أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ناجح شاهين - أفيون كرة القدم















المزيد.....

أفيون كرة القدم


ناجح شاهين

الحوار المتمدن-العدد: 5905 - 2018 / 6 / 16 - 16:51
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


"بشيء من التبسيط المخل جداً نقول: إن فوز السعودية أو مصر أو المغرب بكأس العالم سيعطي شرعية للنظام قد تشكل سبباً كافياً لكبح جماح أي حراك ثوري مدة طويلة من الزمن."
ناجح شاهين
لم أتفاجأ أبداً عندما وجدت مقالة لتيري إيجلتون يصف فيها كرة القدم بالأفيون. يبدو أننا جميعاً نستعير المفردة التي استعملها كارل ماركس في سياق مشابه من أجل وصف الدور الخطير الذي تؤديه كرة القدم في تكريس الهيمنة الطبقية، وتعميم ظاهرة الإنسان الممتثل الساذج الذي يقوم بإزاحة الصراع من حيزه الفعلي إلى حيز متخيل: من حيز السياسة أو النضال المطلبي الاجتماعي/الاقتصادي إلى حيز التنفيس بصراع كرة القدم الوهمي ضد الأعداء الوهميين. ولكي لا يظن بعض الأصدقاء أننا نتحدث فقط عن الأعداء الوهميين ل "منتخبنا" القومي/الإقليمي، فإننا نذكر الجميع بأن معظم عشاق كرة القدم يفرحون بالانتصار الوهمي لفريقهم برشلونة على عدوهم ريال مدريد أو العكس. يمكن لغزة أن تعرض للقصف بوحشية بالتزامن مع بث مباراة "كلاسيكو" في الميادين العامة في رام الله ونابلس والخليل ...الخ في الأوضاع العادية لن يتنبه معظم الناس إلى قصف غزة لأن هناك صراعاً ":أهم وأشد" هو صراع الكلاسيكو "الحاسم" والخطير.
هل يجهل أحد الدور الوظيفي الهام الذي يضطلع به الصراع "السياسي" الوهمي بين عشاق الوحدات وعشاق الفيصلي؟ بالطبع لا يجهل أحد من سكان الأردن أن الاصطفاف في مباراة بين الوحدات والفيصلي هو اصطفاف سياسي وليس رياضياً على الإطلاق. ولكن ما يجهله أنصار الفريقين هو أن ذلك الاصطفاف ضار بإقليم الأردن، وقضية فلسطين، وقضية الأمة العربية كلها. ونظن أن ذلك ليس في حاجة إلى توضيح تفصيلي بالنظر إلى الإزاحات التي يقوم بها هذا الاصطفاف، وكذلك التنفيس السياسي الذي يقوم به لمشاعر محتقنة كان من الممكن أن تؤدي دوراً ثورياً في صناعة التاريخ المحلي أو القومي في منطقتنا.
تشكل كرة القدم طريقة ساحرة لاحتواء تصاعد المد الجماهيري في نطاق الصراع الاجتماعي/الاقتصادي وصولاً إلى تسيسه التام، وتحوله إلى أداة للتغيير الثوري. كما تشكرة اللعبة وسيلة رائعة لتكريس الدولة/الأمة بما في ذلك في الأحوال التي لا يرغب فيها "التاريخ التقدمي" بذلك، من قبيل حالات مثل فلسطين والأردن وقطر وجمهورية الصحراء وحتى دول مثل لبنان أو مصر أو سوريا. كرة القدم أداة طيعة وملائمة جداً لخلق أمة في خورفكان أو غزة أو جزر القمر، أنى شئتم. ومثلما يقول إيغلتون فإنه لم يتم اختراع طريقة فذة لتشويش رؤية الناس وإزاحة عيونهم عن الهم السياسي/الاقتصادي مثل كرة القدم التي قد تكون أمضى سلاح متوافر حتى اللحظة من أجل كبح جماح النهوض الثوري أو الاشتراكي.
تعرفون أن المجتمع الرأسمالي المعاصر قد حرم الإنسان من فرصة التواصل الأصيل مع إخوته البشر واعتقله منفرداً في شقته الصغيرة أو في جهازه المحمول أو في وظيفته الممتدة طوال الوقت غالباً متسمراً أمام جهاز. لقد أصبح الكائن االبشري مهدداً تماماً بضياع المعنى وفقدان القدرة على التواصل والإحباط والعزلة ...الخ ولا بد أن كرة القدم هي سياق رائع للتضامن والحماسة والمشاعر الجمعية التي تضع الفرد في لحمة نادرة مع الآخرين. فقط يمكن للحس الديني الأصولي على طريقة داعش أن يضاهي هذا الإحساس. بالطبع هناك اختلاف شكلي واضح بين كرة القدم الحضارية الجميلة التي تتلقى الترويج والمساندة من أجهزة الرأسمالية العملاقة، وبين داعش التي تصنف في دائرة الجنون حتى من قبل من مولها وسلحها ودربها.
بالطبع تلعب كرة القدم على ورقة البطولة التي تسري في دماء البشر. ويتحول بيليه الفاسد والمرتشي، ومارودنا عبد المخدرات وميسي سارق الضريبة ....الخ إلى معبودات نصف إلهية أو أكثر. في اللحظة الراهنة هناك بطل أسطوري متوج اسمه محمد صلاح يتفوق دون شك على جمال عبد الناصر وأمل دنقل وسمير أمين وطه حسين ومن خارج مصر يسبق اسمه حسن نصر الله وفيروز ووديع حداد ومهدي عامل...الخ ولا بد أن انتصارات صلاح تعني الجمهور المتحد من المحيط إلى الخليج أكثر بكثير من هموم اليمن وفلسطين أو هموم مصر الحقيقة التي يتم دفنها تحت طبقة رقيقة من سراب الانتصارات في المونديال التي تثلج قلب السيسي الذي لم ينجز شيئاً منذ انقلابه العسكري على مرسي باستثناء بيع الجزر المصرية للسعودية من أجل أن تصبح الأخيرة جارة للحبيبة إسرائيل.
ليس الفوز المصري بكأس العالم، لو كان ذلك ممكناً، مجرد إنجاز بريء لفريق كرة القدم المصري، وإنما هو حدث يوظف سياسياً من أجل تكريس هيمنة النظام وشرعيته. هل تذكرون كيف شارك رموز السياسة والاقتصاد الفلسطيني في "تتويج" محمد عساف ببطولة أراب آيدول؟ يحدث في حالة افتراض فوز مصر أو السعودية..الخ بكأس العالم شيء أضخم بكثير. بشيء من التبسيط المخل جداً نقول: إن فوز السعودية أو مصر أو المغرب بكأس العالم سيعطي شرعية للنظام قد تشكل سبباً كافياً لكبح جماح أي حراك ثوري مدة طويلة من الزمن.
كرة القدم تسحر الجنسين، إذ يجمع اللاعبون قوة المصارع إلى جاذبية راقص الباليه. وتقدم كرة القدم لعشاقها الجمال، والدراما، والصراع، وروح الكرنفال، والتطهير الذي يشبه مشاهدة المأساة إضافة إلى الرموز الهائلة التي تشبه بعض الطقوس الدينية إذ تحدد اللعبة ما ترتديه، ومن تربطك به، وما النشيد الذي تغني به. وإلى جانب التلفزيون، تشكل كرة القدم الحل الأسمى لهذه المعضلة القديمة التي يواجهها زعماء المجتمع ونخبه: ما الذي يجب أن نفعله مع الرعاع عندما لا يكونون منشغلين مباشرة بالعمل من أجل لقمة العيش؟
لا يمكن لأي شخص جاد بشأن التغيير السياسي أن يتجنب حقيقة أن اللعبة لابد من إلغائها. وهذا بالطبع دون أن نفكركثيراً في مئات المليارات، وربما الترليونات التي أصبحت ترافق لعبة كرة القدم والتي تأتي دون شك من جيوب الناس من أرياح الدنيا السبع.
هناك بيزنس واسع وهائل نما في ملعب كرة القدم يرافقه توظيف ساحق لرمزية معقدة تجعل من اللعبة أداة نموذجيه لكبح التعبئة الجماهيرية الثورية وتحقيق الانتصارات الوهمية وبناء القوميات الهلامية حيثما كان بالإمكان إعداد فريق كرة قدم يلعب بمهارة معقولة ليمثل أمة لا وجود لها إلا في عنوان المنتخب "القومي" المزعوم.
كلا، لا يمثل الاصطفاف مع منتخب فلسطين أو مصر أو السعودية أو المغرب ...الخ خدمة بأي شكل للأمة العربية أو قضاياها الثورية أو التنموية الضرورية والمشروعة والعادلة، بل هو بالعكس تغييب لتلك القضايا بما فيها قضية بناء الأمة العربية لمصلحة تكريس الهوية الإقليمية، وإعطاء الشرعية للأنظمة التي تقود تلك الأقاليم مهما كان أداؤها السياسي معادياً للأمة العربية في مجال السياسة أو المجالات الأخرى.



#ناجح_شاهين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أهلاً إسماعيل هنية
- نضال المثقفين السهل ضد سوريا
- حراك الأردن
- التدين الشعبي والأخلاق
- قصة الأردن
- دكتوراة لكل فلسطيني
- الاقتصاد السياسي لقتل الابداع في المدرسة في فلسطين
- في حب الكلاب
- بين مشعل وترامب
- المثقف بين قطر والإمارات
- بين إبراهيم نصر ومحمد بن زايد
- تركيا والسعودية
- في يوم الشهداء العظيم
- المحلل السياسي أبوأحمد فؤاد
- أعراس الديموقراطية العربية
- فلسطين بعد المجلس الوطني
- المجلس الوطني وحركة الجمهور
- ابتزاز السعودية
- الكلبة والعنف الجننسي
- عهد والتحقيق الوحشي


المزيد.....




- فيديو كلاب ضالة في مدرج مطار.. الجزائر أم العراق؟
- الناتو يقرر تزويد أوكرانيا بمزيد من أنظمة الدفاع الجوي
- طهران: لا أضرار عقب الهجوم الإسرائيلي
- آبل تسحب تطبيقات من متجرها الافتراضي بناء على طلب من السلطات ...
- RT ترصد الدمار الذي طال مستشفى الأمل
- نجم فرنسا يأفل في إفريقيا
- البيت الأبيض: توريدات الأسلحة لأوكرانيا ستستأنف فورا بعد مصا ...
- إشكال كبير بين لبنانيين وسوريين في بيروت والجيش اللبناني يتد ...
- تونس.. الزيارة السنوية لكنيس الغريبة في جربة ستكون محدودة بس ...
- مصر.. شقيقتان تحتالان على 1000 فتاة والمبالغ تصل إلى 300 ملي ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ناجح شاهين - أفيون كرة القدم