليد تقول ...غير جو تمشى اذهب إلى أصدقائك .... تتوقف قليلاً و تسأل من جديد ...لما لا يزورك أحد.
أزحت اللحاف عن وجهي بقيت في الفراش ...علي أن أرسم ..أن أخرق هذه الحالة اللدنة التي تكتمني ...علي أن أبدد كلام ذلك الفنان الصلف الأبله ....أضم قبضتي و أفردها لأتقي خدراً ينتشر في يدي عندما أذكر الرسم ...توقف عن الرسم ... توقف ...هل تستطيع أن تفعل ذلك ...؟ وقعت كلمات الفنان في أذني من جديد و كأني أسمعها للتو ... أعدت اللحاف من جديد، غطيت رأسي لكني لم أستطع إغماض عيني .
، ما كان يجب أن أري ذلك الصلف لوحاتي ... لكني قدرت أنه سيفهمني ....
لكن ما ذنب ريم في هذا ....؟ أستطيع رؤية ملامح ريم في الحلكة، أستطيع ذلك حتى لو انطفأ نور عيني، أرى وجودها بكل جسدي.. بروحي كم مرةً قرأت وجهها بيدي من مفرق شعرها إلى نحرها، ما ذنب ريم خمسة أيام و لم أكلمها ..
وردة لريم هذا ما أحتاجه الآن، وردة وقدرة على النهوض للحصول عليها ..سيالة عصبية تعيد ليدي القدرة على التحكم بالريشة، الرغبة بالكلام و أن أحرر مخيلتي و أنقيها من كلام ذلك الرسام الابله .
لا أدري ما الوقت نهضت ببطء، قدماي باردتان و رطبتان كأني ما زلت أطأ الماء .. الجو بارد جداً ...المصباح مضاء و لا صورة على شاشة التلفزيون الذي تركته يعمل لأدحر صمت الوحدة المقلق ..ذرات تتصادم مصدرة وشيشاً .
تذكرت أني نمت عصر البارحة و آخر كلمات سمعتها لأم وليد و هي ترجوني أن أخبرها ما بي و أن أخرج و أرى أصدقائي.
نهضت ببطء مشيت إلى النافذة،أزحت الستارة، هناك أثار ظلمة تنسحب، الأشياء تبدو مجرد ظلال ، الوقت فجر، علمت ذلك من انعدام الحركة في الشارع ، كنت قد نمت بثيابي، ارتديت معطفي و خرجت، نسمة قارسة لفحتني، الطقس بارد جداً ... لم يكن لي وجهة معينة أردت أن أمشي فقط كل ما في كان يستيقظ ...جسدي و روحي ...ثلاثون عاماً تستيقظ الآن ..حزن وفرح .. خيبات .... تلك الكلمات التي قالها ذلك الرسام في ردهة المعرض ( توقف عن الرسم ..توقف ..) لم أجد كلمة أقولها عندما مشيت سألني : هل تستطيع ..؟ كان في عينيه إيحاء من التواطئ . البرد ... البرد قارس ...لا أدري إن كنت أستطيع ..كلماته شكلت فاصلة أوقفتني ..راجعت لوحاتي من جديد ،... خمسة أيام لم أكلم أحد ..ريم اتصلت، قلت لها أنا تعبان، و لم أجبها ثانية، حاولت أن أرسم، يداي ترتعشان لم أستطع التحكم بالريشة، رأسي كان غائماً، خمسة ايام لم أخرج أنام لساعات طويلة، أم وليد تطرق باب غرفتي من وقت لآخر تسألني ما بك ..؟ لست طبيعياً .. أين أصدقاؤك .؟ لم لا تذهب إلى العمل..؟
ما رأيك بفنجان قهوة ... كأس شاي ... ليمون .. ما بك ....؟
الطقس بارد للغاية .. بقايا الماء في الشوارع متجمدة، مازالت قدماي باردتان أحس أنهما ما زالتا تلامسان وجه الماء أشعر بدفء يد الشيخ القابضة على يدي ..كأنه ما زال يقودني.
أتمنى أن أرى ريم الآن، ليس من المنطقي أن أتصل بها في مثل هذا الوقت، رأيتها لأول مرة في المعرض الأول لي، كنت أقف على باب الصالة عندما رأيتها تخطل في الشارع ، دعوت الله أن يسوق خطاها إلى معرضي و هذا ما كان، تفرست في اللوحات بتمهل، ثم كتبت في سجل الزوار كلمة مستني من الداخل، بدأت من تلك اللحظة أعرف ريم و إلى الآن مازلت أتعرف عليها، ريم ليست كأي أنثى هي ربما خلقت لا لتتزوج بل لتحب لمليون عام، ريم وردة برية لميلادها وقت و لموتها وقت و لا يحيط بتأثيرها وقت أو مكان، إلى الآن لم أقل لها أحبك، ربما سأقولها و أهرب كي لا أحترق.
أحتاج لريم الان هل هي حقاً تحتاج إلى ..؟ أحتاج لها ولوردة، قدماي باردتان، يدي اليسرى أيضاً أما اليمنى فهي دافئة حيث أمسكني الشيخ، يدي اليمنى معافاة و هي ما أرسم به، ألم يدرك ذلك الفنان الأبله أن الرسم عشق، كيف سأتوقف؟ ما الذي دفعني للكلام معه عن لوحاتي و لكي أسرع و أجلبها ليراها؟
لم أتعرف على الشوارع كأني أقطعها للمرة الأولى .. ماذا تفيد معرفة الشوارع .. نفذت إلى وسط المدينة، الساحة خالية ، بحرة الماء و النافورة ساكنة لم أسمع خرخرة الماء .. الماء كان جامداَ، الدفق النافر االمنبثق من فم النافورة أضحى تويجاً جليدياً لوردة جميلة و شفافة ، البركة طبق من الجليد، لا أحد في الساحة ليس هنا من استيقظ باكراً ليقابل هذا الفجر الصقيعي، درت حول النافورة دورتين ..ثم توقفت، ماذا لو ذهبت إلى ريم .. خمسة أيام لم أكلمها..كم أتوق لذلك الآن، لكني أحتاج لوردة ..لن أذهب دون وردة.
اقتربت من البركة انحنيت لمست السطح الجليدي بسبابتي لم يكن بارداً بل لاذعاً، طبق الجليد كان متماسكاً و بديعاً، جلست على الحافة، تمر سيارة من وقت لآخر، النوافذ المضاءة بدأ تزداد
لمست الجليد ثانية، ، كم تمنيت أن أسير على الثلج أو الجليد، لكن ماذا لو مشيت الآن ..؟
خلعت حذائي و جوربي وقفت على حافة البركة ، ترددت برهة ثم وضعت رجلي بحذر كان الجليد متماسكاً ناعماً، ليس بارداً ، له أثر محير يتجاوز البرودة، و ضعت الثانية، هأنا أقف على الجليد، خطوت بحذر، خطوة ...خطوتين ..سرت في نشوة عارمة نشوة من امتلك ما حلم به ..في الخطوة الرابعة ..صعدت قشعريرة خفيفة و نافذة من أسفل قدمي إلى قمة رأسي، سرت مع ذلك الصوت الخفيف لتشقق الجليد، علمت أنت سأغوص في البركة ، لكني لم أستطع فعل شيئاً و لم أرغب بذلك، غاصت قدمي قليلاً ثم هبطت إلى القاع، لم تكن البركة عميقة، غمرتي حتى وسطي، لم أحس بالبرودة، أحاسيس قديمة من الخيبة، عاودتني، خضت في البركة ملتفاً حول نافورتها، قطع الجليد تسبح على وجه الماء ..جميلة كالمرايا الصقيلة . توزع فيها وجه ريم .. لم أكن أحس ببرودة، حتى هذه اللحظة ما زلت أستيقظ ما زال يدي اليمنى دافئة، و أسفل قدمي رطبين و كأنهما فقط ما يلامس الماء، التقط وردة .. سمعت الشيخ يقول بثقة من جديد ..التقط وردة ، تراءى لي وجه ريم ...
سمعت أصواتاً متداخلة ... شاب مسكين ... من المؤكد أن لا أهل له و لا بيت ... لا بد أن مجنون ....المدينة كانت قد بدأت تستيقظ ، عدة أشخاص وقفوا يتفرجون علي و يستغربون ما يحدث .. خرجت من البركة و أنا أبتسم ..حملت حذائي و مشيت حافياً إلى البيت .. لم أكن أحس بألم أو برد ، فقط رطوبة وبرودة مستساغة أسفل قدمي الحافيتين ، يدي اليمنى ما زالت دافئة، وجه ريم ألح في حضوره، أستطيع رؤية ابتسامتها الآن ... يتداخل وجهها مع وردة حمراء يانعة ..يتوزع في جليد كالمرايا .. حثثت الخطى كنت متلهفاً لرسم تلك ألأخيلة ..وجه ريم .. الشيخ ما زال يدعوني ..التقط وردة ...التقط ..
دخلت المنزل ..شهقت أم وليد .......لم تتكلم أسرعت إلى الداخل ..دخلت غرفتي ... سمعت الشيخ يدعوني من جديد ... التقط وردة ...لم أكن شرعت بالرسم بعد عندما سمعت صوتاً ناعماً و أليفاً ..يناديني .. أشرق وجه ريم..... رأيت وردةً تتهادى ..كان العالم دافئاً و دافئاً ...لمحت أم وليد تبتسم .



#مفيد_عيسى_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أبو ليلى
- لبنان ترويكا السياسة ..ترويكا الموت
- تلفزيون المستقبل .الحقيقة.و إعلام لا تقربوا الصلاة
- عبد الحليم خدام ...من العار أن تعضوا أيها الرفاق
- الوطنية و المواطنة
- كل هذا وليد جنبلاط
- كل هذا .....وليد جنبلاط
- سياسة الضحك
- مطار عكرمة الجديدة
- يلزمنا كوادر للإصلاح ....شرفاء و خبراء ....فمن يبيع؟
- ماركيز وميليس رداً على عباس بيضون
- حركة راقصة أخيرة
- حاسر الرأس 4×4
- أكتوبر المصري .. و تشرين السوري .... العراقيون يبنون بلدهم و ...
- عبقرية الجمع بين محمود درويش و......نانسي عجرم
- فيلم أمريكي طويل ...العرض مستمر ...لبنان جديد ..كنتاكي ....م ...
- ثلاثة نداءات و ثصبح نجمة
- اخلعوا رؤوسكم تنامون بهدوء
- انقسامات الحزب الشيوعي السوري ، من زاوية ليست فكرية
- زبيدة و نسيم البحر


المزيد.....




- 1.8 مليار دولار، قيمة صادرات الخدمات الفنية والهندسية الايرا ...
- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مفيد عيسى أحمد - الوردة ..وجه ريم