تيلي امين علي
كاتب ومحام
(Tely Ameen Ali)
الحوار المتمدن-العدد: 6005 - 2018 / 9 / 26 - 22:20
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
دأبت الادارة الامريكية ، وعلى رأسها الرئيس ترامب في تغريداته ، وعدد أخر من المسؤولين الامريكيين ، على اطلاق اتهامات نارية خطيرة ضد طهران منذ ان الغى ترامب ومن جانب واحد التزامات الولايات المتحدة تجاه ايران بموجب الاتفاق النووي المتعدد الجوانب . ففضلا عن اتهام ايران برعاية الارهاب وقيادتها له ، يرى الامريكييون ان ايران تشكل تهديدا للسلم العالمي ودعوا المجتمع الدولي للتحرك وعزل النظام الايراني وفرض عقوبات صارمة عليه .
لا يخفى ان الاشتباك المؤجل بين واشنطن وطهران ، مرده الاشكالات العديدة وخلافات عميقة بين العاصمتين ، منها البرنامج النووي الايراني الذي يشكل تهديدا لحلفاء امريكا وممولي خزينتها في دول الخليج ، وكذلك التواجد العسكري الايراني في الاراضي السورية ، وسيطرة طهران على السياسة العامة وامور دولة لبنان من خلال ميليشيات حزب نصرالله واتباعه من الساسة اللبنانيين الشيعة ، ودعمها العلني لميليشيات الحوثي في اليمن والذي يشل قدرات التحالف العربي في مواجهتها .
لكن التهديدات الشرسة العنيفة ،التي اطلقها كل من وزير خارجية الولايات المتحدة (مايك بومبيو ) ومستشار امنها القومي (جون بولتون ) والمبعوثة الامريكية في الامم المتحدة ( نيكى هالي ) ، تبين ان غضب الولايات المتحدة من كل تلك الاختلافات ليس سبب موقفها المتشدد تجاه ايران في الوقت الحاضر ، وان ما يقال عن خشية امريكا على اسرائيل من ايران ، لا تدفعها حاليا لمثل ذلك الموقف . فوزير الخارجية الامريكي مطمئن من هذا ( التهديد ) الايراني ، وقد فنّد بنفسه خطر طهران على الدولة العبرية ، واستهزأ بدعمها مبينا ان ايران لم تقدم اكثر من (20) الف دولار للفلسطينيين ، فيما صرفت المليارات على ميليشياتها الارهابية على حد وصفه.
ما يمكن ملاحظته من خلال التصريحات والمواقف الامريكية التي ازدادت حدّة في الاونة الاخيرة ، تعود الى ان البيت الابيض ممتعض بحنق ،ومصاب بحالة من الهيستيريا من تفوّق ممثل (الخامنائي ) ، جنرال الحرس الثوري ( قاسم سليماني ) على مبعوث الرئيس الامريكي (بريت ماككورك ) في سباق الهيمنة على العراق ورسم ملامح حكومته القادمة ، وتحديد مسارات سياستها المستقبلية . وقد سبق ذلك صرف واشنطن لكل جهودها وامكانياتها واوراقها ، لضمان مصالحها الحيوية في العراق ،وابعاد الجار المناوىء عنها .
فقد نشط ماككورك كثيرا بعد الاعلان الرسمي لانتخابات ايار الماضي ، وبدء المحادثات بين القوى العراقية لتشكيل الحكومة وتحديد الكتلة البرلمانية الاكبر ، المتناغمة مع توجهاتها في تشابك المصالح بين دولها الاقليمية والقوى الدولية العظمى، وقام بزيارات شبه يومية لقادة العراق متنقلا بين بغداد واربيل مصطحبا السفير الامريكي ( دوكلاس سيليمان )، ناشدا وهادفا اقناع القوى العراقية ، الكردية والسنية والشيعية ، بمنح ( حيدر العبادي ) الولاية الثانية وتنصيبه مجددا رئيسا للوزراء ، ولم يتورع العبادي عن ( رشوة ) الامريكان بالاعلان عن التزام حكومته بالعقوبات الامريكية على ايران ، الحالية منها والمنتظرة ) واوقف التعامل معها بعملة الدولار التي كانت ايران تسحبها من الخزينة والاسواق العراقية بيسر وتسهيلات وطرق متعددة . الا ان العبادي واجه رفضا قاطعا من كردستان لاستخدامه القوة العسكرية ضدها وتردده في الايفاء بالتزاماته الدستورية تجاهها، كما ان خصومه الشيعة نشطوا في تشتيت قائمته الانتخابية وغربلتها ، وكّفت قائمة مقتدى الصدر( السائرون ) عن تأييده له وانسحبت من التحالف الهش معه بعد احداث البصرة وانتفاضتها ضد القوى المعممة واستهدافها لمقراتها ،وفشل حكومة العبادي في مواجهتها . كما شاعت انباء انزعاج المرجعية الشيعية عن ادائه ، وراجت مقولة خطباء السيستاني ( المجرب لا يجرب )، ثم تواردت الانباء عن رفض المرجعية الصريح لعدد من السياسيين وتحديدهم بالاسم ، ومنهم العبادي . واطلق زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني الرئيس ( مسعود البارزاني ) تصريحاته الواضحة المتضمنة ان شعب العراق عاقب ساسته الذين استخدموا القوة العسكرية ووقفوا بالضد من طموحات الكرد ، رافضا كما يقال التحالف مع قائمة النصر بزعامة العبادي. فأنزوى ماككورك جانبا وادرك اليقين ان فرصة تنصيب العبادي قد تبخّرت ، ولم يجد نفعا للاستمرار في الدعوة لولاية اخرى له ، مقتنعا ان (قاسم سليماني ) قد كسب الجولة بمهارته او بما لديه من اوراق وقوى تدرّبت في ايران وتدين بالولاء لولّي الفقيه ومرجعية (قم ). بعدها جاء انتخاب ( محمد الحلبوسي ) رئيسا لبرلمان العراق بجهود ودعم قائمة ( المالكي والعامري ) والتي يتبناها ( سليماني) واحرز فوزا على منافسيه السنه ممن يوالون واشنطن و على خلاف مذهبي وقومي مع طهران ، كما اشيع ان انتخاب النائب الثاني لرئيس البرلمان كان بدعم المعسكر الايراني ايضا .مما يعتي ان اغلبية رئاسة البرلمان قد انحازت الى غريمه سليماني . وبذلك ادرم ( ماككورك) ان ( سليماني ) يمسك برأس الخيط في بغداد واربيل وان حلبة المصارعة بينه وبين جنرال الحرس قد تشهد سقوطه الحتمي .
مرة اخرى وانقاذا لماء الوجه ، وربما للتخفيف عن غضب رئيسه ، حطّ ماككورك في بغداد ، عسى ولعل ان يحقق بعض النجاح في اختيار ( موال ) امريكي لاخر الرئاسات الثلاث ، فزار السليمانية واربيل واجتمع باكبر عدد من القيادات الكردية ، ويقال انه مارس (الترغيب والتهديد معا ) لحمل هذه القيادات على ترشيح ( برهم صالح) لرئاسة الجمهورية ، وهو اضعف الايمان ، بعبارة اخرى ، ان لم يعد (صالح) مواليا امريكيا ، بسبب تقربه من طهران في الاونة الاخيرة ووصفه القوى الكردية المعارضة في ايران بالجماعات الارهابية ، واضفائه المشروعية على العملية العسكرية الايرانية ضد هذه الجماعات ومعسكراتها في مدينة ( كوى ) داخل الاراضي الكردستانية العراقية ، فلا بأس به في نظر الامريكان بسبب الصداقات القديمة لصالح معهم واقامته في امريكا لفترة طويلة . لكن يبدو ان سليماني لا يكتفي بترنحات ماككورك ، انما يبغي نحره تماما ، فأتخذ الجنرال من بغداد مسكنا له ، كما يقول الامريكييون ، وتم رفض مرشح الاتحاد الوطني من قبل اكبر حزب كوردستاني ، هو الحزب الديمقراطي الذي يقال عنه ، انه يشعر بغضب تجاه ماككورك لموقفه من استفتاء الاقليم في العام الماضي فبادر الى اصلاح علاقاته التاريخية مع طهران ، فألقى هو الاخر مرشحا له لرئاسة الجمهورية ، كما ان عدد من الاحزاب الشيعية لم تقبل بصالح على علله وهي تفاوض الحزب الديمقراطي حول مرشحه . واذا صحّ العمل بمقولة المرجعية ( لا يجرب المجرب) فيكون صالح مشمولا بها باعتباره مجربا كونه كان نائبا لرئيس الوزراء العراقي ، مما يجرده الفرصة تماما للفوز على مرشح الحزب الديمقراطي .
واذا اقتنعنا ، بما سرّبته بعض المواقع الاخبارية ، حول مساندة ( سليماني ) لمرشح الحزب الديمقراطي ( فؤاد حسين ) ، يكون فوزه اكيدا ، ولن يتبقى لماككورك ما يرضي به الادارة الامريكية ويكون قد حصد الفشل تماما وخرج من المولد بلا حمص.
تحمّل الادارة الامريكية ، كما يبدو ، قائد الحرس الثوري ( قاسم سليماني ) فشل سياستها واحباط ممثلها في العراق ، وهي ترى فيه العائق الذي حال دون تحقيق اهدافها في العراق بعد كل التضحيات الامريكية في محاربة النظام السابق و الحرب على داعش ، وانفاقها اموالا طائلة استقطعتها من دافعي الضريبة الامريكيين . وهذا ما يفسر تهديدات بولتون الفريدة لقاسم سليماني ووصفه له بالقاتل ،واعلانه عزم الولايات المتحدة الانتفام منه ، والقول ان امريكا لن تدع ايران تعبث بمنطقة الشرق الاوسط . واخيرا رسالته هذا اليوم للايرانيين ( نحن نتعقبكم وسنحاسبكم ) ولكن الواقع يفصح عن حقيقة ان آذان الجاويدان قد تكون صمّاء .
#تيلي_امين_علي (هاشتاغ)
Tely_Ameen_Ali#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟