أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الله عنتار - رسائل ساحلية : أورانوس / غايا : أفق الإمكان .















المزيد.....

رسائل ساحلية : أورانوس / غايا : أفق الإمكان .


عبد الله عنتار
كاتب وباحث مغربي، من مواليد سنة 1991 . باحث دكتوراه في علم الاجتماع .


الحوار المتمدن-العدد: 5905 - 2018 / 6 / 16 - 03:59
المحور: الادب والفن
    


عزيزتي غايا

لقد كتبت رسالتي هذا الصباح بكل شوق، ولكن لفها العدم في برهة من الزمن. إن هاتفي اللعين انطفأ فجأة، حيث فقد معالم الحياة، تذكرت مصيري ذات يوم، سوف أتبدد و أتلاشى كأنني لم أكن يوما، ولكن قبل أن أكون ماذا كنت ؟ لم أكن شيئا، كنت عدما بحتا، كنت فراغا، كنت وجودا بالقوة، ماذا لو لم أكن ذلك الحيوان المنوي الذي اخترق البويضة، هل كنت سأكون أنا، ماذا لو كان غيري هو أنا الذي يحدثك الآن؟ هل كنت أنا سأكون هو غيري ؟

عزيزتي غايا:

لماذا غيرت الرمز الذي اتفقنا عليه ؟ هل هذا هو الاتفاق الذي أجمعنا عليه ؟ إن اسمي لا يعني لي شيئا، لأن الذي وضعه أول مرة لم يتفق معي، لقد احتقر حياتي وجعلني أحمل علامة العبودية منذ ولادتي حتى وفاتي، مع العلم أنني مشروع بالمعنى السارتري، إذ أن ماهيتي ليست ثابتة، وإنما متغيرة على الدوام، فلماذا العبودية، هل محكوم علينا أن نكون عبيدا إلى الأبد؟ أنا لست عبدا لأحد، أنا ذات حرة تناقش الحرية ذاتها، لذلك اخترت أورانوس كرمز للحرية والحياة، إنه واهب المطر، ولا حياة دون مطر، إلا أن أورانوس يفقد معناه في غياب غايا واهبة الجمال والربيع، ولكن إذا غاب أورانوس سيولد هاديس من رحم غايا ويولد معه القحط والجفاف . هكذا إذا بالحب يصبح للحياة معنى . لن أصل إلى هذه الغاية إذا لم أحمل بين جوانحي روح أورانوس و أقطع مع العبودية التي سكنت جسدي منذ ولادتي، هل تعلمين ؟ 27 سنة وأنا أسمع العبودية حتى صرت عبدا لإله رابض في السماء . هل يحتاج الإله لعبوديتي؟ هل هو ناقص حتى هذه الدرجة ؟ ولماذا المجتمع يسمي أبناءه عبيدا ؟ ألا يكون هذا المجتمع رمزا للعبودية؟ لماذا لا نجد علامات تتعلق بالحرية ؟ بلاشك يريد المجتمع أن يصنع من أبنائه قطيعا داجنا؟ هل هناك ما هو أخطر من أن يسمع الإنسان 27 سنة كلمة عبد ؟ بلاشك سيصير عبدا للإله وللتقاليد وللمجتمع وللحاكم، ولن يصبح يوما مواطنا حرا !
عزيزتي غايا:

هل تبحثين عن الأمان؟ هل تحبين المستحيل ؟ هل تعشقين الحب ؟
إن الأمان لا يعطى وإنما يبنى، يبنى بالكلمات ويشيد بالأفعال وبالتضحيات . كيف أعطيك الأمان وأنت ساكنة في مكانك كالجلمود الذي لا يتحرك من مكانه إلا إذا حركه إعصار شديد، إن كلماتي هي ذلك الإعصار. إن من يحب المستحيل يفعل المستحيل، والمستحيل ليس قولا يقال وإنما فعل يمشي على قدميه، كذلك الأمر بالنسبة للحب، كيف لمن يحب أن يقف على حدود التغني بالحب دون أن يجعل من الحب يتحول إلى قبلة تنطق لذة ؟ غامري معي واتركيني أحبك ولا أفترق عنك، واجعليني فراشة تتهافت على الشمعة في الظلمة الحالكة ؟ هذا هو الأمان بالنسبة إلي.

عزيزتي غايا

يجب عليك أن تعرفي أن الحب يتقلب، إذ يموت ويبعث. وأنت يا غايا تعرفين ذلك أكثر مني . أ لست أنت الطبيعة في موتها وحياتها، تكونين جرداء أحيانا و تكونين خصيبة أحيانا أخرى. يجب أن تعلمي أنه إذا انقطع مطري سوف تموتين. ضحي من أجلي واهديني قرابين الحب وامنحيني قبلة . هيا تمردي على التقاليد المريضة . إن القبلة سوف تحييك من موتك المتكلس في كيانك منذ سنين طويلة. ألم ينظر إليك المجتمع كعورة ؟ ألا تساوين نصف الشهادة وإذا رفضت المضاجعة تضربين وتلعنك الملائكة حتى تصبحين ؟ ألا تصلين خلف الرجل وتمنعين من الإمامة والآذان ؟ وألا تقطعين الصلاة مثل الحمار والكلب؟ تمردي على هذه الثقافة البالية وعانقيني وقبليني وسوف أشعرك بالأمان ولن نفترق بعد ذلك وسوف نغامر في دروب الحياة لا نكترث بأي صنم غير أن نكون مخلصين لذواتنا.
عزيزتي غايا:

أنا لست حائرا. أنا حددت مصيري. أنت من يجب أن تحددي مصيرك . إما أن تكوني في هذا المعسكر أو ذاك. لن أكون في معسكر يؤمن بسبي النساء وجلد الرجال ورجم الشيوخ وقطع الأيادي. أنا حسمت مصيري، وقطعت مع الماضي، وصرت أحمل هم الإنسانية . أليس ذلك ما شدك إلي. فلماذا لا تركبين موجة الإنسانية إذا كنت مقتنعة بذلك ؟ لماذا هذا التقديس المفرط للماضي؟ ماذا كان في هذا الماضي حتى يتم تقديسه ؟
عزيزتي غايا

إن الحب يمكن أن يتحقق إذا أردت ذلك. ولن يعاش كحلم، بل يعاش كواقع، بل عليك أن تغامري . هيا فلتغامري ولتركبي المستحيل ولا تلتفتي إلى الوراء . ولكن ذلك مستبعد لمن استعبد سنينا من طرف التقاليد المنمطة والموبوءة، إن الطائر الذي استطاب العبودية تظهر له الحرية كجريمة لا تغتفر، وكلنا نحن أبناء المجتمع عانينا الأمرين من هذه التنشئة البليدة التي علمتنا أن نستهجن رغباتنا ونقلت إلينا العبودية وشربتنا الفقر ومررت إلينا ضروب المعاناة. حتى الأسماء التي حملنا لحظة ولادتنا لا تشرفنا كبشر، إنها تمتح من معين العبودية، تربينا بالعصا وقمعنا بالكلام وحرمنا من اللعب، ومنع علينا الاستمتاع بالعطلة وجردنا من الحنان، عشنا أطفالا دون نستمتع بالطفولة، بل إن المدرسة التي كانت تقمعنا عذبتنا طريقها قبل أن نصل إليها في الريف المهمش . هذا هو أنا من جملة أطفال الريف الذين عانوا قبل أن يولدوا وأثناء ولادتهم وبعد ولادتهم . هل من عذاب يفوق عذاب قبل ولادتي حيث لم أكن مرغوبا فيه ؟ وهل من عذاب يفوق عذاب ولادتي حيث كنت آخر الأبناء الذين أتوا بعد مغامرة جنسية غير محسوبة العواقب ؟ وهل جربت أن يشرب عليك أعشاب الطبيعة الضارة وأنت بعد جنين دون أن تنفقي أو تموتي ؟ هو ذا أنا المقاوم الصلب والمغامر والعاشق للحياة !! وهل من عذاب يفوق قذفي إلى هذا العالم من طرف قابلة فاقدة للحنان؟ وهل من عذاب يفوق إنسان ولد في الريف/ الهامش و يعيش 6 سنوات من الوصم في زنزانة داخلية ؟ أنا ابن المعاناة والقهر والمحافظة ولست أنت . أنا من تشربت من معنى عقدة الذنب ومعنى العذاب الإلهي منذ ولادتي . منذ أن عرفت الله وأنا متخاصم مع نفسي . إن الله والحب لا يلتقيان، فمن يحب الله لن يحب أحدا غيره.

عزيزتي غايا:

أنا أحبك وما جذبني إليك هو جمالك وتضاريسك وأفكارك التي تتطلع إلى الحرية. ولكن عليك أن تتشجعي من أجل هذه المغامرة، عليك بركوب المستحيل، وإذا كنت قد جذبتك، فلماذا لا تنجذبين نحو البيضاء . فكري في الأمر مليا، هذا هو معنى الكلمات التي تخفق، ومعنى السفر الذي سافرت معي عبر كتاباتي . إذا تحول الحب إلى ممارسة قد نسافر معا واقعيا ولكن كل ذلك يرتبط بشجاعتك وتضحيتك، وطالما كنت مختلفة ومتميزة في عيناي، سوف أعشقك بجنون وتكونين أنت هي كتاباتي التي أعشق وسفري الذي أسافر. وسوف أحيا من جديد، ونصير معا في الحياة كجسد واحد . أنا لن أعبث بمشاعرك ولا بجسدك. أنت إرادة مكتملة وسوف أحترم هذه الإرادة حتى تكون صدى لحياتي وينبوع حريتي ومنطلق كرامتي و مرآة أحلامي. بلاشك سوف أرحل الى الشمال ذات يوم و أجدك في انتظاري .

البيضاء/ 10 يونيو 2018

------------------------


عزيزي أورانوس :
لا تحزن على رسالتك. صحيح أنها ضاعت منك لكن نسائمها وصلتني عبر رياح غربية. فكل ما ينبع من الجوف يصل إلى القلب. رسالتك هاته قد لمست إحساسي وحركت كياني، جعلتني أغوص فيك وفي معاناتك. حزنت لحزنك وتألمت لألمك، وتمنيت لو كنت فعلا ملاكا كما قلت ورفرفت بجناحي إليك وخلصتك من ألمك ومسحت بيداي دمعتك، فأغدق عليك من حناني وعطفي مطرا. وأعوضك عن كل ألم شعرت به، وأغمرك بقلب دافئ لا يعرف غير الحب. إن رسالتك هاته قد بعثت في روحي حياة جديدة تخفق حبا وحرية.. لقد نفيتني إلى جزيرة قلبك كمعتقلة الحب.

عزيزي أورانوس :
لا يمكنني أن أتجرد من كل مبادئي بين عشية وضحاها.
كيف يمكنني أن أسبب الألم لعائلتي التي أحبتني بلا نهاية. أعطتني كل ما تملك دون تردد، الحب والحنان والعطف ولولا حبها اللامشروط لما كان الآن قلبي يخفق حبا. هي من علمتني معنى الحب.. لا أريد أن أعيش سعادة على حساب تعاسة الآخرين.. أليس هناك حل وسط؟ حل يرضي وسطي وطموحاتي...

عزيزي أورانوس :

كن بجانبي، كن سندا لي، وعلمني كيف أعيش المغامرة والحب. كن أنت التضحيات وخذني إلى مملكة الحب. أريد أن أعانق الحب فيك وأشعر بالأمان بين ذراعيك. كن أنت السلام والحب والعشق. يكفيني عشقك لأستنشق حياة جديدة. حررني من قيود هذا الكون البائس واجعلني فراشة تحلق في سماء الحرية.. وسأقبلك قبلة الحياة. كلما سمعت عصفورا يغرد حسبت أنه ينشد معزوفة حبك إلي. فأصبحت الأشجار تعزف لي أغنية عشق عينيك. وفراشات حديقتنا تحكي قصتنا للعابرين.

عزيزي أورانوس:

لقد وضعتني بين نارين، نار الحب ونار الألم. أصبحت كالهاربة مني ومنك، وكأن عقلي توقف عن التفكير. ضاعت مني كل الكلمات والعبارات... لم كل هذه التعقيدات؟... لماذا لا نعيش السلام والحب بكل بساطة؟.. بعيدا عن حرب و بروتوكولات هذه الحياة.

عزيزي أورانوس :

يؤسفني كثيرا أنك لا تحب اسمك. أريد أن أقول لك يا أورانوس الصلب والمقاوم، أني أحببت اسمك كثيرا، لأنك أنت من تحمله. تصالح مع ذاتك ومع اسمك. عرفت أن الحياة كانت قاسية عليك في الماضي، ورغم ذلك أصبحت إنسانا حرا ومناضلا.. لا تدع الماضي يحرمك حياة اللحظة والمستقبل. فأنت بذلك تصير عبدا للمعاناة والألم في الماضي. لا تحقد على ماضيك فهو جزء منك.

عزيزي أورانوس :

لا تخلط بين الأيديولوجيات والحب. إن الحب يتجاوز كل العقائد والأيديولوجيات وحتى حدود الكون. فالحب ليست له عقيدة أو أيديولوجية. فهو نبضة وشعور يعلو فوق كل المعاني

تطوان/ 15 يونيو 2018 .



#عبد_الله_عنتار (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رسائل ساحلية: أورانوس / غايا (4 ) - التشظي-
- رسائل ساحلية : أورانوس / غايا (3 )
- رسائل ساحلية: غايا/ أورانوس (2 )
- رسائل ساحلية: غايا /أورانوس
- الحب ليس جريمة !
- من ورزازات إلى أكادير : البحث عن المتعة والحياة
- رحلاتي : بحث عن المجهول
- أنا وست مدن : ستة أغيار يخفون عالما من الأغيار (4 )
- هيباتيا : فيلسوفة ناضلت ضد التعصب
- الحداثة كاملة أو لا تكون !
- أنا وست مدن : ستة أغيار يخفون عالما من الأغيار (3)
- أنا وست مدن: ستة أغيار يخفون عالما من الأغيار (2 )
- أنا وست مدن : ستة أغيار يخفون عالما من الأغيار (1 )
- العرب: رؤية من الداخل (3) الفلسفة والصحراء: نشدان المحال قرا ...
- العرب: رؤية من الداخل (2 ) القضية الفلسطينية قراءة في كتاب: ...
- العرب : رؤية من الداخل (1 ) قراءة في كتاب : العرب وجهة نظر ي ...
- الطفولة موطن للإبداع
- الإنسان، الوادي، الآبار، العيون في بني كرزاز (3 )
- الإنسان، الوادي، العيون، الآبار في بني كرزاز (2 )
- الإنسان، الوادي، العيون، الآبار في دوار بني كرزاز/ بنسليمان ...


المزيد.....




- شاهد: فيل هارب من السيرك يعرقل حركة المرور في ولاية مونتانا ...
- تردد القنوات الناقلة لمسلسل قيامة عثمان الحلقة 156 Kurulus O ...
- مايكل دوغلاس يطلب قتله في فيلم -الرجل النملة والدبور: كوانتم ...
- تسارع وتيرة محاكمة ترمب في قضية -الممثلة الإباحية-
- فيديو يحبس الأنفاس لفيل ضخم هارب من السيرك يتجول بشوارع إحدى ...
- بعد تكذيب الرواية الإسرائيلية.. ماذا نعرف عن الطفلة الفلسطين ...
- ترامب يثير جدلا بطلب غير عادى في قضية الممثلة الإباحية
- فنان مصري مشهور ينفعل على شخص في عزاء شيرين سيف النصر
- أفلام فلسطينية ومصرية ولبنانية تنافس في -نصف شهر المخرجين- ب ...
- -يونيسكو-ضيفة شرف المعرض  الدولي للنشر والكتاب بالرباط


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الله عنتار - رسائل ساحلية : أورانوس / غايا : أفق الإمكان .