أسرار عشتار وتموز

أمجد سيجري
كاتب وباحث
(Amjad Sijary)

الحوار المتمدن-العدد: 5978 - 2018 / 8 / 29 - 21:04
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    

تعد أسطورة تموز " ديموزي " وعشتار " إنانا " إحدى أقدم الأمثلة على رمزية الموت والقيامة والتي تعود تقريباً 4000 عام قبل الميلاد لم يشغل تموز مكاناً بين الآله الرئيسية لإفتقاره إلى المعارف الإلهية العميقة فقد كان إله فرعياً بين الألهة يمثل إلهاً زراعياً وروحاً للنباتات .

- يعتبر تموز زوجاً لعشتار الأم ربة السماء و ربة الخصب نجمة الصباح الثمانية "كوكب الزهرة" .

هي ذاتها عشتروت الفينيقية وأفروديت الإغريقية وفينوس الرومانية.

" إنانا" الأم لم تكتفي بسيادة السماء إنما طلبت لنفسها سيادة العالم السفلي " إركالا أو كور " و الذي تسوده اختها " ايرشكيجال" .
اخبرت مستشارها " ننشوبر " عن مخططها وطلبت منه في حال عدم عودتها في ثلاثة ايام أن يطلب مساعدة الإله العظيم إنيليل و إن لم يلبيه ليذهب ل نانا إله القمر وإن لم يلبيه فيذهب إلى انكي الحكيم الذي لن يتواتى عن مساعدته.

إنانا إجتاحت أبواب الموت و الظلام "الإركالا " أرض اللاعودة أرض بدون نور أو غذاء ساكنوها غبار وطعامهم طين.
وصلت عشتار أول أبواب الإركال متسلحةً بتعاويذها طلبت من الحراس فتح البوابة معلنةً أنها إن لم تُفتح الأبواب ستحطمها وتسمح للموتى بالإرتفاع إلى عالم الأحياء ليلتهموا الاحياء ويعم الخراب.

توسل لها حراس البوابات كي تتحلى بالصبر حتى يذهبوا إلى ملكة العالم السفلي "ايرشكيجال" كي تمنحهم الإذن بدخول عشتار اعطتهم الأذن لكن ليس كألهة إنما بالطريقة التي دخلها جميع من حل بهذا المنزل الكئيب.
بدأت إنانا دخول بوابات الإركالا السبعة :

- البوابة الأولى : تتم إزالة تاجها من رأسها .
-البوابة الثانية : نزع الأقراط من أذنيها
-البوابة الثالثة: نزعت القلادة من رقبتها
-البوابة الرابعة: نزعت الحلي من صدرها
-البوابة الخامسة: نزع الحزام من خصرها
-البوابة السادسة : نزعت الأساور من يديها و قدميها
-البوابة السابعة: نزعت العباءة التي تغطي جسدها.

سجنت إنانا الهة الخصوبة في عالم الأموات وتمكن الموت منها،وبعد ثلاثة أيام على ذهابها ذهب وزيرها " ننوشبر " كما اوصته إلى إنيليل ونانا الذان يصدانه ثم يذهب الى إنكي الحكيم الذي يدرك جيداً خطر موت عشتار على الوجود فعشتار تمثل روح الخصوبة و خسارتها تفقد الأرض خصوبتها وتصبح بالتالي قافرة لا تنمو المحاصيل فيها بالتالي تموت الحياة على الأرض.

يرسل إنكي رسولان مع ماء وطعام الحياة إلى العالم السفلي ويطالبان بالإفراج عن إنانا تضطر "ايرشكيجال" للامتثال لأوامر إنكي ويتم سكب ماء الحياة على عشتار فتحيى و تأكل طعام الحياة تشفى من العاهات التي لحقت بها لكنها تبقى اسيرةً في العالم السفلي فتشترط "ايرشكيجال" على اطلاق سراحها تأمين بديل يمكث مكانها في العالم السفلي حسب شروط هذا العالم فتقبل إنانا تأمين البديل و تسمو إنانا إلى أعلى خلال البوابات السبعة و في كل بوابة يعاد إليها ما أخذوه منها ومعها عدد من شياطين العالم السفلي تبحث عشتار عن من إله ترمي له بنظرة الموت لتضعه مكانها في العالم السفلي كان أو من قابلت الإلهان الحاميان لها اللذان تعفرا بالتراب ولبسا الأسود وبدأ بالنواح خوفاً منها وتذللاً لها فعفت عنهما وخلال بحثها وصلت إلى مدينة زوجها ديموزي الذي رفض النواح والحداد والتذلل وارتدى أجمل ثيابه كانه في العيد مما أثار غضب زوجته التي ظنته في حداد عليها فرمقته بنظرة الموت وكي ترسلته مع شياطينها ليحل مكانها في العالم السفلي.
حاول تموز الهرب منها فالتجأ إلى اخته وإختبأ عندها فيذهب الشياطين لأخته ويعذبونها فيخشى تموز على اخته فسلم نفسه لهم و بدأوا تعذيبه فدعى الإله أوتو فيستجاب له وحول رجليه إلى قوائم غزال فهرب منهم لكن لا هروبة لا يستمر طويلاً حيث يمسكه الشياطين ويبدأوا تعذيبه وينزلانه الى عالم اللاعودة .
شعرت إنانا بالحزن والأسى و تأنيب الضمير على حبيبها ديموزي الذي أرسلته بيدها إلى الموت فطلبت من أختها أن تشفع له وتخرجه وكان لها ما أرادت لكن بشرط أن يقضيَ اﻹله ديموزي في عالم اﻷموات ستة اشهر من كل عام يبدأ من شهر تموز وخلال هذه المدة تموت معه المزروعات والماشية من شدة الحر والجفاف وينتشر القحط ثم يقوم في منتصف ليل 24 كانون الاول ويولد إلى عالم اﻷحياء في النصف اﻵخر من السنة ولهذا ارتبط تموز بالربيع و الزراعة والخير والنمو.

-كشف الأسرار وتحليل الرمزية :

- ترمز أسطورة إنانا إلى نزول الروح البشرية من خلال العوالم السبعة أو مجالات الكواكب المقدسة السبعة حيث تعبر عن نزول الروح بذات الفكر الغنوصي وتجردها من قواها ثم تحبس في النهاية في الجسد المادي في الهاوية .

ونجد ذات الفكر الغنوصي في نقطة مياه الحياة الحياة التي يتم تقديمها لعشتار وهي تمثل العقيدة السرية اي العرفان او الغنوص بالتالي تعالج أمراض الجهل لتصل بالانسان إلى العرفان بالتالي حياة الروح التي تعاود الصعود مرة أخرى إلى مصدرها الإلهي و تستعيد الزينة التي وهبها الإله خلال مرورها عبر الابواب التي تعبر عن حلقات الكواكب.

نجد ما يقارب هذه الطقوس الغنوصية في طقوس غامضة عند البابليين وخصوصاً حين تمثيل ملحمة الإينوما إليش قتل مردوخ للتنين تيامات ثم يقوم مردوخ بخلق الكون من جسد تيامات وهي ذاتهات الفكرة الغنوصية التي تمثل خلق الكون المادي من الشر وهي ذات المفهوم حول قتل البعل لحية موت الملتوية لوتان وقتل الخضر للتنين في تمثيل لقتل المادة نحو السمو الروحي والخلاص .

-تموز او ديموزي يعني الأبن المخلص يعتبر تموز إلهاً للنباتات وكما أسلفنا هو أحد الألهة الفرعية لكن كونه إلهاً للنباتات وراعياً في مجتمع زراعي سوري/ عراقي جعله من الألهة ذات المكانة العالية لدى الشعوب التي قطنت تلك المناطق وذلك لدوره المهم في المواسم الزراعية والتجدد وحركة ودورة المحاصيل .

مثله مثل العديد من الآلهة المخلصين يشار إليه باسم " الإله الراعي" حيث كانت صفة الراعي تختص بالمخلصين عبر العصور ابتداءاً من تموز وانتهاءً بالمسيح و النبي محمد فدائماً يتم في عقلية المنطقة يتم ربط حكاية المخلص بالرعي.

- إذاً كان تموز يموت ستة اشهر ويعيش ستة أشهر وفكرة ولادته في 25 كانون الاول التي نجدها بشكل واضح في الديانة المسيحية لها علاقة بالإنقلاب الشتوي في النصف الشمالي من الكرة الارضية وتكون الشمس عمودية على مدار الجدي .
لكن المميز في 25 كانون الاول حتى يكون يوماً مميزاً في كثير من العبادات الزراعية؟
بشكل بسيط في نقطة الإنقلاب الصيفي يصبح النهار في اطول مدة بالنسبة لليل ثم مع بدايات" تموز" يبدأ النهار يتناقص بالنسبة لليل وتبدأ المزروعات المزروعات بالموت مع القحط والجفاف الصيفي لذلك سمي هذا الشهر على اسم الإله "تموز " معلناً وفاته يمكث تموز 6 أشهر في عالم الأموات وطول هذه المدة الليل يزداد بالنسبة للنهار وبعد الإنقلاب الخريفي يتفوق الليل على النهار ويصبح أطول منه والنصر بالتالي لعالم الاموات تستمر الزيادة حتى الإنقلاب الشتوي في 22 كانون الاول يصبح الليل في أطول وقت له بالنسبة للنهار يثبت قوس الشمس ثلاثة أيام في بمقابل كوكبة الصليب أي تصلب الشمس لتغير قوسها في يوم 25 كانون الأول بإتجاه الأعلى معلنة موتاً وقيامة على الصليب، الفلكي ويبدأ الليل بالتناقص مقابل النهار حتى الإنقلاب الربيعي في 21-22 آذار حيث يتساوى الليل والنهار ثم يبدأ بزيادة النهار مقابل الليل بالتالي نصراً للشمس ومعه نصراً لتموز فيحمل معه الربيع و نمواً للنباتات وتكاثر المواشي فيحتفل الناس بالقيامة الفعلية للمخلص خصوصاً في المجتمعات الزراعية في سوريا والعراق والتي كانت تسمى الاكيتو .
انتقلت هذه الطقوس بحرفيتها إلى الأديان والعبادات اللاحقة وأهمها اليهودية في الفصح والخلاص لبني اسرائيل و المسيحية في الفصح ايضاً لكن رمزوها بقيامة المسيح.

- حسب ما سبق علاقة تموز بأوتو إله الشمس علاقة وثيقية فنلاحظ أن تموز في أزمته لم يدعو أي إله إنما دعا إله الشمس لينقذه لذلك إزدياد طول النهار هو نصر للشمس بالتالي هو نصر لتموز أيضاً وقصر النهار هزيمة للشمس بالتالي هزيمة لتموز لذلك نجد الابن المخلص في الفترات اللاحقة ضمن المجتمع الزراعي اصبح يربط المخلص بالشمس وممثلاً لها كبعل في الديانة السورية و المسيح في المسيحية .
- كان شهر تموز شهراً يعبر عن وفاة تموز وقد بينتُ الدلالة الفلكية لوفاته كانت تتخلله حزن وعزاء ولطم على الصدور وتمزيق للثياب وتستمر هذه الطقوس حتى شهر أيلول الذي اخذ اسمه من الولولة والنواح على تموز استمرت هذه الطقوس مدة طويلة من الزمن يمكن ملاحظة ما يشبهها حتى اليوم في الحزن في أيام عاشوراء على استشهاد الحسين حيث ترافق هذه المراسم الكثير من البكاء و مجالس العزاء واللطميات.

#أمجد_سيجري (هاشتاغ)       Amjad_Sijary#          

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات