أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مفيد عيسى أحمد - مطار عكرمة الجديدة















المزيد.....

مطار عكرمة الجديدة


مفيد عيسى أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 1388 - 2005 / 11 / 24 - 20:29
المحور: الادب والفن
    


بأم عيني رأيتها تطير، من جورة الدربولية إلى ثكنة خالد روحة ...رجعة.. ارتفعت عن الأرض بمقدار ذراع.. ذراعين .. شيئاً فشيئاً أصبحت على علو عشرة أمتار وصلت إلى فوق ثكنة خالد، ثم التفت عائدةً، فوق الأراضي التي قامت عليها عكرمة الجديدة و حطت بعد دوار النزهة، خبطت بالأرض ثلاث مرات و انحرفت مثيرة غباراً دارت على نفسها و توقفت.
كنا ندفعها و نستغرب من هذا المجنون، لكنه كان يدفع أجورنا ماذا نريد أكثر من ذلك..؟
نحن نعرفه صبياً صغيراً، لكن يبدو أن السنين تمر بسرعة..؟ هذا ما تبين بعد أن وقف بباب منزلي سلم وقال: هل تريد أن تعمل..؟
قلت لا بد أن الشاب يبني بيتاً أو هو ابن أحد المتعهدين ... قلت طبعاً أريد لكن ألم أرى وجهك من قبل .؟ رد بصوت ضاحك ولو... عمي أبو عبدو أنا حسن ... حسن اليتك ... سبحان الله الطفل أصبح شاباً ... ربت على كتفه كما كنت أفعل عندما كان طفلاً و قلت : عين عمك ماذا تريدني أن أعمل أنا جاهز..؟
قال : أريدك أن تدفش طائرة .. ..
لم أفهم ... لا بد أن الشاب زل لسانه...قلت .. تقصد سيارة ... أو عربية خضرة ...
قال : لا فرق ... المهم تعال معي.
ارتديت ثياب العمل و أسرعت خلفه . من وادي الدهب إلى النزهة مسافة قصيرة كنت آخذها مشياً أو على البسكليت وجدته ينتظرني مع رجلين على دوار النزهة، لم يكن دواراً و لا ساحة بل أرض بور تنحدر إلى جورة الدربولية وتنبسط بعدها أرض سهلية تنتهي بطريق الشام هي الأرض التي قامت عليها عكرمة الجديدة.
أمامنا كانت تقف ماكينة غير معروف ما هي، ترتكز على ثلاثة دواليب كالطرطيرة و تلمع كطنجرة الألمنيوم ركب عليها بلور سيارة لاند روفر أمامي و بابي سيارة جيب واز، تفرع من منتصفها جانحان من التوتياء تم تقويتهما ببوريين ثلاثة أنش. و تنتهي بذيل متشابك من البواري مرفوع إلى الأعلى في نهايته ومتصالب ، في مقدمتها ركبت مروحة ضخمة. اقتربت من أحد الرجال و سألته ما هذا ...؟
أجاب كما ترى، غمز بعينه و أشار إلى حسن : يقول أنها طائرة.
وقف حسن وبدأ يشرح : ستدفعونها بسرعة في نزلة جورة الدربولية إلى أن تطير.
قلت: عمي حسن ... و إذا لم تطير .
أجاب: ستطير لابد من ذلك انظر إليها أليست طائرة ..؟ دار حولها متفحصاً ركل عجلاتها الثلاثة اختبر متانة الجناحين و المروحة التفت إلينا قائلاً:
سأصعد الآن ستدفعونها بسرعة إلى ان يدور المحرك ستستمرون بالدفع طالما هي على الأرض عندما تطير لا تقفوا تحتها .
فلتت مني كلمة، ماذا أفعل أنا دائماً هكذا قلت : عمي حسن ألا نتصل بالإسعاف ... حدجني بنظرة لوم ولم يتكلم ..صعد إلى الطائرة و حزم نفسه بحزامين متقاطعين وضع على رأسه خوذة كالتي يلبسونها في المعامل، أخرج يده من النافذة وقال ادفشوا ... هيا ...
و دفشنا دفشة رجل واحد قطعنا الأمتار المستوية و كرت الطائرة في نزلة الدربولية و نحن نركض معها وندفشها تسارعت الماكينة حتى صارت تجرنا و نحن نتعلق بها ثم أفلتناها و وقفنا نلهث ونراقبها و هي تبتعد مسرعةً و مثيرةً الغبار، لكن المحرك لم يشتغل، ، نزل منها حسن وضع يده في خصره ثم أشارإ لينا و صاح: ماذا تنتظرون هيا إلى هنا، أعيدوها إلى فوق ..
و بدأنا ندفش بالعكس، أربعة أيام ونحن في نفس الحالة، صرنا فرجة لكل أهل حمص حتى أخواننا الحموية أتوا ليتفرجوا علينا. في اليوم الخامس ونحن ندفش مرت الكونكورد فوقنا و اخترقت جدار الصوت، رعد ت ً، توقفت وقلت للشباب توقفوا يا حمير ..هل يضحك علينا هذا الأخوت ولك يا عمي مجنون يحكي و عاقل يسمع ماذا يريد..؟ أن تطير هذه الماكينة و إذا طارت ألا يخجل منها و الكونكورد تمر فوقه و تسابق الصوت ماذا سيستفيد ..؟ يضيع وقته ووقتنا كم قرن يحتاج ليصنع كونكورد ...؟
في هذا الوقت فك حسن الأحزمة و ترجل من الماكينة و صرخ: لماذا توقفتم ..؟
قلت ... الكونكورد ..
- و ما دخل الكونكورد..؟
- عدم المؤاخذة لماذا تتعذب و تتكلف..؟ هذه الماكينة لا تظهر أمام الكونكورد ... ... قاطعني و قال اسمها طائرة الم ترى طائرة من قبل ....
قلت نعم رأيتها فوق و أشرت إلى السماء .
- - أين هذه الماكينة من الكونكورد لماذا تتعذب وتعود للوراء كمن يركب حماراً وسط سيارات الأكابر في شارع الدبلان ..؟ الكونكورد تسبق الصوت وتفقعه وأنت ...لم يتركني أكمل قال لن تفهم عليكم أن تدفشوا و تأخذوا أجوركم و لا تتدخلوا .
صعد إلى الماكينة قلت هيا يا شباب الجنون فنون .. و قلة العقل مصيبة...ذنبو على جنبو .... يا قوة الله .... دفشة..... و عدنا ندفش.
مع كل مشوار دفش كان حسن يعدل شيئاً في الماكينة يحمل مفكاته و يفك ويركب، يشيل و يحط و نحن جالسون نرتاح نستغل الفرصة لنشرب شاي أو نأكل سندويشة، لم نعد نتعب لأن بعض الفضوليين بدؤوا يساعدوننا.
انقطعنا عن الدفش يوماً واحداً، ذهبنا صباحاً وجدنا حسن قد سبقنا و بدأ بالعمل، يفك و يركب، تفحص الأجنحة و المروحة و أشياء من المحرك.. قال: اليوم صيانة لا عمل لكم عودوا غداً، لم نعد إلى بيوتنا بل وقفنا نتفرج، لم يتكلم كلمة واحدة إلى الساعة الثالثة بعد الظهر قال كلمتين: لا تتأخروا غداً .
صباح اليوم التالي قال عليكم أن تدفشوا بأقصى ما تستطيعون، انضم إلينا بعض من كانوا يتفرجون، انطلقت الماكينة بسرعة، طبطب المحرك، فقع ثم أصدر دخاناً رمادياً، لكن الماكينة
لم تطر، كانت تهم و لم ترتفع عن الأرض كمن ينوء بأثقال تفوق قدرته.
من جديد نزل حسن من الماكينة و هز رأسه و همهم ..... هم.............هم .. أشار بيده و قال ادفشوها إلى هنا و اذهبوا إلى البيت.
دفشناها .. كان حولنا خلق كثيرون، كملعب بابا عمرو وقت المباراة ، وكنا نسمع تعليقات ساخرة، انظروا إليها ألا تشبه ( الميك 17 ) لا .. لا ... تشبه ( الميراج ) لا بل ( الفانتوم )، في حماه صنعوا طائرة و دفشوها في نزلة الحاضر و قد طارت فوق الجبال وصلت إلى فوق مصياف وعادت و هذه ... لا ترضى أن تطير يا عيب الشوم...حتى في صافيتا صنع سليمان الرويسة طائرة ..طارت من النزلة المجاورة لمحطة طرزان و حامت فوق غابة صنوبر سرستان ثم عادت إلا هذه الماكينة. وقفت ثلاث عربيات للباعة على طرف الأرض المستوية علق على أحدها كرتونة، كتب عليها بخط رديء( مطعم مطار عكرمة فلافل ، بيض ) و على الأخرى علقت لافتة كتب عليها ( سحلب قهوة .طائرة عكرمة )
فكرت ما هذه البهدلة صرنا جرصة ...و هذا الأخوت لا يهمه .. يجب أن أترك العمل، لكن في اليوم التالي ذهبت للدفش من جديد، خمسون ليرة في اليوم ليست سيئة، حتى لو دفشت صخرة.
اليوم ستطير ، قال لنا في صباح اليوم التالي و كأنه على يقين، كان متحمساً صعد إلى الطائرة حزم نفسه من جديد و أعطانا إشارة كالطيارين فدفشنا،ا كالعادة كرت الماكينة، هذه المرة دار المحرك فوراً زخمه حسن اليتك فجعر، سبقتنا الماكينة و لم نقدر أن نلحق بها، سارت كالسيارة مسافة مائة متر، ثم بدأت تنط و تحط, ترتفع عن الأرض قليلاً ثم تلامس الأرض من جديد، تطير عشرة أمتار و تسير خمسة، كدجاجة خائفة، ثم توقفت، نزل حسن منها مسروراً لو استطاع لطار هو أيضاً، صاح أرأيتم ....؟
الناس الذين كانوا يتفرجون بدؤوا يصفقون و يهرجون، ركضوا باتجاه حسن و بدؤوا يصافحونه، نحن وقفنا مندهشين التفت إلينا وقال:
ادفشوها إلى أعلى دوار النزهة و اذهبوا إلى بيوتكم، غداً صباحاً تعالوا باكرين، أوصلنها إلى أعلى الدوار، انقطع نفسنا، استرحنا قليلاً ثم ذهبنا في حال سبيلنا.
قلت للشباب و الله حسن اليتك عبقري من كان يصدق، واحد مثله يصنع طائرة.
قال أحدهم هاأنت أسميتها طائرة و لم تطر إلا كالبطة الكسيحة، ثم ماذا سيفعل بها، هل سينقل ركاباً إلى الشام ... يا عمي فعلاً الجنون فنون.
وجدنا الطائرة كما تركناها مشرئبة و مستعدة للحركة، تفقدها حسن كعادته، ثم صعد إليها و أشار بيده فدفشنا’ نحن و خمسون رجلاً من الحضور، كانوا يصخبون و يضحكون، عند الظهيرة و بعد عشرين محاولةً، بدأت الطائرة تنط نطات أكبر مما فعلته البارحة, ثم في المحاولة الأخيرة قفزت قفزة واسعة وقفزة أخرى ثم ارتفعت عن الأرض شبر شبرين ثم بمقدار ذراع ، متر...مترين ثم بدأت ترتفع، الجميع واقفوا مندهشين، علت إلى ارتفاع بناية من ثلاث طوابق وصلت إلى فوق ثكنة خالد ثم التفت فوق المخيم وعادت نحونا، ذعرنا جميعاً من أن تقع على رؤوسنا، ركضنا خائفين إلى أن وصلنا إلى دوار النزهة.
بدأت الطائرة تنخفض و تنخفض ثم لامست الأرض وبدأت تنطنط مثرة الغبار و تفتل يميناً و شمالاً و الكل يصيح يالله الطف، فتلت فتلتين و توقفت و اختفت في زوبعة غبار و تراب.
ثم دوي انفجار قوي ومفاجئ، جمدنا مكاننا للحظة حسبنا أن الطيارة انفجرت، رانت فترة صمت.
قال أحد الحاضرين بصوت منخفض: الكونكورد. نظرنا إلى السماء،خط ابيض مستقيم متآكل الحواف يبدأ من الغرب و يدب شرقاً يرسمه مسار طائرة الكونكورد.
تنهدنا بارتياح، بدأ الغبار ينقشع عن طائرة حسن اليتك، ركضنا باتجاهها، أحد أجنحتها تحطم و الذيل التوى إلى اليمين، كان حسن يفك الحزامين ببطء و خوف قفز من الطائرة وصاح: طارت و سقط مغشياً عليه، رششنا عليه ماءً و ضربناه ثلاث أربع كفوف فاستقيظ و قال: ادفشوا. بدأنا نضحك. أشار رجل إلى الطائرة و قال: تستطيع أن تبيعها إلى مدرسة الصناعة، و يمكن أن تبيعها قطع.
تركتهم و مشيت بهدوء إلى منزلي، لم آخذ قرش واحد من حسن، فهو شاب ابن حلال و فقير كلفته الطائرة كثيراً، حاول أكثر من مرة ورفضت.
من يقول أنها لم تطر كاذب رأيتها بأم عيني تطير بعد أن دفشناها أياماً و كانت الكونكورد تفقع جدار الصوت، لم يعد هناك كونكورد أليس كذلك..؟



#مفيد_عيسى_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- يلزمنا كوادر للإصلاح ....شرفاء و خبراء ....فمن يبيع؟
- ماركيز وميليس رداً على عباس بيضون
- حركة راقصة أخيرة
- حاسر الرأس 4×4
- أكتوبر المصري .. و تشرين السوري .... العراقيون يبنون بلدهم و ...
- عبقرية الجمع بين محمود درويش و......نانسي عجرم
- فيلم أمريكي طويل ...العرض مستمر ...لبنان جديد ..كنتاكي ....م ...
- ثلاثة نداءات و ثصبح نجمة
- اخلعوا رؤوسكم تنامون بهدوء
- انقسامات الحزب الشيوعي السوري ، من زاوية ليست فكرية
- زبيدة و نسيم البحر
- دعونا نجرب
- عندما يحب عادل إمام الجميع ...!


المزيد.....




- فنانة مصرية شهيرة: سعاد حسني لم تنتحر (فيديو)
- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مفيد عيسى أحمد - مطار عكرمة الجديدة