أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - غياث المرزوق - ذٰلِكَ ٱلْغَبَاءُ ٱلْقَهْرِيُّ ٱلْتَّكْرَارِيُّ: طُغَاةُ ٱلْتَّقَدُّمِ أَمْ بُغَاةُ ٱلْتَّهَدُّمِ؟ (2)















المزيد.....



ذٰلِكَ ٱلْغَبَاءُ ٱلْقَهْرِيُّ ٱلْتَّكْرَارِيُّ: طُغَاةُ ٱلْتَّقَدُّمِ أَمْ بُغَاةُ ٱلْتَّهَدُّمِ؟ (2)


غياث المرزوق
(Ghiath El Marzouk)


الحوار المتمدن-العدد: 5990 - 2018 / 9 / 10 - 20:14
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


إِنَّ بَيْنَ يَدَيِ ٱلْسَّاعَةِ ٱلْهَرْجَ. قِيلَ: وَمَا ٱلْهَرْجُ؟ قَالَ: ٱلْكَذِبُ وَٱلْقَتْلُ [أَيْضًا].
قَالُوا: أَكْثَرَ مِمَّا نَقْتُلُ ٱلْآنَ؟ قَالَ: إِنَّهُ لَيْسَ بِقَتْلِكُمْ [أَعْدَاءً]، وَلٰكِنَّهُ قَتْلُ بَعْضِكُمْ بَعْضًا!
مُحَمَّدٌ بْنُ عَبْدِ اللهِ


قلتُ في القسمِ الأولِ من هذا المقالِ إنَّ ذٰلِكَ الغَبَاءَ القَهْرِيَّ التَّكْرَارِيَّ إنَّما هُوَ دَاءٌ نفسيٌّ عُضالٌ يستحْوذُ استحْواذًا فِطْرِيًّا ومُكْتَسَبًا على ذِهْنِيَّاتِ الطُّغاةِ العُتَاةِ المُصْطَنَعِينَ، أينما ثُقِقُوا في أصْقاعِ هذا العالمِ العربيِّ المَحْزونِ، وأمثالِهِ: قلتُ «استحْواذًا فِطْرِيًّا»، من جانبٍ، لأنَّ هؤلاءِ الطُّغاةَ لا يعْدُونَ أنْ يكونوا، في الأصْلِ، فروعًا مُتَفَرِّعةً عن جُذُورٍ تليدةٍ تتغلغلُ في ثنايا «نظامٍ كُلِّيَّانِيٍّ» Totalitarian Regime مُخْتَلّقٍ اخْتلاقًا أجنبيًّا ليسَ لهُ إلاَّ أنْ يُجَانِسَ في صَيْرورتِهِ «نظامًا أبَوِيًّا» Patriarchal System وِرَاثِيًّا طامعًا في الدَّوامِ المُطْلَقِ في الحُكْمِ للذُّكُورِ من «سُلالَتِهِ» دونَ غيرهِمْ إلى يومِ يُبْعثُونَ، سَواءً تسرْبَلَ هذا النظامُ بِسِرْبالٍ «مَلَكِيٍّ» أو «عَاهِلِيٍّ» سَافرٍ أم تقنَّع بِقناعٍ «جمهوريٍّ» أو حتى «اشتراكيٍّ» طافر. وقلتُ «استحْواذًا مُكْتَسَبًا»، من جانبٍ آخَرَ، لأنَّ هؤلاءِ الطُّغاةَ يَكادُونَ أنْ يُعيدوا للعَيْنِ بِناءَ عَيْنِ المَشاهِدِ السياسيةِ، أو المُسَيَّسَةِ، التي تَبدَّى فيها مَنْ سَبَقَهُمْ ومَنْ عَاصَرهُمْ مِنَ الطُّغاةِ «الأَمَاثِلِ»، سَواءً من حيثُ المَسَارُ الذَّميمُ الذي سَاروا عليهِ وهم باقُونَ، أو عَائِشُونَ، أمْ من حيثُ المَصِيرُ الدَّميمُ الذي صَاروا إليهِ وهم فانُونَ، أو سَاقطونَ. تِلْكُمَا هُمَا الحَالانِ، أعني حَالَيْ ذلك الاِستحْواذِ، ابتداءً من نشوءِ ما سُمِّيَ، حينَئذٍ، بـ«حركاتِ التحرُّرِ الوطنيِّ»، أو «القوميِّ»، بُعَيْدَ الحربِ العالميةِ الثانيةِ، وانتهاءً واستمرارًا بِنُشُوبِ نيرانِ الثَّوَرَانِ الشعبيِّ «الرَّبيعيِّ» خلالَ هذا العقدِ الدَّمَوِيِّ والدَّامِي من الزمانِ – وبالأخصِّ في تلك البلدانِ العربيةِ التي تقنَّعتْ طَبَقَاتُ حُكْمِهَا بالقناعِ «الجمهوريِّ»، أوِ «الاشتراكيِّ»، في تونس وليبيا ومصر واليمن وسوريا، على أقلِّ تقديرٍ. إلاَّ أنَّ سَيْرورةَ هذا الثَّوَرَانِ الشعبيِّ، في واقعِ الأمرِ، لمْ تدأبْ ذلك الدُّؤُوبَ المَأمُولَ منهُ نحوَ حُرِّيَّةٍ وعدالةٍ اِجتماعيَّةٍ كانتْ شُعُوبُ هذهِ البلدانِ المقهُورةُ من كلِّ الجهاتِ، وما بَرِحَتْ، تَتُوقُ إليهِمَا أيَّمَا تَوْقٍ، كبدايةٍ لحَاضِرٍ جَديدٍ وبدايةٍ لمستقبلٍ مَجيدٍ. ومَرَدُّ ذلك، أولاً وآخرًا، إلى رُجْحَانِ كَفَّةِ الميزانِ رُجْحَانًا أوَانِيًّا في الوجهِ الخَبيثِ المقابلِ (للوجهِ الحَميدِ أو السَّليمِ) من قضيةِ ما يُفْضِي إلى تعدُّديةِ الشخصيةِ الواحدةِ، عندما يدافعُ السُّفَهَاءُ والمُراؤونَ والمتملِّقونَ والمتزلِّفونَ، على اختلافِ مَشَارِبِهِمْ وعلى ائتلافِ مَآرِبِهِمْ، عندما يدافعونَ عن شَخْصِ الطاغيةِ العَتيِّ المُصْطَنَعِ المَعْنِيِّ (كمثلِ بشار الأسد وعبد الفتاح السيسي، وغيرِهِمَا) تشويهًا وتشنيعًا لوجهِ الحقيقةِ، وعندما يتيحونَ من ثمَّ لتلك السِّفْلَةِ، أو تلك الحُثَالةِ، منهمْ أنْ يحملوا ما يتيسَّرُ وَ/أوْ مَا يتعسَّرُ لهُمْ من «مشاعِلِ» الثَّوَرَانِ المُضَادِّ، إلى أجلٍ مَسَمًّى، حتى لو كانوا يظنُّونَ ظَنِينًا، أو كانوا يُوقِنونَ يَقِينًا، أنَّ هذا الثَّوَرَانَ المُضَادَّ ذاتَهُ، في إبَّانِ المَسَارِ التاريخيِّ «الطبيعيِّ»، ليسَ إلاَّ طورًا مذمُومًا من أطوارِ الثَّوَرَانِ الشعبيِّ (الكونيِّ) ذاتِهِ، طورًا محْتُومًا زمَانيًّا ومحْسُومًا مكانيًّا مهما امتدَّ زمَانُهُ ومهما اتَّسَعَ مكانُهُ، طورًا محْمُومًا ومسْمُومًا لا بُدَّ لهُ من أنْ يسْعَى إلى حَتْفِهِ بِأظْلافِهِ، حينما تندلعُ ألْسِنَةُ اللَّهَبَانِ الخَبيءِ من جديدٍ عاليًا عاليًا، وحينما تُعْلِنُ هذهِ الألْسِنَةُ بسَعِيرِها العَارمِ إرْهاصَاتِ الطورِ القَرَاريِّ الأخيرِ، طورِ الحَسْمِ الثوريِّ الذَّخِيرِ، شاءَتْ أرْجَاسُ تلك السِّفْلَةِ، أو تلك الحُثَالةِ، ومَنْ تُكِنُّ الوَلاءَ لهُمْ من لفيفِ أسيادِهَا الطُّغَاةِ العُتَاةِ المُصْطَنَعِينَ، أمْ أبتْ.

أقولَ هذا القولَ بكلِّ تفاؤُلٍ وافْتِآلٍ، مرَّةً أُخرى، رَغْمَ أنَّهُ، في «مَعْمَعَانِ» هذا الطورِ المَذْمُومِ والمَحْمُومِ والمَسْمُومِ، طورِ الثَّوَرَانِ المُضَادِّ المَحْتُومِ والمَحْسُومِ الذي تمرُّ بِهِ سَيْرورةُ الثَّوَرَانِ الشعبيِّ ذاتِهِ، رغمَ أنَّهُ ينجلي فيهِ انجلاءً، على الأقلِّ، عاملانِ قَمْعِيَّانِ «كَمِّيَّانِ» مكمِّلانِ لبعضِهِمَا البعضِ، أولهُمَا داخليٌّ مباشرٌ وثانيهمَا خارجيٌّ لامباشرٌ، عاملانِ قَمْعِيَّانِ يعملانِ على إدَامَةِ هذا الطورِ، وعلى دَيْمُومَةِ مُنْتَهَاهُ، بأيَّتِمَا ذريعةٍ سياسيةٍ براغماتيةٍ كانتْ، حتى لو كانتْ هذهِ الذريعةُ لاأخلاقيةً في الصَّميمِ، وحتى لو كانتْ هذهِ الذريعةُ لاإنسانيةً، لا بَلْ مَا دُونَ-حَيَوانِيَّةً، في صَميمِ الصَّميمِ: ينجلي العاملُ القَمْعِيُّ الداخليُّ المباشرُ، من طرفٍ، في حقيقةِ ذلك التنفيذِ العسكريِّ و«السَّمْكريِّ» المَرْئيِّ الذي كانَ فَلُّ الطُّغاةِ العُتَاةِ المُصْطَنَعِينَ، في «الجمهورياتِ» أو في «الاشتراكيَّاتِ»، وما انفكُّوا، يتولَّوْنَ القيامَ بِهِ على أكملِ وَجْهٍ بكلِّ ما أُوتوا «مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الخَيْلِ»، من أمثالِ بشار الأسد وعبد الفتاح السيسي، كما ذُكِرَ. ففي قرينةِ المَآلِ الوَخِيمِ الذي آلَتْ إليهِ «سوريا» ذلك الطاغيةِ العَتِيِّ المُصْطَنَعِ الأوَّلِ، وأيًّا كانَتْ راهنيَّةُ التمثيلِ المُؤَوَّلِ، فإنَّ أزلامَ النظامِ الأسديِّ الطائفيِّ المَافْيَويِّ الإجراميِّ إنَّمَا يتحمَّلُونَ المسؤوليةَ كلَّهَا عن أكبرِ نسبةٍ من نِسَبِ الاختفاءِ القَسْريِّ حتى الآنَ (90%)، حيثُ يخضعُ المختفونَ والمختفياتُ، على اختلافِ أعمارِهِمْ وأعمارِهنَّ، قَسْرًا إلى أسَاليبَ تعذيبيَّةٍ غايةٍ في الوحشيَّةِ والهمَجيَّةِ والحُوشِيَّةِ، وأشدَّ من ذلك حتى – وهذهِ النسبةُ الشُّؤْمَى تستبيءُ قمَّتَهَا اللاإنسانيةَ، لا بَلْ مَا دُونَ-الحَيَوانِيَّةَ، وحدَهَا، ووحدَهَا فقط، في مقابلِ نسبةِ الاختفاءِ القَسْريِّ الذي يتحمَّلُ المسؤوليةَ عنهُ بكليَّتِهِ أيضًا كلُّ ما تبقى من أطرافِ الاحترابِ والتحَارُبِ «المُحْتَدِمَيْنِ» في مَسْرَحِ الدِّمَاءِ السُّوريِّ (10%)، كمثلِ تنظيمِ «الدولةِ الإسلاميةِ» (أو «داعش»، اختصارًا)، وتنظيمِ «هيئةِ تحريرِ الشَّامِ» (أو «جبهةِ النُّصْرةِ»، سَابقًا)، وتنظيمِ «حزبِ الاتحادِ الديمقراطيِّ الكرديِّ»، وغيرِهَا من تنظيماتِ فصائلِ «المعارضةِ المسَلَّحَةِ» الأُخرى. وينجلي العاملُ القَمْعِيُّ الخارجيُّ اللامباشرُ، من طرفٍ آخَرَ، في حقيقةِ ذلك التنفيذِ الاقتصاديِّ و«العتاديِّ» اللَّامَرْئِيِّ الذي باتَ فَلُّ الطُّغاةِ العُتَاةِ المُصْطَنَعِينَ (أو، بالقمينِ، ممثِّليهِمْ من أولئك «الانفتاحِيِّينَ» و«الحَداثوِيِّينَ» الجُدُدِ)، في «الإماراتِ» أوْ في «المملكاتِ»، وما فَتِئُوا، يتولَّوْنَ القيامَ بِهِ على قَدَمٍ وسَاقٍ، ولكنْ من وراءِ الكواليسِ والكراريسِ، بكلِّ ما أُوتوا من «حِرَانٍ»، لا بلْ من «خِلاءٍ» بعبارةٍ إبْلِيَّةٍ بَدَويةٍ بَيْدَاويَّةٍ أقربَ إليهِمْ، من أمثالِ محمد بن زايد ومحمد بن سلمان، على وجهِ التحديدِ. كلُّ هذا «القيامِ على القَدَمِ والسَّاقِ» إنْ هو، في جوهرِ الأمرِ، إلاَّ تخوُّفٌ دفينٌ من وُصُولِ المَدِّ الثوريِّ إلى عُقر الديارِ، في «الإماراتِ» أو في «المملكاتِ»، وَاعِدًا بالحُرِّيَّةِ والعدالةِ الاجتماعيةِ بوصفِهِمَا ألَدَّ عدوَّتَيْنِ جاثمتَيْنِ لهذَيْنِ الطاغيتَيْنِ «الانفتاحِيَّيْنِ» و«الحَداثوِيَّيْنِ»، دونَ غيرِهِمَا. ناهيكُمَا بالطبعِ، أيَّتُهَا القارئةُ الكريمةُ وأيُّهَا القارئُ الكريمُ، عن أنَّ هذا «القيامَ على القَدَمِ والسَّاقِ» لا يتمُّ أيَّ تمامٍ إلاَّ من خلالِ أوامِرَ مدروسَةٍ تأتيهِمَا من لفيفِ أسيَادِهِمَا في أمريكا وإسرائيلَ، على وجهٍ أكثرَ تحديدًا، أوامِرَ مدروسَةٍ تأتيهِمَا آنًا بعدَ آنٍ، وعلى شَاكلةِ «التَّحَكُّمِ عنْ بُعدٍ» Remote Control تِبْعًا لظروفِ الزَّمَانِ والمَكَانِ. وناهيكُمَا، بطبيعِةِ الحالِ، عن ذلك التَّحَابُبِ «الفُجَائيِّ» بينَ عُرْبَانِ النَّفْطِ في «الإماراتِ» وبينَ رُوسِ العَفْطِ في «الاتحاداتِ»، على وجهٍ أكثرَ تحديدًا بكثيرٍ، ذلك التَّحَابُبِ العَجَائبيِّ والغَرَائبيِّ الذي أسْفَرَ عنهُ إتْمَامُ التَّصَافُقِ الليليِّ والنهاريِّ مَا بينَ الشركةِ الإماراتيةِ الشهيرةِ «مبادلة البترول» والشركةِ الروسيةِ الأشهرِ «غازبروم» Газпром، وذلك سَعْيًا سَعْيًا حثيثًا إلى تطويرِ عددٍ من حُقولِ النَّفْطِ والعَفْطِ في الجانبِ الغربيِّ من «سيبيريا» Siberia، وعلى سُفوحِ تلك الجبالِ التي تسمَّتْ عَصْرَئِذٍ بالـ«أورالِ» Ural باسْمِ ذاك البطلِ الأسطوريِّ «المُتَحَزِّمِ بالحَصَيَاتِ والصُّخُورِ» – تمامًا مثلمَا يتحزَّمُ عُرْبَانِ النَّفْطِ هؤلاءِ بالفَشَكَاتِ والخَرَاطِيشِ.

وبدافعٍ من غَضَبٍ ومن سُخْطٍ دفينَيْنِ مَعْجُونَيْنِ باسْتِسْخَارٍ وباسْتِصْغَارٍ لا يحتاجَانِ إلى أيِّمَا تعليلٍ، كنتُ على الدَّوامِ، كما كانَ الكثيرُ من الأخَوَاتِ الحَبِيبَاتِ القادمَاتِ، والإخوةِ الأحِبَّةِ القادمينَ، من ذاك العالمِ العربيِّ المَرْسُومِ بدَمْعِ، لا بلْ بدمِ، التَّفَجُّعِ والمَأسَاةِ مِمَّن تعرَّفتُ إليهِنَّ وإليهِمْ في بلادِ التغرُّبِ والشَّتاتِ، كنتُ على الدَّوامِ أستخدمُ في الكتابةِ والكلامِ عبارةَ «العُرْبَانِ المُؤَمْرَكِينَ»، أو «العُرْبَانِ المُتَأَمْرِكِينَ»، حَسْبَمَا يقتضيهِ الحالُ واللامَحَالُ في اللغةِ العربيةِ الأُمِّ، أو في لغةٍ أجنبيةٍ غيرِهَا، وذلك للإشارةِ الجليَّةِ إلى أمثالِ ذينك الطاغيتَيْنِ «الانفتاحِيَّيْنِ» و«الحَداثوِيَّيْنِ» المعنيَّيْنِ، في «الإماراتِ» و«المملكاتِ»، وإلى زبانِيَتِهِمْ واحدًا واحدًا، وإلى كلِّ مَنْ يُكِنُّونَ الوَلاءَ لهمْ، في الجَهَارِ وفي الخَفاءِ، من شعُوبِهِمْ ومن غيرِهَا من الشعُوبِ العربيةِ وغيرِ العربيةِ، دُونَمَا استثناءٍ. وهذانِ الاِسْتِسْخَارُ والاِسْتِصْغَارُ اللذانِ لا يحتاجَانِ إلى أيِّمَا تعليلٍ، علاوةً على ذلك، إنَّما يشيرَانِ بجلاءٍ أشدَّ من سَابقهِ حتى، وبالأخصِّ إلى أولئك الموظَّفاتِ العربياتِ والموظَّفينَ العربِ، وهنَّ «يَرْتَعْنَ» وهمْ «يَرْتَعُونَ» في شتَّى مَجَالاتِ توظيفهِنَّ وتوظيفهِمْ في التدريسِ والطِّبَابةِ والهندسَةِ والمُحَامَاةِ وغيرهَا، أولئك الطُّفَيْلِيَّاتِ اللواتي يَعْتَشْنَ، والطُّفَيْلِيِّينَ الذينَ يَعْتَاشُونَ، على «الفائضِ» من أموالِ «الإماراتِ» و«المملكاتِ» بالذاتِ، وأولئك المتطفِّلاتِ اللواتي يَقْتَتْنَ، والمتطفِّلينَ الذينَ يَقْتَاتُونَ، على «الفَضْلِ» من أطعمتهِا، كذلك. فكمْ هو مثيرٌ للتقزُّزِ والقَرَفِ أنْ يُشْتَفَّ من هؤلاءِ الطُّفَيْلِيَّاتِ المتطفِّلاتِ أنفسِهِنَّ، ومن هؤلاءِ الطُّفَيْلِيِّينَ المتطفِّلينَ أنفسِهِمْ، وقدِ اكتظَّتْ جيوبُهُنَّ وجيوبُهُمْ من تلك «الفوائضِ»، وقدِ امتلأتْ بطونُهُنَّ وبطونُهُمْ من تلك «الفَضَلاتِ»، كمْ هو مثيرٌ للتقزُّزِ والقَرَفِ أنْ يُشْتَفَّ منهنَّ ومنهُمْ كلَّ الاِشْتِفَافِ، من وجهٍ «حَميدٍ» أو «سَليمٍ»، فَخَارٌ ليسَ بعدَهُ فَخَارٌ بِمَا نَجَزَهُ وأنْجَزَهُ من «تقدُّمٍ» ومن «حَضَارةٍ» لَفيفُ أسيادِهِنَّ وأسيادِهِمْ من عُرْبَانِ النَّفْطِ مِمَّنْ وَصَفْتُهُمْ قبلَ قليلٍ بعبارةِ «العُرْبَانِ المُؤَمْرَكِينَ»، أو «العُرْبَانِ المُتَأَمْرِكِينَ»، أيَّا كانوا. وكمْ هو حتى أشدُّ إثارةً للتقزُّزِ والقَرَفِ أنْ يُشْتَفَّ منهنَّ ومنهُمْ كلَّ الاِشْتِفَافِ، في الوجهِ الخَبيثِ النقيضِ، دِفاعٌ مُسْتَمِيتٌ عن شَخْصِ الطاغيةِ العَتيِّ المُصْطَنَعِ المَعْنِيِّ، تَحَرُّزًا واحْتِرَازًا من فُقْدَانِ مَا اكتظَّتْ بهِ جيوبُهُنَّ وجيوبُهُمْ من تلك «الفوائضِ» عينِهَا على «أملٍ إبْلِيسِيٍّ» بِعودتِهِنَّ وعودتِهِم إلى أحضَانِ «الوطنِ الحبيبِ» في ظَنِّهِنَّ وظَنِّهِمْ – وهذا الدفاعُ المُسْتَمِيتُ، في حدِّ ذاتِهِ، لا يختلفُ بَتَّةً، من حيثُ لاأخلاقيَّتُهُ الذرائعيَّةُ في الوصولِ والانتهازِ الشَّائنَيْنِ، عن «دفاعِ» أولئكَ السُّفَهَاءِ والمُرائينَ والمتملِّقينَ والمتزلِّفينَ في ذاتِ الوجهِ الخَبيثِ النقيضِ من قضيةِ ما يُفْضِي إلى تعدُّديةِ الشخصيةِ الواحدةِ ذاتِهَا، شَخْصِ الطاغيةِ العَتيِّ المُصْطَنَعِ المَعْنِيِّ ذاتِهِ، كما سَبَقَ ذِكْرُهُ. والآنَ، في هذا الأوانِ، وبعدَ انقضَاءِ أكثرَ مِنْ سَنَتَيْ سَمْنٍ وعَسَلٍ مُسْتَخْفِيَيْنِ بِاللَّيْلِ وَسَارِبَيْنِ بِالنَّهَارِ، سَنَتَيْ سَمْنٍ وعَسَلٍ بينَ آلِ سعود وآلِ صهيونَ، من جهةٍ، وبينَ آلِ صهيونَ وآلِ نهيانَ، من جهةٍ أخرى، وبينَ آلِ نهيانَ وآلِ سعود، من كلٍّ من الجهتَيْنِ، صَارتِ العبارةُ ذاتُهَا قدَّامَ الكبيرِ وقدَّامَ الصَّغيرِ وقدَّامَ المُقَمَّطِ بالسَّريرِ عبارةَ «العُرْبَانِ المُؤَمْرَكِينَ المُؤَسْرَلِينَ»، أو «العُرْبَانِ المُتَأَمْرِكِينَ المُتَأسْرِلِينَ»، حَسْبَمَا يقتضيهِ الحَالُ واللامَحَالُ كذلك. وبهذا، وبذلك، فقدْ تحقَّقَ بالفعْلِ مَا تنبَّأَ بِهِ المُخَضْرَمُ الشاعرُ، مظفر النوَّاب، عندمَا قالَ بالقولِ في ختامِ قصيدتِهِ الشهيرةِ «تلُّ الزَّعْتَرِ» قبلَ أكثرَ من أربعينَ عامًا: «لٰكِنْ يَا سَادَةُ، يَا سَادَهْ / لَنْ يَتَعَشَّى أَحَدٌ في الشَّرْقِ العَرَبِيِّ عَلى طَبَقٍ مِنْ ذَهَبٍ / صَرَّحَ نَفْطُ ابْنِ الكَعْبَةِ / [لا بَلْ صَرَّحَ نَفْطُ ابْنِ القَحْبَةِ] / صَرَّحَ أَنْ يُعْقَدَ مُؤْتَمَرٌ بِالصُّدْفَةِ / وَاللّهِ بِمَحْضِ الصُّدْفَةِ كَانَ سُدَاسِيًّا / أَرْكَانُ النَّجْمةِ سِتٌّ بِالكَامِلِ / يَا نَجْمَةَ دَاوُدَ ابْتَهِلِي [عَرَبًا] / يَا مَحْفِلَ مَاسُونَ تَرَنَّحْ طَرَبًا / يَا إِصْبَعَ كِيسِنْجَرَ إِنَّ الإسْتَ المَلَكِيَّ سُدَاسِيٌّ»، إلى أوَّلِهِ، إلى أوَّلِهِ، من تلك القصيدةِ الشهيرةِ!

ثَمَّةَ، إذنْ، أكثرُ مِنْ سَنَتَيْ سَمْنٍ وعَسَلٍ مُسْتَخْفِيَيْنِ بِاللَّيْلِ وَسَارِبَيْنِ بِالنَّهَارِ، سَنَتَيْ سَمْنٍ وعَسَلٍ مَا انْفَكَّتَا تلتهبَانِ تَشَاغُفًا وتَعَالُقًا وتَعَاشُقًا مَا بينَ أطرافِ ذلك الثالوثِ المُدَنَّسِ، ثالوثِ «الآوَالِ» المُجَنَّسِ، أو ثالوثِ «الآيَالِ» المُنَجَّسِ (مثلمَا تُريدانِ)، آلِ الصَّهَايِينِ وآلِ النَّهَايِينِ وآلِ السَّعَادِينِ، في السَّرَّاءِ والضَّرَّاءِ وحتى في وَسَطٍ وَسِيطٍ فيما بينَ بينَ. لكنَّ اشتدادَ أوَارِ هذا الالتهابِ التَّشَاغُفِيِّ والتَّعَالُقِيِّ والتَّعَاشُقِيِّ، في إبَّانِ هٰتَيْنِ السَّنتَيْنِ السَّمْنيَّتَيْنِ والعَسَليَّتَيْنِ، وفي إبَّانِ خَمْسٍ قبلَهُمَا (أو يزيدُ) من سَنَوَاتِ الاِرْتِهَازِ واللااِرْتِهَازِ ومَا بينَهُمَا كذلك، لكنَّهُ لا ينشَأُ نُشُوءًا ذَاتِيًّا لاإراديًّا هكذا، كمَا ينبثقُ الْتِحَاصُ الجُمُوحِ الرَّغَائبِيِّ أيًّا كانَ، حتى قبلَ أنْ يُصَارَ إلى إشْبَاعِ الرَّغَائبِ المعنيَّةِ، أو حتى قبلَ أنْ يُصَارَ إلى تكْبِيتِ هذهِ الرَّغَائبِ (تِبْعًا لما يُتَاحُ، أو لا يُتَاحُ، للنيابةِ الإنسانيةِ من حريةٍ نفسيةٍ وَ/أوِ اجتماعيةٍ)، بلْ ينشَأُ نُشُوءًا آخَرِيًّا إراديًّا، على النقيضِ، نُشُوءًا يَرْقُبُ رَسْمَهُ البَيَانيَّ Diagram مِرْقَابٌ مِقْرَابٌ رُقُوبَ الدَّيْدَبَانِ «الأمينِ»، ومنْ لَدُنْ طَرَفَيْ ثَانُوءٍ دَنَسِيٍّ أو «جَنَسِيٍّ» أو نَجَسِيٍّ كذلك، أحدُهُمَا أمريكيٌّ ذو تجسيدٍ «ترامْبيٍّ» جَليٌّ في أكثرِ الأحَايينِ، والآخَرُ روسيٌّ ذو تجسيمٍ «بوتينيٍّ» جَليٌّ حينًا وخَفِيٌّ حينًا آخَرَ حَسْبَمَا يقتضيهِ دورُهُ المَكِينُ. من هنا، من تَسَافُدِ أطرافِ ذاك الثَّالُوثِ المُدَنَّسِ و«المُجَنَّسِ» والمُنَجَّسِ، من جَانبٍ أوَّلَ، ومن تَسَافُحِ طَرَفَيْ هذا الثَّانُوءِ الدَّنَسِيِّ و«الجَنَسِيِّ» والنَّجَسِيِّ، من جَانبٍ ثانٍ، يجيءُ الرَّسْمُ البَيَانيُّ للصُّورةِ «الليبراليةِ» و«التقدُّميةِ» التي فَبْرَكَهَا طاغيةُ آلِ النَّهَايِينِ، محمد بن زايد، لطاغيةِ آلِ السَّعَادِينِ، محمد بن سلمان، أمامَ كلٍّ من العالَمِ العربيِّ والعالَمِ الغربيِّ، على حدٍّ سواءٍ. فمَا إنْ بانتْ إرهاصَاتُ هذهِ الصُّورةِ «الليبراليةِ» و«التقدُّميةِ» المُفَبْرَكَةِ في العالَمِ العربيِّ، على وجهِ الخُصُوصِ، حتى شَرَعَ طاغيةُ آلِ السَّعَادِينِ ذاتُهُ في تعزيزِهَا تعزيزًا دوليًّا وتعزيزًا عالَمِيًّا من خلالِ إصْدارِ ذلك «المرسُومِ الملكيِّ» الشهيرِ الذي يُجيزُ للنساءِ قيادةَ السياراتِ، من بينِ أشياءَ أُخرى، على الرَّغم من قَمْعِهِ الجَوْرِيِّ لكلِّ مَسَاعي المثقَّفينَ والصِّحافيِّينَ في السُّؤَالِ المُلحِّ عن مَآلاتِ أولئك النساءِ المُعْتَقَلاتِ في سُجُونِ آلِ السَّعَادِينِ، من مثلِ: سمر بدوي ونسيمة السادة (وهُمَا تانك الناشطتانِ اللتانِ كانتا قدْ دافعتا عنْ حقِّ المرأةِ في قيادةِ السياراتِ ذاتِهَا، قبلَ كلِّ شيءٍ)، وعلى الرَّغم من قَمْعِهِ الجَوْرِيِّ كذلك لكلِّ مَسَاعي المثقفاتِ المُعَارِضَاتِ في المُطالبةِ بشيءٍ من الحريةِ والعدالةِ الاجتماعيةِ، من مثلِ: نهى البلوي وإسراء الغمغام (وهُمَا أيضًا تانك الناشطتانِ اللتانِ كانتا تعملانِ جَادَّتَيْنِ في مَجَالِ حُقُوقِ الإنسانِ تحديدًا، حتى أنَّ أزلامَ آلِ السَّعَادِينِ أنفسِهِمْ يناشدونَ «القَضَاءَ الملكيَّ» الآنَ بإعدامِ هذهِ الناشطةِ الأخيرةِ بعدَ اعتقالِهَا منذُ حَوَالَيْ ثلاثةِ أعوامٍ وبدونِ أيَّتِمَا مُحَاكمةٍ). ومن هنا أيضًا، من تَسَافُدِ أطرافِ ذاك الثَّالُوثِ المُدَنَّسِ و«المُجَنَّسِ» والمُنَجَّسِ، من ذاك الجَانبِ الأوَّلِ، ومن تَسَافُحِ طَرَفَيْ ذلك الثَّانُوءِ الدَّنَسِيِّ و«الجَنَسِيِّ» والنَّجَسِيِّ، من ذلك الجَانبِ الثَّاني، يجيءُ الرَّسْمُ البَيَانيُّ الآخَرُ للصُّورةِ «الكاريزماتيةِ» و«الشَّعْبَوِيَّةِ» التي ابْتَدَعَهَا طاغيةُ آلِ السَّعَادِينِ، محمد بن سلمان، بدورِهِ هو الآخَرُ، لطاغيةِ آلِ النَّهَايِينِ، محمد بن زايد، أمامَ كلٍّ من العالَمَيْنِ العربيِّ والغربيِّ، على حدٍّ سِوًى، بالمَثَابةِ ذاتِها – ولَوْ أنَّ هذهِ الصُّورةَ «الكاريزماتيةَ» و«الشَّعْبَوِيَّةَ» المُبْتَدَعَةَ في العالَمِ الغربيِّ، على وجهِ التخصيصِ، جَاءتْ، في واقعِ الأمرِ، بإيعَازٍ أمريكيٍّ مباشرٍ، هذهِ المرَّةَ، وذلك لمُجَرَّدِ النظرِ إلى طاغيةِ آلِ النَّهَايِينِ عَيْنِ عَيْنِهِ بوَصْفِهِ «أفضلَ تَابِعٍ» يخدمُ المَصَالحَ الأمريكيةَ على الصَّعيدَيْنِ الاقتصَّاديِّ والعسكريِّ، على أقلِّ تقديرٍ.

فلا غَرْوَ، إذنْ، معَ ذلك التَّسَافُدِ الثَّالُوثِيِّ المُدَنَّسِ مَا بينَ آلِ الصَّهَايِينِ وآلِ النَّهَايِينِ وآلِ السَّعَادِينِ، ومعَ ما يَسْبِقُهُ من تَسَافُحٍ ثَانُوئِيٍّ دَنَسِيٍّ مَا بينَ آلِ «الطَّرَابِينِ» وآلِ «البَوَاطِينِ»، من حينٍ إلى حينٍ، لا غَرْوَ أنْ تصيرَ العبارةُ المَعْنِيَّةُ في وَصْفِ هؤلاءِ العُرْبَانِ، قدَّامَ أبْصَارِ بناتِ حوَّاءَ وقدَّامَ أنْظَارِ أبناءِ آدمَ أجمعينَ، لا غَرْوَ أنْ تصيرَ عبارةَ «العُرْبَانِ المُؤَمْرَكِينَ المُؤَسْرَلِينَ المُرَوَّسِينَ»، أو عبارةَ «العُرْبَانِ المُتَأَمْرِكِينَ المُتَأسْرِلِينَ المُتَرَوِّسِينَ»، حَسْبَمَا يقتضيهِ الحَالُ واللامَحَالُ، كمَا هي الحَالُ في سَابقتَيْهَا، كذلك. ولا غَرْوَ، لا غَرْوَ، فوقَ ذلك كلِّهِ، أن تكونَ الأحُبُولةُ الإستيراتيجيةُ على نَحْوٍ لا يقبلُ الجِدَالَ ولا يقبلُ السِّجَالَ هي ذاتُهَا، منذُ البدايةِ، ألا وهي: «التَّعَاضُدُ الأمْنِيُّ مِنْ أجْلِ مُحَارَبَةِ الإرْهَابِ المُتَمَثِّلِ في تنظيمِ «الإخْوَانِ المُسْلِمينَ» ومَنْ على شَاكِلَتِهِمْ»، تلك الأحُبُولةُ الإستيراتيجيةُ الوضيعةُ التي كانَ فَلُّ الطُّغاةِ العُتَاةِ المُصْطَنَعِينَ أنفسِهِمْ، في «الجمهورياتِ» أو في «الاشتراكيَّاتِ»، وما انفكُّوا، يتذرَّعُونَ بِهَا بغيةَ الاسْتِوَاءِ على عُروشِ الحُكْمِ إلى يومِ يُبْعَثُونَ، من أمثالِ بشار الأسد وعبد الفتاح السيسي، كما تَمَّ ذِكْرُهُ آنفًا. باختصَارٍ شَديدٍ، ذلك التَّسَافُدُ الثَّالُوثِيُّ المُدَنَّسُ، تحتَ مِرْقَابِ ذلك التَّسَافُحٍ الثَّانُوئِيِّ الدَّنَسِيِّ ليلَ نَهَارٍ، إنَّمَا كانَ، ولم يزلْ، منذُ البدءِ، يعملُ دَائِبًا، وبكلِّ مَا أوتِيَ «مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الخَيْلِ» (حتى نكرِّرَ التعبيرَ القرآنيَّ ذاتَهُ، هَا هُنا)، على مُسَانَدَةِ الثَّوَرَانِ المُضَادِّ «الخَرِيفيِّ»، بأطولِ مَا يُمْكِنُ مِيعَادًا، في مَوَاطِنِهِ الأصليةِ، من طرفٍ، وعلى إخْمَادِ الثَّوَرَانِ الشعبيِّ «الرَّبِيعِيِّ» بأسرعِ مَا يُمْكِنُ ميقاتًا، خوفًا من وصُولِهِ إلى عُقْرِ الدِّيَارِ في «الإماراتِ» و«المملكاتِ»، من طرفٍ آخَرَ. إنَّهُ ذلك العملُ الدَّؤوبُ من لَدُنْ آلِ النَّهَايِينِ (وبرِضْوَانٍ من آلِ السَّعَادِينِ) لَهُوَ الذي تمخَّضَ عنهُ شَنٌّ عنيفٌ لكلِّ أنواعِ الحملاتِ الإعلاميةِ والتسليحيةِ لكيمَا يُعَادَ الحُكْمُ الطغيانيُّ العسكريُّ في مصرَ، متمثِّلاً في الطاغيةِ العتيِّ المُصْطَنَعِ، عبد الفتاح السيسي، سفاحِ «ساحةِ رابعة» المعروفِ، وذلك بحُجَّةِ أنَّ لدى الرئيسِ المنتخَبِ انتخابًا ديمقراطيًّا، محمد مرسي، مَآربَ إلزامِ «الشَّريعةِ الإخْوَانِيَّةِ» في البلادِ. وإنَّهُ ذلك العملُ الدَّؤوبُ من لَدُنْ آلِ النَّهَايِينِ (وبرِضْوَانٍ من آلِ السَّعَادِينِ، كذلك) لَهُوَ الذي أسْفَرَ عنهُ سَعْيٌ حثيثٌ إلى انتقاضِ أيِّمَا شكلٍ من أشكالِ التجربةِ الديمقراطيةِ في تونسَ، متمثِّلةً على الأخصِّ في حركةِ «النهضةِ» (أو حركةِ «الاتجاهِ الإسلاميِّ»، سَابقًا)، وذلك بحُجَّةِ أنَّ لهذهِ الحركةِ المنتخَبَةِ انتخابًا ديمقراطيًّا، كذلك، مَرَاميَ إجبارِ «الشَّريعةِ الإخْوَانِيَّةِ» في البلادِ، بذاتِ المَثَابةِ – هذا إنْ لمْ نُورِدْ بشيءٍ من الإسْهَابِ عن تآمُرِ آلِ النَّهَايِينِ وآلِ السَّعَادِينِ تآمرًا مخابراتيًّا (محليَّا، وبمعيَّةِ جهازِ مخابراتِ الآلِ الأوائلِ) على مزاولةِ الاضطهادِ اللاإنسانيِّ بحقِّ كلِّ مَنْ ينتمي إلى حركةِ «الإصلاحِ» الإماراتيةِ ذاتِ «التطلُّعَاتِ الإخْوَنْجِيَّةِ» – وهذا إنْ لمْ نذكرْ بشيءٍ من الإطْنَابِ، أيضًا، عن تواطؤِ آلِ النَّهَايِينِ وآلِ الصَّهَايِينِ تواطؤًا مخابراتيًّا (لامحليَّا، وبمعيَّةِ جهازِ مخابراتِ الآلِ الأواخرِ، «موساد»، هذهِ المرَّةَ) على ممارسةِ الاغتيالِ مادونَ-الحَيَوَانِيِّ بحقِّ الناشطِ القياديِّ «الحَمْسَاويِّ»، محمود المبحوح، ذي «التوجُّهَاتِ الإخْوَنْجِيَّةِ»، كذلك، إلى آخرِهِ، إلى آخرِهِ.

وفي الأخيرِ، هَا هُنا، ولكي نوردَ ذلك المِنْوَالَ الحَزِينَ والمُحْزِنَ الذي يُعيدُ «الذكرى» إلى وَرَاءِ الوَرَاءِ في التاريخِ القديمِ الأشَدِّ حُزْنًا والأشَدِّ إحْزَانًا، كانَ العربُ يقتلونَ بعضَهُمْ بعضًا حينما كانوا يَحْيَوْنَ حَيَاةَ التهدُّمِ والبَدَاوَةِ، أوْ حينما كانوا من قبلُ «كَأُمَّةٍ وَحْشِيَّةٍ، أَهْلَ نَهْبٍ وَأَهْلَ عَبَثٍ»، على حدِّ تعبيرِ العلاَّمَةِ الفذِّ ابنِ خلدونٍ. وفي الأخيرِ، هَا هُنا أيضًا، ولكي نوردَ ذلك المِنْوَالَ الألِيمَ والمُؤْلِمَ الذي يستعيدُ «الذكرى» ذاتَهَا إلى أمَامِ الأمَامِ في التاريخِ الحديثِ الأشَدِّ ألَمًا والأشَدِّ إيلامًا، صَارَ العربُ (المتمثِّلونَ في أولئك «العُرْبَانِ» المعنيِّينَ الذين لا يختلفونَ، سُلوكًا ولا تفكيرًا، عن أَكَلَةِ اللَّحْمِ الآدميِّ Cannibals، في جوهر الأمرِ) يقتلونَ بعضَهُمْ بعضًا حتى عندما صَارُوا يَحْيَوْنَ حَيَاةَ «التقدُّمِ» و«الحَضَارةِ»، لا بلْ صَاروا معَ هذهِ الحياةِ يقتلونَ بعضَهُمْ بعضًا قتلاً عُصَابيًّا وقتلاً ذُهَانيًّا لمْ يسبقْ لأيٍّ منهمَا مثيلٌ، وذلك لأنَّهُمْ صَارُوا من بعدُ «كَأُمَّةٍ أكثرَ وَحْشِيَّةً، أَهْلَ كُلِّ النَّهْبِ وَأَهْلَ كُلِّ العَبَثِ»، استئناسًا بتعبيرِ ابنِ خلدونٍ ذاتِهِ، أو بصُورةٍ أرْقى بَيَانًا وبَلاغةً وفَصَاحةً، حتى، لأنَّهُمْ صَارُوا من بعدُ «كَأُمَّةٍ أكثرَ وَحْشِيَّةً بِكَثِيرٍ، أَهْلَ كلِّ الهَرْجِ وَأَهْلَ كُلِّ الكَذِبِ وأَهْلَ كُلِّ القَتْلِ»، استئناسًا بتعبير الرَّسُولِ محمدٍ ذاتِهِ، التعبيرِ الذي تمَّ اختيارُهُ، عن عَمْدٍ وعن قَصْدٍ، كعبارةٍ تصديريَّةٍ لهذا المقالِ.

*** *** ***

لندن، 29 آب 2018 / دبلن، 9 أيلول 2018



#غياث_المرزوق (هاشتاغ)       Ghiath_El_Marzouk#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ذٰلِكَ ٱلْغَبَاءُ ٱلْقَهْرِيُّ ٱلْتّ ...
- ذٰلِكَ ٱلكَاتِبُ ٱلمُوسِيقِيُّ: شِقَاقُ &# ...
- ذٰلِكَ ٱلكَاتِبُ ٱلمُوْسِيقِيُّ: شِقَاقُ & ...
- ذٰلِكَ ٱلكَاتِبُ ٱلمَسْرَحِيُّ: تَهْمِيشُ ...
- مِنْ حَقَائِقِنَا هُنَا، وَمِنْ حَقَائِقِهِمْ هُنَاكَ (6)
- مِنْ حَقَائِقِنَا هُنَا، وَمِنْ حَقَائِقِهِمْ هُنَاكَ (5)
- ذٰلِكَ ٱلشَّرَكُ ٱلاِرْتِدَادِيُّ: جَلِيَّ ...
- ذٰلِكَ ٱلشَّرَكُ ٱلاِرْتِدَادِيُّ: يَقِينِ ...
- مِنْ حَقَائِقِنَا هُنَا، وَمِنْ حَقَائِقِهِمْ هُنَاكَ (4)
- مِنْ حَقَائِقِنَا هُنَا، وَمِنْ حَقَائِقِهِمْ هُنَاكَ (3)
- مِنْ حَقَائِقِنَاْ هُنَاْ، وَمِنْ حَقَائِقِهِمْ هُنَاكَ (3)
- ذٰلِكَ ٱلغَبَاءُ ٱلقَهْرِيُّ ٱلتَّكْ ...
- ذٰلِكَ ٱلغَبَاءُ ٱلقَهْرِيُّ ٱلتَّكْ ...
- مِنْ حَقَائِقِنَا هُنَا، وَمِنْ حَقَائِقِهِمْ هُنَاكَ (2)
- مِنْ حَقَائِقِنَا هُنَا، وَمِنْ حَقَائِقِهِمْ هُنَاكَ (1)
- يَا نِسَاءَ ٱلعَالَمِ ٱتَّحِدْنَ (2)
- يَا نِسَاءَ ٱلعَالَمِ ٱتَّحِدْنَ (1)
- ذلكَ الغَبَاءُ القَهْرِيُّ التَّكْرَارِيُّ: كَيْفَ يَتَجَلَّ ...
- ذٰ---لِكَ الغَبَاءُ القَهْرِيُّ التَّكْرَارِيُّ: كَيْف ...
- ذٰلِكَ الغَبَاءُ القَهْرِيُّ التَّكْرَارِيُّ: كَيْفَ ي ...


المزيد.....




- مسؤول: إسرائيل لم تتلق ردا من حماس بعد على اقتراح مصر لوقف إ ...
- أوستن: لا مؤشرات على أن حماس تخطط لمهاجمة قوات أمريكية في غ ...
- الشرطة تفض اعتصاما مؤيدا للفلسطينيين بجامعة في باريس.. والحك ...
- احتفالية في روسيا الاتحادية بالذكرى التسعين لتأسيس الحزب
- دراسة ألمانية: الأثرياء يعيشون حياة أطول !
- إسرائيل ودول الوساطة بانتظار رد حماس على مقترح الهدنة المصري ...
- منح جائزة DW لحرية الرأي والتعبير لأرملة المعارض الروسي نافا ...
- بايدن يعين مستشارا جديدا لمعالجة مستويات الهجرة
- دعما لغزة.. اتساع رقعة الاحتجاجات الطلابية في الجامعات العال ...
- السويد.. وضع أطلس شامل للتطور الوراثي المبكر للدماغ


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - غياث المرزوق - ذٰلِكَ ٱلْغَبَاءُ ٱلْقَهْرِيُّ ٱلْتَّكْرَارِيُّ: طُغَاةُ ٱلْتَّقَدُّمِ أَمْ بُغَاةُ ٱلْتَّهَدُّمِ؟ (2)