عمار ديوب
الحوار المتمدن-العدد: 1496 - 2006 / 3 / 21 - 11:37
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تشهد سوريا نظاماً ومعارضةً وشعباً تحركات جديدة ،حيث تعلن الكتل عن نفسها باستمرار ، وتتبنى برامج سياسية واقتصادية جديدة، ،وشعب بدأ يظهر معارضته وإن بهدوء مميت أو بعاصفةٍ غاضبة ( السويداء ، القامشلي ، مصياف ) ،هذه التحركات تختلف عن الممارسات التاريخية للقوى المنضوية بها وتنضاف إليها قوى جديدة ، فهي تصرّ على الدخول في السياسة من جديد وتلقى الاستجابة الحذرة وتتلاقى مع الشرط الموضوعي الدافع بهذا الاتجاه ،وتقطع مع السلطة باعتبارها لعقود عديدة مطلقة الصلاحيات ،ولم تعد تستثير الاستجابة أو الدفاع عنها، وتحاول – التحركات – بناء نظام ديمقراطي ،تتفق على ضرورته ، وتختلف في شكله المستقبلي ، تشوبه التباسات معرفية وسياسية ، فهل هو نظام ديمقراطي علماني ، أم نظام ديمقراطي طائفي أم نظام ديمقراطي دون صفة ما ، أم نظام ديمقراطي وطني الخ وهذا ما يُظهر التباينات بين أطراف التحركات الجديدة.
سنشير هنا إلى أبرزها وبصورة عمومية وبدون تحديد :
الأولى : تشمل التحرك الماركسي الديمقراطي بأطيافه المتعددة ،حيث يسعى إلى تأصيل ديمقراطي على أرضية الدفاع عن ضرورة النظام الديمقراطي ، وفي الوقت ذاته تحديد شروط إمكانية ذلك ، وتفعيل الحراك السياسي والفكري باتجاه تحقيق الشروط القادرة على بناء ذلك النظام ، فهي تعتقد أن الليبرالية الاقتصادية لن تستطيع بناء نظام ديمقراطي ثابت ومستقر ،لأن برنامجها هو جزء من برنامج اقتصادي عالمي ،يؤكد على الخصخصة وحرية السوق وحرية رأسمال والبضائع والحروب ،والتداخل مع المؤسسات الاقتصادية العولمية ،هذه الخاصيات وغيرها تعمق التبعية البنيوية لسوريا أو للبلدان الطرفية . وتجعل من التطور الديمقراطي إمكانية معدومة ،ما دامت قضايا التطور الاقتصادي الصناعي الإنتاجي، ومشاكل الفلاحين ،وتحديث الوعي العلماني لم يتم حلها ، ومن هنا يفترض هذا التيار أن بناء نظام ديمقراطي يتطلب الاعتماد على محصلة النضالات البشرية من أجل تثبيت الليبرالية بالمعنى السياسي ( وتشمل منظومة الحقوق والحريات المدنية والديمقراطية العامة مع تحديد حق الملكية وشروطها وشكلها ، ) أي أن الليبرالية السياسية صارت جزءاً من البرنامج الماركسي بالمعنى السياسي والاجتماعي والاقتصادي والمتوافق مع التطور الاقتصادي العام، وبما يخدم أوسع الشرائح المجتمعية ، وإن تحديد شكل وحجم وعمل الملكية أو النضال من اجل ذلك هو ضروري ، ضرورة الحياة لأنه أثناء تطوره قد سيطر وساد وجبّ بقية الحقوق المشار إليها وأسس النظام الرأسمالي من أجل الحفاظ عليها، أي بنى نظاماً حراً بالمعنى الاقتصادي الليبرالي ، مما حدى بالطبقات الشعبية خوض نضالات طويلة الأمد حتى استطاعت تحقيق بقية الحقوق الديمقراطية والاجتماعية والسياسية العامة في إطار النظام الرأسمالي ذاته ، وبانقسام العالم إلى قطبين وظهور أهمية وجاذبية القطب السوفييتي للعمال الأوربيين تم تثبيت تلك الحقوق في أوربا ،وبغياب السوفييتي وبروز ظاهرة الاحتكارات المتعدية القوميات ، عادت الرأسمالية العولمية لإعلاء شأن الملكية الخاصة ،الكاملة الحرية والقداسة ،وراحت تطالب بالخصخصة وفتح أسواق العالم دون قيد أو شرط ، معتمدة على أن القطاع الخاص الحر أقدر على حل المشكلات من الملكية العامة أو القطاع العام أو ملكية الدولة أو ملكية الشعوب ،ولأن الليبرالية الداخلية لا تتنافى معها - الليبرالية الخارجية - بل تفترضها لمواجهة الأنظمة الاستبدادية فإن معركة تأسيس نظام ليبرالي اقتصادي وسياسي متجانس في إطار المنافسة الدولية مع الرأسماليات العالمية معركة خاسرة أو وهمية ،وهي معركة تستدعي الدين والعشيرة والطائفة ،ولهذا بالضبط يأخذ التيار الماركسي الديمقراطي والقومي أهميته ، ويبحث في شروط تحقق الديمقراطية ، ويفترضها كمدخل فعلي ...
أما الاتجاه الثاني : " التيار الليبرالي " فإنه يقف على السطح من الواقع ،ولا يرى الأرض من تحت ولا السماء من فوق ،ويندرج ضمن مقولات العولمة الراهنة المؤكدة على الديمقراطية دون شروط ،وكمقابل للاستبداد ،مع تصنيم وتوثين وتسحير للديمقراطية ، تستهدف تنفيذ عولمة إمبريالية بقوة السلاح والحروب كما يقول سمير أمين ،محاولة أن تعيد دمج العالم في إطار تعميق التبادل اللامتكافىء ،وتخليع ما بني وتكميل ما خلعته الأنظمة العربية التابعة ،في الإقتصاد الوطني المتذرر،والبنية الاجتماعية الهشة ، متوسلة لذلك إحياء الليبرالية المتوفاة والسياسة الطائفية والعشائرية ،التي هي بدون تسييس جزء من تاريخ أي شعب من شعوب العالم ،وبالتالي الديمقراطية المرادة أمريكياً هي الديمقراطية الطائفية والعشائرية على قاعدة التوافق الأكثري والأقلي ،وهو ما يشدد عليه التيار الليبرالي الديمقراطي بالتركيز على مكونات الشعب من الأديان والإثنيات ، وإن وعي هذه النتيجة أو عدم وعيها ( أقصد وجود تيارات متعددة في التيار الليبرالي مختلفة ومؤيدة للتيار الماركسي ) لا يغير من نتيجة مآلاتها وبالتالي محصلة الفاعلية السياسية هي ذات المحصلة التي تستهدفها العولمة الأمريكية ،أي تحديث جزئي ومحدود في البنية السياسية بما يتوافق مع أوسع تخريب للبنية السياسية والاقتصادية والاجتماعية ولكل ما أنجز في السنوات الخمسين السابقة فالتحديث الأمريكي هو ضد الحداثة والصناعة والتطوير والديمقراطية في البلدان المتخلفة ..
وباعتبار العولمة الأمريكية والأوربية تستهدف المنطقة العربية فهي تستهدف تعميق التجزئة والتخلف والطائفية والاعتراف بإسرائيل وبناء علاقات دبلوماسية كاملة وإلغاء مفاهيم الصراع العربي الصهيوني أو أن إسرائيل كيان استعماري والإقرار بالمكونات الطائفية ،والموافقة على الخصخصة وفتح المجال واسعاً أمام الفئات التي أثرت واستفادت من الدولة" الوطنية "سابقاً والسماح لها بإعادة أموالها وتوظيفها من جديد عبر الديمقراطية والمحاسبة القانونية وبناء دولة هشة ، تتساوى مهامها مع مهام الشرطة والإدارة المحلية ،والمشكلة أن التيار الليبرالي يطرح نفسه في هذا الإطار ، فينطلق من مشكلات سوريا الداخلية أولاً والتخلص من النظام ضمن الأولاً ،ويقبل كل من يضع نفسه في هذه الخانة . وهو ما يلاحظ من الإشارة إلى التحالف مع خدام في اللحظة الراهنة وتأجيل ملفاته إلى حين سقوط النظام وتحقيق ديمقراطية الطوائف ...
ولم تكتفي الأطراف الليبرالية بإلاشارة لذلك بل عقدت حلفاً عبر "جبهة الخلاص الوطني " و التي جاءت متناغمة مع إعلان دمشق في أكثر من نقطة وإن لم يتم الإعلان عن تناغماتها رسمياً .
هذا الصراع بين التيارين. بدأ يعلن عن نفسه ، وربما سيكون له دور في تطوير سوريا أو تخلفها . والتياران يعلنان أنهما يستهدفان ذات الشيء ، ولكن الحقيقة أن التيار الماركسي على اختلاف أطيافه هوهو الذي بدأ يلعب الدور الأساسي في التطوير والحفاظ على الديمقراطية والعلمانية ومواجهة المشاريع الأمريكية ولا سيما في أمريكا اللاتينية ومن خلال مناهضات العولمة وكثير من الحركات القريبة منه، وهو ما سيكون في سوريا ..
#عمار_ديوب (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟