يوسف حمه صالح مصطفى
باحث أكاديمي، پروّفيسوّر في علم النفس / و محاولات في كتابة الشعر
(Yousif Hama Salih Mustafa)
الحوار المتمدن-العدد: 5988 - 2018 / 9 / 8 - 15:30
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
تَداعيات الفيسبوك و تَجّلّياته
————————————
( وجهة نظر نفسية )
يوسف حمه صالح مصطفى
معلومٌ للجميع بأن شَبكات التواصل الاجتماعي وأخُصُّ ذِكراً الفيسبوك ، مَنَحَتْ مساحات واسعة من حرية التعبير والنشر للجميع دون وازع او رادع يذكر الّا ما يرتبط بقيم الفرد نفسها و بمدى ادراكهِ لما ينبغي ان يلتزم بهِ من معايير ذاتية أدبية او إبداعية او من الامانة العلمية او الاخلاقية في النشر ، سواء في الاعتماد على الذات أو تنسيب ما يُنشَر من نصوص جاهزة و مسروقة أو مأخوذة من هنا وهناك الى شخص الناشر في صفحتهِ، و لا ضير بالتأكيد ان يكتب الفرد او يختار ما يشاء بأمانة من موضوعات او بوسترات جاهزة او عبارات مقتضبة من هنا و هناك ، و بهذا يصبح الفيسبوك أشبه بديوان يَدخل فيه و يَنشر فيه كُلُّ مَن هبَّ و دَبّ ، فهو ديوان يعكس طبيعة شخصية المشترك الى حدٍما عِبّرَ اختياراته، اختيارات غير مُقَيّدة و غير مقننة اغلب الأحيان بمعايير نوعية مسبقة باستثناء بعض الضوابط الخاصة بسياسة ادارة الفيس، و ماعدا ذلك تصبح ثقافةالشخص نفسهُ معياراً بحد ذاته،فتجد الغث من السمين و السطحي من العميق والأصيل من المزيف والشاذ من السوي و الركيك من المسبوك و النافع من سواه و الممتع من المُمِل مما يُنشَر ، كلها في فضاء لامحدود نسبياً من الحرية، فالحرية هي المعيار الوحيد في مضمار النشر لفرز مستوى المنشور و نوعيته و فرز طبيعة شخصية الناشر او المشترك . لذا استطيع ان أُسّمي الفيسبوك بجريدة الناس ، يُكتَبْ و يُنشَر ويُقرأ و يتفاعل فيها من قِبَل الكُل ، فذوي الاهتمامات المحدودة من الذين يُسميهم ( لينين) بأشباه المثقفين من الذين يعرفون كل شيء و لايعرفون أي شيء في ذات الوقت ، وهم مصيبة المجتمع، حيثُ ينشرون كيفما يشاؤوا و كل مايَطرأ على بالهم و كل مايقع في متناول أيديهم أو ما يتساوق مع ضحالة التوجهات ، و قد تَجد في هذا الكم شيء نافع و مُسّلي احياناً ، و يتوهم هذا الصنف بأنه عظيم ومهم و أديب وشاعر كونهُ مصدر لجلب الاهتمام والتسلية لاسيما من اقرانهِ المتواصلين في المعرفة والاهتمامات . وهناك أصدقاء الناشر الذين يتحولون الى أعداء احياناً او الى مجاملين او محايدين او منسجمين مع توجهات الناشر و مع اختياراتهِ احياناً اخرى ، و لا ينطبق المثل المتداول ( الطيور على اشكالها تقع)على كل أصدقاء او الصداقات الفيسبوكية إلا اللَّهُمَّ الذين يختارون الصداقات وفق شروط صارمة جداً( وهم قلّة أظن)، فالكل لديه ربما أصدقاء من نوعيات ومستويات متفاوتة على كل الصُعُد ، مما يعكس ذلك مشهداً متنوعاً و عجيباً من الاهتمامات المتداخلة عبر التواصل النفسي الاجتماعي الثقافي الفكري العقائدي، و من الطبيعي جداً ان يمتد هذا التواصل المتمايز جداً عبر مُتّصل من الانسجام واللانسجام في الآراء والمواقف ، و ما يجدر الإشارة اليه هنا كيفية التعامل و التفاعل مع ماهو متناغم معي و ماهو متعارض من ردود و تعليقات الاخرين ، فهناك المنفعل و المتمالك والمؤدب والعقلاني و المتهور... الخ، والاستجابة للتعليقات والتي تتبلور كأنماط متمايزة للردود (طبيعة التفاعل)هذه تكشف لنا بدورها ايضاً طبيعة الشخصية الى حدٍ ما، فهناك الحكيم والمراوغ و حاد الطبع واللاأبالي والمثقف و المتطفل على الثقافة و السطحي ...
اذن نحن مع الفيسبوك حصرياً امام بقعة بشرية متنوعة و متكتلة على شكل صداقات و مستويات متباينة من التواصل فيما بينها تمتد من الفاعل جداً الى خامل جداً، فهناك كثيرو( النشاط) النشر و التعليق و التأييد(لايك)مقابل قليلي ( النشاط)النشر والتعليق و التأييد و هناك الأكثرية التي تقع في وسط القطبين، لكن لو احتكمنا الى معيار الفائدة المتبادلة و المنفعةالمعرفية في الحكم على طبيعة مايُنشر ، اسمح لنفسي هنا ان افرز على وفق ذلك نوعان من الادبيات والمنشورات الفيسبوكية، فهناك ماهو مفيد من حيث ما يحمل في طياتهِ من إضافات معرفية و معلوماتية و مواقف ايجابية و أفكار متنورة و منشورات فنية مبدعة، و هناك ما هو عقيم يحمل في طياتهِ ركاكة و استعراضات شخصية و سذاجة في الاختيار من العرض والطرح والاسلوب ، فأصبحنا ازاء هذا المناخ التواصلي الفوضوي و غير المنضبط مع أولئك الذين أطلقوا عنان الكتابة لأنفسهم في نشر كل ماهو ركيك و سطحي و ساذج من عجائب الامور و غرائبها ، مضموناً واسلوباً ، حيث يحتلون واجهات حساباتهم و صفحاتهم في الفيس و يتحفوننا يومياً بنوادر مضحكة و غريبة مما لا ينبغي أن يطّلع عليه الاخرون ، ويمكن تسمية هؤلاء بشعراء او أدباء الفيسبوك، اما الاصلاء، المقيدون بضوابط ذاتية صارمة من حيثُ حُسن الاختيار والعرض و التوقيت ، الذين لديهم خزين معرفي و خبرة ادبية و دراية عميقة بالواقع المُعاش و متابعة متواصلة للأحداث و امتلاكهم لناصية اللغة و إجادتهم لاستخدام الاسلوب الأخّاذ في جلب الانتباه هؤلاء القُرّاء الذين يبحثون بدورهم عن كل ماهو اصيل و مبدع عِبْرَ اختيارات موفقة للموضوعات و المشكلات التي تغطي هموم غالبية الناس و اهتماماتهم .
أنا لا ادعو الى ان يكون الفيس منبراً ثقافياً بحتاً، ولا يكون كذلك مهما دعونا الى ذلك!،بحكم طبيعة الفيس و وظيفته، فالتسلية و المُتعة لا ضَيّر منها ، سيّما ونحن نشاهدصوراً شخصية أو أماكن عشنا فيها او نتمنى ان نزورها او لوحات فنية أو سماعنا لموسيقى وأغاني تداعب مشاعرنا، فهي قيمة تواصلية لايمكن الاستغناء عنها وسط هذا الكم الهائل من النشاطات المتنوعة، و هنا ، مَنْ يَبحث رُبما يَجد ما يَبحث عَنْهُ .
فشبكات التواصل الاجتماعي صارت قدراً عولموياً علينا تّقبّلهُ ، نَتَشارك فيها و نتفاعل شئنا أم أبينا، بكل ما تّحمل في طياتها من ايجابيات و سلبيات ، نُفيد و نَستفيد مما يُفيد و نأخذُ قسطنا من منغصات الآخرين و إزعاجاتهم ، هذا ديدنُنا في المجتمع ايضاً ، فمن أحسنَ التدبير في حياته الاجتماعية فسيُحسِن ذلك في تواصلاته الفيسبوكية ، و من كان بسيطاً او مضطرباً في حياته العامة سيعكس ذلك في تواصلهِ و منشوراتهِ اليومية ، فقل لي،ماذا تَنْشر و عماذا تبحث أقٌل لَكَ مَنْ انت .
#يوسف_حمه_صالح_مصطفى (هاشتاغ)
Yousif_Hama_Salih_Mustafa#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟